"قراءة في الاختراق العقدي للأمة في زمن عزتها !*
"وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" هذا لزوم المحجة مأمورًا به كما ترى وهو بيّن كالصراط نفسه..فماذا بعد الطريق اللاحب من حجة؟
لا خلاف بين العقلاء أن الاستشراق كمقدمة طبيعية للغزو الثقافي
كان أخطر بكثير من الغزو العسكري..ومازالت تبعاته تنكأ الجراحات
وتضميد هذا النوع يستنزف طاقاتٍ..ويتطلب نخبة عالية من ذوي الفكر الواعي والعلم الواسع , يجمعون بين الشرعيّ منه والدراية الكافية بالثقافة الغربية وطرائق تفكير القوم..
على أن من البين بلا خفاء" أن كتب الاستشراق ومقالاته ودراساته كلها مكتوبة أصلا للمثقف الأوروبي وحده لا لغيره" كما يقول المحقق الكبير محمود شاكر رحمه الله عزوجل
فلهذا كان الاستغراب - وما يزال- الأخطر..
عربٌ ولكن إن نزعتَ جلودهم..لوجدت أن اللبَ أمريكاني
وعند الناس اليوم يكاد يعد من المسلمات أن جذور الاستغراب تؤول إلى
حقبة الاستخراب التي أسفرت عن التقدم الصناعي..والتطور المدني
وحينئذ لا غرابة أن يقع في شرك الانبهار ثلة من المنهزمين من دواخل أنفسهم..حتى إن بعض كتبهم تنبيك عناوينها عن هذا الانحطاط الثقافي دون الاضطرار لقراءة شيء منها..(انظر مثلا:التبريز في محاسن باريز لرفاعة طهطاوي شيخ الأزهر! )
فلا استغراب أن يقع أمثال هؤلاء في الاستغراب..لأن أسلحتهم الإيمانية والثقافية كانت قد اهترأت من قبل..
لكن..قد دل تاريخ الأمة على أن وقوعها فيه قديم في بعض مناحيه ..وذلك منذ ترجمت كتب اليونان..وهي إذ وقع منها ذلك فلم يكن استنقاذا لنفسها من وهدة الفقر..ولا غيابة الجهل أو الذل..بل كانت إذ ذاك في أوج عزتها ..حتى أن المقولة التي أصبحت مثلا في التباكي على المجد السليب تنتمي إلى ذلك العصر(أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك)
ولئن كان مفهوما في هذا العصر أن تستلب عقولٌ فتهيم في التغني بحضارة الغرب وتتمثل قيمهم كركيزة جوهرية -بزعمهم-في النهوض من ردة التخلف..
فلا ينقضي العجب من وقوع الأمة آنذاك(في عهد العباسيين)..في هذه السقطة الكبرى..التي هي أسوأ من تسول الأثرياء على أبواب الفقراء المخلوعة
..فما تُراه سبب هذه السقطة..الكبرى؟.. والكبرى جدا!
(لم أتعود أن أكيل "جدا" بالمجان..كرديف كلما استعظمت شيئا)
سأحاول الإجابة عن هذه القضية الحضارية..مستعين ا بالله عز وجل..
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل..
ذكر ابن النديم أن ( خالد بن يزيد بن معاوية ..خطر بباله الصنعة فأمر بإحضار جماعة من الفلاسفة ممن كان ينـزل مدينة مصر .. وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي وهذا أول نقل كان في الإسلام من لغة إلى لغة .. )
وفي طوايا الزمن قد تلمح بارقة سبب تحيل إليه ما بعده ويحسبها العجِل مُستَمسكا في تفسير التاريخ..غير أن الارتباط لابد أن يكون
ذا وزن..لئلا يكون التفسير مشتملا على تجنّ..والأمانة العلمية يثقل عبؤها بقدر جلالة الأمر أو رجاله أوحساسيته أو مؤنة التبعات
ومن ذلك ما تراه في كتابات بعض العالة على أبحاث الاستشراق..مثلا, في ربطهم نشأة الاعتزال بموقف الصحابة الذين "اعتزلوا" الفتنة!..بين علي ومعاوية رضي الله عنهما
أو عزوهم نابتة الإرجاء إلى مواقف بعض الجند في الفتح حين عادوا فوجدوا الفتنة قد وقعت..فتوقفوا..ول م يرجحوا أحد الفريقين لالتباس الأمر عليهم
وهكذا نطوي صفحات بالإغضاء عن هذه الخطوة الأموية لأنها مؤطرة باقتباس ما يعد منفعة محضة..من قبيل ما لا يحسن بالأمة أن تعدمه..بل هي بفروض الكفاية ألحق
إلى أن يأتي أبو جعفر المنصور(ثاني خلفاء الدولة العباسية) ..
وتنحرف البوصلة الإسلامية شيئا يسيرا
حيث ترجم كاتبه عبد الله بن المقفع وغيره كتب المنطق عن الفارسية التي كانت ترجمت عن اليونانية..
ثم توسعت في زمن الخليفة هارون الرشيد-رحمه الله تعالى- حين أمر الطبيب الفيلسوف النصراني يُوحنا بن ماسويه ، بترجمة الكتب القديمة التي عثر عليها ببلاد الروم ، و عيّنه مشرفا عاما على الترجمة إلى العربية, و كان يحيى بن خالد البرمكي الفارسي مربي الرشيد في صغره قد راسل ملك الروم وسأله كتب اليونان في خزائنه.. ،فلعله السر في سير الرشيد على دربه بتلمس النفع في هذه الثقافات وإن كان بنحو محدود
ثم اتسعت الرقعة وبلغت حد الفحش أكثر زمانَ المأمون المعتزلي ذي الميول الشيعية فراسل ملوك الروم يطلب الكتب على شغف منه وتعطش ، ليترجمها إلى العربية التي وسعت كتاب الله لفظا وغاية كما يقول حافظ إبراهيم ، فأرسلوا إليه كتبا كثيرة على بهجة منهم وحبور، من مصنفات فلاسفة اليونان و بلغ حد الهوس عند المأمون أن كان من شروط عقد الصلح بينه وبين الملك البيزنطي ميخائيل الثالث أن يعطيه مكتبة من مكتبات الآستانة
قال الصفدي : ( حدثني من أثق به أن شيخ الإسلام ابن تيمية قدّس الله روحه كان يقول : ما أظن أنّ الله يغفل عن المأمون ، ولا بد أن يقابله على ما اعتمده مع هذه الأمة من إدخال هذه العلوم الفلسفية بين أهلها )
وبعد هذا السرد الخاطف..نعود لما أنشأنا المقال من أجله..
أعني بيان السر الكامن الذي قد يفسر "انهزامية المنتصر" في شيء هو أعز ما يجعله منتصرا:العقيدة! ..(فما تراه سبب هذه السقطة الكبرى؟..(والكبر جدًا))
وإني سائق لك من ركام الفكر ما قد يفسر الحقيقة المرة, محتقبا إبان ذلك ما تقدم من السرد التاريخي السالف..
- حين أصبح كرسي السلطان معتزليّ القوائم..و" إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن" ..لم يكن غريبا أن يكون صاحبه "منفتحًا" على الثقافات الغريبة-أو الغربية إن شئت- وهو إنما أقام مركبه على تيار يضفي هالة من القداسة على "العقل" حتى لو سار به بعيدًا ..وإلى كل وجهة هي عكس النقل (تأمل إن شئت قول زعيمهم عمرو بن عبيد وقد ذكِر له حديث نبوي: "لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته ولو سمعت رسول الله يقول هذا لرددته ولو سمعت الله يقول هذا لقلت:ليس على هذا أخذت ميثاقنا"..!!) ولهذا وصفهم-أعني المعتزلة- آدم ميز وغيره من المستشرقين:بدعا الحرية والفكر المستنير
ومن عجب أن مسألة الحكم في مرتكب الكبيرة وهي من كبريات مفاصلهم.. أكبر في حجمها وأغلظ من جل الكبائر التي بها يجعلون صاحب المنزلة بين المنزلتين في جهنم أبد الأبد..
-وكانت سمعة الفلسفة قد اتخذت مكانتها في الحظوة حين انتسب إليها أطباء مهرة من النصارى واليهود..والفلسف ة في عُرف أهلها عَلمٌ على العلوم الطبيعية والإلهية والطب والمنطق والهندسة..ولك أن تتصور طبقة من أهل القرآن والحديث ليس فيهم طبيب حاذق إلا على ندرة..ثم يستأثر بالصنعة من يحمل شهادة "فيلسوف" مرتديا زِيّ الطبيب..فما ظنك بتأثيره النافذ وسطوته على العقل والقلب معا ؟
لعلك في شك مما قلتُ لك ,فإن كنت..
فاسمع إذن شكاية الشافعي-رحمه الله تعالى-كمثال عابر, يقول الإمام:
(ما وجدت بعد علم الكتاب والسنة أنبل من الطب إلا أن أهل الكتاب غلبونا عليه)
وقال حرملة: (كان الشافعي يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب ويقول: ضيعوا ثلث العلم)
-ولهذا تجد فريق المترجمين من زبانية المأمون..هم في سوادهم الأعظم لم يشموا رائحة الإسلام..اسمع!: يوحنا بن ماسويه ، ،و يحيى بن البطريق ، وحنين بن إسحاق،و زروبا بن ماجوه الحمصي ،و صليبا أيوب الرهاوي ،و داريع الراهب ،و غيرهم من أمثالهم كثر
واعتبر حال طبيب طبيب واحد من هؤلاء( يوحنا بن ماسويه) يستعمله ستة خلفاء عباسيين : الرشيد و الأمين و المأمون و المعتصم و الواثق و المتوكل(حتى ناصر إمام السنة) , أما أبو جعفر المنصور فكان طبيبه هو "الفيلسوف" :جورجيس بن يختشوع!..
والسؤال البدهي هنا:أين الأطباء المسلمون؟..!!
وتأكد حرص أرباب الفلاسفة..على صنائعهم التي اشتهروا بإتقانها كما أسلفت ..حتى أصبح الطب والفلسفة أشبه بالمترادفين..وقد موا أنفسهم للناس باسم الحكمة والطب..(انظر مثلا صنيع ابن أبي أصيبعة حين كتب في تراجم الفلاسفة فقد سمى كتابه"عيون الأنباء في طبقات الأطباء")
واشتهروا كذلك بعلم الهيئة(الفلك)-بسبب شركهم وعبادة الكواكب-....مع حرصهم البالغ أن تكون علوم الإلهيات والطبيعيات كلها مندرجة تحت مسمى واحد:الفلسفة ومهدوا بذلك لقبولهم في المجتمع الإسلامي
- هذا العجز في تحقيق فرض الكفاية من الأطباء المهرة بقي إلى ماشاء الله..فها هو أبو حامد الغزالي يكرر ما قاله إمامه الشافعي , يقول في الإحياء:
بالغوا في الإقبال على الفقه و الخلاف و الجدليات ،و تركوا علم الطب لأهل الذمة ؛ فترخّصوا في الاشتغال بفرض كفاية قام به جماعة ،و أهملوا علم الطب الذي هو فرض كفاية لا قائم به
وهنا يتساءل المرء عن زهادة المسلمين في هذه العلوم النافعة وعلى رأسها الطب..ما سرها؟ ..سيأتيك الجواب عما قليل..
-ومن أعظم من فَصَل خبث الفلسفة وزبدها عن علوم الطبيعة ونحوها ,الإمام العلامة أبو العباس بن تيمية رضي الله عنه..فمع كل جيوشه التي أجلبها عليهم لهدم بنيانهم من أساسه
فخر عليهم السقف من فوقهم ,فإنه أقر بصحة الكثير من علومهم في الرياضيات والهندسة..وغلّب الحق الذي عندهم في هذا الباب على ما يقابله لدى المتكلمين ولم يرده لمجرد أن مصدره الفلاسفة..وقد أصاب رحمه الله تعالى..فنظرية فيثاغورث –مجرد مثال- التي يعرفها أصغر طالب هندسة أو رياضيات..حقيقة علمية محضة مثبتة..وما تحصل عنها من منافع دنيوية لا يخفى على أهل الشأن
-ويظهر أن علماءنا الأوائل أيام ظهور الفلسفة..لمّـا نبا طبعُهم الفطري الصافي ومشربهم الشرعي النمير عن هذا الاسم "الفلسفة" ..أعرضوا عنه بالكلية بكل مشتقاته وتصريفاته..على مبدأ سد ذريعة الشبهات ومجانبة الحوم حول الحمى..خشية مواقعته..ولو أنهم تمثلوا حين ظهرت هذه البلوى نظرية الفصل بين النافع والخبيث بنحو ما سلكه خالد بن يزيد الأموي مع الرد المفصل بنحو ما بينه ابن تيمية لكان في ذلك خير عظيم بتضييق دائرة هذا الشر, الغازي بأمر الحاكم..مع العلم أن كثيرا منهم أعمل هذا المنهج في تلقي الحديث..حيث قبل كبار الأئمة الحفاظ كالبخاري ومسلم وأحمد والنسائي وغيرهم..رواية المبتدع إذا ثبت صدقه (ولو روى ما يؤيد بدعته ,وهو الصحيح )
ودونك ابن خزيمة,يقول رحمه الله تعالى: (حدثنا الصدوق في روايته ، المتهم في دينه: عباد بن يعقوب)
بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من مارس هذا التمييز في تاريخ هذا الدين الخاتم بسيرته حين قبل فكرة الخندق الفارسية..وأبى على عمر-رضي الله عنه-أن يطالع في التوراة كما رواه أحمد والبيهقي..وعلى منهاجه سار الفاروق فلما راسله سعد بن أبي وقاص بما عثروا عليه من كتب في المدائن..أمرهم بإحراقها..
و ضرب رجلا من بني عبد القيس لأنه انتسخ أحد الكتب القديمة وأمره بإتلافه
على أن السلف كانوا سادة الفهم وأئمة العلم,وكان إعراض الكثير منهم عن مقارعة هؤلاء, لا لأنهم أتوا من قبل ضعف عقولهم كما قد يظنه من لا خلاق له
-وحين أصبح هذا "العلم" واقعًا يفرض نفسه بقانون الجهل الرياسي..ونفر عنه الأكابر ,دخل إليه فئام بعدُ من باب دفع شره والحدّ منه باستعمال حدّه..وآخرون ذهبوا مذهب التوفيق حين أخذت لمعة الاندهاش بصائرهم فحاولوا الجمع بين النقيضين:الشريع والفلسفة(تشكل هذا الكائن المسخ شيئا فشيئا حتى ظهر مبينا عن قبحه بوجه محسّن في كتاب ابن رشد"فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من اتصال")..وقوم تمثلوا ما روي عن عليّ رضي الله عنه موقوفا "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها" فأتوا من قبل الغفلة..مع حسن نواياهم..
-وقد قدر لفتنة الاعتزال أن تندرس معالمها ويخبو صوتها إثر ثبات الإمام أحمد..
لكنّ هذه المحنة العظيمة..كانت ميدانا فسيحا تتناصى على إثرها العقول السائمة في المراعي القفر من نور الكتاب والسنة.. قال الإمام ابن تيمية بعد كلامه عن محنة الإمام أحمد : " ثم صارت هذه الأمور سببا في البحث عن مسائل الصفات وما فيها من النصوص والأدلة والشبهات من جانبي المثبتة والنفاة، وصنف الناس في ذلك مصنفات"
-ولما كان الدين -و اللغة وعاء بيانه- جزءا أصيلا وركنا ركينا تقوم عليه ثقافة أية أمة من الأمم
وكانت حركة الترجمة قد اخترقت لحافها الواقي ..وتولدت هنالك مصطلحات أعجمية النسب عن قلب الشريعة وقالبها و أصبح تعلمها وتعلم مدلولاتها من ضرورات الفقه في الدين !..للجمع بين المعقول والمنقول بزعمهم..وشيئا فشيئا حتى تطاول غرسها النكد وأصبحت مركوزة في كتب العلم الشرعي و تواتر عليها المتكلمون والأصوليون وتلطخ بها بعض المحدثين حتى جاء منعطف الغزالي الذي غلا في المنطق وجعله أساسا للوثوق بعلم العالم ,بل تسلل الدخان إلى كتب أهل السنة دون شعور منهم في كثير من الأحيان
واتسع الخرق على الراقع وانقلبت الموازين..
-ومع وعي السلف إزاء الرافد الثقافي الوافد من وراء البحار إلا أنه وقع شيء من قصور في يقظتهم فلم تكن موائمة لحجم الخطر الداهم..ولهذا لم يكن هجرالإمام أحمد لجماعة منهم كيحيى بن معين وعلي بن المديني.. إلا دلالة جلية على فقه هذا الإمام وسداد بصيرته
وأنه ما كان يسعهم أن يترخصوا في مثل هذه المقامات العظيمة والله يعفو عنهم ويرحمهم..وإذا عرفت هذا..أدركت سر المنحة الإلهية يوم خلعت الأمة عليه :إمام أهل السنة..
وما إخالك هنا إلا قد تعجّلت الملامة في نفسك وظننتني أدس السم في الدسم ..!
وإنما قلت ما سمعت لكون هؤلاء أئمة عظام وعلماء كبار لم يأت بعدهم في الجملة مثلهم
ولا يتصور فيمن هو أقل منهم شأنا النكوص عن مجابهة الطغيان السياسي وناهيك إذا تعلق الأمر بأصل التوحيد..وعقيدة الناس..فلهذا قلت إن اليقظة من بعضهم لم تكن بحجم الكارثة
إذ لم ينتفض في وجهها إلا قليل منهم
ولقد كانت بدعة القول بخلق القرآن على غلظتها أهون من "مشروع" الترجمة الشمولي المقنّن على عين الحاكم وتحت بصره
وخذ مثلا موقف الحافظ أبي عمرو بن الصلاح يجسد لك بعد آماد..حقيقة الخطر كما هو فقد أفتى رحمه الله تعالى أن استعادة المدرسة العزيزية من الآمدي خير من استرجاع مدينة عكا من أيدي الصليبيين وكانت إذ ذاك تحت قبضتهم..
فأي سخافة وحماقة ترتكبها أمة الوحي المعصوم حين ترجع في
هذه الحقائق إلى عقل طاليس وأرسطو وأفلاطون وغيرهم من خراصي الأزمان الغابرة ، في حين أن علماء الكون من سلالة هؤلاء وجنسهم لا يعتدون لهم
برأي بل لا يذكرون آراءهم إلا على سبيل التمثيل للسذاجة العلمية والبدائية في التفكير... ولا يخدعنك وصف كبار المتكلمين لهم-يعني الفلاسفة- بأنهم جهابذة الحكماء أو هرامسة الدهور ، فما أدخل الأمة في جحر الضب إلا هؤلاء وأشباههم)
"
وقبل خاتمة الختام..أعود لما وعدت به ..
أعني بيان السبب في زهد المسلمين في تعلم الطب
ويحسن تلخيص ذلك في نقاط :
-أن الصالحين منهم عزفوا عنه تفضيلا لعلم الكتاب والسنة..الذي لا يعدله شيء ولاسيما في نفس من ذاق حلاوته..بخلاف الطب الذي عدوه شيئا دنيويا
-ولما تقدمت الإشارة إليه من كونه لصيقا بعلم الفلسفة..فوقعت النكارة لكل شيء يتعلق بمادة "فلسف"
-وأما غير الصالحين من أصحاب الحظوظ وإن انتسبوا للشرع كالقضاة ونحوهم..فقد ذكر الغزالي عن زمانه ما يفيد انصرافهم عن مهنة الطب لأنها قليلة المكاسب بالنظر إلى ماهم فيه من مناصب رسمية!
وهناك أسباب أخرى
وقبل الختام..قد يثار في نفس القاري..أن يسأل..عن الجدوى من إجهاد القلم في هذا وهو يراه لا طائل تحته..وحسبي جوابا قول الله تعالى"فاعتبروا يا أولي الأبصار"
والتاريخ كتاب السنن الإلهية الضخم..وفي السطور وبطائنها جواب شاف إن شاء الله تعالى
وبعدُ..
فقد بتنا نسمع اليوم دعواتٍ خبيثة يدندن حولها قومٌ بُهت من بني جلدتنا كما تراه مبثوثا في صحفنا (وهي مطروقة في الإعلام منذ زمن غير أنها اليوم أصرح وأوقح)..,يتنادون جميعا بتدريس الفلسفة والاهتمام بها في عُقر التوحيد..في جزيرة العرب
وهم لا يفتؤون مع هذا يسلقون أهل العلم بألسنة حداد..في اجترار لأسلافهم..لكن بشراسة ووقاحة لم تكن عند ألئك..ولا تخطيء العين نفاقهم في لحن القول (تأمل اعتراض بعضهم على وجود آيات قرآنية في كتاب العلوم كقوله تعالى"وجعلنا من الماء كل شيء حي"!)
((فقد بدت "الفلسفة الإسلامية" –كما سميت- نشازا كاملاً في لحن العقيدة المتناسق! ونشأ من هذه المحاولات تخليط كثير، شاب صفاء التصور الإسلامي..مع التعقيد والجفاف والتخليط. مما جعل تلك "الفلسفة الإسلامية" ومعها مباحث علم الكلام غريبة غربة كاملة على الإسلام، وطبيعته، وحقيقته، ومنهجه، وأسلوبه!
وأنا على يقين جازم بأن "التصور الإسلامي" لن يخلص من التشويه والانحراف والمسخ، إلا حين نلقي عنه جملة بكل ما أطلق عليه اسم "الفلسفة الإسلامية". وبكل مباحث "علم الكلام"))
ومن هنا كان السؤال"كيف انهزمنا ونحن منتصرون!" ؟
هذا هو الأمر,فكن من كلامي على ذُكر
..والحمد لله من قبل ومن بعد
*لم أعز للمصادر اختصارا..