بسم الله الرحمن الرحيمقال الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله ونور له في قبره:
«إني والله لا أحبُّ إلا من أحب الله حبا خالصا من الشرك والبدع»اهـ[مع عاهل الجزيرة، لعباس محمود العقاد: 19]
ولا عجبَ أن يقولَ الملك المؤسس هذا الكلامَ، فهو تلميذ الدعوة السلفية وناصرُ السنَّة ورافع لواء التوحيد خفاقا في بلاد الأمن والإيمان!
وكلمتُه هذه -رحمه الله- تعبير عن أصلٍ وثيق في دين الله تعالى، وهو الحب في الله والبغض في الله، فمن أحبَّ الله تعالى ودان له بالتوحيد فهو يكره ما يبغضه الله تعالى من الشرك والفسوق. قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى: «فيحب العبدُ ما يحبُّه الله من الأعمال والأشخاص، ويبغض ما يبغضه الله من الأشخاص والأعمال، ويوالي أولياءَه ويعادي أعداءَه، وبذلك يكمل إيمان العبد وتوحيده» اهـ[القول السديد في مقاصد التوحيد: 106، ط/ دار المغني].
وإنَّ عداوة المشركين من تمام الإسلام، نقل العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن عن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله تعالى- قولَه: «إنَّه لا يستقيم للإنسان إسلامٌ –ولو وحّد الله، وترك الشرك- إلا بعداوة المشركين، والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء»
قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: «مَن اتصف بأنه لا يواد مَنْ حادَّ اللهَ ورسولَه ولو كان أباه أو أخاه، فهذا ممن كتب الله في قلبه الإيمان»اهـ [تفسير القرآن العظيم: 8/ 54، ط/دار طيبة، الإصدار الثاني].
فتصريح الملك المؤسس رحمه الله بعدم محبته لمن أشرك، أو ابتدع. منقبة، تحمد له، لأن ذلك مبني على البغض في الله تعالى، وتقديم مرضاته على رغبات النفس؛ فإن النفس تشتهي أحيانا مصانعة الناس وإن انحرفوا عن الإسلام أو حادوا عن السنة، لما تجده -أي النفس- من مطامع دنيوية أو تخافه من متاعب. وهذا من الحيدة عن رضا الله، وتقديم خوف الناس على خوفه -جل وعز- قال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
قال الإمام المجدد في كتاب «التوحيد» [الباب: 30]: وعن ابن عباس رضي الله عنه: «من أحبَّ في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله؛ فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبدٌ طعمَ الإيمان -وإن كثرت صلاتُه وصومُه- حتى يكون كذلك، وقد صارت عامَّةُ مؤاخات الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يُجدي على أهله شيئا». رواه ابن جرير. اهـ.
قال العلامة سليمان بن عبد الله -رحمه الله- في «تيسير العزيز الحميد»: «هذا الكلام قاله ابن عباس رضي الله عنه في أهل زمانه، فكيف لو رأى الناس فيما هم فيه من المؤاخاة على الكفر والبدع والفسوق والعصيان؟!» [تيسير العزيز الحميد: 414، ط/ الشركة الجزائرية اللبنانيَّة].
قال الشيخ عبد اللطيف رحمه الله: «وبعض من يدَّعي الدين، إنَّما يتعبد بما يُحسِن في العادة، ويُثْنَى عليه به، ما فيه مقاطعة ومجاهدة وهجر في ذاتِ الله، ومراغمة لأعدائه، فذاك ليس منه على شيء؛ بل ربما ثبَّطَ عنه، وقدح في فاعلِه»
ومن ذلك عدم مجانبة أهل البدع المعاندين؛ فإن مخالتطهم وتهوين خطرهم، وتمكينهم إعانة على إدخال الخلل في إسلام الناس، وحرفهم عن جادة الحق، حتى تصير السنة عندهم بدعة، والبدعة سنة، ولقد وقف السلف الصالح رحمهم الله تعالى من وجه المحرفين في دين الله المستدركين على الشارع المفرقين لجماعة المسلمين، فكشفوا زيوفهم ودعوا إلى مجانبتهم وإقصائهم.
قال الأوزاعي رحمه الله: «كانت أسلافكم تشتد عليهم –أي على أهل البدع- ألسنتُهم، وتشمئِزُّ منهم قلوبُهم، ويحذرون الناس بدعنهم» [نسبه الشيخ سليمان بن عبد الله روايةَ هذا الأثر إلى ابن وضاح].
اللهم اجعلنا ممن يحب إذا أحب فيك، ويبغض إذا أبغض فيك، وتب علينا يا رحيم يا رحمن!.
ناصر الكاتب
ليلة: 13 / 12 / 1429هـ.