تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    الحمد لله وحده..
    أما بعد، فهذا استشكال طريف وضعته على واحد من منتديات المتصوفة القبورية.. قلت تحت عنوان "استشكال أرجو الجواب عليه" :
    أليس قد قال تعالى عن النصارى (وهم مشركون بالاجماع) مخاطبا نبيه عيسى: (( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)) [المائدة : 116]
    فلما كان النصارى يتخذونه وأمه الهين من دون الله، أقام الله يوم القيامة الحجة عليهم بأن أشهد المسيح أمامهم على أنه لم يأمرهم بذلك .
    والآن يأتي السؤال: هل تعرفون طائفة واحدة في الأرض تقول بأن مريم هي الله أو أنها جزء منه أو أنها اذ يطلبون منها الغوث والمدد والشفاعة والاستغفار، يعتقدون أن ذلك كله يأتي من عندها هي لا من عند الآب (يعني الرب)؟
    كلا! كلهم يؤمنون بأن المدد والغوث انما يأتي من الرب، وهم اذ يصلون لها ويدعونها ويطلبون منها المدد، فانما يسألونها سؤال المتوسل بها، أن تستغفر لهم فيقولون: "صلي من أجلنا واشفعي لنا"! هذه الصورة، سماها القرءان تأليها لها وعبادة، وجعلها من الشرك!
    فما الفرق يا اخوان بين هذه الصورة وبين ما أفاض الكاتب في وصفه من صورة الاستغاثة بالولي الميت في الغيب وطلب المدد والعون منه ومما أعطاه الله؟
    أرجو أيها الكرام جوابا علميا موضوعيا دون سب أو تنقص أو اتهام..
    ----- ----------
    فجاءني بعد فترة رد من واحد منهم يقول:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله تنزه عن الأضداد والأمثال والشركاء، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد الشفعاء، وآله وصحبه ما دامت الأرض والسماء.
    سلام الله عليكم ورحمته وبركاته...
    السيد الكريم:
    سؤالكم فيه تلبيس وإشكال ووضع الشيء في غير موضعه.
    فالتفاسير سيدي تصرح بخلاف ما ذكرت، وسنورد لك ذلك، في أن صورة تأليههم للسيدة مريم على نبينا وعليها وعلى إبنها أفضل الصلاة وأتم السلام إما في جعلها مع الله ثالث ثلاثة تعالى الله عن ذلك، أو في جعلها وسيدنا عيسى مع الله كل واحد إله كما سيرد في التفاسير، أو في قولهم إن سيدنا عيسى إله أو ابن الإله ثم جعلهم أم الإله إله.
    أما صورة التوسل وطلب الشفاعة التي أوردتها أنت في هذا الموضع فلم ترد في التفاسير فيما يخص هذا الأمر، فهو إتيان بمسألة وتلبيسها بمسألة أخرى، وأمر الشفاعة والتوسل والوسيلة ومشروعيتها وارد بتفصيله في ردود أهل السنة والجماعة على الوهابية في هذه المسألة بتفصيله الوارد في أماكن أخرى،
    وحان الآن النقل عن التفاسير ووضع الأمر في يد أهله:
    ومواقع الكتب المشار إليها حسب ترتيب الشاملة.
    ففي تفسير الطبري - (ج 10 / ص 483)
    12294 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"لقد كفر الذين قالوا: إنّ الله ثالث ثلاثة"، قال: قالت النصارى:"هو والمسيح وأمه"، فذلك قول الله تعالى:( أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) [سورة المائدة: 116].
    وفي تفسير الطبري - (ج 11 / ص 237)
    قال أبو جعفر: وأما تأويل الكلام، فإنه: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين"، أي: معبودين تعبدونهما من دون الله. قال عيسى: تنزيهًا لك يا رب وتعظيمًا أن أفعل ذلك أو أتكلم به = ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق"، يقول: ليس لي أن أقول ذلك، لأني عبد مخلوق، وأمي أمَةٌ لك، وكيف يكون للعبد والأمة ادّعاء ربوبية؟ = "إن كنت قلته فقد علمته"، يقول: إنك لا يخفى عليك شيء، وأنت عالم أني لم أقل ذلك ولم آمُرهم به.
    وفي تفسير البغوي - (ج 3 / ص 82)
    { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ } يعني: المرقوسية، وفيه إضمار معناه: ثالث ثلاثة آلهة، لأنهم يقولون: الإلهية مشتركة بين الله تعالى ومريم وعيسى، وكل واحد من هؤلاء إله فهم ثلاثة آلهة، يبين هذا قوله عز وجل للمسيح: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"؟(المائدة، 116)
    وفي تفسير ابن أبي حاتم - (ج 5 / ص 43)
    6681- أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَوْدِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ " ، قالتِ النَّصَارَى:"إِن َّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ وَأُمُّهُ"، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: " أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ "
    وفي تفسير الألوسي - (ج 4 / ص 328)
    { وَلاَ تَقُولُواْ ثلاثة } أي الآلهة ثلاثة : الله سبحانه والمسيح ومريم كما يبنىء عنه قوله تعالى : { أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين مِن دُونِ الله } [ المائدة : 116 ] إذ معناه إلهين غير الله تعالى فيكونون معه ثلاثة . وحكي هذا التقدير عن الزجاج ، أو الله سبحانه ثلاثة إن صح عنهم أنهم يقولون : الله تعالى جوهر واحد ثلاثة أقانيم ، أقنوم الأب ، وأقنوم الابن ، وأقنوم روح القدس ، وأنهم يريدون بالأول الذات أو الوجود ، وبالثاني العلم أي الكلمة ، وبالثالث الحياة كذا قيل .
    وتحقيق الكلام في هذا المقام على ما ذكره بعض المحققين أن النصارى اتفقوا على أن الله تعالى جوهر بمعنى قائم بنفسه غير متحيز ولا مختص بجهة ولا مقدر بقدر ولا يقبل الحوادث بذاته ولا يتصور عليه الحدوث والعدم ، وأنه واحد بالجوهرية ، ثلاثة بالأقنومية ، والأقانيم صفات للجوهر القديم ، وهي الوجود والعلم والحياة ، وعبروا عن الوجود بالأب والحياة بروح القدس والعلم بالكلمة . ثم اختلفوا فذهب الملكانية أصحاب ملكا الذي ظهر بالروم واستولى عليها إلى أن الأقانيم غير الجوهر القديم ، وأن كل واحد منها إله ، وصرحوا بإثبات التثليث ، وقالوا : إن الله ثالث ثلاثة سبحانه وتعالى عما يشركون ، وأن الكلمة اتحدت بجسد المسيح وتدرعت بناسوته وامتزجت به امتزاج الماء بالخمر وانقلبت الكثرة وحدة وأن المسيح ناسوت كلي لا جزئي وهو قديم أزلي ، وأن مريم ولدت إلهاً أزلياً مع اختلافهم في مريم أنها إنسان كلي أو جزئي ، واتفقوا على أن اتحاد اللاهوت بالمسيح دون مريم ، وأن القتل والصلب وقع على الناسوت واللاهوت معاً ، وأطلقوا لفظ الأب على الله تعالى ، والابن على عيسى عليه السلام .
    وفي الدر المنثور - (ج 3 / ص 423)
    وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة } قال : قالت النصارى : إن الله هو المسيح وأمه ، فذلك قوله { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } [ المائدة : 116 ) .
    انتهى المراد نقله.
    مما سبق يتضح أن تأليههم للسيدة مريم تأليه ينافي صورة التوسل والتشفع التي لبست بها الأمر، وذلك كمن يقول إن اليهود يعتقدون أن سيدنا موسى نبي ونحن نعتقد أن سيدنا موسى نبي فالعقيدتين واحدة، إن هذا القائل قد قدم مقدمات وإنتهى إلى نتيجة لا علاقة لها بالمقدمات وإن كان ظاهرها فيه تلبيس، فكذلك المقدمتان اللتان قدمتهما والنتيجة التي وصلت إليها هي من سبيل التلبيس وليس السياق المنطقي الصحيح، وقولك: (يعتقدون أن ذلك كله يأتي من عندها هي لا من عند الآب (يعني الرب)؟) فيه دليل على تأليههم إياها فحيث جعلوا الإله الرب هو الآب فكذلك تأليههم للأم فافهم رزقك الله صحيح الفهم وصافي النظر.
    وقولك: (هذه الصورة، سماها القرءان تأليها لها وعبادة، وجعلها من الشرك!) هو تقول على الله وعلى القرآن بغير حق فالصورة إنما أنت من أتى بها لا القرآن ولكن القرآن أتى بصورة أخرى وبآيات أخر فسر بها بعض المفسرين هذه الآية وهم أولى عندنا من وضعكم أنتم لصورة ثم تقولون سماها القرآن سبحانك هذا بهتان مبين.
    وختاماً أرجو مراجعة أنفسكم في مسألة التوسل والوسيلة فعليه كان السلف والخلف والله يتولانا وإياكم ويهدينا سواء السبيل.
    --- ------
    فأجبته قائلا:
    الحمد لله وحده
    أما بعد، فقد قلتَ في جوابك عن استشكالي:
    "فالتفاسير سيدي تصرح بخلاف ما ذكرت، وسنورد لك ذلك، في أن صورة تأليههم للسيدة مريم على نبينا وعليها وعلى إبنها أفضل الصلاة وأتم السلام إما في جعلها مع الله ثالث ثلاثة تعالى الله عن ذلك، أو في جعلها وسيدنا عيسى مع الله كل واحد إله كما سيرد في التفاسير، أو في قولهم إن سيدنا عيسى إله أو ابن الإله ثم جعلهم أم الإله إله. "
    وأقول هذه مغالطة واضحة يا أخ فقير، فالآية انما بينت أنهم اتخذوا مريم عليها السلام الها معبودا، ولم تصرح – ولا حتى الماحا - بأنها من تلك الثلاثة المشار اليهم في الآية الأخرى، وهذا لدقة واحكام النص القرءاني، فمعلوم لكل من عنده أدنى دراية بمعتقد جميع النصارى في سائر بلاد العالم، أن الثلاثة الذين يتكون منهم الثالوث - الذي هو ركن دينهم وهو ذات الله عندهم باجماع لا يشذ عنهم فيه أحد، سبحانه وتعالى عما يصفون علوا كبيرا - هو الآب والابن والروح القدس، وليس الآب والابن والأم..
    فالواقع أنه لم يقل أحد من النصارى بأن أم الاله جزء من الثالوث أو أنها شريك في اللاهوت على نحو ما يعتقدون في الابن والروح! وان ادعيت ذلك فعليك الاتيان ببينته من كلامهم هم، لا من كلام جماعة من علماء المسلمين لم يصيبوا – كما سياتي تفصيله - في تصور تلك الثلاثة التي يعتقد النصارى أنها هي ذات الله! وكون هذا القول قد ذهب اليه أكثر المفسرين، هذا يجعله قول الجمهور على أقصى تقدير! وقول الجمهور ليس بحجة كما هو متقرر في الأصول، فقد يكون الحق في خلافه، وما دام الخلاف موجودا فهو ليس باجماع، والحجية انما تكون في الاجماع الذي لا يعلم فيه مخالف. ولم ينقل أي اجماع عن أئمة التفسير في تفسير هذه الآية على أن المراد بالثلاثة فيها: الأب والابن والأم! كما أنه لم ينقل اجماع على أن المراد باتخاذ مريم الها: أن تكون أقنوما أو تكون مساوية للمسيح فيما يزعمونه له من "اللاهوتية" ومن كونه "جزءا" من ذات الرب، سبحانه وتعالى علوا كبيرا!
    وتأمل – غير مأمور – قول الامام الخازن رحمه الله في تفسيره: " قوله تعالى : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) وهذا قول المرقوسية والنساورية من النصارى.
    ولتفسير قول النصارى طريقان : أحدهما وهو قول أكثر المفسرين إنهم أرادوا بهذه المقالة أن الله ومريم وعيسى آلهة ثلاثة وأن الإلهية مشتركة بينهم وأن كل واحد منهم إله ويبين ذلك قوله تعالى للمسيح : ( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ( " ؟ فقوله ثالث ثلاثة فيه إضمار تقديره إن الله أحد ثلاثة آلهة أو واحد من ثلاثة آلهة.
    قال الواحدي : ولا يكفر من يقول إن الله ثالث ثلاثة ولم يرد به أنه ثالث ثلاثة آلهة لأنه ما من اثنين إلا والله ثالثهما بالعلم ويدل عليه قوله تعالى في سورة المجادلة ) ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا وهو سادسهم ( " وقد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) ؟.
    والطريق الثاني : أن المتكلمين حكوا عن النصارى أنهم يقولون : إنه جوهر واحد ثلاثة أقانيم أب وابن وروح القدس وهذه الثلاثة إله واحد كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة , وعنوا بالأب الذات وبالابن الكلمة وبالروح الحياة وأثبتوا الذات والكلمة والحياة قالوا إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء باللبن , وزعموا أن الأب إله والابن إله والروح إله والكل إله واحد .. " اهـ. (لباب التأويل 2/77)
    بل انظر كيف أجاب الامام القرطبي رحمه الله على هذا الاستشكال في تفسيره عند هذه الآية – وهو من الذين أخرجوا رواية السدي التي عليها معول القول بادخال مريم في الثلاثة - قائلا: " فإن قيل : فالنصارى لم يتخذوا مريم إلها فكيف قال ذلك فيهم ؟ فقيل : لما كان من قولهم إنها لم تلد بشرا وإنما ولدت إلها لزمهم أن يقولوا إنها لأجل البعضية بمثابة من ولدته , فصاروا حين لزمهم ذلك بمثابة القائلين له" اه.
    فالامام رحمه الله كان يدري أن ثالوث النصارى ليست مريم عليها السلام داخلة فيه!
    ومثله ما قاله الامام السمعاني رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية، قال: " فإن قال قائل : هم لم يتخذوا أمه إلها ؛ فما معنى قوله : ( ^ اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) ؟ قيل : إنه - جل وعز - لما أراد ذكر عيسى مع أمه ، قال : إلهين ، وهذا كما يقال عند ذكر أبي بكر وعمر معا : عمران ، وقالوا : هذا سنة عمرين ، ويقال للشمس والقمر : قمران ، قال الفرزدق : ( لنا قمراها والنجوم طوالع ** )
    يعني : الشمس والقمر ، وقيل : إن عيسى كان بعضا لمريم ، فلما اتخذوه إلها ؛ فكأنهم اتخذوا أمه إلها" اهـ. (تفسير السمعاني 2/82)
    وقال الامام ابن الجوزي في زاد المسير: " ولفظ الآية لفظ الاستفهام ومعناها التوبيخ لمن ادعى ذلك على عيسى قال أبو عبيدة وإنما قال آلهين لأنهم إذ أشركوا فعل ذكر مع فعل أنثى غلب فعل الذكر ذكروهما فان قيل فالنصارى لم يتخذوا مريم إلها فكيف قال الله تعالى ذلك فيهم فالجواب أنهم لما قالوا لم تلد بشرا وإنما ولدت إلها لزمهم أن يقولوا إنها من حيث البعضية بمثابة من ولدته فصاروا بمثابة من قاله .." (زاد المسير 2/464)
    وكذا قال الامام الماوردي رحمه الله في تفسيره: " فإن قيل : فالنصارى لم تتخذ مريم إلهاً ، فكيف قال تعالى فيهم ذلك ؟
    قيل : لما كان من قولهم أنها لم تلد بشراً وإنما ولدت إِلَهاً لزمهم أن يقولوا إنها لأجل البعضي بمثابة من ولدته ، فصاروا حين لزمهم ذلك كالقائلين له ." اهـ (النكتب والعيون 2/86)
    وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة رحمهم الله موافق لما عليه اعتقاد النصارى في العذراء! فالبعضي هذا الذي يذكرونه هو الناسوت في المسيح، (الجانب البشري الطيني) وهو المأخوذ منها، بينما اللاهوت – على عقيدتهم – مأخوذ من الروح القدس (أو من الآب نفسه، على خلاف بين طوائفهم) فهم لا يجعلونها أقنوما ولا جزءا من الثالوث ولا يساويها أحد منهم بالمسيح أو بالآب، وانما يجعلونها في منزلة رفيعة مقدسة لكونها أم الرب عندهم، فوجب تقديسها من هذه الوجهة! وقد بلغ الغلو فيها عندهم مبلغه وان لم يروا أنها جزء من الرب الخالق أو أنها مساوية له!
    أما الاستشهاد من جانب من ذكرت من أهل التفسير باعتقاد طوائف قديمة في لاهوتية مريم عليها السلام، فهذا لا يغير حقيقة أن جميع طوائف النصارى كانت ولا زالت تتخذها الها من دون الله وان لم تكن داخلة في الثالوث عندهم ولا مساوية للأب والابن والروح، وانما هي في عقيدتهم بشرا طارها صافيا قدسيا لا دخل للاهوتية فيه!
    وانا أدعوك لسؤال أي نصراني من أي طائفة تختارها عن عقيدته في العذراء مريم لتعرف بنفسك!
    وفي الحقيقة فان استدلال كثير من المفسرين على أن الثلاثة المشار اليها في قوله تعالى ((ولا تقولوا ثلاثة)) وقوله ((ثالث ثلاثة))، هي الله والمسيح ومريم، بناءً على قوله تعالى: ((أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله)) استدلال غير صحيح! ذلك أن تقديس وتذلل وتعبد النصارى للعذراء، وصلاتهم لها ورفعهم الدعاء اليها وتسبيحها بصلاة "الوردية" وغيره مما يتعبدون به لها، كل هذا دليل واضح على التأليه كما سيأتي، مع كونها ليست من الثالوث في شيء عندهم! فهي والمسيح على رأس ما يتوجهون اليه بالعبادة والتأليه من دون الله، وان كان اعتقادهم في طبيعة المسيح بخلاف اعتقادهم في طبيعتها.. فمن جهة اتخذاهما الهين فهذا حاصل، ولكن الآية لا تدل على أنها داخلة في الثالوث!
    ولفظة ثلاثة في الآيات عامة، فتنصرف الى اعتقاد النصارى الذي أجمعوا عليه وهو أن الرب ثلاثة أقانيم لجوهر واحد، كلها آلهة وكلها اله واحد، وليست العذراء داخلة فيها، وهذا هو اعتقادهم الخرافي قاتلهم الله! وتأليههم لمريم العذراء وعبادتهم اياها لا يلزم منه دخولها في تلك الثلاثة، لأن القرءان لم يصرح بادخلها فيها، ولم يساو بينها وبين المسيح فيما اعتقدوه في أمرهما، انما ساوى بينهما في عبادتهما وتأليههما. وليس قوله تعالى ((الهين من دون الله)) بدليل على ادخالها في تلك الثلاثة، وانما هو دليل على ادخالها في جملة ما يعبده النصارى من معبودات، لا تنحصر بالضرورة في تلك الثلاثة!
    ألا ترى أن الله تعالى يقول في حق اهل الكتاب أنهم: ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله . ؟ فلم يقصر القرءان اتخاذ الأرباب والآلهة من قبل أهل الكتاب في تلك الثلاثة! وهذا عدي ابن حاتم يسأل النبي عليه السلام في تلك الآية، قال: يا رسول الله ما اتخذناهم أربابا، لم نسجد لهم، قال ألم يحلوا لكم الحرام ويحرموا عليكم الحلال فأطعتموهم؟ قال: بلى، قال: فذلك عبادتكم إياهم! فتأمل كيف ان مفهوم العبادة – والتي هي حقيقة التأليه – غير منحصر عند النصارى فيما يعتقدونه في الثلاثة التي يتكون منها الثالوث! فدل على بطلان التلازم بين عبادتهم اياها وبين دخولها في الثلاثة! وعلى أن مفهوم العبادة والتأليه أوسع مما عليه اعتقاد النصارى في تلك الثلاثة تحديدا، فهو مفهوم يشملها من غير ادخالها فيهم! فهي على هذا الهة عندهم معبودة من دون الله وان لم تكن من تلك الثلاثة..
    أما قولك: "أما صورة التوسل وطلب الشفاعة التي أوردتها أنت في هذا الموضع فلم ترد في التفاسير فيما يخص هذا الأمر"
    وقولك: " مما سبق يتضح أن تأليههم للسيدة مريم تأليه ينافي صورة التوسل والتشفع التي لبست بها الأمر"
    فأقول سبحان الله! يا سيدي تصورك عن عقيدة النصارى في العذراء – مع احترامي لك – تصور غير صحيح! بل ان عبادتهم اياها تتمثل في سؤالهم وتذللهم بين يديها لتشفع لهم وتصلي من أجلهم، على اعتبار أنها انسانة طاهرة مقدسة، ذات مكانة رفيعة عند الرب!
    ألست تتكلم عن صورة عبادتهم لمريم عليها السلام؟ فلماذا لا ترجع الى كتبهم هم والى صلواتهم وعباداتهم وأدعيتهم لترى بنفسك حقيقة عبادتهم اياها وما يقولون هم في ذلك ؟؟ دعني اذا أنقل اليك من صلواتهم ما أسأل الله أن يكون كافيا لاقناعك بحقيقة عبادتهم اياها وتأليههم اياها كيف تكون ..
    لعلك أن تتفضل مشكورا – غير مأمور – بقراءة هذه الأنشودة التي يتلوها النصارى في مناجاة العذراء..
    يقولون:
    "يا أمَّ الله يـا حنــــونــــة
    يا كنزَ الرحمة والمعونــــــَـ ـة
    أنتِ ملجانا وعليكِ رجـانــــــا
    تشفّعي فينا يــا عـــــــذراء
    وتحنّني على مـوتـــــانــــ ا
    وإن كان جسمُكِ بعيداً منّــــــا
    أيتُها البتـــول أمّنــــــــا
    صلَواتُكِ هي تَصحَبُنا
    وتكون معنــا وتحفظنـــــــا
    بجاه مَن شـــرّفكِ على العالَميــن
    حين ظهَر منكِ ظهوراً مبيــــــن
    أطلُبي مِنه للخـــاطئيـــــ ـن
    المراحم لدهرِ الداهــريــــــ ن
    أنتِ أمّنا ورَجـــــانــــ ــا
    انتِ فخرنا ومَلجـــانـــــ ـا
    عندَ ابنكِ إشفعــي فينـــــــا
    ليغفر برأفته خطايـــانــــــ ا
    لا تُهمِلينـا يـا حنـونـــــــة
    يـا مملـوءة كلَّ نِعــمَــــــة
    بـل خلّصي عبيـدَكِ أجمَعيـــــن
    لنَشكُرَكِ لــدَهـر الـداهــريـن
    (رفعت رابط الموقع الكنسي المنقول منه النص احتراما لضوابط المجلس)
    فها هم يقولون لها "عبيدك" وهم من أول الدعاء الى آخره انما يستشفعون بها ويتوسلون ويطلبون دعاءها وصلاتها لهم!
    وهذا نص صلاة الوردية الصلاة الأشهر عند النصارى، يقولون في مقطعها الثاني:
    " السلام عليكِ يامريم
    يامُمتَلئة نعمة
    الرب معكِ
    مباركة انتِ في النساء
    ومباركة ثمرة بطنك
    سيدنا يسوع المسيح
    ياقديسة مريم
    ياوالدة الله
    صلي لإجلنا نحن الخُطاة
    الآن وفي ساعة موتنا
    آمين..."
    بل وتأمل هذا الدعاء الطويل، وانظر الى طبيعة العبودية والتأله المصروف للعذراء هنا:
    " ايها الآب السماوي الله...................... ..........أرحمنا
    ياأبن الله مُخلص العالم.................. .............أرحمنا
    ياروح القدس الله...................... ................أرحمنا
    أيها الثالوث القدوس الإله الواحد.................. أرحمنا
    ياقديسة مريم...................... .....................صلي لإجلنا
    ياوالدة الله...................... ........................ .صلي لاجلنا
    ياعذرا العذارى................ ........................... صلي لإجلنا
    ياأم سيدنا يسوع المسيح.................. ..............صلي لإجلنا
    ياأم النعمة الألهية................ ........................... صلي لإجلنا
    يااما طاهرة.................... .......................صل ي لإجلنا
    يااما عفيفة.................... .......................صل ي لإجلنا
    ياأماغير مدنسة.................... .......................صل ي لإجلنا
    ياأما بغير عيب........................ ...................صلي لإجلنا
    ياأما حبيبة.................... .......................صل ي لإجلنا
    ياأما عجيبة.................... .......................صل ي لإجلنا
    ياأم الخالق.................. .........................ص لي لإجلنا
    ياأم المخلص.................. .........................ص لي لإجلنا
    يابتولا حكيمة.................... ......................صلي لإجلنا
    يابتولا مكرمة.................... .....................صلي لإجلنا
    يابتولا ممدوحة.................. .....................صلي لإجلنا
    يابتولا قادرة.................... .......................صل ي لإجلنا
    يابتولا حنونة.................... .......................صل ي لإجلنا
    يابتولا أمينة.................... .......................صل ي لإجلنا
    يامرآة العدل.................... .......................صل ي لإجلنا
    ياكرسي الحكمة.................. ....................صلي لإجلنا
    ياسبب سرورنا.................. .....................صلي لإجلنا
    ياأناءأ روحيا.................... ....................صلي لإجلنا
    ياأناءأ مكرما.................... ....................صلي لإجلنا
    ياأناء العبادة الجديدة................ ...............صلي لإجلنا
    ياوردة سرية...................... ..................صلي لإجلنا
    ياأرز لبنان.................... ......................صلي لإجلنا
    يابرج داؤد...................... ....................صلي لإجلنا
    يابرج العاج.................... .....................صلي لإجلنا
    يابيت الذهب.................... .....................صلي لإجلنا
    ياتابوت العهد.................... ....................صلي لإجلنا
    ياباب السماء.................. ......................صلي لإجلنا
    يانجمة الصُبح.................. .....................صلي لإجلنا
    ياشِفاء المَرضى................ .....................صلي لإجلنا
    ياملجا الخطأة.................. .......................صلي لإجلنا
    يامُعزية الحزانى................ ......................صلي لإجلنا
    يامَعونة النصارى................ .....................صلي لإجلنا
    ياسلطانة الملائكة.............. .......................صلي لإجلنا
    ياسلطانة الآباء.................. ........................صل ي لإجلنا
    ياسلطانة الأنبياء.............. .........................صل لإجلنا
    ياسلطانة الرسل.................... .....................صلي لإجلنا
    ياسلطانة الشهداء................ .......................صلي لإجلنا
    ياسلطانة المعترفين............ .........................صل لإجلنا
    ياسلطانةالعذارى .............................. ..... .....صلي لإجلنا
    يلسلطانة جميع القديسيين............ ..................صلي لإجلنا
    ياسلطانة الوردية المقدسة................ .............صلي لإجلنا
    ياسلطانةالسماوا ت والأرض.................. .........صلي لإجلنا
    ياسلطانة حُبل بها بلا دنس........................ ......صلي لإجلنا
    ياسلطانة الأنتقال.............. ............................ صلي لإجلنا
    ياسلطانة السلام.................. .........................ص لي لاجلنا
    ياحمل الله الحامل خطايا العالم.................. ........أنصت الينا
    ياحمل الله الحامل خطايا العالم.................. ........استجب لنا
    ياحمل الله الحامل خطايا العالم.................. ..........أرحمنا ... "
    (رفعت رابط الموقع الكنسي المنقول منه النص احتراما لضوابط المجلس)
    نقلت هذا الدعاء الأخير على طوله لأنه قد أذهلني حقيقة نسبة ما فيه من التأله والتذلل والتعبد للعذراء في مقابل ما فيه من التوجه بذلك لله والمسيح معه مجتمعين!! النسبة 50 الى 7!!! وكل هذا وهم لا يقولون لها الا "صل لأجلنا" كما ترى!!! فصدق الله العظيم!
    أكتفي بهذا، وان شئت المزيد زدتك، ولكن لا أظن أن الحاجة تدعو اليه!
    هذا ولا أظنه يخفى عليك أن كلمة "اله" في اللغة لا ترادف الرب الخالق الذي بيده كل شيء، فلا يلزم من التأله والتعبد اعتقاد أن ذاك المعبود هو الخالق الرازق الباري، ولا يلزم من اتخاذ جماعة من الناس الها معبودا أن يعتقدوا أن هذا الاله هو الله نفسه أو أنه جزء منه أو أقنوم منه أو نحو ذلك! والا فلا حجة فيما وبخ القرءان به مشركي قريش من كونهم على الرغم من اقرارهم بأن الله هو وحده الخالق الباري الرازق، الا أنهم يعبدون من دونه ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئا، ويزعمون أن هذا من الوسيلة التي تقربهم الى الله زلفى، ((أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)) [الزمر : 3]
    وتامل قوله تعالى: ((قلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ [يونس:31] وقوله: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ)) (المؤمنون:84-89)
    والنصوص القرءانية وافرة في ذلك المعنى – محاججة مشركي قريش - ولا داعي لنقلها منعا للاطالة! ولكن الشاهد أن الله هو الذي عد ذلك التأله وتلك العبادة شركا: تأليه وعبادة مخلوق تزلفا وتقربا الى الله! فتأمل بروية وانصاف، هداك الله الى الحق، وراجع قولك هذا: " هذا تقول على الله وعلى القرآن بغير حق فالصورة إنما أنت من أتى بها لا القرآن ولكن القرآن أتى بصورة أخرى وبآيات أخر فسر بها بعض المفسرين هذه الآية وهم أولى عندنا من وضعكم أنتم لصورة ثم تقولون سماها القرآن سبحانك هذا بهتان مبين"
    وأما التوسل المشروع، فلا يدخل فيه التوسل بالموتى واستشفاعهم وطلب دعائهم والمدد منهم! فهذه هي بعينها صورة تاليه النصارى لمريم ولسائر القديسين عندهم، وهو ما أثبتناه فيما تقدم بحول الله وقوته، والله الهادي الى سواء السبيل!
    والحمد لله رب العالمين.
    انتهى الجواب.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    الدولة
    مسافر في بحار اليقين ... حتى يأتيني اليقين ؟!
    المشاركات
    1,121

    افتراضي رد: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء مشاهدة المشاركة
    وأما التوسل المشروع، فلا يدخل فيه التوسل بالموتى واستشفاعهم وطلب دعائهم والمدد منهم! فهذه هي بعينها صورة تاليه النصارى لمريم ولسائر القديسين عندهم، .
    إذن أخي الكريم فأنت تقول بأن هذا هو مناط التكفير ؟

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    التوسل بالموتى اما أن يكون على صورة ما هو عند بعض العلماء بدعة وذريعة الى الشرك، أو ما هو شرك أكبر لا مرية فيه .. ومن أهل العلم من فصل في ذلك بين التوسل بجاه النبي عليه السلام وجاه غيره، وبين طلب الدعاء من الصالح الميت عند قبره مباشرة ظنا منه بأنه يسمعه وبين دعائه في غير ذلك الموضع، مع وكون الأدلة الصحيحة لا تفيد مشروعية شيء من ذلك، والله أعلم، والأمر فيه تفصيل علمي دقيق .. وأنا هنا أتكلم عن الاستغاثة وسؤال المدد من الموتى الصالحين : من اعتقد أنهم يسمعونه في الغيب حيثما كان، وأنهم مع سمعهم قادرون على اجابته الى طلبه واغاثته وامداده بالمدد والعون ونحو ذلك، (بالدعاء له والتشفع في الغيب كما يطلب النصارى من مريم ويوجهون اليها العبادات والدعاء من أجل ذلك) فقد أشرك بالله شركا أكبر، والله المستعان. بل اني أقول بأن هناك من المنتسبين الى الاسلام من خلعوا على من أسموهم بالأقطاب من الأولياء من صفات الربوبية والتدبير والتصرف في الكون ما لم يصل اليه حنى النصارى أنفسهم مع ما ثبت لهم بالنص والواقع من اتخاذهم مريم الها من دون الله!! فانا لله وانا اليه راجعون!
    والا فيا أخ خلوصي، الاستشكال في موضوعي هذا أوجهه اليك، راجيا منك الجواب العلمي المنضبط - لا كدأبك معي - :
    ما هو قولك فيما يفعله النصارى مع مريم عليها السلام؟؟
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  4. #4

    افتراضي رد: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    جزاك الله خيرا --- موضوع مهم أسجل فيه حضوري

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    752

    افتراضي رد: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    بارك الله فيك يا ابا الفداء ...حبذا لو نعود سيرتنا الأولى و نركز على مثل هذه المواضيع الهامة و الفاصلة في تكوين الشخصية المسلمة و تصفيتها و تزكيتها من ادران العبودية و الخنوع و الذل لغير خالقها..و تلقينها مبادئ الحرية و الانعتاق و الاستقلالية من أي مخلوق مهما علا شأنه و عظمت منته...بعد ان اجتاحت الساحة الجدالات البيزنطية في مواضيع غيبية لم نكلف الدخول فيها و لا أن تكون عامة رأسمال دعوتنا..و لم تورثنا الا مزيد انقسام و تشرذم و خنوع و تحزب..عدا امراض التباهي و التفاخر و الجدال بالباطل..أسجل متابعتي لمناصحتك مع الأخ فقير سائلا المولى ان يعينكما على احسن القول و يقيكما شرور انفسكما
    من أجمل ما قرأت في الحب:
    "وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته"

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    بارك الله فيك أخي أبا الفداء .. لكن اسمح لي ببعض التعقيب على ما تفضلتم به .

    أولاً : ليس الإشكال في المسألة المطروحة كون مريم -عليها السلام- داخلة في الثالوث أم لا ، بل موضع الإشكال الصحيح هو طبيعة معتقد النصارى فيها ، وهل كانوا يعتقدون فيها الربوبية أم مجرد الوساطة بين الله -عز وجل- وخلقه .

    فإن تم تحرير هذا الموضع ، وظهر أنّ النصارى كانوا يعتقدونه أنها والدة الله -سبحانه وتعالى عمّا يقولون- ، فعندئذ يجب أن يكون هو محور النقاش .

    فإن القبوريين حجّتهم في ضلالهم أنهم يقولون : إننا لا نزعم أنّ هؤلاء الوسائط بنات أو أولاد لله -عز وجل- ، كما كان يفعل كفار قريش ، كما قال الله - عز وجل - فيهم : {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ} [النحل : 57] ، وأيضاً : {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنعام : 100]

    بل نقول إنهم عباد مكرمون ذوو وجاهة ومكانة عند الله - عز وجل - .. لا وجاهة الولد (كاعتقاد النصارى في المسيح -عليه السلام-) أو البنت (كاعتقاد كفار قريش في أصنامهم) أو الأم (كاعتقاد النصارى في مريم -عليها السلام-) عند الرجل ، لكن وجاهة العبد المكرّم عند سيّده !

    هذا هو موضع الإشكال الذي يجب تحريره وبناء الردّ عليه .

    هذا ، والله أعلم .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    شكر الله لك يا ابن الرومية وجزاك الله خيرا.

    حياك الله يا أبا شعيب .. يبدو لي أنك لم يظهر لك وجه المقارنة التي يدور حولها هذا الطرح .. فإن القضية بالأساس تنحصر في مفهوم كلمة (إله) ومعنى اتخاذ المخلوق إلها، وليس فيما إذا كان ذلك المخلوق شريكا للخالق في الربوبية أو خلاف ذلك.. وهذه قضيتنا مع النصارى في مريم كما هي قضيتنا مع القبوريين فيمن غلوا فيهم من البشر! أما من زاد من القبوريين ونسب لأولئك المقبورين بعض صفات الرببوية وجعلهم أقطابا وأبدالا ونحو ذلك، فقد جاوز بشركه شرك النصارى في مريم أصلا!
    فإن النصارى لا يقولون إنها شريك للرب في ربوبيته، ولا يقولون إن لها تصرفا في الكون، وإنما يقولون إنها نفس بشرية ناسوتية محضة، طهرها الرب وباركها ليضع في رحمها - بزعمهم - أقنوما من أقانيمه، فيخرج ناسوتا ولاهوتا متمثلا في المسيح عليه السلام (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا). فاتخاذ المسيح إلها عندهم قائم قياما تاما على أنه هو الرب نفسه، أو أقنوم من أقانيمه (وليس شريكا له في الربوبية)، فهم يقولون إن كل ما للرب فهو له، وكل ما له فهو للرب، بخلاف معتقدهم في مريم، فإنها عندهم امرأة بتول طاهرة كرمها الرب تكريما خاصا لم يكن لأحد من البشر، ولكنها في النهاية مهما عظمت فهي عندهم لا تجاوز منزلة البشر! فهي عندهم في مقام العبد البشري المطهر رفيع المنزلة، وليست في مقام الرب كمقام المسيح أو بقية الأقانيم! ووصفها بأم الرب لا يجعلها تعدو عندهم ذلك المقام (من حيث طبيعتها وجوهرها وما يتعلق بالربوبية).
    فالحاصل أنه بالتأمل في معتقد النصارى في مريم ومعتقد القبوريين في أولئك المقبورين، ترى أن معنى التأليه (بالتوسط والاستغذاثة ونحو ذلك من صور الغلو فيهم) واحد ولا فرق! وبهذا يتحقق المقصود من المقارنة، والله أعلم.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    بارك الله فيك أخي الكريم .. تحمّلني رجاء .

    أنت تقول معززاً ما ذهبت إليه في أصل الموضوع :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
    ألا ترى أن الله تعالى يقول في حق اهل الكتاب أنهم: ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله . ؟ فلم يقصر القرءان اتخاذ الأرباب والآلهة من قبل أهل الكتاب في تلك الثلاثة!
    ما أفهمه من كلامك هنا أنك لا تنفي احتمال إيمانهم بربوبية غير الله - عز وجل - خارج نطاق التثليث .. فهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً .. وهم خارج دائرة التثليث .

    وقد اتخذوهم كذلك بنسبة إحدى خواص الربوبية إليهم ، وهي خاصية التشريع ، فجعلوا فيهم الحق في الاستدراك على الله - عز وجل - في أمره وشرعه ! .. ثم أطاعوهم في هذا "الاستدراك" ، فكانت لهم عبادة .. هذا ، وهم يعتقدون أن هؤلاء الأحبار مخلوقون .. ولكنهم تناقضوا فجعلوا للعبد المخلوق الحق في الاستدراك على خالقه !!

    ثم انظر يا أخي الكريم تفصيل أهل العلم لهذه المسألة .. فذكروا أنه من أطاع غير الله في المعصية ، دون استحلال (أي دون اعتقاد أحقيّة هذا المخلوق في الاستدراك على الله ، بحيث يكون حكمه عنده أفضل من حكم الله) ، فهو قد وقع في الشرك الأصغر .

    وإن أطاعه مع اعتقاد الربوبية فيه وأحقيته في التشريع والاستدراك على الله ، فقد وقع في الشرك الأكبر .

    هذا ، والفعلان متماثلان .. فهذه طاعة في معصية .. وتلك نفس الطاعة في نفس المعصية .. ولكن ما فرّق بينهما في الحكم هو كنه الاعتقاد في غير الله - عز وجل - .

    ونحن هنا أمام شيء مشابه .. فهم يعتقدون بوجاهة عند الله - عز وجل - أعظم من وجاهة المخلوق عند خالقه ، وهي وجاهة الأم عند ابنها ، تجعلها تشفع عنده بغير إذنه ، وتجعله منصاعاً لأمرها لا يخالفها في شيء خوف غضبها .. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .. وهو قولهم فيما تفضلت بنقله عنهم : "يا والدة الله" .. وكذلك تناقضوا هنا .. فكيف للمخلوق أن يلد الخالق ؟؟ أو كيف للمخلوق أن يحتوي الخالق ؟

    فهم من جانب يعتقدون بربوبية إلههم .. ومن جانب آخر يعتقدون بعبوديته لإله أعظم منه .. ولذلك هم متناقضون في معتقدهم ؛ فهذا هو معنى اتخاذ مريم - عليها السلام - إلهة من دون الله - عز وجل - .. هو أولاً باعتقاد الوجاهة الشركية ، كوجاهة الحاجب عند الملك .. وثانياً : العمل بمقتضى هذا المعتقد بأن يسألوها أن تشفع لهم بغير إذن الله - عز وجل - حتى يغفر لهم مُكرهاً بشفاعة أمه عنده !! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

    بينما هؤلاء القبوريون يعتقدون بوجاهة مخلوق عند خالق .. وعبد عند ربّه .. وعابد عند إلهه ؛ ويقولون إنها بإذن الله - عز وجل - ، ولا يستطيع الوليّ أن يُكره الله - عز وجل - على شيء لا يريده .

    والمشابهة بين هؤلاء وهؤلاء هو في الظاهر فقط ، لا في حقيقة المعتقد .

    هذا ما سيوردونه عليك عندما تتحاور مع أكابرهم (وتستطيع أن ترى هذه التأصيلات في منتدياتهم) ، وبذلك برروا جواز الاستغاثة بالأولياء وطلب الشفاعة منهم بعد موتهم .

    هذا ، والله أعلم

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    بارك الله فيك .. قولك هذا:
    وهي وجاهة الأم عند ابنها ، تجعلها تشفع عنده بغير إذنه ، وتجعله منصاعاً لأمرها لا يخالفها في شيء خوف غضبها
    غير مسلَّم، بل لا يوافقك عليه أحد من النصارى حتى مع ما تراه من عبادتهم إياها!
    فهم لا يرون لها حظا من اللاهوت ولا من صفات الربوبية، ولا يقولون إن لها أن تشفع عند الرب بغير إذنه أو إنه لا يملك أن يثني لها طلبا، بل هم يطلبون منها الصلاة والتوجه بالرجاء من الرب من أجلهم! فهي وإن كانت "أم الرب" عندهم إلا أنها عبد مخلوق من مخلوقاته كرمها "الآب" ورفعها بجعل ابنه المسيح ثمرة بطنها، (أي إن شئت فقل إنها بمنزلة صاحبة الآب الخالق، أم ولده لا أمه!!)
    وقولهم أم الرب على اعتبار أن المسيح هو الرب عندهم، فاستعمال كلمة الرب عندهم يختلف عنه عندنا إذ كانوا يلقبون بها المسيح بمعنى راعينا والقائم على أمرنا، لا بمعنى الخالق المتفرد بربوبية الكون وحكمه، ومثل هذا المعنى يستعملونه في العهد القديم مع الرب الخالق نفسه بمعنى الأب الراعي، ولكن ليس هذا مراد النصارى من إطلاق اللفظة على المسيح.. وفي هذا تفصيل ليس ههنا محله..
    فالشاهد على أي حال أنهم لم يعتقدوا في مريم الربوبية قط! وإنما اعتقدوا فيها منزلة رفيعة عند الرب تجعل من دعائها وشفاعتها بابا لا يرد في اعتقادهم، فخاطبوها بما لا يخاطب به إلا رب العالمين من العبادات والدعاء.. فذلك اتخاذهم إياها إلها من دون الله
    وهذا الوجه - تحديدا - هو ما وافقهم فيه القبوريون، وهو المقصود هنا، ولو زعموا ما زعموا، والله المستعان!
    ومن ثم يتبين أن قولك وفقك الله:
    والمشابهة بين هؤلاء وهؤلاء هو في الظاهر فقط ، لا في حقيقة المعتقد .
    ليس بالفارق الذي يؤثر في علة هذا القياس أو يبطلها، إذ الوجه الذي فيه التشابه (الذي تصفه أنت بالظاهر) هو عين شرك النصارى في العبادة والدعاء، وهو ما وافقهم فيه القبوريون تمام الموافقة! فالذي يعتقد في فلان أنه قطب الأقطاب من دعاه في البر أو البحر أجاب، وأنه له منزلة عند رب العالمين لا يرد له معها شفاعة ولا طلبا، فقد وافق النصارى في علة توجههم إلى مريم بتلك العبادات، (والوجه المراد من هذا كله هو حقيقة صرف العبادة لذلك المخلوق وشرك الألوهية في ذلك) بغض النظر عن السبب في تلك المنزلة التي جعلها كل من الفريقين لهذا العبد المخلوق، التي جعلته أهلا عندهم لأن تصرف إليه تلك العبادات!
    فالحاصل أنه إن تمارى أحد القبوريين وقال نحن لا نعتقد أن منزلة أحد من الأولياء عندنا تشبه المنزلة التي جعلها النصارى لأم الرب، قلنا له نعم لعله كذلك، ولكن تفاوت المنزلة بين هذا المخلوق الذي عبدتموه أنتم في قبره وهذا المخلوق الذي عبده النصارى، لا يؤثر في نزول حكمهم عليكم في شيء.. إذ العلة بكل وضوح إنما هي اتخاذ ذلك المخلوق إلها من دون الله على نحو ما تقدم وصفه، والله أعلى وأعلم!
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    بارك الله فيك أخي .

    يظهر لي أخي الكريم أنك تخلط ما بين معتقد الكاثوليك (وهم أكبر طائفة منتسبة للمسيح ، والنصارى متبرئون منها) ، وبين معتقد سائر النصارى !

    أما الكاثوليك الذين تفضلت بنقل ابتهالاتهم وتضرعاتهم ، فهم يصرحون بأمومة العذراء للخالق - سبحانه وتعالى - ، ويصرفون إليها تضرعاتهم ورجاءهم وابتهالاتهم بناء على ذلك ، ما أبته عليهم سائر طوائف النصارى .

    وأنا أتكلم معك من خلال معرفتي بهم عن كثب ، ومحاورتي لهم .. ويتجلى ذلك في الترنيمة التي جئت بها في أصل الموضوع .. انتبه إلى ألفاظ التأليه التي يستعملونها في شأن مريم - عليها السلام - :

    (ملاحظة : هذه القبسات هو من الترنيمتين التي نقلتها أنت عنهم في صلب الموضوع) :

    - يا أمَّ الله يـا حنــــونــــة
    - عندَ ابنكِ اشفعــي فينـــــــا

    وفي الصلاة الوردية :

    - يا والدة الله

    وفي الترنيمة الطويلة والأخيرة ، تأمل هذه الألفاظ :

    - يا والدة الله .............................. ................ صلي لأجلنا
    - يا أم الخالق .............................. ............. صلي لأجلنا
    - يا إناء العبادة الجديدة .............................. . صلي لإجلنا
    - يا سلطانة الملائكة .............................. ....... صلي لإجلنا
    - يا سلطانة السماوات والأرض ........................... صلي لإجلنا

    --------------------

    كل هذا يصحح كلامي ويثبته في أنهم يعتقدون أنها من الله ، بمنـزلة الأم من ابنها .. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

    فهي عندهم - بحسب ما صرّحوا به في هذه الابتهالات - : والدة الله ، والدة الخالق ، سلطانة الملائكة ، سلطانة السماوات والأرض !!

    تقول :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
    غير مسلَّم، بل لا يوافقك عليه أحد من النصارى حتى مع ما تراه من عبادتهم إياها!
    لعلك بحثت في معتقد الأرثودوكس أو البروتستانت أو المعمدانيين أو اللوثريين .. ولم تبحث في معتقد الكاثوليك (وهي أكبر طائفة منتسبة للمسيح في العالم ، يعدّ أهلها بأكثر من بليون نسمة حول العالم ، وهي مذهب بابا الفتيكان) .

    ابحث في معتقد الكاثوليك أخي الكريم ، وسترى ما يقولون في العذراء .. وكلامهم الذي نقلته أنت عنهم يكفي في إثبات اعتقادهم لوجاهة الأم عند ابنها .

    تقول :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
    فهم لا يرون لها حظا من اللاهوت ولا من صفات الربوبية، ولا يقولون إن لها أن تشفع عند الرب بغير إذنه أو إنه لا يملك أن يثني لها طلبا، بل هم يطلبون منها الصلاة والتوجه بالرجاء من الرب من أجلهم! فهي وإن كانت "أم الرب" عندهم إلا أنها عبد مخلوق من مخلوقاته كرمها "الآب" ورفعها بجعل ابنه المسيح ثمرة بطنها، (أي إن شئت فقل إنها بمنزلة صاحبة الآب الخالق، أم ولده لا أمه!!)
    ما معنى قولهم إذن : والدة الله ، ووالدة الخالق ، وسلطانة الملائكة ، وسلطانة السماوات والأرض ، وإناء العبادة ؟

    وحتى لو سلمنا بأنهم يعتقدون أنها صاحبته ، أم ولده .. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .. فهذا يعني أنهم يعتقدون بوجاهة تعادل وجاهة المرأة عند زوجها ، التي يحبها ولا يستغني عنها ، والراعية لولده .. وهذه ربوبية كذلك ، وإن تناقضوا بقولهم إنها مخلوقة .

    مع العلم أن من تعزو إليهم في نقلك ، أي : الكاثوليك .. لا يعتقدون بعبودية مريم - عليها السلام - لما يدعون أنه الآب ، وهم مع اعتقادهم أنها مخلوقة ، إلا أنهم يجعلونها بمنـزلة سلطانة السماوات والأرض ، أي : شريكة لله - عز وجل - في حكمه وسلطانه .


    وإن من يعتقد بعبوديتها هم الأرثودوكس وأكثر طوائف النصارى .. وهم مع ذلك لا يدعونها ولا يبتهلون إليها ، بل يدعون عيسى - عليه السلام - . فإنهم (أي سائر طوائف النصارى) لا يرونها تعدو أن تكون قديسة كسائر القديسات ، اختارها الآب ليجعل فيها ابنه في حالة الناسوت .. فهي عندهم مجرد وعاء ، لذلك لا يدعونها ، بخلاف الكاثوليك .

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
    وقولهم أم الرب على اعتبار أن المسيح هو الرب عندهم، فاستعمال كلمة الرب عندهم يختلف عنه عندنا إذ كانوا يلقبون بها المسيح بمعنى راعينا والقائم على أمرنا، لا بمعنى الخالق المتفرد بربوبية الكون وحكمه، ومثل هذا المعنى يستعملونه في العهد القديم مع الرب الخالق نفسه بمعنى الأب الراعي، ولكن ليس هذا مراد النصارى من إطلاق اللفظة على المسيح.. وفي هذا تفصيل ليس ههنا محله..
    يردّه قولهم : يا والدة الله ، ويا والدة الخالق !

    فانتبه أخي الكريم عند تحريرك لمعتقداتهم ، وتنبه للفارق الكبير في عقيدة الكاثوليك وسائر الطوائف الأخرى .

    مع التذكير أن الكاثوليك أنفسهم لا يقولون إنهم نصارى ، ويجعلون سائر الطوائف زنادقة .. أو : هراطقة (Heretics) .

    ---------------------

    تقول أخي :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
    فالحاصل أنه إن تمارى أحد القبوريين وقال نحن لا نعتقد أن منزلة أحد من الأولياء عندنا تشبه المنزلة التي جعلها النصارى لأم الرب، قلنا له نعم لعله كذلك، ولكن تفاوت المنزلة بين هذا المخلوق الذي عبدتموه أنتم في قبره وهذا المخلوق الذي عبده النصارى، لا يؤثر في نزول حكمهم عليكم في شيء.. إذ العلة بكل وضوح إنما هي اتخاذ ذلك المخلوق إلها من دون الله على نحو ما تقدم وصفه، والله أعلى وأعلم!
    هل لك أن تعقّب على هذا القبس من مشاركتي السابقة ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو شعيب
    ثم انظر يا أخي الكريم تفصيل أهل العلم لهذه المسألة .. فذكروا أنه من أطاع غير الله في المعصية ، دون استحلال (أي دون اعتقاد أحقيّة هذا المخلوق في الاستدراك على الله ، بحيث يكون حكمه عنده أفضل من حكم الله) ، فهو قد وقع في الشرك الأصغر .

    وإن أطاعه مع اعتقاد الربوبية فيه وأحقيته في التشريع والاستدراك على الله ، فقد وقع في الشرك الأكبر .

    هذا ، والفعلان متماثلان .. فهذه طاعة في معصية .. وتلك نفس الطاعة في نفس المعصية .. ولكن ما فرّق بينهما في الحكم هو كنه الاعتقاد في غير الله - عز وجل - .
    وجزاك الله خيراً

  11. #11

    افتراضي رد: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    الاخوة طلبة العلم الكرام
    أحببت التذكير أن الاستدلال بالطوائف النصرانية الحادثة بعد التنزيل لا يجوز في هذا المقام. فالقرآن يتحدث عن النصرانية المحرفة وقت التنزيل لا في الطوائف التي ستظهر بعده.

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    أخي الكريم أبا شعيب، ما تفضلت به من أن هذا المعتقد في مريم تنفرد به طائفة الكاثلويك غير صحيح، بل تشترك فيه أغلب طوائفهم، لا سيما الأرثوذوكس على تنوع طوائفهم، ولم تشذ شذوذا واضحا عن مجموع ملل النصارى في توجههم إليها بالدعاء والعبادة إلا البروتستنت (مع أنهم يتفقون على كونها ولدت المسيح الذي هو الرب عندهم أيضا، على خلافات فلسفية بين الطوائف في العلاقة بين الناسوت واللاهوت)، ولو شئت أن نأتي بالأدلة من كتب تلك الطوائف فلا بأس، ولكن لا أرى المقام يستدعي ذلك ولا أحب الخوض فيه، فغاية المراد يا أخي الكريم من ذكر غلو النصارى في مريم في مقام محاججة القبوريين: تقرير أن من طوائف النصارى - في زمان التنزيل وفي زماننا هذا كذلك - من يتخذ من مريم إلها من دون الله، مع كونه لا يدعي لها صفة من صفات الربوبية، وإنما يعدها نفسا بشرية خالصة مطهرة بلغت الغاية في قدسية البشر، وهذا ما تقوم به حجة القرءان في هذا المعنى عليهم، بتحرير معنى اتخاذهم إياها إلها عند تلك الطوائف التي غلت فيها في زمان التنزيل وفي زماننا هذا!
    وفي جميع الأحوال فإن لي أن أقول لك: فلنسلم لك تنزلا أن الكاثوليك منفردون بهذا المعتقد وهذا التوجه بالعبادة لمريم، وليس من الطوائف من يفعل هذا الآن سواهم = هل يؤثر هذا في مرادي في شيء؟؟ أليست الكاثوليك من طوائف النصارى؟؟ أليست مخاطبة بخطاب الله لها في اتخاذ مريم إلها من دون الله؟؟
    فلا وجه لهذا الكلام في الحقيقة:
    يظهر لي أخي الكريم أنك تخلط ما بين معتقد الكاثوليك (وهم أكبر طائفة منتسبة للمسيح ، والنصارى متبرئون منها) ، وبين معتقد سائر النصارى
    ولا أظنك تجهل أن سائر طوائف النصارى الكبرى يكفر بعضهم بعضا، ويتبرأ بعضهم من بعض! ولا أرانا في حاجة لتحرير هذا المعنى حقيقة فضلا عن الاستدلال له!
    غير أني عجبت أيما عجب لقولك هذا:
    الكاثوليك أنفسهم لا يقولون إنهم نصارى
    !!
    ما دليلك على هذه الدعوى العجيبة يا أخي الفاضل وكيف يمكن تصورها أصلا؟؟
    بل إنهم يؤمنون بأنهم هم النصارى الحق أتباع المسيح وبأنه لا يوجد في الأرض "مسيحيون" بحق سواهم، وهم والأرثوذوكس أقدم الطوائف الباقية في زماننا هذا عند التحقيق، وهم يدعون أن سلطان الكنيسة عندهم مستمد من تعاليم الكتاب المقدس ومن الموروث من فهم سلفهم (الآباء الأوائل الوثنيين!!) لذلك الكتاب، لا بناءً على ما أحدثته بعض الطوائف بعد ذلك!
    وأما مريم فهم يصفونها بأنها أم الرب وأم الإله وأم الخالق، لأن الآب والابن عندهم واحد في الجوهر! فإن جادلتهم في هذا دخلت معهم في فلسفة الأقنوم التي لا رأس لها من قدم ولا وجه لها من قفا، ولعلك قد خبرت في محاورتهم من ذلك الشيء الكثير! فالقصد أنها عندهم - مع كل ما في صلواتهم من وصف لها بأم الرب وأم الخالق - امرأة من بني آدم رفعت إلى منزلة رفيعة، إذ وضع الرب الخالق بزعمهم أقنوما من أقانيمه في رحمها وجعلها أما لناسوت ذلك الأقنوم ووالدة له.. فلا يؤدي هذا إلا إلى جعلها بشرا ذا وجاهة ومنزلة خاصة يوجه إليها الدعاء في الغيب من أجلها = وهو معنى اتخاذها إلها من جانب النصارى أو تلك الطوائف منهم وهو غاية ما أريد إثباته ههنا!! فما وجه اعتراضك على هذا المعنى يا أخي الكريم ؟؟ وما محل النزاع فيه أصلا؟
    أنا أدري أنك لا تنازعني في هذا المعنى وإنما تريد سوق الإيرادات التي يمكن أن يعترض بها القبوريون على إنزالي لهذا الخطاب القرءاني عليهم كما على النصارى، ولكنني حقيقة لا أرى أي وجه لهذه الإيرادات يبطل المراد من الموضوع!
    بل أراها غير مستقيمة بالأساس!
    وتأمل قولك بارك الله فيك:
    وإن من يعتقد بعبوديتها هم الأرثودوكس وأكثر طوائف النصارى .. وهم مع ذلك لا يدعونها ولا يبتهلون إليها ، بل يدعون عيسى - عليه السلام - . فإنهم (أي سائر طوائف النصارى) لا يرونها تعدو أن تكون قديسة كسائر القديسات ، اختارها الآب ليجعل فيها ابنه في حالة الناسوت .. فهي عندهم مجرد وعاء ، لذلك لا يدعونها ، بخلاف الكاثوليك .
    هذا الكلام خطأ محض يا أخي الفاضل، وسأكتفي لبيان الخطإ فيه بسوق هذا النقل من موقع من مواقع مطرانيات الأرثوذوكس المصريين تحت عنوان (صلاة إلى أم النور).. وهم من الأرثوذوكس الذين نسبتَ إليهم أنهم لا يدعونها ولا يبتهلون إليها! (وتوجه النصارى الأرثوذوكس بالدعاء والعبادة لمريم لا يخفى على أحد أصلا ولا يحتاج إلى نقل)
    هنذا امام قدميك يا ام يسوع المنزهة عن كل وصمة , اقبلت اليك مفعم القلب مسرورا متفانى النفس وفاء وشكرا لسابغ فضلك ايتها العذراء الجليلة والسيدة الحنونة ملكة قلبى , لقد اعلنت انك امى حقا , واعربت عن محبتك المفرطة , لانى كنت اتلهف كمدا وغما , فبادرت الى اغاثتى , كنت حزينا فعزيتنى ,كنت فى ضيق واضطراب , فاوليتنى السلامة والهناء , كانت اوجاع الموت واهواله محيطة بى فتنازلت ونظرتى الى نظرة الحنو والشغقة , ففرجت عنى وسكنت روعى , ومن ذا الذى يلتجىءالى حماك ويثق بك ويرجع خاسرا خائبا , فلو ادرك الناس جودتك الفائقة واحاطوا علما بشفقتك على من هم بين انياب الشدة
    ولو شئتَ نقلتُ إليك المزيد - والشبكة مملوءة لمن يريد - ولكن لا أريد أن ينقلب بنا الموضوع إلى تحرير الفوارق بين تلك الطوائف، إذ هذا لا تأثير له على معنى التأله والتوجه بالعبادة الذي هو مراد القرءان وهو كذلك وجه تنزيلي لذلك النص على القبوريين!
    فأرجو ألا نتوسع فيما يخرج بنا عن الطرح ويضيع على القارئ ثمرة الموضوع في بنيات الطريق..
    والله الموفق.

    تقول وفقك الله
    ثم انظر يا أخي الكريم تفصيل أهل العلم لهذه المسألة .. فذكروا أنه من أطاع غير الله في المعصية ، دون استحلال (أي دون اعتقاد أحقيّة هذا المخلوق في الاستدراك على الله ، بحيث يكون حكمه عنده أفضل من حكم الله) ، فهو قد وقع في الشرك الأصغر .
    وهذا الضابط الذي حررتَه للتفريق بين الشرك الأكبر والأصغر إنما يقال في شرك الطاعة.. أما العبادات فشأن آخر..
    فمن الأفعال التعبدية ما هو شرك أكبر قطعا ولا يلزم لوصفها بهذا الوصف تحقق هذا الاعتقاد الذي ذكرته عند فاعلها.. ومنها الاستغاثة بالموتى ودعاؤهم بالغيب من دون الله (وهو علة إدخالي القبوريين مع النصارى ههنا)! فهل يعتقد هؤلاء المستغيثون المشركون فيمن يدعونهم بالغيب هذا الاعتقاد الذي ذكرته؟؟؟! ما من قبوري من غلاة القبوريين على وجه الأرض إلا ويجزم يقينا بأنه بريء من هذا الاعتقاد، حتى من يقولون بالأقطاب والأبدال ذوي التصرف في السماوات والأرض، بل حتى النصارى لا يقولونه في مريم! فتنبه - رحمك الله - لهذا!
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    حسناً أخي الكريم .. لا نختلف - إن شاء الله - ، ولعلّي كنت مخطئاً في تحرير مذاهب القوم بحسب ما سمعت من عامّتهم ، حيث إن الأمور العلمية الخبرية لا تؤخذ إلا من أرباب المذاهب ، لا من عامتهم الجهلة .

    تقول :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
    فغاية المراد يا أخي الكريم من ذكر غلو النصارى في مريم في مقام محاججة القبوريين: تقرير أن من طوائف النصارى - في زمان التنزيل وفي زماننا هذا كذلك - من يتخذ من مريم إلها من دون الله، مع كونه لا يدعي لها صفة من صفات الربوبية، وإنما يعدها نفسا بشرية خالصة مطهرة بلغت الغاية في قدسية البشر، وهذا ما تقوم به حجة القرءان في هذا المعنى عليهم، بتحرير معنى اتخاذهم إياها إلها عند تلك الطوائف التي غلت فيها في زمان التنزيل وفي زماننا هذا!
    لي ملاحظات أرجو أن تعتبر فيها أخي الفاضل :

    1- هل كونهم اتخذوا مريم - عليها السلام - إلهاً من دون الله - عز وجل - ، كان بناء على نسبة الربوبية إليها ؟ .. وقمت وحصرت معنى الربوبية عند النصارى في الثالوث .

    ثم جئت بترانيمهم التي يبتهلون بها لمريم - عليها السلام - ، وفيها من نسبة الربوبية إليها ما فيها ، كادعائهم أنها والدة الله - عز وجل - (لا والدة الربّ على المعنى الذي تفضلت به أنت) ، ووالدة الخالق ، وسلطانة السماوات والأرض ، وسلطانة الملائكة ..

    وحتى لو سلّمنا أنهم يعتقدون فقط أنها صاحبة الله - سبحانه وتعالى - ، وأنها راعية ولده الذي يحتاجه ولا يستغني عنه ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .. فهذا أيضاً من الربوبية ، والأمر ظاهر .. فكونها صاحبة له ، معناه أنها ارتفعت عن درجة المخلوق العبد إلى درجة قد تتساوى بها مع الله - عز وجل - ، والعياذ بالله .

    أما كونهم يعتقدون أنها مخلوقة .. فهذا لا ينفي اعتقادهم أنها ربّة كذلك ، وإن اختزلوا هذا المعنى بألفاظ كـ "والدة الله ، ووالدة الخالق ، وسلطانة السماوات والأرض" ، وأبوا أن يصرّحوا بلفظ الربّة ، فهذا لا ينفي حقيقة اعتقادهم بربوبيتها .. والجمع بين المتناقضات هو ديدن المشركين عبر العصور ، ويكفيك تناقضاً قولهم بالثالوث .

    2- أنت كنت تحاور أناساً يقولون إنه لا ألوهية إلا باعتقاد الربوبية .. واستدللت بهذه الآية لإثبات أنه يمكن أن تكون هناك ألوهية دون اعتقاد الربوبية ! .. فكان عليك أن تأتي بدليل على ألوهية شيء ما (في اعتقاد المشركين) مجرداً عن أي وصف من أوصاف الربوبية .. بذلك فقط تقيم الحجة وتلزم بها المخالف .

    أما إن جئت بدليل على ألوهية شيء (في معتقد المشرك) ، وهو (أي الدليل) يجمع في الوقت نفسه ربوبية هذا الشيء (في معتقد المشرك) .. فهذا لا تستطيع أن تتخذه حجة في محل النـزاع ، وعندئذ يسقط هذا الدليل .

    فإنك إن قلت لهم : هم اتخذوها إلهاً بمجرد الابتهالات والصلوات .. لأجابوك : بل لاعتقادهم فيها الربوبية .. والدليل الذي جئت أنت به فيه من هذا ومن ذاك .

    هل فهمت ما أرمي إليه ؟

    3- إن استدللت عليهم باللغة العربية ومفهوم لفظ "العبادة" و"الإله" .. لانحصرت حجتك في ذلك ولم تَعْدُه ، ولما كان لتقوم لك بهذه الآية حجة ، إذ جعلت دليلك هو اللغة .

    تقول :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
    ما دليلك على هذه الدعوى العجيبة يا أخي الفاضل وكيف يمكن تصورها أصلا؟؟
    حاورت بعض الكاثوليك الأمريكان ، وقد قالوا لي عندما وصفتهم بالنصارى : We are not Christians, we are Catholic . (الترجمة : نحن لسنا نصارى ، نحن كاثوليك) .. وذكروا أن لديهم إنجيلاً يسمونه : The Catholic Bible (الإنجيل الكاثوليكي) ، مخالف لأناجيل النصارى الآخرين .

    ولو أنك تدخل إلى غرف المحادثات ، ستجد شركة الاستضافة (كالياهو مثلاً) يفرق بين غرف النصارى وغرف الكاثوليك !

    وقد سمعت أحد المشايخ في خطبه يقول بهذا الفرق (أي الفرق بينهم وبين سائر النصارى) ..

    ولكن على أية حال ، لعلّي أكون مخطئاً في عدم تحريري لهذه المسألة من مواردها ، والعلم بهذه المسائل لا يُقتبس عن العوام ؛ فلعلك مصيب في كلامك .

    تقول :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
    وأما مريم فهم يصفونها بأنها أم الرب وأم الإله وأم الخالق، لأن الآب والابن عندهم واحد في الجوهر! فإن جادلتهم في هذا دخلت معهم في فلسفة الأقنوم التي لا رأس لها من قدم ولا وجه لها من قفا، ولعلك قد خبرت في محاورتهم من ذلك الشيء الكثير! فالقصد أنها عندهم - مع كل ما في صلواتهم من وصف لها بأم الرب وأم الخالق - امرأة من بني آدم رفعت إلى منزلة رفيعة، إذ وضع الرب الخالق بزعمهم أقنوما من أقانيمه في رحمها وجعلها أما لناسوت ذلك الأقنوم ووالدة له.. فلا يؤدي هذا إلا إلى جعلها بشرا ذا وجاهة ومنزلة خاصة يوجه إليها الدعاء في الغيب من أجلها = وهو معنى اتخاذها إلها من جانب النصارى أو تلك الطوائف منهم وهو غاية ما أريد إثباته ههنا!! فما وجه اعتراضك على هذا المعنى يا أخي الكريم ؟؟ وما محل النزاع فيه أصلا؟
    طيب أخي الكريم ، دعني أحرر لك المسألة وأحللها :

    أولاً : هم يعتقدون بالثالوث المتناقض .. فلم يمنع الثلاثة كونها متعددة ، لتكون حجة في إبطال الواحد غير المتعدد ! .. ومع ذلك قبلوه واعتقدوا به .
    وثانياً : يعتقدون ببشرية مريم - عليها السلام - ، وربوبيتها في ذات الوقت (وهذا تناقض كذلك) .. ولم يمنع أحد المعتقدين من اعتقاد الآخر .

    فإن أنت قلت حينئذ أنهم اعتقدوا أنها بشر مخلوق .. قلنا لك نعم ، لكن هذا لا ينفي أنهم اعتقدوا أنها ربّة كذلك !! (كما قلنا لك : جمعوا المتناقضات في معتقدهم) .. فلن يكون أحد المعتقدين المتناقضين دليلاً على انتفاء الآخر عندهم .

    فخلاصة الأمر :

    - إنهم اعتقدوا أنها بشر مخلوق ، ورفعوها لرتبة الرب - عز وجل - .. (تناقض)
    - واعتقدوا أن الله خلقها .. ثم اعتقدوا أنها ولدت الله - عز وجل - (تناقض) .
    - واعتقدوا أن الله واحد .. ثم اعتقدوا أنه ثلاثة (تناقض) .

    فلا يمكنك عندئذ أن تستدل بأحد النقيضين لإثبات المعنى الذي ترمي إليه ، ثم تغفل عن النقيض الثاني بدعوى أنه لا يُعقل أو لا يُمكن ! .. لأن الحقيقة أنه واقع !

    فقولك عندئذ :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
    فلا يؤدي هذا إلا إلى جعلها بشرا ذا وجاهة ومنزلة خاصة
    لا يسلم لك هذا الحصر مع أقوام اعتقدوا بالمنتناقضات جميعاً .. بل الأولى أن تقول : جعلوها بشراً ارتقى إلى رتبة الربّ - سبحانه وتعالى - ! .. وهذا ما سيجادلك فيه الصوفية هؤلاء .

    ------------

    كلامك في الأرثودوكس الظاهر أنه صحيح ، وأنا المخطئ (تعلمت درساً ألا أستقي مثل هذه الأمور من العوام) .

    تقول أخي الفاضل :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
    ما من قبوري من غلاة القبوريين على وجه الأرض إلا ويجزم يقينا بأنه بريء من هذا الاعتقاد
    أقول لك نعم ، صحيح .. لذلك عليك أن تأتي بحجة قاطعة في مورد النـزاع ، بأن تثبت أن الألوهية يمكن تحققها دون اعتقاد الربوبية .

    إن قلت لي إن هذه الآية دليل .. قلت لك : وإن كنت ما تزال تراها كذلك ، إلا أنك كما رأيت الشبهات فيها قوية ، وكثيرون لن يسلّموا لك بفهمك المجرّد لهذه الآية بناء على معتقد النصارى المتناقض والمتخبط والمتشعب ..

    بل لو جاءك أحدهم الآن وأثبت لك وجود طائفة من النصارى تُدخل مريم في الثالوث ، وتجعلها أحد الأقانيم ، لسقط هذا الاستدلال جميعه .. بل حتى لو قال إنه مذهب قديم من مذاهب النصارى وانقرض ، ويستدل عليك بأقوال بعض علماء الإسلام ، ويقول لك : هل أنت وقفت على جميع مذاهب النصارى ؟ وهل تكلم هؤلاء العلماء بجهل وعن غير علم بحال النصارى ؟ .. وما إلى ذلك .. فلن يصمد استدلالك هذا أمام تيار شبهاتهم ..

    هذا كل ما وددت قوله ، وأرجو أن يتسع صدرك لكلامي ولا تضيق به ذرعاً ..

    وجزاك الله خيراً وبارك فيك .

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: مناقشة مع قبوري حول حقيقة تأليه مريم عند النصارى..

    أخي الفاضل أبا شعيب وفقك الله، ليس في صدري ضيق من مباحثتك ولا شيء من هذا ولله الحمد.. أسأل الله أن يغفر لي ولك ما زللنا فيه من القول، آمين.
    وهذا الموضوع في الحقيقة لم يكن أكثر من لطيفة انتبهت إليها وأنا أتأمل في خطاب القرءان لأهل الكتاب، فأوردتها على القبوريين لأرى كيف يكون جوابهم عنها. فإن أصبتُ فيها ووفقت ففضل من الله، وإلا فإن حججنا للتدليل على شرك القبوريين ولله الحمد لا ينقصها هذا الكلام الذي جئتُ أنا به في هذا الطرح.. فدعني أنبه القراء الآن إلى هذا حتى لا يتوهم بعض العوام أننا ليس بين أيدينا إلا هذا المسلك لإثبات شرك عباد القبور!!
    لا سيما وقد رأيتك تعقب على قولي هذا:
    ما من قبوري من غلاة القبوريين على وجه الأرض إلا ويجزم يقينا بأنه بريء من هذا الاعتقاد
    بقولك:
    أقول لك نعم ، صحيح .. لذلك عليك أن تأتي بحجة قاطعة في مورد النـزاع ، بأن تثبت أن الألوهية يمكن تحققها دون اعتقاد الربوبية
    فلو تأمل عامي في هذا التحرير منك لظن أن لا حجة لدينا معاشر أهل السنة على من يستغيث بالموتى من الطرقيين وغلاة المتصوفة في أمتنا، ما داموا لا يصرحون باعتقاد الربوبية في المقبورين وينكرونه إن ألزمناهم به!! (وواضح لدي أنك لا تلتزم هذا المعنى ولكن لزم التنبيه للقراء).
    صحيح إن شرك الألوهية يلزم منه - ولابد - قدر من الإشراك في الربوبية عند فاعله وإلا ما استساغت النفس الخضوع والتذلل على هذا النحو لمن لا يملك من الأمر شيئا، ولكن هذا لا يعني أن حجتنا على القبوريين تتوقف على إثبات ظهور ذلك القدر اللازم من شرك الربوبية عندهم في شيء من كلامهم!! فإنه لازم متحقق - عقلا - من مجرد التأمل في تلك العبادات التي يصرفونها لغير الله، وإن أنكروا لزومه، وإن لم نر ذلك الإشراك في الربوبية ظاهرا في كلامهم ودعائهم!

    فإن انتهينا من تقرير هذا المعنى، فلنحرر - للفائدة - مفهوم معنى الربوبية اللازمة من التوجه إلى الميت بالتذلل والعبادة = وهو ما ينكره النصارى جملة وتفصيلا - في جميع طوائفهم - تماما كما ينكر القبوريون خلعهم صفات الربوبية على المقبورين أو لزوم ذلك من دعائهم إياهم واستغاثتهم بهم..
    (ولو شئت أن تتجاوز عن هذا القسم كله ولا تقرأه - إذ هو بالأساس مكتوب لفائدة القراء ودفع الالتباس عنهم - فلا بأس، دعك من المكتوب بالأزرق فيما يلي)

    نقول وبالله التوفيق: من اعتقد أن دعاءه لن يستجاب إلا إن رفعه إلى الله من باب فلان أو فلان من المخلوقين (حيا كان أو ميتا)، فقد أشرك في الربوبية.. إذ لازم ذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يملك ألا يأذن لهذا الشفيع في الشفاعة والتوسط إن شاء!! فإن معنى الوسيلة بذلك ينقلب من رجاء من المتوسل أو المستشفع أن يقبل الله وسيلته تلك في ذلة من كل من الشافع والمستشفع جميعا، إلى طريق متيقن للإجابة والقبول لا يٌقطع سالكه ولا يرد طارقه، بل وترفع إليه الحوائج مباشرة! وهو ما يلزم منه - بوضوح - نزع سلطة القبول والمنع من الله تعالى وجعلها تابعة لإرادة ذلك المخلوق!
    فهل هذا المعنى في إشراك الربوبية لازم من التوجه بالدعاء إلى الميت في الغيب؟
    نقول لولا أن اعتقد القبوريون في المقبورين ما لازمه هذا المعنى، ما تذللوا لهم هذا التذلل، وما خاطبوهم بطلب الغوث والمسألة منهم هكذا مباشرة!! وها نحن نرى من القبوريين من يرغب من عطاء الميت في الغيب فيما لا يكون إلا من الله! يعتقد أنه إن دعاه في بر أو بحر أجاب (وهي صفة ربوبية) وأن له سرا عند الله لا ينقطع وأن الله جعل له أن تأتمر الملائكة بأمره وتنقل إليه أحوال الناس وأعمالهم، فإن جادلته في هذا الكذب، قال هذا كله بأمر الله وإذنه بلا منح لصفات الربوبية ولا شيء من ذلك، ولو قضى الله في أي وقت أن يمنع ذلك المخلوق من كل هذا لمنعه!!! يقولون هذا وأفعالهم تكذبهم، بل ومعاني كلامهم نفسه ولوازمه تكذبهم، تماما كما قال مشركو قريش من قبل ((إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى))، ليس الإشكال ههنا في مجرد فقد الدليل على أن الله قد قضى بأن يكون التقرب إليه من طريق هؤلاء، وإنما الإشكال الأظهر يتمثل في هذا: هل يستقيم عقلا - بالأساس - أن تذهب تتعبد وتتذلل لغير الله لتتقرب بذلك إلى الله؟؟ هذا تناقض واضح في معنى العبودية لله! فهم إنما يتذللون ويتزلفون (يعبدون) في الحقيقة إلى تلك الآلهة وليس إلى الله، ويطلبون منها ما لا يطلب إلا من الله، بدعوى أنها الوسيط أو الشفيع الذي يرفع الدعاء إليه سبحانه! فإن لم يكن هذا هو الشرك فليس في الأرض مشركون!!

    فتحقيقا نقول إن معنى عبادة غير الله للتقرب بذلك إلى الله - زعموا - هو عين معنى الشرك في الألوهية وهو ما اتفق فيه النصارى والقبوريون جميعا بصرف النظر عما يبتدعون من حجج لمدافعة ذلك المعنى عن صنيعهم ذاك، وبصرف النظر عما وراء ذلك الفعل من معتقد لازم في بعض معاني الربوبية تتفاوت فيه طوائف هؤلاء كما تتفاوت طوائف أولئك من حيث مقداره ومن حيث ظهوره في دعائهم من خفائه!
    فإن اتفقنا على هذا التحرير لمعنى شرك الألوهية والعبودية تبين أنه لا يلزمنا لإثباته على من يقع فيه من أي من طوائف المشركين أن نقف على ما يبطن من معتقد بإزاء معبوده ذاك، إذ الفعل نفسه (الاستغاثة بالغيب أو التوجه بالمسألة لذاك الميت رجاء ما لا يرجى إلا من الله) عبادة لا تُصرف إلا لله، ويلزم منها ولابد في نفس فاعلها ما يلزم من شرك الربوبية وإن أنكر!
    فعليه يكون السؤال:
    هل يعتقد النصارى في مريم - على التحقيق - قدرا من الربوبية لازما من مجرد صرف العبادة إليها؟ نعم ولا شك وإن أنكروا!
    وهل يعتقد القبوريون في أولئك الموتى - على التحقيق - قدرا من الربوبية لازما من مجرد صرف العبادة إليهم؟ نعم ولا ريب وإن أنكروا!
    مجرد التوجه إلى مريم أو إلى غيرها من الموتى بهذا السؤال والتذلل والخضوع والرجاء في الغيب آية بينة على ذلك المعنى.. وهو معنى اتخاذ ذلك المعبود إلها.. فلا يعنينا بعد هذا التحرير هل ظهر وجه اعتقاد الربوبية في دعاء هؤلاء وأولئك أم لم يظهر، لأن فعل التأله نفسه على صفته تلك = دال عليه لزوما، وهو - أي الفعل بمجرده - علة الحكم بالشرك عند ظهوره!

    ولكن قد يعترض معترض بمثل ما أوردتَه في تعقيبك الأخير ويقول:
    في النصوص التي سقتها إلينا وصفهم لمريم ببعض معاني الربوبية وهذا لا نقع نحن فيه، فلا يلزمنا هذا الكلام! ومجرد وجود طائفة واحدة منهم تنسب إلى مريم بعض خصائص الربوبية= هذا يخرجنا من خطاب الآية إذ لا يظهر عندنا شيء من ذلك!
    فجوابنا أن نرجع ونكرر إن المراد في الآية صريح في معنى "اتخاذ مريم إلها"، وهو التأله والتعبد، والله يخاطب عيسى بن مريم في الآية بسؤاله ما معناه: "هل قلت لهم اعبدوني أنا وأمي من دون الله"؟ فلا تأثير لما يظهر أو يخفى من اعتقاد معاني الربوبية في المسيح أو في أمه في هذا الخطاب أصلا!
    فإن القرءان يفرق بين معنى اتخاذ المخلوق إلها من دون الله، واتخاذه (ربا) كما في قوله تعالى لأهل الكتاب كذلك في موضع آخر: ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)) وحديث عدي بن حاتم مشهور في بيان وجه اتخاذهم أربابا: أنهم يحللون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله، وأتباعهم يعتقدون أن لهؤلاء الحق في ذلك! فصاروا بذلك يتخذونهم شركاء لله في حكمه على العباد وتشريعه لهم = وهو من معاني الربوبية! أما معنى التأله والقصد بالعبادة (اتخاذ المعبود إلها) فيقع لمن جعل من نفسه ربا على هذا الوجه أو غيره، (كما قال فرعون أنا ربكم الأعلى فعبده الناس) ويقع كذلك مع من لم يظهر منه ذلك ولم يقل للناس أطيعوني أو اعبدوني (كالمسيح وأمه عليهما السلام)، على السواء! وسواء كان هذا المألوه في عقيدة من تألهه له حظ يقولون به من الربوبية تصريحا (كأن يكون أقنوما أو يكون متصرفا في الكون أو يكون قطبا من الأقطاب ونحوها) أو لم ينسب إليه من عبدوه شيئا من ذلك (كأكثر المعبودين من القديسين والأولياء ونحوهم من الموتى)! فاتخاذ المخلوق إلها في القرءان يعني قصده بالعبادة والدعاء، بينما اتخاذه ربا يعني خلع صفات الربوبية عليه (وهو ما يلزم منه عبادته وتألهه)! وهذا واضح أصلا من الفرق المعنوي في اللغة بين اللفظتين (رب) و(إله).
    فالحاصل أن تمحلهم بدعواهم أن ما يفعلونه ليس من جنس هذا التأله الذي صرفه النصارى لمريم وذمهم به القرءان = مردود عليهم!

    قولك وفقك الله:
    أنت كنت تحاور أناساً يقولون إنه لا ألوهية إلا باعتقاد الربوبية .. واستدللت بهذه الآية لإثبات أنه يمكن أن تكون هناك ألوهية دون اعتقاد الربوبية !
    أرجو أن يكون قد تبين لك مما تقدم وجه الخطإ فيه. فليس هذا وجه استدلالي بالآية أصلا.
    وإنما أردت أن أقول لهم: هذا الفعل عند النصارى عبادة يزعم فاعلوها أنها مجردة عن اعتقاد الربوبية فيمن صرفوها إليه، تماما كما تزعمون أنتم في صنيعكم مع أولئك المقبورين، وهم - أي النصارى على اختلاف مللهم - ينكرون أنهم يجعلون لمريم من التصرف في الكون ومن الحق على الله ما يجعلها شريكا له في الربوبية، والله يذمهم في القرءان مع هذا بأنهم اتخذوا مريم إلها من دون الله، فالآن ما تقولون فيما أنتم عليه من مثل ذلك؟؟
    هذا غاية المقصود!
    ولا يعنينا - وتكرارا لما تقدم تفصيله في أصل الموضوع - ما قيل من أن هذه الآية إنما يراد بها طائفة بعينها كانت تجعل مريم أقنوما من أقانيم الثالوث، مع الآب والإبن!
    فهذا - اختصارا - باطل من وجهين:
    أما أولا فإن لفظ الآية واضح في معنى (اتخاذ الآلهة) وهو شامل لسائر طوائف النصارى المعاصرة للوحي وتلك التي ظهرت من بعدها إلى يومنا هذا، عدا البروتستنت وبعض الطوائف التي نحت نحوهم في نبذ التأله لمريم والتوجه إليها بالعبادة والصلاة!
    وأما ثانيا فإنه لو كان المراد ههنا الثالوث لجاءت الآية على ذكر الثلاثة جميعا، ولكنها لم تذكر إلا المسيح وأمه.. فمن باب أولى أن تبحثوا لنا عن طائفة من الناس لم تعبد إلا المسيح وأمه فقط حتى نسلم لكم بهذا الفهم! أما أن تجعلوا المراد طائفة جعلت مريم جزءا من الثالوث فأين ثالث الثالوث؟!! أم أنهم كانوا اثنين لا ثلاثة؟ القرءان صرح بإنكار قولهم ((ثلاثة))، فليس المراد بيان أفراد تلك الثلاثة التي هي جوهر الرب عندهم، والخطاب واضح في هذا.. وليست العبادة والتأله عند النصارى - على تفاوت في منازل المعبودات - مقصورة على هؤلاء أصلا، ونحن نرى أكثر طوائفهم يُعبد فيها القديسون والرهبان ويدعون من دون الله وتتخذ مقابرهم كنائس، فالمراد ذكر رؤوس تلك المخلوقات المعبودة عندهم - من باب الأولوية - في مقام محاججتهم يوم القيامة!
    يعتقدون ببشرية مريم - عليها السلام - ، وربوبيتها في ذات الوقت
    هناك فرق بين ما يصرح به القوم من المعتقد كما في هذا التناقض الذي ذكرته في معنى الثالوث، وما يلزم من معتقدهم في كذا وكذا وهم ينكرون التزامه. فإنهم يقولون هذا الواحد ثلاثة والثلاثة واحد، ومع أنه لا يمكن لعقولنا فهم هذا المعنى أصلا أو استيعابه إلا أن علينا - في اعتقادهم - التسليم به. ولكن في المقابل فما من أحد منهم قط يقول = مريم إنسان ورب في ذات الوقت (أي بما يخرج بجوهرها عن معنى الإنسانية)، وإن كانت الربوبية لازمة مما يصرفون إليها من العبادات! فتنبه بارك الله فيك إلى الفرق بين فساد المعنى لبطلان لازمه، وفساد المعنى لبطلانه في نفسه!
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •