تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: كيف تُفحم كتابيًا ؟! ( مناظرة سريعة لابن القيم مع كتابيّ )

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    964

    افتراضي كيف تُفحم كتابيًا ؟! ( مناظرة سريعة لابن القيم مع كتابيّ )

    بسم الله الرحمن الرحيم
    هذه مناظرة لطيفة ذكرها ابن القيم - رحمه الله - في كتابه " الصواعق المرسلة " ، أنقلها للشبكة ؛ ليستفيد منها الإخوة المتخصصون في محاورة النصارى - وفقهم الله ونفع بجهودهم - .

    قال – رحمه الله – :
    ( وقريب من هذه المناظرة ما جرى لي مع بعض علماء أهل الكتاب ؛ فإنه جمعني وإياه مجلس خلوة أفضى بيننا الكلام إلى أن جرى ذكر مسبة النصارى لرب العالمين مسبة ما سبه إياها أحدٌ من البشر .
    فقلت له : وأنتم بإنكاركم نبوة محمد قد سببتم الرب تعالى أعظم مسبة .
    قال : وكيف ذلك ؟
    قلت : لأنكم تزعمون أن محمدًا ملكٌ ظالم ليس برسول صادق ، وأنه خرج يستعرض الناس بسيفه فيستبيح أموالهم ونساءهم وذراريهم ، ولا يقتصر على ذلك حتى يكذب على الله ويقول : الله أمرني بهذا وأباحه لي ، ولم يأمره الله ولا أباح له ذلك ، ويقول : أوحى إلي ولم يوحِ إليه شيء ، وينسخ شرائع الأنبياء من عنده ، ويُبطل منها ما يشاء ، ويبقي منها ما يشاء ، وينسب ذلك كله إلى الله ، ويقتل أولياءه وأتباع رسله ، ويسترق نساءهم وذرياتهم ؛ فإما أن يكون الله سبحانه رائيًا لذلك كله عالمًا به مطلعا عليه أو لا ؟
    فإن قلتم : إن ذلك بغير علمه واطلاعه ؛ نسبتموه إلى الجهل والغباوة ، وذلك من أقبح السب .
    وإن كان عالما به رائيًا له مشاهدًا لما يفعله ، فإما أن يقدر على الأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا ؟
    فإن قلتم : إنه غير قادر على منعه والأخذ على يده ؛ نسبتموه إلى العجز والضعف .
    وإن قلتم : بل هو قادر على منعه ولم يفعل ، نسبتموه إلى السفه والظلم والجور .
    هذا ؛ وهو من حين ظهر إلى أن توفاه ربه يجيب دعواته ويقضي حاجاته ، ولا يسأله حاجة إلا قضاها له ، ولا يدعوه بدعوة إلا أجابها له ، ولا يقوم له عدو إلا ظفر به ، ولا تقوم له راية إلا نصرها ، ولا لواء إلا رفعه ، ولا من يناوئه ويعاديه إلا بتره ووضعه ، فكان أمره من حين ظهر إلى أن توفي يزداد على الأيام والليالي ظهورًا وعلوًا ورفعة ، وأمر مخالفيه لا يزداد إلا سفولا واضمحلالا ، ومحبته في قلوب الخلق تزيد على مر الأوقات ، وربه تعالى يؤيده بأنواع التأييد ، ويرفع ذكره غاية الرفع ، هذا وهو عندكم من أعظم أعدائه وأشدهم ضررًا على الناس ، فأي قدح في رب العالمين وأي مسبة له وأي طعن فيه أعظم من ذلك ؟!
    فأخذ الكلام منه مأخذًا ظهر عليه فقال : حاش لله أن نقول فيه هذه المقالة ، بل هو نبي صادق ، كل من اتبعه فهو سعيد، وكل منصف منا يقر بذلك ، ويقول أتباعه سعداء في الدارين .
    قلت له : فما يمنعك من الظفر بهذه السعادة ؟
    فقال : وأتباع كل نبي من الأنبياء كذلك ، فأتباع موسى أيضًا سعداء .
    قلت له : فإذا أقررت أنه نبي صادق ، فقد كـفّـر من لم يتبعه ، واستباح دمه وماله ، وحكم له بالنار ؛ فإن صدقته في هذا وجب عليك اتباعه ، وإن كذبته فيه لم يكن نبيًا ، فكيف يكون أتباعه سعداء !
    فلم يحر جوابًا ، وقال : حدثنا في غير هذا ! ) .

    ( مختصر الصواعق ، 1/115 – 116 ) .

    ****************
    ( إفحام النصارى )
    مختصر ومهذب من رسالة القرافي : " الأجوبة الفاخرة "
    http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/11.zip

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: كيف تُفحم نصرانيًا ؟! ( مناظرة سريعة لابن القيم مع أحد النصارى )

    بارك الله فيكم يا شيخ سليمان ..
    وتتمة للفائدة، فقد يرد النصراني ويقول: النصر والعلو والظهور بل وحتى محبة الناس ليست دليلا على صدق النبوة، فأنت ترى هتلر ونحوه من طغاة الأرض كان الناس يحبونهم ويتعاطفون معهم ويتحمسون لكلامهم وكانوا ظاهرين منتصرين، فلم يكن هذا دليلا على أنهم على الحق في شيء! وكذلك فما تقولون به من اجابة الدعاء وغيره من كراماته لا دليل له الا كلامكم، والدواعي موجودة عندكم لتصديقه وتناقله حتى يصير تواترا، فلا نقبله!!

    فيقال لهذا، لقد أفسدت القياس اذ ذكرت طغاة الأرض على نحو ما ذكرت، فمعلوم أنهم كانت لهم حظوة كبيرة في قلوب أتباعهم، وأنهم كانوا ظاهرين بالقوة والعتاد، وأن أيامهم لم تكن تمضي من نصر الا الى نصر أكبر منه .. ولكن تأمل كيف انتهى أمر كل واحد من هؤلاء؟ لم تكد تمر بضعة عقود (قرن واحد على الأكثر) على سقوط الواحد منهم الا وانهار جميع ما بناه وذهب أدراج الرياح، ولم يبق من ذكره الا فصل في كتب التاريخ، وبعض الحمقى المساكين في أطراف الأرض يتذاكرون مبادئه ودعواه ويحاولون احياء مواتها!! بل ان أكثرهم لم يمت الا مقتولا أو مسموما أو أعدمه الثوار عليه، أو هزمته جيوش أعدائه شر هزيمة!! فلو كان هؤلاء حملة حق يريد الله له البقاء في الأرض ظاهرا محفوظا غير مبدل ولا محرف لما حملهم التاريخ الى خزانته - بل والى مزبلته ان شئت - ثم أوصد أقفالها عليهم على نحو ما كان معهم جميعا!!
    ثم ان الحق انما يُعرف بتفحص أدلة الدعوى نفسها وحقيقتها، والنظر فيما كان يدعو الرجل اليه على التحقيق وينشره بين الناس ويقاتل من أجله، وليس في مقدار علو تلك الدعوة وأهلها في الأرض في أي زمان من الأزمنة! فالدنيا دار امتحان وبلاء، وأهل الحق وان ظهروا على الأرض في عصر من العصور فهم مبتلون في غيره بأن يظهر عليهم عدوهم، والأيام دول.. لأنها دار امتحان!!
    ولكم خير شاهد على ذلك في دعوة المسيح عليه السلام نفسه، كيف أنه ظل طريدا خائفا هو وأتباعه حتى نجاه الله - وأنتم زعمتم أنه تركه يهلك!! - ورفعه اليه وترك الناس من بعده في ابتلاء وفتنة! مع أنه كان داعيا للحق الذي لا مرية فيه: ((أن اعبدوا الله ربي وربكم هذا صراط مستقيم)).. ولكن الله يقضي ما يشاء ويختار! قضى أن يكون لرسول من رسله ابتلاء ومطاردة واستضعاف، ثم فتنة به وبما جرى له، وقضى أن يكون لرسول غيره من بعده ظهور في الأرض وعلو ومملكة كاملة الأركان.. لا ينكر أحدهما الآخر ولا يكذب به، بل ينبئ الأول بالآخر ويأمر باتباعه اذا ما بعث، ويثني الآخر على الأول ثناءا عطرا وينزهه ويبرئه مما لحق بالناس من بعده في شأنه من خرافات وانحرافات! وهكذا النبوة سلسلة من حلقات متصلة، يمسك بعضها في بعض، ويشهد الواحد منها لاخوانه خير شهادة! فان كذبتم بموسى، فقد كفرتم بعيسى، وكذا ان كذبتم بمحمد فقد كفرتم بعيسى كذلك، لأن الذي بعثهم واحد، وبيان ذلك ودليله النظر والتمحيص في دعواهم جميعا بالدليل والحجة، لتيبن أنها من أولهم الى آخرهم كانت دعوة واحدة لا شذوذ فيها... دعوة الى اتباع النبي - لا عبادته - وتوحيد الرب الواحد الأحد لا شريك له! أما أحوال كل واحد من هؤلاء الأنبياء من الظهور والعلو في زمانه والتمكين في قومه فلله في ذلك حكمة في كل منهم، يبلتي الله بها من يشاء من عباده!

    أما كلامك عن التواتر والداعي لوقوعه بيننا فانما يدل على فساد عقل وتصور، وجهل بحقيقة التواتر.. فالمتواتر في أمتنا ليس جمع من الناس يزعمون مزعما فيقبله منهم الذين يلونهم دونما تمحيص!! انما التواتر خبر منقول بطرق معلومة مسجلة بسندها المتصل، متضافرة متكاثرة معلوم أصلها، لا تجد الواحد منها الا ويصدقه غيره من الأخبار الأكثر تواترا، والتي لا يتصور العقل محيدا عن قبولها والتسليم بصحتها ... فلا تواتران عندنا يتعارضان أبدا، ولا ينشأ تواتر الا ومعلوم أصله بلا ابهام ولا انقطاع ولا اعضال! هكذا في منظومة متكاملة لا فساد فيها، لم يعرف التاريخ لها نظيرا!!!
    فلا أنتم تفهمون ما التواتر ولا لكم بمثله قِبَل عندكم أصلا، فدعوا عنكم ما لا تحسنون!!
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    298

    افتراضي رد: كيف تُفحم نصرانيًا ؟! ( مناظرة سريعة لابن القيم مع أحد النصارى )

    ماشاء الله لا قوة الا بالله..مناظرة قصيرة جدا لكنها مفحمة ومسكتة .

    بارك الله فيكم اخي الكريم واجزل لكم الثواب

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    752

    افتراضي رد: كيف تُفحم نصرانيًا ؟! ( مناظرة سريعة لابن القيم مع أحد النصارى )

    شيخنا الكريم بارك الله فيكم و المناظرة فيما يبدو مع يهودي و ليس نصراني...و لعله يكون من حكماء اليهود المعروفين ووجهائهم الذين أسلموا على يد شيخ الاسلام و تلامذته..و ابن القيم كثير الترداد لهذا الدليل في زاد المعاد و في الشفاءو غيرها من كتبه و يسميه دليل الخاصة و يعظم من امره جدا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    964

    افتراضي رد: كيف تُفحم نصرانيًا ؟! ( مناظرة سريعة لابن القيم مع أحد النصارى )

    - الأخ الكريم : أبوالفداء : وبارك فيكم ، وفي تتمتكم .. وحبذا لو تُعيد صياغة المناظرة مع التتمة ؛ لتكون مقالا مفيدًا للإخوة المتحاورين معهم .

    - الأخ الكريم : أبومنصور : جزاكم الله خيرًا ، وبارك فيكم .

    - الأخ الكريم : ابن الرومية : هو ماقلتَ .. بدليل قوله في آخرها : " فأتباع موسى أيضًا سعداء " . لذا فالأولى أن يكون العنوان : " كيف تُفحم كتابيًا ؟ " ؛ لأنها تصدق على الطائفتين . رعاكم الله ولا حرمنا فوائدكم ..

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    7,909

    افتراضي رد: كيف تُفحم كتابيًا ؟! ( مناظرة سريعة لابن القيم مع كتابيّ )

    بارك الله في مشايخنا النبلاء ، تم تغيير العنوان ، نفع الله بكم جميعًا، ولا حرمنا الله من جهدك المتواصل يا شيخ سليمان.
    قال أبو عبدِ الله ابنِ الأعرابي:
    لنا جلـساء مـا نــمَلُّ حـدِيثَهم *** ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدا
    يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى *** وعقلًا وتأديبًا ورأيا مُسدَّدا
    بلا فتنةٍ تُخْشَى ولا سـوء عِشرَةٍ *** ولا نَتَّقي منهم لسانًا ولا يدا
    فإن قُلْتَ أمـواتٌ فلـستَ بكاذبٍ *** وإن قُلْتَ أحياءٌ فلستَ مُفَنّدا


  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    187

    افتراضي رد: كيف تُفحم كتابيًا ؟! ( مناظرة سريعة لابن القيم مع كتابيّ )

    جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على هذه المناظرة البديعة وبارك فيكم

    وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى *** ودافع ولكـن بالتي هي أحسن

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: كيف تُفحم كتابيًا ؟! ( مناظرة سريعة لابن القيم مع كتابيّ )

    أحسن الله اليكم شيخ سليمان .. وأجيبكم الى طلبكم بعون الله وتوفيقه، فسل الله لي الاخلاص والقبول.
    وحيث أنها تكون في صياغة جديدة، فاني أحيلها الى مناظرة افتراضية، يكفي عند نقلها أن يقال أنها اعادة صياغة باقتباس وزيادة لمناظرة ابن القيم رحمه الله..
    --- -----
    المتن الجديد:
    ناظر عالم من علماء المسلمين رجلا من علماء أهل الكتاب،
    فقال له: أنتم بإنكاركم نبوة محمد قد سببتم الرب تعالى أعظم مسبة .
    فقال : وكيف ذلك ؟
    قال : لأنكم تزعمون أن محمدًا ملكٌ ظالم ليس برسول صادق ، وأنه خرج يستعرض الناس بسيفه فيستبيح أموالهم ونساءهم وذراريهم ، ولا يقتصر على ذلك حتى يكذب على الله ويقول : الله أمرني بهذا وأباحه لي ، ولم يأمره الله ولا أباح له ذلك ، ويقول : أوحى إلي ولم يوحِ إليه شيء ، وينسخ شرائع الأنبياء من عنده ، ويُبطل منها ما يشاء ، ويبقي منها ما يشاء ، وينسب ذلك كله إلى الله ، ويقتل أولياءه وأتباع رسله ، ويسترق نساءهم وذرياتهم ؛ فإما أن يكون الله سبحانه رائيًا لذلك كله عالمًا به مطلعا عليه أو لا ؟
    فإن قلتم : إن ذلك بغير علمه واطلاعه ؛ نسبتموه إلى الجهل والغباوة ، وذلك من أقبح السب .
    وإن كان عالما به رائيًا له مشاهدًا لما يفعله ، فإما أن يقدر على الأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا ؟
    فإن قلتم : إنه غير قادر على منعه والأخذ على يده ؛ نسبتموه إلى العجز والضعف .
    وإن قلتم : بل هو قادر على منعه ولم يفعل ، نسبتموه إلى السفه والظلم والجور .
    هذا ؛ وهو من حين ظهر إلى أن توفاه ربه يجيب دعواته ويقضي حاجاته ، ولا يسأله حاجة إلا قضاها له ، ولا يدعوه بدعوة إلا أجابها له ، ولا يقوم له عدو إلا ظفر به ، ولا تقوم له راية إلا نصرها ، ولا لواء إلا رفعه ، ولا من يناوئه ويعاديه إلا بتره ووضعه ، فكان أمره من حين ظهر إلى أن توفي يزداد على الأيام والليالي ظهورًا وعلوًا ورفعة ، وأمر مخالفيه لا يزداد إلا سفولا واضمحلالا ، ومحبته في قلوب الخلق تزيد على مر الأوقات ، وربه تعالى يؤيده بأنواع التأييد ، ويرفع ذكره غاية الرفع ، ويُبقي له رسالته وتعاليمه وتفاصيل حياته حية بين أتباعه لا يمحوها الزمان، حتى التفلة يتلفها تجدون لها سندا ونصا ورواية عندهم، بعلم لحفظ الروايات والنصوص لم تحظ بمثله أمة من أمم الأرض، وكتابه الذي زعم نسبته الى الله يبقيه له بحرفه ورسمه ولفظه بل وأحرف قراءاته قرونا كثيرة لا يتغير ولا يتبدل، كما لم يكن لكتاب من كتب الناس أبدا بطول التاريخ وعرضه، كل هذا وهو عندكم من أعظم أعدائه وأشدهم ضررًا على الناس ، فأي قدح في رب العالمين وأي مسبة له وأي طعن فيه بعد نسبة الولد اليه، أعظم من ذلك ؟!
    فان قلتم: كل هذا الظهور ليس بحجة، فكم ظهر على الأرض من قبله ومن بعده من طغاة جبابرة، كان لهم مثل هذا النصر والعلو والظهور بل وحتى محبة الناس، ولم يكن في شيء من ذلك دليل على صدق ما معهم، قلنا لكم هذا قياس باطل رأسا!
    فمن من هؤلاء الذي زعم أنه رسول من عند رب العالمين، وأنه خاتم المرسلين، وأن دينه هو الدين الخاتم الذي سيبقى في الأرض محفوظا في أمته الى يوم الدين؟؟ كلهم كانوا أصحاب أهواء ونظريات سرعان ما تهدمت على رؤوسهم وانفض أتباعها من حولها كأن لم تكن من قبل شيئا!
    نعم كانت لهم حظوة كبيرة في قلوب أتباعهم، وكانوا ظاهرين بالقوة والعتاد، وصحيح أن أيامهم لم تكن تمضي من نصر الا الى نصر أكبر منه .. ولكن كيف انتهى أمر كل واحد من هؤلاء؟ لم تكد تمر بضعة عقود (قرن واحد على الأكثر) على سقوط الواحد منهم الا وانهار جميع ما بناه وذهب أدراج الرياح، ولم يبق من ذكره الا فصل أو ربما بضعة أسطر في كتب التاريخ، مع بعض الحمقى المساكين المتناثرين في أطراف الأرض يتذاكرون مبادئه ودعواه ويحاولون احياء مواتها!! بل ان أكثرهم لم يمت الا مقتولا أو مسموما أو أعدمه الثوار عليه، أو هزمته جيوش أعدائه شر هزيمة!! فلو كان هؤلاء حملة الحق الذي يريد الله له البقاء في الأرض ظاهرا محفوظا غير مبدل ولا محرف لما حملهم التاريخ الى خزانته - بل والى مزبلته ان شئت - ثم أوصد أقفالها عليهم على نحو ما كان معهم جميعا!!
    ثم ان الحق انما يُعرف بتفحص أدلة الدعوى نفسها وحقيقتها، والنظر فيما كان يدعو الرجل اليه على التحقيق وينشره بين الناس ويقاتل من أجله، وليس في مقدار علو تلك الدعوة وأهلها في الأرض في أي زمان من الأزمنة! فالدنيا دار امتحان وبلاء، وأهل الحق وان ظهروا على الأرض في عصر من العصور فهم مبتلون في غيره بأن يظهر عليهم عدوهم ليبتلوا به، والأيام دول.. وما الدنيا الا دار امتحان!!
    ولكم خير شاهد على ذلك في دعوة المسيح عليه السلام نفسه، كيف أنه ظل طريدا خائفا هو وأتباعه حتى نجاه الله - وأنتم زعمتم أنه تركه يهلك!! - ورفعه اليه وترك الناس من بعده في ابتلاء وفتنة! مع أنه كان داعيا للحق الذي لا مرية فيه: ((أن اعبدوا الله ربي وربكم هذا صراط مستقيم)).. ولكن الله يقضي ما يشاء ويختار! قضى أن يكون لرسول من رسله ابتلاء ومطاردة واستضعاف، ثم فتنة به وبما جرى له، وقضى أن يكون لرسول غيره من بعده ظهور في الأرض وعلو ومملكة كاملة الأركان، لحكمة خلق الحصن الحصين الذي يحفظ فيه ذلك الدين ليكون الدين الخاتم للعالمين.. فلا ينكر أحدهما الآخر ولا يكذب به، بل ينبئ الأول بالآخر ويأمر باتباع المعزي الذي لا يتكلم الا بما يسمع، وبالدخول في ملكوت الله الذي يقيمه له حين يظهر على أرضه كما في السماء، ويثني الآخر على الأول ثناءا عطرا وينزهه ويبرئه مما لحق بالناس من بعده في شأنه من خرافات وانحرافات! وهكذا النبوة سلسلة من حلقات متصلة، يمسك بعضها في بعض، ويشهد الواحد منها لاخوانه خير شهادة! فان كذبتم بموسى، فقد كفرتم بعيسى، وكذا ان كذبتم بمحمد فقد كفرتم بعيسى كذلك، لأن الذي بعثهم واحد، وبيان ذلك ودليله النظر والتمحيص في دعواهم جميعا بالدليل والحجة، ليتبين لكم أنها من أولهم الى آخرهم كانت دعوة واحدة لا شذوذ فيها... دعوة الى اتباع النبي - لا عبادته - وتوحيد الرب الواحد الأحد لا شريك له! أما أحوال كل واحد من هؤلاء الأنبياء من الظهور والعلو في زمانه والتمكين في قومه فلله في ذلك حكمة في كل منهم، يبلتي الله بها من يشاء من عباده!
    وربما قلتم أن المعجزات واجابة الدعاء والكرامات التي أجراها الله على يديه لا تثبت له شيئا، وأنه قد كانت الدواعي موجودة عندنا لتصديقها وتناقلها ولهذا صار الخبر بها متواترا، قلنا لكم فتعالوا اذا الى طريق ثبوت تلك المعجزات التي عندنا والتي عندكم قبل النظر في آحادها لنرى، كيف تثبتون أنتم للمسيح أو لموسى أو لغيره من المرسلين ما جاء في كتبكم من معجزات! فان قلتم نثبتها بما في نصوص كتبنا، فهي دليلها عندنا، قلنا لكم فاثبتوا لنا اذا صحة نصوص كتبكم ابتداءا، والا فالهندوس والزرادشتيون المجوس والثنوية والبوذية وغيرهم من أصحاب الكتب القديمة يخرجون من كتبهم كذلك نصوصا يقولون أنها هي في ذاتها دليل على صحة ما فيها من الأخبار، تماما كما تقولون!! فأين طريق الثبوت للروايات نفسها والأخبار؟؟
    أما كلامك عن التواتر والداعي لوقوعه بيننا فانما يدل على فساد عقل وتصور، وجهل بحقيقة التواتر.. فالمتواتر في أمتنا ليس جمعا من الناس يزعمون مزعما فيقبله منهم الذين يلونهم هكذا دونما تمحيص!! هذا يسمى اتباع سنن الآباء صما وعميانا! انما التواتر خبر منقول بطرق معلومة مسجلة بسندها المتصل، متضافرة متكاثرة معلوم أصلها، لا تجد الواحد منها الا ويصدقه غيره من الأخبار الأكثر تواترا، والتي لا يتصور العقل محيدا عن قبولها والتسليم بصحتها ... فلا تواتران عندنا يتعارضان أبدا، ولا ينشأ تواتر الا ومعلوم أصله بلا ابهام ولا انقطاع ولا اعضال! هكذا في منظومة متكاملة لا فساد فيها، لم يعرف التاريخ لها نظيرا!!!
    فسكت برهة وأخذ الكلام منه مأخذًا ظهر عليه وتلون وجهه
    ثم قال : فلتفرحوا به اذا طريقا لخلاصكم وسعادتكم وهنيئا لكم!
    قال له الشيخ: فما يمنعكم من الظفر بهذه السعادة ؟
    فقال : لأن أتباع كل نبي من الأنبياء كذلك ، فأتباع موسى وأتباع عيسى أيضًا سعداء .
    قال : فإذا أقررت أنه نبي صادق ، فاعلم أنه قد كـفّـر كل من لم يتبعه ، واستباح دمه وماله ، وحكم له بالنار ؛ فإن صدقته في هذا وجب عليك اتباعه ، وإن كذبته فيه لم يكن نبيًا ، فكيف يكون أتباعه سعداء !
    بل أزيدك أن عيسى في زمانه حكم هو أيضا بكفر من أصر على البقاء على زعمه اتباع موسى وترك ما جاء هو به، ولا عجب، لأن كل نبي انما يضبط ما جاء به سابقه في الأحكام والشرائع، فاما يزيد عليها بأمر ربه أو يبقيها كما كانت أو ينسخ منها تعديلا أو حذفا، ويصلح للناس ما أفسده الكهان من دينهم وزعموا نسبته الى سابقه من المرسلين.. ولهذا تجدون العداوة بين عيسى وكهنة اليهود كبيرة مستطيرة تطفح بها كتبكم، اذ كان هو يدعوهم الى اتباعه وترك تحريفهم وباطلهم وهم يرفضون.. فهل أغنى عنهم زعمهم أنهم من أتباع موسى شيئا؟؟ كلا!
    فكذا النصارى، لا يغني عنهم زعمهم هذا شيئا حتى يدخلوا في دين خاتم المرسلين ويقبلوا بما عنده، وهو الذي أقسم وقال والذي نفسي بيده، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي الا كان من أهل النار!

    فلم يحر الرجل جوابًا....

    انتهى
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: كيف تُفحم كتابيًا ؟! ( مناظرة سريعة لابن القيم مع كتابيّ )

    ملاحظة: المناظرة هكذا في قالبها الجديد، لم تعد "سريعة" (ابتسامة)
    ولعله مما أحب تبيه الاخوة اليه بهذه المناسبة، أن خير مدخل لمناظرة الخصوم: اتيان بنيانهم من القواعد .. وهذه قاعدة من قواعد علم المناظرة، ألا تترك الدليل الأظهر والأقوى وتبدأ بدليل أقل في الدرجة، فيتشعب بك الحوار الى بنيات وفرعيات تطيل عليك الطريق، وتفتح لخصمك باب التشغيب عليك.. فان أراد أحد الاخوة أن يناظر قسا نصرانيا فليختر رأس باطلهم وضلالهم في الاعتقاد وليضرب عليه أولا: "الثالوث" وربما يتفرع منه - ولن يحتاج الى ذلك ان أحسن هدم الثالوث في عبارات وجيزة - على عقيدة البنوة والخلاص ونحوها.. والله الموفق
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    964

    افتراضي رد: كيف تُفحم كتابيًا ؟! ( مناظرة سريعة لابن القيم مع كتابيّ )

    بارك الله فيكم ...

    1- ( رجلا من علماء أهل الكتاب ) . الأفضل : ( أحد علماء .. ) .

    2- يُحذف : ( بل أزيدك أن عيسى في زمانه حكم هو أيضا بكفر من أصر على البقاء على زعمه اتباع موسى وترك ما جاء هو به، ولا عجب، لأن كل نبي انما يضبط ما جاء به سابقه في الأحكام والشرائع، فاما يزيد عليها بأمر ربه أو يبقيها كما كانت أو ينسخ منها تعديلا أو حذفا، ويصلح للناس ما أفسده الكهان من دينهم وزعموا نسبته الى سابقه من المرسلين.. ولهذا تجدون العداوة بين عيسى وكهنة اليهود كبيرة مستطيرة تطفح بها كتبكم، اذ كان هو يدعوهم الى اتباعه وترك تحريفهم وباطلهم وهم يرفضون.. فهل أغنى عنهم زعمهم أنهم من أتباع موسى شيئا؟؟ كلا! فكذا النصارى، لا يغني عنهم زعمهم هذا شيئا حتى يدخلوا في دين خاتم المرسلين ويقبلوا بما عنده، وهو الذي أقسم وقال والذي نفسي بيده، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي الا كان من أهل النار! ) . لأننا نريدها مركزة ، دون تشعب .

    3- ( وربما قلتم أن المعجزات ) . لعل الصواب : ( إن .. ) .

    4- وحّد ضمير المخاطب في المناظرة .

    5- ( فما يمنعكم من الظفر بهذه السعادة ؟ ) . يُضاف : ( فمايمنعكم - أيها اليهود والنصارى - .. ) .

    6- ( فلم يحر الرجل جوابًا.... ) . يُضاف : ( وعلم صدق العالم المسلم .. ولكن ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا ) .. فهل من يهودي أو نصراني يقبل الحق بعدما تبين له ، فيُنقذ نفسه من النار ؟! ) .

    بقي أخي الكريم : أن تُرسلها للمواقع المتخصصة في محاورتهم ؛ لتطير في آفاق الشبكة - بحول الله - ، لا حرمك الله أجرها وأجر من استفاد منها .وتجد أهم المواقع هنا :
    http://www.raddadi.com/?action=dleel...tion&secid=204

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: كيف تُفحم كتابيًا ؟! ( مناظرة سريعة لابن القيم مع كتابيّ )

    أحسن الله اليكم شيخنا ..

    1- أصبتم، فاطلاق كلمة "رجل" تحمل في ثناياها رائحة التفخيم وهو في غير محله هنا .. فلعلي أعكس وأجعلها "ناظر رجل من علماء المسلمين واحدا من علماء أهل الكتاب"

    2 - أتفق معكم في هذه، ولكن ألا ترون أنه لو اختصرنا هذه الفقرة وأبقيناها كاشارة عابرة، كان فيها حجة على النصارى بالذات؟

    3 - وربما كان الصواب (قلتم بأن) .. بادخال الباء (ابتسامة) ..
    ولكن هذه بعيدة والأقرب ما تقولون، بارك الله فيكم.

    4 - صدقتم، وهذه فاتتني حقيقة من العجلة .. والأصوب أن أجعله ضمير المخاطب المفرد في جميعها، نظرا لما قد يوحي به جمع المخاطبين من تفخيم ليس في محله أيضا ..

    5 - لا أرى فائدة من هذه الاضافة (أيها اليهود والنصارى) لأن وجهة الكلام مفهومة من السياق، فان قال لمناظره "فافرحوا به"، فأجابه بقوله "وما يمنعكم أنتم من هذا" فهم بمفهوم المخالفة والمقابلة أن الكلام متجه الى أهل الكتاب عامة، في مقابلة المسلمين، والله أعلم.

    6 - اضافة طيبة شيخنا.. بارك الله فيكم.

    "بقي أخي الكريم : أن تُرسلها للمواقع المتخصصة في محاورتهم ؛ لتطير في آفاق الشبكة - بحول الله - ، لا حرمك الله أجرها وأجر من استفاد منها"
    آمين واياكم ... أفعل باذن الله.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •