الحمد لله ولي الصالحين ,و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين, محمد بن عبد الله, الصادق المصطفى الأمين, و على آله و صحبه أجمعين و من اقثفى أثرهم و سلك سبيلهم إلى يوم البعث و الدين .
و بعد
إخوتي في الله تعالى, إن من أعظم و أجل الأمور التي يحبها الله جل و علا , و يحث عليها رسوله الكريم صلوات الله و سلامه عليه ,ألا و هي تلاوة و ترتيل القرآن الكريم على الوجه المطلوب و الصحيح الموافق للنطق السليم الذي دأب عليه قراء القرآن الكرام , و ذلك منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم و إلى يومنا هذا و السبب في ذلك كله هو معرفتهم الكاملة و التامة بثمرات تلاوة كتاب الله عز و جل حق تلاوته , قال عز من قائل : (( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )) .
قال الإمام بن الجزري رحمه الله في كتابه الماتع التمهيد في علم التجويد ما يلي :
اعلم أن المستفاد بذلك حصول التدبر لمعاني كتاب الله و التفكر في غوامضه , و التبحر في مقاصده , و تحقيق مراده - جل اسمه - من ذلك , فإنه تعالى قال : (( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته و ليتذكر أولوا الألباب )) . و ذلك أن الألفاظ إذا أجليت على الأسماع في أحسن معارضها , و أحلى جهات النطق بها , حسبما حث عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله : (( زينوا القرآن بأصواتكم )) كان تلقى القلوب , و إقبال النفوس عليها بمقتضى زيادتها في الحلاوة و الحسن على ما لم يبلغ ذلك المبلغ منها , فيحصل حينئذ الامتثال لأوامره , و الانتهاء من مناهيه , و الرغبة في وعده , و الرهبة من وعيده , و الطمع في ترغيبه , و الارتجاء بتخويفه , و التصديق بخبره , و الحذر من إهماله , و معرفة الحلال و الحرام , و تلك فائدة جسيمة , و نعمة لا يهمل ارتباطها إلا محروم , و لهذا المعنى شرع الإنصات إلى قراءة القرآن في الصلاة و غيرها , و ندب الإصغاء إلى الخطبة في يوم الجمعة , و سقطت القراءة عن المأموم ما عدا الفاتحة , و من أجل ذلك دأب الأئمة في السكوت على التمام من الكلام , أو ما يستحسن الوقف عليه , لما في ذلك من سرعة وصول المعاني إلى الأفهام , و اشتمالها عليها بغير مقارعة للفكر , و لا احتمال مشقة لا فائدة فيها غير ما ذكرناه و بالله التوفيق .
و بكل هذه الفوائد الغزيرة, و الدرر النيرة, يتم الحصول على الثمرة المرجوة من تلاوة كلام رب البرية سبحانه , هذا و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .