لبّيكِ أختاه المتحجّبة التّونسية !
3/2
- و تحت غطاء رسمي !
- أخرجوهم مِن قريتِكم إنّهم قوم يتطهّرون !
- حول المنشور 108 و أخواته
- مَن قال أنّ الحسناء تونس عقيم ؟!
و تحت غطاء رسمي !
يحدث كلّ هذا تحت غطاء رسمي تنظيمي لم يَعد خاف عن أحد؛ و على سبيل التّمثيل ذُكر أنّ وزارة التّعليم العالي و البحث العلمي، أصدرت منشورًا إلزاميًّا حمل رقم 70 بتاريخ 27 ديسمبر 2002م، وُجّه إلى كلّ عمداء و مديري المؤسّسات التّعليمية حول ما أُطلِق عليه: (ارتداء الزيّ الطّائفي)، و ممّا جاء في المنشور: "يُمنع الدّخول لهذه المؤسّسات على كلّ مَن يرتدي أزياء ذات إيحاءات طائفية، أو يحمل أيّة إشارات أخرى مِن هذا القبيل". و طالب المنشور صراحة بإحالة كلّ من لا يتقيّد بهذا الشّرط على مجالس التّأديب.
و مِِثله مرسوم إداريّ أصدرته مؤخّرا إدارة إقليمية تابعة لوزارة شؤون المرأة و الأسرة و الطّفولة و المسنّين بشمال شرق نابل، بتاريخ: 2008/04/23م و تحت رقم: 752؛ يمنع ارتداء الحجاب و أيّ شكل مِن أشكال تغطية الرأس في المؤسّسات التّابعة لها، و يوصي مسؤوليها الإقليميين بالتصدّي لذلك واصفا إيّاه باللّباس الطّائفي و شكلا مِن أشكال التطرّف الّذي لا يمتّ للدّين الإسلامي بصلة!. و نصُّ البيان كما نُشر على بعض المصادر الإعلامية كالآتي:
"إلى السّادة و السّيدات: مديري و مديرات رياض الأطفال.
الموضوع: حول ارتداء اللّباس الطّائفي و استخدام العديد مِن الوسائل و وضعها على رؤوسهنّ بالمناديل -المحارم- و القبّعات المتميّزة.
و بعد،
فقد لوحظ في الآونة الأخيرة ارتداء مجموعة مِن الإطارات التّربوية اللّباس الطّائفي و استخدام العديد مِن الوسائل الأخرى و وضعها على رؤوسهنّ (المناديل - المحارم- و القبّعات المتميّزة) و الّتي لا تمتّ بصلة لديننا الإسلامي الحنيف.
لذا فإنّه يُمنع منعا باتّا ارتداء مثل هذا اللّباس الطّائفي الّذي يمثّل شكلا مِن أشكال التطرّف و استخدام العديد مِن الوسائل المشار إليها داخل مؤسّساتنا التّربوية، و إنّنا ندعوكم للتصدّي لكلّ مَن يرتدي أو مَن يستخدم الأشياء المشار إليها سواء مِن الإطارات التّربوية أو العاملة أو الأطفال المنخرطين في نشاط المؤسّسة، ختاما فإنّي أهيب بكافّة الإطارات تطبيق كلّ ما جاء بهذه المذكّرة و احترام قوانين الإدارة.
مع التّأكيد على ضرورة اتّخاذ الإجراءات اللاّزمة لتطبيق ما نصّت عليه المذكّرة عدد 752 من قِبل السيّدة مديرة المؤسّسة و إعلام الإدارة في صورة عدم تطبيق ما جاءت به مِن طرف الإطارات العاملة بالمؤسّسة الرّاجعة إليكم بالنّظر".
و مَن لم يقرأ أو يسمع بتصريح مستفزّ لادغ؛ صدَر مِن طرف مَن كان مُفترَضاً أنْ يكون الحامي الأوّل لكلّ ما يمتّ لثوابت الوطن التّونسي بصلة و على رأسها الدّين، حيث قال وزير الشّؤون الدّينية في حوار أجرته معه صحيفة الصّباح التّونسية الصّادرة بتاريخ يوم الثّلاثاء 2005/12/27م في ردّه على السّؤال التّالي: "مِن الملاحظ مؤخّرا تَنامي نسبي لظاهرة ارتداء الحجاب، كيف تنظرون إلى هذا التّنامي؟"، فكان جواب الوزير: "بالعكس ظاهرة الحجاب تراجعت، و عندما نقول تراجعت فإنّنا نعي ما نقول، و نستند إلى معطيات موضوعية، فالحجاب دخيل و نسمّيه بالزيّ الطّائفي باعتبار أنّه يخرج مَن يرتديه عن الوتيرة، فهو نشاز و غير مألوف و لا نرضَ بالطّائفية عندنا، ثمّ إنّ تراجع هذه الظّاهرة واضح لأنّ الفِكر المستنير الّذي نبثّ كفيل باجتثاثه تدريجيا بحول الله. و لكن مع هذا نحن ندعو إلى الزيّ التّقليدي الخاصّ بنا، و خِطاب الرّئيس بن علي في 25 جويلية الفارط يوضّح ذلك، و هل مِن العيب أنْ نحترم خصوصيّاتنا و نعطي الصّورة اللاّئقة بنا؟ فنحن لسنا خِرفان بانيورش و في هذا ثراء...، إنّنا نرفض الحجاب الطّائفي و لباس الهٌركة البيضاء و اللّحية غير العاديّة الّتي تنبئ بانتماء مُعيَّن، فنحن لدينا مقابل ذلك الجُبّة. إنّنا من الحداثيين و نرفض كلّ انغلاق، و مع الرّئيس بن علي تمكنّا و الحمد لله مِن إرساء المعادلة الصّعبة بين الأصالة و الحَداثة و بين الموروث و نتاج التّفاعل مع الآخر".
أخرجوهم مِن قريتِكم إنّهم قوم يتطهّرون !
و قد سبقت تصريح الوزير و أعقبته تصريحات تونسية مرادفة لمعناه شبيهة بمحتواه، كلّها تجتمع و تتّفق على رفض هذا اللّباس الأصيل، بحجّة أنّه ينال مِن المكاسب الّتي تحقّقت للمرأة التّونسية زعموا و ما صدقوا! بل هي مكاسب أهواء قلوبٍ مريضة و عيونٍ متقلّبة الأطراف؛ و [[ اللّه يعلم خائنة الأعين و ما تُخفي الصّدور ]].
تشابهت التّصريحات مِن قائليها، و توحّدت الأحزاب فلا فرق بين مشرقّيها و مغرّبيها؛ مسؤولون سامون، وزراء، رؤساء أحزاب و جمعيّات، نوّاب، صحافيّون، بل و منظّمات نسائية!...؛ اجتمعت مواقفهم و اتّفقت كلماتهم ضدّ النّور في سورتي الأحزاب و النّور، مُبدين قلقهم اتّجاه تنامي ظاهرة الحجاب في تونس، مُعلنين الحرب ضدّه و مطلقين عليه أحطّ الأوصاف و أقذرها؛ سواء أطلقوا عليه وصف اللّباس الطّائفي أو الدّخيل أو النّشاز...، فإنّهم في النّهاية لا يقصدون إلاّ الحجاب الإسلامي و هم أعلم بذلك بأنفسهم مِن غيرهم.
فمِنهم مَن كرّر جملة الوزير نفسها؛ كما فعل بعض المسؤولين السّامين في الدّولة و تبعتهم صحف تونسيّة على ذلك، حيث رفضوا ارتداء الحجاب جملة و تفصيلا واصفين إيّاه باللّباس الطّائفي الدّخيل.
و مِِنهم مَن عبّر عن رفضه لارتداء الحجاب؛ كما فعل بعض الأمناء على الأحزاب، حيث نقلت صحيفة الصّباح التّونسية عنه تحذيره مِن الحجاب، لأنّه سيدفع المرأة في تونس للقبول بأنْ تكون مهمّتها الأعمال المنزليّة و الإنجاب فحسب.
و مِنهم مَن قال أنّ اللّباس الطّائفي -كما عبّر-؛ الخمار و النّقاب و الحجاب مظاهر لا تمتّ للمجتمع التّونسي بصِلة و أنّ فيها خطر على كيانه الاجتماعي، هكذا صرّحت صحيفة تونسيّة سيّارة شهيرة، بل راحت تشبّه المتحجّبات و الرّجال أصحاب اللّحى بأصحاب الكهف الّذين استفاقوا مِن سباتهم بعد قرون طويلة!.
و ذَكرت صحيفة أخرى متّفقة مع أختها في المكر؛ أنّ الدّعوة إلى ارتداء الحجاب في بلد لم يكن هذا الزيّ مِن تقاليده في أيّ وقت من الأوقات، هي دعوة مآلها الفشل بفضل الوعي المتنامي بما تبطنه مِن مآرب سياسية لم تعد خافية.
و قالت صحيفة ثالثة تحت عنوان: (الحياء و الحِشمة باللّباس التّونسي و ليس بالأزياء المستوردة)؛ أنّ هذه الظّاهرة تبقى مرفوضة، و في طليعتها ظاهرة الزيّ الطّائفي الّتي بدأت تنتشر في بعض الأوساط في الشّارع التّونسي.
كما وصفت الحجاب صحيفة تونسية ذات نفوذ؛ بأنّه "لباس المومسات و العاهرات!"، و هذا في سياق إيرادها مقالا طويلا عن الحجاب جاء فيه: "لم يذكر تاريخ تونس القديم و الوسيط حادثة عن الحجاب و لا ذِكر في ذلك إلاّ في ما يخصّ المومسات و العاهرات، اللاّتي وجب عليهنّ إن غادرن الماخور الّذي يشتغلن فيه، أنْ يلبسن الحجاب و يغطّين أجسامهنّ كلّيا حتى العينين لكي يظهرْن بجلاء للعامّة و يعرف القاصي و الدّاني أنّهنّ بائعات هوى...، فتتجنّبهنّ النّساء الأخريات...".
و اعتبرت دكتورة تشتغل أستاذة بجامعة الزيتونة! في لقاء مع قناة (ANB) الفضائية بُثّ في أواخر ديسمبر 2005م؛ أنّ الحجاب مِن الموروثات الإغريقية و الرّومانية، و أنّه ليس أمرا إسلاميا أصيلا، مُعتبرةً أنّ الإسلام يحثّ على السّتر و الحشمة، و أنّه لا ينصّ على الحجاب الّذي اعتبرته زيّا طائفيّا مَرفوضا في تونس، و أنّ التّونسيين تخلّوا عنه باختيارهم!، بعد أن ترسّخت الثّقافة الحديثة بينهم -على حدّ قولها-، نافيةً أنْ يكون الشّرع قد حثّ على الحِجاب، معتبرةً الخليفة الثّاني عمر بن الخطاب أكبر عدوّ للمرأة في التّاريخ!...، و هكذا إلى أن اضطرّ المذيع إلى استوقافها عند هذا التّصريح.
و اعتبر أحد المستشارين السّياسيين؛ أنّ كلّ ما هو آت مِن الخارج و له دلالات سياسية مرفوض، مؤكِّدا على التمسّك باللّباس التّقليدي!.
و عبّر حزب تونسي معارض!؛ عن تفهّمه للموقف الرّسمي اتجاه الزيّ الطّائفي، معتبراً أنّ الحجاب عنوان للشّقاق و خروج عن الإجماع!.
كما ندّدت جمعية نسوية ترفع شعار الدّيمقراطية! بظاهرة ارتداء الحجاب.
و نقلت وكالة تونسية للأنباء عن أمين عام لتجمّع حزبي قوله: "إذا قبلنا اليوم الحجاب فقد نقبل غدا أنْ تُحرم المرأة مِن حقّها في العمل و التّصويت، و أنْ تُمنع مِن الدّراسة، و أنْ تكون فقط أداة للتّناسل و القيام بالأعمال المنزلية"، و قال أنّ القبول بالحجاب "سيعيق تقدّمنا فنتراجع إلى الوراء وننال من أحد المقوّمات الأساسية التي يقوم عليها استقرار المجتمع و تقدّم الشّعب و مناعة البلاد"، و قال بعد ادّعائه أنّ الحجاب له خلفية سياسية منادياً بضرورة الدّفاع عن الدّين بمنع الحجاب!!: بـ"ضرورة التحرّك من أجل التصدّي لمثل هذه الظّواهر دفاعاً عن الدّين الإسلامي و عن حقوق أجيال تونس الحاضرة و القادمة و تقاليد البلاد و أصالتها و هويّتها...".
و راحت أستاذة جامعية! تقول جهلا؛ أنّه لا يوجد في القرآن ما يدعو إلي ارتداء هذا الزيّ، فكلّ ما فيه مِن أمر بالحجاب فهو خاصّ بنساء الرّسول، و كلّ ما فيه أمر بإدناء الجلباب فهو لتمييز النّساء الحرائر عن الجواري.
و قال كاتب في مقال له بعنوان: (مع الجمهورية.. ضدّ الحجاب): "لم يكن الحجاب في يوم من الأيّام عنوانًا على صدق الإيمان مِن عدمه، بل تحوّل في السّنوات العِجاف الماضية إلى عنوان على القهر و العطالة اللّذين أصابا المرأة المسلمة"، بل طالب الكاتب في مقال آخر السّلطات بتطبيق القانون ضدّ المتحجّبات، و قال: "ما نلحظه في معاهدنا من عودة غير بريئة إلى ارتداء الحجاب الطّائفي، و تحدّي التّلميذات المتحجّبات للإدارات، الّتي يبدو أنّ بعضها في غيبوبة، و البعض الآخر موظّف في خدمة الجميع".
كما انتقد بعض النّواب -نوّاب الشّعب!!- بالبرلمان التّونسي ظاهرة ارتداء الحجاب، و دعوا وزارة الدّاخلية إلى التدخّل الحازم لإيقافها، و قالوا: "إنّها ظاهرة غريبة عن مجتمعنا و تقاليدنا".
بل تعدّدت الوسائل و تنوّعت السّبل حتّى تسابق أصحابها و تفنّنوا في حربهم الشّعواء ضدّ الحجاب، فبعد المنع باليد و التّأييد باللّسان، جاء الدّور على الفنّ التّونسي ليكون أحد أطراف الحملة التي تقودها السّلطات التّونسية، حيث تمّ عرض مسرحية مناهضة للحجاب في إطار احتفالية بدمشق عاصمة سوريا، لكونها عاصمة الثّقافة العربية لعام 2008م.
هكذا توالت التّصريحات و تعاقبت، لكنّها نطقت في النّهاية بلغة واحدة و على لسان واحد، و ما تقصّدنا تسجيلها مِن بين عشرات التّصريحات المشابهة الأخرى، إلاّ لتصوير الحصار الغير العادي الّذي يحاول الإغلاق على شرف تنتسب إليه المرأة المسلمة، و إظهار ما يُكنّه المحاصِرون مِن حِقد و كراهية و بغض لما وصفوه باللّباس الطّائفي الدّخيل، و هم بذلك بمثابة المنظِّر لما يجري على الميدان مِن حرب معلَنة ضدّ الحجاب، بل زادت هذه الحملة بجناحيها التّنظيري و التّطبيقي و اشتدّتت بعد عودة ظاهرة ارتداء الحجاب بقوّة و بشكل ملفت إلى الشّارع التّونسي و خصوصا في الجامعات التّونسية، حتّى احتدم الجدل حوله في الآونة الأخيرة بشكل لم يسبقه مثيل.
حول المنشور 108 و أخواته
و الّذي ينبغي أنْ يُقال بالمناسبة، أنّ مثل تصريح الوزير الّذي قدّمناه و ما أعقبنا عليه بالسّرد مِن التّصريحات و المواقف، ليس شيء مِن ذلك و ليد وقته بقدر ما هو تأكيد و التزام بما تضمّنه منشور تاريخي حكومي مشهور صدر برقم 108 في عام 1981م، و الّذي يعتبر الحجاب زيًّا طائفيًّا و ليس فريضة دينية، داعيا لمنعه خاصّة في الجامعات و معاهد التّعليم الثّانوي، حيث ينصّ على حظر الحجاب في المدارس و في كلّ المؤسّسات العمومية، و قد التزمَت الحكومة بهذا المنشور منذ ذلك الحين مؤكّدة عليه بمنشورات أخرى مطابقة لما ينصّ عليه، إلاّ أنّه تمّ التّشديد على منع المتحجّبات مِن دخول الجامعات و الإدارات الحكومية منذ مطلع العقد الماضي موازاة مع عودة الحجاب و انتشاره في أوساط تونس و العالم الإسلامي، غير أنّ السّلطات التّونسية تتوسّع في حظر الحجاب حتى في الشّارع بحسب العديد من التّقارير و المنظّمات الحقوقية، مع العلم أنّ مصطلح (اللّباس الطائفي) يُستخدم في تونس منذ أوائل الثّمانينات مِن القرن الماضي للإشارة إلى الحجاب، مع اتّهام النّساء و الفتيات اللاّتي ترتدينه بإقحام لباس غريب مستورد مِن المشرق إلى تونس.
و قد عانت آلاف النّساء التّونسيات المتحجّبات منذ إصدار هذا القانون التعسّفي مِن شتّى صنوف التّهديد و التّضييق و الاعتداء، فضلا عن المعاناة النّفسية و الاجتماعية الّتي لحقت بهنّ جرّاء هذه الممارسات الشّنيعة التي تُعتبر سابقة خطيرة في عالمنا الإسلامي.
هذا رغم أنّ دستور الجمهورية التّونسية ينصّ على ضمان حرمة الفرد و حرّية المعتقد و حماية حرّية القيام بالشّعائر الدّينية ما لم تخلّ بالأمن العام، فهل أصبح الحجاب يخلّ بالأمن العام للبلاد حتّى يُمنع و هو من الشّعائر الدّينية؟! إنّ الحجاب ليس لباس طائفيّ أو شعار حزبيّ، بل هو لباس إسلاميّ و فريضة دينيّة، و إنّما يختلّ أمن البلد عندما تُسلب حقوق أهاليه في أعزّ ما ينتمون إليه و هو الدّين...، و بأيّ طريقة؟! و لعلّ ما سردناه مِن الأحداث فيه غُنية عن الجواب.
عجيب أمر هذا المنشور!؛ فإنّ أيَّ عاقل لن يرضى بأيّ لباس طائفيّ دخيل على مجتمعه يقطع الصفّ و يشذّ عن العرف، و لكن الحقيقة المرّة لهذا المنشور أنّ باطنه فيه الرّحمة و ظاهره فيه العذاب! ذلك أنّه مِن جهة التّطبيق لا يتناول إلاّ اللّباس الإسلامي بالمنع، مترجِماً بذلك مضمون المنشور ليتّضح أنّ الإشارة فيه ما هي إلاّ إلى الحجاب و اللّباس الإسلامي ابتداء، يُفسِّر هذا جليّا الاتّهامات الصّريحة المتكرّرة إلى النّساء و الفتيات اللاّتي ترتدينه بإقحامنّ لباسا غريبا طائفيا دخيلا مستوردا مِن المشرق إلى تونس! أمّا غيره مِن الألبسة الأخرى الكثيرة الوافدة مِن الخارج بشتّى الأشكال و الألوان فمُرحّب به. ثمّ استُدرك هذا في بعض المنشورات في السّنوات الأخيرة فلم يكن مِن الأمر إلاّ أنْ زيد للطّين بلّة؛ حيث سوَّت فيه السّلطة بين الحجاب و اللّباس الخليع مِن حيث المنع! و منه لجئت إدارات عدد من المعاهد و الجامعات إلى مطالبة الطّالبات و عائلاتهنّ بالتّوقيع على التزام جديد غريب عجيب، يمنع ارتداء ما وُصف باللّباس الطائفي -الحجاب- و اللّباس الخليع.
ثمّ إنّنا نطرح سؤالا بسيطا منطقيا على أصحاب المنشورات و التّصريحات و المطاردات الّتي تعتبر الحجاب لباسا طائفيا؛ فنقول: ها هو دستوركم ينصّ تنصيصا صريحا على أنّ دين الدّولة التّونسية هو الإسلام أوّلا، و على حرمة الفرد ثانيا، و حرّية المعتقد ثالثا، و حماية حرّية القيام بالشّعائر الدّينية رابعا؛ فمَن الّذي خالف الدّستور و أخلّ بالأمن العام؟! أهي فتاة دينها و عقيدتها الإسلام و صاحبة حرمة تريد أداء و إظهار شعار من شعائر دينها تحت حماية و رعاية النّصوص القانونية للدّستور التّونسي، أم المخالف و المخلّ بالأمن هو منشور ظالم مخالف لما ينصّ عليه الدّستور و المواثيق الدّولية، يضيّق على حرّية فرد ضعيف و يعتدي على حرمته؟!!!
و أمام مثل هذه المواقف و التّصريحات الّتي تمالئت على الأخت المتحجّبة الضّعيفة، و اصطفّت كالحصون المنيعة أمام مَن يُخشى ضرره، لن يتردّد المرء في رفع اليدين و التضرّع بالدّعاء لأخواته، و الإنتصار لهنّ بما تفرضه أخوّة الإيمان، و يقتضيه معنى الجسد الواحد الّذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى و السّهر.
مَن قال أنّ الحسناء تونس عقيم ؟!
لكنْ مَن قال أنّ أرض اللّه قد تخلو مِن حقّ عند ظهور باطل أو يرتفع عدل عند نزول ظلم؟! بل لا يزال في هذه الأمّة رجال و نساء قائمون بالحقّ قائلون به ناقمون على الباطل ناكرون له، إنّهم حفّاظ خيرية هذه الأمّة بأمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر، و مِن أحسن الأمثلة الّتي يقتضيها المقام؛ ما قام به هذا الصّنف في الشقّ المقابل لتلك التّصريحات البغيضة و المطالب الرّخيصة، حيث هبّ أخيار و خيّرات الأمّة التّونسية إلى إنكار المهزلة و العار بشتّى الوسائل مِن ردّ و رفض و تضامن، و على شتّى المستويات مِن رجال و نساء و كبار و صغار.
و بعين بالتّقدير و التّبجيل ينظر المسلمون إلى عالمين تونسيين عضوين بالمجلس الإسلامي الأعلى في تونس، بعدما خرجا مِن قلب البلاد عن صمتهما و شنّا ردّاً غير مسبوق على تصريحات وزير الشّؤون الدّينية التّونسي الّذي اعتبر الحجاب ظاهرة دخيلة على البلاد، و على كلام الدّكتورة الأستاذة بجامعة الزيتونة الّذي تهجّمت فيه على الحجاب معتبرةً إيّاه موروثا إغريقيا و أنّ الصّحابي الجليل عمر بن الخطاب هو العدوّ الأوّل للمرأة في التّاريخ -و قد نقلنا كلام الاثنين مِن مصدرهما-.
ففي تصريحات خاصّة أدلى بها عبر الهاتف لمراسل موقع إسلام أون لاين.نت؛ أكّد مفتي تونس السّابق الشّيخ محمّد مختار السّلامي -حفظه اللّه- على أنّ تصريحات الوزير سياسية يمليها الظّرف القائم و لا علاقة لها بصحيح الدّين، و أضاف أنّه لم يكن الوزير في يوم من الأيّام مِن علماء المسلمين، و شدّد الشّيخ على أنّ المطلوب من المرأة السّتر، مضيفاً أنّه بناء عليه لا يستطيع كائن مَن كان أن يقول خلاف هذا و الّذي يقول خلافه فقد قال ما يخالف الإسلام، و ذكّر بأنّ المرأة المسلمة يجب ألاّ تخرج و هي كاشفةً عن رأسها أو تاركةً لخمارها تلعب به الرّيح، بل لا بدّ لها مِن إدناء الجلباب و ستر الجسد كلّه ما عدا الوجه و الكفّين، حتّى المشية لا بدّ مِن أنْ تكون مشية امرأة محترمة لكي لا تتبعها الأعين، كما اعتبر تصريحات الأستاذة الجامعية كلام لا يستحقّ الردّ.
أمّا إمام مسجد عقبة بالقيروان الشيخ عبد الرّحمان خلّيف -رحمه اللّه-؛ فلم تمنعه ملازمته فراش المرض مِن وصف كلام الوزير بالباطل قائلا في تصريح له لنفس الموقع: "إنّ الله سبحانه يقول: [[ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَ بَنَاتِكَ وَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَ كَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيما ]] (سورة الأحزاب: الآية 59)، فهل بعد كلام الله يصحّ لأحد أن ينطق بحرف!!". و قال: إنّ "الّذي يقول بغير ما أشارت إليه الآية السّابقة و الحديث فقَدْ فقَدَ إيمانه! و لا يُمكن لأحد أنْ يقول حرفا واحدا بعد قول الله سبحانه و قول رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم". وعلّق الشّيخ خلّيف -رحمه اللّه- على تصريحات الدّكتورة لقناة (ANB)، متّفقا مع الشيخ السّلامي في أنّ ما جاء على لسانها: "كلام تافه لا يستحقّ الردّ"، و قال: "هذا الّذي يُقال ما هو إلا فقاقيع ستذهب مع الرّياح". ثمّ دعا المسلمين للتمسّك بدينهم في عصر المناكر الّذي يعيشون فيه، مفضّلا أنْ تكون دعوته شعرا من نظمه جاء فيه:
عصر المناكر ألقى على العقول ستارهْ
كم مِن أناس أصيبوا في دينهم بالخسارهْ
تنافسوا في اقتباس الرّذائل المُستعارهْ
و بالغباوة سمّوا كلّ المخازي حضارهْ
و حرص الشّيخ -رحمه اللّه- في ختام حديثه للموقع على توجيه التحيّة للمسلمات الملتزمات بالحجاب، فقال: "إنّ هنالك ضغطا كبيرا عليهنّ (في تونس) و هنّ مجاهدات و يتعرّضن للتّنكيل في كثير مِن الأحيان و يكون هذا التّنكيل أدبيا أو ماديا، إلاّ أنّهنّ صابرات".
كما صرّح الشّيخ ونيس المبروك الأستاذ بالكلّية الأوربية للدّراسات الإسلامية في ويلز؛ بأنّ تصريحات الوزير "تمثّل مخالفة صريحة لنصّ قرآني محكم، امتثلت له الأمّة الإسلامية مِن عصر النّبوة إلى يومنا هذا، و لم يكن له مِن كلّ طوائف أهل القبلة مخالف معتبَر"، بل "شذوذا عِلمياً في تقويم هويّة المجتمع التّونسي الّذي يقع الإسلام منه موقع الرّوح السّارية، و المنارة الهادية". و أعرب الشّيخ "عن مخاوفه مِن أن تكرِّس هذه التّصريحات الفجوة بين الشّارع التّونسي المسلم و الدّولة، بدل أن تُقارب بين النّاس، و تُقدّم مصلحة الوفاق الوطني في هذه المرحلة الّتي تمرّ بها الأمّة".
كذلك ندّدت شخصيّات دينيّة تونسية بارزة مقيمة في الخارج بتصريحات الوزير و الدّكتورة.
كانت هذه بعض المواقف الّتي خصّت بالردّ تصريح كلّ مِن وزير الشّؤون الدّينية و الدّكتورة الأستاذة بجامعة الزّيتونة، و كلامهما في الحجاب و ما يتّصل به.
أمّا المواقف ضدّ المضايقات الّتي يعاني منها النّساء و الفتيات التّونسيات بسبب حجابهنّ، و كذا التّضامن و الوقوف مع هؤلاء المتحجّبات في محنتهنّ، فهي أكبر مِن أن تُحصر أو تُذكر عبر هذه الأسطر، بل كلّها تؤكّد بأنّ الموقف المضادّ للحجاب في تونس هو الدّخيل و أنّ أصحابه هم الطّائفيون، و أنّ بلاد تونس بلاد مسلمة و شعبها شعب مسلم بالفطرة و الواقع.
ففي خضمّ هذه المضايقات كلّها؛ يُذكر أنّ مجموعة من المؤسّسات الإسلامية و الحقوقية في تونس، قد انتقدت الحملة على الحجاب والمحجّبات.
فقد قالت هيئة عالمية تدافع عن الحجاب في تونس في بيان لها حول قضية منع الحجاب معدِّدةً ممارسات الحكومة التّونسية في هذا الصّدد، و مستنكرةً عليها هجمتَها على كلّ ما يمتُّ لهوية المجتمع التّونسي المسلم بصلة، مما يُكَرِّس قيم التّغريب و التبعية في تونس؛ فقد جاء في البيان: "السّلطة هي أسرع مَن يتنكَّر للّباس التّقليدي التّونسي للنّساء و الرّجال سواءً بسواء؛ بسبب تنكّرها لعادات النّاس و تقاليدهم و ثقافتهم و دينهم، و ذلك مِن خلال تشجيعها على كلّ مظاهر التّغريب و التّبعية في الأنماط المعيشيّة و المسالك الحياتيّة للنّاس، و لم تدَّخر تلك السّلطة جهدًا في الحرب ضدّ كلّ ما يردّ التّونسيين إلى هويَّتهم بذريعة مقاومة التخلّف و الانحطاط و اللّحاق بركب الأمم المتقدمة".
كما أصدرت لجنة الدّفاع عن حجاب المرأة في تونس بيانًا مماثلاً انتقدت فيه ممارسات الحكومة التّونسية ضدّ الحجاب.
و قد انتشر خبر الحقوقيين التّونسيين الّذين شنّوا هجوما كاسحا بالأدلّة القانونية على الحكومة؛ بسبب ملاحقة الطّالبات المحجّبات في الجامعات و إجبارهنّ على خلعه.
كذلك ارتفعت أصوات منظّمات حقوقيّة تونسية و معارضين؛ ندّدوا بمنع طالبات تونسيات مِن متابعة الدّروس إلا بعد خلع الحجاب و توقيع إقرار بخلعه.
كما أدان معارضون بشدّة ما وصفوه بأنّه حملة الحكومة المسعورة ضدّ الحجاب، مطالبين بعدم تقييد إحدى الحرّيات الأساسية، و هي حرية الملبس.
فقد استنكرت جمعية نساء ضد التعذيب بتونس ما وصفته بالهجمة الشّرسة الّتي تستهدف النّساء في تونس، و طالبت رئيسة الجمعية منجية عبيدي كلّ القوى الوطنية في البلاد؛ بتبنّي قضية هؤلاء الفتيات و دعمهنّ في ممارسة أبسط حقوقهنّ، و هو حقّ اختيار لباسهنّ -على حدّ تعبيرها-، و عبّرت الجمعية في بيان لها نقلته وكالة قدس برس (qudspress)؛ عن تضامنها مع الطّالبات و كلّ النّساء اللاّتي يتعرّضن للمضايقة و الاعتداء و التدخّل في حريّتهن الشّخصية. و اعتبرت العبيدي أنّ تطبيق المنشور 108؛ يمثّل كما وصفت اعتداء جنسياً على النّساء، يتمّ بتشجيع و إيعاز من السّلطة و تحت إشرافها، متعهّدة بمقاضاة الحكومة التّونسية أمام القضاء التّونسي، و في المحاكم الأوروبية و الهيئات الأممية إن تطلّب الأمر ذلك. و قالت الجمعية؛ إنّ السّلطات التّونسية "عادت إلى ممارسة مهينة، أدمنت عليها خلال السّنوات الماضية، في مخالفة لأحكام الدّستور و الأعراف الدّولية فيما يخصّ حقوق الإنسان عامّة و المرأة خاصّة، حيث عمد أعوانها في المؤسّسات الجامعية إلى تفعيل المنشور 108 الفضيحة، الّذي يقضي بتحديد نوع اللّباس الّذي ترتديه المرأة، و يمنع النّساء من لبس الفساتين الطويلة و تغطية رؤوسهنّ بدعوى أنّ ذلك يُعدّ لباسا طائفيا".
كما أصدرت نفس الجمعية -جمعية نساء ضدّ التّعذيب في تونس- بياناً بتاريخ 2006/05/31م؛ عبّرت فيه عن ارتياحها للسّقوط الفعلي لقانون حظر ارتداء الحجاب رقم 108 مِن خلال عودة النّساء و خاصّة الفتيات منهنّ إلى ممارسة حرّيتهنّ في اختيار لباسهنّ، داعية كلّ القوى الحرّة إلى تبنّي قضية الطّالبات المحجّبات، و دعمهنّ في ممارسة أبسط حقوقهنّ، و هو حقّ اختيار لباسهنّ، و ناشد البيان الطّالبات المحجّبات التمسّك بحقّهنّ في اختيار لباسهنّ، و دعاهنّ إلى مقاضاة أيّ جهة أو شخص يتحرّش بهنّ أو ينزع حجابهنّ لدى المحاكم التّونسية بالطّعن في دستورية القانون 108، و لدى محكمة حقوق الإنسان الأوربية، و لدى الأمم المتّحدة.
و وصف بيان للرّابطة التّونسية للدّفاع عن حقوق الإنسان منشورا صدر عن وزارة التّربية و التّدريب في السّنوات الأخيرة، دُعيت فيه إدارات المعاهد و المدارس إلى العمل بكلّ حزم و صرامة على تطبيق التّدابير الّتي تمنع ارتداء الأزياء ذات الإيحاءات و الدّلالات الطّائفية -في إشارة إلى الحجاب-؛ بأنّه منشور غير قانونيّ و ينتهك الحقّ في حرّية اللّباس والحقّ في التّعليم.
كما ردّت نفس الرّابطة على منشور صدر عن وزارة الصحّة في نفس السّنوات؛ يدعو فيه المستشفيات و إدارات الصحّة إلى منع الأطبّاء والممرّضين و المرضى مِن الدّخول في حالة وجود الحجاب أو اللّحية، فطالبت الرّابطة في بيان لها مِن السّلطات التّونسية إلغاء المنشورات الإدارية الّتي أصدرتها بهذا الخصوص؛ لأنّها تنتهك الحقّ في حرّية اللّباس، و تشكّل تعدّيا خطيرا على الحياة الخاصّة.
و طالبت الرّابطة نفسها بالتوقّف عن ملاحقة الطّالبات المحجّبات، معتبرةً نزع الحجاب بالقوّة أمر غير مقبول و اعتداء على الحرّيات الفردية الأساسية.
بدورها لجنة الدّفاع عن المحجّبات بتونس، طالبت السّلطة الرّسمية بإلغاء حملتها على المحجّبات، و دعت الهيئات و الشّخصيات السّياسية و الفكرية و الإعلامية في تونس و خارجها إلى التجنّد لفضح الحرب المسعورة الّتي تُشنّ على المرأة التّونسية المُحجّبة، كما دعت العلماء و الدّعاة إلى العمل على رفع الحيف الّذي لحق بها.
و طالب المجلس الوطني للحرّيات بتونس في إحدى بياناته السّلطات؛ بـ"الكفّ عن تعسّفها ضدّ النّساء المرتديات للحجاب، و احترام حقوقهنّ و حرّياتهنّ الشّخصية"، و جاء في البيان: "اللّباس شأن شخصي و لا يحقّ لأيّ طرف مِن الأطراف تحديده للنّاس رجالاً كانوا أو نساء"، و قد أكّد المجلس الوطني للحرّيات بتونس متابعته لبعض مجالس التّأديب، و قال في بيانه الأخير: "إنّ بعض مجالس التّأديب قرّرت طرد بعض الطّالبات لمدّة سبعة أيّام".
و رفعت لجنة الدّفاع عن حجاب المرأة في تونس؛ عريضة مساندة و نداء إلى علماء الأمّة حول حقّ المرأة التّونسية في لباسها الشّرعي، أمضت عليها عشرات النّساء.
بل إنّ حزب العمّال الشيوعي التّونسي في بيان له صدر بتاريخ 2006/10/22م؛ قد أعلن إدانته الحملة الّتي تشنّها سلطات بلاده على المتحجّبات، مطالبا بوقفها و بإلغاء المنشور 108 الّذي يحظر ارتداء الحجاب بالمدارس و المؤسّسات العامّة، داعيا القوى الدّيمقراطية لمؤازرة المحجّبات بشكل مبدئي و صارم لضمان احترام حقّهن في الدّراسة و الشّغل و التنقّل، معتبراً أنّها تشكّل "انتهاكا للحرّية الشّخصية و دليلا إضافيا على عجز نظام الحكم عن مواجهة القضايا الّتي تُطرح في المجتمع التّونسي بغير الأساليب الأمنية". و قال حمة الهمامي النّاطق الرّسمي باسم الحزب للجزيرة نت، رادّا على استغراب بعض الرّافضين للحجاب لصدور البيان عن مثل حزبه بشيوعته؛ أنّ موقف حزبه في الدّفاع عن قضايا الحرّيات الشّخصية و العامّة لا يستعمل الكيل بمكيالين كأنْ يدافع عن المتّفقين معه بالرّأي و يصمت لمّا تُنتهك حقوق مخالفيه.
بل في سابقة هي الأولى من نوعها؛ سعت المحامية التّونسية سعيدة العكرمي النّاشطة في مجال حقوق الإنسان، لإلغاء القانون التّونسي التّاريخي 108 -الّذي يمنع المرأة المسلمة من ارتداء الحجاب داخل المؤسّسات التّابعة للدّولة-، فقد رفعت المحامية العضو في المجلس الوطني للحرّيات بتونس القضية أمام المحكمة الإدارية لإلغاء القانون، و قالت سعيدة العكرمي في تصريحات لشبكة إسلام أون لاين.نت أثناء مشاركتها في إحدى النّدوات بباريس؛ أنّ رفعها لهذه القضية جاء انطلاقا من قناعتها الرّاسخة بأنّ القانون 108 الشهير في تونس، يتعارض مع المنطلقات الأساسية للميثاق العالمي لحقوق الإنسان الّذي يحضّ على حرية الاعتقاد، و ممارسة الشّعائر الدينية و اختيار الإنسان الزيّ الذي يناسبه، و أضافت المحامية أنّ السّلطة الحالية عاودت العمل بهذا المنشور، الّذي أقرّه الرّئيس التّونسي السّابق الحبيب بورقيبة سنة 1981م للتصدّي للتّيار الإسلامي الصّاعد آنذاك، مشيرة إلى أنّ التشدّد في تطبيق هذا القانون يتعارض مع البند الأول من الدّستور التّونسي الّذي ينصّ على أنّ تونس دينها الإسلام. و قالت المحامية العكرمي: "السّلطات التّونسية مسؤولة عن الانتهاكات الخطيرة التي تجري ضدّ أبسط حقوق الإنسان المضمونة في المواثيق و المعاهدات الدّولية".
و في تصريح للمحامي نجيب حسني النّاطق الرّسمي باسم مجلس الحرّيات: " يجب إيقاف هذه الحملة اللاّمنطقية الّتي تحرم نساء تونس من حقوقهنّ في التّعليم و العمل"، وأضاف: "المجتمع المدني و قواه الصّادقة لا يمكنهم السّكوت على هذه الانتهاكات، و على تسخير أجهزة الدّولة لمحاربة نساء محجّبات بدون أيّ ذنب، سوى ممارسة قناعات شخصية مضمونة في الدّستور و المواثيق الدّولية".
كما أكّد زياد الدولاتي القيادي السّابق في حركة النّهضة التّونسية؛ لموقع إسلام أون لاين.نت؛ أنّ "طريقة تعامل السّلطة مع قضية الحجاب تتناقض تماما مع كافة مبادئ حقوق الإنسان، كما تتعارض مع ثوابت ديننا و هويتنا الّتي هي قاسم مشترك بين كلّ التّونسيين".
و ما أجمل ما قام به أساتذة كلّيات العلوم و الاقتصاد و العلوم السّياسية و الحقوق بجامعة أريانة؛ حيث تضامنوا في إحدى السّنوات القليلة الماضية مع حقّ الطّالبات في ارتداء الحجاب، و ندّدوا في بيان لهم بالإجراءات الّتي تمارس بحقّهنّ، و اعتبروا احتجازهنّ بأحد مكاتب إدارة الجامعة و إغلاق الباب عليهنّ بالمفتاح؛ سابقة خطيرة لم تعهدها الجامعات التّونسية، و طالبوا أيضا النّقابة العامّة لأساتذة التّعليم العالي في تونس بفتح تحقيق في هذه الواقعة، و اتّخاذ كافّة الإجراءات التّأديبية و القانونية ضدّ المسؤول عن هذا الاعتداء، و ناشد هؤلاء الأساتذة نظراءهم في كلّيات و جامعات البلاد؛ بعدم الانخراط في مثل هذه الممارسات و رفض أيّ تدخّل مِن أيّ سلطة خارج الجامعة ضدّ الطّلبة و الطّالبات طبقا للإجراءات المنظّمة لسير الامتحانات.
كما حدث في بعض الجامعات التّونسية أنْ شهدت تضامنًا مشابها مع الطّالبات المتحجّبات؛ ففي كلّية العلوم ببنزرت قامت عشرات الفتيات غير المحجّبات بارتداء الحجاب لإظهار تضامنهنّ مع زميلاتهنّ، عندما حاولت الإدارة إحالة عشر فتيات محجّبات إلى مجلس التّأديب.
و في معهد الصّحافة و علوم الأخبار؛ رفض الطّلبة إناثًا و ذكورًا الدّخول إلى قاعات الامتحان إلا بعد السّماح للمتحجّبات بذلك.
و في حدث مشابه أيضا؛ أضرب نحو ألفي طالب و طالبة مدّة يومين عن الدراسة في معهد التّكنولوجيا بمدينة أريانة؛ بسبب طرد زميلات لهم متحجّبات من المبيت الجامعي.
و تضامن أحد الطّلبة مع زميلاته المتحجّبات و شارك في اعتصام لهنّ؛ منتقدا الضّغط النّفسي الّذي يفرضه حرس الجامعة كلّ عام على الطّالبات المتحجّبات، منتهكا حرّيتهنّ بإجبارهنّ على نزع الحجاب قبل السّماح لهنّ بدخول الامتحانات.
و غيرها مِن المواقف الشّجاعة الّتي تعكس نُبل القضية و شرف أصحابها، و الّتي تبعث بالأمل و المستقبل المشرق إلى المرأة المتحجّبة في تونس، على أنْ يستمرّ الرّفض و الإيباء و عدم التّنازل يوما عن القضية، ما دامت تونس لها قرآن تنتسب إليه قد خاطبها بآية الحجاب، و دستور ينصّ على إسلامية الدّولة و كفل الحرّيات...، بل لا تزال القضية تحقّق المكاسب و الانتصارات و تنال التّأييد و العواطف في حدود البلاد و خارجها.
يُتبع...
أخوكم محمّد بن حسين حدّاد الجزائري
tarekzyad@gmail.com
السّبت 03 ذو القعدة 1429هـ، الموافق لـ: 01 نوفمبر 2008م
http://www.merathdz.com/play.php?catsmktba=1893