السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
يقول العلامة محمد عبد الرحمن المباركفوري (ت 1353 هـ) رحمه الله تعالى في شرح حديث (الدنيا سجن المؤمن .. ) :

الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر قال النووي رحمه الله: "معناه أن المؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة مكلف بفعل الطاعات الشاقة فإذا مات استراح من هذا وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من النقصان
وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات فإذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء الأبد." انتهى
وقال المناوي: "لأنه ممنوع من شهواتها المحرمة فكأنه في سجن والكافر عكسه فكأنه في جنة." انتهى
وقيل كالسجن للمؤمن في جنب ما أعد له في الاخرة من الثواب والنعيم المقيم وكالجنة للكافر في جنب ما أعد له في الاخرة من العقوبة والعذاب الأليم.
(تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي)
يقول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه (بدئع الفوائد) :
فائدة الدنيا سجن المؤمن
الدنيا سجن المؤمن رواه مسلم والترمذي وغيرهما، فيه تفسيران صحيحان:
أحدهما أن المؤمن قيده إيمانه عن المحظورات والكافر مطلق التصرف.
الثاني أن ذلك باعتبار العواقب فالمؤمن لو كان أنعم الناس فذلك بالإضافة إلى مآله في الجنة كالسجن، والكفار عكسه، فإنه لو كان أشد الناس بؤساً فذلك بالنسبة إلى النار جنته.
وأختم هذا الموضوع بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (قاعدة في المحبة) :
المؤمن أرجح في النعيم واللذة من الكافر في الدنيا قبل الآخرة وإن كانت الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
وهذا مما يظهر به حسن حال المؤمن وترجحه في النعيم واللذة على الكافر في الدنيا قبل الآخرة وإن كانت الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر .
فأما ما وعد به المؤمن بعد الموت من كرامة الله فإنه تكون الدنيا بالنسبة إليه سجناً وما للكافر بعد الموت من عذاب الله فإنه تكون الدنيا جنة بالنسبة إلي ذلك.
وذلك أن الكافر صاحب الإرادة الفاسدة إما عاجز وإما قادر فإن كان عاجزاً تعارضت إرادته وقدرته حتى لا يمكنه الجمع بينهما وإن كان قادراً أقبل على الشهوات وأسرف في التذاذه بها ولا يمكنه تركها
ولهذا تجد القوم من الظالمين أعظم الناس فجوراً وفساداً وطلباً لما يروحون به أنفسهم من مسموع ومنظور ومشموم ومأكول ومشروب ومع هذا فلا تطمئن قلوبهم بشيء من ذلك هذا فيما ينالونه من اللذة وأما ما يخافونه من الأعداء فهو أعظم الناس خوفاً ولا عيشة لخائف وأما العاجز منهم فهو في عذاب عظيم لا يزال في أسف على ما فاته وعلي ما أصابه.
وأما المؤمن فهو مع مقدرته له من الإرادة الصالحة والعلوم النافعة ما يوجب طمأنينة قلبه وانشراح صدره بما يفعله من الأعمال الصالحة وله من الطمأنينة وقرة العين ما لا يمكن وصفه وهو مع عجزه أيضاً له من أنواع الإرادات الصالحة والعلوم النافعة التي يتنعم بها ما لا يمكن وصفه.
لذات أهل البر أعظم من لذات أهل الفجور، وكل هذا محسوس مجرب وإنما يقع غلط أكثر الناس أنه قد أحس بظاهر من لذات أهل الفجور وذاقها ولم يذق لذات أهل البر ولم يخبرها ولكن أكثر الناس جهال كما لا يسمعون ولا يعقلون وهذا الجهل لعدم شهود حقيقة الإيمان ووجود حلاوته وذوق طعمه انضم إليه أيضاً جهل كثير من المتكلمين في العلم بحقيقة ما في أمر الله من المصلحة والمنفعة وما في خلقه أيضا لعبده المؤمن من المنفعة والمصلحة فاجتمع الجهل بما أخبر الله به من خلقه وأمره وما أشهده عباده من حقيقة الإيمان ووجود حلاوته مع ما في النفوس من الظلم مانعاً للنفوس من عظيم نعمة الله وكرامته ورضوانه موقعاً لها في بأسه وعذابه وسخطه. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته