كتاب الدكتور عمارة


جمال سلطان : بتاريخ 20 - 10 - 2008
الكتاب الذي بدأت المصريون نشره هذا الأسبوع للمفكر الكبير الدكتور محمد عمارة ، عن الفتنة الطائفية وجذورها وواقعها وآفاقها ومخاطرها كتاب بالغ الخطورة ، وقد قدر لي أن أطلع على أصول الكتاب أثناء تجهيزه للنشر ، فوجدت فيه لغة علمية صارمة ، وكمية من المعلومات المثيرة كانت مفاجئة لي ، وأدوات بحث لأحد شيوخ الحركة الفكرية المصرية البارزين في نصف القرن الأخير ، الملف كان شائكا جدا وبالغ الحساسية ، ولكن الدكتور عمارة تعامل معه بتأن وهدوء وصبر ، ورغم مخاوفه التي أبداها من تصاعد وتيرة التطرف في بعض الأوساط القبطية ، وخاصة الجهود السلبية التي تبذلها جماعات قبطية متطرفة في المهجر ، إلا أن البحث لم يفقد في أي من سطوره التوازن العلمي ، واعتمد الدكتور عمارة على عشرات المصادر والمراجع معظمها مراجع مسيحية عربية وأجنبية ، سواء من التاريخ القديم أو المؤلفات الحديثة ، وسيفاجأ القارئ لهذه الدراسة بأن الكثير من الأحاديث المرسلة في الصحافة والإعلام المصري عن إحصائيات وأرقام هي غير دقيقة بالمرة ، وسيفاجأ القراء بمعلومات دقيقة وأرقام أكثر دقة توضح بعض ما اضطرب الوعي به في الإعلام والحياة الثقافية عن الشأن القبطي في بلادنا ، هناك معلومات تنشر للمرة الأولى فيما أظن مثل تلك المتعلقة بتكوين ميليشيات قبطية مصرية جرى تدريبها لدى بعض الجهات الأجنبية ، غير أن الدكتور عمارة حرص على التأكيد على الدور شديد السلبية الذي يقوم به جماعات "مرتزقة" من أقباط المهجر ، والمدهش أن هذه الجماعات النشطة في الخارج قليلة جدا ، ونسبتها هامشية بالنسبة للغالبية العظمى من أقباط المهجر ، غير أن هذه القلة القليلة النشطة تتعامل مع محيط أمريكي متوتر ومتوجس من أي شكوى أو قضية تتعلق بالأقليات ، ناهيك عن مؤسسات ومراكز قرار هناك تفتعل المشكلة حتى وإن لم تكن موجودة للتحرش ببعض الدول أو الضغط عليها من أجل ابتزازها سياسيا في ملفات لا صلة لها بالأقلية التي تتاجر باسمها ، والحقيقة أني أعرف شخصيا بعض هذه الشخصيات القبطية النشطة في الولايات المتحدة ، وأعرف أحوالها قبل هجرتها إلى هناك ، وكانت تعيش حياة الفقر والمعاناة التي يعيشها ملايين من أبناء مصر مسلمين وأقباط ، وكانت المعاناة تبدو واضحة من هيئته وثيابه والحذاء الذي يسير به والحافلة التي يتعلق بها في جيئته وذهابه ، ثم إذا به بعد سنوات قليلة قضاها في "المتاجرة" بالقضية القبطية في أمريكا بعد سفره إلى هناك ، أصبح في حال من اليسار والسعة والبغددة ، ومكاتب وسيارات ومراكز وإمكانيات نشر وسفر واتصالات وكأنه تحول إلى "سفير" لدولة نفطية لدى الولايات المتحدة ، ومن العبث أن تسأله : من أين لك هذا ، لأن "بيزنس" الأقليات سكته سالكه في مصر نفسها ، رغم تعدد الأجهزة الرقابية والأمنية ، فكيف بمن يتاجر بها في الخارج ولدى نظم حكم يستهويها أمثال هؤلاء المرتزقة ، المشكلة أن هذا البيزنس لا يتوقف عند تربح أمثال هؤلاء المرتزقة وحسب ، فهذا هين ، ولكن المشكلة أن فاتورة هؤلاء "المرتزقة" يدفعها الوطن كله ، بمسلميه وأقباطه ، بل إن الكثير من انعكاسات الغضب والتوتر بين عنصري الأمة تعود في جوهرها إلى صناعة الكراهية التي يحسنها مرتزقة المهجر ، وقد نجحوا في اختراق المؤسسة الدينية مع الأسف ، وولد جيل جديد شديد العصبية والتشنج وأقل وعيا بخبرة التاريخ وأكثر جرأة على اقتحام المهالك ، وهذا ما رصده الدكتور عمارة بدقة شديدة في كتابه الخطير .
gamal@almesryoon.com