بسم الله الرحمن الرحيمهذا تعقيب من أخي الكريم : الشيخ إبراهيم الحقيل - وفقه الله - صاحب رسالة " أعياد الكفار وموقف المسلم منها " بجواز الاحتفال باليوم " العيد " الوطني . ثم أكدها في بيان أصدره بعد استنكار الفضلاء لها . إلا أنه قال : ( ولو ظهر لي خلاف ذلك لما ترددت في الرجوع عنه على رؤوس الأشهاد ) . فلعله - رعاه الله - يُعيد النظر في فتواه التي يحكم العقلاء قبل العلماء بخطئها ، و" تشريعها " لانحرافات ضج منها المسلمون ، فإن لم يكن المرء مُنكرًا لها ؛ فليسعه السكوت لا الإقرار .
-وقول الدكتور - وفقه الله - : ( وتمنيت من مشايخنا الفضلاء في الهيئة الدائمة للإفتاء وغيرها أن يحسموا القول في هذه المسألة، ويبينوا وجه الصواب فيها، بحيث لا يقع الناس في تردد وحرج إما في إقرارها والمشاركة في فعالياتها، وإما في إنكارها والامتناع عن المشاركة فيها، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) !!
يقال عنه : لقد قال العلماء كلمتهم في هذا العيد في مناسبات كثيرة ، ونُشرت أقوالهم وطُبعت ، فكيف تطالبهم بحسم ماقد حسموه ! بل إن الدكتور أورد فتواهم في آخر بيانه !
طالع هنا :http://www.islammessage.com/articles...d=132&aid=4967
وهذا يُذكرني بمن خالف العلماء في مسألة المسعى ، ولا يكتفي بهذا ، بل يُطالب العلماء بإعادة النظر في المسألة ! أي : إما أن توافقوني أو تعيدوا النظر !
- وأما ماذكره الدكتور من ( ضوابط ) للاحتفال بهذا اليوم ، فيقال عنه : هذه ضوابط خيالية ، لم تخطر ببال من سيحتفل أو من يسألك . وهي تذكرني - أيضًا - بمن يُسأل عن حكم " الأغاني " ، فيفتي بجواز الأغاني الهادئة ! ثم يضع لها ضوابط لايُمكن تصورها في مجال الغناء والطرب ، فهي كما يقول شيخ الإسلام : ( توجد في الأذهان ، لا الأعيان ) . وسبب هذا أن المفتي : يريد أن يأتي بحل وسط بين من يظنهم متشددين ! وغيرهم ممن يظنهم متساهلين ! فيختار هذا " الوسط الغلط " الخيالي ..
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/125.htm
- أسأل الله أن يوفق الدكتور للتراجع عن فتواه ، وأن يُباعد بينه وبين من ينتهجون منهج " التيسير المذموم " أو منهج " مشاقة كبار العلماء " في هذه البلاد ..
تعقيب الشيخ الحقيلبسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن فوزان الفوزان وفقه الله تعالى .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
عرفتك يا شيخ مذ كنتَ طالبا في كلية الشريعة ثم في المعهد العالي للقضاء وتسكن في السكن الجامعي بشارع الوزير مع زميلنا الشيخ محمد المسعود القاضي بجدة، وكنتَ تمكث في مسجدنا طويلا وبصحبتك المغني لابن قدامة، وتُلقي كلمات توجيهية مؤثرة عقب الصلوات، وخاصة في رمضان بعد التراويح، فلا يخرج من المسجد أحد حتى تتم موعظتك، ثم افتقدتك وسألتك عنك فعلمت أنك كنت في أمريكا، ثم فرحت كثيرا بعودتك وإطلالتك في الإذاعة وقناة المجد، ولم يتيسر لقاء بيننا مع عظيم ما أُكنه لك من محبة وتقدير وتوقير منذ نيفا وعشرين سنة، ولست أدري أتذكرني أم لا، جمعني الله تعالى وإياك في جنة عدن. ولكنني أُشهد الله تعالى أني منذ عرفتك قديما في المسجد وحديثا في برامجك وفتاواك لا أعلمك نزَّاعا لهوى، ولا مُرضيا لأحد من دون الله تعالى، ولست أشك طرفة عين في غزير علمك، وقوة حجتك واجتهادك، وتجردك للحق، ونصحك للخلق.
ولكن في هذه المسألة أرى أن الصواب جانبك لأمور أربعة:
الأول: لم تفرق بين أيام تُعظم لذاتها فتكون أعيادا، وبين أيام تُتخذ موعدا يَصطلح عليها البشر لتنظيم عمل ما. فالأيام الوطنية وأيام الاستقلال هي أيام تُعظم لذاتها، وتتخذ أعيادا لوقوع حوادث وطنية فيها، فعظمت لأجل ذلك، كما يعظم العيد الشرعي؛ لما فيه من الشعائر والمناسك. بينما الأيام التنظيمية مثل أسبوع الشجرة، أو اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، أو لمكافحة الأمية أو غيرها، فهي أيام لم تتخذ لذات اليوم، وإنما اصطلح المنظمون لها على هذه الأيام؛ لأجل التوعية ونحوها، فليس فيها المعنى الذي في الأيام الوطنية أو أيام الاستقلال. وتجد هذا الفرق واضحا في رسوم تلك الأيام وشعائرها، ففي أيام الاستقلال والأيام الوطنية ثناء على اليوم وما جرى فيه من أحداث، وتعظيم للأشخاص الذين صنعوا تلك الأحداث، فتعظيم اليوم ورجاله وأحداثه مقصود فيها، وهذا فيه مضاهاة للأعياد الشرعية، بخلاف الأيام التنظيمية فإن رسومها وشعائرها منحصرة في التذكير والتوعية والإرشاد لما قصدوه، ولا تعظيم فيها لليوم البتة، فأشبهت الاجتماعات الدورية سنوية كانت أم شهرية أم أسبوعية، التي لم يقصد فيها ذات اليوم. على أن عيد العمال الذي ذكرته من ضمن الأيام الاعتيادية له أصل ديني عند عباد الشجر، ثم انتقل للنصارى وأخذ بعدا دينيا يتعلق بمريم عليها السلام، ولهم فيه عقائد وشعائر.
الثاني: أن الاحتفال بأيام الاستقلال والأيام الوطنية ونحوها هو جزء من المشروع الكبير للوطنية المنبثقة من الفكر العلماني الغربي، وليس مجرد عادة اعتادها الغربيون كما يظن البعض، ثم نقلها عنهم المسلمون كسائر العادات كما جاء في تقريرك لجواز اليوم الوطني. والمطلع على التاريخ النصراني وما جرى فيه من صراعات دينية دموية بين الأرثوذكس والكاثوليك قديما، ثم بين الكاثوليك والبروتستانت حديثا، مع إلمامه بالواقع الأوربي إبان ما يسمى بعصر التنوير ثم الثورة الفرنسية وما تلاها من ثورات في سائر أوربا على الكنيسة يعلم أن الاتجاهات الوطنية في أوربا نشأت لسببين رئيسين: الأول: القضاء على الخلاف الديني بين الطوائف النصرانية، وكان شعارهم (الدين لله والوطن للجميع) أو (إذا كان الدين يفرقنا فالوطن يجمعنا). الثاني: إيجاد بديل للانتماء الديني الذي أجمعت أوربة في البداية على نبذه تماما، ثم تراجع مفكروها إلى فصله عن الحياة مع الاعتراف به شأنا روحيا فرديا، وكان هذا البديل للانتماء الديني الذي يوالي فيه النصراني ويعادي فيه هو الوطن والتراب. وأول من نادى بالوطنية إيديولوجية يتخذها الناس بديلا عن أديانهم في بلاد الشرق الإسلامي هو النصراني بطرس البستاني في بلاد الشام، وأصدر مجلات تدعو لذلك، ثم تحمس لها النصارى والدروز والنصيريون وغيرهم، ونشروها في كافة بلاد المسلمين. ومن مراسيم هذه الوطنية بمفهومها العلماني أعياد الاستقلال والوطن والجلوس على العرش وغيرها. أرأيت يا شيخ عبد العزيز لو أن هذه الوطنية وما يتبعها من أعياد مجرد عادة استُجلبت من الغرب، ولا تحمل مضامين فكرية تتعارض مع عقيدتنا أيستميت العلمانيون في البلاد الإسلامية -وبالأخص في بلادنا- في الإلحاح عليها، وتخوين من لا يقول بقولهم؟ ولا سيما أن العادات الغربية كثيرة ولا يلح العلمانيون منها إلا على ما يحمل مضامين فكرية تُقصي ديننا وعقيدتنا؛ لإحلال أفكارهم محلها. وكثيرا ما كتب الليبراليون في الصحف عن مفهوم الوطنية الذي يريدونه، وملخصه (أن الدين لله والوطن للجميع) وصرحوا بهذا الشعار الفكري العلماني، وكانوا -ولا يزالون- يعيبون على الدولة وعلى الجمعيات الخيرية اهتمامها بشئون المسلمين خارج المملكة، ويصرحون دائما بأننا لسنا معنيين بالآخرين، ويجب أن ننكفئ على أنفسنا ووطننا فحسب. وراجع الصحف لما أُقرت إجازة اليوم الوطني تجد أن مقالاتهم عن الوطنية واليوم الوطني لها مدلول فكري علماني مستمد من الغرب (عقيدة) يصرحون به، ويدعون إليه، ويحاربون من انتقده، ويرمونه بأنه عدو للوطن. ولا يستطيع أحد أن يدعي أن اليوم الوطني ينفصل عن المشروع العلماني للوطنية؛ لأنه جزء منه، ورافد من روافده؛ لإحلال الانتماء للوطن بديلا عن الانتماء للدين كما حصل في أوربا، سواء استطاع العلمانيون الوصول لهذه الغاية أم لم يستطيعوا. فإن زعموا أنهم يقصدون بالوطنية الاهتمام بمنشآت الوطن ومنجزاته وعدم الإفساد فيه كما حاول جمع من الإسلاميين التلفيق والموائمة بين ديننا وبين هذا المصطلح العلماني. قلنا لهم: إن ديننا يأمرنا بذلك قبل أن تنشأ الوطنية في أوربا، بل إن ديننا ينهانا عن الإفساد حتى في غير وطننا، بل حتى في أوطان الكفار، فلم إذن تدعوننا لشيء موجود في ديننا؟! وإن قالوا: نقصد بالوطنية اللُحمة بين القيادة والشعب. قلنا: في ديننا بيعة شرعية لمن ولاه الله تعالى أمرنا نتخذها طاعة ندين لله تعالى بها في السر والعلن والعسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة منا، وهي أعظم وأوثق مما تزعمونه من وطنية وانتماء إليها، فلم يبق إلا المعنى العلماني للوطنية وهو مقصودهم. وقد رأينا كيف أن الذين هتفوا بالوطنية عشرات السنوات في البلاد التي وطئها الاحتلال هم أول من سهل للمحتلين وطء أوطانهم واحتلالها، وأن الذين اتُهموا بالعداء للوطنية من الإسلاميين هم الذين هبوا للدفاع عن أوطانهم وأمتهم.
ومعلوم أن مثل فتواك هذه سيطير فرحا بها العلمانيون؛ لأنها لبنة من لبنات ترسيخ مشروعهم الذي يدعون الناس إليه (الدين لله والوطن للجميع).
الثالث: ذكرت يا شيخ أنك ترى تحريم عيد الحب لسببين: الأول: أن له أصلاً دينيا عند أولئك الكفار الذين يحتفلون به. الثاني: أن من يحتفلون بهذا يجعلونه مناسبة لتكريس الفساد الأخلاقي، والانفلات الجنسي. فأقول لك حفظك الله تعالى وسددك: المشابهة بين ما منعت(عيد الحب) وما أبحت(اليوم الوطني) قوية جدا من وجهين: الوجه الأول: الوطنية مشروع فكري غربي عقائدي يتعارض مع ديننا، ووضْعُ أيام مخصوصة للوطن أو الاستقلال هي جزء من هذا المشروع، وليست مجرد عادة نقلناها منهم. الوجه الثاني: أن المنكرات التي أنكرتها مما يُعمل في اليوم الوطني شبيهة بالمنكرات التي حَرَّمتَ عيد الحب لأجلها، وأنت ترى أن احتفال شبابنا وفتياتنا بعيد الحب يشبه تماما احتفالهم باليوم الوطني. فإن قلت رعاك الله تعالى: قَصَدَ واضعو عيد الحب الفسق أساسا فيه، بينما مظاهر الفسق في اليوم الوطني طارئة. قلت لك وفقك الله تعالى: من النصارى من جعل يوم الحب للحب العذري الأفلاطوني(البر ء) ومنهم من جعله لحب الزوجين، والمحبة بين الزوجين مشروعة بل مطلوبة، فمن شابههم في هذه العادة التي لم يقصدوا الفسق فيها هل تبيحه لهم؟!
رابعا: لو سلمنا بأنه لا دليل البتة على المنع من الاحتفال باليوم الوطني، وقررنا بأنه حلال، فمع ما فيه من مظاهر الفسق التي يفعلها الشباب، والعرضات والأغاني والغلو في الأشخاص أو في الوطن وترابه وأنت ترى تحريم ذلك، أليس صار حلالا يتوصل به إلى حرام في الظن الغالب، بل يقينا. ومعلوم أن المباح الذي يتوصل به إلى محرم واحد يُمنع منه فكيف إذا كان وسيلة لمحرمات عدة، إنْ مُنع بعضُها لم يمنع بعضها الآخر؛ لأنها من شعائر اليوم الوطني ورسومه. وبناء على ذلك آمل من فضيلتكم تدبر ذلك، والنظر فيما سيؤول إليه من مفاسد عدة، ووالله ما عهدناك إلا غيورا على حرمات الله تعالى أن تنتهك. وفقني الله تعالى وإياك للخير، ودلنا على الصواب، وعلمنا ما ينفعنا ورزقنا العمل بما علمنا إنه سميع مجيب، ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) .