بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين, وعلى آله الأطهار الطيبين, وعلى أصحابه الأخيار الصالحين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد؛
قبل بضع سنين من اليوم جرى حوار بيني وبين إخوة لي كانوا ينتمون إلى جماعة التبليغ, ولم أكن آنذاك أعرف هذه الجماعة تمام المعرفة, فتيسر لي أن أقترب منهم ومن أفكارهم أكثر لأستثمر هذا الحوار الذي استفدت منه قبل أن يستفيدوا.
ملاحظة: قبل أن أعرج إلى الحوار أود أن أحيطكم علما بأني أتيت بزيادات كثيرة أراها مهمة ما ذكرت أثناء الحوار, كذكر آيات من المتاب الكريم, وكذا تفصيل أكثر مما في الحوار, والغاية طرح الموضوع للحوار والنقد منكم أجمعين بشروط التقيد بتعليمات المنتدى المبارك ونية الحوار الهادف وجزاكم الله خيرا.
بسم اللهصليت العصر ذات مرة في مسجد صغير أثناء زيارتي لأحد أقاربي في الحي, فلما قضيت الصلاة ورجعت إلى البيت استرحت قليلا ثم سمعت طرق الباب, ففتحت وإذا بثلاثة شباب يسلمون علي ويستأذنوني أن أسمع لهم برهة فوافقت, فبدأ أحدهم يتكلم في ربوبية الله قال ما معناه:
إن الله تعالى خلق السموات والأرض وأنزل علينا الأمطار سخر لنا كل ما في هذه الأرض من نعم, وخلقنا فأحسن صورنا, وأمدنا بالصحة والعقل وسخر كل شيء فقط لمقصد واحد هو أن نعبده قال تعالى: (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )), والأنبياء والرسل قاموا دعوتهم لهذا المقصد وطافوا حول القرى وهمهم الوحيد نجاة العباد بكلمة لا إله إلا الله من النار وصبروا على دعوتهم صبرا عظيما, لأجل هذا ندعوك لسماع البيان فيه كلام الله وكلام رسول الله لنتعرف كيف يأتينا اليقين بكلمة لا إله إلا الله وكيف نحيي جهد النبي صلى الله عليه وسلم وجهد الأنبياء والرسل من قبله و جهد الصحابة الكرام من بعده, وكل هذا بعد صلاة المغرب في مسجدنا إن شاء الله تعالى.
قلت:
هذا كلام جيد, فإني أقبل الدعوة إن شاء الله تعالى. ثم بعد ذلك انصرفوا.
فلما قضيت صلاة المغرب وسنتها قام رجل فالتف حوله الناس, وبدأ يشرح.
ومما لفت انتباهي ما يلي: ذكر ستة صفات - وهي التي تعرفت عنها فيما بعد -
قال: كي نحقق هذه الصفات الستة في حياتنا التي هي جامع لشفاء الأمراض المجتمع.
بدأ بقوله:
الكلمة الطيبة لا إله إلا الله... شرع في الكلام عن ربوبية الله تعالى ولا يخرج عنها فأطنب وأبدع الكلام عن توحيد الربوبية, ومما قال: من الذي خلق البيضة وطورها من البياض والصفار إلى دم وريش ومنقار إلى أن يخرج طيرا ... والناس أغلبهم يقولون: لا إله إلا الله, فظننت أنه سيتكلم عن توحيد العبادة ويحذر الناس من الشرك ومظاهره وإفراد العبادة لله تعالى فكم نحن محتاجين إلى توحيد الألوهية وهذا النوع هو المادة الأساسية في القرآن, ثم عرج إلى الصفات الأخرى وتكلم عن أقسام العلم وقسمها إلى فضائل ومسائل وتكلم عن الفضائل, وأكد عليها, وعرج على الصفات الأخرى إلى أن وصل إلى قوله: الخروج في سبيل الله للدعوة والصبر على الأذى... فأطنب الكلام على هذه الصفة ومما قال: أنظر إلى الصحابة كيف انتشرت قبورهم في بقاع العالم شرقا وغربا ولم يبق في عقر داره إلا القليل, محيون بذلك جهد النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة الناس إلى الله وهذا هو الجهاد الأكبر....
ومما قال:
" ولهذا نخرج في سبيل الله ليأتينا اليقين ونحيي جهد الأنبياء والصحابة ونجاهد في سبيل الله تعالى بكل ما نملك ونبتعد عن الدنيا وليكون همنا إخراج الناس من النار إلى الجنة كم من أناس يموتون من دون كلمة لا إله إلا الله, فذكر أن الصحابة منهم من قدم كل حياته لله تعالى كما فعل أبو بكر رضي الله عنه, ومنهم من قدم نصفها لله تعالى كما فعل عمر رضي الله عنه ومنه من قدم ثلثها ومنهم من قدم أكثر من ذلك ومنهم من قدم أقل من ذلك, وأقلها العشر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر نجا. لذلك نحافظ عن العشر فعشر الدهر أربعة أشهر, وعشر السنة أربعين يوما, وعشر الشهر ثلاثة أيام, فمن منكم يخرج أربعة أشهر؟؟..."
فأصبح البعض يرفعون أيديهم وقام أحدهم وبدأ يكتب, ثم قال: من منكم يخرج أربعين يوما؟ فأصبح الناس يشجعون بعضهم بعضا, ثم قال: من منكم يخرج ثلاثة أيام ويحافظ عليها فإن الإنسان يجدد إيمانه بهذه الثلاثة أيام كلما أحس بضعف في آخر الشهر تأتيه الثلاثة أيام كي يبتعد عن الدنيا ويقوي إيمانه ونحيي في هذه الثلاثة أيام جهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فبدا لي من هذا البيان الكثير من الملاحظات والمغالطات وسرد لبعض الأحاديث الضعيفة وربما الموضوعة أيضا, ولاحظت أن منهجه لا يرقى إلى المنهج العلمي الذي درسناه في جميع الأبواب التي تكلم عنها وهي التي سماها بالصفات. واستغربت لمسألة هذا الخروج الذي يدعو إليه وهذه المدة ( أربعة أشهر أو أربعين يوما نحيي فيه جهد الأنبياء والصحابة)!! وكيفية هذه الدعوة التي ينادي بها هل هي موافقة لجهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ - وكانت معلوماتي عن الجماعة ضئيلة جدا لحكم أنني لم ألتق بهم أبدا وإن كنت أسمع بهم لكن نادرا-
وكذا تفريقه لعلم المسائل وعلم الفضائل عجيب أيضا فيه نظر وكذا موقفهم من توحيد الألوهية ومفهومهم لكلمة لا إله إلا الله, لأن صاحب البيان ركز على توحيد الربوبية فقط ... وكثير من الملاحظات جعلتني أفكر في دعوة أحد الشباب للاستفسار فكان لي ذلك بعد أسبوع طلبت من أحد الشباب الذين زاروني أول مرة أن يتكرم بضيافتي له لأسأله عما سمعته في البيان السابق.
فكان الحوار كالتالي:
قلت:
أخي الحبيب لما زرتني ودعوتني إلى البيان ذكرتني بربوبية الله تعالى ثم ذكرتني بألوهيته لما قلت لي أن الله تعالى ما خلقني إلى لعبادته, فلما سمعت البيان لم أجد فيه أثر لما قلته لي.
قال:
ما قصدك يا أخي؟
قلت:
أقصد أن صاحب البيان ذكرنا بربوبية الله تعالى, يعني بآيات خلقه ونعمه وما سخره لنا في هذا الكون ثم أطنب الكلام في هذا الباب وتوقف ولم يكمل المقصد الحقيقي من التذكير بربوبية الله تعالى, وبالتالي حسب فهمي جعل غاية كلمة لا إله إلا الله هو هذا لا أكثر, فهل يعني أن معنى كلمة لا إله إلا الله هو ما تفضل به صاحب البيان؟
قال:
لا إله إلا الله في خلقه وتدبيره وتسخيره لكل هذا الكون ...
فبدأ الأخ الحبيب يشرح معناها تماما كما فعل صاحب البيان وتركته يشرح ويشرح لعله يزيد على صاحبه, ثم انتقل إلى شرحه للصفات الأخرى وجعلها المقصد كله في تحقيق هذه الصفات, وفي الأخير اعتذر عن طول الكلام.
قلت:
خذ راحتك لكن تكلمت كثيرا وخرجت عن الموضوع لذا نتكلم عما تفضلت به نقطة نقطة حتى نصل إلى كل المواضيع الآن. موافق؟
قال وهو مستغرب:
موافق!
قلت:
نعود للكلمة الطيبة: لا إله إلا الله, فهل معناها: لا خالق إلا الله, لا رازق إلا الله, لا مدبر إلا الله؟
قال:
نعم! وما الشك في ذلك! لكن لا تنحصر في هذا ربما العامة لا تولي لها اهتماما حتى تشرح له هذه المعاني كي تقرب له الصورة ويعرف ربه تمام المعرفة, لأن المعاني الموجزة قد لا تأثر, فنشرح له معنى الخالق وحده ومعنى الرازق وحده ومعنى المسخر لهذا الكون للعبد .
قلت:
هل هذا الشرح والتفصيل هو نفسه الذي انتهجه صاحب البيان وما تفضلت به أنت قبل قليل؟
قال:
نعم لكن ليس محصور قد يكون هنالك شرح أوفى وضرب للأمثلة لتقريب الصورة وكل هذا ليعظم الله تعالى في القلب.
قلت:
كلامك صحيح في معنى لا إله إلا الله وكذا جل ما تفضلت به في الشرح, لكن ناقص!
فقاطعني وقال:
كيف ناقص!؟
قلت:
على رسلك! الظاهر أنك لم تدرس التوحيد دراسة صحيحة, فأقول لك وبالله أستعين: لو قلت لأحد وأنا أحاوره: لو أن أبا جهل والوليد بن المغيرة وأبي بن خلف وسائر المشركين فهموا كلمة لا إله إلا الله بمعنى لا خالق ولا رازق ولا مدبر إلا الله ما قاتلوا محمدا صلى الله عليه وسلم وما أخرجوه من داره وما عاندوه وما صدوا الناس عن دعوته!! لأن هؤلاء المشركون كانوا مقرين بربوبية الله تعالى, وإقرارهم لهذا النوع من التوحيد ما أخرجهم من الكفر وما أدخلهم إلى الإسلام وما نجوا من عذاب الله تعالى.
لنرجع إلى كلام الله تعالى الذي هو حجة بيني وبينك, قال الله تعالى: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ )).
وقال تعالى: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ))
وقال تعالى: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ))
وقال تعالى: ((قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ))
فهذه الآيات صريحة بأن المشركين ما أنكروا إفراد الله تعالى بالخلق والرزق والتدبير, وبالتالي تبين أن تفسيركم للكلمة الطيبة لا إله إلا الله ناقص, وما الشيء الذي ينقصه؟ هو توحيد الألوهية الذي خلق العباد من أجله,
قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ))
و قال تعالى ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ))
و قال تعالى ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ))
و قال تعالى ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَاناً )) إلى قوله تعالى ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) سورة الأنعام 151 ـ 153.
و قال تعالى ((إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ))
ولو تتبعت الآيات التي تتكلم عن ربوبية الله تعالى تجد أن جلها تصل بك إلى الغاية وهي توحيد الألوهية أو ما يسمى بإفراد العبادة لله تعالى,
قال تعالى ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ))
قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره:
قوله تعالى ((فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً )) أي: نظراء وأشباها من المخلوقين فتعبدونهم كما تعبدون الله وتحبونهم كما تحبونه وهم مثلكم مخلوقون مرزوقون مدبرون لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض ولا ينفعونكم ولا يضرون . ((وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )) أن الله ليس له شريك ولا نظير لا في الخلق والرزق والتدبير ولا في العبادة فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك ؟ هذا من أعجب العجب وأسفه السفه .وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته وبطلان عبادة من سواه وهو ذكر توحيد الربوبية المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير, فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك في ذلك فكذلك فليكن الإقرار بأن الله ليس له شريك في العبادة, وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري وبطلان الشرك. اهـ
وفي سورة النمل يقول الله تعالى:
(( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أإله مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُون (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ َ)).
ففي هذه الآيات تذكير العباد بانفراد الله تعالى بالخلق والرزق والتدبير وتسخير الكون للعباد ليذكرهم باستحقاقه للعبادة وحده لا شريك له. فتعالى نفسه عما يشركون وفي آخر سياق هذه الآيات خاطب هؤلاء المشركين الذين يعبدون مع الله آلهة أخرى:
((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )).
تدبروا رعاني الله وإياكم قول الله تعالى في سورة النحل:
((وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِل ِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ))
أوليس هذه الآيات وغيرها حجة على شرحكم لكلمة التوحيد؟ الذي معناها عندكم تذكير الناس بآيات خلقه ورزقه وتدبيره؟ فلم تجعلون غاية هذه الكلمة الطيبة في هذا التذكير وتنسون أعظم غاية في كلمة التوحيد لتتبعوا في ذلك كلام الله تعالى؟ فالله تعالى يذكرنا بعظمة نعمه التي سخرها لنا ليبين لنا حقه علينا. فلا تمر بآية فيها تذكير لربوبيته إلا وغايتها توحيد العبادة له وتأنيب وتوبيخ من يصرف العبادة لغيره مع أنه لا ينكر بتوحيد ربوبيته سبحانه وتعالى.
ملاحظة: لم أتوسع في حواري مع الأخ الكريم بمثل هذا وإنما هي زيادات للموضوع.
قال الأخ:
نحن في أول كلامنا في الجولة نذكر الناس بآيات خلقه ونعمه ونبين أن المقصد الوحيد هو عبادته, ولتحقيق هذا ندعوهم للخروج في سبيل الله أياما معينة.
قلت:
قد ذكرتم هذا عند دعوتكم لي وأجبت بقولي: هذا كلام جيد, فتحمست عندئذ لسماع درسكم, لكن حين سمعت البيان لم يتحقق ما قلتموه لي من قبل.
قال:
كأنك تريد أن تتكلم عن العقيدة – الأسماء والصفات – وما اختلف فيه المسلمون, هذا من علم المسائل فليس لنا تركيز على هذا إذ نعتني بالفضائل ونرغب الناس عليها لأنك تكلمت كثيرا في مسائل العقيدة وإذا جاءك من يخالفك تكلم بغير هذا بل ضد ما قلت ويصبح الأمر جدال فلا ينفع ولا يثمر شيء فيبقى كل أحد مقاطع لأخيه ومخالفه فلا نتفق أبدا, لنتفق على الفضائل لأن الوفاق فيها يسير ونترك المسائل لأهلها فلا نخوض فيها أثناء ترتيباتنا كي نكون متفقين ونجمع الكلمة, ونركز على الأهم وهو دعوة الناس إلى الله تعالى وإخراجهم من الكفر إلى الإسلام ومن المعاصي إلى الطاعات.
قلت:
هل ترضى أن يخرج معك رجل ظاهره الإسلام وهو يشرك بالله تعالى؟ كمن يدعو غير الله أو يتمسح بالقبور و يتبرك بها, أو يحلف لغير الله أو يخوض في ذات الله وصفاته بلا علم ربما يستهزئ به دون أن يشعر؟
قال:
لا, ولكن لما يأتيه اليقين يترك هذه الأعمال.
قلت:
كيف يترك هذه الأعمال وما علم حقيقة لا إله إلا الله وما نهاه أحد عن هذا وأنتم دوما تعطوا لهم الحرية في اختيار أي شيخ للرجوع إليه في المسائل ولو كان من غلاة الصوفية والباطنية؟ وهل هذا من جهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
فسكت الرجل وفكر هنيهة فقلت له:
إن أول مرض يفتك بالقلب هو الشرك, والله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء, ووصف الله تعالى الشرك بأنه ظلم عظيم, فالبيان الذي تفضل به صاحبكم يركز على مداواة القلوب ويصف أن هذه الصفات الستة تكون دواء للقلب, قلت فإن القلب الذي لا يعرف حقيقة معنى كلمة لا إله إلا الله معرض للمرض ولو أتى بهذه الصفات كاملة بالفهم الذي تفضلتم به.
اعلم أن الشرك إذا خالط القلب لا ينفع معه أي عمل ولا ترتيب ولا جهد أبدا,قال الله تعالى: ((قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ))
فالواجب على صاحب البيان أن يركز على هذا قبل كل شيء إن أراد اتباع ما في القرآن وإن أراد حقا إحياء جهد الأنبياء والرسل في دعوتهم للناس إلى الله, أو لم تقرأ قول الله تعالى:
(( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)).
وقول الله تعالى: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )).
هذه هي دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم النبي الأمي خاتم الأنبياء والرسل وأشرفهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فدعوة الرسل للناس بعبادة الله واجتناب الطاغوت هي التي تقبل وترفع لموافقتها لمنهج الأنبياء والرسل, وإلا فما نفعت دعوتك لعاص أو ضال إلى فضائل الأعمال وفي قلبه شرك في العبادة ولو كان مقرا مؤمنا بربوبية الله تعالى.
وكفى بالاعتبار بمنهج الأنبياء في دعوتهم, فهذا نوح و هود وشعيب وموسى وغيرهم عليهم السلام أول ما قالوه لأقوامهم عندما أُمروا بدعوتهم: قال تعالى ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ))
و قال تعالى: ((وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ ))
و قال تعالى: ((وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ))
و قوله تعالى: ((وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ))
هؤلاء الأنبياء ما دعوا أقوامهم لترك معاصيهم المعروفة قبل دعوتهم لعبادة الله وحده لا شريك له, وما دعوهم لفضائل الأعمال قبل التوحيد. هذا هو جهد الأنبياء في الدعوة فأين جهدكم بجهدهم؟؟؟
أمتنا في هذا الزمن أحوج ما تحتاج إليه: التوحيد الخالص, وأنت ترى آفة الشرك المنتشرة في الأمة وأنه المرض الأول. فما زال الكثير من الناس يعبدون القبور والأشجار والأحجار ويقربون القرابين للأولياء ويستغيثون بهم من دون الله ويذبحون لغير الله, وما زال الكثير منهم يذهبون إلى السحرة والكهان ويؤمنون بهم و يحلفون لغير الله تعالى, و يتخذون التمائم وما شابهها اعتقادا بأنها تنفع وتضر, ولا يخافون من الشرك وما علموا أن الشرك أخف من دبيب النمل, و كم من أناس ما عرف الله حق معرفته إما ينكر صفاته أو يحرف معانيها أو يقيسها بصفات المخلوقين, وكم من أناس ينكرون علو الله تعالى على خلقه ويصفه بالعدم, أو يقول أنه في كل مكان, وكم وكم وكم... وهذه هي الأمراض الحقيقية التي أصابت الأمة وتغلغلت في القلوب فوجب الدواء. فهل هذا يسير عندك؟؟؟ ما هو أعظم عندك؟ معرفتك لله حق المعرفة في أسماءه وأفعاله وصفاته وعبادته حق العبادة أو اقتصاركم بتوحيد ما خالفكم فيه المشركون؟؟؟ فهل صاحب البيان يخاطب أقواما ينكرون الرب؟
إن أول دواء لأمراض القلوب هو القرآن, والقرآن مادته الأولى التوحيد الكامل, ثم العبادات.
إقرأ مثلا كتاب الإمام محمد بن عبد الوهاب المسمى كتاب التوحيد تعرف الدين الصحيح والجهد الحقيقي الذي قام به الأنبياء والرسل.
فلا تستطيع أن تجزم بأن الناس ما وقعوا في الشرك فأنت ترى بأم عينيك أصحاب الزوايا وأصحاب القبور كيف يشركون بالله تعالى وهم يظنون أنهم يعبدون الله تعالى وأقول: فعلا يعبدون الله تعالى لكن لا يكفي! لأنهم يشركون في عبادتهم لله تعالى. قال الله تعالى: ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً )) لم يقتصر بالعبادة فقط بل نهى عن إشراك غيره في العبادة.
قال تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )).
فبقي الرجل ساكتا وكنا قد أطلنا الحديث إلى ساعة متأخرة من الليل, فقلت له أرجوك حاول أن تجيبني على هذا بعد غد ولا تخلف الميعاد لأن لي كلام حول ما تسمونه بإحياء جهد النبي والصحابة في ترتيبكم المعين وكذا تقسيمكم للعلم إلى قسمين.
وفعلا جاء الرجل وجاء معه اثنان والحوار المتبقي أكتبه لاحقا إن شاء الله تعالى.
أرجو من الإخوة أن يناقشوا الموضوع علميا بعيدا عن العواطف والتقليد وما أشبه ذلك فنحن في حوار علمي وأستغفر الله تعالى إن أخطأت فإن فعلت ذلك فقوموني يرحمكم الله تعالى وما أنا إلا طالب علم بسيط لا يحب تقليد الرجال وإنما يحب الاتباع.
وصلى الله وسلم على محمد خاتم اللأنبياء والمرسلين.