السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

التعارض بين الدين و العلم لطالما كان موضوع جدال و نقاش بين العلماء و رجال الدين من مختلف نحلهم

و إن الثورة العلمية الغربية لما قامت و انفلتت من سلطان الدين , إنما انفلتت في الحقيقة من سلطان الكنيسة التي جمدت العقول و كفرت العلماء
فلماذا أخذ المفكرون العرب هذا التعارض بين العلم و الكنيسة و أراضوا تطبيقه على ديننا

جاء في كتاب الدين لمحمد عبد الله دراز عند تطرقه لتعارض الدين و العلم :

و الجواب أن هذه المعارضة تحدث فيما نعلم على إحدى صورتين :

الصورة الأولى : أن يقف العلم موقف المعارضة لما في الإسلام جملة , لا بناء على حجة تدحضه أو شبهة تضعفه بل عفوا و اعتباطا أو لمجرد جهل به ظنا منه أن كل ما لا يدخل في دائرة علمه في الحال فليست له حقيقة . و هذا لعمري من قصر النظر , بل من الجهل و الغرور ، فإن التكذيب بما لم يحط به الإنسان بعلمه و لم يأته تأويله خطأ لا يرتكبه الراسخون في العلم و الدين , و إنما يقع فيه المغرورون من العامة و أنصاف المتعلمين ، و هؤلاء أشد خطرا من الجهلاء لأن علمهم في الحقيقة جهل مركب . و إنما الإنصاف أن يكون كل امرىء عارفا بقدر نفسه واقفا عند حده .بنّاء غير هدام و السبيل القاصد في ذلك أن يثبت كل فريق ما وصل إليه
وقد رأينا العلماء المتخصصين في فرع من العلوم الطبيعية أو العقلية يعتمدون النتائج التي وصل إليها المختصون في فرع آخر منها : كل في نطاق تخصصه ، و لا ينتظرون أن يعيدوا كلهم ما جر به أو برهنة بعضهم ، و هذا هو الوضع السليم التي تتقدم به المعارف الإنسانية إذ لو وجب ان يعيد كل عالم بحث كل مسألة بنفسه ، لما تقدمت العلوم خطوة واحدة
فكذلك ينبغي أن يكون الشأن بين حملة العلوم و علماء الإسلام
ألم يجمع العلماء الآن على إمكان تحطيم النواة الذرية و إستخدام طاقتها الجبارة في صنع الأعاجيب مع أنه لم يباشر هذه التجربة منهم إلا نفر قليل ؟ فماذا يمنعنا أن نؤمن بالتجارب الروحية المتكررة التي شهدها الأنبياء و أرباب البصائر النيرة في مختلف العصور و إن لم يشهد الناس منها إلا نتائجها الخارقة ؟
إذا كان الإسلام لا يعارض العلوم بل إن في الإسلام من المعارف العلمية ما لم يتم اكتشافه إلا في الأعوام القليلة الماضية و كان من الخير لها أن تستمر كافة المعارف البشرية و تتسلح بنتائجها ، فإن من خير العلوم كذلك أن تدع الإسلام الدين الحق يكمل ما في العلوم من نقص و يملأ ما تتكره في النفوس من فراغ ، بما يملؤه من الحقائق الروحية فإن لم تفعل فلا أقل من أن تلزم شقة الحياد فلا تعادي الإسلام و لا تنكره جملة فإن إنكار الدين جملة إنكار ضمني لأمور واقعية يحتويها الإسلام كلها و لا يحتويها علم من العلوم ألا و هي عناصر الإيمان بالحقيقة العليا ." الدين – محمد عبد الله دراز – ص 76-77 بتصرف

و أقول أنه لم يثبت لحد الآن ان بديهيات العلوم المادية أو التجريبية خالفت ما جاء في القرآن و السنة بل على العكس , نجد ان ما تعتمده علوم الفزياء في الوقت الراهن و ما ثبتت صحة كلها تمت الإشارة لها في القرآن أو السنة .
أما أن يأتي متعالم ويشكك في ديننا بناء على نظريات هي أقرب للخرافة منه إلى الحقيقة فنقول له أنه بإيمانك بالنظريات أصبح أشبه بالقساوس و الكهنوتيين . و أنت في كلامك تؤمن بالغيبيات التي اتخذتها سلاحا للطعن في ديننا لكن مع فارق شاسع , فإيماننا جاء بدليل و إيمانك لم يأت بدليل.
وخذ على سبيل المثال نظرية داروين و نظرية النشوء و نظرية الأكوان التي إن صح الحديث عنها فهي خرافات لا نظريات

الصورة الثانية : أن تكون هناك مسألة أو مسائل معينة تنطق فيها العلوم و الأديان بحكمين متناقضين و إنما يحدث ذلك حينما تتناول الأديان إلى جانب عنصرها الروحي شيء من موضوعات العلوم و حقائق المشاهدات،
و تذهب في ذلك مذهبا معينا ، تفرض على المتدينين بها فرضا فهذا الجانب إن كان عرضيا في الأديان وكان سبيله في الغالب سبيل الوسائل لا المقاصد إلا أنه يعد معيارا لمقدار ما في كل دين من صحة أو فساد ، على قدر اتفاقه مع مقررات العلم الصحيح و قضايا العقل السليم ، أو اختلافه معها فإنه إذا كان الدين حقا و العلم حقا وجب أن يتصادقا و يتناصرا . أما إذا تكاذبا و تخادلا فإن أحدهما لا محالة يكون باطلا و ضلالا. الدين - عبد الله دراز - ص 77-78