تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: الرَّطانة

  1. #1

    افتراضي الرَّطانة

    [SIZE="5"] "] (الـــرَّطانـة )[/COLOR]
    لقد نبتت في المسلمين نابتة ذليلة مستعبدة، هُجَّيْراها وديدنها: التشبه بالكفار في كثير من الأمور، مع الاستخذاء والاستعباد لهم.
    وتصديق ذلك في الحديث: ( لتتبعن سَنَن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)
    وتتمثل هذه التبعية الماسخة، في جوانب شتى، يطول تعدادها، وما يعنى هنا هو (الرطانة)(1) : الكلام بالأعجمية.
    لقد كان حقاً على المسلمين – مهما كانت أصولهم وأجناسهم – أن يبوؤا لغةَ القرآن مبوأَ صدق؛ (لأن تفهمها من الديانة)( 2)، إذ هي أداة العلم ،ومفتاح التفقه في الدين، (وشعار الإسلام وأهله)( 3)، فهي خير اللغات والألسنة( 4)، ( و أوسعها مذهباً وأكثرها ألفاظاً)( 5).
    إن المتحدث بلغة الأعاجم – من غير حاجة – يُظهر من نفسه الفخر والعجب، حتى إنه ليورد في ثنايا حديثه كلمات يتراطن بها ليُظهر معرفته وتميزه،
    وقد شاع بين الناس كثير من كلمات الرطانة،وهي سلسلة طويل ذرعها
    منها :/
    أوكي= تأكيد
    تليفون= هاتف
    موبايل = محمول
    برنت= قائمه
    بوردنق باص= بطاقة صعود الطائرة
    كمبيوتر( 6)= حاسوب
    لابتوب = حاسوب محمول
    سيدي = قرص للكتابه
    باجورة= ظلة المصباح( 7)
    برواز= إطار
    حرف تي، دايركت، يوتيرن، ... إلخ( 8).
    هذا، وقد عُدَّت الرطانة من نقصان المروءة( 9)؛ لما أخرج ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) 5/300 ط. دار الكتب العلمية، ومالك في المدونة 1/62، عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال:" ما تكلم الرجل بالفارسية إلا خَبّ (صار خداعاً)، ولا خَبّ إلا نقصت مروءته".
    وقد أورد الأثر شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الاقتضاء)) 1/465
    وجاء في ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة 1/412 – 413، و((نثر الدر)) للآبي ص132: قول الأصمعي: ( ثلاثة تحكم لهم بالمروءة حتى يُعرفوا: رجل رأيته راكباً ،أو سمعته يُعرب، أو شممت منه رائحة طيبة؛ وثلاثة تحكم عليهم بالدناءة حتى يعرفوا: رجل شممت منه رائحة نبيذ في محفل، أو سمعته يتكلم في مصر عربي بالفارسية، أو رأيته على ظهر الطريق ينازع القدر).
    وإليك شذارتٌ مُذْهِبة، وثمرات يانعة، من يراع الإمام الرباني شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني – رحمه الله – (728هـ) في عرض وتحرير بياني، عن الرطانة وحكمها، ساقه في كتابه الفريد – الذي لم يسبق إليه – وهو: ((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم))، 1/461 – 470، ومما قال – رحمه الله – بعدما أورد كلام الإمام أحمد – رحمه الله – في أسماء الشهور بالفارسية:
    (فما قاله الإمام أحمد من كراهية هذه الأسماء، له وجهان:
    أحدهما: إذا لم يعرف معنى الاسم جاز أن يكون معنى محرم، فلا ينطق المسلم بما لا يعرف معناه...
    الثاني: كراهيته أن يتعود الرجل النطق بغير العربية؛ فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعار الأمم التي بها يتميزون...).
    وقال – رحمه الله – 1/463: (وأما الخطاب بها من غير حاجة في أسماء الناس والشهور، كالتواريخ ونحو ذلك فهو منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب، وأما مع العلم به فكلام أحمد بَيِّن في كراهيته أيضاً؛ فإنه يكره: آذرماه( 10)، ونحوه، ومعناه ليس محرماً ...).
    وقال: (فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمى بغيرها، وأن يتكلم بها، خالطاً لها بالأعجمية، وهذا الذي قاله الأئمة، مأثور عن الصحابة والتابعين...).
    وقال: (ونَقَل عن طائفة منهم أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من العجمية...
    وفي الجملة، فالكلمة بعد الكلمة من العجمية، أمرها قريب، وأكثر ما يفعلون ذلك، إما لكون المخاطب أعجمياً، أو قاد اعتاد العجمية؛ يريدون تقريب الأفهام عليه( 11)، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص – وكانت صغيرة وقد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها – فكساها النبي صلى الله عليه وسلم خميصة، وقال: (يا أم خالد! هذا سنا) والسنا بلغة الحبشة: الحسن.(البخاري 5845وانظر الفتح 6/183ـ185)
    وروي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال لمن أوجعه بطنه: (أشكم بدرد)، وبعضهم يرويه مرفوعاً، ولا يصح.
    وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية، التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن، حتى يصير ذلك عادةً للمصر وأهله، أو لأهل الدار للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم، وهو مكروه، كما تقدم، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر – ولغة أهلها رومية، وأرض العراق – ولغة أهلها فارسية، وأهل المغرب – ولغة أهلها بربرية – عوّدوا أهل هذه البلاد العربية، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار، مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديماً، ثم إنهم تساهموا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية، حتى غلبت عليهم؛ وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم، ولا ريب أن هذا مكروه، إنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في المكاتب، وفي الدور؛ فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام، في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنه يصعب( 12).
    واعلم أن اعتياد اللغة، يؤثر في العقل والخلق والدين، تأثيراً قوياً بيناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة، من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق، وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يُفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
    ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية.
    ثم أورد – رحمه الله – قول عمر – رضي الله عنه – في كتابه إلى أبي موسى: تفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن، فإنه عربي.
    وفي حديث آخر له: تعلموا العربية فإنها من دينكم.
    وهذا الذي أمر به عمر – رضي الله عنه – من فقه العربية، وفقه الشريعة، يجمع ما يُحتاج إليه؛ لأن الدين فيه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو فقه أعماله.
    وقد ذكر – رحمه الله – من مفاسد التشبه 1/80:
    (أن المشاركة في الهدي الظاهر؛ تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين؛ يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس.
    ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر، توجب الاختلاط الظاهر؛ حتى يرتفع التميز ظاهراً بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين.
    وقال – رحمه الله – 1/488:
    (إن المشابهة في الظاهر، تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة) أ.هـ المراد نقله من كلام شيخ الإسلام .
    ومع كل ما سبق، فليس هناك حرج في دراسة لغة الأعاجم، للحاجة إليها في الأمور الدنيوية، وفي الدعوة إلى الله عز وجل، بل إنها من فروض الكفايات، كما ذكر مثل ذلك الشيخ العلامة ابن سعدي – رحمه الله – في الفتاوى، وإنما الكلام على استعمال العرب المسلمين فيما بينهم كلمات أجنبية لاحاجة لها، ويمكن أن يستعاض عنها بكلمات عربية، كما سبق التمثيل لذلك.
    هذا، وقد بحث الموضوع من المعاصرين:
    عبد الرحمن آل عثمان، كما في مجلة البيان عدد (152) ربيع الآخر 1421هـ ص8– 15، وهو بحث محرر، وقد ذكر فائدة لطيفة: ( من عادة العرب إذا نطقوا بلفظة أعجمية؛ أنهم يُلْقونها على طريقتهم في النطق، من غير تكلف، ودون ترقيق في اللفظ، فضلاً عن نبرة الصوت، وقاعدتهم في ذلك (أعجمي فالعب به). كما قرر ذلك بعض المتقدمين من أئمة اللغة، وهذا خلاف ما شاع في أوساط المثقفين، من تمحُّل في إخراج اللفظة، مصحوبة بنبرتها الأعجمية.) أ.هـ
    وبحثه أيضاً: جميل بن حبيب اللويحق، في رسالته الجامعية (التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلامي) ص525– 530،
    وفي التشبه عموماً؛ يرجع إلى كتاب:
    1. الإيضاح والتبيين، فيما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين للشيخ :
    حمود بن عبدالله التويجري ت1413هـ – رحمه الله –.
    2. السنن والآثار، في النهي عن التشبه بالكفار. لسهيل الغفار.
    3. حكم الجاهلية. لأحمد شاكر ص238.
    4. من تشبه بقوم فهو منهم. د. ناصر العقل.
    5. وحي القلم. للرافعي. 2/296.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    كتبه :/ إبراهيم بن عبدالله المديهش
    الرياض
    13 /6/1421هـ
    ثم طبع في عام 1427هـ كتابٌ فريدٌ في بابه ، للشيخ د. أحمد بن عبدالله الباتلي ـ وفقه الله ـ بعنوان (( الأحاديث والآثار الواردة في فضل اللغة العربية وذم اللحن ،رواية ودراية)) ط. كنوز أشبيليا ، مجلد (276) صفحة
    فليُرجع إليه للأهمية
    الهــــوامــــش
    1. الرِّطانة، بكسر الراء المهملة، وفتحها، ومعناها: الكلام بالأعجمية، رطن له وراطنه: كلَّمه بها، وتراطنوا: تكلموا بها، تقول: رأيت أعجميين يتراطنان، وهو كلام لا يفهمه العرب. ينظر :/ اللسان 13/181،القاموس ص1549،النهاية لابن الأثير2/233 مختار الصحاح ص246
    2. سيأتي كلام شيخ الإسلام: أن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب.
    3. اقتضاء الصراط المستقيم، لابن تيمية 1/462.
    4. فقه اللغة للثعالبي ص25.
    5. الرسالة للشافعي ص42، وينظر أيضاً: المزهر في علوم اللغة للسيوطي 1/64، والصاحبي لابن فارس ص16، وأدب التخاطب للعدوي ص40.
    6. ينظر: اللغة والناس، يوسف الصيداوي ص7 إلى ص11. مهم جداً.
    7. ينظر: معجم الأغلاط اللغوية للعدناني.
    8. هذه الكلمة اختصار لكلمة (إلى آخره)، وهذا الاختصار يسمى في اللغة (النحت)، ينظر: المزهر في علوم اللغة للسيوطي.
    9. هذه الفائدة من كتاب (المروءة وخوارمها)، للشيخ : مشهور حسن سلمان ص105 – 106.
    10. من الشهور بالفارسية.
    11. لعلها (إليه).
    12. كذا، ولعله سقطت كلمة: (عليه).[/
    size]
    (( واتقوا يوماً تُرجعون فيهِ إلى الله ثم تُوفَّى كلُّ نفس ما كسبتْ وهم لايُظلمون ))

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    147

    افتراضي

    بارك الله فيكم ونفع بكم أخي إبراهيم .. مقال جداً رائع

    ولي سؤال: هل كانت لغة أهل العراق الفارسية؟ ومتى كان ذلك؟!
    قال الإمام مالك:
    لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي

    شكرا لكم ... وبارك الله فيكم ...

  4. #4

    افتراضي

    المشايخ الفضلاء ، حسان الرديعان و عبدالرحمن السديس
    أحسن الله إليكم ،وجزاكم خيراً على مروركم ،،
    الشيخ حسان ـ لازلتَ موفقاً ـ ((تأخرتُ في الإجابة لما علِمتَ من العذر)) ............
    بالنسبة إلى لسان أهل بغداد ،بالنظر السريع إلى مقدمة الخطيب ت463هـ لتاريخ مدينة السلام " بغداد" لم أجد شيئاً ، وظني أنها وردت في بعض فصولها ، وقد وجدت إحالة إليه في الكتاب الآتي :
    (العامة في بغداد في القرنين الثالث والرابع الهجري) للدكتور فهمي سعد دراسة موسعة عن بغداد، ويقع 600 صفحة
    أشار ص20 أن الخطيب ذكر أن النبط ـ سكان السواد قبل فارس ـ هم الذين استنبطوا الأرض وعمروا السواد ،وحفروا الأنهار العظام ...... وأن الفرس حفروا الأنهار الصغار مثل :كوثا ،والصراة،وكل سيب العراق...
    ثم قال الباحث ص 21 : / ... يدلنا ذلك على أن أرض بغداد عريقة في القدم بل وتذهب المصادر التي بحثت في اسم بغداد إلى أنه اسم لقرية قديمة ،بعضها يشير إلى أنه فارسي الأصل فيما تقول مصادر أخرى بأصله الآرامي (( تاريخ بغداد 1/58ـ62 ،الأعلاق لابن رسته ص18 ))
    إلا أن المنصور رفض تسمية المدينة باسمها القديم وسماها مدينة السلام تيمنا بجنة الخلد وكان هذا هو الاسم الرسمي الذي يذكر في الوثائق وعلى المسكوكات والأوزان .
    ويروي المصنفون أن المنصور أقام مدينته في موضع كانت تقوم قرية للفرس عُرفت بسوق بغداد يقام بها في كل سنة سوق عظيمة (( ابن الجوزي في مناقب ص6،تاريخ بغداد 1/25
    ثم نقل الباحث عن بعض المصادر، القرى العامرة، قبل انشاء بغداد من قبل المنصور ،وذكر الدير الموجودة فيها
    مع وجود مقبرة قديمة للمجوس في الجانب الشرقي لبغداد (( بغداد لابن الفقيه ص58،معجم البلدان 3/283))
    وتحدث الباحث في فصل مستقل ص 39 عن سكان بغداد الأوائل وذكر كثرة الخراسانيين حتى اعتبروا بغداد خرسان العراق
    وفي بغداد عند انشائها ثلاث قبائل عربية من مضر وربيعة ((الطبري 8/38)) ويذكر اليعقوبي أن العديد من العرب من مدن البصرة والكوفة وواسط قد انتقلوا إلى بغداد ومنهم من وجوه العرب ومياسير تجارهم (( معجم الأدباء ط. مارغليوث 5/190))
    الشيخ حسان ، هذه إشارات يسيرة ليست جواباً مباشراً ويحتاج الجواب إلى مختص في تاريخ العراق وأذكر أن كركيس عواد من أعظم المهتمين بذلك مع العناية بفهرسة مخطوطاته والمؤلفات فيه كما في كتابه (الذخائر الشرقية ) 7 مجلدات تقريباً
    (( واتقوا يوماً تُرجعون فيهِ إلى الله ثم تُوفَّى كلُّ نفس ما كسبتْ وهم لايُظلمون ))

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    147

    افتراضي

    بارك الله فيك على الإفادة ..

    والذخائر الشرقية عندي لعلي أنشط وأراجع فيها شيئًا من ذلك .

    ومثلك لا يخفى عليه حساسية نسبة العراق إلى فارس خصوصا في هذه الظروف الأخيرة.
    قال الإمام مالك:
    لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي

    الأخ الفاضل إبراهيم المديهش ، وفقه الله.
    تطرقت لموضوع له شُعب ، وأردت المشاركة بما تيسر.
    قلت وفقك الله :
    إن المتحدث بلغة الأعاجم – من غير حاجة – يُظهر من نفسه الفخر والعجب، حتى إنه ليورد في ثنايا حديثه كلمات يتراطن بها ليُظهر معرفته وتميزه.
    وقد اشتهر في علم اللغويات (اللسانيات) ما يسمى بـ (الاحتواء اللغوي) [1]وهو الميل إلى إظهار المعرفة بلغة ما لغرض الحصول على مكانة أو احترام ، وبعضهم يسميه (إظهار الامتياز) [2] ، والمقصود أن كثيراً من الناس لا تكاد تتيسر أمورهم حتى يرشوا المسؤولين لا أقول ببعض المال وإنما بإظهار بعض المعرفة باللغة الأعجمية فيحصلون على المكانة والحفاوة ولو كان ذلك مجرد قشرة تخفي تحتها خواء علمياً وفقراً معرفياً بمتطلبات التخصص.
    وذكرت وفقك الله :
    وقد شاع بين الناس كثير من كلمات الرطانة،وهي سلسلة طويل ذرعها
    منها :/
    أوكي= تأكيد
    تليفون= هاتف
    موبايل = محمول
    برنت= قائمه
    بوردنق باص= بطاقة صعود الطائرة
    كمبيوتر( 6)= حاسوب
    لابتوب = حاسوب محمول
    سيدي = قرص للكتابه
    باجورة= ظلة المصباح( 7)
    برواز= إطار
    حرف تي، دايركت، يوتيرن، ... إلخ.
    هذا صحيح ، ولكن بودي لو حصل التنبيه على أن دلالة معنى الرطانة - كما هو واضح من التعريف - لا تقتضي التلازم بين التلفظ ببعض الكلام الأعجمي من جهة و دوافع الخيلاء والفخر من جهة أخرى. فالرطانة هي مجرد التحدث بها أو تطعيم الكلام العربي ببعضها ، وهذا قد يحصل بقصد أو غير قصد ، وأعني بهذا أن كثير من المسلمين العرب الآن يتفوهون بكثير مما ذكرت أعلاه ولا علم لهم بأصلها أأعجمية أم عربية ، حتى يبُيّن لهم المُطّلع على الأمر حقيقة الأمر. وبهذا الاعتبار لا ينطبق عليهم كثير مما تطرق له شيخ الاسلام من الميل لاستعمال لغة الأعاجم - وهذا لا بد فيه من قصد ليحصل أثر التشبه [3] - وما يورثه من مشابهة أهلها. ولكن يبقى أن لها أثر آخر وهو إضعاف مرونة اللسان العربي و حقن الفتور في التراكيب العربية الأصيلة ، وهذا أثر يستتبع ظاهرة تسمى "التعاقب الصوتي" والتي هي استيراد الترتيب الصوتي للتركيب الأعجمي وإلباسه التركيب العربي [4] [5].
    وقد عُدَّت الرطانة من نقصان المروءة( 9)؛ لما أخرج ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) 5/300 ط. دار الكتب العلمية، ومالك في المدونة 1/62، عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال:" ما تكلم الرجل بالفارسية إلا خَبّ (صار خداعاً)، ولا خَبّ إلا نقصت مروءته".
    وقد أورد الأثر شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الاقتضاء)) 1/465
    وجاء في ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة 1/412 – 413، و((نثر الدر)) للآبي ص132: قول الأصمعي: ( ثلاثة تحكم لهم بالمروءة حتى يُعرفوا: رجل رأيته راكباً ،أو سمعته يُعرب، أو شممت منه رائحة طيبة؛ وثلاثة تحكم عليهم بالدناءة حتى يعرفوا: رجل شممت منه رائحة نبيذ في محفل، أو سمعته يتكلم في مصر عربي بالفارسية، أو رأيته على ظهر الطريق ينازع القدر).
    أقول : بارك الله فيك على هذه النقولات. ولكن يلاحظ أن المحذور هنا خُصّ بالفارسية - ولعل في ذلك سرٌّ يحتاج لبحث [6] - فلمَ لم يجعلوا الرومية أو السريانية أو الحبشية كذلك ؟
    كانت هذه كلمات وخواطر ، وأحب أن أشير إلى ان الدراسات اللغوية لتفاعل اللغات قد أخذت أبعاداً مديدة والاقتصار على كتب الأوائل مفيد ولكنه لا يكفي ، كما لا يخفاكم.
    ============================== ==
    [1] accomodation
    [2] prestige
    [3] وذلك أن الأثر النفسي للقول وكذلك الفعل ينتفي بانتفاء القصد (إنما الأعمال بالنيات) وبعض شرّاح الحديث هذا جعلوا التقدير (إنما اعتبار الأعمال بالنيات) أي حصول الأعمال ليكون لها وجود يعتبر. ولكن يمكن أن يقال : الأخطر أن يتحول التشبه من عملية واعية إلى عملية لا واعية ، وهو المعنى المشار إليه في حديث السنن وجحر الضب ، فأكثر المقلدين المتشبهين من أمة محمد لا يعلم أنه متّبع تابع!
    [4] phonotactic sequencing ، انظر (معجم المصطلحات اللغوية) د. رمزي بعلبكي ، ط. دار العلم للملايين ، ص 378.
    [5] ومن الأمثلة (القبيحة) على ذلك لوحات المحال التجارية لدينا التي تكتب اسم المحل الأعجمي بالحرف العربي : مثال : pumpkin patch = بمبكن باتش ، والأقبح كتابة اسم المحل العربي بالحرف الأعجمي (محل أبو فهد) = mahal abu fahad !!
    [6] علينا أن نستحضر أثر استيحاش ونفور ثقافات وأمم معينة من بعضها البعض ، ربما لأسباب تاريخية محضة ، كتحصن الفرنسيين ضد الدخيل الأمريكي ، أو أسباب دينية ، كبغض المسلمين للفرس لأنهم أهل وثنية وميلهم للروم لأنهم أهل كتاب ، وهذا الأخير له تعلق بموضوعنا هنا.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •