يكاد المتابع يقضي العجب حين يرى سلسلة تساقط وانهيارات المؤسسات الامريكية المتلاحقة ، ممَّا يُفضي بنا الى التأمل و التفكر في الاسباب الحقيقية لهذه المنظومة من الانهيارات .
فالاقتصاد الأمريكي لم يكن يوما اقتصادا متهالكا كحال كثير من الدول الكرتونية ، بل مما لا شك فيه ان الميزان التجاري الامريكي بدأ في السنوات الاخيرة للميل نحو كفة الصادرات مِمَّا يعني فقدان عامل العجز التجاري لتبرير تراجع الاقتصاد الامريكي لدى المحللين الاقتصاديين .
بل ان الحكومة الامريكية عملت في السنتين السابقتين على تخفيض قيمة الدولار لضرب "المنتجات الصينية الرخيصة" و كذلك لتشغيل الآبار النفطية الامريكية ذات التكلفة المرتفعة نسبيا ، مما أوجد فائضا اقتصاديا لدى حكومة الولايات المتحدة الفيدرالية .
ـ يعزز ارتفاع أسعار النفط والذهب في الوقت الذي تنخفض فيه قيمة الدولار الأمريكي مقارنة بالعملة الأوروبية اليورو الشكوك التي كان كتاب 'حرب العملات' (The currency war)
الذي صدر في ايلول (سبتمبر) العام الماضي قد أثارها بالحديث عن مؤامرة تعد لتقويض ما يسميه 'المعجزة الصينية' الاقتصادية.
ـ ففي امريكا يتعرض كتاب "حرب العملات" الذي ألفه الباحث الأمريكي من أصل صيني سنوغ هونغبينغ حاليا إلى هجوم من منظمات يهودية أمريكية وأوروبية تتهم مؤلفه بمعادة السامية بسبب تحذيره من تزايد احتمال تعرض ما يسميه “المعجزة الصينية” الاقتصادية للانهيار والتدمير بمؤامرة تدبرها البنوك الكبرى والتي يمتلك بعضها عائلات يهودية من اشهرها عائلة روتشيلد.
ويرى هونغبينغ ان تراجع سعر الدولار و ارتفاع اسعار البترول و الذهب ستكون من العوامل التى ستستخدمهما عائلة روتشيلد لتوجيه الضربة المنتظرة للاقتصاد الصينى.
وقد حقق الكتاب مبيعات قياسية منذ صدوره بلغت نحو 1.25 مليون نسخة إضافة إلى أن عرضه على شبكة الانترنيت قد وفر الفرصة لملايين الصينيين لقراءته ومن بينهم كبار رجال الدولة الصينية ورجال المال والاعمال والبنوك والصناعة .
وتعزو تقارير صحفية اهتمام الصينيين بهذا الكتاب الى مخاوفهم من ان يتعرض اقتصادهم الذي ينمو بشكل حاد لخطر الانهيار فى اى لحظة او على الاقل ان يتعرض لضربة شديدة مشابهة
الى حد كبير لما تعرضت له دول جنوب شرق اسيا "النمور الآسيوية" و هونغ كونغ عشية الازمة الاقتصادية الكبرى للعام 1997، مشيرا إلى بوادر إشارات تلوح في الافق تؤكد أن الصين بدأت تتعرض بالفعل لبشائر ضربة مدمرة لاقتصادها الصاعد أهمها التراجع المتواصل لسعر الدولار والارتفاع الجنونى لاسعار النفط الذي تتزايد حاجة الصين له
و من قبلها اليابان التي تخطت خسائرها من جراء هذه الضربة ما لحق بها من خسائر مادية بعد أن قصفتها الولايات المتحدة بالقنابل الذرية فى أواخر الحرب العالمية الثانية.
واتهم هونغبينغ في كتابه عائلة روتشيلد وحلفاءها من العائلات الكبرى بأنها تتحين الفرصة للنزول بسعر الدولار الامريكي الى ادنى مستوى له (وهو ما يحدث حاليا) حتى تفقد الصين في ثوان معدودة كل ما تملكه من احتياطي من الدولار ( الف مليار دولار ) محذرا من ان الازمة التي يتم التخطيط لها لضرب الاقتصاد الصيني ستكون اشد قسوة من الضربة التي تعرض لها الاقتصاد الاسيوي في التسعينيات .
ـ إلاَّ أنَّ خصوم هونغبينغ يستندون على العكازة الامريكية البالية و يرددون تلكم السطوانة المشروخة المملَّة فيتهمونه بأنه يميل في كتابه إلى "نظرية المؤامرة" فيما يتعلق بالسيطرة اليهودية على النظام المالي العالمي.
مع أن المؤلف يشير الى انه لم يعد هناك من شك في أن عائلة روتشيلد انتهت بالفعل من وضع خطة لضرب الاقتصاد الصيني كما فعل اليهودي سايروس مع النمور الآسيوية في التسعينات .
مشيرا الى ان الشيء الذي لم يُعرف بعد هو متى سيتم توجيه هذه الضربة، وحجم الخسائر المتوقعة جراء هذه الضربة التي يحذر الكتاب من أن كل الظروف اصبحت مهيأة لتنفيذها ضد الاقتصاد الصيني الذي يهدد امبراطورية عائلة روتشيلد بعد ان ارتفعت اسعار الاسهم و البورصة وارتفعت اسعار العقارات فى الصين الى مستويات غير مسبوقة مشيرا الى انه لم يبق سوى اختيار الوقت المناسب لتنفيذ الضربة .
ويعتبر هونغبينغ انسحاب عائلة روتشيلد منذ العام 2004 من نظام تثبيت سعر الذهب الذي يتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا مؤشرا على قرب تنفيذ عملية تستهدف توجيه ضربة قوية للاقتصاد الصيني.
لذلك دعا هونغبينغ الصين باتخاذ اجراءات وقائية بشراء الذهب بكميات كبيرة من احتياطيها من الدولار مشيرا الى ان الذهب هو العامل الوحيد القادر على مواجهة اي انهيار في اسعار العملات .
ويكشف كتاب “حرب العملات” ان قوة عائلة روتشيلد المتحالفة مع عائلات اخرى مثل عائلة روكفلر و عائلة مورغان أطاحت بستة رؤساء امريكيين لا لشيء الا لأنهم تجاسروا على الوقوف فى وجه هذه القوة الجبارة لمنعها من الهيمنة على الاقتصاد الامريكي من خلال السيطرة على الجانب الاكبر من اسهم اهم مصرف امريكى وهو البنك المركزي الامريكي المعروف باسم “الاحتياط الفدرالي”.
ويوضح الكتاب أن ما يقصده بالظروف المهيئة هو وصول الاحتياطى الصيني من العملات الاجنبية الى ارقام قياسية، تزيد عن الف مليار دولار وهو اكبر احتياطي من العملات الاجنبية تمتلكه دولة في العالم. فيما الاستثمارات و الاموال السائلة تواصل تدفقها من جميع انحاء العالم على الاسواق الصينية و تشهد التعاملات في البورصة الصينية قفزات كبيرة فيما تسجل اسعار العقارات ارتفاعات قياسية .
ويقول هونغبينغ في معرض تحذيره للصينيين، انه عندما تصل اسعار الاسهم والعقارات الى ارتفاعات مفرطة بمعدلات تتخطى السقف المعقول بسبب توافر السيولة المالية بكميات هائلة فانه يكفي للمتآمرين الاجانب ليلة واحدة فقط لتدمير اقتصاد البلاد بسحب استثماراتهم من البورصة و سوق العقارات ليحققوا ارباحا طائلة بعد أن يكونوا قد تسببوا في خسائر فادحة للاقتصاد الصيني.
ـ عوداً مرة اخرى الى المؤسسات المالية الامريكية :
فإذا رجعنا قليلا الى الخلف أي الى قُبيل 5 سنوات تقريباً فستعود بنا الذاكرة الى بعض قضايا الفساد الشهيرة في المؤسسة الأقتصادية الأمريكية وعلى سبيل المثال "انرون" "وورلد كوم" "يونايتد اير لاينز" وغيرها من الشركات العملاقة التي تشكل عصب الأقتصاد الأمريكي.
و الآن جاء الدور على المؤسسات المالية والبنوك التجارية ، مثل "بير ستينز" ،"ليمان برذرز"و يعد بنك سيتي بانك الأمريكي والذي تملكه سيتي قروب الأمريكية أكبر دائن إنه لبنك ليمان برذورز ، و ثم "ميرللينش" واليوم "قولد مان ساكس" و "اي ي جي"
طبعاكثير من الناس لا يعلم ما هو نظام التفليس في امريكا ، و الذي لا يعني اكثر من ادراج الشركة تحت نظام اسمه الفصل-11 Chapter-11 ، وهو نظام يحمي الشركات الأمريكية من الدائنين و المقرضين و الملاك. و الشركة تستمر في عملها و الشاهد شركات كثيرة تتداول بسنتات في البورصة و هي لا زالت تعمل في السوق ولكن ضمن رقابة عليها.
أي أن النظام سوف يحمي الشركة ماليا امام الجهات القضائية.
و لذلك فإن الدلائل القائمة تكاد أن تحصر اسباب تراجع الاقتصاد الامريكي في انهيارات مفتعلة .
فكما يعلم الكثير منا ان المؤسسات و الحكومات و الصناديق السيادية في العالم تستثمر ترليونات الدولارات في المؤسسات المالية الأمريكية ، و من تلك الدول وعلى سبيل المثال الصين اليابان الخليج سنغافوره كوريا الجنوبيه ، و ليس بسر ان السوق الامريكية تستقطب كثيرا من الاستثمارات والودائع العربية، و من الطبيعي أن تكون استثمارت طائلة و مرتجعة كتلك عبئا على الأقتصادات العالمية كالاقتصاد الأمريكي لأنها تعتبر ديوناً على الحكومة الامريكية الفيدرالية .
بينما يرجع المستثمرون الأجانب بأموالهم مع مكاسبها الى بلدانهم .
و بالتأكيد فإن "الصقور" الأمريكان سوف تكون لهم وجهة نظر اخرى ، ففي حين أن الأقتصاد الأمريكي لا يتحمل مخاطر سحب هذة الأموال الطائله ، فإن حكومة الصقور الامريكية الحالية لا يمكن ان تقف حيال مثل هذا الموضوع مكتوفة الأيدي ، لا سيما خلال هذه المرحلة الزمنية ، بينما لم يبق في عمر هذه الحكومة إلاَّ أيامٌ قلائل طبعا بالنسبة الى فتراتها المتعددة . .
ـ إذن فمن الممكن جدا أن تقوم الحكومة الفدراليه بتفليس بعض البنوك و الشركات الماليه و من ثَمَّ مصادرة اموالها قانونيا ، وبذلك لا يستطيع المستثمر الأجنبي سحب امواله من السوق الأمريكي بل سوف تعتبر ديون معدومة لأن نظام شبتر-11 يحمي هذة المؤسسات من المستثمرين الأجانب وغيرهم ، و بذلك تتحقق الفائدة المزدوجة للحكومة المتنفِّذة .
وهذة الخطة مشابهة لخطة تعويم الدولار وفك ارتباطه و تغطيته بالذهب في السبعينات ، وبذلك تعتبر الترليونات التي دخلت في الأقتصاد الأمريكي لا وجود لها ، و يتخلص الأقتصاد الأمريكي من هذة الديون التي لا يوجد لها غطاء نقدي مماثل من العملة الخضراء.
.