تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: أخطاء الصائمين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    39

    افتراضي أخطاء الصائمين

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد فإن هذا الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله وهو دين الإسلام يحتاج إلى رياضة وتدريب، وتحسين فلا يمكن أن يكون الناس فيه سواء، بل هم متفاوتون في مستوياتهم في الإيمان وفي مستوياتهم في الالتزام بالطاعة، ولذلك قال الله تعالى: {هم درجات عند الله}، فالناس متفاوتون في ذلك، وحسن إسلام المرء هو سر تكفير سيئاته كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن العبد إذا أسلم فحسن إسلامه محا الله عنه كل سيئة كان سلفها ثم كان بعد ذلك القصاص الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنه.

    وحسن الإسلام مطلب للجميع وينبغي أن يحرص عليه كل إنسان، وليس عيبا في الإنسان أن يكتشف خطأ وقع فيه لأنه غير معصوم، والخطأ من طبيعة البشر، كل بني آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون، ولكن الخطأ الذي لا يغتفر هو أن يكتشف الإنسان خطأه فلا يغيره وهو قادر على تغييره، فهذا خطأ لا يغتفر ولذلك قال أبو الطيب المتنبي: ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام

    وتراجع الإنسان عن خطئه تكفير لذلك الخطأ كما قال العلامة محنض بابه رحمة الله عليه:

    ليس من أخطأ الصواب بمخط إن يؤب لا ولا عليه ملامة

    إنما المخطئ المسي من إذا ما ظهر الحق لج يحمي كلامه

    حسنات الرجوع تذهب عنه سيئات الخطا وتنفي الملامة

    ومن سنة الله سبحانه وتعالى التدرج في شؤون الحياة كلها، فالإنسان في بداية عمله وطاعته يجد كثيرا من الكسل وعدم إدراك الحكم، وكلما ازداد قربا من الله سبحانه وتعالى وازداد يقينا بالدين كلما ازدادت عبادته إشعاعا ونورا وكلما ازدادت تأثيرا حقيقيا حتى يحس فيها بلذتها ولذة المناجاة ولذة الإخلاص وهي لذات كثيرة جدا يحسها الإنسان من خلال العبادة، وأنتم تعرفون أن كثيرا من المستمعين في بداية التزامهم بالصلاة كانوا يحسون بتعب ونصب منها ومشقة فيها، وكانوا يتثاءبون في أثنائها، وربما يلتفتون أيضا يمينا وشمالا وهي سرقات واختلاسات يختلسها الشيطان من صلاتهم، وكلما ازداد الإنسان إحسانا للصلاة وتعلما لأحكامها ورياضة عليها كلما حسنت صلاته فاستقامت أركانه وحصل له الخشوع وازداد حضورا فيها وازداد تعقلا لمعانيها، فتصبح صلاته مشعة مضيئة، ويصبح نورها مستمرا بين يديه فللصلاة نور عظيم بين يدي المصلي لكن لا يستشعره إلا من كان من أهل الخشوع، وكذلك في الصيام وغيره من الطاعات كلما ازداد الإنسان في معرفة الأحكام وفي المهارة في تطبيقها وفي الازدياد منها وفي نية التقرب بها كلما ازدادت إشعاعا حتى تؤثر في نفسه تأثيرا بالغا، وهذا التأثير لا يقتضي أمنا لمكر الله، فالطاعة كلها عرضة للقبول والرد، ولكن يقتضي زيادة للخوف من الله سبحانه وتعالى، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، وقلوبهم وجلة أي خائفة أن لا يتقبل الله منهم، والشيطان يسعى بالإنسان للوقوع في أخطاء كثيرة، فيحاول إفساد العبادة أولا بالخطإ الذي يبطل، فإذا عجز عن ذلك حاول إيقاعه في خطإ لا يبطل ولكنه ينقص الأجر ويشغل عن حكمة العبادة وما شرعت من أجله، فإذا عجز عن ذلك حاول إعجابه بنفسه وبعبادته حتى يأمن مكر الله وقد قال الله تعالى: {ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}، فإذا عجز عن ذلك حاول معه ازدراء عبادته واحتقارها لعله يتركها، أو لعلها لا تؤثر فيه بسبب احتقاره لها وازدرائه لها، وهذا يأس من رحمة الله وقد قال الله تعالى: {قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون}، وقال: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}، وهنا نكتة وهي التفريق بين اليأس والاستيئاس، فيمكن أن يستيئس الإنسان معناه أن يخاف على نفسه من اليأس لطول انتظاره للإجابة مثلا أو للنصر، وهذا ليس عيبا ولا عارا لأنه يحصل من الأنبياء وممن دونهم وقد قال الله تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}، أما اليأس من رحمة الله فهو من المستحيل على الأنبياء لعصمتهم، ولأنه من أعظم الذنوب واكبرها.

    والصائمون يقعون في كثير من أنواع الأخطاء ومنها الأخطاء المفسدة للصيام، فبعضهم يسمع بعض الأحاديث فيحملها على محامل ليست على وجهها فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يمنعنكم أذان بلال من طعامكم حتى يؤذن بن أم مكتوب، وفي رواية إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بن أم مكتوم، وكان رجلا ضريرا لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت، فكثير من الناس يسمع هذا الحديث فيظن أن أذان المؤذنين جميعا مثل أذان بلال فيستمر على طعامه وشرابه بعد أن يسمع الأذان، ويكون هو ليس من أهل معرفة الوقت، بل يكون في داخل غرفته ولم يخرج حتى ينظر إلى طلوع الفجر ولم يكن من أهل الاجتهاد في معرفة الوقت فيقع في خطإ مفسد للصيام حين أكل بعد سماع الأذان أو شرب، وكذلك نظير هذا أيضا استعجال الإنسان في حال الإفطار فإن بعض الناس عندما يرى سوادا في الأفق أو ظلاما يفطر مباشرة دون أن يتحرى غروب الشمس وتأكد الغروب، والإنسان الذي هو في داخل غرفة لا يستطيع التأكد من الغروب، والاعتماد على أصوات المؤذنين من الأمور التي فيها كثير من المجازفة، فكثير من المؤذنين أيضا إنما يعتمد بعضهم على بعض، فإذا سمع أذانا أو رأى مجرد الوقت الذي كان يؤذن فيه قبل أيام اعتمد على ذلك فأذن في نفس الوقت، وبعض الناس يكون أذانه من أول الشهر إلى آخره في نفس الوقت وهذا خطأ فالوقت يتجدد في كل يوم، إما أن يزيد وإما أن ينقص بحسب حال الزمان، وكذلك من الأخطاء التي يقع فيها الصائمون وهي مبطلة للصيام أيضا ما يحصل لدى كثير من الذين لا يخافون الله سبحانه وتعالى من تعريض أنفسهم للفتنة ومخالطتهم للشهوات بحيث لا يستطيعون إمساك أنفسهم عنها، فيقعون في الحرام، في انتهاك حرمة الشهر، فمخالطة الإنسان لأهله والرفث إليهم والتلذذ في حال الصيام كثيرا ما يوقع الإنسان في حال لا يستطيع معه الكف فيفسد صيامه، وشر ذلك وأعظمه هو ما كان نعوذ بالله في حرام في ما لو كان في غير الصيام كان حراما وهذا أعظم وأشد، وقد جلد علي رضي الله عنه شابا زنى وهو صائم في رمضان، فجلده عشرين سوطا زيادة على الحد، فالحد مائة جلدة فزاده عليها عشرين سوطا لانتهاكه لحرمة رمضان، وكذلك روي عنه أنه جيء بشارب قد شرب الخمر في نهار رمضان فجلده مائة سوط فقال: ثمانون حد شرب الخمر في غير رمضان وعشرون ردع له عن انتهاك حرمة الشهر.

    فلذلك لا بد من الحذر والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى إبطال الصيام، ومثل ذلك ما يحصل أيضا من كثير من الناس من رفض نية الصوم، وكثير من الناس لا يفرقون بين نية الرفض ورفض النية، وبينهما فرق كبير، فرفض النية أن ينوي الإنسان أنه خارج من الصوم وأنه قد رفضه وهي مبطلة للصوم، أما نية الرفض فهي أن ينوي أنه سيرفض في المستقبل، فإذن رفض النية هي أن ينوي الآن أنه خرج من الصيام، أما نية الرفض فهي أن ينوي أنه سيخرج من الصيام، فنية الرفض لا تبطل ما لم يرفض، والرفض هو المبطل.

    وكذلك من الأخطاء التي يقع فيها الصائمون وهي دون هذا مما ينقص الأجر تأخير بعضهم للفطر حتى تشتبك النجوم أو حتى يقع الإظلام وهو من البدع المضلة، وقد حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لن تزال أمتي بخير ما لم يعجلوا السحور ويؤخروا الفطر، وقد بين أن ذلك هو من مضاهاة اليهود، فاليهود هم الذين يؤخرون الإفطار حتى تشتبك النجوم، ويضاهيهم بعض الفرق المبتدعة من هذه الأمة، فبعض الروافض لا يفطرون حتى تشتبك النجوم، وهو مذهبهم، وكذلك من الأخطاء التي يقع فيها الصائمون أيضا عدم حفظ اللسان في الصوم فإن كثيرا من الناس يطلق الكلام على عواهنه في صيامه، فيتكلم بسخط الله وهو في عبادة ينبغي أن يحترمها، وأن يقدرها، ويظن أن صيامه ليس حاجزا يحول بينه وبين الوقوع في معصية اللسان، بل إن كثيرا من الناس تسوء أخلاقهم في الصيام، فعندما يحس بالحاجة إلى الطعام أو إلى الشراب أو إلى الشاي يتأثر خلقه فيسوء ويخاطب الناس بالكلام البذيء، وبالأخص في معاملته مع العمال والموظفين لديه، فيسوء خلقه معهم ومع أهل بيته، وهذا كله من الأخطاء التي يقع فيها الصائمون وهي تنقص الأجر وفيها ضرر عظيم، فالرجل يتكلم بالكلمة الواحدة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها سبعين خريفا في قعر جهنم نسال الله السلامة والعافية، وكذلك من الأخطاء التي يقع فيها الصائمون أنهم لا يحسون بروح العبادة فيسهر بعضهم الليل كله وينام النهار كله فيفوت الصلاة، وهذه معصية كبيرة، فالصلاة أعظم من الصيام، وعلى الإنسان أن يحافظ عليها فهي أول ما يبدأ به من عمله يوم القيامة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: حد ما بين العبد والشرك والكفر ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر، وقال: إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر، وتركها أنواع منوعة فمنه التكاسل عنها فكثير من الصائمين يتكاسلون عن الصلاة في المساجد في رمضان، وهذا خلل في صيامهم، وكذلك من الإسراف الإسراف في النوم، فينبغي أن لا يزيد الإنسان في نومه في أربع وعشرين ساعة على ثمان ساعات وهي الحد الأقصى، فإذا نام أكثر من ثمان ساعات فيصبح النوم مضرا بجسمه ومضرا بروحه وبعبادته، وإذا نام القدر الذي يكفيه فيستريح به جسمه وتهدأ به شطته فهذا القدر المطلوب من النوم وهو سبات للأجسام أي راحة لها، وكذلك إن من أخطاء الصائمين أن كثيرا من الناس يعتبرون يوم الصوم يوما طويلا ويوم نصب وتعب فيحاولون قتل الوقت ويقولون تعالوا بنا نقتل الوقت، فيشتغلون ببعض المحرمات من القمار واللعب الذي فيه قسم على الفجور والكذب أو فيه انشغال عن الصلاة ونحو ذلك، فيجعلون يومهم يوما للعب والنصب فيه، وكذلك بعضهم يشغل وقته جميعا بمتابعة القنوات وما فيها من المسلسلات والملاهي وفي ذلك خطر عظيم وضرر كبير بالصيام وخرق له، وكذلك من الأخطاء التي يقعون فيها أن كثيرا منهم يعطل عمله ويتركه بسبب الصيام، كأن الصيام مدعاة لتعطيل العمل والصيام معين على الاستمرار في العمل، وليس سببا لتركه بوجه من الوجوه، بل كل ما فيه تعطيل للعمل ينبغي أن يكون منافيا للحكمة في الأصل، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرت يغزو وهو صائم، وقد صام في كثير من الغزوات والمشاهد، وكذلك فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين الإكثار أيضا من الكلام، فمن السنة كف اللسان عن اللغو والكلام القبيح الذي لا نفع فيه، فإكثار الإنسان من الكلام وهو صائم فيه ضرر عليه ونقص لصومه، وكذلك من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أيضا ما يحصل من الإسراف في المآكل والمشارب في الليل، فمنذ الفطر وهو مقبل على الملذات والشهوات والتزود منها على فلسفة امرئ القيس:

    تزود من الدنيا فإنك فاني

    فيحاول أن يعوض ما نقص من مآكله ومشاربه وشهواته طيلة النهار بالإسراف في ذلك في الليل والسرف لا خير فيه، وقد قال الله تعالى: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}، وقد قال العلامة محمد مولود بن أحمد فال رحمة الله عليه:

    والسرف السرف إن السرفا عنه نهى الله تعالى وكفى

    ولا يحب المسرفين كافي في كف كفك عن الإسراف

    ومثل ذلك أن كثيرا من الناس يجعلون لرمضان أطعمة مخصوصة، ويجتهدون في أنواع الطعام وتلون المائدة، ولا يخلو ذلك من سرف وتبذير أبدا، والتبذير محرم أيضا كالسرف، فقد قال الله تعالى: {ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} والفرق بين السرف والتبذير أن السرف هو الزيادة على الحد، أصل الفعل مباح ولكن الزيادة فيه هي المحرمة، أما التبذير فهو إنفاق المال في غير طائل وهو أصلا محرم من أصله، التبذير حرام كله والسرف أصل الفعل فيه جائز والزيادة عليه هي السرف المحرم، وكذلك الإسراف في التسوق وشراء كثير من الحاجات في رمضان، مما يجعل التكاليف تزداد والديون تزداد، وهذا مما هو مخالف لحكمة هذا الشهر الذي تتنزل فيه الرحمات وفيه الخير الكثير، وكذلك تقصير كثير من الناس في قيام الليل في رمضان، فرمضان فيه عبادة الصيام وفيه عبادة القيام، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، فهذه المغفرة نحن محتاجون إليها غاية الاحتياج، فلذلك لا بد أن يحرص كل إنسان منا في صومه على طلب هذه المغفرة، وهذا يقتضي حرصه على القيام ما استطاع والقيام أقله كما قال إبراهيم النخعي قدر ما تحلب فيه شاة، ولا حد لأكثره إلا القدر الذي يكون سرفا بأن يمنع الإنسان من طعامه وشرابه في الليل، وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ليلة ثلث الليل، وفي الليلة الثانية قام فيهم ثلثيه، وفي الليلة الثالثة قال أبو ذر: قام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قيل: وما الفلاح يا أبا ذر، قال: السحور، ولكنه بين أن من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، فإذا شهد الإنسان الإقامة إقامة صلاة العشاء وصلى العشاء في جماعة وقام مع الإمام حتى ينصرف حتى يكمل صلاته، حتى لو لم يصل الإمام إلا إحدى عشرة ركعة أو نحو ذلك فإنه يحصل له قيام الليلة بكاملها، فلا يقصد بالقيام قيام الليلة من أولها إلى آخرها، بل المقصود قيام بعضها ويحصل بالصلاة مع الإمام حتى ينصرف، وهذا القيام من الفضل فيه أن يقرأ الإنسان القرآن كاملا أن يختم فيه بالصلاة، وإذا كان لا يحفظه فيجزئ من ذلك سماعه لأن سامع القراءة له نصف أجر القارئ، وإذا كان مصليا مع الإمام فيحصل له الأجر كاملا لأن الجماعة أجرها متحد، فالحرص على قيام الليل من المهمات وهو مدرسة يتعود عليها الإنسان وينبغي أن يتعود عليها، وكذلك من أخطاء الصائمين أن بعضهم يشهد الصلاة صلاة الفرائض في رمضان وقيام الليل ولكنه ينسى العبادة بعد رمضان، فإذا دخل شوال شن إبليس غارته لأنه كان ممنوعا من الاعتداء على الناس في رمضان، فقد كان المردة من الشياطين مأسورين مغلولين فإذا أطلقوا حاول إبليس الاقتصاص من الناس في شوال فيقل فيه الصوم وقيام الليل ويقل فيه ختم القرآن ويقل فيه كثير من الطاعات التي كانت في رمضان كالصدقة ونحوها، وهذا خطأ فقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، فالذين لا يعرفون الله إلا في رمضان لا خير فيهم، فرمضان مدرسة ليتعود الإنسان على التعرف إلى الله في الرخاء وفي وقته كله وليس وقتا مخصوصا للطاعة دون ما سواه، بل كل أوقات السنة هي أوقات لطاعة الله سبحانه وتعالى وعبادته، ورمضان موسم فيه زيادة الأجر وفيه تحريص على الطاعة، لكن المقصود بذلك أن تبقى مع الإنسان هذه الطاعة وأن يتعود عليها طيلة السنة، وكذلك من أخطاء الصائمين ما يحصل لكثير منهم في رمضان من عدم احترام أوقات الآخرين، فيزورون الناس زيارات مفاجئة من غير ترتيب ويفسدون أوقاتهم، ونجد كثيرا من الناس يزور المكاتب يخرج من مكتب إلى مكتب ويتجول فيها فيفسد وقت بعض إخوانه ويقطع عليهم برامجهم وما كانوا فيه من قراءة القرآن مع أن اللازم أن يترك الإنسان وقتا من وقته في رمضان لمصحفه وقراءته للقرآن وإذا استطاع أن يعتكف وبالأخص في العشر الأواخر فذلك أفضل وأفضل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، أما إفساد الوقت في غير طائل فلا خير فيه أبدا، ومن المؤسف أن يكمل رمضان ولم يختم الإنسان القرآن، فهذا الشهر هو الذي أنزل فيه القرآن وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يراجعه في كل ليلة مع جبريل، وفي رمضان الذي توفاه الله فيه كان يراجعه مرتين، وهذا يقتضي منا الحرص على الإكثار من ختم القرآن ومراجعته في رمضان وزيادة المحفوظ منه، إذا كان الإنسان لا يحفظه كاملا، وكذلك من أخطاء الصائمات بالخصوص أن كثيرا منهن ينشغلن بإعداد الطعام ويمكثن جل الوقت في المطبخ فلا يكون لهن مشاركة في تلاوة القرآن والختم، ومن المهمات أن تسمع المرأة القرآن كاملا أو أن تقرأه ما استطاعت حتى لو كانت هي تخدم أهل بيتها فينبغي أن تأخذ شريطا في مطبخها وفي وقت عملها فتسمع القرآن وتقرؤه مع الشريط، على الأقل تكون بذلك مشاركة في ختم القرآن وفي مراجعته وتحس بأن هذا الشهر شهر القرآن.

    وكذلك من أخطاء الصائمات تفريطهن في حقوق الأولاد في الصيام، وظن كثير منهن أن الصوم موجب للفطر في حق الحامل أو المرضع، فكلا الجانبين محرم، فإهمال حق الصبي حرام، فله حق على أمه، ويجب عليها القيام بمصالحه، لكن مع ذلك ليس الإرضاع بذاته أو الحمل سببا موجبا للفطر، بل إذا كانت المرأة لا تشكو ألما ولا مرضا فيجب عليها الصيام في الأصل حتى تشكو ألما أو مرضا أو يشكوه ولدها وكثير من النساء إذا كانت في الحمل لا تصوم مطلقا وكذلك إذا كانت في مدة الإرضاع وهذا خطأ من أخطاء الصائمين وخلل لا بد من معالجته، ولا بد من الرجوع في تحديد ذلك إلى الأطباء، فالمرأة إذا كانت تشكو ألما لا تستبيح الفطر حتى تسأل الأطباء هل هذا الألم ناشئ عن الصوم مثلا أو نحو ذلك، وكذلك فإن كثيرا من الناس يستبيحون الفطر لأتفه الأسباب، فإذا كان الإنسان قد لسعته حية في ماضي حياته عند بعض المناطق يستبيح الفطر بقية حياته وهذا خلل وخطأ، وكذلك إذا كان يجد ألما في المعدة أو حموضة يترك الصوم من أجلها وهذا غير صحيح، هذا التصرف غير صحيح، وكذلك إذا كان يحس ببعض مرض القلب، بالشيء اليسير من ذلك، أو بارتفاع في السكر أو نحوه كثيرا ما يترك الصوم، مع أن المستوى الذي يقتضي ترك الصوم من ذلك هو المستوى المتقدم، والأطباء هم الذين يحددون ذلك وليس للإنسان أن يحدده لنفسه، وكذلك ما يحصل أيضا من الخطإ في استعمال الإنسان للأدوية في حال صيامه، فمن الأدوية ما هو مفطر للإنسان فينبغي أن يستعمله في الليل ولا يجوز له استعماله في النهار في حال صومه إلا إذا كان مضطرا إليه وحينئذ يقطع صيامه ويفطر إذا اضطر لاستعماله، واستعمال الأدوية ينبغي أن يكون باستشارة الطبيب، والمخالفة في ذلك هي ضرر وخطر على البدن، وهي كذلك تكون نقصا في صيامه لأن الإنسان لا بد أن يكون منضبطا بأحكام الشرع ولا يحل له الإفطار إلا بعد استشارة الطبيب أو معرفة القدر الذي يوجب الصيام من المرض، ومن أخطاء الصائمين كذلك في هذا الشهر ما يتعلق بإتيان الإنسان إلى السوق من غير حاجة للشراء، فهو يريد قتل الوقت وإزالة الانشغال عن نفسه فينشغل عن الصوم بمتابعة البيع والشراء، أو بمتابعة لعب الكرة أو بغير ذلك وكل هذا إضاعة للأوقات وهو لا ينبغي فإذا وجد الإنسان فسحة من الوقت فعليه أن يذهب إلى المسجد فأحب البقاع إلى الله مساجدها وأبغض البقاع إلى الله أسواقها، والمسجد مشرع الأبواب، فهذا الشهر كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبشر به أصحابه كما في سنن النسائي ويقول: قد أطلكم شهر كريم، وفي رواية أظلكم شهر كريم تفتح فيه أبواب الجنة وتوصد فيه أبواب النار وتصفد فيه مردة الشياطين وفي رواية قد أظلكم شهر كريم تفتح فيه أبواب السماء وتوصد فيه أبواب النار وتصفد فيه مردة الشياطين والمقصود بأبواب السماء استجابة الدعاء.

    فلذلك لا بد من انتهاز هذه الفرص وأن يجعل الإنسان وقتا من وقته للمسجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة في هذا من الأمور الجيدة وبالأخص متابعة الدروس في هذا الشهر فهو مدرسة لا بد من استغلالها نسأل الله أن يوفقنا لكل خير.

  2. #2

    افتراضي رد: أخطاء الصائمين

    السلام عليكم ياروح سارة وشكراً على الموضوع المفيد؛؛؛.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    39

    افتراضي رد: أخطاء الصائمين

    وعليكم السلام وفيكم بارك الله

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2008
    المشاركات
    153

    افتراضي رد: أخطاء الصائمين

    جزى الله خيرا الشيخ العلامة ومن نقل عنه

    بالنسبة للخطأالاول ارى انه فيه تضييق وربما احدث بلبلة لمثلى من العوام لاننا نفطر بمجرد سماع المؤذن والمؤذن يؤذن حين سماع الاذاعة ففى كل مسجد (فى مصر بلدى )هناك مذياع ضمن عهدة المؤذن يعرف به اوقات الصلاة ولايؤذن الا بسماعه
    فلندع الناس يكتفون بسماع المؤذن للصوم والافطار لان مافهمته الا يعتمد الصائم الا على رؤياه للافق بنفسه وهذا لايتيسر لكل احد وربما اكون قد اخطأت فى الفهم
    بارك الله فيكم وتقبل منا ومنكم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •