عل من أبلغ الظواهر الدالة على مكانة الشيخ عبد الحميد بن باديس بين علماء عصره، تلك التقاريظ وذلك الثناء الذي خصّه به معاصروه، ومن بعدهم من المؤرخين والعلماء والمفكرين، نذكر منها ما يلي:
الشيخ محمد البشير الإبراهيمي
رفيق دربه في الإصلاح، وأقرب الناس إليه، وأعرفهم بمناقبه، يقول عنه: "إنه باني النهضتين العلمية والفكرية بالجزائر، وواضع أسسها على صخرة الحق، وقائد زحوفها المغيرة إلى الغايات العليا، وإمام الحركة السلفية، ومنشئ مجلة (الشهاب) مرآة الإصلاح وسيف المصلحين، ومربّي جيلين كاملين على الهداية القرآنية والهدي المحمّدي وعلى التفكير الصحيح، ومحيي دوارس العلم بدروسه الحيّة، ومفسّر كلام الله على الطريقة السلفية في مجالس انتظمت ربع قرن، وغارس بذور الوطنية الصحيحة، وملقّن مبادئها على البيان، وفارس المنابر، الأستاذ الرئيس الشيخ عبد الحميد ابن باديس، أول رئيس لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأول مؤسس لنوادي العلم والأدب وجمعيات التربية والتعليم، وحسبه من المجد التاريخي أنه أحيا أمّة تعاقبت عليها الأحداث والغير، ودينًا لابسته المحدثات والبدع، ولسانًا أكلته الرطانات الأجنبية، وتاريخًا غطى عليه النسيان، ومجدًا أضاعه وَرَثَةُ السوء، وفضائلَ قتلتْها رذائلُ الغرب، فرحم الله تلك الأرواح الطاهرة"1

ويقول عنه أيضا : "الحقيقة التي لا يختلف فيها اثنان، والشهادة التي تؤديها لوجه الحق حتى رجال الاستعمار، هي أن أول صيحة ارتفعت بحرية الجزائر كانت من لهاة عبد الحميد بن باديس ولسانه، وأن أول صخرة وضعت في أساس نهضة الجزائر بجميع فروعها من علمية وسياسية واجتماعية وأخلاقية إنما وضعتها يداه.

وعبد الحميد بن باديس باني النهضة وإمامها ومدرب جيوشها، عالم ديني، ولكنه ليس كعلماء الدين الذين عرفهم التاريخ الإسلامي في قرونه الأخيرة، جمع الله فيه ما تفرق في غيره من علماء الدين في هذا العصر، وأزكى عليهم بالبيان الناصع واللسان المطاوع، والذكاء الخارق، والفكر الولود، والعقل اللماح، والفهم الغواص على دقائق القرآن وأسرار التشريع الإسلامي، والإطلاع الواسع على أحوال المسلمين ومناشئ أمراضهم، وطرق علاجها، والرأي السديد في العلميات والعمليات من فقه الإسلام وأطوار تاريخه، والإلمام الكافي بمعارف العصر مع التمييز بين ضارها ونافعها، مع أنه لا يحسن لغة من لغاتها غير العربية، وكان من التضلع في العلوم الدينية واستقلاله في فهمها إماما في العلوم الاجتماعية، يكمل ذلك كله قلم بليغ شجاع يجاري لسانه في البيان والسحر، فكان من أخطب خطباء العربية وفرسان منابرها، كما كان من أكتب كتابها"2

1- عيون البصائر، دار المعارف – القاهرة، مصر، 1963 م، ص : 624.

2- آثار الإبراهيمي، ج4، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1985 م، ص : 336.


الشيخ العربي التبسي

"إن الرجال لا تسجل أنسابهم ولا صورهم، ولا أموالهم في سجل الإنسانية وشرائعها، وإنما عقائد الذين غرسوا عقائدهم في نفوس الناس... وإنما تسجل أعمال الذين أخرجوا الناس من فوضى اجتماعية إلى نظام اجتماعي توارثته الإنسانية بعدهم.

إنما تسجل عبقرية أولئك الذين حاموا على الإنسانية حيث امتهنت واعتدى عليها فراعنة العنصرية، وجبابرة القوة المادية. وإنما تسجل المبادئ التي تفيء إلى ظلها الإنسانية حين تطغى على الإنسانية الجوائح التي تجتاح الناس بسوط عذابها ولهيب نيرانها... وعبد الحميد بن باديس جدير بأن تقيم له الأمة الجزائرية الإسلامية العربية الذكرى، وجدير بأن يعد من أولئك الذين سجل لهم التاريخ جهودًا تؤهله للحاق بالشخصيات المعترف لها بمزاياها.

قدم عبد الحميد لأمتنا في أرضنا الشيء الكثير مما يعد أساسا لهذه الحركة، وبذورا لنواحيها المتعددة"1

وقال : "لقد كان الشيخ عبد الحميد هو الجزائر فلتجاهد الجزائر الآن أن تكون هي الشيخ باديس".

1- البصائر، العدد 187، أفريل 1952 م.


الشيخ المبارك الميلي

الأستاذ العظيم والمرشد الحكيم، عدّتنا العلمية وعمدتنا الإصلاحية.


الشاعر الجزائر الكبير محمد العيد آل خليفة

الذي رافق شعره النهضة الإسلامية في الجزائر في جميع أطوارها. فقد ألقى في حفل تكريم الإمام ابن باديس بختمه لتفسير القرآن الكريم، قصيدة طويلة، أثنى فيها على ابن باديس، وعدّد فيها جهوده العلمية، وجهاده من أجل الحفاظ على شخصية الجزائر الإسلامية، نذكر منها هذه الأبيات:

بمثلكَ تعـتـزُّ البـلادُ وتفـخـرُ وتـزهـرُ بالعلمِ المنيرِ وتزخـرُ
طبعتَ على العـلـمِ الـنـفـوسَ نواشئًا بمخبرِ صدقٍ لا يُدانيهِ مخبرُ
نهجـتَ لهـا في العـلـمِ نـهـجَ بلاغـةٍ ونهج َمفاداةٍ كأنكَ حَيْدرُ
ودَرْسُكَ في التفسيرِ أشهى "مِنَ الجَنَى" وأبْهَى مِنَ الروضِ النظيرِ وأبهـر
ختمتَ كـتـابـَا ِخـتـمةَ دارس بصيرٍ لـه حَـلُّ العويصِ مُيسَّـر
فكـمْ لكَ في الـقـرآنِ فَـهْـمٌ موفَّق وكمْ لكَ في القرآنِ قولٌ مرر


الدكتور محمد البهي

وزير الأوقاف ووزير شؤون الأزهر السابق، ذكر ابن باديس في مقدمة تفسيره بما يلي : "الإمام عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء بالجزائر وباعث النهضة الإسلامية العربية فيها، وقائد الثورة ضد الاستعمار الفرنسي في هذه البلاد العزيزة واحد من العلماء المصلحين والمفكرين الرواد في الوطن الإسلامي العربي، ومع الأسف لم كونوا كثرة في العدد وإن كانوا قوة في الأثر.

إن عبد الحميد بن باديس لم يكن شخصا وإنما كان قبسا من نور الله كشف به ظلام الاستعمار في الجزائر وهدى به قوما كادت تضلهم ظلمته وتيئسهم محنته وأصبحوا بذلك أقوياء بعد ضعف، ووحدة بعد فرقة، وأصحاب أمل في الحياة بعد يأس منها".


الشيخ الطاهر بن عاشور

عميد مجلس الشورى المالكي بتونس في زمانه، وصاحب تفسير "التحرير والتنوير"، وأستاذ الشيخ ابن باديس في جامع الزيتونة. ورغم ما حدث بينهما من تباين في بعض المسائل العلمية والفتاوى الفقهية، إلا أن ذلك لم يمنع الأستاذ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور من أن ينزله منزلته، ويعترف له بمكانته، فيقول عنه: "العالم الفاضل، نبعة العلم والمجادة، ومرتع التحرير والإجادة، ابننا الذي أفتخرُ ببنوته إلينا... الشيخ سيدي عبد الحميد ابن باديس... أكثر الله من أمثاله في المسلمي".

وفي الاحتفال بالذكرى السابعة لوفاة ابن باديس، قال الشيخ ابن عاشور"... إن فضل النهضة الجزائرية على العالم الإسلامي فضل عظيم، وإن أثر الشيخ عبد الحميد بن باديس في تلك النهضة أثر إنساني رئيس... تلقى الإمام عبد الحميد تعاليم الإسلام، وتشرب روح العروبة، فكانت روحه الفلسفية متوجهة نحو تسليط تلك التعاليم وهاتيك الروح على ما بين جنبيه وجنبي عموم الشعب الجزائري من حالة الذهول عن الذات، والانقطاع عن تأثير التعاليم الطاهرة، والروح الإسلامية... وما تكريمنا للشيخ عبد الحميد بن باديس، إلا تكريم للفكرة العبقرية والنزعة الإصلاحية الفلسفية، التي دفعت به فريدًا إلى موقف إحياء التعاليم الإسلامية، في وطن أوشكت شمس الإسلام أن تتقلص في ربوعه، بعد ثمانين عامًا قضاها في أغلال الأسر"(1 ).

1- خطاب ألقاه في الاحتفال بالذكرى السابعة لوفاة عبد الحميد بن باديس، نشرته مجلة "العبقرية" في عددها الثالث سنة 1946 م.


المؤرخ الأستاذ خير الدين الزركلي

صاحب الأعلام، والذي عاصر ابن باديس، ويعتبر شاهدًا على جهاده، ينقل لنا شهادته قائلاً عنه: كان شديد الحملات على الاستعمار، وحاولت الحكومة الفرنسية في الجزائر إغراءه بتوليته رئاسة الأمور الدينية فامتنع، واضطهد وأوذي، وقاطعه إخوة له كانوا من الموظفين، وقاومه أبوه، وهو مستمر في جهاده، عليهم جميعًا سحائب الرحمة والرضوان.

حسن البناء

"كما قامت مجلة الشهاب الجزائرية التي كان يصدرها الشيخ عبد الحميد بن باديس – رحمه الله – في الجزائر بقسط كبير من هذا الجهاد مستمدة من هدي القرآن الكريم وسنة النبي العظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وإنا لنرجو أن تقفو الشهاب المصرية الناشئة أثرها وتجدد شبابها وتعيد في الناس سيرتها في خدمة دعوة القرآن وتجليه فضائل الإسلام على أن الفضل للمتقدم وفضل السبق ليس له كفاء..."(1)

1- افتتاحية العدد الأول من السنة الأولى من مجلة الشهاب المصرية التي أنشأها الإمام البنا.


أنور الجندي

"فهو الخطيب الذي يهز المشاعر والأرواح، ويسيطر على الجموع، وهو الكاتب الدقيق العبارة، النقي الأسلوب، الواضح الفكرة، وهو الصحفي والمدرس والرحالة". وقال أيضا : "لم تصرفه الصحافة عن التدريس وما من نظرية ظهرت في التربية والتعليم أو كشوف العلم والفكر إلا استوعبها، وأبدى رأيه فيها. وما من صحفية في المشرق أو المغرب إلا نظر فيها واستخلص منها ما ينفع بني جنسه ووطنه ودعوته، وهو الذكي الفطن الفاهم لتيارات سياسة الغرب في الشرق، وما تحمل في أطوائها من زاوية دعوته ومن زاوية أمر العرب والمسلمين، ذلك إلى خبرة عميقة بالسياسة الاستعمارية في الجزائر يتعقب أخطاءها عن علم وبصيرة، ويفند مزاعم المستعمرين ما اتصل منها بالإسلام أم باللغة العربية أو يتفوق العنصر الأوروبي على العنصر العربي الإسلامي"

أنور الجندي، الفكر والثقافة المعاصرة في شمال إفريقيا. مصر : دار القومية للطباعة القاهرة، ط1965 م، ص:46.




المفكر مالك بن نبي

مقدمة كتاب الآثار

إن شخصية الشيخ تجمع في طياتها جوانب بلغت من التنوع والغنى مبلغا يجعل من قدرة الباحث – دوما – أن يتطرق إلى دراستها من زاوية تحرر الفكر من الظروف العرضية النسبية.

لقد كان ابن باديس مناظرا مفحما، ومربيا بناءا، ومؤمنا متحمسا، وصوفيا والها، ومجتهدا يرجع إلى أصول الأيمان المذهبية، ويفكر في التوفيق بين هذه الأصول توفيقا غرب عن الأنظار إبان العصور الأخيرة للتفكير الإسلامي. وهو كذلك وطني مؤمن تصدى عام 1936 لزعيم سياسي نشر مقالا عنوانه :"أنا فرنسا" فرد عليه ردا حاميا قويا. والشعور الوطني المتدفق يغدو لديه فيضا شعريا عندما ينظم قصائده التي قدر لها أن تعيد إلى الشعب الجزائري أبعاده الحقيقية في التاريخ الإسلامي في فترة كان أطفال الجزائر يدرسون ويتعلمون تاريخ "أجدادنا الغاليين".

وفوق ذلك فقد كان ابن باديس مصلحا اقترن اسمه وأثره بتاريخ هذا البلد في مرحلة سياسية كانت تعده "للثورة" وفي هذه الكلمة من المعاني أكثر مما تعودنا أن نفهم.

إنه المصلح الذي استعا موهبة العالم المسلم كما كانت في عصر ابن تومرت بافريقيا الشمالية، فقد كان المغرب يعيش على صورة ما حياة فترة العصر الذي وضعت له حدا نهائيا دعوى مهدي الأطلس المغربي وسيف عبد المؤمن.

نحن نعلم أن عصر المرابطين شهد انزلاق الضمير الإسلامي نحو النزعة الفقهية. لأما ابن باديس فقد جاء في فترة جددت فيها النزعة الصوفية (المرابطية والطرقية) دورة المرابطين. وهنا موضع الخطورة، ذلك أن الحلقة لم تستأنف بالفقه والرباط، بل بالتميمة والزاوية.

ولم يستطع المصلح الجزائري أن يطمح إلى تأسيس امبراطورية تحرر الضمير. لقد تغير الزمان، فالإستعمار والقابلية للاستعمار غير كل المعطيات في الجزائر كما فعلا ذلك في سائر العالم الإسلامي. كانت الظروف تقتضي الرجوع في الإصلاح إلى السلف أدراجا: إذ لم يكن القيام بأي عمل في النظام السياسي أو الاجتماعي ممكنا قبل تحرير الضمير.

وكل مذهب الإصلاح الذي تجده في ابن باديس كان لا بد أن يصدر عن هذه الضرورة أو عن هذه المقتضيات الخاصة.

والمبدأ الأساسي القائل: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" الذي كان أول خطوة في الإصلاح، يمكن أن يعتبر من زاوية ما ترجمة لهذه الضرورة في صيغة مذهبية.

أريد أن أتكلم عن الافتتاحية التي كانت تورد في مطلع كل عدد من مجلة "الشهاب" تحت عنوان "مجالس التذكير".

كان الشيخ يكتب هذه الافتتاحية دائما، وإنها لأثر العالم الداعية، المصلح الفذ.

"قد تكون مواهب الشيخ الإبراهيمي البيانية أو البلاغة أعظم من مواهب ابن باديس لكن ابن باديس إمام وإمام جامع مواهب كثيرة تدير في فلكها الشيخ البشير الإبراهيمي وغيره من العلماء
الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني

هذا ما قاله الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني رحمه الله يثني على تفسير ابن باديس رحمه الله تعالى: "...ومما ينكر في هذا الحديث قوله : "ما أبكي شوقا إلى جنتك، و لا خوفا من النار"! فإنها فلسفة صوفية، اشتهرت بها رابعة العدوية، إن صح ذلك عنها ، فقد ذكروا أنها كانت تقول في مناجاتها: "رب! ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك". وهذا كلام لا يصدر إلا ممن لم يعرف الله تبارك وتعالى حق معرفته، ولا شعر بعظمته وجلاله، ولا بجوده وكرمه، وإلا لتعبده طمعا فيما عنده من نعيم مقيم، ومن ذلك رؤيته تبارك وتعالى وخوفا مما أعده للعصاة والكفار من الجحيم والعذاب الأليم، ومن ذلك حرمانهم النظر إليه كما قال : (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)، ولذلك كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - وهم العارفون بالله حقا - لا يناجونه بمثل هذه الكلمة الخيالية، بل يعبدونه طمعا في جنته - وكيف لا وفيها أعلى ما تسمو إليه النفس المؤمنة، وهو النظر إليه سبحانه، و رهبة من ناره، و لم لا و ذلك يستلزم حرمانهم من ذلك، ولهذا قال تعالى بعد ذكر نخبة من الأنبياء : (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين)، ولذلك كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أخشى الناس له، كما ثبت في غير ما حديث صحيح عنه. هذه كلمة سريعة حول تلك الجملة العدوية، التي افتتن بها كثير من الخاصة فضلا عن العامة، وهي في الواقع (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء)، وكنت قرأت حولها بحثا فياضا ممتعا في "تفسير العلامة ابن باديس" فليراجعه من شاء زيادة بيان
الشيخ محمد بن الحسن الثعالبي الفاسي

"علاّمة القطر الجزائري وأشهر عالم مفكر فيه، ورئيس علمائه كافة الشيخ عبد الحميد ن باديس المدرس بقسنطينة وصاحب مجلة الشهاب"

محمد بن الحسن الثعالبي الفاسي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، ج2، ص : 561.

الشيخ عبد الحميد بن باديس، حسبه أنه جمع العلماء واستقطب أنشطتهم، ولا يستطيع أحد أن ينجح في هذا إلا إذا كان متميزا بشفافية روحية ما بينه وبين الله -عز وجل-، وأنا عبرت عن هذه الشفافية باللوعة التي كانت تُهيمن على قلبه، هذه اللوعة هي التي جعلت منه قائدا في العمل الإسلامي، وهي التي يسرت له تكوين جمعية العلماء، ولولا هذه المزية لما استطاع أن يجمع شتات العلماء على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم ومستوياتهم، ولما استطاع أن يضفر جهودهم وأفكارهم على صراط واحد، وهذا الرجل لا أقف عند الحديث عن علومه الشرعية الواسعة، ولا عند أفكاره النيرة، ولا عند عبقريته – مثلا – التي كان يتمتع بها، وكل هذا موجود، ولكن السر في هذا الذي أقول.


الدكتور صلاح الدين كفتارو

"إن قراءة سريعة لتاريخنا الإسلامي المشرف تؤكد أنه زاخر بالعلماء الأعلام والفقهاء الأفذاذ والقادة البارزين في كل مجال وهنا يطل علينا من تاريخ الجزائر رجال وأبطال لهم مواقف رائعة وبصمات مشهودة، وسيرة محمودة حيث كانوا أقوى من الجيوش الغازية ذلك حين قادوا الشعب الجزائري البطل من أجل الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية حباً لله والأوطان، وقد تجاوب شعب الجزائر مع قادته الذين رفعوا راية الجهاد ضد المستعمر الظالم والعدو الغاشم بداية من الأمير عبد القادر الذي جمع بين العلم والجهاد حيث سجل صفحات مشرقة لا زالت أمتنا الرشيدة تذكرها لتكون نبراساً لكل المجاهدين المؤمنين على مر العصور وكلما ذهب قائد خلفه قائد يحمل همَّ الأمة ويسعى جاهداً لتوحيد صفوفها وجمع شتاتها ليكون الشعب صخرة منيعة في وجه كل الأعداء المتربصين، فكان الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله صاحب مدرسة جمعت أيضاً بين العلم والحكمة والجهاد حيث أسس جمعية العلماء المسلمين في الجزائر وقد عمل على تعليم القرآن الكريم واللغة العربية لغة الوحي السماوي واللغة التي تكلم بها سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى جانب ذلك ربى قيادات تولت مقود ثورة الجزائر المظفرة هذه الثورة التي قدمت مليوناً ونصف المليون شهيد من أبناء الجزائر الأشاوس الذين قاوموا المستعمر الفرنسي الذي أراد أن يجعل من الجزائر العربية المسلمة جزءاً من فرنسا ولكن جولة الباطل تلاشت أمام أهل الحق وتحقق الاستقلال بمشيئة الله وجهاد الأحرار. وكان لابد للمسيرة المظفرة من أن تتابع بناء الجزائر فظهر الشيخ محفوظ نحناح متأسياً بالسلف الصالح من رجالات الجزائر الأبرار"1
الدكتور صلاح الدين كفتارو المدير العام لمجمع الشيخ أحمد كفتارو، رئيس جمعية الأنصار الخيرية، دمشق - سورية

1- من كلمة الدكتور صلاح الدين كفتارو بمناسبة الذكرى الثالثة لوفاة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله تعالى، سنة 2006 م.


الدكتور روجي جارودي

"إن ابن باديس والإبراهيمي ورجال الجمعية حاربوا التعليم الاستعماري الهادف إلى تحطيم مقومات الشخصية وقطع الطفل الجزائري عن الثقافة العربية الإسلامية، وحاربوا كذلك العقلية الخرفية (المرابطية) فتلك العقلية بما فيها من خرافات وإشاعات تتنافى مع روح الإسلام"1

د.روجي جارودي فيلسوف فرنسي ناقش رسالة دكتواره في السوربون تحت عنوان : النظرية المادية للمعرفة. ورسالة دكتوراه في أكاديمية العلوم بموسكو حول الحرية. أشهر إسلامه في جنيف سنة 1982 م.

1- مجلة الثقافة، العدد 76، أوت 1983 م، عنوان المقال : الاعتراف لأهل الفضل بفضلهم.


الدكتورمحمود قاسم

"لقد وضع ابن باديس خطت على أساس مبتكر يتخلص في أن يحاصر فرنسا في رفق وعزم صارم، في الوقت الذي تظن هي فيه أنها تحاصر الجزائر. ولم تفطن فرنسا إلى مهارة هذه الخطة إلا بعد فوات الوقت، فوجدت نفسها محاصرة، بعد أن نحّى ابن باديس أعوانها طائفة بعد أخرى. وكان من الضروري أن يفلح في تنفيذ خطته بعيدة المدى، وهي القيام بانقلاب جذري يرتكز في المقام الأول والأخير على إعداد جيل صالح ينهض نهضة إسلامية عربية، بحيث يأخذ من عظمة الماضي ومن يقظة الحاضر، ما يعصمه من الزلل والانحراف، ويسير به في طريق المستقبل المشرق"1

د.محمود قاسم فيلسوف ومفكر مصري.

1- د. محمود قاسم، الإمام عبد الحميد بن باديس الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية، دار المعارف – القاهرة، مصر، ص 15.


الأستاذ علي المغربي

"... وتعرفت عن حقيقة عبد الحميد القائد، والصفات التي بوأته لمركز الصدارة والقيادة بين إخواني العلماء، فعرفت أنها الإيمان بالله وبالحق والخير، ذلك الإيمان الصادق الذي ليس يحده غرض ولا تقف أمامه عقبة، وبجانب هذا الإيمان صفة تعززه وهي الثقة بالنفس في غير كبر ولا غرور، وإنّما هي ثقة المستمد من روح الإسلام وتعاليمه السامية"1

1- مجلة الرسالة، عدد2/3، سنة 1980 م، ص: 37.