الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ...


وجـاء عن عليّ بن أبي طالبٍ رضى الله عنه أنه خَطَب في النـاس ، فحَمِد الله وأثنى عليه ، ثم قـال : ( يا أيها الناس .. إنما هلَكَ مَن كان قبلكم بركوبهم المعاصي ولَم ينههم الربانيون والأحبار ، فلمَّا تمادوْا أخذتهم العقوبات ؛ فأْمُروا بالمعروف وانْهَوْا عن المنكر قبل أن ينـزل بكم الذي نزَل بهم ، واعلموا أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يَقطع رزقاً ولا يُقرب أجلاً ) اهــ .


فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة من شعائر هذا الدين الحنيف ، ولا تقوم الأمة بدون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولهذا قال تعالى - : { كنتم خير أمة أخرجت لناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } وقال تعالى - : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينتهون عن المنكر } ، فجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من سمات المؤمنين ، وقال تعالى - : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان )) .

وقد استُحدث فى أمر الرقية مالم يكن فيه على زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاعلى عهد أصحابه وعلى على عهد من تبعهم من القرون الأولى المفضلة ، بل لانبالغ لو قلنا أن ماأحدثه تجار الرقية فى هذا الزمان وقى هذا الوقت لأمر لم يكن منذ سنين قليلة ، فقد قام بتطوير النصب والاحتيال على الخلق وعلى العباد مستغلين ظروف الناس وحاجتهم للشفاء ورفع الظلم حتى يملؤوا الجيوب والحسابات على حساب المريض والمكروب .

ولو لاحظتم فى الآونة الأخيرة زيادة عدد الشبكات التى تخدم علم الرقية وتساعد الناس رغم أن بعض المتصدرين لإدارتها لايفرقون بين قدم الحمار وربع الدينار فى مجال العلاج وهذا واضح جلى ، وقد نكون لاحظنا زيادة فى عدد المتلصّصين على الشبكات ، وتبنيهم كرقاة وفتح لهم عيادات يسترزقون من ورائها وماكان على الهاتف وبالرسائل الخاصة كان أطم وأعظم حيث ترسل قيّم العلاج وأرقام الحسابات وأماكن البنوك .


قد لانحتاج فى الوقت الراهن لذكر اسم فلان وعلان من اللصوص وماعليهم من مآخذ ثابتة بما لايدع مجال للتثبت ، ولكن هذا لايمنع أن نذكرهم إذا لم يتقوا الله ويتركوا الأمر لأهله ، أو على الأقل أن يكفوا عن محاربة الرقاة والمعالجين ورميهم بالبوائق أما تصريحاً وإما تلميحاً !!!

والله لو تتبعنا كتابات هؤلاء وفتشنا ورائهم لأخرجنا مالايقوله أو يفعله مبدع ضال فضلاً عمن قال أنا سنى ! ولكن قد ينفع الله بالتلميح ويرعوى صاحب هذا الفعل الشنيع ولايضطرنا إلى التصريح ونشر الغسيل أمام الناس بارك الله فيكم .


ولو كان الراقى عالماً متفنناً لهان الأمر ، أو كان جاهلاً لايسرق الناس لهان الأمر ، ولكنهم جمعوا بين الجهل واللصوصية ، فوجب علينا النصح والبيان والخون من الله الذى بيده نواصينا والله على كل شىء قدير .


أولاً : طلب علم الرقية وطرق العلاج :


لو كان لله تعالى وفى الله فيافوْزكَ وطوبى لك وحسن مآب لأن الله تعالى سيسهل لك به طريقاً إلى الجنة .


اما إذا كان للتكسب والاسترزاق ـ وهذا حال الرقاة فى زماننا هذا ـ فأبشر بهذا الحديث :

( مَن تعلَّم عِلْماً مِمَّـا يُبتَغَى به وَجهُ اللهِ - عزَّ وَجَلَّ - لاَ يَتعلمه إلاَّ ليصِيبَ به عَرَضاً من الدنيا لَمْ يجد عُرْفَ الجنةِ يوم القيامة - يعني ريحها - )

صحح إسناده النووي في « رياض الصالحين » ص ( 371 ) ، وصححه ابن كثير في « إرشاد الفقيه » ( 1 / 106 ) .


فانظر فى أى موضع وضعت قدمك بارك الله فيك ، وقرائنك واضحة جلية أنك لاتبتغى وجه الله من هذا العمل (( ولتعرفنهم فى لحن القول )) فهذه الدعايات فلان فى المكان الفلانى وفلان وصل للمكان العلانى وفلان قدام إلى ... وسيغادر إلى .. وسبقى إلى ... وسنستضيف فلان فى .. فمن أراد العلاج يتصل بــ .. والله إن بعض الذين استضافوا الرقاة فى بلدانهم ـ لوجه الله زعم ـ كان بدافع أنه يريده لنفسه ولأهله ، هذه كلها قرائن لحصد الأموال وجنيها ن بل لم يدعوا بيت الله الحرام حتى أعلنوا أنهم هناك فلربما يريدها طاعة وزيادة أيمان وكم ريال يدخل الجيب يعوض مصاريف العمرة أو الحج ، وأتحدى كل من أعلن أنه لم يطلب مالاً أو على الأقل أعطوه مالاً وقال ( لا ) إنما هذا لله من باب القربة إليه ، بل وصل بالبعض الترحال من بلد إلى بلد والإقامة فى غير بلده ليتربح من الناس !!


فالمال وبريقه جعلهم صرعى له ، لذا دب بينهم التحاسد والتنافر والبغضاء والتدابر بسبب علو نسبة زبائن ذاك على ذاك .



ثانياً : طلب الأجرة على العلاج :[/align]


[align=center][ وَيَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ ]

[ يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْـراً إِنْ أَجْـرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُـونَ ]

[ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ]
[/align]

[align=right]هذا حال الأنبياء والرسل فى فعل الخيرات ونشر الدعوة ونفع الناس .. فأين أنت منهم ؟


قد سُئل « عبدُ الله بن المبارك » عن سَفَلة الناس ؟! ، فقال : ( الذي يأكل بدِينِه ! ) وأنت تأكل بكلام الله .. فانتبه ! ولم يفعل هذا سلفك ولاحتى أبو سعيد الخدرى حجتكم فى أخذ المال على الرقية .


طبعاً هم يتعلقوا بكلام لأهل العلم فهم فى موضوع المال هم ـ مقلدة ـ أما مواضيع أخرى ـ كالاستعانة ـ فتجدهم مؤصلة فقهاء رغم أن المفتى الذى أفتى بجواز أخذ الأجرة هو نفسه المفتى الذى أفتى بجواز الاستعانة كابن عثيمين رحمه الله ، ولن تجد على وجه الأرض لاسلفاً ولاخلفاً من العلماء من يسترزق بالرقية أو يأخذ أجراً على علاج .


من أقوى حججهم فى اشتراط المال أو الجعل أو الإجارة :


في « الصحيحين » عن أبي سعيد الخدري ((( أن رهطاً من أصحاب رسول الله  انطلقوا في سفْرَةٍ سافروها حتى نزلوا بحيٍّ من أحياء العرب فاستضافوهم ، فأبَوْا أن يضيِّفوهم ، فلَدُغ سيِّد ذلك الحيِّ ، فسعَوْا له بكل شيء ، لا ينفعه شيء ، فقال بعضهم : " لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيء " .

فأتوْهم فقالوا : " يا أيها الرهـط .. إنَّ سَيِّدنا لُدِغ فسعَيْنا له بكل شيء ، لا ينفعه شيء ، فهل عند أحد منكم شيء ؟! " .

فقال بعضهم : ( نعم ، واللهِ إني لَرَاقٍ ، ولكن واللهِ لقد استضفناكم فلم تضيفونا ، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلاً ) ، فصالحوهم على قطيعٍ من الغَنَم ، فانطلق فَجَعَل يتفل ويقرأ :  الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  حتى لكأنما نَشِطَ من عِقَال ، فانطلق يمشي ما به قَلَبَة ، قال : فأوْفوْهُم جُعلَهم الذي صالحوهم عليه ، فقال بعضهم : اقسموا ، فقال الذي رقى : لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا ، فَقَدِموا على رسـولِ الله  فذكروا لـه ، فقال : ( وما يُدريك أنها رُقيـة ! ، أصَبتم ، اقسموا ، واضربوا لي معكم بسَهم
)))


وليس فى الحديث مايجعلهم يسرقون الناس تحت ستار الشرع ويأخذون أموالهم بالباطل تحت ستار الرقية والعلاج وذلك لأسباب :


1 ) أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه رقى كافراً ولم يرقِ مسلماً .

2 ) لم يكن الجعل على زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم شىء وارد وإلا لما انتظروا استشارته فى قسمة الجعل ، ولم يشترطوا جعلاً إلا بعد أن أبوا أن يضيفوهم وهذا واضح جلى فى الحديث ( نعم ، واللهِ إني لَرَاقٍ ، ولكن واللهِ لقد استضفناكم فلم تضيفونا ، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلاً ) !! وقد ذكر ابن القيم أنهم كفرة وقوم بخل ولؤم !!


إذاً قوله صلى الله عليه وسلم ( إنَّ أحـقَّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ) هو فى مسألة عينية خاصة وهى اشتراط الجعل من قومة لئام بخلاء لايقرؤون الضيف ولايكرمونه ، ولو كان كلامه صلى الله عليه وسلم بالعموم لصبح كلام الله حرفة يباع بها ويشترى أعاذنا الله من علم لاينفع !


لاسيما أن 90% من الرقاة إلا من رحم الله يقرأون القرآن ولايعملون به !



قال صحاب كتاب " بيان الأدلة النقلية والعقلية على الفرق بين الرقية الشرعية والتجارية " ..



( أحاديث « اللَّدِيغ » ، وإنما جعل الله ذلك للصحابة سبباً لأخذ حقهم من القِرَى الذي منعه هؤلاء اللئام ، فالأصل عدم أخذ أجرة على الرقية حتى مع حصول الشفاء - بإذن الله - ، لأن ذلك قُربة لله ، وهو من حق المسلم على أخيه المسلم ، فهو من أعمال البِرِّ كتغسيل الميت - مَثَـلاً - .
قال أبو طالب : سألتُ أبا عبد الله « يعني الإمام أحمد بن حنبل » عن الرجل يغسِّل الميت بِكِراء ؟! - أي بأُجْرَة - ، فقال : ( بِكراءٍ !! ) ، واستعظم ذلك ، قلتُ : يقول : " أنا فقير " ؛ فقال : ( هذا كَسْب سُوء ! ) ؛ قال ابن تيميه - معلقاً على ذلك - : ( وَوَجْه هذا أنَّ تغسيل الموتى من أعمال البِرِّ ، والتكسُّب بذلك يُورِث تَمَنِّي موت المسلمين ! ، فيشبه الاحتكار ) انتهى .

فاشتراط المال مدعاة لتمنى مرض المسلمين فيسد هذا الباب كما سديتم باب الاستعانة ـ بارك الله فيكم ـ فلا ينكر صاحب مركز رقية إنما كلما امتلأ المركز بالناس كلما شعر بسرور قهرى فى نفسه وإلا كيف سيدفع أجرة المكان والعمال والنور والماء والمواد وكيف سينفق على أهله وأبنائه ، والذى ليس عنده مركز هل يُشهد الله تعالى وملائكته أن رقية من يدفع المال ـ لاسيما المعطاء الثرى ـ هى نفسها رقية من لامال له ولاسند ؟ هل يقسم على ذلك ويجعل لعنة الله على الكاذبين أن لافرق بينهما ؟

هل استدعاك وزير أو أمير أو سفير ألا تأتيه حبواً بغية رضاه وطمعاً فى ماعنده ؟ وهل إذا أتاك عليل فقير صرفته بحجة المشاغل والظروف او حددت له موعداً بعد أسابيع ؟

ألم تتعلق قلوبكم بالمال اكثر من تعلقها بالله ، خفتم على المستعين من الشرك فوقعتم فى شرك اعظم وأخفى ألا هو حب المال والتعلق به والطمع فيما عند غير الله .. فاعلم أن يعلم ماتحوى الصدور !

وعندما أفتى الشيخ أحمد النجمى رحمه الله من المملكة السعودية بعدم جواز ذلك وإنما الجعل فى الحديث خاص بالكافر ومن منعهم الضيافة قال أحد اللصوص ـ كذباً ـ فى المنتديات ( الشيخ ـ يقصد النجمى ـ موقوف عن الفتوى فى السعودية ) وكأن العبرة فى قول الشيخ وليس فى الدليل لاكثر الله من أمثاله .


إذاً الراجح عدم أخذ المال على الرقية ولو مع شرط الشفاء لأن هذا لم يكن ديدن الصحابة ولم يكن هذا فعلهم .



أما من أعطى راقياً مالاً أو هدية بلا استشراف نفس ولاطلب ولاطمع ولاتعلق فهذا لابأس به إن شاء الله وتركه اولى والمعصوم من عصمه الله تعالى .


فلننظر لما تقدم بعين الإنصاف والتجرد ولنقبل ماكان فيه من حق ولنرد ماكان فيه من باطل والحق يؤخذ ممن كان والله المستعان !!



وأخيراً لله درّ من قال :[/align]


[align=center]إِحْـذَرْ رُقـاةَ زَمَانِـنَـا إنْ يَطْـلُـبُـوا ... مِنْـكَ الدَّرَاهِـمَ حِـيـلَـةُ الْمُحْـتَـالِ


لَيْسَتْ تَـحِـلُّ لَهُـمْ وَأنْتَ تَظُـنُّـهَـا ... حَـقـًّا لَهُـمْ فَـتَـجُـودُ بِالأمْـوَالِ


لاَ تُخْـدَعَـنَّ فَإِنَّـهُـمْ لَيْسُـوا عَـلَـى ... هَـدْيِ الرَّسُـولِ بِـفَـاسِـدِ الأَحْـوَالِ


كَلاَّ وَلاَ الصَّحْـبِ الكِـرَامِ جَمِيـعِـهِـمْ ... حَـاشَـاهُـمُـو مِـنْ سَـيِّءِ الأَعْمَـالِ


مَـا قَـارِيءٌ جَـعَـلَ القِـرَاءَةَ حِـرْفَـةً ... إلاَّ لِـيَرْبَـحَ وَهْوَ كَالْبَـطَّـالِ


لاَ يَسْتَحِـقُّ عَـلَـى القِرَاءَةِ دِرْهَـمـاً ... وَأَرَاكَ تُـعْطِيـهِ بِلاَ إِقْلاَل


مَا هَؤُلاَءِ سِوَى التِّجَارَةِ يَمَّـمُـوا ... بِوَسِيـلَــةٍ كَوَسَـائِـلِ الأنـْذَالِ


وَبِنَفْخَةٍ كَسَـبُوا الدَّرَاهِمَ دُونَمَا ... تَعَبٍ وَغَرُّوا سَائِرَ الْجُهَّالِ



وكتبه :


أبو همام الراقى كان الله فى نصرته

http://www.rc4js.com/vb/showthread.p...7986#post37986