قرأت سابقا موضوعا في المجلس العلمي، يتساءل فيه صاحبه إن كان الشيخ رشيد رضا رحمه الله تحول من التصوف إلى السلفية أم أنه كان إماما مجتهدا يغيّر نظره وفقا للإجتهاد ... ففي ما يلي محاولة لإلقاء الضوء على هذا الموضوع من خلال نقل شيء مما نشره الشيخ رحمه الله في مجلته المنار:
نشر الشيخ رشيد رضا رحمه الله في مجلة المنار، المجلد السابع عشر، مقالة من جزأين، الجزأ الأول في عدد رمضان - 1332هـ، الموافق أغسطس - 1914م والجزء الثاني في عدد شوال - 1332هـ، الموافق سبتمبر - 1914م، والمقالة بعنوان:
أقوال علماء القرن الثالث الأثبات في عقيدة السلف وإثبات الصفات
نقل فيها عقيدة أئمة أهل السنة في باب الصفات من كتاب العلو للإمام الذهبي، وبدأ المقالة الأولى بقوله:
لما ظهرت بدعة الجهمية في إنكار صفات الله عز وجل، وتأويل ما ورد منها في الكتاب والسنة - هَبَّ حفظة الدين وحملته من التابعين ومن بعدهم للرد عليهم، وتفنيد تأويلاتهم، والاستمساك بعروة النقل، حذرًا من تحريفها بنظريات العقل، التي ينخدع بها بعض القاصرين، توهمًا أنها من قطعيات البراهين، وإننا ننقل من كتاب العلو للذهبي (الذي يُطبع في مطبعة المنار) بعض أقوال الأئمة المتبوعين، الذين جهل أقوالهم من يجلهم من المعاصرين، ولكن الذهبي ينقل في هذا الكتاب ما صح وما لم يصح، ويشير إلى ضعف الرواية الضعيفة أو نكارتها غالبًا على أن من غلاة الأثريين من يقبل كل ما روي في ذلك.
وختم المقالة الثانية بالتعليق على قول الذهبي في نهاية المقالة: (وكان ابن أبي زيد من العلماء العاملين بالمغرب، وكان يلقب بمالك الصغير، وكان غاية في علم الأصول وقد ذكره الحافظ ابن عساكر في كتاب (تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري)، ولم يذكر له وفاة. توفي سنة ست وثمانين وثلاثمائة، وقيل سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وقد نقموا عليه في قوله (بذاته) فليته تركها). بقوله:
لله در المؤلف ما ألطف نقده وإنكاره لهذه الكلمة وإنما تلطف هذا التلطف لأن الهفوة من بعض علماء الأثر وأنصار مذهب السلف، ولو قالها أحد المعتزلة لشنع عليه بأنه قال في أصول العقيدة ما لم يقله أحد من السلف ولا ورد به أثر، ولا هو مما ثبت بالبرهان العقلي أيضًا ولكثير من الأثريين مثل هذه الهفوات والشذوذ، يحشرون آراءهم في النصوص ويفسرونها بها مع ادعائهم اتباع مذهب السلف وأنه التفويض والإمساك عن تعيين المراد من آيات الصفات وأحاديثها ونرى كثيرًا من الناس يقبل منهم ذلك ويقول به ويعده اتباعًا للسلف ولو بمعنى مخالفة الجهمية ولا يستغرب مع هذا تسليمهم وقبولهم بعض الروايات المنكرة المخالفة للأحاديث الصحيحة كقول مجاهد: إن الله تعالى يُقعد النبي معه على العرش، كأن مَن قبله اكتفى بأن يخالف الجهمية في عدم قبول مثله وإن صح إلا بالتأويل، وقد تقدم بيان المصنف لنكارته ومخالفته للأحاديث الصحيحة مع ذكر من قبله، ونقل آنفًا عن الدارقطني أنه لا يجحده!! على أن العقائد يطلب فيها القطع وهذا لم يصل إلى مرتبة الظن وهنالك مخالفة أخرى لطريقة السلف بينها الغزالي في (إلجام العوام عن علم الكلام) وهي جمع معاني الآيات والأحاديث الواردة في الصفات بترتيب لم يرد في الكتاب والسنة بحيث يفيد الجمع معنى غير معنى الإيمان بكل منها مع التنزيه عن الكيفية: كأن تلقن العامي عقيدته بمثل قولك: يجب أن تؤمن بأن لله تعالى وجهًا وعينين ويدين وقدمين وأنه ينزل ويمشي ويهرول ويضحك، فإن هذا يُحدث في خيال العامي صورة حسية لعله لا يزيلها منه قولك: وإنه لا يشبه في ذلك البشر ولا غيرهم من الخلق، ومذهب السلف أن يذكر ما ورد في السياق الذي ورد فيه، مع اعتقاد التنزيه ونفي التشبيه، وترك التأويل، والقال والقيل.