تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: فناء النار

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    346

    Arrow فناء النار

    نشر على موقع ملتقى أهل الحديث هذا البحث عن فناء النار فأحببت أن أضع الرابط حتى يستفيد الجميع
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showth...d=1#post866453

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    346

    افتراضي رد: فنار النار

    نظرا لأن الرابط لا يعمل فوضعت هذا البحث هنا متاح لمن يريد قراءته والتعليق عليه:

    نقد القول بفناء النار
    هل صحيح أن هناك من العلماء من قال بفناء النار، وذهب إلى عدم خلودها وخلود أهلها فيها، وما رأى جماهير العلماء في هذا؟
    الجواب
    هل قال ابن تيمية وابن القيم بفناء النار؟
    شاعت نسبة القول بفناء النار وعدم بقائها إلى الإمامين تقي الدين ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، ومسلك ابن تيمية - فيما ذكره في رسالته التي أفردها في الموضوع، وفيما نقله عنه تلميذه ابن القيم - كالصريح في اختياره القول بفناء النار، حيث قرر أدلة القائلين بفنائها ونصره بحسب ما يراه ونافح عنه، وقرر أدلة القائلين بدوامها وانتقدها جميعا ولم يرتضها(1)، وهذا كالتصريح منه في هذا الموضع باختياره في المسألة، وهو ما فهمه عنه العلماء المعاصرون له فمن بعدهم، ولا ينازع في فهم كلامه هكذا من له أدنى خبرة بفهم كلام العلماء.
    فليس مسلك ابن تيمية – كما ظن بعضهم – هو مجرد عرض لآراء الناس في المسألة دون ترجيح، فيصير من الخطأ نسبة القول بفناء النار إليه، بل هو رجَّح أدلة القائلين بالفناء، وفند – بحسب رأيه - أدلة القائلين بالدوام وساقها مساق التمريض، فصار ذلك ترجيحا منه للقول بالفناء.
    ومن عباراته الدالة على أن اختياره هو القول بفناء النار: قوله في أثناء استدلاله للمسألة: ((وقد روى علماء السنة والحديث في ذلك (يعنى فنائها) آثارا عن الصحابة والتابعين مثل... وحينئذ فيُحَتّج على فنائها بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب، ولا سنة، ولا أقوال الصحابة...)) (2).
    وقال أيضا: ((والذين قطعوا بدوام النار، لهم أربع طرق:
    أحدها: ظن الإجماع فإن كثيرا من الناس يعتقد أن هذا مجمع عليه، ولا خلاف فيه بين السلف، وإن كان فيه خلاف حادث، فهو من أقوال أهل البدع... والثاني: أن القرآن قد دل على ذلك دلالة قطعية... والثالث: أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من في قلبه مثال ذرة من إيمان من النار دون الكفار، فإنهم لم يخرجوا...))، ثم أخذ في الرد على طرق من قطعوا بدوام النار فقال: ((فأما الإجماع فهو أولا: غير معلوم، فإن هذه المسائل لا يقطع فيها بإجماع، نعم قد يظن فيها الإجماع وذلك قبل أن يعرف النزاع، وقد عرف النزاع قديماً وحديثا، بل إلى الساعة لم أعلم أحدا من الصحابة قال: إنها لا تفنى، وإنما المنقول عنهم ضد ذلك ولكن التابعون نقل عنهم هذا وهذا. وأما القرآن، فالذي دل عليه (! كذا) وليس في القرآن ما يدل على أنها لا تفنى، بل الذي يدل عليه ظاهر القرآن أنهم خالدون فيها أبدا – ثم ذكر الآيات الدالة على خلودهم في النار ثم قال - فهذه النصوص وأمثالها في القرآن تبين أنهم خالدون في جهنم لا يموتون ولا يحيون... وهذا يقتضي خلودهم في جهنم - دار العذاب – ما دام ذلك العذاب باقيا، ولا يخرجون منها مع بقائها وبقاء عذابها، كما يخرج أهل التوحيد، فإن هؤلاء يخرجون منها بالشفاعة، وغير الشفاعة مع بقائها، كما يخرج ناس من الحبس الذي فيه العذاب مع بقاء الحبس والعذاب الذي فيه على من لم يخرج. وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح...))(3)، ثم أخذ في ذكر الأحاديث، فقد صرح ابن تيمية بحمل الآيات والأحاديث في الباب على أنها تقتضى خلود الكافرين فيها مدة بقائها ودوامها، ولا تقتضى دوامها نفسه.
    ثم شرع ابن تيمية بعد ذلك في تأسيس الفرق بين بقاء الجنة وبقاء النار، فقال: ((الفرق بين بقاء الجنة، والنار، شرعا، وعقلا، فأما شرعا، فمن وجوه: أحدها: أن الله أخبر ببقاء نعيم الجنة ودوامه، وأنه لا نفاد له ولا انقطاع في غير موضع من كتابه، كما أخبر أن أهل الجنة لا يخرجون منها، وأما النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك، بل أخبر أن أهلها لا يخرجون منها، وأما النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك، بل أخبر أن أهلها لا يخرجون منها. الثاني: أنه أخبر بما يدل على أنه ليس بمؤيد في عدة آيات. الثالث: أن النار لم يذكره فيها شيء يدل على الدوام. الرابع: أن النار قيدها بقوله: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}، وقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}، وقوله: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، فهذه ثلاث آيات تقتضي قضية مؤقتة، أو معلقة على شرط، وذاك (يعنى دوام الجنة) دائم مطلق، ليس بمؤقت ولا معلق...))(4).
    فكل هذه العبارات واضحة في بيان اختياره، وأنه قائل بفناء النار، وأن هناك – عنده – فرقا بين بقاء الجنة وبقاء النار شرعا وعقلا، وأن القرآن يدل على بقاء الجنة، وليس فيه ما يدل على بقاء النار، وأن ذلك لا ينافى خلود الكفار فيها الذي صرحت به الآيات والأحاديث، بل هم خالدون في النار مدة بقائها، هذا هو ما يحصل عندنا في تحرير مذهب ابن تيمية في المسألة، بناء على مجموع كلامه فيها.
    بطلان ما نسب إلى بعض السلف من القول بفناء النار:
    ومن جهة أخرى فإن تصوير المسألة على أن هناك من السلف من سبق إلى القول بذلك محل نظر وبحث، والتحقيق أن نسبة ذلك للسلف ليست صحيحة، فليس من السلف من صرح به، وإنما حكى الإمام ابن تيمية - ومن قلده - هذا القول ونسبه إلى بعض الصحابة كما سيأتي الكلام بالتفصيل، ولكن الألفاظ المنقولة عنهم لا تساعده على ما نسبه إليهم، فيصير نسبة هذا القول إليهم مجرد دعوى لم يقم الدليل على صحتها، ولا يَعْدُ الأمر أن يكون مجرد فهم من الإمام ابن تيمية لمعنى كلامهم، وليس هو صريح أقوالهم، بل الصحيح حمل كلامهم على ما يوافق عقيدة أهل السنة وإجماع الأمة على ما سيأتي تقريره، ويحصل من هذا أن تصوير المسألة على أن لابن تيمية سلف فيها ليس بصحيح، بل هو فهم ذلك عن بعض السلف بنفسه، وتفرد بنسبته إليهم، من ثم فتعضيد بعض الباحثين لموقفه بما حكاه هو نفسه لا يسانده المنهج العلمي السليم، الذي يوجب نقد النقول، والبحث في صحتها، وليس التسليم لها، والقاعدة المقررة (إن كنت ناقلا فالصحة، أو مدعيا فالدليل) ولم يصح نسبة هذا القول إلى أحد من السلف، ولا ثبت الدليل بدعوى ذلك عنهم كما سيأتي تحقيقه.
    القول الآخر المنقول عن ابن تيمية في المسألة:
    على أن كثيرا من المعجبين بآراء الإمام ابن تيمية، لم يستطيعوا أن يوافقوه على هذا الرأي، لكنهم اتبعوا في مناقشته من اللين واللطف وأدب الحوار ما ينبغي أن يكون منهجهم دائما في مناقشة كل من يخالفهم في الرأي وليس مع ابن تيمية فحسب، بل ينبغي أن يكون ذلك النهج الذي انتهجوه هو منهجنا جميعا عند اختلاف الاجتهاد، طالما أن الخلاف يدور فى إطار الأصول الشرعية ، وضوابط الاجتهاد الشرعى الصحيحة، دون طعن أو غمز أو لمز فى الخصم أو اتهامه فى عقيدته ودينه، فضلا عن تكفيره أو إخراجه من الملة .
    على أن للإمام ابن تيمية مواضع أخرى في بعض كتبه جرى فيها على ما أجمع عليه عند أهل السنة من القول ببقاء الجنة والنار ودوامهما، ومن ذلك قوله: ((وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك))، فنقل بنفسه – ما انتقده – من الاتفاق على ذلك(5).
    والغرض من بحث المسألة هو الرد على القول بفناء النار لعِظَمِ هذه المسألة وخطورتها ومخالفتها لعقيدة أهل السنة والجماعة، سواء أصح نسبتها لابن تيمية أم لا، وذلك نظرا لشيوع ما نُسب إليه وإلى تلميذه ابن القيم من أقوال وآراء وانتشار مؤلفاتهما بأيدي الناس، فيقع ذلك في أيدي من يطيق البحث العلمي ونقد ما يصح وما لا يصح من كلامهما، ومن لا يطيق ذلك فيسارع إلى اعتقاده ظنا صواب هذا الرأي وأنه اعتقاد السلف وأهل السنة، والحقيقة ليست كذلك.
    فإن لم يصح نسبة هذا القول لابن تيمية فبها ونعمة، ويكون متفقا في ذلك مع اعتقاد أهل السنة وهذا الذي نرجوه، وإن صحت النسبة إليه فقد اجتهد وأخطأ، وكل يؤخذ من كلامه ويرد.

    المصنفون في دحض القول بفناء النار:
    وقد اعتنى بعض العلماء ببحث هذا الرأي القائل بفناء النار ومناقشة أدلته، وبيان الصحيح في المسألة، ومن هؤلاء الإمام شيخ الإسلام تقي الدين السبكي وهو معاصر لابن تيمية والذي ألف رسالته: ((الاعتبار ببقاء الجنة والنار)) (6). كما ألف الشيخ الصنعاني رسالته: ((رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار)) (7).
    واعتقاد المسلمين بأن الجنة والنار لا تفنيان – كما يقول شيخ الإسلام تقي الدين السبكي - من المعلوم من الدين بالضرورة، وقد تواردت الأدلة من نصوص القرآن والسنة على إثبات بقاء الجنة والنار، وعدم فنائهما، أو فناء أحدهما.
    وسوف نبيِّن أدلة الجماهير المجمهرة من علماء الأمة على إثبات بقاء النار وخلود أهلها من الكفار خلودا أبديًّا لا نهاية له، ومناقشتهم شبه المخالفين بما يدحضها ويبيِّن وهنها.
    التنبيه على قواعد مهمة تضبط البحث في المسألة:
    ولكن نحب أولا أن نؤكد على بعض قواعد مهمة في موضوع البحث ذكرها شيخ الإسلام تقي الدين السبكي أثناء رده على من قال بفناء النار، وسيأتي نص كلامه بحروفه، ولكن أردنا التمهيد بها تنويها بأهميتهما لخطورة المسألة موضوع البحث:
    1) كثرة الأدلة في مسألة ما يمنع من احتمال التأويل، ويوجب القطع بها، كالآيات الدالة على البعث الجسماني لكثرتها يمتنع تأويلها، ومن أولها حكمنا بكفره بمقتضى العلم جملة.
    2) لا يقبل من أي شخص كائنًا ما كان رد ما أجمع المسلمون على اعتقاده، وتلقوه خلفا عن سلف عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، وكان مركوزا في فطرة المسلمين، معلوم من الدين بالضرورة.
    3) أن مراد بعض العلماء المتقدمين بتكفير القائل بذلك تكفيره بمقتضى العلم، بغض النظر عن تكفير شخص معين، بل مرادهم أن من اعتقد ذلك فقد اعتقد ما يقتضى الكفر والخروج عن الإسلام، دون أن يكون ذلك حكما منهم على شخص بعينه سواء من السابقين أو اللاحقين أو من الأموات أو الأحياء بالكفر، وغاية الأمر أنهم يحكمون بالخروج عن الإسلام بمقتضى العلم إجمالا، ولا ينبغي أن نكفر أحدا معينا من أهل القبلة باللسان، ولا بالقلب، ولا بالقلم، إلا أن يعتقد مشاققة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا ضابط التكفير. وهى قاعدة مهمة غفل عنها كثير من المتعرضين لمسائل العقائد فيبادرون إلى تكفير المخالفين بأعينهم وأسمائهم وهذا غلط بالغ.
    4) أن الإجماع لا يعترض عليه بأنه غير معلوم، بل يعترض بنقل خلاف صريح، ولهذا فمسلك القائل بفناء النار بإنكاره الإجماع في المسألة هو خطأ علمي محض، لا يعذره في خرق الإجماع.
    5) أن الكلمات المشكلات التي تَرِدُ تُتَأَوَّلُ، وتحمل على غير ظاهرها، فكما أن الآيات والأحاديث يقع فيها ما يجب تأويله، كذلك كلام العلماء يقع فيه ما يجب تأوله، ومن جاء إلى كلمات ترد عن السلف في ترغيب أو ترهيب أو غير ذلك، فأخذ بظاهرها وأثبتها أقوالا ضل وأضل، وليس ذلك من دأب العلماء، ودأب العلماء التنقير عن معنى الكلام والمراد به، وما انتهى إلينا عن قائله، فإذا تحققنا أن ذلك مذهبه واعتقاده نسبناه إليه، وأما بدون ذلك فلا، ولاسيما في مثل هذه العقائد التي المسلمون مطبقون فيها على شيء كيف يعمد إلى خلاف ما هم عليه، ينسبه إلى جلة المسلمين، وقدوة المؤمنين، ويجعلها مسألة خلاف كمسألة في باب الوضوء، ما أبعد من صنع هذا عن العلم والهدى، وهذه بدعة من أنحس البدع وأقبحها.
    الأدلة على بقاء النار وبطلان القول بفنائها:
    1- كثرة الآيات القرآنية الكريمة التي تثبت صراحة خلود النار أو خلود أهلها فيها، والتي تبلغ (37) آية من القرآن الكريم؛ كقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} [الأحزاب: 65]، وقوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23]. وهذا بخلاف الآيات التي في معنى الخلود أو تفيده كقوله تعالى {فلا يخفف عنهم العذاب} وغيرها من الآيات الكريمة كثير في هذا المعنى جدا، كما أن الآيات الدالة على خلود أهل الجنة بلغت نحو أربعين آية. وهذا الحد البالغ من الكثرة من الآيات المثبتة لبقاء النار وخلود أهلها فيها – كما يقول شيخ الإسلام التقي السبكي – ((يمنع من احتمال التأويل، ويوجب القطع بذلك، كما أن الآيات الدالة على البعث الجسماني لكثرتها يمتنع تأويلها، ومن أولها حكمنا بكفره بمقتضى العلم جملة، وإن كنت لا أطلق لساني بتكفير أحد معين...))(8).
    2- كثرة الأحاديث الصحيحة المصرحة ببقاء النار ودوامها، ودوام الكفار فيها؛ كحديث أنس الذي روي في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: "فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ فَأُدْخِلُهُمْ الجَنَّةَ فَمَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ"، وكان قتادة يقول عند هذا "أَي: وَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ"(9)، وما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يُدْخِلُ اللهُ أهْلَ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وَيُدْخِلُ أهْلَ النَّارِ النَّارَ ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ: يَا أهْلَ الجَنَّةِ لا مَوْتَ وَيَا أهْلَ النَّارِ لا مَوْتَ كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ"(10).
    قال القرطبي: "وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد, وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة, كما قال تعالى: {لا يُقْضَى عَلَيهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36]، وقال تعالى: {كُلَّمَا أرَادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: 20]، قال: فمَنْ زَعَمَ أنهم يخرجون منها، وأنها تبقى خالية، أو أنها تفنَى وتزول فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسولُ وأجمع عليه أهلُ السنة"(11).
    3- نقل غير واحد من العلماء الإجماع على بقاء النار كابن حزم(12)، وابن تيمية نفسه في بعض كتبه(13)، والتقي السبكي(14)، والسعد التفتازاني(15)، والحافظ ابن حجر(16)، والسفاريني الحنبلي(17)، وغيرهم.
    4- استدل القائلون بفناء النار ببعض أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة، وعزوا إلى من رويت عنهم القول بفناء النار، مع كون هذه الآثار ليست بصريحة فيما نسبوه إليهم من القول بفنائها بل لا دلالة في بعضها على فناء النار الذي هو محل النزاع بوجه من الوجوه كما يقول الصنعاني، فالآثار الواردة في فناء النار عن بعض الصحابة، يتعين – كما يقول الشيخ الشنقيطي(18) - حملها على الطبقة التي كانت فيها عصاة المسلمين كما جزم به البغوي في تفسيره؛ لأنه يحصل به الجمع بين الأدلة، وإعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، وقد أطبق العلماء على وجوب الجمع إذا أمكن، أما ما نقل عن كثير من العلماء من الصحابة ومن بعدهم من أن النار تفنى وينقطع العذاب عن أهلها، فالآيات القرآنية تقتضي عدم صحته. فأهل السنة قد حملوا هذه الآثار على خروج الموحدين من النار، قال البغوي: "معناه عند أهل السنة - إن ثبت - ألا يبقى فيها أحدٌ من أهل الإيمان، وأما مواضع الكفار فممتلئة أبدًا".
    5- وخلاصة القول في الإجابة عن الآثار التي وردت عن الصحابة هو ما قاله الشيخ الصنعاني بعد أن أوردها جميعا وناقش وجه الدلالة فيها، وبين المراد الصحيح منها، ثم قال: ((وبهذا تعرف أنه لا يصح نسبة القول بفناء النار وذهابها إلى ابن مسعود وأبي هريرة كما نسب هذا القول الذي نقل عنهما إلى عمر، بل هو الدليل على بقاء النار بعد خروج من يخرج منها من أهل التوحيد، فكيف يقول شيخ الإسلام في صدر المسألة إن القول بفناء النار نقل عن ابن مسعود وأبي هريرة وإنما مستنده في نسبة ذلك إليهما هذان الأثران اللذان هما بمراحل عن الدلالة على فناء النار وذهابها بعد صحتهما، فعرفت بطلان نسبة هذا القول إلى ابن مسعود وأبي هريرة كما عرفت بطلان نسبته إلى عمر... وبعد تحقيقك لما أسلفناه وإحاطتك علما بما سقناه تعلم أن هؤلاء الأربعة من الصحابة الذين هم عمر وابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الذين عين شيخ الإسلام أسماءهم من الصحابة في صدر المسألة وذكر أنه نقل عنهم القول بفناء النار وذهابها وتلاشيها هم بريئون من هذا القول ومن نسبته فناء النار إليهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب، واستدل لهم بما ادعاه منسوبا إليهم بما لا مساس له بالدعوى كما عرفت وحينئذ يعلم أنه ليس معه في دعواه فناء النار أحد من الصحابة الذين عَيَّنهم)) (19). وقال شيخ الإسلام السبكي - محقا - : ((معاذ الله، وأنا أبرئ السلف من ذلك، ولا أعتقد أن أحدا منهم قاله، وإنما روى عن بعضه كلمات تُتَأَوَّلُ كما تُتَأَوَّلُ المشكلات التي ترد، وتحمل على غير ظاهرها، فكما أن الآيات والأحاديث يقع فيها ما يجب تأويله، كذلك كلام العلماء يقع فيه ما يجب تأوله، ومن جاء إلى كلمات ترد عن السلف في ترغيب أو ترهيب أو غير ذلك، فأخذ بظاهرها وأثبتها أقوالا ضل وأضل، وليس ذلك من دأب العلماء، ودأب العلماء التنقير عن معنى الكلام والمراد به، وما انتهى إلينا عن قائله، فإذا تحققنا أن ذلك مذهبه واعتقاده نسبناه إليه، وأما بدون ذلك فلا، ولاسيما في مثل هذه العقائد التي المسلمون مطبقون فيها على شيء كيف يعمد إلى خلاف ما هم عليه، ينسبه إلى جلة المسلمين، وقدوة المؤمنين، ويجعلها مسألة خلاف كمسألة في باب الوضوء، ما أبعد من صنع هذا عن العلم والهدى، وهذه بدعة من أنحس البدع وأقبحها أضل الله من قالها على علم))(20).
    6- وفى ضوء ما تقدم من تحرير مذهب الإمام ابن تيمية فى المسألة ، وأنه قائل بدوام خلود عذاب الكفار ما دامت النار ، وأن ذلك لا يقتضى دوام النار فى نفسها ، واختياره أن كل الآيات الواردة إنما هو فى إثبات خلود عذابهم ، لا فى بقاء النار ، ويترتب على هذا أن ما استدل به الجمهور تفصيلا على بقاء النار ، يصير خارج محل النزاع على مذهب ابن تيمية ، لاتفاق الكل - الجمهور ومن خالفهم - على دوام عذاب الكفار وخلودهم فى النار ، ويصير محل النزاع هو : أن هذه الآيات لا يلزم منها بقاء النار على رأى ابن تيمية ، ويلزم منها بقائها عند الجمهور ، وهو الصواب لأن الشارع بَيَّنَ فى نحو قوله تعالى {وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23] أن محل عذابهم فى جهنم ، وأن عذابهم دائم لا يفنى ، فيلزم من دوام العذاب دوام محله ، والقاعدة المقررة التى يتفق عليها الجميع بما فيهم الشيخ ابن تيمية نفسه أنه ((يلزم من وجود الملزوم وجود اللازم ، ومن نفى اللازم نفى الملزوم)) (21) ، وخبر المولى عز وجل لا يجوز تخلفه ، فيصير التلازم الشرعى الذى أخبر به المولى تعالى مثله مثل التلازم العقلى لا ينفك ، ولا يجوز تخلفه عن الحصول والوقوع ، فالأصل فى السمعيات – كما يقول الإمام البيضاوى والأصفهانى – أنها أمور ممكنة أخبر الصادق عن وقوعها فيكون حقا ، مفيدا للعلم بوجودها(22) . وأيضا فإن المعنى الذى استنبطه ابن تيمية من هذه النصوص ، وهو أنها تفيد دوام العذاب ولا تفيد دوام النار ، وجعلها قاصرة على هذا يكر على معناها المتفق عليه – وهو خلود الكافرين ودوام عذابهم – بالبطلان ، والقاعدة أنه ((يجوز أن يستنبط من النص معنى يزيد على ما دل عليه وهذا هو القياس المعروف ، ويجوز أن يستنبط منه معنى يساويه وهو العلة القاصرة ومعنى يخصصه ، ولا يجوز أن يستنبط منه معنى يكر على أصله بالبطلان)) (23) ، وما استنبطه من قصر المعنى على ما ذهب إليه يؤدى إلى عدم دوام عذابهم وعدم خلوده فَكَرَّ بذلك على معنى الآيات بالبطلان ، فدل على فساد هذا الرأى .

    أدلة القائلين بأن للنار أمدًا تنتهي إليه، ثم يُفْنِيها الله تعالَى، والجواب عليها(24):
    أولا: أدلتهم من القرآن الكريم:
    وقد استدلوا بثلاث آيات:
    1- قول الله تعالى في سورة الأنعام: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللهُ} [128].
    2- وقوله تعالى في سورة هود: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [106- 107].
    والجواب على استدلالهم بهاتين الآيتين: أنه ليس المراد بالاستثناء في الآيتين الإخراج، وإنما هو استثناء معلَّق بالمشيئة، فكأن الله سبحانه وتعالى يقول: "خالدين فيها خلودًا أبديًّا إن شاء ربُّك ذلك"؛ إذ كل شيء خاضع لمشيئة الله وإرادته، وكان من الجائز العقلي في مشيئته ألا يعذبهم، ولو عذبهم لا يخلدهم.
    فالمقصود من هذا الاستثناء في الآيتين إرشاد العباد إلى وجوب تفويض الأمور إليه سبحانه، وكذلك إعلامهم بأن كل شيء خاضع لإرادته ومشيئته، فهو الفاعل المختار الذي لا يجب عليه شيء ولا حق لأحد عليه، فليس هناك أمر واجب عليه وإنما هو مقتضى مشيئته وإرادته عز وجل.
    وليس المراد من هذا الاستثناء وأمثاله نفي خلودهم في النار؛ فإنه قد أخبرنا سبحانه في كتابه بخلود الكافرين خلودًا أبديًّا في النار.
    والاستثناء المعلَّق بالمشيئة قد استعمله الله في القرآن للدلالة على الثبوت والاستمرار، كقوله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللهُ} [الأعراف: 188]، والنكتة من استعماله الاستثناء إنما هو لبيان أن هذه الأمور الثابتة الدائمة كانت كذلك بمشيئة الله تعالى لا بطبيعتها في نفسها، ولو شاء الله تعالى أن يغيِّرها لفَعَل(25).
    والمراد من قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} التأبيد ونفي الانقطاع على منهاج قول العرب "لا أفعل كذا ما لاح كوكب" أو "وما أضاء الفجر" أو "وما اختلف الليل والنهار" إلى غير ذلك من كلمات التأبيد عندهم، فإن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت: "هذا دائم دوام السموات والأرض"، فخاطبهم سبحانه وتعالى بما يتعارفون به بينهم، وليس المقصود منه تعليق قرارهم فيها بدوام هذه السموات والأرض، فإن النصوص القاطعة دالة على تأبيد قرارهم فيها.
    ويجوز أن يحمل قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} على التعليق، والمراد بالسموات والأرض سموات الآخرة وأرضها، وهي دائمة للأبد، والدليل على أن للآخرة سمواتٍ وأرضًا قوله سبحانه: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ والسَّمَاوَاتِ} [إبراهيم: 48]، وقوله سبحانه: {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: 74]؛ ولأنه لابُدَّ لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم، إما سماء يخلقها الله تعالى أو يظلهم العرش، وكل ما أظلك فهو سماء(26).
    وليس في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لـمَا يُرِيدُ} دلالة على شيء من دعواهم، وإنما المراد من الآية: أنه إن شاء غير ذلك فَعَلَه، وإن شاء ذلك فَعَلَه، فما شاء من الأفعال كان، وما لم يشأ لم يكن.
    وجاء سبحانه بصيغة المبالغة "فعَّال" للإِشارة إلى أنه سبحانه لا يعجزه فِعْلُ أي فِعْل من الأفعال بأي وجهٍ من الوجوه.
    - وأما ما روي عن بعض الصحابة والسلف(27) في قوله تعالى:{إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ} بأن الاستثناء في الآية جاء على كل وعيد في القرآن أتى بلفظ {خَالِدِينَ فِيهَا}، فأُخْرِج من الخلود كل مَن شاء لهم اللهُ عز وجل عدم البقاء في النار.
    فجوابه ما قاله العلامة السبكي: "قلت: إنْ صحَّت هذه الآثار حُمِلت على العصاة؛ لأن القرآن لم يرد فيه خروج العصاة من النار صريحًا، إنما ورد في السنة بالشفاعة، فالمراد بهذه الآثار موافقة القرآن للسنة في ذلك، فإن السلف كانوا شديدي الخوف ولم يجدوا في القرآن خروجَ الموحدين من النار، وكانوا يخافون الخلود كما تقوله المعتزلة".
    3- وقوله تعالى في سورة النبأ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [23].
    - قوله "الأحقاب" يدل على أنه لا خلود فيها؛ إذ الأبدي وهو ما لا نهاية له لا يُقَدَّر بزمان، ولا يقال فيه "هو باق أحقابًا"، وقد قيل: إن الحقب ثمانون سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يوما، واليوم كألف سنة مما تعدون. فيرى ابن تيمية – على ما نقل عنه ابن القيم والصنعانى - أفاد مفهوم الأحقاب أنه لا خلود فيها إذ الأبدي لا يقدر بزمان وأما دلالتها على أن المخبر عنهم باللبث أحقابا هم الكفار فلقوله فيهم إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وهذه صفات الكفار(28).
    وقالوا إن المخبَر عنهم باللبث "أحقابا" هم الكفار بقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} [النبأ: 27- 28]، وهذه صفات الكفار(29).
    - والجواب: إن قوله "لابثين فيها أحقابا" متعلِّق بما بعده وهو قوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيْهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ: 24- 25]، أي: لابثين فيها أحقابا في حال كونهم لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا إلا حميمًا وغساقًا، فإذا انقضت تلك الأحقابُ عذِّبوا بأنواع أخَر من أنواع العذاب غير الحميم والغساق؛ ويدل لهذا تصريحه تعالى بأنهم يعذبون بأنواع أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغساق في سورة ص: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [57- 58](30).
    - وقد نقل الإمام تقي الدين السبكي عن أكثر العلماء قولهم إن هذه الأحقاب لا تنقضي أبدًا، فأنه كلما مضى حقب جاء بعده حقب آخر(31).
    ويقول العلامة الطاهر بن عاشور: "فجاءت هذه الآية على المعروف الشائع في الكلام كناية به عن الدوام دون انتهاء، وليس فيه دلالة على أن لهذا اللبث نهايةً حتى يحتاج إلى دعوى نسخ ذلك بآيات الخلود وهو وَهْمٌ؛ لأن الأخبار لا تنسخ، أو يحتاج إلى جعل الآية لعصاة المؤمنين، فإن ذلك ليس من شأن القرآن المكي الأول؛ إذ قد كان المؤمنون أيامئذ صالحين مخلصين مجدين في أعمالهم"(32).
    وأجاب الصنعانى على كلام ابن تيمية السابق بقوله: ((والعجب من استدلاله بصدر الآية، وذهوله عما عقب به من قوله {فلن نزيدكم إلا عذابا}، فإن المراد لن نزيدكم بعد لبثكم أحقابا إلا عذابا، ضرورة أنهم معذبون حين لبثهم فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا، فزيادة العذاب بعد الأحقاب بل خص تعالى الزيادة على العذاب، وأنه تعالى لا يزيدهم بعد لبث الأحقاب إلا عذابا، فانتفى مفهوم العذاب الذي أفاده الجمع الذي جعله ابن تيمية دليلا على فناء النار وعدم أبديتها، مع أنه استدلال بمفهوم العدد وهو من أضعف المفاهيم على هذه المسألة المعظَّمة الذى لا يعتمد عليه محقق، وكيف يُجْعَلُ أقوى من التأبيد المصرح به في عدة آيات من آيات وعيد أهل النار، فلو عارض مفهوم العدد منطوق التأبيد لكان الحكم للمنطوق اتفاقا)) (33).
    ثانيا: أدلتهم من الأخبار:
    استدل القائلون بفناء النار ببعض أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة، وعزوا إلى من رويت عنهم القول بفناء النار، مع كون هذه الآثار ليست بصريحة فيما نسبوه إليهم من القول بفنائها بل لا دلالة فى بعضها على فناء النار الذي هو محل النزاع بوجه من الوجوه كما يقول الصنعانى(34)، ومن هنا تعلم ما فى قول ابن القيم ((قال شيخ الإسلام يريد به شيخه أبا العباس ابن تيمية وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم)) (35) من مجانبة للصواب على ما سيأتى تفصيله.
    فمن الآثار التى استدلوا بها:
    1- روي جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيَأتِيَنَّ عَلَى جَهَنَّمَ يَوْمٌ كَأنَّها زَرْعٌ هَاجَ وَاحْمَرَّ، تَخْفِقُ أبْوَابُهَا"(36).
    - ويجاب عليهم بأن الحديث موضوع فلا يصح الاستدلال به، قال ابن الجوزي في كتابه "الموضوعات": "هذا حديث موضوع محال، و"جعفر" هو "ابن الزبير"، قال شعبة: كان يكذب، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال السعدي: نبذوا حديثه، وقال البخاري والنسائي والدارقطني: متروك"(37).
    وقال الإمام الذهبي في ترجمة "جعفر بن الزبير: "و يُرْوى بإسناد مظلم عنه حديث متنه: (يأتي على جهنم يوم ما فيها أحد من بني آدم تخفق أبوابها)"(38).

    2- روى عبد بن حميد في تفسيره عن الحسن قال: قال عمر: "لَو لَبِثَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ كَقَدْرِ رَمْلِ عَالِجٍ لَكَانَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ يَوْمٌ يَخْرُجُونَ فِيهِ"(39).
    - والمراد بأهل النار الكفار؛ لأن عصاة المؤمنين الذين أصيبوا بذنوبهم معلوم للسامعين أنهم يخرجون منها ولا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريبا منه، وعلى إرادة عصاة المؤمنين في حديث عمر لا يكون في الكلام زيادة علم للسامع ولا فائدة تُرْجى.
    ويجاب عليهم: بأن كون السامعين قد علموا ما قاله عمر لا يستلزم عدم الفائدة في الكلام، فإنه قد عُلِم في فن البيان أن الإخبار يكون بفائدة الخبر، أو لازم الفائدة، فَعِلْمُ السامعين بالحكم لا يمنع من التكلُّم به وإلقائه إليهم، فقد يكون مراد عمر أن يؤدوه لـمَن لا يعلمه ويُخْبِرُوا أنه اعتقادهم(40).
    وأما الأثر من حيث الرواية فإنه منقطع؛ لأنه لم يسمعه الحسن من عمر، والمنقطع عند أهل الحديث من قبيل الحديث الضعيف، والضعيف لا يحتج به في هذه المسائل، وكذلك فإن الحسن البصري لا يؤخذ بمراسيله، يقول السيوطي:"ليس في المرسلات أضعفُ من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح فإنهما كانا يأخذان عن كل واحد"(41)، وهذا الأثر المنقطع أرسله الحسن عن عمر، فحكمه حكم مراسيل الحسن عامة.
    وأما قول ابن القيم بأنه "لو لم يصح للحسن عن عمر لَـمَا جَزَمَ به"- يلزم أن يجري في كل مقطوع يَجْزِم به راويه، ولا يقول هذا أئمَّة الحديث كما عُرِف في قواعد أصول الحديث، بل الانقطاع عندهم علة، والجزم معه تدليس، وهو علة أخرى، ولا يقوم بمثل ذلك الاستدلال في مسألة فرعية فكيف في مسألة قال عنها ابن القيم: إنها أكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة(42).
    وأما قول ابن القيم بتداول الأئمَّة له غير مقابلين له بالإنكار والرد، مع إنكارهم الدائم على كل مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين.
    فجوابه: بأنه لا حاجة للإنكار والرد؛ لأن كلام عمر كغيره من الأقوال الدالة على خروج الموحدين من النار، وهو قول عليه جماهير الأئمة(43).
    - ولو ثبت صحة الأثر عن عمر فإنه لم يدل على المدعى فإن أصل المدعى هو "فناء النار وأن لها مدة تنتهي إليها"، وليس في أثر عمر هذا إلا أنه يخرج أهل النار من النار، والخروج لا يكون إلا وهي باقية فإنك لو قلت: "لو لبث زيد في الدار كذا وكذا، ثم خرج منها" لم يدل هذا على فناء الدار لا مطابقةً ولا تضمنًا ولا التزامًا.
    3- ذكر ابن جرير والبغوي في تفسيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "لَيَأتِينَ عَلَى جَهَنَّمَ زَمَانٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، وَذَلِكَ بَعْدَمَا يَلْبَثُونَ فِيهَا أَحْقَابًا"(44)، وقد روى البزار هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما(45).
    - ويجاب عنه بأن هذا الأثر لا يخلو سنده في كل طرقه من مقال وضعف، ولا دلالة فيها على فناء النار الذي هو محل النزاع بوجه من الوجوه فإن قوله " لَيسَ فيها أحدٌ" دال على بقائها، فإنك إذا قلت "لَيسَ في الدار أحدٌ" فإنه دال على بقاء الدار لا على فنائها(46).
    وكذلك فإن أهل السنة قد حملوا هذه الآثار على خروج الموحدين من النار، قال البغوي: "معناه عند أهل السنة - إن ثبت - ألا يبقى فيها أحدٌ من أهل الإيمان، وأما مواضع الكفار فممتلئة أبدًا"(47).
    وقال الشيخ الشنقيطى: ((الذي يظهر لي والله تعالى أعلم أن هذه النار التي لا يبقى فيها أحد يتعين حملها على الطبقة التي كان فيها عصاة المسلمين كما جزم به البغوي في تفسيره؛ لأنه يحصل به الجمع بين الأدلة، وإعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، وقد أطبق العلماء على وجوب الجمع إذا أمكن، أما ما ينقل عن كثير من العلماء من الصحابة ومن بعدهم من أن النار تفنى وينقطع العذاب عن أهلها، فالآيات القرآنية تقتضي عدم صحته)) (48).
    4- وذكر ابن القيم في "حادي الأرواح" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "مَا أَنَا بِالَّذِي لا أَقُولُ أنَّهُ سَيأتِي عَلَى جَهَنَّمَ يَوْمٌ لا يَبْقَى فِيهَا أَحَدٌ"، وقرأ قوله: { فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: 106]، قال عبيد الله: كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين(49).
    ويجاب عليه: بأن الحديث ليس فيه دلالة على فناء النار، بل هو محمول على الموحدين للجمع بينه وبين الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم على عدم فناء النار؛ ولذلك قال عبيد الله: كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين، فحمل هذا الأثر على الطبقة التي فيها عصاة المسلمين متعيِّن؛ لأنه به يحصل الجمع بين الأدلة.
    4- عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد أو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد} قال: ((هذه الآية قاضية على القرآن كله يقول حيث كان في القرآن خالدين فيها تأتي عليه)) (50).
    ولا يخفى – كما يقول الشيخ الصنعانى - أولا أنه شك أبو نضرة في قائل هذا القول وردده بين ثلاثة معلومين ومجهول وهذا الشك وإن كان انتقالا من ثقة إلى ثقة على رأي من يقول كل الصحابة عدول غير ضائر في الرواية، إلا أنه لا يصح معه الجزم بنسبة القول بفناء النار إلى أبي سعيد حيث إن مستند القول به هو هذا الأثر لأن هذا أثر لم يتم الجزم به في رواية أنه لأبي سعيد فكيف يجزم بنسبة هذا المدلول أعني القول بفناء النار وذهابها إلى أبي سعيد كما فعله شيخ الإسلام، ولم يثبت عنه الدليل، وثانيا وهو على تقدير ثبوته عنه فإنه لا دلالة فيه على مدعاه وهو فناء النار ولا رائحة دلالة، بل غاية ما فيه أن كل وعيد في القرآن ذكر فيه الخلود لأهل النار فإن آية الاستثناء حاكمة عليه وهي عبارة مجملة لا تدل على المدَّعَى بنوع من الدلالات الثلاث بل يحتمل أنه أراد أنها فسرت بآيات الخلود التي وردت في القرآن في خلود أهل النار، قال الصنعانى: ((وإذا عرفت هذا فيا لله العجب كيف ينسب شيخ الإسلام إلى أبي سعيد القول بفناء النار بلفظ لم يتحقق صدوره عنه، ولو تحقق صدوره عنه لم يدل على مدعاه فما هذا إلا مجازفة، ولا يليق ممن دون ابن تيمية تحقيقا وورعا في نسبة الأقوال وتحرير الاستدلال هذا)) (51).
    - وخلاصة القول في الإجابة عن الآثار التي وردت عن الصحابة هو ما قاله الشيخ الصنعانى بعد أن أوردها جميعا وناقش وجه الدلالة فيها، وبين المراد الصحيح منها، ثم قال: ((وبهذا تعرف أنه لا يصح نسبة القول بفناء النار وذهابها إلى ابن مسعود وأبي هريرة كما نسب هذا القول الذي نقل عنهما إلى عمر، بل هو الدليل على بقاء النار بعد خروج من يخرج منها من أهل التوحيد، فكيف يقول شيخ الإسلام في صدر المسألة إن القول بفناء النار نقل عن ابن مسعود وأبي هريرة وإنما مستنده في نسبة ذلك إليهما هذان الأثران اللذان هما بمراحل عن الدلالة على فناء النار وذهابها بعد صحتهما، فعرفت بطلان نسبة هذا القول إلى ابن مسعود وأبي هريرة كما عرفت بطلان نسبته إلى عمر... وبعد تحقيقك لما أسلفناه وإحاطتك علما بما سقناه تعلم أن هؤلاء الأربعة من الصحابة الذين هم عمر وابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الذين عين شيخ الإسلام أسماءهم من الصحابة في صدر المسألة وذكر أنه نقل عنهم القول بفناء النار وذهابها وتلاشيها هم برئيون من هذا القول ومن نسبته فناء النار إليهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب، واستدل لهم بما ادعاه منسوبا إليهم بما لا مساس له بالدعوى كما عرفت وحينئذ يعلم أنه ليس معه في دعواه فناء النار أحد من الصحابة الذين عَيَّنهم)) (52).
    ويقول العلامة ابن حجر الهيتمي: "والظاهر أن هؤلاء الذين ذَكَرَهم لم يصح عنهم من ذلك شيءٌ، وعلى التنـزُّل فمعنى كلامهم كما قاله العلماء: ليس فيها أحد من عصاة المؤمنين، أما مواضع الكفار فهي ممتلئة بهم لا يخرجون عنها أبدًا كما ذكره الله في آيات كثيرة"(53).
    وقد أجاب شيخ الإسلام تقى الدين السبكى عما استدل به القائل بفناء النار من آثار حتى تجرأ بها وعزا القول بذلك للسلف، فتعقبه شيخ الإسلام السبكى محقا بقوله: ((معاذ الله، وأنا أبرئ السلف من ذلك، ولا أعتقد أن أحدا منهم قاله، وإنما روى عن بعضه كلمات تُتَأَوَّلُ كما تُتَأَوَّلُ المشكلات التى ترد، وتحمل على غير ظاهرها، فكما أن الآيات والأحاديث يقع فيها ما يجب تأويله، كذلك كلام العلماء يقع فيه ما يجب تأوله، ومن جاء إلى كلمات ترد عن السلف فى ترغيب أو ترهيب أو غير ذلك، فأخذ بظاهرها وأثبتها أقوالا ضل وأضل، وليس ذلك من دأب العلماء، ودأب العلماء التنقير عن معنى الكلام والمراد به، وما انتهى إلينا عن قائله، فإذا تحققنا أن ذلك مذهبه واعتقاده نسبناه إليه، وأما بدون ذلك فلا، ولا سيما فى مثل هذه العقائد التى المسلمون مطبقون فيها على شىء كيف يعمد إلى خلاف ما هم عليه، ينسبه إلى جلة المسلمين، وقدوة المؤمنين، ويجعلها مسألة خلاف كمسألة فى باب الوضوء، ما أبعد من صنع هذا عن العلم والهدى، وهذه بدعة من أنحس البدع وأقبحها أضل الله من قالها على علم)) (54).
    وإلى هذا المنحى جرى الشيخ الصنعانى عند كلامه على أثر سيدنا عمر الذى استدل به ابن القيم فقال الصنعانى: ((كلام عمر كغيره من الأقوال الدالة على خروج الموحدين من النار وهو قول عليه جماهير الأئمة منهم ابن تيمية، وستعرف أنه لا يصح أثر عمر إلا على تقدير أنه أراد به الموحدين وأنه يتعين حمله على ذلك عند شيخ الإسلام نفسه وعند غيره... ومما سمعت تعين حمل أثر عمر على عصاة الموحدين عند شيخ الإسلام وعند جميع علماء الأنام وإذا عرفت هذا طال تعجبك من نسبة ابن تيمية القول بفناء النار إلى عمر واستدلاله لذلك بهذا الأثر المنقطع رواية)) (55)، وقد تابع الشيخ الصنعانى هذا النهج عند مناقشته لاستدلال ابن القيم بالآثار فى الباب، وبين أنه يجب حملها على ما يوافق صرائح الكتاب والسنة وما أجمع المسلمين عليه من الاعتقاد، وإلا لترتب على ذلك مقتضيات لم يقل بها أحد.
    ثالثا: استدلوا بسعة الرحمة:
    - ثم استدلوا على دعواهم بفناء النار بسعة رحمة الله تعالى، فإنها أدركت أقوامًا ما فعلوا خيرًا.
    ومن الأحاديث التي ذكروها قصة الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الرياح في البر والبحر خشيةَ أن يعذبه الله(56).
    وأيضا بما أخرجه أحمد من حديث الأسود بن سريع مرفوعا: "يَأتِي أرْبَعةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَصَمُّ لا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقٌ، ورَجُلٌ هَرِمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ.
    أمَّا الأَصَمُّ فَيَقُولُ: "رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلامُ وَمَا أسْمَعُ شَيْئًا"، وأمَّا الأحْمَقُ فَيَقُولُ: "رَبِّ جَاءَ الإِسْلامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالبَعْر"، وأمَّا الهَرِمُ فَيَقُولُ: "رَبِّي لَقَدَ جَاءَ الإِسْلامُ وَمَا أعْقِلُ شَيْئًا"، وأمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الفَتْرَةِ فَيَقُولُ: "رَبِّ مَا أتَانِي لَكَ رَسُولٌ"، فيَأخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ ليُطِيعنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيهِمْ أَنِ ادخُلُوا النَّارَ، قَالَ: "فوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتَ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وسَلامًا"(57).
    وكذلك بما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنَّ رَجُلَينِ دَخَلا النَّارَ واشْتَدَّ صِيَاحُهُمَا فَقَالَ الرَّبُّ عَزَّ وجَلَّ: "أَخْرِجُوهُمَا" فَقَالَ: "لأَيِّ شَيْءٍ اشْتَدَّ صِيَاحُكُمَا" فَقَالا: "فَعَلْنَا ذَلِكَ لِتَرْحَمَنَا" فَقَالَ: "رَحْمَتِي لَكُمَا أَنْ تَنْطَلِقَا فَتُلْقِيَا أنْفُسَكُمَا حَيْثُ كُنْتُمَا مِن النَّارِ فَيَنْطَلِقَانِ فَيُلْقِي أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ فَيَجْعَلُهَا عَلَيهِ بَرْدًا وسَلامًا وَيَقُومُ الآخَرُ فَلا يُلْقِي نَفْسَهُ، فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُ عَزَّ وَجَلَّ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تُلْقِيَ نَفْسَكَ كَمَا أَلْقَى صَاحِبُكَ فَيَقُولُ: "يَا رَبِّ إِنِّي لأَرْجُو أنْ لا تُعِيدَنِي فِيهَا بَعْدَ مَا أخْرَجْتَنِي فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ لَكَ رَجَاؤُكَ فَيَدْخُلانِ جَمِيعًا الجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللهِ"(58). قال أبو عيسى الترمذي: إسناد هذا الحديث ضعيف.
    فدخول الجنة من موجب رحمته والنار من غضبه وسخطه، ورحمته سبحانه وتعالى تغلب غضبه وتسبقه كما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لـمَّا قَضَى اللهُ الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ إنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي"(59). فإذا قدِّر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة.
    وكذلك فإن النعيم من موجب أسمائه التي هي من لوازم ذاته، فيجب دوامها بدوام معاني أسمائه وصفاته، والعذاب من مخلوقاته والمخلوق قد يكون له انتهاء، لاسيما مخلوق خُلِق لحكمة تتعلق بغيره.
    - والجواب بأن هذا الرجل الذي وصَّى بحرقه مؤمن بالله، عالم بأن الله يُعذِّب مَن عصاه، وقد أمر بتحريقه لِـمَا وَقَعَ له من خوف وخشية، ففي قلبه خير وإن لم يعمل خيرًا قط، ولذلك الخير أدركته رحمة الله.
    وأما الأربعة الذين ذكرهم في الحديث الثاني فالثلاثة الأولون ليسوا بمشركين فإنهم كانوا في دار الدنيا غير مكلفين فلم يتحقق منهم أنهم كانوا مشركين، فهم مستحقون للرحمة بخلاف الكفار المعاندين، أم أن الرحمة عندهم لا تتحقق إلا بشمولها للكفار المعاندين الطاغين، وأما الرابع الذي مات في الفترة ولم تبلغه الدعوة، فالتحقيق عند أهل السنة أن مَن لم تبلغه الدعوة لا يُعَذَّب ويدخل الجنة؛ لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُوَلا} [الإسراء: 15](60)، فهو مستحق للرحمة أيضًا.
    والمعنى في الحديث الثالث أنهما لـمَّا فرَّطَا في جنب الله وقصَّرَا في العاجلة في امتثال أمره أُمِرَا هنالك بالامتثال في إلقاء أنفسهما في النار؛ إيذانا بأن الرحمة إنما هي مترتبة على امتثال أمر الله عز وجل، فالحديث في خروج العصاة من الموحدين، ولا يدخل الكفار في المراد من الحديث بدلالة قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 28](61)، فإنهم لو ردوا إلى الدنيا بمتعها وشهواتها وأهوائها لعادوا لما نهوا عنه من التكذيب بالآيات، والسخرية من المؤمنين، فهم كاذبون في كل ما يدعون، فالآية الكريمة تصور ما طُبِع عليه هؤلاء الجاحدون من فجور وعناد وافتراء؛ لأنهم حتى لو أجيبوا إلى طلبهم على سبيل الفرض والتقدير لما تخلوا عن كفرهم ومحاربتهم للأنبياء وللمصلحين وفعل القبائح التي رأسها الشرك، فهم كاذبون متصفون بهذه الصفة لا ينفكون عنها بحال من الأحوال، ولهذا لا ينفعهم مشاهدة ما شاهدوه(62)، وكذلك قال الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا} [الإسراء: 72] فأخبر الله أن ضلالهم عن الهدى دائم لا يزول مع معاينتهم الحقائق التي أخبرت بها الرسل، وإذا كان العمى والضلال لا يفارقهم فإن موجبه وأثره ومقتضاه لا يفارقهم، وأيضا قال الله تعالى: {لَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23] وهذا يدلك على أنه ليس فيهم خير يقتضي الرحمة، ولو كان فيهم خير لما ضيع عليهم أثره، ويدل على أنه لا خير فيهم هنالك أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه يوم القيامة: "ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا"(63)، فلو كان عند هؤلاء أدنى مثقال ذرة من خير لخرجوا منها مع الخارجين(64).
    - ولا ظلم في تعذيب الكافر وبقاءه دائما في النار؛ لأن الكافر كان عازما على الكفر ما دام حيًّا، فعُوقِب دائمًا، فهو لم يعاقب بالدائم إلا على دائم، فلم يكن عذابه إلا جزاء وفاقا(65)، فالأحاديث في إخراج أقوام من النار مع بقاءها وعدم فنائها.
    - ودعواهم أن رحمة الله وسعت كل شيء وسبقت غضبه، فإذا قدِّر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة.
    فجوابه أن الله في الدنيا جعل الرحمة والعذاب مختلطتين في معاملة العباد، أما الآخرة فلها أحكام أخرى، فالآخرة داران: دار لا يشوبها شيء من العذاب، وهي الجنة، ودار عذاب لا يشوبها شيء من الرحمة، وهي النار، فقولهم "فإذا قدِّر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة" إن أرادوا به نفي الرحمة مطلقا فليس بصحيح؛ لأن هناك كمال الرحمة في الجنة، وإن أرادوا لم يكن في النار رحمة، فلا اعتراض يصح الرد عليه(66).
    - وأما دعواهم بأن النعيم من موجب أسمائه التي هي من لوازم ذاته، فيجب دوامها بدوام معاني أسمائه وصفاته، والعذاب من مخلوقاته والمخلوق قد يكون له انتهاء، لاسيما مخلوق خُلِق لحكمة تتعلق بغيره.
    فالجواب هو قاله العلامة السبكي: "قلت: ومن أسمائه تعالى "شديد العقاب" و"الجبار" و"القهار" و"المذل" و"المنتقم" فيجب دوامه بدوام ذاته وأسمائه أيضا.
    فنقول لهذا الرجل: إن كانت هذه الأسماء والصفات تقتضي دوام ما يقتضيه من الأفعال فيلزم قِدَم العالم، وإن كانت لا تقتضي فلا يلزم دوام الجنة، فأحد الأمرين لازم لكلام هذا الرجل، وكل من الأمرين باطل، فكلام هذا الرجل باطل"(67).
    وبعد أن يفرغ الصنعانى من مناقشة ما استدل به ابن تيمية وابن القيم – على ما أوردنا كثيرا منه فيما سبق – يختم كلامه قائلا: ((وإذا عرفت ما ألقينا عليك عرفت أنه لم يتم ما ادعاه ابن تيمية في الآية – يعنى قوله تعالى {إلا ما شاء ربك} - فإنه قول في الآية بلا دليل، ولا قال به من السلف أحد ولا من الخلف، وأنه ليس في يد شيخ الإسلام شىء لا من كتاب ولا من سنة ولا من صحابي كما قررناه، فليس في يديه إلا دعوى بغير برهان)) (68).
    ومن جهة أخرى فإن القول بفناء النار يقتضى – كما يقول التقى السبكى ((أن إبليس وفرعون وهامان وسائر الكفار يصيرون إلى النعيم المقيم واللذة الدائمة، وهذا ما قال به مسلم ولا نصرانى ولا يهودى ولا مشرك ولا فليسوف، أما المسلمون فيعتقدون دوام الجنة والنار، وأما المشرك فيعتقد عدم البعث، وأما الفليسوف فيعتقد أن النفوس الشريرة فى ألم)).
    ثم يؤكد شيخ الإسلام السبكى على حكم قائل المسألة بأننا لا نكفره بعينه، ولا نطلق القول فيه بألسنتنا فقال: ((فهذا القول الذى قاله ما نعرف أحدا قاله، وهو خروج عن الإسلام بمقتضى العلم إجمالا، ولا أكفر أحدا معينا من أهل القبلة بلسانى، ولا بقلبى، ولا بقلمى، إلا أن يعتقد مشاققة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا ضابط التكفير عندى)) (69).
    والله تعالى أعلم.

    المصادر والمراجع:

    1) الاعتبار ببقاء الجنة والنار، تقي الدين السبكي، تحقيق وتعليق: د. طه الدسوقي حبيش، القاهرة: نشر المحقق، 1987م.
    2) البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها، الشيخ: عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، دمشق: دار القلم، بيروت: الدار الشامية، ط1، 1416هـ- 1996م.
    3) بيان تلبيس الجهمية، لابن تيمية، بتحقيق محمد بن عبد الرحمن القاسم، مكة: مط الحكومة، ط1، 1392 هـ.
    4) التحرير والتنوير، للإمام العلامة محمد الطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر.
    5) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، بيروت: دار الكتب العلمية.
    6) تحفة المريد على جوهرة التوحيد المسمى بـ(حاشية البيجوري على جوهرة التوحيد)، تحقيق: د. علي جمعة محمد الشافعي، القاهرة: دار السلام، ط1، 1422هـ- 2002م.
    7) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، الرياض: مكتبة الرياض الحديثة.
    8) التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، أبو عبد الله القرطبي، تحقيق ودراسة: د. الصادق بن محمد بن إبراهيم، الرياض: مكتبة دار المنهاج، ط1، 1425هـ.
    9) تفسير القاسمي، المسمى "محاسن التأويل"، محمد جمال الدين القاسمي، تحقيق وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه، ط1، 1376هـ- 1957م.
    10) تفسير القرآن العظيم، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، تحقيق: مصطفى السيد محمد، محمد السيد رشاد، محمد فضل العجماوي، علي أحمد عبد الباقي، حسن عباس قطب، مصر: مؤسسة قرطبة، ومكتبة أولاد الشيخ للتراث، ط1، 1421هـ- 2000م.
    11) التمهيد فى تخريج الفروع على الأصول ، للإمام الإسنوى ، تحقيق د . محمد حسن هيتو ، بيروت : مؤسسة الرسالة ، ط 1 ، 1400 هـ .
    12) جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري)، محمد بن جرير أبو جعفر الطبري، المحقق: أحمد محمد شاكر، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1420 هـ - 2000 م.
    13) حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ابن قيم الجوزية، القاهرة: المتنبي.
    14) دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، محمد الأمين الشنقيطي.
    15) دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد، للإمام تقى الدين الحصنى، تحقيق محمد زاهد الكوثرى، القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث، د ت.
    16) الرد على من قال بفناء الجنة والنار، للإمام ابن تيمية، تحقيق د. محمد بن عبد الله السمهرى، الرياض: دار بلنسيه، ط 1، 1415 هـ.
    17) رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار، محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، بيروت: المكتب الإسلامي، ط1، 1405هـ.
    18) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، للعلامة الآلوسي البغدادي، بيروت: دار إحياء التراث العربي.
    19) الزواجر عن اقتراف الكبائر، أحمد بن حجر الهيتمي، بيروت: دار الفكر.
    20) سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي ، بيروت : دار الفكر .
    21) سنن الترمذي، بيروت: دار إحياء التراث العربي.
    22) شرح العقيدة الطحاوية، عبد الغني الغنيمي الميداني الحنفي الدمشقي، تحقيق وتعليق: محمد مطيع الحافظ، ومحمد رياض المالح، قدم له: محمد صالح الفرفور، الناشر: دار الفكر المعاصر (بيروت)، ودار الفكر (دمشق)، ط3، 1995م.
    23) شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبى العز الحنفى (ت 792 هـ)، تحقيق أحمد شاكر، الرياض: مكتبة الرياض الحديثة، بعد 1373 هـ.
    24) صحيح ابن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1414هـ- 1993م.
    25) صحيح البخاري، تحقيق الدكتور/ مصطفى ديب البغا، بيروت: دار ابن كثير، اليمامة ، الطبعة الثالثة 1407 هـ - 1987م.
    26) صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت: دار إحياء التراث العربي.
    27) الطوالع للبيضاوى ، مع شرح الأصفهانى ، القاهرة : مط الخيرية ، ط 1 ، 1323 هـ .
    28) فتح الباري في شرح صحيح البخاري، الحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ومحب الدين الخطيب، بيروت: دار المعرفة، 1379هـ.
    29) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، بيروت: دار الفكر.
    30) الفصل في الملل والأهواء والنحل، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، القاهرة: مكتبة الخانجي.
    31) لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، محمد بن أحمد السفاريني الأثري الحنبلي، دمشق: منشورات مؤسسة الخافقين ومكتبتها محمد مفيد الخيمي، ط2، 1402هـ- 1982م.
    32) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، بيروت: دار الفكر ، 1412 هـ/ 1992م.
    33) مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، الحافظ ابن حزم الظاهري، بعناية: حسن أحمد إسبر، بيروت: دار ابن حزم، ط1، 1419هـ- 1998م.
    34) مسند البزار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله، بيروت: مؤسسة علوم القرآن، والمدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، ط1، 1409هـ.
    35) المسند، الإمام أحمد بن حنبل، مصر: مؤسسة قرطبة.
    36) مصنف ابن أبي شيبة، بيروت: دار الفكر.
    37) معالم التنزيل (تفسير البغوي)، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، حققه وخرج أحاديثه: محمد عبد الله النمر، عثمان جمعة ضميرية، سليمان مسلم الحرش، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط4، 1417 هـ - 1997 م.
    38) المعجم الكبير، لأبي القاسم الطبراني، الناشر: مكتبة العلوم والحكم (الموصل)، الطبعة الثانية، 1404هـ – 1983م، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي.
    39) المواقف للعضد ، مع شرح الشريف الجرجانى ، مع حواشى الفنارى والسيالكوتى وغيرهما ، القاهرة : دار الطباعة العامرة (= مط بولاق) ، 1311 هـ .
    40) الموضوعات، أبو الفرج ابن الجوزي، ضبط وتقديم وتحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المدينة المنورة: محمد عبد المحسن، ط1، 1386هـ- 1966م.
    41) ميزان الاعتدال في نقد الرجال، شمس الدين الذهبي، تحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي محمد معوض، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1995م.
    (1) انظر كلام الإمام ابن تيمية في المسألة: الرد على من قال بفناء الجنة والنار للإمام ابن تيمية، بتحقيق د. محمد بن عبد الله السمهري، (مع ملاحظة أن العنوان من صنع المحقق، والمقصود الرد على من قال بفنائهما معا، وهو أحد الأقوال في المسألة، والقول الثاني: دوامهما وهو إجماع الأمة، والثالث: دوام الجنة وفناء النار وهو اختيار ابن تيمية ومن قلده)، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم، (ص 246 - 271).
    (2) انظر: الرد على من قال بفناء الجنة والنار، لابن تيمية، (ص 67).
    (3) الرد على من قال بفناء الجنة والنار (ص 71 - 79).
    (4) الرد على من قال بفناء الجنة والنار (ص 80)، باختصار، وما بين القوسين زيادة منا للإيضاح.
    (5) انظر: بيان تلبيس الجهمية، لابن تيمية، (1/581)، ومجموع الفتاوى (18/307).
    (6) الاعتبار ببقاء الجنة والنار، تقي الدين السبكي، تحقيق وتعليق: د. طه الدسوقي حبيش، القاهرة: نشر المحقق، 1987م.
    (7) رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار، محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، بيروت: المكتب الإسلامي، ط1، 1405هـ.

    (8) الاعتبار ببقاء الجنة والنار، (ص 46 – 47، 56 - ).
    (9) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «التوحيد» باب «قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا}» حديث (6886)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «أدنى أهل الجنة منزلة فيها» حديث (284).
    (10) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «الرقاق» باب «يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب» حديث (6062)، ومسلم في كتاب «الجنة وصفة نعيمها وأهلها» باب «النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء» حديث (5088).
    (11) نَقَلَهُ عنه ابنُ حجر العسقلاني في فتح الباري، (11/421).
    (12) الفصل في الملل والنحل (4/69- 70).
    (13) انظر: بيان تلبيس الجهمية، لابن تيمية، (1/581)، ومجموع الفتاوى (18/307).
    (14) الاعتبار ببقاء الجنة والنار، ص (57- 58).
    (15) شرح المقاصد، (5/131، 133).
    (16) فتح الباري، (11/421).
    (17) لوامع الأنوار، (2/234).
    (18) دفع إيهام الاضطراب، (ص 36-38).
    (19) رفع الأستار (ص 77).
    (20) الاعتبار ببقاء الجنة والنار، (ص 58 - 60).
    (21) انظر : درء تعارض العقل والنقل (3/235) .
    (22) انظر : الطوالع للبيضاوى ، مع شرح الأصفهانى (ص 328) .
    (23) التمهيد للإسنوى (ص 373) .
    (24) اعتمدنا فى هذا غالبا على كلام شيخ الإسلام تقى الدين السبكى، والشيخ الصنعانى، ولمزيد من التوسع راجع أيضا: شرح المقاصد، (5/131 – 140)، دفع شبه من شبه وتمرد للحصنى (ص 58 – 60).
    (25) انظر: تفسير القاسمي، (9/3486).
    (26) انظر: تفسير الطبري، (15/481)، وتفسير الألوسي، (12/141) بتصرف.
    (27) انظر: الاعتبار ببقاء الجنة والنار، ص (76).
    (28) رفع الأستار (ص 88)، وانظر أصل الكلام مطولا فى حادي الأرواح (ص 247 – 250).
    (29) انظر: حادي الأرواح، ص (249)، ورفع الأستار ص (88).
    (30) انظر: تفسير الطبري (24/163).
    (31) انظر: الاعتبار ببقاء الجنة والنار، ص (67)، وتفسير البغوي، (8/315).
    (32) التحرير والتنوير، (3/33).
    (33) رفع الأستار (ص 88).
    (34) رفع الأستار، (ص 76).
    (35) رفع الأستار (ص 64).
    (36) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/295)، وقال الهيثمي: "رواه الطبراني، وفيه جعفر بن الزبير، وهو ضعيف" (10/360).
    (37) (3/268).
    (38) ميزان الاعتدال في نقد الرجال (2/133).
    (39) انظر: حادي الأرواح، ص (247)، والاعتبار ببقاء الجنة والنار، ص (75).
    (40) انظر: البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها، الشيخ: عبد الرحمن حبنكة، (1/173)، ورفع الأستار، ص (69).
    (41) تدريب الراوي (1/204)، وانظر: رفع الأستار، ص (66).
    (42) انظر: رفع الأستار، ص (65).
    (43) انظر: رفع الأستار، ص (67).
    (44) انظر: تفسير الطبري، (15/484)، وتفسير البغوي، (4/202).
    (45) أخرجه البزار في مسنده (6/442) حديث (2478)، وانظر: ورفع الأستار، ص (81).
    (46) انظر: رفع الأستار، ص (76).
    (47) تفسير البغوي، (4/202).
    (48) دفع إيهام الاضطراب (ص 36) بتصرف يسير.
    (49) حادي الأرواح، ص (250).
    (50)نسبه الحافظ السيوطي في الدر المنثور (؟؟؟) إلى تخريج عبد الرزاق وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات.
    (51) رفع الأستار (ص 78 – 80) باختصار.
    (52) رفع الأستار (ص 77).
    (53) الزواجر عن اقتراف الكبائر، (1/60- 61).
    (54) الاعتبار ببقاء الجنة والنار، (ص 58 - 60).
    (55) رفع الأستار (ص 67 - 70) باختصار.
    (56) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «أحاديث الأنبياء» باب «حديث الغار» حديث (3222)، ومسلم في كتاب «التوبة» باب «في سعة رحمة الله وأنها سبقت غضبه» حديث (4949).
    (57) أخرجه أحمد في مسنده (4/24).
    (58) أخرجه الترمذي في كتاب «صفة الجنة» باب «منه (آخر أهل النار خروجا منها)» حديث (2524).
    (59) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «التوحيد» باب «قوا الله تعالى {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ}» حديث (6855)، ومسلم في كتاب «التوبة» باب «في سعة رحمة الله وأنها سبقت غضبه» حديث (4941).
    (60) حاشية البيجوري على جوهرة التوحيد، ص (68).
    (61) انظر: تحفة الأحوذي (7/274).
    (62) انظر: فتح القدير (2/157).
    (63) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «التوحيد» باب «قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا}» حديث (6956)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «معرفة طريق الرؤية» حديث (269).
    (64) انظر: حادي الأرواح، ص (257).
    (65) انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر، (1/60).
    (66) انظر: الاعتبار ببقاء الجنة والنار، ص (82).
    (67) الاعتبار ببقاء الجنة والنار، ص (81).
    (68) رفع الأستار (ص 110 - 111).
    (69) الاعتبار ببقاء الجنة والنار (ص 85).

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    346

    افتراضي رد: فنار النار

    اريد من الإخوة المتخصصين في العقيدة تقييم هذا البحث وهل هو موافق لمذهب أهل السنة والسلف

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    346

    افتراضي رد: فناء النار

    هذا البحث منشور على موقع دار الإفتاء المصرية

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    16

    افتراضي رد: فناء النار

    لابن تيمية رحمه الله نص وحيد يعتمد عليه من ينفي عنه القول بفناء النار .. وهو :


    سئل ابن تيمية رحمه الله عن حديث أنس بن مالك عن النبى انه قال ( سبعة لا تموت ولا تفنى ولا تذوق الفناء النار وسكانها واللوح والقلم والكرسى والعرش ).
    فصل هذا الحديث صحيح أم لا ؟


    فأجاب : هذا الخبر بهذا اللفظ ليس من كلام النبى وإنما هو من كلام بعض العلماء وقد إتفق سلف الأمة وائمتها وسائر اهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها كما في ذلك من الدلالة على بقاء الجنة وأهلها وبقاء غير ذلك مما لا يتسع هذه الورقة لذكره وقد إستدل طوائف من أهل الكلام والمتفلسفة على إمتناع فناء جميع المخلوقات بأدلة عقلية والله أعلم.
    الفتاوى 18/307.
    ______________________________ _____________


    لكن هذا النص لا ينفي عنه ذلك لأنه هنا ينفي القول بفنائهما معاً وهذا قول الجهم والمعتزلة وأهل البدع ..

    وأما القول بفناء النار وحدها فهو كثير في كلام ابن تيمية , وهو قول الصحابة والتابعين نقله ابن تيمية عنهم فقط وليس من ابتداعه ..

    الآثار الواردة في قوله تعالى ( خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ) :


    أخرج عبد الرزاق وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله الأنصاري أو عن أبي سعيد الخدري أو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد قال : هذه الآية قاضية على القرآن كله يقول : حيث كان في القرآن خالدين فيها تأتي عليه


    وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن أبي نضرة قال : ينتهي القرآن كله إلى هذه الآية إن ربك فعال لما يريد



    وأخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر رضي الله عنه قال : لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم على ذلك يخرجون فيه




    وأخرج إسحق بن راهويه عن أبي هريرة قال : سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرأ فأما الذين شقوا الآية




    وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال : ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك



    وقال ابن مسعود ليأتين عليها زمانا تخفق أبوابها


    وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال : جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابا


    وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : قد أخبر الله بالذي شاء لأهل الجنة فقال ( عطاء غير مجذوذ ) ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    16

    افتراضي رد: فناء النار

    وهذا كلام ابن القيم في فنار النار في كتاب حاجي الأرواح الذي جزم فيه بفناء النار , قال أن فنائها غير مسألة نفي الخلود فيها .. لأن القول الأخير هو قول اليهود .. قال :

    الثالث قول من يقول ان أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود ثم يخرجون منها ويخلفهم فيها قوم اخرون وهذا القول حكاه اليهود للنبي فاكذبهم فيه وقد اكذبهم الله تعالى في القران فيه فقال تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا اياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ام تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون وقال تعالى الم تر إلى اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون


    فهذا القول إنما هو قول أعداء الله اليهود فهم شيوخ أر بابه والقائلين به وقد دل القران والسنة وإجماع الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام على فساده قال تعالى وما هم بخارجين من النار وقال وما هم منها بمخرجين وقال كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وقال تعالى كلما ارادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها وقال تعالى لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها و قال تعالى ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وهذا ابلغ ما يكون في الإخبارعن استحالة دخولهم الجنة


    ثم قال :


    السابع قول من يقول بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى فانه جعل لها أمدا تنتهي إليه ثم تفنى ويزول عذابها قال شيخ الإسلام وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبى هريرة وأبى سعيد وغيرهم .. ثم ساق الآثار والنصوص الدالة على ذلك

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    16

  8. #8

    افتراضي رد: فناء النار

    حوار بين الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمهما الله حول فناء النار
    الكتاب مجالس مع فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي من صفحة 50 إلى صفحة 72
    قال الشيخ أحمد بن محمد الأمين:
    لقد استدعى المسؤولون الشيخين: شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخعبد الرحمن الإفريقي رحمة الله على الجميع، استُدعيا للتدريس بالمعاهدوالكليات، وأُنزلا بدار الضيافة، واستقبلهما المسؤولون بحفاوة وتكريم.
    وحدثني شيخي : أن يوماً من الأيامحضرت جماعة من الأساتذة المصريين للسلام عليهما , ودار بحث في المنطق بينهؤلاء وفضيلة الشيخ محمد الأمين يسألونه عن الفصل بالنسبة للإنسان , فكانيقول :
    إذا قلنا الإنسان حيوان شاركه فيهذا التعريف كل حيوان , وإذا قلنا هو حيوان منتصب القامة يمشي على قدمينعاري الجسد , كان بإمكان صاحب سفسطة أن يأخذ دجاجا وينتف ريشه حتى يكونعاري الجسد , ويقول : هذا منتصب القامة يمشي على قدمين , وإذا قلنا هوالحيوان الضاحك شاركه القرد في ذلك , لكن إذا قلنا هو الحيوان الناطق اختصالإنسان بهذا الوصف , فهو الفصل بالنسبة إليه .
    كل ذلك البحث والشيخ عبد الرحمن ينتظر على مائدة الإفطار !
    فقال لشيخنا : أليس يا شيخ بإمكاننا أن نقول الإنسان حيوان يأكل , فضحك الجميع والتحقوا به رحمه الله ما ألطف نكتته هذه .
    ولقد أقبل المسؤولون على فضيلة الشيخ محمد الأمين بغاية التقديروالاحترام، وكان هناك مصريٌّ حَضَريٌّ أزهري من أصحاب الشهادات المبروزة،وكان قبل قدوم الشيخ يُعتبر كأنه كبيرُ المدرسين ولما رأى حفاوة المشايخ بفضيلة الشيخ دونه لعل ذلك أخذ بخاطره ـ ولا أظن إلا خيراً ـ، فصار يتحينالفرص له.
    أخبرني شيخي عليه رحمة الله، قال: عندما كنت خارجاً من فصلٍ كنتُ فيه فيدرس تفسير، ودخلتُ غرفة استراحة المدرسين، وكان الشيخان: سماحة الشيخ محمدبن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ وأخوه الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم، كانا موجودين في غرفة استراحة المدرسين، الأول مفتي الديار السعودية، والثانيالمدير العام للمعاهد والكليات، فعندما دخلتُ غرفة الاستراحة، إذا ذلك المصري يقول: يا شنقيطي سمعتك تقرر في الدرس أن النار أبدية، وعذابها لاينقطع؟.
    قلتُ: نعم.
    فقال: كيف تسمح لنفسك يا شنقيطي! أن تعلم أولاد المسلمين أن النار أبدية،وعذابها لا ينقطع، وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية والمجدد محمد بن عبد الوهابيقرران أنها تخبو وينبت في قعرها الجرجير؟؟.
    قال الشيخ: وكنتُ آنذاك حديثَ عهد بالصحراء أغضبُ إذا استغضبت، فقلتُ له: يا مصري! من أخبرك أن الرسول الذي أرسل إليَّ، ووجب عليَّ الإيمان بما جاءبه اسمه محمد بن عبد الوهاب؟ إن الرسول الذي أرسل إليَّ ووجب عليَّ الإيمانبما جاء به اسمه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ولد بمكة ولم يولدبحريملا، ودفن بالمدينة ولم يدفن بالدرعية، وجاء بكتاب اسمه القرآن،والقرآن أحمله بين جنبيَّ، وهو الذي يجب عليَّ الإيمان بما جاء به؛ ولماتأملت آياته وجدتها مطبقةً على أن النار أبدية، وأن عذابها لا ينقطع،علمتُ ذلك لأولاد المسلمين لمَّا ائتمنني وليُّ أمر المسلمين على تعليمهم،أسمعتَ يا مصري؟؟.
    قال: فقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم: سَمْ؟! وهي بلهجة أهل نجد من مدلولها ما تقول ؟.
    فقال الشيخ الأمين: فقلتُ لهُ: ذاك إنسان يعي ما يقول!.
    قال: وكان (أي: ابن إبراهيم رحمه الله) رجلاً عاقلاً، وقد علم أني مُحْتَدٌ.
    فقال سماحته: أطال الله عمرك، منك نستفيد ـ يعني أفدنا ـ.
    قال الشيخ الأمين: إني قلت ما قلت بعد أن اطلعتُ على ما استدل به ابن القيم تقريراً لمذهب شيخه.
    لقد استدل بآية النبأ(لابثين فيها أحقابا* لا يذوقون فيها برداً ولا شرابا * إلا حميماً وغساقا)، وبآية هو ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرضإلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد).
    واستدل بأربعة أحاديث ثلاثة منها في غاية الضعف، ولا يمكن الاحتجاج بها،والرابع حديث طاووس عن عبد الله: (يأتي على النار زمان تخفق أبوابها، وينبتفي قعرها الجرجير) ، وهو حسن السند صالح للاحتجاج به.
    واستدل ببيت شعر هو قول الشاعر:
    لمخلف إيعادي ومنجز موعدي.....
    قال: لا مانع من أن يكون ما يجمل عند العرب كله موجود في القرآن، والعرب يجمل عندهم إخلاف الوعيد وإنجاز الوعد، فلا مانع إذا من إخلاف وعيده لأهلالنار بالخلود.
    قال: وذكر ابن القيم سفسطةً للدهريين هي قولهم: إن الله أعدل من أن يعصيه العبد حقباً من الزمن فيعاقبه بالعذاب الأبدي، قالوا: إن الإنصاف أن يعذبهقدر المدة التي عصاه فيها.

    وأنا أُجِلُّ ابن القيم عن أن يكون ذكر هذه السفسطة للاحتجاج بها، وإنما ذكرها استطراداً.
    فقال سماحته: أفدنا أطال الله في عمرك.
    قال شيخنا: فقلتُ له: إني أصبحت وإياك على طرفي نقيض، أنتم تمثلون طائفةمن المسلمين تقول بفناء النار وانقطاع عذابها، وأنا أمثل طائفة منالمسلمين تقول النار أبدية وعذابها لا ينقطع، والله تعالى يقول: (فإنتنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) إلى قوله تعالى (ذلك خير وأحسنتأويلا).
    فقد أصبحنا يا سماحة الشيخ بمثابة المتناظرين، ولا بد للمتناظرين من حَكَمٍ يُحكمانه بينهما يرجعان إليه لئلا يتسع الخلاف.
    قال سماحته: فماذا ترى أن نحكم بيننا؟.
    قال شيخنا: أرى أن نحكم بيننا كتاب الله تلاوةً لا تأويلا، معناه أنه لايقبل من أحدنا الاستدلال إلا بآية يشهد له منطوقها بدلالة المطابقة.
    قال سماحة الشيخ محمد: فقد حكمنا بيننا كتاب الله تلاوة لا تأويلا.
    فقال الشيخ الأمين: إذا شاء سماحتكم بحثنا هذه المسألة بالدليل الجَدَليالمعروف بالسبر والتقسيم، والذي أتى به صاحب مراقي السعود ـ المسلك الرابعمن مسالك العلة ـ حيث يقول:
    والسبر والتقسيم قسم رابع أن يحصر الأوصاف فيه جامع
    ويبطل الذي لها لا يصلح فما بقي تعيينه متضح
    ومعنى البيتين: أن يجمع المتناظران أو المتناظرون الأوصاف التي يحتمل أنتكون مسألة النزاع متصفة بها، فإن اتفقا أو اتفقوا أنَّ أوصاف المسألةمحصورة فيما جمعوا، شرعوا في سبرها، أي: في اختبارها، أي: بعرضها واحدةبعد واحدة على المحكم، فما رد منها المحكم وجب رده، وما بقي تعيَّن الأخذبه.

    فقال سماحة الشيخ محمد: وافقنا على بحث المسألة بالسبر والتقسيم.
    قال شيخنا: قيدوا ما تتفقون عليه من احتمالات للمسألة لتتمكنوا من عرضها على المحكم واحدة بعد الأخرى، فمثلاً:
    يحتمل: أن النار تخبو.
    ويحتمل: أنها تأكل من أُلقي فيها حتى لا يبقى من أهلها شيء.
    ويحتمل: أنهم يخرجون منها فراراً منها.
    ويحتمل: أنهم يموتون فيها، والميت لا يحس ولا يتألم.
    ويحتمل: أنهم يتعودون حرَّها فلا يبق يؤلمهم.
    ويحتمل: أنه لا يقع شيء من ذلك كله، وأنها أبدية وعذابها لا ينقطع.
    ولمّا اتفق الحضور على أنه لا يوجد احتمال بعد هذه الاحتمالات الستة المقيدة، ابتدؤوا بعرض الاحتمالات على المحكم.
    قالوا: يحتمل أنها تخبو، فإذا المحكم يقول: (كلما خبت زدناهم سعيراً)،ومعلوم أن (كلما) أداة من أدوات التكرار بلا خلاف، فلو قلت لغلامك: كلماجاءك زيد أعطه كذا من مالي، فإذا منعه مرة ظلمه بلا خلاف.
    وقالوا: يحتمل أنها تأكلهم حتى لم يبق منهم شيء، فإذا المحكم يقول: (كلمانضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب)، فلم يبق لهذا الاحتمالنصيب بموجب هذه الآية.
    وقالوا: يحتمل أنهم يخرجون منها هاربين، فإذا المحكم يقول: (كلما أرادواأن يخرجوا منها أعيدوا فيها)، ويقول: (وما هم منها بمخرجين)، فلم يبق لهذاالاحتمال أيضاً نصيب من الاعتبار.
    وقالوا: يحتمل أنهم يموتون فيها والميت لا يحس ولا يتألم، فإذا المحكميقول: (إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحي)، ويقول: (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت)، فلم يبق لهذا الاحتمال نصيب منالاعتبار.
    وقالوا : يحتمل أنهم يتعودون حرها فلم يبق يؤلمهم لتعودهم عليه، فإذاالمحكم يقول: (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا)، ويقول: (إن عذابها كانغراماً)، والغرام: الملازم، ومنه جاء تسمية الغريم، ويقول المحكم: (فسوفيكون لزاما)، فلم يبق لهذا الاحتمال أيضاً نصيب من الاعتبار.
    قال شيخنا: فلم يبق إلا الاحتمال السادس، وهو أنها أبدية وعذابها لاينقطع، وقد جاء ذلك مبيناً في كتاب الله العزيز في خمسين موضعاً منه.
    فسردها لهم مرتبة بحسب ترتيب مصحف عثمان رضي الله عنه، وكأنها جاءت مسرودة في صفحة واحدة.
    قلت أنا الفودري سبحان الله سرد الشيخ رحمه الله خمسين آية في مسألةواحدة من أول القرآن إلى آخر القرآن وكأنها في صفحة واحدة بارك الله فيذاكرة العلماء وجعلني الله وإياكم ممن يتمتعون بذاكرة مثلهم
    وعند ذلك قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية، قال: آمنا بالله وصدقنا بما جاء في كتاب الله.
    فقال شيخنا على رحمة الله: وعلينا أن نجيب عن أدلة ابن القيم، وإلا تركناالمسلمين في حيرة، ولنجيبنَّ عليها بالكتاب تلاوة لا تأويلا، فنقول:
    أما آية النبأ، فلا دليل فيها لما يريد الاستدلال بها عليه، إذ غاية ماتفيده آية النبأ هذه، هو: أن أهل النار يمكثون أحقاباً من الزمن في نوع منالعذاب هو الحميم والغساق، ثم ينتقلون منه إلى آخر بدليل قوله تعالى في (ص): (هذا فليذوقوه حميم وغساق * وآخر من شكله أزواج)، ومعلوم أن عذاب أهلالنار أنواع، وخير ما يفسر به القرآن القرآن.

    وأما استدلاله ببيت الشعر فإن ما قاله يمكن اعتباره لولا أننا سمعنا اللهتعالى يقول في كتابه: إن وعيده لأهل النار لا يخلف، قال في (ق): (قال لاتختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد * ما يبدل القول لدي وما أنا بظلامللعبيد)، وقال أيضاً في نفس السورة: (كل كذب الرسل فحق وعيد).
    وأما سفسطة الدهريين التي ذكرها استطراداً، فقد تولى الله تعالى الجوابعنها في محكم تنزيله، وهو الذي يعلم المعدوم لو وجد كيف يكون، وقد علم فيسابق علمه أن الخُبث قد تأصل في أرومة هؤلاء الخبثاء بحيث إنهم لو عذبواالقدر من الزمن الذي عصوا الله فيه، ثم عادوا إلى الدنيا لعادوا لمايستوجبون به العذاب، لا يستطيعون غير ذلك، قال تعالى في سورة الأنعام: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربناونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوالما نهوا عنه وإنهم لكاذبون).
    فيبقى لدينا من أدلة ابن القيم آية هود، وهي قوله تعالى: (خالدين فيها مادامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد)، وحديث أبيداود وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على النار زمان تخفق أبوابهاوينبت في قعرها الجرجير)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فإنهما دليلانصالحان للاحتجاج بهما، فيجب علينا البحث والتنقيب عن وجه يمكن به الجمعبين الأدلة، لأن إعمال الدليلين أولى من طرح أحدهما كما هو مقرر في فنالأصول، قال في مراقي السعود:
    والجمع واجب متى ما أمكنا إلا فللأخير نسخ بينا
    إن عندنا أدلة على أن النار أبدية ولا ينقطع عذابها، وهذه الآية التي منسورة هود وهذا الحديث الحسن دليلان يفيدان أن النار تفنى، فما العمل؟.

    والجواب: أننا نرى إمكان الجمع بين هذه الأدلة، بحمل آية هود وحديث أبيداود على الدَّرك من النار المخصص لتطهير عصاة المسلمين، فإنه يخرج منهآخر من بقلبه مثقال ذرة من إيمان، ويخبو وتخفق أبوابه وينبت في قعرهالجرجير، أما دركات النار المعدة سجناً وعذاباً للكفار فهي أبدية وعذابهالا ينقطع.
    وهنا تنسج الأدلة الشرعية في بوتقة واحدة لا تعارض بينها، ولا يكذب بعضها بعضا، وبالله تعالى التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
    فقال سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ: (ياعبداللطيف ـ يعني أخاه المدير العام للمعاهد والكليات ـ الرجوع إلى الحقأولى من التمادي في الباطل، من الآن قرروا أن النار أبدية، وأن عذابها لاينقطع، وأن تلك الأدلة المراد بها الدرك من النار المخصص لتطهير عصاةالمسلمين)، وبالله تعالى التوفيق.
    تنبيه :
    وحيث إن سماحة المرحوم بإذن اللهالعلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل عبداللطيف آل الشيخ هو المرجع الأولللعلم ورعايته وإنه اقتنع بعد هذا المجلس بخلود عذاب أهل النار المشركينبالله وأمر بتقرير ذلك في البرامج التعليمية , فما كان يدور بخلدي أنه بقيمن يتشبث بهذا القول .
    رأس مال المسلم دينه فلا يخلفه في الرحال ولا يأتمن عليه الرجال .

  9. #9

    افتراضي رد: فناء النار




    دعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار

    يذكر المناوئون لابن تيمية رحمه الله مسألة فناء النار حين يذكرون المسائل المنتقدة عليه.
    ويجعلون القول بفناء النار هو قول ابن تيمية رحمه الله الذي لا يقول بغيره في هذه المسألة، يقول الحصني (ت - 829هـ) : (واعلم أنه مما انتقد عليه زعمه أن النار تفنى، وأن الله - تعالى - يفنيها، وأنه جعل لها أمداً تنتهي إليه، وتفنى، ويزول عذابها، وهو مطالب أين قال الله عزّ وجل وأين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصح عنه) (120).
    وذكر أن القول بفناء النار بعد أمد نزعة يهودية (121)، مستدلاً بقول الله تعالى: { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً}.
    وقال المناوئون عنه: إنه يتابع الجهمية في شطر معتقدهم، فالجهمية يقولون بفناء الجنة والنار، وأما ابن تيمية رحمه الله فهو يقول بفناء النار (122).
    وقالوا: إن القول بفناء النار كفر (123).
    وأشار ابن حجر (ت - 852هـ) إلى ميل ابن تيمية رحمه الله إلى القول بفناء النار، فبعد أن ذكر الأقوال في فناء النار عن ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله ذكر القول السابع الذي هو القول بفناء النار ثم قال بعد ذلك: (وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول السابع، ونصره بعدة أوجه من جهة النظر، وهو مذهب رديء مردود على قائله، وقد أطنب السبكي الكبير في بيان وهائه فأجاد) (124).
    ويقصد ابن حجر (ت - 852هـ) رحمه الله بهذا كتاب (الاعتبار ببقاء الجنة والنار) (125).


    المطلب الثاني
    مناقشة الدعوى

    اعلم - وفقك الله لطاعته - أن الناس بعد ابن تيمية رحمه الله من محبيه ومن مناوئيه قد اختلفوا في بيان موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال:
    الأول : القائلون بأنه يقول بفناء النار، وهذا قول عامة مناوئيه، وهو قول بعض من يوافقه في الاعتقاد، ويثني عليه في المسائل الأخرى (126)، وقد قال الصنف الثاني بهذا القول ومالوا إليه تأثراً بأقوال المناوئين، وقوة عرضهم للمسألة، وصاحب ذلك عدم بحث وتدقيق وتحقيق لهذه المسألة في كتب شيخ الإسلام في مظانها وغير مظانها.
    الثاني : القائلون بأنه لا يقول بفناء النار، وأنه يرى خلودها كالجنة؛ اعتماداً على أن هذا قول السلف، وهو يقول به؛ إذ هو يعد من أكبر شراح عقيدة السلف، هذا إضافة إلى اعتمادهم على نصوص من كتب ابن تيمية رحمه الله تثبت أبدية النار.
    وكذلك: عدم وقوفهم على نصوص أخرى تقابل هذه النصوص في أنه يرى فناء النار، ولو ذُكر لهم بعض النصوص المجملة المتشابهة لشككوا في دلالتها على المراد، أو في صحة نسبتها إلى ابن تيمية رحمه الله (127).
    الثالث : وقالت طائفة ثالثة بأن ابن تيمية رحمه الله يميل إلى القول بفناء النار، لكنه لا يصرح بذلك، وقالوا بهذا القول لما وقفوا على بعض أقوال له رحمه الله لا تنص على فناء النار، إلا أن مجمل الكلام يشعر بأنه يرتضي هذا القول، وإن لم يصرح به، مع وقوفهم على أقوال له أخرى تدل على أنه يرى أبدية النار، فخرجوا بهذا القول ويرون أنه وسط بين الأقوال وهو الحكم بميل ابن تيمية رحمه الله إلى القول بفناء النار (128).
    وسيركز البحث هنا على استقراء النصوص الواردة عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حول هذه المسألة من كتبه، سواء أكانت نصوصاً تشعر بالقول بفناء النار، أم النصوص الصريحة في عدم فناء النار، ثم دراسة دلالة هذه النصوص.
    وتنقسم هذه النصوص إلى قسمين:
    أ - نصوص يستدل بها القائلون بأنه يقول بفناء النار، أو يميل إلى القول به.
    ب - ونصوص يستدل بها القائلون بأن ابن تيمية رحمه الله يرى أبدية النار موافقاً بذلك أئمة المسلمين في القول الصواب في هذه المسألة.
    فأما القسم الأول من هذه النصوص: فمنها قوله رحمه الله: (لم أجد نقلاً مشهوراً عن أحد من الصحابة يخالف ذلك، بل أبو سعيد وأبو هريرة هما رويا حديث ذبح الموت، وأحاديث الشفاعة، وخروج أهل التوحيد، وغيرهما، قالا في فناء النار ماقالا) (129)، وقال رحمه الله: (لكن إذا انقضى أجلها، وفنيت كما تفنى الدنيا، لم يبق فيها عذاب) (130).
    وقال: (وحينئذ، فيحتج على فنائها بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة - مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب، ولا سنة، ولا أقوال الصحابة..) (131).
    وقال: (ليس في القرآن ما يدل على أنها تفنى، بل الذي يدل عليه ظاهر القرآن أنهم خالدون فيها أبداً...) (132).
    وقال - أيضاً -: (أحدها: أن الله أخبر ببقاء نعيم الجنة ودوامه، وأنه لا نفاد له ولا انقطاع في غير موضع من كتابه، كما أخبر أن أهل الجنة لا يخرجون منها، وأما النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك، بل أخبر أن أهلها لا يخرجون منها.
    الثاني : أنه أخبر بما يدل على أنه ليس بمؤبد في عدة آيات.
    الثالث : أن النار لم يذكر فيها شيء يدل على الدوام) (133).
    وقال - أيضاً -: (فإذا قدر عذاب لا آخر له، لم يكن هناك رحمة ألبته) (134).
    ويلاحظ في هذه النصوص أنها جميعاً منقولة من كتاب واحد فقط، وهو (الرد على من قال بفناء الجنة والنار)، ويلاحظ - أيضاً - من قراءة الكتاب أن ابن تيمية رحمه الله كان يظن صحة الآثار الواردة عن بعض السلف في فناء النار، ولذا حاول توجيه دلالة الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية إلى معنى الآثار التي ظن رحمه الله صحتها.
    وأما القسم الثاني من هذه النصوص: وهي التي وافق فيها ابن تيمية رحمه الله القول الصواب في المسألة، وهو القول بأبدية النار، وعدم فنائها فمنها (135):
    1 - حين سئل رحمه الله عن حديث فيه ذكر الأمور التي لا تفنى، أجاب بأن هذا من كلام بعض العلماء، وليس من كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم قال في نص صريح: (وقد اتفق سلف الأمة، وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم، ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار، والعرش وغير ذلك) (136)، فهذه حكاية للإجماع، واتفاق من إجماعه حجة، ولا يسوغ مخالفة هذا الاتفاق، ولذا قال رحمه الله في لاميته:
    والنار يصلاها الشقي بحكمة *** وكذا التقي إلى الجنان سيدخل (137)
    2 - حكى ابن حزم (ت - 456هـ) رحمه الله الإجماع على أن النار لا تفنى كالجنة، في قوله: (وأن النار حق، وأنها دار عذاب أبداً لا تفنى، ولا يفنى أهلها أبداً، بلا نهاية، وأنها أعدت لكل كافر مخالف لدين الإسلام، ولمن خالف الأنبياء السالفين قبل مبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليهم الصلاة والتسليم، وبلوغ خبره إليه) (138)، ولم يتعقبه ابن تيمية رحمه الله -، ولو كان يرى فناء النار لتعقبه، ونقده في كتابه (نقد مراتب الإجماع لابن حزم)، فلما لم يتعقبه دل ذلك بدلالة المفهوم أنه رحمه الله يرى ما يراه ابن حزم (ت - 456هـ) رحمه الله من القول بأبدية النار.
    3 - في مناقشة مسألة (التسلسل) ذكر أن التسلسل في المستقبل جائز عند جماهير المسلمين وغيرهم من أهل الملل، وغير أهل الملل، ثم قال: (فإن نعيم الجنة، وعذاب النار دائمان، مع تجدد الحوادث فيهما) (139)، فتقريره رحمه الله وجزمه بدوام عذاب أهل النار، كدوام نعيم أهل الجنة دليل على أنه يرى في النار من حيث الأبدية كما يرى في الجنة، وعقب على ذلك بتجدد الحوادث فيهما، واستمرارها إلى مالا نهاية.
    4 - ناقش رحمه الله المتكلمين القائلين بأن أجسام العالم تفنى حتى الجنة، والنار - أيضاً -، وحكم على هذا القول بأنه - بدعة باطلة باتفاق سلف الأمة وأئمتها، فقال: (وهذا الذي يذكره كثير من أهل الكلام الجهمية، ونحوه في الابتداء نظير ما يذكرونه في الانتهاء من أنه تفنى أجسام العالم حتى الجنة والنار، أو الحركات... وهذا الذي ابتدعه المتكلمون باطل باتفاق سلف الأمة وأئمتها) (140).
    5 - قرر رحمه الله أن القرآن الكريم قد أخبر ببقاء الجنة، وبقاء النار بقاءاً مطلقاً، يمتنع معه الفناء، وأما الذي لم يرد في القرآن فهو تفاصيل ما سيكون بعد استقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، قال رحمه الله: (ثم أخبر ببقاء الجنة والنار بقاءاً مطلقاً، ولم يخبرنا بتفصيل ما سيكون بعد ذلك..) (141).
    6 - نقل رحمه الله عن الأشعري (ت - 324هـ) الخلاف في أفعال الله هل لها آخر أم لا آخر لها؟ وقد ذكر الأشعري (ت - 324هـ) رحمه الله قول الجهمية في هذه المسألة وهو قولهم بأن لها آخراً، وهذا هو الذي بنوا عليه مذهبهم في أن الجنة والنار تفنيان، ويفنى أهلهما، حتى يبقى الله - سبحانه - آخراً لا شيء معه، ثم قال بعد ذلك:
    (وقال أهل الإسلام جميعاً: ليس للجنة والنار آخر، وإنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون، وأهل النار لا يزالون في النار يعذبون، وليس لذلك آخر) (142)، وقد نقل هذا النص ابن تيمية رحمه الله مقراً له ومؤيداً، ولم يتعقبه، أو يرد عليه فدل على أنه يرى ما يراه أهل الإسلام جميعاً (143).
    7 - نقل ابن تيمية رحمه الله عن ابن خفيف (144) رحمه الله من كتابه (اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات) (145) نقولاً كثيرة في الفتوى الحموية (146)، وقد نقل عنه مرتضياً كلامه قوله: (ونعتقد أن الله خلق الجنة والنار، وأنهما مخلوقتان للبقاء لا للفناء) (147).

    8 - نقل في تفسير قول الله عزّ وجل: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] قول الضحاك (148)- مرتضياً له - في أن كل شيء يهلك إلا الله والجنة والنار والعرش (149).
    9 - فرّق رحمه الله بين الكفار، وعصاة المؤمنين في المآل، فالكفار محلهم النار، ولا يخرجون منها، وأما عصاة المؤمنين فيدخلون النار، ثم يخرجون من النار، قال رحمه الله: (ومما يبين الفرق - أيضاً - أنه - سبحانه - قال هناك: { وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} [الأحزاب: 57] ، والعذاب إنما أعد للكافرين؛ فإن جهنم لهم خلقت؛ لأنهم لابد أن يدخلوها، وما هم منها بمخرجين، وأهل الكبائر من المؤمنين يجوز أن يدخلوها إذا غفر الله لهم، وإذا دخلوها فإنهم يخرجون منها ولو بعد حين، قال سبحانه: { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131] ، فأمر - سبحانه - المؤمنين أن لا يأكلوا الربا، وأن يتقوا الله، وأن يتقوا النار التي أعدت للكافرين، فعُلم أنهم يُخاف عليهم من دخول النار إذا أكلوا الربا وفعلوا المعاصي، مع أنها معدة للكافرين لا لهم) (150).
    10 - في تفسير قول الله تعالى: { وَيَتَجَنَّبُهَ ا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: 11 - 13] ، قسّم الصلي إلى قسمين: صلي خلود وهو صلي مطلق، وصلي مؤقت وهم الذين يدخلون النار ثم يخرجون منها.
    فقال رحمه الله: (وتحقيقه: أن الصلي هنا هو الصلي المطلق، وهو المكث فيها والخلود على وجه يصل العذاب إليهم دائماً.
    فأما من دخل وخرج فإنه نوع من الصلي، ليس هو الصلي المطلق) (151).
    وفي تفسير قوله تعالى: { لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَ ا الْأَتْقَى } [الليل: 15 - 17] ذكر قولين للمفسرين ارتضى قول: (لا يصلونها صلي خلود) قال: (وهذا أقرب) (152).
    فدل على أن غير المتقين من الكفار يصلونها صلي خلود دائم، يتجدد معه العذاب إلى ما لا نهاية.
    هذه النصوص تدل دلالة ظاهرة على أن ابن تيمية رحمه الله يقول بأبدية النار، واستمرار عذابها، ويبقى بعد عرض هذه النصوص، والنصوص التي قبلها تمييز القول الذي يمكن أن يُعد قولاً لابن تيمية رحمه الله في مسألة فناء النار أو أبديتها، ولترجيح أحد الأقوال على غيرها يمكن أن أضع بعض المقدمات والملاحظات التي تساعد في الترجيح:
    أولاً : أن جميع الأقوال التي استدل بها القائلون بأنه يرى فناء النار، إنما استندوا إلى كتاب واحد، وهو (الرد على من قال بفناء الجنة والنار)، ولم تكن المعلومات متوفرة عن الكتاب - سابقاً -، حتى ظن البعض أن الردود على ابن تيمية رحمه الله كانت ردوداً على ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله في (حادي الأرواح) (153)؛ ذلك أن ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله قد نقل أغلب كتاب ابن تيمية رحمه الله آنف الذكر في كتاب (حادي الأرواح)، إضافة إلى أن المطبوع من كتاب ابن تيمية رحمه الله لم يخل - أيضاً - من بعض الملحوظات - كما سيأتي -.
    وأما قول القائلين بأنه يقول بأبدية النار، فينقلون نصوصاً مبثوثة في أغلب كتب ابن تيمية رحمه الله كمنهاج السنة، ودرء تعارض العقل والنقل، وبيان تلبيس الجهمية، وغيرها، وهذا مظنة تأييده ونصرته لهذا القول، بخلاف القول الأول الذي لم تكن مادته إلا من كتاب واحد، قد يكون لتأليفه، وكتابته، ثم مخطوطاته، ومَن نَسخها ظروف قد تضعف من دلالة هذه النصوص - كما سيأتي -.
    ثانياً : أن النصوص التي يستدل بها القائلون بأن ابن تيمية رحمه الله يرى فناء النار مجملة، غير صريحة في أنه يرى فناء النار، أما النصوص التي يستدل بها القائلون بأنه يرى أبدية النار، فهي مبينة صريحة في أنه يرى أبديتها، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن المجمل مما في نصوص الكتاب والسنة يرد إلى المحكم، ولا يتعلق بالمتشابه والمجمل ويترك المحكم والمبين إلا أهل الزيغ والضلال كما قال تعالى: { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: 7] ويؤيد هذا القول حكايته اتفاق سلف الأمة، وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة على أبدية النار (154)، وهذا كافٍ في أنه يقول بهذا القول وينصره.
    ثالثاً : أن كتاب ابن تيمية رحمه الله الموجود (الرد على من قال بفناء الجنة والنار)، لم يخل من بعض الخروم - في نظري - ومن الملحوظات عليه ما يلي:
    أ - أن بداية الكتاب لم يفتتح بالبسملة والحمدلة، كغيره من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بل ابتدأ بكلام معطوف على ما قبله، وهو قوله: (وللناس في ذلك أقوال..) (155) ثم ذكرها.
    ب - أن المخطوط ابتدأ بذكر: (فصل في فناء الجنة والنار) (156)، وهذه قرينة على أن هذا ليس أول كلامه رحمه الله في الرسالة، خاصة وأن الاعتماد في الصفحات الأولى في الكتاب على نسخة واحدة، وهي المقطع الأول من نسخة دار الكتب المصرية (157).
    ج - تدخل النُسَّاخ في صلب الرسالة، فقالوا: (وقد تكلم الشيخ رحمه الله على الجهمية والهذيلية (158)... ورجح أدلة أهل السنة، وهدم شبه أهل البدعة، وأشار إلى بعض أدلة غلبة الرضا على الغضب..) (159)، وهذا كله ليس من كلام ابن تيمية رحمه الله -.
    د - أن ابن تيمية رحمه الله قال في الكتاب: (والفرق بين بقاء الجنة والنار: شرعاً وعقلاً، فأما شرعاً فمن وجوه) (160)، ثم ذكر ثمانية أوجه شرعية، ولم يذكر الأوجه العقلية، حيث انتهت نسخة المكتب الإسلامي، وأكمل من نسخة دار الكتب المصرية في موضوع آخر قد ذُكر في بداية الكتاب حين رد على الجهمية وهو آيات بقاء الجنة وقد ذكرها بحرف العطف على ما قبلها (وأما آيات بقاء الجنة) (161)، ولم يكن ما قبلها يصح أن يعطف عليه ما بعده، والله أعلم.
    هـ - أن الإمام الصنعاني (ت - 1182هـ) رحمه الله في رده على ابن تيمية رحمه الله ذكر بعض النصوص، والأحاديث التي لم ترد في الكتاب المطبوع، وهي النصوص التي فيها تغليب جانب الرحمة، قال الصنعاني (ت - 1182هـ) رحمه الله: (ثم استدل شيخ الإسلام على سعة رحمة الله - تعالى -، وأنها أدركت أقواماً ما فعلوا خيراً، وساق أحاديث دالة على أن الرحمة أدركت من كان من عصاة الموحدين..) (162) وقد نقلت كلام النُسّاخ لكتاب ابن تيمية رحمه الله في ذكرهم أن ابن تيمية رحمه الله أشار إلى بعض أدلة غلبة الرضا على الغضب (163).
    وقد ذكر الصنعاني (ت - 1182هـ) رحمه الله بعض الأدلة التي استدل بها ابن تيمية رحمه الله ومنها حديث الرجل الذي أوصى أهله أن يحرقوه إذا مات (164)، وأحاديث أخرى (165)، ولم يرد ذكر هذه الأحاديث في الكتاب المطبوع.
    رابعاً : أن كتاب ابن تيمية رحمه الله لا يدل على أنه يقول بفناء النار، وذلك لأمور:
    1 - أن ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله تعالى - وهو الذي نقل أغلب أجزاء كتاب ابن تيمية رحمه الله في كتاب (حادي الأرواح)، وهو يرتضي ما يقول به، لم يصرح بالقول بفناء النار، إنما اكتفى بذكر قول الله - تعالى -: { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] ، ولو كان قال ابن تيمية رحمه الله غير ذلك لقاله، أو لناقشه ورد عليه، لكنه لم يفعل، فصار ذلك قرينة على أن ابن تيمية رحمه الله لم يصرح بالقول بفناء النار في هذا الكتاب.
    2 - أن الكتاب قائم على حكاية قول القائلين بفناء النار على هيئة مناظرة وحوار، فذكر أدلة الطائفتين، وحين ذكر أدلة القائلين بفناء النار عرضها عرضاً يوحي بأنه منهم، ويستند هذا التعليل إلى أمور منها:
    أ - أن ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله حين ذكر أدلة القائلين بأبدية النار ودوامها وبدأ مناقشة هذه الأدلة، صرّح بأنه يحكي هذا القول فقال: (قال أصحاب الفناء: الكلام على هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسألة) (166).
    وحين انتهى من ذكر مناقشاتهم قال: (فهذا نهاية أقدام الفريقين في هذه المسألة) (167).
    ب - أن ابن تيمية رحمه الله ذكر في أبدية النار اتفاق سلف الأمة، وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة على هذا، ولا يسع ابن تيمية رحمه الله وأمثاله أن يخالف هذا الاتفاق، ولا سيما أنه حكى قول القائلين بالفناء بأنه يحتج على فناء النار بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب ولا سنة، ولا أقوال الصحابة (168)، فكيف يحكي الاتفاق والإجماع على مسألة، ويركز عليها في كتبه المتعددة. ثم هو يقول بهذا النص، لا شك أن هذا النص هو حكاية لقول القائلين بالفناء لا أنه يرتضيه.
    ج - يتفق ابن تيمية رحمه الله وابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله أنهما حكيا قول القائلين بالفناء، وذلك؛ لأن ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله نقل أغلب كلام ابن تيمية رحمه الله الذي ذكره في كتابه (الرد على من قال بفناء الجنة والنار)، وذلك بعدما سأل ابن القيم (ت - 761هـ) شيخه ابن تيمية رحمه الله عن هذه المسألة (169)، ثم يجمعهما - أيضاً - أنهما قالا بقول أهل السنة والجماعة في أبدية النار في مواضع متعددة من كتبهما.
    أما ابن تيمية رحمه الله فقد ذكرت في هذا المبحث ما وقفت عليه من كلامه الصريح في أبدية النار، وأما ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله فهو - أيضاً - له كلام صريح في أبدية النار في بعض كتبه، فقد قال رحمه الله: (وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب، ودار الخبيثين، فالله - تعالى - يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء لتراكب بعضه على بعض، ثم يجعله في جهنم مع أهله، فليس فيها إلا خبيث، ولما كان الناس على ثلاث طبقات:
    طيب لا يشوبه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، كانت دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان. ودار لمن معه خبث وطيب، وهي الدار التي تفنى، وهي دار العصاة، فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد) (170).
    ونقل ابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله عقيدة ابن الحداد (171) رحمه الله وفيها (الجنة حق والنار حق وأنهما مخلوقتان لا يبيدان ولا يفنيان) (172)، وقد أقره على ذلك ووافقه (173).
    خامساً : مما يدل على أن ابن تيمية رحمه الله وابن القيم (ت - 751هـ) رحمه الله لم يقولا بفناء النار أنه لم ينقل أحد من تلامذتهما عنهما هذا القول، ولم يقل به أحد منهم، وتلاميذهما علماء محققون وهم كُثُر، ومن الأمثلة على ذلك أن الإمام الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله لما ذكر سيرة ابن برهان (174)، وهو من القائلين بفناء النار من علماء القرن الخامس (175)، ردّ عليه وقال: قلت: (حجته في خروج الكفار هو مفهوم العدد من قوله: { لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً } [النبأ: 23] ، ولا يتفق ذلك لعموم قوله: { وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 167] ولقوله: { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً } [النساء: 169] إلى غير ذلك) ثم ذكر أنه أفرد بحث هذه المسألة في جزء (176).
    وكذلك الحافظ ابن كثير (ت - 774هـ) رحمه الله لما ذكر في ترجمة ابن برهان (ت - 456هـ) قوله بفناء النار، نقل كلاماً لابن الجوزي (ت - 597هـ) مرتضياً له في أن القول بهذا يخالف اعتقاد المسلمين (177).
    وقال الحافظ ابن رجب (ت - 795هـ) رحمه الله: (وعذاب الكفار في النار لا يفتر عنهم، ولا ينقطع، ولا يخفف بل هو متواصل أبداً) (178).
    وقال: (ولا يزال أهل جهنم في رجاء الفرج إلى أن يذبح الموت، فحينئذ يقع منهم الإياس، وتعظم عليهم الحسرة والحزن) (179).
    وفي مقابل ذلك لم نجد من التلامذة من يذكر قولاً لابن تيمية رحمه الله في فناء النار، ولا رداً عليه في أي من كتبهم.
    سادساً : على التسليم بأن كتاب ابن تيمية رحمه الله (الرد على من قال بفناء الجنة والنار) فيه تأييد ونصرة للقول بفناء النار، فإن الذي يغلب على ظني وتقديري أن هذا الكتاب ليس من آخر ما كتب ابن تيمية رحمه الله -، فإن الكتب المتأخرة هي التي ذكر فيها ابن تيمية رحمه الله أبدية النار، فدرء تعارض العقل والنقل، تم تأليفه في السنوات من عام 713هـ إلى عام 717هـ (180)، وكتاب (منهاج السنة النبوية) كان تأليفه عام 710هـ تقريباً (181)، وفي تأريخ قريب منه كتاب (بيان تلبيس الجهمية) فقد أُلف هذان الكتابان مع غيرهما في مصر من عام (705 - 712هـ) (182)، وهذه الكتب قد ذكر فيها ابن تيمية رحمه الله القول بأبدية النار، وصرح بوضوح برأيه في هذه المسألة، وتعد هذه الكتب من مؤلفات ابن تيمية رحمه الله المتأخرة؛ فقد بدأ التأليف في مرحلة مبكرة، أي - تقريباً - قبل تأليف (درء تعارض العقل والنقل) بثلاثين سنة فأكثر، كما يقول ابن تيمية رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل: (وقد كنا صنفنا في فساد هذا الكلام مصنفاً قديماً من نحو ثلاثين سنة) (183)؛ ولذا فالغالب على الظن أن تكون الكتب التي يصرح فيها بأبدية النار هي المتأخرة زمناً، إذ هي من أواخر مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -، وأما الكتاب الذي يحوي في طياته ألفاظاً مجملة عن الموضوع فالذي يغلب على الظن أنه قد تم تأليفه في مرحلة مبكرة من وقت ابن تيمية رحمه الله الطويل الذي قضاه في التأليف (184)، وهذا قول بعض المحققين (185).
    وفي الجملة فالذي يترجح لدي - والله أعلم - أن ابن تيمية رحمه الله يقول بما قال به سلف الأمة، وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة من أن النار لا تفنى ولا تبيد كالجنة، وهذا هو الذي يصرح به في عامة كتبه والله أعلم وأحكم.
    وإذا كان هذا هو قول ابن تيمية رحمه الله -، فلست في حاجة - بعد ذلك - أن أبين أقوال المعتذرين لابن تيمية رحمه الله عن مقالاته التي يظنون أنه بها يقول بفناء النار، أو مناقشة أقوال المكفرين له (186)؛ لأجل قوله بهذه المسألة (187)، والله أعلم.


    ( نقلا عن كتاب " دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية " للدكتور عبدالله الغصن - وفقه الله ، طبع دار ابن الجوزي بالدمام ، ومن أراد الهوامش فعليه بالكتاب .. ).


  10. #10
    تاريخ التسجيل
    May 2011
    المشاركات
    24

    افتراضي رد: فناء النار

    جزاك الله خيراً

  11. #11

    افتراضي رد: فناء النار

    الرابع: أن النار قيدها بقوله: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً}، وقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}، وقوله: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، فهذه ثلاث آيات تقتضي قضية مؤقتة، أو معلقة على شرط، وذاك (يعنى دوام الجنة) دائم مطلق، ليس بمؤقت ولا معلق.
    (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ )
    [هود : 108]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •