لعـل في هذا النقل توضيح جيد للمسألة :
يقول ابن نجيم الحنفي نقلاً عن الشيخ قاسم في " شرح الدرر " ما نصه : ( وأما ا لنذر الذي ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد ، كأن يكون للإنسان غائب ، أو مريض ، أو له حاجة ضرورية ، فيأتي بعض الصلحاء فيجعل سترة على رأسه فيقول : يـا سيدي فلان ، إن رُد غائبي ، أو عوفي مريضي ، أو قضيت حاجتي ، فلك من الذهب كذا ، أو من الفضة كذا ، أو من الطعام كذا ، أو من الماء كذا ، أو من الشمع كذا ، أو من الزيت كذا ، فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه :
منها : أنه نذر لمخلوق ، وهو لا يجوز لأنه عبادة ، والعبادة لا تكون للمخلوق ، ومنها : أن المنذور له ميت والميت لا يملك ، ومنها : أن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى ، فاعتقاد ه ذلك كفـر .
اللهم إلا إن قال : يا الله إني نذرت لك إن شفيت مريضي ، أو رددت غائبي أن أُطعم الفقراء الذين بباب السيدة نفيسة ، أو الفقراء الذين بباب الإمام الشافعي ، أو الإمام الليث ، او أشتري حُصراً لمساجدهم ، أو زيتاً لوقودها ، أو درهم لمن يقوم بشعائرها ، إلى غير ذلك مما يكون نفع للفقراء ، والنذر لله ، وذِكرُ الشيخ إنما هو محل لصرف النذر لمستحقيه ، القاطنين برباطه أو مسجده ، او جامعه ، فيجوز بهذا الاعتبار ، إذ مصرف النذر الفقراء ، وقد وجد المصرف ، ولا يجوز أن يصرف ذلك لغني غير محتاج ، ولا لشريف ذي منصب ، لأنه لا يحل له الأخذ ما لم يكن محتاجاً فقيراً ، ولا لذي النسب لأجل نسبه ما لم يكن فقيراً ، ولا لـذي علم لأجل علمه ما لم يكن فقيراً ، ولم يثبت في الشرع جواز الصرف للأغنياء للإجماع على حرمة النذر للمخلوق ، ولا ينعقد ولا تشغل الذمة به ، ولأنه حرام بل سُحت ولا يجوز لخادم القبر أخذه ولا أكله ولا التصرف فيه بوجه من الوجه ، إلا أن يكون فقيراً ، أو له عيال فقراء ، وهم مضطرون فيأخذنه على سبيل الصدقة المبتدأة ، فأخذه أيضاً مكروه ما لم يقصد الناذر التقرب إلى الله تعالى ، وصرفه إلى الفقراء بقطع النظر عن نذر الشيخ .
فإذا علم هذا فما يؤخذ من الدراهم وغيرها وتنقل إلى أضرحة الأولياء تقرباً إليهم حرام بإجماع المسلمين ، ما لم يقصدوا صرفه للفقراء الأحياء قولاً واحداً ) إهـ البحر الرائق (2 /321 ) للإمام ابن نجيم الحنفي .