الحمد لله الداعي إلى بابه ، الموفق من شاء لصوابه ، أنعم بإنزال كتابه ، يشتمل على مُحْكَم ومتشابه ، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ، وأما الراسخون في العلم فيقولون آمنا به ، أحمده على الهدى وتيسير أسبابه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من عقابه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل الناس عملا في ذهابه وإيابه ، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر أفضل أصحابه ، وعلى عمر الذي أعز الله به الدين واستقامت الدنيا به ، وعلى عثمان شهيد داره ومحرابه ، وعلى علي المشهور بحل المشكِل من العلوم وكشف نقابه ، وعلى آله وأصحابه ومن كان أولى به ، وسلم تسليما .
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فقد عرف ابن حجر رحمه الله الصحابي في كتابه الاصابة بقوله
وأصح ما وقفت عليه من ذلك [ أن ] الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم | مؤمنا به ، ومات على الإسلام ؛ فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ، ومن روى عنه أو لم يرو ، ومن غزا معه أو لم يغز ، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ، | ومن لم يره لعارض كالعمى . ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافرا ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى . وقولنا : ' به ' يخرج من لقيه مؤمنا بغيره ، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة . وهل يدخل من لقيه منهم وآمن بأنه سيبعث أو لا يدخل ؟ محل احتمال . ومن هؤلاء بحيرا الراهب ونظراؤه . ويدخل في قولنا : ' مؤمنا به ' كل مكلف من الجن والإنس ؛ فحينئذ يتعين ذكر من حفظ ذكره من الجن الذين آمنوا به بالشرط المذكور ، وأما إنكار ابن الأثير على أبي موسى تخريجه لبعض الجن الذين عرفوا في كتاب الصحابة فليس بمنكر لما ذكرته . وقد قال ابن حزم في كتاب الأقضية من المحلى : من ادعى الإجماع فقد كذب على الأمة ؛ فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفرا من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فهم صحابة فضلاء ؛ فمن أين للمدعي إجماع أولئك ؟ وهذا الذي ذكره في مسألة الإجماع لا نوافقه عليه ؛ وإنما أردت نقل كلامه في كونهم صحابة . وهل تدخل الملائكة ؟ محل نظر ؛ قد قال بعضهم : إن ذلك ينبني على أنه هل كان | مبعوثا إليهم أو لا ؟ وقد نقل الإمام فخر الدين في أسرار التنزيل الإجماع على أنه صلى الله عليه وسلم
لم يكن مرسلا إلى الملائكة . ونوزع في هذا النقل ؛ بل رجح الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان مرسلا إليهم . واحتج بأشياء يطول شرحها . وفي صحة بناء | هذه المسألة على هذا الأصل نظر لا يخفى . وخرج بقولنا : ' ومات على الإسلام ' من لقيه مؤمنا به ثم ارتد ، ومات على ردته والعياذ بالله . وقد وجد من ذلك عدد يسير ؛ كعبيد الله بن جحش الذي كان زوج أم حبيبة ؛ فإنه أسلم معها ، وهاجر إلى الحبشة ، فتنصر هو ومات على نصرانيته . وكعبد الله بن خطل الذي قتل وهو متعلق بأستار الكعبة ، وكربيعة بن أمية ابن خلف على ما سأشرح خبره في ترجمته في القسم الرابع من حرف الراء . ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت ، سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلم مرة أخرى أم لا ؛ وهذا هو الصحيح المعتمد . والشق الأول لا خلاف في دخوله وأبدى بعضهم في الشق الثاني احتمالا ؛ وهومردود لإطباق أهل الحديث على عد الأشعث بن قيس في الصحابة ، وعلى تخريجأحاديثه في الصحاح والمسانيد ؛ وهو ممن ارتد ثم عاد إلى الإسلام في خلافة أبي بكر . وهذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين ؛ كالبخاري ، وشيخه أحمد ابن حنبل ، ومن تبعهما ؛ ووراء ذلك أقوال أخرى شاذة : كقول من قال : لا يعد صحابيا إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة : من طالت مجالسته ، أو حفظت روايته ، أو ضبط أنه غزا معه ، أو استشهد بين يديه ؛ وكذا من اشترط في صحة الصحبة بلوغ الحلم ، أو المجالسة ولو قصرت . وأطلق جماعة أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحابي . وهو محمول على من بلغ سن التمييز ؛ إذ من لم يميز لا تصح نسبة الرؤية إليه . نعم يصدق إن النبي صلى الله عليه وسلم رآه فيكون صحابيا من هذه الحيثية ، ومن حيث الرواية يكون تابعيا ؛
وهل يدخل من رآه ميتا قبل أن يدفن كما وقع ذلك لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر ؟إن صح محل نظر . والراجح عدم الدخول . ومما جاء عن الأئمة من الأقوال المجملة في الصفة التي يعرف بها كون الرجل صحابيا وإن لم يرد التنصيص على ذلك - ما أورده ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق لا بأس به ، أنهم كانوا في الفتوح لا يؤمرون إلا | الصحابة . وقول ابن عبد البر : لم يبق بمكة ولا الطائف أحد في سنة عشر إلا أسلم ، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع . ومثل ذلك قول بعضهم في الأوس والخزرج : إنه لم يبق منهم في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا من دخل في الإسلام ، وما مات النبي صلى الله عليه وسلم وأحد منهم يظهر الكفر . والله أعلم . ( الفصل الثاني في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيا ) وذلك بأشياء : أولها أن يثبت بطريق التواتر أنه صحابي ، ثم بالاستفاضة والشهرة ، ثم بأن يروى عن آحاد من الصحابة أن فلانا له صحبة مثلا ؛ وكذا عن آحاد التابعين ، بناء على قبول التزكية من واحد ؛ وهو الراجح ثم بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة : أنا صحابي . أما الشرط الأول - وهو العدالة - فجزم به الآمدي وغيره ؛ لأن قوله قبل أن تثبت عدالته : أنا صحابي أو ما يقوم مقام ذلك - يلزم من قبو قوله إثبات عدالته ؛ لأن الصحابة كلهم عدول ، فيصير بمنزلة قول القائل : أنا عدل ؛ وذلك لا يقبل
هذا وثصلى الله وسلم على محمد وعلى اله وصحبه اجمعين والتابعين لهم باحسان
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوكم ابو عبدالرحمن عبدالله الاثري المغربي