مسألة: هل يعتبر بخلاف الظاهرية في الإجماع؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على خمسة أقوال ذكرها الزركشي في البحر المحيط (6/424) وملخصها:
الأول:
ـ ذهب قوم منهم القاضي أبو بكر, والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني (ت 316 هـ), ونسبه إلى الجمهور: أنه لا يعتد بخلاف من أنكر القياس في الحوادث الشرعية.
نقل هذا القول عن أبي إسحاق: ابن الصلاح في فتاويه (2/750)، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات(1 /182 ، 183)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (13/ 104)، وابن كثير في طبقات الفقهاء الشافعيين (1\ 172)، والزركشي في البحر المحيط (6/424)، وابن السبكي في الطبقات الكبرى (2 / 289)، والصفدي في الوافي بالوفيات (13 / 297)
ـ وتابع هذا القول إمام الحرمين ( ت 478 هـ ) كما في البرهان ، 2 \ 819 - في مبحث مسالك العلة - ، وانظر : فيض القدير للمناوي 6 \ 226 .
قال إمام الحرمين الجويني: " المحققون لا يقيمون لخلاف الظاهرية وزنا; لأن معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد, ولا تفي النصوص بعشر معشارها . وقال في كتاب اللعان : إن قول داود بإجزاء الرقبة المعيبة في الكفارة نقل الشافعي - رحمه الله تعالى - الإجماع على خلافه . قال: وعندي أن الشافعي لو عاصر داود لما عده من العلماء" انتهى.
وقد اعترض ابن الرفعة على إطلاق إمام الحرمين بأن القاضي الحسين نقل عن الشافعي - رضي الله عنه - أنه قال في الكتابة: لا أمتنع من كتابة العبد عند جمع القوة والأمانة, وإنما أستحب الخروج من الخلاف, فإن داود أوجب كتابة من جمع بين القوة والأمانة, وداود من أهل الظاهر, وقد أقام الشافعي لخلافه وزنا, واستحب كتابة من ذكره لأجل خلافه. ا هـ .
وهذا وهم عجيب من ابن الرفعة; لأن داود إنما ولد قبل وفاة الشافعي بسنتين; لأنه ولد سنة اثنتين ومئتين, ولا يمكن أن يقال: اعتبر الشافعي خلافه, فغلط ابن الرفعة لأجل فهمه أن هذه الجملة من كلام الشافعي, وليس كذلك وإنما استحب هو, بفتح الحاء, وهو من كلام القاضي الحسين والمستحب هو القاضي الحسين, لكنه علله بتعليل غير صحيح لما ذكرناه. نعم, أوجبها قبل غير داود, فالمراد الخلاف الذي عليه داود لا خصوص داود.
على أنه قد قيل: إن كلام القاضي الحسين مستقيم, والجملة من قول الشافعي, وليس المراد صاحب الظاهر, بل المراد به داود بن عبد الرحمن العطار شيخ الشافعي بمكة, الذي قال فيه الشافعي: ما رأيت أورع منه, ولعله الذي نقل عنه الشافعي وجوب العقيقة, فإن الشافعي قال كما حكاه عنه الإمام في " النهاية ": في باب العقيقة أفرط في العقيقة رجلان, رجل قال بوجوبها, وهو داود, ورجل قال ببدعتها وهو أبو حنيفة, وكلام القاضي الحسين في التعليق لا يقتضي أن يكون هو داود الظاهري; لأنه نقل عن الشافعي أنه قال: أستحب كتابة من جمع بين القوة والأمانة للخروج من الخلاف, فإن داود يوجب كتابة من جمع بين القوة والأمانة, ولم يقل داود الظاهري كما نقله ابن الرفعة.
ـ والغزالي ( ت 505 هـ ) كما في البحر المحيط (6/424)، حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 2 \ 242 ., قالوا; لأن من أنكره لا يعرف طرق الاجتهاد, وإنما هو متمسك بالظواهر, فهو كالعامي الذي لا معرفة له,
ـ وحكاه الأستاذ أبو منصور عن أبي علي بن أبي هريرة ( ت 345 هـ ) وطائفة من أقرانه نقله عنه ابن الصلاح في فتاويه (1/207)، والنووي في تهذيب الأسماء (1 / 183)، والذهبي في ( السير (13 \ 104).
ـ وبه قال النووي ( ت 676 هـ ) حيث جزم بعدم الاعتداد بقولهم.
قال في باب السواك في شرح مسلم (3/142): " إن مخالفة داود لا تقدح في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه المحققون الأكثرون " انتهى. وانظر المجموع (9/291).
ونقله عنه السيوطي في ( تدريب الراوي 2 \ 192 )، وذكر ابن كثير في حوادث ( سنة 763 هـ ) رؤيا رآها للنووي سأله فيها عن عدم إدخاله شيئا من مصنفات ابن حزم في ( شرح المهذب ) له . راجع ( البداية والنهاية 18 \ 350 ) .
ـ ورجح هذا القول صلاح الدين الصفدي ( ت 826 هـ ) الوافي بالوفيات ، للصفدي (13/297، 298) .
ـ وولي الله العراقي ( ت 826 هـ ) كما في طرح التثريب شرح التقريب، 2 \ 37 .
ـ ونقله أبو منصور البغدادي ( ت 429 هـ ) عن طائفة من متأخري الشافعيين، كما ذكر ذلك ابن الصلاح في فتاويه (1/207)، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات(1 \ 183)، والذهبي في ( سير أعلام النبلاء (13 \ 104) ، والزركشي في البحر المحيط (6/424)، وابن كثير في ( طبقات الفقهاء الشافعيين 1 \
ـ وكذا قال أبو بكر الرازي من الحنفية : " لا يعتد بخلافهم, ولا يؤنس بوفاقهم" انتهى.
ـ وبه قال أبو العباس بن سريج (ت 306 هـ) كما في كتاب: (المحمدون من الشعراء للقفطي 2 \ 427).
ـ وقال بدر الدين الزركشي (ت 794 هـ) (4) : (( ولم يعدهم المحققون من أحزاب الفقهاء . . . وأخرجوهم من أهل الحل والعقد )) .
ـ وحكاه ابن دقيق العيد (ت 702 هـ) في الإمام شرح الإلمام، 1 \ 413.
ـ والصنعاني (ت 1182 هـ) كما في كتاب العدة، 1 \ 131.
عن بعض الناس .
ـ وأبو الحسن الكرخي (ت 340 هـ) في (الفصول في الأصول 3 \ 297 ط: الكويت).
ـ وأبو بكر الجصاص الرازي (ت 370 هـ) فقال في مقدمة كتابه (أحكام القرآن): (لو تكلم داود في مسألة حادثة في عصره، وخالف فيها بعض أهل زمانه لم يكن خلافا عليهم)) ا. هـ، ونحوه قال في كتابه (الفصول في الأصول 3 \ 296).
ـ والحموي (ت 1098 هـ) في غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر، 3 \ 299.
ـ وابن عابدين (ت 1252 هـ)كما في حاشيتة 6 \ 99) وفيه أن خلاف الظاهرية لا ينقض إجماع الفقهاء. وانظر: تيسير التحرير لأمير بادشاه 4 \ 222.
ـ ومن المالكية: القاضي أبو بكر الباقلاني (ت 403 هـ).
نقله ابن الصلاح في الفتاوى (1/207)، والقرطبي في (المفهم 1 \ 543)، والزركشي في البحر المحيط (6/424)، وابن السبكي في الطبقات الكبرى (2 / 289).
ـ وابن بطال (ت 449 هـ) شرح صحيح البخاري، لابن بطال 1 \ 352.
ـ والقاضي أبو بكر ابن العربي (ت 543هـ) كما في العواصم من القواصم، ص 257، وعارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي 10 \ 108.
ـ والدردير (ت 1201 هـ) كما في بلغة السالك لأقرب المسالك، 2 \ 389.
ـ وعُلَيْش (ت 1299 هـ) كما في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، 1 \ 101،96.
ـ القاضي عياض، حتى عد مذهب داود الظاهري بدعة.
انظر: (المعيار المعرب 2 \ 491) وفيه أن (القاضي عياضا) نقل عن بعض العلماء أن مذهب داود بدعة ظهرت بعد المائتين.
أدلة هذا القول:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة متعددة، بعبارات مختلفة، وسأسوق بعضا منها:
- أن أهل الظاهر ليسوا من العلماء ولا من الفقهاء، بل هم من جملة العوام الذين لا يعتد بخلافهم. وهو المنقول هنا في المفهم عن القاضي أبي بكر.
انظر: الفصول في الأصول 3 \ 296 ، سير أعلام النبلاء (13 \ 104).
- أن معظم الشريعة صدر عن الاجتهاد، والنصوص لا تفي بالعشر من معشار الشريعة، فبإنكارهم القياس والاجتهاد يكونون ملتحقين بالعوام، وكيف يدعون الاجتهاد، ولا اجتهاد عندهم ، وإنما غاية التصرف التردد على ظواهر الألفاظ.
انظر: البرهان للجويني 2 \ 818
- أن من أنكر القياس لا يعرف طرق الاجتهاد، وإنما هو متمسك بالظواهر، فهو كالعامي الذي لا معرفة له.
انظر: البحر المحيط (6/424) .
- أنهم لا يعتد بخلافهم لأنهم من جملة العوام، وأن من اعتد بخلافهم فإنما ذلك لأن مذهبه أنه يعتبر خلاف العوام في انعقاد الإجماع، والحق خلافه.
انظر: البحر المحيط(6/424)، وهو مذكور في المفهم هنا أيضا.
- ولأنهم في الشرعيات كالسوفسطائية في العقليات.
انظر: البحر المحيط (6/424).
- أن منكري القياس من الظاهرية ليسوا من علماء الأمة؛ لأنهم مباهتون على عنادهم فيما ثبت استفاضةً وتواترا، ومن لم يزعه التواتر، ولم يحتفل بمخالفته لم يوثق بقوله ومذهبه.
انظر: البرهان للجويني 2 \ 818 .
- أنهم كالشيعة في الفروع، ولا يلتفت إلى أقوالهم، ولا ينصب معهم الخلاف، ولا يعتنى بتحصيل كتبهم، ولا يدل مستفت من العامة عليهم.
انظر: سير أعلام النبلاء (13 \ 104) .
- أنهم لم يبلغوا رتبة الاجتهاد، ولا يعتبر في الإجماع إلا خلاف من له أهلية النظر والاجتهاد.
قاله أبو إسحاق الإسفراييني [ نقله عنه ابن الصلاح في فتاويه (1/207) ، وسير أعلام النبلاء (13 \ 105)، وطبقات الشافعية الكبرى 2 \ 289 ]
ـ بالغ بعضهم فلم يعدوا الظاهرية من العلماء والفقهاء.
قاله أبو بكر الباقلاني كما نقله عنه أبو العباس القرطبي هنا في المفهم، وابن السبكي في الطبقات الكبرى (2 / 289).
- أنهم لما أحدثوا قواعد تخالف الأولين، أفضت إلى المناقضة لمجلس الشريعة، فلم يعتبر خلافهم.
انظر: البحر المحيط ، لبدر الدين الزركشي (6/424).
- أنهم لما اجترءوا على دعوى أنهم على الحق ، وأن غيرهم على الباطل أخرجهم أهل العلم من أهل الحل والعقد.
انظر: البحر المحيط ، لبدر الدين الزركشي (6/424).
- أنه قد دل الدليل القاطع على أصل القياس، وهو لا يحتمل المنازعة فيه لظهوره.
وقد نازع الظاهرية فيه .
وهذه المنازعة الظاهر أنها عناد، والمعاند في الحق لا عبرة بقوله، وهذا ظاهر .
وإن لم تكن عنادا - كما هو الظنون بذوي الحجى - ، فقد نفوا ما ثبت بالدليل القاطع باجتهاد، قصاراه إفادة الظن الذي لا يعارض القطع الظاهر.
انظر: الوافي بالوفيات، للصفدي (13/298).
ـ أن الاجتهاد الواقع على خلاف الدليل القاطع كاجتهاد من ليس من أهل الاجتهاد في إنزالهما بمنزلة ما لا يعتد به، وينقض الحكم به.
انظر: فتاوى ابن الصلاح (1/207).
- أن من أنصف لنفسه علم أن النصوص التي أخذت منها الأحكام لا تفي بعشر معشار الحوادث التي لا نهاية لها، فما الذي يقوله الظاهري في غير المنصوص إذا أتاه عامي وسأله عن حادثة لا نص فيها ، أيحكم فيها بشيء أم يدع العامي وجهله ؟
لا قائل من المسلمين بالثاني ؛ أعني أنا ندع العامي يخبط في دينه ، وإن حكم فيها - والواقع أن لا نص - ؛ فإما أن يقيس ، أو يخترع من نفسه حكما يلزم الناس الأخذ به .
إن اخترع من عند نفسه ونسبه إلى الحكم الشرعي كان كاذبا على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإلا كان ملزما للناس بفلتات لسانه، فما بقي إلا أنه لا يخترعه من عند نفسه ويقيسه على الصور المنصوص عليها.
والظاهري لا يقول بذلك، فعاد الأمر إلى أنه إما أن يدع العامي يخبط في دينه بما لم ينزل الله به سلطانا، أو يكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أو يلزم الناس بهفواته، والثلاثة لا يقولها ذو لب -معاذ الله-
انظر: الوافي بالوفيات، للصفدي (13/298).
- أن داود ينفي حجج العقول ... فمن كان هذا مقدار عقله ومبلغ علمه كيف يجوز أن يعد من أهل العلم وممن يعتد بخلافه ...
انظر: الفصول في الأصول، للجصاص 3 \ 296.
- أنهم قد أخذوا هذا القول -نفي القياس- عن النظام من المعتزلة، وقد كفره جمع من أهل العلم.
انظر: فقه أهل العراق وحديثهم، للكوثري ص 17 .
مما سبق من تعليلات القائلين بعدم الاحتجاج بخلاف الظاهرية يتبين أنهم يدورون حول معنى واحد وإن اختلفت العبارات، وهو:
أن الظاهرية عندما أنكروا القياس خرجوا عن دائرة العلم، وأهله [ وصاروا في دائرة العوام، أو الجهال، أو المبتدعة، أو المباهتين - بحسب اختلاف العبارات - ] وهؤلاء لا يصح الاحتجاج بهم في الإجماع، ولا يقدح خلافهم فيه.
ونلخص السبب في ذلك - مما تقدم – في ثلاثة أمور:
أ - أن النصوص الشرعية لا تفي بجميع الأحكام الشرعية، ولا بد من القياس لإظهار الأحكام الشرعية، فكان العمل بمذهب الظاهرية تعطيلا للشريعة .
ب - أن الظاهرية وافقهم في قولهم هذا كثير من أهل البدع.
ج - أن القياس قد دل عليه ( الدليل القاطع ) فإنكارهم له إنكار لأمر معلوم من الدين بالضرورة ، فخالفوا صريح العقول ، وصحيح المنقول.
رد الظاهرية ومن وافقهم على ماذكر:
أما الأمر الأول؛ وهو أن النصوص الشرعية لا تفي بجميع الأحكام الشرعية ، ولا بد من القياس لإظهار الأحكام الشرعية .
فلا يسلم ذلك - عندهم - فإن في القرآن والسنة بيانا لجميع الأحكام الشرعية إما بطريق المنطوق أو المفهوم أو غيرها من دلائل الألفاظ ووسائل الاستنباط غير القياس ، ويدل على ذلك عموم قول الله تعالى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ }، وقوله تعالى : { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ }.
وقال ص 118: " كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة نعلمه والحمد لله ، حاشا القراض فما وجدنا له أصلا البتة ".
قال ابن حزم في النبذة الكافية في أصول الفقه (ص 61): " فاذ قد صح يقينا بخبر الله تعالى الذي لا يكذبه مؤمن أنه لم يفرط في الكتاب شيئا وأنه قد بين فيه كل شيء وان الدين قد كمل وأن رسول الله ( صلع ) قد بين للناس ما نزل اليهم فقد بطل يقينا بلا شك ان يكون شيء من الدين لا نص فيه ولا حكم من الله تعالى ورسوله " انتهى.
وقال أبو إسحاق الشاطبي ( ت 790 هـ ) : " العالم بالقرآن على التحقيق عالم بجملة الشريعة ، ولا يعوزه منها شيء ، والدليل على ذلك أمور . . .
ومنها : التجربة ؛ وهو أنه لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها أصلا ، وأقرب الطوائف من إعواز المسائل النازلة أهل الظاهر الذين ينكرون القياس ، ولم يثبت عنهم أنهم عجزوا عن الدليل في مسألة من المسائل " ا . هـ . انظر: الموافقات للشاطبي 4 \ 189.
وقال الشوكاني ( ت 1255 هـ ) بعد ذكره لدليل المانعين من الاعتداد بخلاف منكري القياس : " ويجاب عنه بأن من عرف نصوص الشريعة حق معرفتها ، وتدبر آيات الكتاب العزيز ، وتوسع في الاطلاع على السنة المطهرة ، علم بأن نصوص الشريعة جمع جم، ولا عيب لهم إلا ترك العمل بالآراء الفاسدة التي لم يدل عليها كتاب ، ولا سنة ، ولا قياس مقبول ( وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ) . نعم قد جمدوا في مسائل كان ينبغي لهم ترك الجمود عليها، ولكنها بالنسبة إلى ما وقع في مذاهب غيرهم من العمل بما لا دليل عليه البتة قليلة جدا ".
انظر: إرشاد الفحول ص 72 .
أما الأمر الثاني؛ وهو أن الظاهرية وافقهم في قولهم هذا كثير من أهل البدع .
فقد دفع ابن حزم ذلك بأمرين؛
أحدهما: أنه لا يهمه من وافقه من أهل الباطل، فلا ينكر أن تقول اليهود لا إله إلا الله ويقولها هو .
وثانيهما : أنها لا تخلو كلمة حق أو باطل يذهب إليها غيره من آخذ بها من أهل الباطل ، فالأخذ بالقياس قال به بعض المعتزلة ، والأزارقة، وأحمد بن حابط، ولكل هؤلاء من شنيع الأقوال ما هو كفر.
انظر: الإحكام (7/483).
أما الأمر الثالث؛ وهو أن القياس قد دل عليه (الدليل القاطع) ، فإنكار الظاهرية له إنكار لأمر معلوم من الدين بالضرورة ، فخالفوا بذلك صريح العقول ، وصحيح المنقول .
فهو محل النزاع بين الظاهرية وغيرهم، وقد أطال الظاهرية في نقاش هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بصحة القياس.
انظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (1/16)، وما بعدها.
إضافة إلى أن (الدليل القاطع) إن سلم به، فإنما هو قد دل على أصل القياس، وصحة الاستدلال بجنسه. لا على صور آحاده؛ فإنها باتفاق ظنية، ما عدا بعض الصور التي قال بعض العلماء بأن القياس فيها قطعي؛ كالقياس الأولوي على نزاع في تسميته قياسا.
وبذلك يتبين فساد المقدمات التي بنى عليها أصحاب هذا القول نتيجتها ؛ وهو عدم الاعتداد بخلاف الظاهرية مطلقا.
فإذا سقطت المقدمات سقطت النتيجة المترتبة عليها.
وعليه يتبين ضعف هذا القول - والله أعلم -.
الثاني:
ـ وبه قال القاضي عبد الوهاب (ت 422 هـ) من المالكية.
قاله في الملخص ونقله عنه الزركشي في البحر المحيط (6/424).
" : يعتبر كما يعتبر خلاف من ينفي المراسيل, ويمنع العموم ومن حمل الأمر على الوجوب; لأن مدار الفقه على هذه الطرق.
ـ ومن الشافعية أبو منصور البغدادي الشافعي ( ت 429 هـ )؛ وحكى أنه الصحيح من مذهب الشافعية.
نقله ابن الصلاح في فتاويه (1/207)، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات (1 \ 183) ، وابن كثير في ( طبقات الشافعين 2 \ 174 ) ، وابن السبكي في الطبقات الكبرى (2 / 289)، وهو خلاف ما نص عليه في ( الفتاوى ).
ـ ونُسب هذا القول لأبي عمرو ابن الصلاح ( ت 650 هـ ).
انظر: فتاوى ابن الصلاح (1/207).
ـ وقال به الذهبي ( ت 748 هـ ) سير أعلام النبلاء ، للذهبي (13 \ 104).
ـ وابن السبكي ( ت 771 هـ ) كما في طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي 2 \ 289، و (شرح المحلي على جمع الجوامع لابن السبكي 2 \ 491).
لكن ابن السبكي إنما يقبل قول داود بن علي، دون ابن حزم، فقد قال تعليقا على كلام إمام الحرمين في عدم قول أهل الظاهر: '' قول إمام الحرمين إن المحققين لا يقيمون للظاهرية وزنا، وإن خلافهم لا يعتبر، محله عندي ابن حزم وأمثاله، وأما داود فمعاذ الله أن يقول الإمام أو غيره أن خلافه لا يعتبر، فلقد كان جبلا من جبال العلم والدين، له من سداد النظر وسعة العلم ونور البصيرة والإحاطة بأقوال الصحابة والتابعين، والقدرة على الاستنباط ما يعظم وقعه، وقد دونت كتبه، وكثرت أتباعه، وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في (طبقاته) من الأئمة المتبوعين في الفروع '' ا . هـ. [ البهجة الوردية 4 \ 26، شرح المحلي على جمع الجوامع 2 \ 491 ].
وقال ابن الصلاح في الفتاوى (1/207)، والنووي تهذيب الأسماء واللغات (1 \ 183). ( وهو الذي استقر عليه الأمر آخرا كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتأخرين )
ـ واختار هذا القول غير واحد من المحققين؛
كالعلامة ابن القيم ( ت 751 هـ ) في مواضع من كتبه منها : ( زاد المعاد 5 \ 331 - كتاب الظهار - ) ، و ( إعلام الموقعين 2 \ 277 ، و 3 \ 182 ).
والصنعاني ( ت 1182 هـ ) في العدة 1 \ 140 .
والشوكاني ( ت 1250 هـ ) في إرشاد الفحول ص 71 .
والشيخ محمد الأمين الشنقيطي ( ت 1393 هـ ) في نثر الورود على مراقي السعود ، للشنقيطي 2 \ 428 ، أضواء البيان، ونسبه للمحققين من علماء الأصول .
أدلة القول الثاني، وهو الاعتداد بخلاف الظاهرية مطلقا:
- أن ما تفردوا به هو من قبيل مخالفة الإجماع الظني ، وتندر مخالفتهم لإجماع قطعي.
انظر: سير أعلام النبلاء (13 \ 104) .
- قال الصنعاني ( ت 1182 هـ ) في العدة شرح إحكام الأحكام 1 \ 140 - بتصرف يسير - . : إن الظاهرية لم يخالفوا في المسائل المجمع عليها؛ لأن التحقيق أنه لم يقم الدليل إلا على حجية الإجماع القولي ، وقد كذب من ادعاه إلا في المسائل الضرورية - كما قال الإمام أحمد-.
فإذا حققت فالحق أن دعوى الإجماع طريقة القاصرين، إذا أعيتهم الأدلة ادعوه على منازعهم ، ولا يليق ذلك بأئمة التحقيق ، فليس العمدة إلا الدليل من الكتاب والسنة أو قياس في معنى الأصل ، فإذا قام الدليل فلا ينظر إلى التنقيش قال به قائل أو لا ؟ ، فلا وحشة مع الدليل ، ولا ناظر بعد وجوده إلى قال ولا قائل ولا قيل ، والله يقول الحق ويهدي السبيل .
- أن هؤلاء المخالفين في القياس كلا أو بعضا ، هم بعض الأمة ، فلا بد من الاعتداد بخلافهم.
انظر: إرشاد الفحول ص 210 .
- أنه لم يذكر أحد من العلماء أن من شرط المجتهد المعتبر قوله أن يكون من أهل القياس القائلين به .
- أن قول الظاهرية اجتهاد منهم ، ومن لم يعتد بخلافهم كان هذا اجتهادا منه فكيف يرد اجتهاد بمثله.
انظر: سير أعلام النبلاء (13 \ 105)، ونقله عنه الصفدي في ( الوافي 13 \ 474 ) .
- أن داود الظاهري كان يقرئ مذهبه ، ويناظر عليه ، ويفتي به في مثل بغداد ، وكثرة الأئمة بها وبغيرها ، فلم نراهم قاموا عليه ، ولا أنكروا فتاويه ولا تدريسه ، ولا سعوا في منعه من بثه.
انظر: سير أعلام النبلاء (13 \ 105) . ثم ذكر أمثلة لبعض العلماء الذين عاصروا داود .
- أنهم وإن جاء عنهم مسائل غريبة ، فإنهم علماء مجتهدون ، وقد صدر من كثير من العلماء مسائل تخالف الإجماع ، وإنما تحكى للتعجب ؛ كقول ابن عباس في المتعة ، والصرف ، وإنكار العول.
انظر: سير أعلام النبلاء (13 \ 105 - 106).
- أن كثيرا من الأئمة المصنفين أوردوا خلاف الظاهرية في كتبهم ، مما يدل على اعتبارهم له ، فلولا اعتدادهم بخلافهم لما أوردوا مذاهبهم في مصنفاتهم ، لمنافاة موضوعها لذلك.
انظر: فتاوى ابن الصلاح (1/207).
- أننا ما اعتددنا بخلافهم لأن مفرداتهم حجة ، بل لتحكى في الجملة ، وبعضها سائغ ، وبعضها قوي ، وبعضها ساقط.
انظر: سير أعلام النبلاء (13 \ 104).
- أنه يلزم القائل بعدم الاعتبار بخلاف الظاهرية في الإجماع يلزمه أن لا يعتبر خلاف منكر العموم ، وخبر الواحد ، ولا ذاهب إليه.
انظر: البحر المحيط (6/424)، نقلا عن الأصفهاني شارح ( المحصول ) .
- أن خلاف الظاهرية معتبر كما يعتبر خلاف من ينفي المراسيل ، ويمنع العموم ، ومن حمل الأمر على الوجوب ؛ لأن مدار الفقه على هذه الطرق.
انظر: البحر المحيط (6/424)، نقلا عن القاضي عبد الوهاب في (الملخص).
- أن عدم الاعتداد بخلاف الظاهرية غير صحيح ؛ لأنه إن كان نفيا للوجود فهذا كذب تدفعه المشاهدة والعيان ، وإن قيل : إن الله أمر بعدم سماعه ، أو رسوله أمر بذلك فهذا شر من الأول لأنه كذب على الله ورسوله .
مما تقدم يتبين أن الحديث في قبول خلاف الظاهرية ما ادعي فيه الإجماع مقبول وأنه مانع من انعقاد الإجماع لأمور :
أ - منع صحة الإجماع شرعا ، وعقلا في المسائل التي خالف فيها الظاهرية.
انظر: ابن حزم في ( الإحكام 2 \ 494 - 506 ) وقد أطال النفس في تقرير هذا الأصل هناك.
ب - وعلى فرض صحة الإجماع قبل خلافهم ، فإنه يمنع من الوقوع ؛ لأن الوقائع التي ادعي فيها خلاف الظاهرية للإجماع ، إنما هو خلاف ظني.
قاله الذهبي في ( السير 13 \ 104 ) ، والصنعاني في ( العدة شرح إحكام الأحكام 1 \ 140 )
ج - أن إنكارهم للقياس لا يعني خروجهم من دائرة العلماء ؛ لأنهم مجتهدون توفرت فيهم جميع أدوات الاجتهاد - ولم يذكر أحد من العلماء أن من شروط المجتهد أن يكون عاملا بالقياس في المسألة المجتهد فيها - ، كما أنه يلزم من عدم الاعتداد بخلافهم عدم الاعتداد بخلاف منكري حديث الآحاد - مطلقا أو في وقائع معينة - ومنكري العمل بالحديث المرسل ، ومن يرى نسخ القرآن بالسنة ، ومنكري العموم ، وغير ذلك من صور عدم العمل ببعض آحاد الأدلة المتفق عليها من الكتاب والسنة .
د - ( القلب للدليل ) وهو أن الإجماع منعقد على قبول خلاف الظاهرية ؛ لأن داود الظاهري أظهر قوله في عصره وكذا تلامذته من بعده وحكى خلافهم أهل العلم في كتبهم ، ولم يرو عن أحد معاصريه أنه أنكر خلافه ولم يعتد به.
الثالث:
نقل ابن الصلاح عن الأستاذ أبي منصور أنه حكى عن ابن أبي هريرة وغيره, أنهم لا يعتد بخلافهم في الفروع, ويعتد بخلافهم في الأصول.
الرابع:
قال الإبياري ( ت 618 هـ ): القول بعدم الاعتداد بخلافهم على الإطلاق غير صحيح عندنا, بل إن كانت المسألة مما تتعلق بالآثار والتوقيف واللفظ اللغوي, ولا مخالف للقياس فيها لم يصح أن ينعقد الإجماع بدونهم إلا على رأي من يرى أن الاجتهاد لا يتجزأ.
فإن قلنا: بالتجزؤ, لم يمنع أن يقع النظر في فرع هم فيه محقون, كما نعتبر خلاف المتكلم في المسألة الكلامية; لأن له فيه مدخلا, كذلك أهل الظاهر في غير المسائل القياسية يعتد بخلافهم. نقله عنه في البحر المحيط (6/424).
أدلة هذا القول:
أن المسألة إن كانت مما يتعلق بالآثار والتوقيف واللفظ اللغوي، ولا مخالف للقياس فيها ، لم يصح أن ينعقد الإجماع بدونهم - إلا على رأي من يرى أن الاجتهاد لا يتجزأ - .
فإن قلنا بالتجزؤ ، لم يمنع أن يقع النظر في فرع هم فيه محقون ، كما نعتبر خلاف المتكلم في المسألة الكلامية ؛ لأن له فيه مدخلا ، كذلك أهل الظاهر في غير المسائل القياسية يعتد بخلافهم.
انظر: البحر المحيط (6/424)، نقلا عن الأبياري، وقد سبق.
ويظهر بتأمل هذا القول أنه عائد في الحقيقة إلى القول الأول القائل بعدم الاعتداد بخلاف الظاهرية ؛ لأن جل المسائل إنما هي قياسية؛ كما قال إمام الحرمين الجويني ( ت 478 هـ ) (2) : " إن معظم الشريعة صدر عن الاجتهاد ، والنصوص لا تفي بالعشر من معشار الشريعة " .
انظر: البرهان ، للجويني 2 \ 818 .
كما أن في التفريق بين المسائل التي يدخلها القياس والتي لا يدخلها القياس خلافا بين العلماء ؛ فمثلا مسائل الحدود ، والكفارات ، والعبادات فإن بين القائسين خلافا في جريان القياس فيها من عدمه.
انظر: انظر الخلاف بين القائسين في دخول القياس في هذه المسائل في المصادر التالية : نشر البنود 2 \ 112 ، الإحكام للآمدي 3 \ 196 ، شرح الكوكب المنير 4 \ 20.
إضافة لذلك فإن هذا التفريق هو محل النزاع ؛ فإن الظاهرية يرون أن جميع هذه المسائل ليست قياسية ؛ فيكون قولهم معتبرا .
الخامس:
وبه قال ابن الصلاح في فتاويه (1/207)، ونسبه له ابن كثير في ( طبقات الفقهاء الشافعيين 2 \ 174 ) ، وابن السبكي في الطبقات الكبرى (2 / 289).
: وهو أن الصحيح من المذهب الاعتداد بخلافهم, ولهذا يذكر الأئمة من أصحابنا خلافهم في الكتب الفرعية.
ثم قال: والذي أجيب به بعد الاستخارة: أن داود يعتبر قوله, ويعتد به في الإجماع إلا ما خالف القياس, وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها, فاتفاق من سواه على خلافه إجماع ينعقد, فقول المخالف حينئذ خارج عن الإجماع , كقوله في التغوط في الماء الراكد, وتلك المسائل الشنيعة , وفي " لا ربا إلا في النسيئة " المنصوص عليها , فخلافه في هذا وشبهه غير معتد به . ا هـ.
أدلة هذا القول:
ـ أن خلاف الظاهرية فيما خالف القياس الخفي معتبر ؛ لما سبق في أدلة القول الثاني .
ـ أما خلافهم فيما خالف القياس الجلي فهو غير معتد به ؛ لكونه مبنيا على ما يقطع ببطلانه ، والاجتهاد الواقع على خلاف الدليل القاطع كاجتهاد من ليس من أهل الاجتهاد في إنزالهما بمنزلة ما لا يعتد به ، وينقض الحكم به.
انظر: فتاوى ابن الصلاح (1/207).
ـ ولأنه يجوز تبعيض الاجتهاد ؛ بمعنى أن يكون العالم مجتهدا في نوع دون غيره ، فكذلك الظاهرية يعتبر قولهم فيما عدا ما خالفوا القياس الجلي.
انظر: فتاوى ابن الصلاح (1/207) .
ـ ولأن المسائل التي خالفوا فيها القياس الجلي ، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه ، أو بنوه على أصولهم التي قام الدليل القاطع على بطلانها باتفاق من سواهم على خلافه ، إجماع منعقد . وقولهم حينئذ خارج من الإجماع ؛ كقولهم في التغوط في الماء الراكدة؛ وقولهم : لا ربا إلا في الستة المنصوص عليها .
فخلافهم في هذا ، وشبهه غير معتد به؛ لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه ، والاجتهاد على خلاف الدليل القاطع مردود، وينتقض حكم الحاكم به.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1 \ 184.
الرد على هذا القول:
ويعرض على تفريقهم بين القياس الجلي ، والقياس الخفي في الاعتداد بخلاف الظاهرية في الثاني دون الأول . أن يقال لهم :
أ - إن تقسيم القياس إلى جلي وخفي - بحسب تقسيم الشافعية (3) - إنما هو تقسيم لما يطلق عليه القياس ، لا القياس الشرعي المعرف بين الأصوليين ، والذي فيه نزاع الظاهرية .
فإن الجمع بنفي الفارق - وهو القياس الخفي - ليس من حقيقة القياس.
انظر: تيسير التحرير لأمير بادشاه 4 \ 77 .
فعاد هذا القول للقول الأول ، وهو نفي الاعتداد بخلاف الظاهرية مطلقا ، فيكون القول فيهما واحدا .
ب - كذلك فإنه يقال : إما أن يعمم عدم الاعتداد بخلاف من خالف قول الأكثر في القياس الجلي سواء كان من أهل القياس ، أم لا . أو أن يخص بأهل الظاهر فقط .
فإن قيل بالأول وهو أن كل من خالف في القياس الجلي لم يقبل قوله ، ولا يعتد بخلافه ، فهذا يؤدي إلى القول بقطعية هذا القياس ، وفيه نظر ؛ بدليل خلاف بعض القياسيين فيه .
وإن قيل بتخصيص منكري القياس فقط . ففيه تحكم ؛ لأنه ربما خالف في هذه المسألة التي يدعي أن القياس فيها جلي غير الظاهرية ممن يعمل القياس ؛ فيكون القائل هذا القول قد أهمل خلاف الظاهري ، وأعمل خلاف غيره في مسألة واحدة ، وهو تحكم .
مثال ذلك : ما ذكره أصحاب هذا القول من التمثيل للمسائل التي خالف فيها الظاهرية القياس الجلي؛ بأن الظاهرية يقولون: " بأن الربا لا يجري إلا في الأصناف الستة المنصوص عليها في الحديث فقط، ولا يتعداها لغيره"
وهو ما روى مسلم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: '' الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد '' .
وهذه المسألة لم ينفرد بها الظاهرية بل وافقهم عليها بعض أهل القياس، فقال به أبو الوفا ابن عقيل (ت 513 هـ) من الحنابلة، في كتابه (عمد الأدلة)، ونقله المرداوي في (الإنصاف 12 \ 17) ونسب هذا القول لمذهب طاوس، وقتادة، وجماعة.
فإن قبلنا خلافه ، ورددنا خلاف الظاهرية فهو تحكم . وإن قلنا برد خلاف الجميع فلا فائدة من تخصيص الظاهرية بعدم الاعتداد بقولهم ، بل نرد خلاف جميع من خالف في هذا القياس .
والراجح في هذه المسألة - والله تعالى أعلم - هو الاحتجاج بخلاف الظاهرية مطلقا ، وعدم انعقاد الإجماع بدونهم .
وأن خلافهم مانع من انعقاده .
ولا يصح رد قولهم بإجماع معاصريهم .
وأما ما شذوا فيه فيرده كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما اللذان يحكمان ببطلانه حال عرضه عليهما، وحسبنا رد الكتاب والسنة له دون زيادة عليه أو نقصان منه.
والله أعلم.