تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ضوابط الاعتراض التي تفرق بينه وبين ما يشتبه به

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    1,511

    افتراضي ضوابط الاعتراض التي تفرق بينه وبين ما يشتبه به

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الْحمد لله الذي علَّم القرآن، وخـلق الإنسان، وعلمـه البيان القائل فـي مـحكم كتابه : {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} ، وأصلى وأسلم على أفصح الخلق لساناً، وأبلغهم بياناً الذي صحّ عنه أنّه قال : (( إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً )) ، وعلى آله وصحبه ، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.

    أما بعد فقد علم فيما تقدَم الفرق بين الاعتراض البياني والنحوي ، وهنا نتطرق إلى التفريق بين الاعتراض عامة وبين مصطلحات بيانية يتوهم الناس مشابهتها له عند البيانيين

    أولا : الفرق بين الاعتراض والالتفات


    للعلماء مذهبان في تعريف الالتفات :

    المذهب الأول : أن الالتفات هو انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك ، ومنه قوله تبارك وتعالى : ومنه قوله تبارك وتعالى : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } ، فانظر كيف أخبر الله جل وعلا المؤمنين بابتلائه لنبيه إبراهيم عليه السلام على طريق الغيبة ثم صُرِف الأمر إلى إبراهيم عليه السلام على طريق الخطاب .
    ومنه قول الله تبارك وتعالى : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } ، ألا ترى كيف خاطب الله جل وعلا عباده بنعمة من نعمه عليهم في البر والبحر ، ثم حُوّل الخطاب إلى الغيبة في قوله : ( وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ ) .
    والالتفات على هذا المذهب لا يمكن أن يترادف مع الاعتراض النحوي ؛ لأنه عبارة عن انتقال الخطاب من صيغة لأخرى بينما الاعتراض النحوي يُشترط فيه أن يكون بين متلازمين .
    بينما يمكن أن يترادف الالتفات على هذا المذهب مع الاعتراض البياني إن كان الالتفات مؤكدا لمعنى ما قبله في نحو قول الشاعر :

    معازيل في الهيجاء ليسوا بزادةٍ مجازيع عند البأس والحرُّ يصبرُ

    فقد قال أبوهلال في الصناعتين : (فقوله: والحر يصبر التفات.) ، فجملة : (والحرُّ يصبرُ) يصح فيها معنى الاعتراض البياني .

    المذهب الثاني : أنّ الالتفات هو : اعتراضُ كلامٍ في كلامٍ لم يتمّ معناه ، ثم يعود الشاعرُ إليه فيُتمُّهُ مرّة واحدة، وهو من جيّد الالتفات( ) ، ومنه قول الشاعر :

    إن الثمانين ـ وبلغتها ـ قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

    قال ابن رشيق القيرواني فـي العمدة : ( فقوله بلغتها التفات ) فانظر كيف جعل جملة : ( وبلغتها) الدعائية الاعتراضية التفاتاً ، وهي اعتراض نَحوي ؛ لوقوعها بين اسم ( إن ) وخبرها المتلازمين .
    ومعلوم مما مُثِّل به ـ هنا ـ أنّ الالتفات على هذا الحد يُرادف الاعتراض النحوي بلا شك بمنطوق ابن رشيق القيرواني ـ والله تعالى أعلم ـ .

    الفرق بين الاعتراض والحشو

    للعلماء مذهبان في تعريف الحشو :

    المذهب الأول : أنّ الحشو : أن تأتي في الكلام بألفاظ زائدة، ليس فيها فائدة( ) ، وهذا الحد يؤيده المعنى في اللغة ، قال ابن سيدة في المحكم : (والحَشْوُ من الكلام: الفضل وما لا يعتد به، وكذلك هو من الناس.).
    ومما مثل به القائلين بهذا الحد ( الرأس ) من قول الشاعر:

    نأت سلمى، فعاودني صداعُ الرأس والوصبُ


    قال ابن قدامة في نقد الشعر : ( فالرأس حشو، لا فائدة فيه؛ لأن الصداع لا يون إلا في الرأس. )

    ولا شك أن الحشو على هذا التعريف لا يرادف كلا الاعتراضين : الاعتراض النحوي ، والاعتراض البياني لسببين :

    السبب الأول : أن الحشو على هذا الحد لا معنى له ، وهو بهذا لا يرادفهما لاشتراط المعنى التام فيهما بدليل قول ابن فارس :(( إنَّ من سنن العرب أن يعترض بين الكلام وتمامه ، كلام لا يكون إلاَّ مفيداً )) ، ونصّ ابن هشام الأنصاري على ذلك في المغني فقال : ((ولا ينافى ذلك ما قدمناه في تفسير الجملة، لان الكلام هنا ليس في مطلق الجملة، بل في الجملة بقيد كونها جملة اعتراض، وتلك لا تكون إلا كلاما تاما. ))

    السبب الثاني : أنّ ما مثلوا به لـ( الحشو ) لا يُتصور في الاعتراض النحوي ؛ لأنه من باب الإفراد ، ومعلوم من السبب الأول أن الاعتراض النحوي مشترط فيه تمام الفائدة ، وتلك لا تتم إلا بكلام مركب ، فليتأمل ذلك .

    المذهب الثاني : أن الحشو مرادف لـ( الاعتراض ) ، وهو المفهوم مما نقله ابن الأثير في الصناعتين فقال : ( النوع الثامن عشر في الاعتراض ،وبعضهم يسميه الحشو ، وحده: كل كلام أدخل فيه لفظ مفرد أو مركب لو أسقط لبقي الأول على حاله. مثال ذلك أن تقول:زيد قائم، فهذا كلام مفيد، وهو مبتدأ وخبر، فإذا أدخلنا فيه لفظا مفردا قلنا: زيد والله قائم، ولو أزلنا القسم منه لبقي الأول على حاله، وإذا أدخلنا في هذا الكلام لفظا مركبا قلنا: زيد على ما به من المرض قائم، فأدخلنا بين المبتدأ والخبر لفظا مركبا، وهو قولنا " على ما به من المرض" فهذا هو الاعتراض، وهذا حده.)

    فانظر في كلام ابن الأثير كيف نقل عن العلماء تسميتهم الاعتراض حشواً ، ولهذه المرادفة وجه على كلا الاعتراضيين : النحوي ، والبياني .

    فأما وجه مرادفة كلمة ( الحشو ) لـ( الاعتراض النحوي ) فإنما يتأتّى من جهة تسمية كل ما وقَعَ في الوسط حشواً ، وهو على هذا ترادف لغوي أيضا.

    وأما وجه مرادفة كلمة ( الحشو ) لـ( الاعتراض البياني ) ، فهو إذا كان بمعنى الحاشية ؛ لأنها بمعنى الطرف ، ومنه تسمية طرف الثوب بالحاشية ، وعلة ذلك أنّ الاعتراض البياني إنما يكون تتميماً وتذييلا لكلام تقدمه، فصار كالديباجة له المطرزة على حواشي الأشياء حسية كانت أو معنوية ـ والله تعالى أعلم ـ

    الفرق بين الاعتراض والتذييل والتكميل

    وهنا لا بد من بيان حد التذييل ، والتكميل ، عند البلاغيين ؛ لما في ذلك من تقريب لمعنى الاعتراض البياني .

    أما التذييل فهو أن تأتي بجملة عقب جملة ، مع اشتمال الثانية على معنى الأولى للتأكيد( ) ، ومنه جملة : (إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) في قول الله تبارك وتعالى : { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } ، ويؤيد هذا إعراب الزمخشري لها على الاعتراض البياني .
    ومثلها جملة : ( وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ) من قول الله تعالى { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ }
    وأما التكميل فهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه ، وما يدفع الوهم إما أن يأتي في وسط الكلام أو في آخره كما نص على ذلك السيوطي في عقود الجمان ..
    فإن ورد التكميل دافعا للوهم في وسط الكلام نُظِر فيه فإن كان كلاماً واقعاً بين متلازمين رادف في ذلك مع دفعه الوهم الاعتراض النحوي ؛ لاستيفائه شرطه ، كجملة ( وبُلغتها ) الدعائية في قول الشاعر

    إن الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

    التي نص البغدادي في خزانته على أنها تكميل ؛ لوقوعها بين اسم ( إن ) وخبرها .

    وإن كان التكميل الواقع في وسط الكلام بين متلازمين من باب المفرد وشبهه فلا يرادف الاعتراض النحوي ، وإنما يرادف الاعتراض لغة من جهة اعتراضه بين الكلام ، كمن قال في : (غير مُفْسِدها ) من قول الشاعر:
    فَسَقى ديارَكِ غير مُفْسِدها صوبُ الربيع وديمةٌ تَهمي
    إنه من باب التكميل في الإيضاح في علوم البلاغة

    وإن ورد التكميل في طرف الكلام دافعا لتوهم معنى لولاه لفُهم خلافه ، كتنصيص العلماء ـ كما في عقود الجمان ـ على أن ( أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) من قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } عُدّ ذلك من باب الاعتراض البياني ؛ لبيانه لمعنى الجملة التي قبله .

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين .

    حرره طالب في ‏09‏/07‏/1429 ـ ‏12‏/07‏/2008

  2. #2

    افتراضي رد: ضوابط الاعتراض التي تفرق بينه وبين ما يشتبه به

    أجدت وأفدت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •