وقفات مع قوم ثمود



يوسف الزين



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

سبق في حلقات مضت عرض جوانب من دعوة صالح عليه السلام وفي هذه الحلقة وما بعدها سيتركز الحديث بإذن الله حول قوم ثمود وما ردوا به على نبيهم عليه السلام ونهايتهم.

أطلق قوم ثمود يتزعمهم الملأ منهم على صالح عليه السلام ودعوته مجموعة من التهم والافتراءات والشبهات ومنها ( ساحر – بشر – كذاب مع السخرية والإعراض والتشكيك والتطير والتعلق بما عليه الآباء ومحاولة قتله في آخر الأمر ) والملاحظ أن هذه التهم والشبهات تكررت في كل قصة من قصص الأنبياء مع اختلاف يسير ونزل القرآن في ذكرها بتفاصيلها بل وفي كل قصة تقريباً ولم تأت في السنة بمثل البسط المذكور في كتاب الله وهذا يدعو إلى مزيد من العناية والتأمل والبحث في أسرار هذا التكرار والبسط وقد يكون من أسراره والعلم عند الله تعالى ما يلي:

1- أن سنة الله لا تتغير ولا تتبدل وأن الدعاة إلى الله تعالى سوف يتعرضون لأنواع متعددة من الأذى الحسي والمعنوي ولهم أسوة بأنبياء الله الكرام عليم الصلاة والسلام قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ }الأنعام34 .

2- أن في ذلك تحذيراً لهذه الأمة أ، تقع فيما وقع فيه السابقون من السخرية بدعاة الحق والتهكم بهم وأن ذلك من صفات الكافرين ومشابهتهم وهو من خصال المنافقين. قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ }التوبة65-66.

3- أن العبادات والمصطلحات قد تختلف من زمن لآخر ولكن المضمون واحد تهم وافتراءات ملفقة وفي هذا الزمن يطلق الملأ من خلال وسائلهم المختلفة أنواعاً من التهم والافتراءات على دعاة الحق والمجاهدين ومتبعي السنة مثل ( متخلفون – رجعيون – ظلاميون – متشددون – إرهابيون – حزبيون – متطرفون ) وهذا لا يضر الدعوة كما قيل: لا يضر السحاب نبح الكلاب، والملاحظ أن صالحاً عليه السلام وغيره من الأنبياء عليهم السلام لم يقوموا بالرد عليهم إلا في حدود ضيقة وهكذا نبينا صلى الله عليه وسلم اتهمه كفار قريش باتهامات كثيرة ومع ذلك لم ينصرف إلى الرد على كل ما قالوه أو محاولة إثبات أنه ليس بساحر بل بقي على دعوته وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة، على أن هناك جوانب من الردود ينبغي ألا يغفل عنها أهل الحق وقد سار على ذلك الأنبياء عليهم السلام ومن بعدهم قال الله تعالى محدثا عن نوح عليه السلام: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ }الأعراف61. فقد نفى نفسه الضلال وأثبت ما جاء من أجله وهكذا يكون الداعية الحق لا أن ينشغل بالجدل الذي لا يثمر شيئاً وما أحسن قول القائل: أميتوا الشر بالسكوت عنه، وقول الشاعر:


لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لكان الصخر مثقالاً بدينار



وإلى لقاء قادم بإذن الله أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته