المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو المجد الفراتي
غير أن السؤال الذي يثير انتباهي; هو :
( التوفيق بين جواز هذا الحزن على يوسف عليه السلام، باعتباره طبيعة بشرية، وبين توحيد المحبة ~والأولوهية~ لله عز وجل)
يقول الحازمى فى شرحه على كتاب التوحيد --المحبة لَمَّا كانت منقسمة إلى محبة مشتركة ومحبة خاصة، والثانية هذه المحبة الخاصة هي محبة العبادة ولا تليق إلا بالله عز وجل، وهي محبة العبودية المستلزمة للتعظيم والذل والإجلال والطاعة، حينئذٍ صَرْفُ هذه المحبة لغير الله تعالى يعتبر شركًا أكبر، فلما كان الأمر كذلك ناسب أن يُبَوِّبَ المصنف رحمه الله تعالى لهذا النوع بابًا خاصًا، لأنه درج فيما سبق أنه يذكر شيئًا من أفراد الشرك الأكبر من أجل معرفة ما يُضاد التوحيد، وإن كان الأصل في هذا الباب أنه يعقد لما يتعلق بالتوحيد، ولكن لما كان الشيء لا يتم معناه إلا بمعرفة أضداده حينئذٍ ناسب أن يُبَوِّبَ لكل نوع من أنواع الشرك الأكبر أو الأصغر وإن كان الأول هو الغالب حينئذٍ يقول: المحبة منها محبة تتعلق بالباري جل وعلا وهذه محبة العبادة، ومنها ما هو غير ذلك، وهذه متنوعة واختلفوا في تعدادها كما مر معنا، وعليه يكون الأصل في هذه الأنواع غير محبة العبادة الأصل فيها الإباحة كالمحبة الطبيعية وكذلك المحبة الإنس والاستئناس، وكذلك محبة اللذة كما سماها بعضهم، نقول: هذه الأصل فيها الإباحة إلا إذا اقترن بها ما يُؤدي إلى الوقوع في المحرم حينئذٍ تكون محرمة باعتبار القاعدة العامة قاعدة [إنما الأعمال بالنيات]، وكذلك قاعدة [الوسائل لها الأحكام المقاصد]، وقاعدة [ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب]، وبَوَّبَ بعضهم لهذا الباب باب ما جاء في المحبة، كما قال: (باب ما جاء في الرقى والتمائم). حينئذٍ منه ما هو مباح، ومنه ما هو مشروع، ومنه ما هو محرم، يعني رقية شركية، ورقية شرعية، ولذلك أطلق في الباب ولم يعين، (باب ما جاء في الرقى والتمائم) وهنا باب ما جاء في المحبة حينئذٍ المحبة أنواع فنحتاج إلى تمييزه بعضه عن بعضٍ...................... ....والمراد في الآية بقوله: {أَحَبَّ إِلَيْكُم} المراد به الحب الاختياري المستتبع لأثره الذي هو الملازمة وتقديم الطاعة، يعني هذه هي من النوع الثالث الذي مر معنا من المحاب الطبيعية حبّ الآباء والأبناء والأولاد والعشيرة والزوجة قلنا الأصل فيها ماذا؟ الإباحة، إلا إذا اقترن بها، مما يقترن بها أمه يتعارض أمر الله تعالى وأمر واحد من هؤلاء، فإن قَدَّمَ أوامرهم حينئذٍ وقع في المحبة الشركية، وإلا هذه الأمور من حيث هي الأصل فيها الإباحة، وإذا كان كذلك فحينئذٍ كيف يعاقب الباري جل وعلا على التلبس بمثل هذه الْمَحَاب، نقول: التلبس هنا اقترن به ما جعله مقدمًا على محبة الله تعالى، وقلنا: محبة الله تعالى تستلزم إيثار محبته على سائر المحاب، مهما تنوعت ومهما اختلفت، فإذا عكس الأمر وقع في المحذور، ولذلك نقول: المراد {أَحَبَّ} أي محبة هنا؟ الطبيعية الاختيارية السابقة أم المراد بها
الاختيارية التي انضاف إليها شيء ٌآخر اقترن بها مما جعلها محرمةً؟ وهذا المراد هنا، ولذلك قال: المستبع لأثره الذي هو الملازمة وتقديم الطاعة، لا ميل الطبع فإنه أمرٌ جِبِلِّي لا يمكن تركه ولا يؤاخذ العبد عليه، ولا يكلف بالامتناع منه، وهو كذلك، فمحبة الأب هذه فطرية، فكيف يقول الله تعالى {فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ}؟ نقول: لا، المراد هنا أنه تعارض أمر الأب مع أمر الله تعالى فقدَّم أمر الأب فدلّ على أنه أحب عنده من الله تعالى، وقد سبق أن المحبة المشتركة بأنواعها الثلاثة لا تستلزم التعظيم، ولا يؤاخذ أحد بها، ولا تزاحم المحبة المختصة، فلا يكون وجودها شركًا في محبة الله، لكن لا بد أن يكون الله ورسوله أحب إليه من تلك، فلما وقع في الآية العكس حينئذٍ وقع في المحبة الشركية.............
{إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ} .. إلى آخره {أَحَبَّ} إلا المفهوم مفهوم مخالفة إن لم يكونوا أحب فحينئذٍ هو المطلوب شرعًا، ولذلك فيه ولذلك فيه تنبيه من جهة المفهوم مفهوم المخالفة أن المحبة الصادقة تستلزم تقديم مراضي الله على هذه الثمانية كلها، فكيف بمن آثر بعضها على الله ورسوله وجهادٍ في سبيله.
ودلت الآية على أن محبة هؤلاء وإن كانت من غير محبة العبادة إذا فُضِّلَتْ على محبة الله صارت سببًا للعقوبة، بل قد يقع في المحبة الشركية.
.............................. ...{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي} إن كنتم تحبون النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتبعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - علمًا وعملاً.
وفيه جواز المحبة التي للشفقة ونحوه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: («أحب إليه من ولده ووالده») فأثبت أصل المحبة («أحب») تدل على ماذا؟ على الاشتراك، إذًا أصل المحبة للولد جائزة، وهي محبة شفقة كما مر معنا. لكن لا تطغوا هذه المحبة فيكون أحبّ من النبي - صلى الله عليه وسلم -.[شرح كتاب التوحيد للحازمى]-------------
قال الشيخ صالح آل الشيخ في كفاية المستزيد شرح كتاب التوحيد:
العبد يجب أن يكون الله جل وعلا أحب إليه من كل شيء حتى من نفسه، وهذه المحبة المراد منها محبة العبادة، وهي المحبة التي فيها تعلُّقٌ بالمحبوب بما يكون معه امتثال للأمر رغبة واختيارا، ورغب إلى المحبوب، واجتناب النهي رغبة واختيارا، فمحبة العبادة هي المحبة التي تكون في القلب، يكون معها الرغب والرهب، يكون معها الطاعة، يكون معها السعي في مراضي المحبوب والبعد عما لا يحب المحبوب، والموحد ما أتى للتوحيد إلا بشيء وقر في قلبه من محبة الله جل وعلا لأنه دلته ربوبية الله جل وعلا وأنه الخالق وحده وأنه ذو الملكوت وحده وأنه ذو الفضل والنعمة على عباده وحده من أنه محبوب، وأنه يجب أن يُحب، وإذا أحب العبد ربه فإنه يجب عليه أن يوحده بأفعال العبد، أن يوحد الله بأفعاله -يعني أفعال العبد- حتى يكون محبا له على الحقيقة.
لذلك نقول: المحبة التي هي من العبادة هي المحبة التي يكون فيها إتباع للأمر والنهي ورغب ورهب.
ولهذا قال طائفة من أهل العلم المحبة المتعلقة بالله ثلاثة أنواع:
( محبة الله على النحو الذي وصفنا، هذا نوع من العبادات الجليلة، ويجب إفراد الله جل وعلا بها.
( والنوع الثاني: محبة في الله وهو أن يحب الرسل في الله عليهم الصلاة والسلام، وأن يحب الصالحين في الله, يحب في الله وأن يبغض في الله.
( والنوع الثالث محبة مع الله وهذه محبة المشركين لآلهتهم؛ فإنهم يحبونها مع الله جل وعلا، فيتقربون إلى الله رغبا ورهبا نتيجة محبة الله، ويتقربون إلى الآلهة رغبا ورهبا نتيجة لمحبتهم لتلك الآلهة.
ويتضح المقام بتأمل حال المشركين وعبدة الأوثان وعبدة القبور في مثل هذه الأزمنة، فإنك تجد المتوجه لقبر الولي في قلبه من محبة ذلك الولي وتعظيمه ومحبة سدنة ذلك القبر ما يجعله في رغب ورهب وفي خوف وفي طمع وفي إجلال حين يعبد ذلك الولي أو يتوجه إليه بأنواع العبادة؛ لأجل تحصيل مطلوبه، فهذه هي محبة العبادة التي صرفها لغير الله جل وعلا شرك أكبر به؛ بل هي عماد الدين؛ بل هي عماد صلاح القلب، فإن القلب لا يصلح إلا بأن يكون محبا لله جل وعلا، وأن تكون محبته لله جل وعلا أعظم من كل شيء.
فالمحبة؛ محبة الله وحده هذه -يعني محبة العبادة- هذه من أعظم أنواع العبادات، وإفراد الله بها واجب.
والمحبة مع الله محبة العبادة هذه شركية، من أحب غير الله جل وعلا معه محبة العبادة فإنه مشرك الشرك الأكبر بالله جل وعلا.
هذه الأنواع الثلاثة هي المحبة المتعلقة بالله.
أما النوع الثاني من أنواع المحبة، وهي المحبة المتعلقة بغير الله من جهة المحبة الطبيعية، وهذا أذن فيه الشرع وجائز؛لأن المحبة فيها ليست محبة العبادة والرغب والرهب الذي هو من العبادة،وإنما هي محبة للدنيا، وذلك كمحبة الوالد لولده والولد لوالده والرجل لزوجته والأقارب لأقربائهم والتلميذ لشيخه والمعلم لأبنائه ونحو ذلك من الأحوال، هذه محبة طبيعية لا بأس بها؛ بل الله جل وعلا جعلهاغريزة." اهـ..................ولما ذكر ابن القيم أنواع المحبة، لم يجعل هذا النوع من المحبة مع الله، بل جعلها محبة مستقلة بذاتها، لا تسمى محبة مع الله، فما قرأته من أن المحبة مع الله نوعان، وأن هذا النوع منها ليس مذمومًا، غير صحيح، فهذه المحبة -وإن كانت غير مذمومة كما ذكرت- إلا أن تفضي لمحرم، لكنها لا تسمى محبة مع الله، يقول ابن القيم -رحمه الله-: وَهَاهُنَا أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْمَحَبَّةِ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهَا، وَإِنَّمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَهَا:
أَحَدُهَا: مَحَبَّةُ اللَّهِ، وَلَا تَكْفِي وَحْدَهَا فِي النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَالْفَوْزِ بِثَوَابِهِ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَعُبَّادَ الصَّلِيبِ وَالْيَهُودَ وَغَيْرَهُمْ، يُحِبُّونَ اللَّهَ.
الثَّانِي: مَحَبَّةُ مَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي تُدْخِلُهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَتُخْرِجُهُ مِنَ الْكُفْرِ، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَقْوَمُهُمْ بِهَذِهِ الْمَحَبَّةِ، وَأَشَدُّهُمْ فِيهَا.
الثَّالِثُ: الْحُبُّ لِلَّهِ، وَفِيهِ، وَهِيَ مِنْ لَوَازِمِ مَحَبَّةِ مَا يُحِبُّ، وَلَا تَسْتَقِيمُ مَحَبَّةُ مَا يُحِبُّ إِلَّا فِيهِ، وَلَهُ.
الرَّابِعُ: الْمَحَبَّةُ مَعَ اللَّهِ، وَهِيَ الْمَحَبَّةُ الشِّرِكِيَّةُ، وَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا مَعَ اللَّهِ، لَا لِلَّهِ، وَلَا مِنْ أَجْلِهِ، وَلَا فِيهِ، فَقَدِ اتَّخَذَهُ نِدًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَهَذِهِ مَحَبَّةُ الْمُشْرِكِينَ.
وَبَقِيَ قِسْمٌ خَامِسٌ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ: وَهِيَ الْمَحَبَّةُ الطَّبِيعِيَّةُ ، وَهِيَ مَيْلُ الْإِنْسَانِ إِلَى مَا يُلَائِمُ طَبْعَهُ، كَمَحَبَّةِ الْعَطْشَانِ لِلْمَاءِ، وَالْجَائِعِ لِلطَّعَامِ، وَمَحَبَّةِ النَّوْمِ، وَالزَّوْجَةِ، وَالْوَلَدِ، فَتِلْكَ لَا تُذَمُّ، إِلَّا إِذَا أَلْهَتْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَشَغَلَتْ عَنْ مَحَبَّتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ {سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ :9}، وَقَالَ تَعَالَى: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ {سُورَةُ النُّورِ: 37}. انتهى.-------http://majles.alukah.net/t169923/