مشهد يتكرر في رمضان، أن ترى مجموعة من الناس يقفون في انتظار المواصلات العامة تحت وهج الشمس، يتصببون عرقاً وتمرُّ بهم الحافلات العامة ملأى بالركاب، يلتفتون يمنة ويسرة وقد غلبتهم الحيلة، ويرددون النظر في ساعاتهم وهم لا يهتدون سبيلاً!
حتى إذا استيأس هؤلاء الصائمون؛ وقفت أمامهم سيارة فارهة وأشار إليهم سائقها بالركوب، فاندفعوا إليه غير مصدقين وهم يلهجون بحمد الله والثناء على من أنقذهم الله به من هذا الوقوف المضني، دون أمل في الحصول على مقعد شاغر في حافلة، بل دون أمل في الحصول على مكان للوقوف فيها.
ويلاحظ أن المسلمين ترقُّ قلوبهم في شهر رمضان، ويقبلون على فعل الخيرات أكثر من بقية الشهور، وعلى رأسها فضل الظهر الذي يمثل عنواناً للتآلف والتراحم، ومظهراً من مظاهر الأخوة الإسلامية.
جميل أن يحس المسلم بمعاناة إخوته في رمضان، وأن يسعى لتخفيف الآلام عنهم، وأن يتقاسم معهم الهموم والأحزان؛ تحقيقاً لوصف النبي عليه الصلاة والسلام للمسلمين بأنهم كالجسد الواحد في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم، إِذا اشتكى من هذا الجسد عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى، لكن الأجمل من ذلك أن يكون هذا ديدن المسلمين مع بعضهم البعض سائر الشهور، بل سائر السنوات.
وإذا كنا نسأل الله تعالى أن يتولانا برحمته وعطفه؛ فعلينا أن نرحم عباده حتى نستحق الرحمة، فقد جُعلت الرحمة الأرضية سبباً في الرحمة الإلهية كما قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)[1].
وفي المقابل، من لا يرحم خلق الله تعالى ولا يحسن إليهم فكيف سيتوقع رحمةً من الله، وإذا كانت بغيٌ دخلت الجنة لأنها رحمت كلباً فسقته ماءً، فكيف بمن يرحم إنساناً كرَّمه الله بالإسلام؟
وإن كانت امرأة دخلت النار في قطة عذبتها بحبسها حتى ماتت، فكيف بمن يرى المسلمين يقاسون حرَّ الشمس ولا يرأف بحالهم ولا يرحمهم؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من لا يَرحم لا يُرحم)[2].
--------------------
[1] رواه الترمذي (1924)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (922).
[2] رواه البخاري (5651).

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/134608/#ixzz5pVqsbsOJ