تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: حكم القول بتأثير النجم في مد البحر وجزره

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2019
    المشاركات
    260

    افتراضي حكم القول بتأثير النجم في مد البحر وجزره

    الشيخ عبدالعزيز الراجحي
    السؤال
    لقد ذكرت فيما سبق أن الشرك في التنجيم هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، فهل يدخل في ذلك قول من قال: إن النجم هو للعبرة، أي: من أجل المد والجزر، فله علاقة بالقمر، وهو السبب في ذلك؟

    الجواب
    إذا كان يعتقد أن القمر سبب في المد والجزر فهذا من الشرك، وأما إذا كان يعتقد أن الله أجرى العادة بأنه في منتصف الشهر أو في آخر الشهر يحصل مد وجزر؛ فهذا من جنس معرفة فصول السنة، ومعرفة أوقات البدر.
    وأما إذا اعتقد أن القمر نفسه مؤثر فهذا شرك أكبر.
    فالمقصود أن ذلك يكون على حسب الاعتقاد، فلا يجوز للإنسان أن يعتقد أن القمر مؤثر بذاته، أو أن القمر سبب في ذلك.
    http://shamela.ws/browse.php/book-37010/page-257

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: حكم القول بتأثير النجم في مد البحر وجزره

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد عبدالعظيم مشاهدة المشاركة

    إذا كان يعتقد أن القمر سبب في المد والجزر فهذا من الشرك، وأما إذا كان يعتقد أن الله أجرى العادة بأنه في منتصف الشهر أو في آخر الشهر يحصل مد وجزر؛ فهذا من جنس معرفة فصول السنة، ومعرفة أوقات البدر.
    كلام الشيخ عبدالعزيز الراجحي فيه نظر قال ابن القيم في (مفتاح دار السعادة): لا ندفع تأثير القمر في وقت امتلائه في الرطوبات حتى في جزر البحار ومدها، فإن منها ما يأخذ في الازدياد من حين يفارق القمر الشمس إلى وقت الامتلاء، ثم إنه يأخذ في الانتقاص ولا يزال نقصانه يستمر بحسب نقصان القمر حتى ينتهي إلى غاية نقصانه عند حصول المحاق، ومن البحار ما يحصل فيه المد والجزر في كل يوم وليلة مع طلوع القمر وغروبه، وذلك موجود في بحر فارس، وبحر الهند، وكذلك بحر الصين، وكيفيته أنه إذا بلغ القمر مشرقا من مشارق البحر ابتدأ البحر بالمد، ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر إلى وسط سماء ذلك المواضع، فعند ذلك ينتهي منتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتدأ المد من تحت الأرض، ولا يزال زائدا إلى أن يصل القمر إلى وتد الأرض، فحينئذ ينتهي المد منتهاه ثم يبتدئ الجزر ثانيا ويرجع الماء كما كان ... اهـ.--------------------المسألة التاسعة: هل النجوم والكواكب لها أثر على الحياة أم يُنفى أثرها ويُقال إنه من باب علم التأثير؟
    النجوم والشمس والقمر وغير ذلك من النجوم على قسمين:
    القسم الأول: لها أثر ثابت من جهة الشرع أو القدر، وهذا الأثر يُثَبت ويُعترَف به، وهو ليس داخلاً في علم التأثير المنهي عنه، بل هو من علم التأثير الجائز.
    القسم الثاني: آثار وهمية لا حقيقة لها، وهذه تُنفى عن النجوم والشمس والقمر وغيرها.
    أثر القمر ينقسم إلى قسمين:
    القسم الأول: الأثر الثابت شرعًا أو قدرًا.
    كأثر الضوء، وأثر الاهتداء بالقمر، قال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا [الفرقان: 61]، وقال تعالى: وَعَلَامَاتٍ
    وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل: 16] وقال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا [يونس: 5].
    وهل له أثر في المد والجزر في البحار؟
    هذا الأثر أثبته ابن القيم كما تقدم في كتاب "مفتاح دار السعادة" أن للقمر أثرًا في مد البحر وجزره. قال رحمه الله – أنه كلما قرب القمر من البحر بعدما يشرق ويغرب، فإنه يحدث المد، وإذا مال القمر إلى الغروب وابتعد حدث الجزر......
    ومن الناحية العلمية ثابت بهذه الطريقة، وهذا مد وجزر يومي؛ لأن القمر يغرب ويشرق يوميًا، فإذا ثبت هذا من الجهة العلمية ولم يكن له معارض من الشرع فلا مانع من إثبات هذا الأثر؛ إلا أنه مرتبط بمشيئة الله وقدرته.
    وهل له أثر على المائعات والرطوبات في غير البحار؟
    هذه أثبتها ابن القيم في نفس الكتاب في فصل المنجمين.
    وقال: إذا زاد اقتراب القمر من الناس زادت الرطوبات في الجسم، وكان ظاهر الجسم أكثر رطوبة، فإذا ابتعد القمر غارت الرطوبات في الإنسان، وكان أكثر جفافًا.
    وعلى كل حال نقول: إن ثبت ذلك علميًا وتجربه فلا مانع من إثبات هذا الأثر. هذا على سبيل المثال، فإن ثبت شيء علميًا أن القمر له أثر آخر لا يُخالف الشرع فلا مانع من إثباته.
    القسم الثاني: وهي الآثار المعنوية للقمر، كأن يُقال: إن له أثرًا في الهزيمة أو النصر، أو السعادة، أو الشقاوة، أو الرزق والفقر، أو القبح والجمال، أو إن له آثارًا نفسية على الآخرين، كالذكاء والسرور والآلام وحسن الخلق، أو آثارًا على مصير الإنسان من الحياة


    والموت أو الولادة، أو الطول والقصر إلى غير ذلك من الآثار المُدعاة.
    أما الدليل على أن هذه الآثار المذكورة منفية، فهو ما ثبت في الصحيح لما كسفت الشمس عند موت إبراهيم ابن النبي لما قالوا: كسفت لموت إبراهيم، فقال النبي : «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا حياته». الشاهد: قوله «لا ينكسفان لموت أحد ولا حياته».
    فأبطل النبي أن يكون للشمس أو القمر أثر على الحوادث أو ارتباطًا بها، وبين الرسول أنما هي آية من آيات الله.
    المسألة العاشرة: أثر الشمس على الحياة:
    الشمس مثل القمر في الآثار، فآثارها تنقسم إلى قسمين:
    1- آثار ثابتة من جهة الشرع أو القدر.
    2- آثار وهمية.
    أما القسم الأول: الآثار الحقيقية: فمثل الحرارة والدفء، ومثل أثرها على المطر، فإن ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" ذكر أن من أسباب تكون مياه المطر أن الشمس تسطع على البحار، فتتبخر مياه البحر، فيصعد إلى السماء، ثم يتجمع وينزل، وكل ذلك بإرادة الله وتقديره، وهذا ثابت من الجهة العلمية أيضًا.
    ومثل أثرها على بعض النباتات نموًا ونوعية:
    أما النمو: فالنباتات التي تتعرض للشمس أكثر نموًا وقوة من التي لا تتعرض.
    ونوعية: فإنك تجد النخيل ينبت في البلاد الحارة لسطوع الشمس عليه.
    ومثل أثر الشمس على الحيوان: فحيوانات البلاد الحارة تختلف عن حيوانات البلاد الباردة.
    وكأثر الشمس على الإنسان وعظامه وبدنه ولونه، وكأثر الشمس في الحركة.
    ومعظم هذه الأشياء أشار إليها ابن القيم في "مفتاح دار السعادة".
    وهي ثابتة كما يحسها الناس وينظرون إليها، هذا ليس على سبيل الحصر، ولكن كل ما ثبت أثره شرعًا أو قدرًا فلا مانع من إثباته.
    القسم الثاني: الآثار الوهمية المصطنعة، وهي كما قلنا في أثر القمر الوهمي تمامًا.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: حكم القول بتأثير النجم في مد البحر وجزره

    من المعلوم حسا أن مد البحار وجزرها لها تعلق بأحوال القمر يعرفه الناس قديما وحديثا ؛ حيث إن القمر في حالة الإبدار يثير هيجان البحار ، وإذا حصل المحاق يسكن الماء كما يسكن عند الإهلال يتكرر ذلك كل شهر يعرفه أصاغر الصيادين عن أكابرهم فضلا عن غيرهم ؛ مما يورث ربطا حسيا لا شك فيه أن الله جعل القمر سببا لهيجان البحار ، وقد أقر العلم الحديث بوجود السببية بين القمر وهيجان البحار ، وأن القمر يكون في حالة الإبدار قريبا من الأرض مما يعني زيادة قوة الجاذبية أو ما تسمى القوة الكهرو مغناطيسية ، وأما تأثير الشمس في البحار مدا وجزرا فتأثير ضعيف لبعدها عن الأرض مسافات مذهلة حتى ظن بعض علماء الهيئة(الفلك) أنها في السماء الرابعة.
    والمقصود أن لقرب القمر من مركز الأرض تأثير معروف لا يحتاج إلى دراسات حديثة وحسابات متعمقة ؛ لأن مثل هذه الأمور تعرف بالمشاهدة البصرية كما يعرف إهلال القمر بالمشاهدة سواء ، ولهذا لم ينكر السالفون تأثير القمر في البحار مع خلو أزمانهم من الوسائل الحديثة ، فهذا العلامة ابن القيم-رحمه الله-يثبت هذا في مفتاح دار السعادة (2 / 164)حيث يقول (وكذلك لا ندفع تأثير القمر في وقت امتلائه في الرطوبات حتى في جزر البحار ومدها فإن منها ما يأخذ في الازدياد من حين يفارق القمر الشمس إلى وقت الامتلاء ثم إنه يأخذ في الانتقاص ولا يزال نقصانه يستمر بحسب نقصان القمر حتى ينتهي إلى غاية نقصانه عند حصول المحاق ومن البحار ما يحصل فيه المد والجزر في كل يوم وليلة مع طلوع القمر وغروبه وذلك موجود في بحر فارس وبحر الهند وكذلك بحر الصين وكيفيته أنه إذا بلغ القمر مشرقا من مشارق البحر ابتدأ البحر بالمد ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر إلى وسط سماء ذلك المواضع فعند ذلك ينتهي منتهاه فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتدأ المد من تحت الأرض ولا يزال زائدا إلى أن يصل القمر إلى وتد الأرض فحينئذ ينتهي المد منتهاه ثم يبتديء الجزر ثانيا ويرجع الماء كما كان)أهـ
    وإنما اختلط على من حرم مثل هذه الأمور من جهة التعميم بأن كل ربط بين سير النجوم والكواكب وما يحدث في الأرض يعد من التنجيم الذي حذر النبي-صلى الله عليه وسلم-منه بقوله ( مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ )رواه أبوداود وغيره من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-. وهذا إنما يصح فيمن يربط الحوادث العلوية بالحوادث الأرضية دون رابط من حس أو شرع ، كمن يقول:من ولد في العشر الأول من برج كذا فهو من مواليد السعد ويكون عبقريا لكنه في أحيان قليلة يفشل أو يكون انطوائيا ، ومن حارب في البرج الفلاني هزم أو في البرج الفلاني ترتفع الأسعار ونحو تلك الخرافات التي تروج لها بعض الكتب والمجلات ، ولهذا كان المنجم شرا من الكاهن ؛ لأن الكاهن معه كلمة حق واحدة يضيف عليها مائة كذبة ، أما المنجم فكل كلامه كذب وتخمين كما ذكر نحوه أبو العباس ابن تيمية - ولهذا قيل: لو أبدلت مكان السعد شؤما والهزيمة نصرا لما أبعدت! والتنجيم قد يصل إلى الكفر المخرج من الملة وقد لا يصل إلى ذلك .
    أما من ربط بين بعض ما يحصل في السماء بما يحصل في الأرض وكان له ما يؤيده من الشرع أو الحس فليس من التنجيم في شيء كمن يربط حرارة الجو بقرب الشمس واعتمادها في كبد السماء فهذا لا ينكره أحد من العالمين ، ونظير ذلك من جعل حيلولة الأرض بين الشمس والقمر سببا لخسوف القمر ، أو جعل حيلولة القمر بين الأرض والشمس سببا لكسوف الشمس ، فهذا أنكره بعضهم ظنا منهم أنه من التنجيم غير أن المحققين من العلماء بينوا صحة هذه الأمور وأنها ليست من التنجيم في شيء ، وإن كان لا يخفى أن الله سبحانه لم يجعل سببا واحدا يستقل بفعل شيء ، وإنما جعل حدوث الأشياء مربوط بوجود أسباب كثيرة وانتفاء موانعها ، فالقمر- مثلا- بغير جريان الشمس والأرض حوله ونحوها من الأسباب وانتفاء الموانع كحيلولة الأرض أو حيلولة السحاب ونحوها لن يكون له أثر مما لا يتسع المجال لبسطه
    والمقصود أن الله جعل القمر سببا لمد البحار وجزرها وهذا معروف بالحس لا يمكن إنكاره ، وما ثبتت سببيته بالحس لا يكون من الشرك الأصغر البتة بل ولا يكون إثبات سببيته ممنوعا أصلا ، أما لو تجاوز ما هو ثابت بالسبب إلى ما ليس بثابت بالسبب كالزعم أن للقمر أو النجوم سببا في نزول المطر فهذا محرم بل هو شرك أصغر وإن اعتقد أن القمر مؤثر بذاته في مد البحار أو جزرها أو غير ذلك فهذا شرك أكبر ؛ لأن كل المخلوقات لا يمكن أن تكون مؤثرة بذاتها ؛ إذ المؤثر بذاته ومسبب الأسباب هو الله تعالى ، وإنما قد يجعل الله بعض المخلوقات سببا إما حسا أو شرعا لحدوث الأشياء.
    ومع الأسف الشديد حصل الخلط الكبير بين علوم الفلك(أو الهيئة) الجائزة وبين علم التنجيم الذي هو شعبة من السحر ، فها نحن نرى كثيرا من الجامعات الغربية بل والعربية تدرس التنجيم [
    الذي هو شعبة من السحر] باسم الفلك ، --- قال الحمد في كتابه السحر بين الماضي والحاضر (1 / 47) (حيث أنشئ في العالم أكثر من اتحاد للمنجمين، ولكن أشهرها وأوسعها صيتاً هو الاتحاد العالمي للفلكيين الروحانيين في فرنسا، والذي يقوم على إدارته حميد الأزري كرئيس لهذا الاتحاد، والألوسي نائباً عنه، ويضم هذا الاتحاد خمسة وخمسين ألف عضو لا يؤخذ منهم رسومٌ للاشتراك، ويتردد عليهم أناس من طبقات مختلفة، ومن جنسيات متنوعة.)
    وقد ذكر أنه تم إنشاء عدد من الجامعات والمعاهد في بلدان مختلفة من العالم لغرض التنجيم ومن ذلك قوله (كما أنشئ في مصر معهد للغرض نفسه يسمى بمعهد الفتوح الفلكي العام لمصر والأقطار الشرقية، ويقوم المعهد بتدريس العلوم الفلكية الروحانية داخل المعهد وخارجه، ويتم تدريس الذين هم خارج المعهد عن طريق المراسلة، وذلك بإرسال برامج الدروس إلى عمله، أو منزله، أو بلده، أو دولته، وتقع هذه الدروس في مائتي درس مشتملة على دراسة المسائل الشخصية والطوالع الميلادية، والأحوال الجوية وتأثيرها على الأرض، والأحوال الزراعية، والتخرص بغلائها ورخصها، وكثرتها، وقلتها في أي زمان ومكان، وغير ذلك من مسائل التنجيم، فإذا اجتاز الطالب هذه المراحل منح شهادةً على ذلك.) والكلام عن هذا يطول ، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.
    أخوكم:عبدالعزيز بن سعود الصويتي

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: حكم القول بتأثير النجم في مد البحر وجزره

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    ، ونظير ذلك من جعل حيلولة الأرض بين الشمس والقمر سببا لخسوف القمر ، أو جعل حيلولة القمر بين الأرض والشمس سببا لكسوف الشمس ، فهذا أنكره بعضهم ظنا منهم أنه من التنجيم غير أن المحققين من العلماء بينوا صحة هذه الأمور وأنها ليست من التنجيم في شيء ، وإن كان لا يخفى أن الله سبحانه لم يجعل سببا واحدا يستقل بفعل شيء ، وإنما جعل حدوث الأشياء مربوط بوجود أسباب كثيرة وانتفاء موانعها ، فالقمر- مثلا- بغير جريان الشمس والأرض حوله ونحوها من الأسباب وانتفاء الموانع كحيلولة الأرض أو حيلولة السحاب ونحوها لن يكون له أثر مما لا يتسع المجال لبسطه
    نعم - خلق الله - تعالى - النيِّريْنِ: الشَّمْسَ والقَمَرَ، وسخَّرَهُمَا لِلعِبادِ، وجعل فيهما مِنَ المَنافِعِ والمصالح لأهل الأرض، ومَنْ عليها ما لا يقدر قدره إلا الله - تعالى -: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالحَقِّ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [يونس: 5].
    آيَتَانِ عَظِيمَتَانِ، وبُرْهانانِ كبيرانِ على قُدْرَةِ الخالِق - سبحانه -، وعلى عظيم إفضاله وإنعامه على عباده: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33]، {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} [الفرقان: 61].
    إنَّهُما بِأَمْرِ الله - تَعالَى - وتقديرِه كانا سَبَبَ اللَّيْلِ والنَّهار، والنور والظلام، وانتظام الحياة، وعمارة الأرض، وفي اختلالهما اختلال الحياة، وفساد النظام، وذلك يكون حين يأذن الله - تعالى - بانتهاء الحياة الدنيا وبدء الحياة الآخرة، حينها تكور الشمس، ويخسف القمر: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التَّكوير: 1]، وقال - سبحانه -: {وَخَسَفَ القَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ} [القيامة: 8 – 9].

    وفي الحياة الدنيا، يحصل كسوف الشمس وخسوف القمر؛ تخويفًا للعباد وتذكيرًا، حتى يؤبوا إلى الله - تعالى - ويتوبوا، قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((إن الشمس والقمر لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحدٍ مِنَ النَّاس؛ ولكنَّهُما آيَتَانِ من آيات الله فإذا رأيتُمُوهُما فَقُوموا فصلُّوا))؛ متفق عليه[1].
    فحصول الكسوف والخسوف فيه تخويف للعباد، وتذكير لهم في حال غفلتهم، والأمم السالفة عُذِّبَتْ بأنواع من العذاب الذي أرسل عليهم من السماء؛ كالغرق والريح والصيحة ونحوها، والعالم يسير بانتظام، فالشمس لها وقت شروق ووقت غروب لا تتخلف عنه، ويصدر منها إشعاع ينفع الأرض ومن عليها، والقمر له منازل مقدرة في بداية الشهر وانتصافه ونهايته، لا يتخلف عن شيء منها، وله نور جميل عند اكتماله في منتصف الشهر؛ فإذا ما ذهب إشعاع الشمس، ونور القمر أو بعضهما؛ كان هذا علامة على اختلال انتظامهما المعتاد، فيخاف العباد أن يكون ذلك بداية عذاب، وهذا من تخويف الله - تعالى - للعباد بهذين النيرين.

    وما في الشمس والقمر من المنافع العظيمة يجعل أهل الأرض محتاجين إليهما، فلما يختل نظامهما؛ فتكسف الشمس أو يخسف القمر يخاف العباد من ذهاب ما ينتفعون به من نورهما.
    ومن التخويف بالكسوف والخسوف أيضًا: أن اختلالَ النَّيِّرَيْنِ بِالكُسُوفِ والخُسُوفِ مُذَكِّر بيوم القيامة، وما يجري فيه من اختلالهما، وذهاب نورهما؛ إيذانًا بانتهاء العالم الدنيوي؛ فيخاف العباد عند حدوث ذلك من نهاية الدنيا، أو يتذكرون يوم القيامة فيُحْدِثُ الكسوفُ والخسوفُ خوفًا منه.
    قال الخطَّابي - رحمه الله تعالى -: "كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغيُّرٍ في الأرض من موت أو ضرر، فأَعْلَمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنه اعتقادٌ باطل، وأن الشمس والقمر خَلْقان مُسَخَّرانِ لله – تعالى -، ليس لهما سلطانٌ في غيرهما، ولا قدرةٌ على الدفع عن أنفسهما"[2] ·
    إذًا فالنيران ينكسفان تخويفًا للعباد، والتخويف إنما يكون بوجود سبب الخوف، فعُلم أن كسوفهما قد يكون سببًا لأمر مخوف، والله - تعالى - يخوف عبادَهُ بآياته: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] فعلم أن هذه الآيات السماوية قد تكون سبب عذاب؛ ولهذا شرع للنبي - صلى الله عليه وسلم - عند وجود سبب الخوف ما يدفعه من الأعمال الصالحة[3].

    وليس ذلك يمنع معرِفَةَ وَقْتِ حُدوثِ الكُسوفِ من قِبَلِ أَهْلِ الهَيْئَةِ والفَلَكِ بما يعملونه من حساباتٍ، يُعرف بِها وقت حدوثه ومدته، ووقت انجلائه، وهذا ما قرَّرَهُ شَيْخُ الإسلامِ ابْنُ تَيْمِيَّة - رحمه الله تعالى- بقوله: "فإذا كان الكسوف له أجلٌ مُسَمًّى لم يناف ذلك أن يكون عند أجله يجعله الله - تعالى - سببًا لما يقتضيه من عذابٍ وغيره لمن يعذب الله في ذلك الوقت، أو لغيره ممن يُنْزِلُ الله به ذلك. كما أنَّ تعذيبَ الله -تعالى - لِمَنْ عذَّبَهُ بِالريح الشديدة الباردة؛ كَقَوْمِ عادٍ كانتْ في الوَقْتِ المُناسِبِ، وهو آخر الشتاء"[4].

    وقال ابن دقيق العيد: "ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله: {يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} [ الزمر: 16]وليس بشيء؛ لأن لله - تعالى - أفعالاً على حسب العادة، وأفعالاً خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب، فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها من بعض. وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله - تعالى - لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة، وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف؛ لقوة ذلك الاعتقاد؛ وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها، وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب حقًّا في نفس الأمر، لا ينافي كون ذلك مخوفًا لعباد الله - تعالى -"[5]·

    وعليه فإن معرفة وقت الكسوف والخسوف ليس من الغيب؛ بل يُدرك بالحساب، "وكما أن العادة التي أجراها الله – تعالى -: "أن الهِلال لا يستهل إلا ليلة ثلاثين من الشهر أو ليلة إحدى وثلاثين، فكذلك أجرى الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الاستسرار، وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار، وللشمس والقمر ليالي معتادة من عرفها عرف الكسوف والخسوف، كما أنَّ من علم كم مضى من الشهر يعلم أنَّ الهلال لا يطلع في الليلة الفُلانية أو التي قبلها، لكن العلم بالعادة في الهِلال علم عامٌّ يشترك فيه جميع الناس، وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف، فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من علم الغيب.

    وأما تصديق المخبر بذلك وتكذيبه فلا يجوز أن يصدق إلا أن يُعلم صدقه، ولا يكذب إلا أن يعلم كذبه... والعلم بوقت الكسوف والخسوف وإن كان ممكنًا لكن المخبر قد يكون عالمًا بذلك وقد لا يكون، وقد يكون ثقة في خبره وقد لا يكون... ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك فلا يكادون يخطئون، ومع هذا فلا يترتب على خبرهم علمٌ شرعي؛ فإن صلاة الكسوف والخسوف لا تُصَلَّى إلا إذا شاهدنا ذلك، وإذا جوَّز الإنسانُ صِدْقَ المخبر بذلك، أو غلب على ظنه فنوى أن يُصَلِّيَ الكسوف والخُسوف عند ذلك، واستعدَّ ذلك الوقتَ لِرُؤْيَةِ ذلك كان هذا حثًّا من بابِ المُسَارَعَةِ إلى طاعة الله تعالى وعبادَتِه؛ فإنَّ الصلاةَ عند الكسوف متفق عليها بين المسلمين، وقد تواترت بها السُّنَنُ عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم –" ا. هـ مُلَخَّصًا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •