عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً، فَطُوبى لِلْغُرَبَاءِ" رواه مسلم. الحديث فيه الدلالة على غربة الإسلام أول ما ظهر حيث ظهر في قلة من الناس، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبا "
قال القرطبي رحمه الله:" يُحتمل أن يراد بالحديث: المهاجرين، إذ تغربوا عن أوطانهم فراراً بأديانهم، فيكون معناه: أن آخر الزمان تشتد فيه المحن على المسلمين فيفرون بأديانهم، ويغتربون عن أوطانهم، كما فعل المهاجرون" [انظر المفهم 1/ 363].
قال النووي رحمه الله:" قال القاضي: وظاهر الحديث العموم، وأن الإسلام بدأ في آحاد الناس وقلة، ثم انتشر وظهر، ثم سيلحقه النقص والإخلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضاً " [انظر شرح النووي لمسلم 2/ 354].------------المراد بالإسلام في هذا الحديث هو التوحيد ( إفراد الله تعالى بالعبادة واجتناب الشرك والبراءة منه وممن فعله ) وليست غربة فى الشرائع ،غربة الإسلام التي تكلم عنها النبى صلى الله عليه وسلم – هي غربة التوحيد وليست غربة شرائع، وإلا لزم القول بأن الإسلام اليوم وقبل اليوم ظاهر معروف لا غربة فيه لأن الشرائع موجودة منتشرة بين الناس في شتى البقاع والأصقاع بل حتى الطواغيت يؤدونها وينشرونها بل ويُسمّون المساجد بأسمائهم --
قال الشيخ حمد بن عتيق – رحمه الله تعالى – لمن ناظره في أهل مكة :" قد بعث الله محمدا – صلى الله عليه وسلم – بالتوحيد الذي هو دين جميع الرسل، وحقيقته هو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله، وهو أن يكون الله معبود الخلائق فلا يتعبدون لغيره بنوع من أنواع العبادة ومخ العبادة هو الدعاء ومنها الخوف والرجاء والتوكل والإنابة والفزع والصلاة وأنواع العبادة كثيرة وهذا الأصل العظيم الذي هو شرط في صحة كل عمل، والأصل الثاني: هو طاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في أمره وتحكيمه في دقيق الأمور وجليلها وتعظيم شرعه ودينه والإذعان لأحكامه في أصول الدين وفروعه، فالأول: ينافي الشرك، والثاني ينافي البدع ولا يستقيم مع حدوثها، فإذا تحقق وجود هاذين الأصلين علما وعملا ودعوة وكان هذا دين أهل البلد أي بلد كان بأن عملوا به ودعوا إليه وكانوا أولياء لمن دان به ومعادين لمن خالفه فهم موحدون، وأما إذا كان الشرك فاشيا، مثل دعاء الكعبة والمقام والحطيم ودعاء الأنبياء والصالحين وإفشاء توابع الشرك، مثل الزنا والربا وأنواع الظلم، ونبذت السنة وراء الظهر وفشت البدع والضلالات وصار التحاكم إلى الأئمة الظلمة ونواب المشركين وصارت الدعوة إلى غير القرآن والسنة وصار هذا معلوما في أي بلد كان، فلا يشك من له أدنة علم أن هذه البلاد محكوم عليها بأنها بلاد كفر وشرك، لاسيما إذا كانوا معادين لأهل التوحيد وساعين في إزالة دينهم ومعنيين في تخريب بلاد الإسلام وإذا أردت إقامة الدليل على ذلك وجدت القرآن كله فيه وقد أجمع عليه العلماء فهو معلوم بالضرورة عند كل عالم "، وقال كذلك:" ومن له مشاركة فيما قرره المحققون قد اطلع على أن البلد إذا ظهر فيها الشرك وأعلنت فيها المحرمات وعطلت فيها معالم الدين أنها تكون بلاد كفر تغنم أموال أهلها وتستباح دماؤهم وقد زاد أهل هذه البلدة ، بإظهار المسبة لله ولدينه ووضعوا قوانين ينفذونها في الرعية مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – وقد علمت أن هذه كافية لوحدها في إخراج من أتى بها من الإسلام " وقال :" هذا ونحن نقول قد يوجد فيها من لا يُحكم بكفره في الباطن من مستضعف ونحوه وأما في الظاهر فالأمر ولله الحمد واضح " ثم ردّ الشيخ عبد الله بن حسين لما اعترض عليه قائلا أن أهل الأحساء يصلّون فجعل ذلك أمرا كافيا للحكم عليهم بالإسلام ظاهرا، ومخطئا للشيخ في حكمه عليهم بالكفر ظاهرا مع أدائهم لشرائع الدين الظاهرة كالصلاة فقال:" فيا عباد الله، أين عقولكم ؟ فإن النزاع بيننا وبين هؤلاء ليس في الصلاة وإنما هو في تقرير التوحيد والأمر به وتقبيح الشرك والنهي عنه والتصريح بذلك.... هذا هو إظهار الدين يا عبد الله بن حسين ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى- :" و البقاع تتغير أحكامها بتغير أحوال أهلها فقد تكون البقعة دار كفر إذا كان أهلها كفارا، ثم تصير دار إسلام إذا أسلم أهلها.. (إلى أن قال): وهذا أصل يجب أن يعرف، فإن البلد قد يحمد أو يذم في بعض الأوقات لحال أهله ثم يتغير حال أهله فيتغير الحكم فيهم" مجموع الفتاوى(27/143-144)