بارك الله فيك.
بارك الله فيك.
وفيكم بارك آمين
جزاكم الله خيرا وأحسن الله إليكم
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [110]
الحلقة (141)
شرح سنن أبي داود [110]
الطمأنينة في الركوع والسجود من أركان الصلاة، فينبغي للمسلم أن يطمئن في ركوعه وسجوده، حتى لا تبطل صلاته، فقد جاء في حديث المسيء صلاته أنه كرر الصلاة عدة مرات، وذلك بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان لا يقيم صلبه في الركوع، ولم يكن يطمئن في ركوعه ولا سجوده، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة الصحيحة المجزئة هي التي يتحقق فيها الاطمئنان في أركانها وواجباتها.
الدعاء بين السجدتين
شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين اللهم اغفر لي...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الدعاء بين السجدتين. حدثنا محمد بن مسعود حدثنا زيد بن الحباب حدثنا كامل أبو العلاء حدثني حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني) ]. قوله: [ باب الدعاء بين السجدتين ] يعني: في الصلاة، فهذه الترجمة تتعلق بالدعاء الذي يكون بين السجدتين. وقد أورد في ذلك حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني)]، وهذه الخمس الكلمات: كلها مما يحتاج إليه العبد. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرجل الذي قال: (هذه لربي فما لي؟) أنه أرشده عليه الصلاة والسلام إلى أن يدعو بمثل هذا الدعاء أو بما هو قريب من هذا الدعاء، وقد مر ذلك قريباً. قوله: [ (فاغفر لي) ] أي: اغفر ذنوبي. وقوله: [ (وارحمني) ] أي: اشملني برحمتك الواسعة التي وسعت كل شيء. وقوله: [ (وعافني) ] أي: ارزقني العافية والسلامة من كل شر في الدنيا والآخرة. وقوله: [ (واهدني) ] أي: ثبتني على ما حصل لي من الهدى وزدني هدى إلى هدى؛ لأن طلب الهداية يشمل أمرين: التثبيت على ما قد حصل، والمزيد مما لم يحصل أو حصول زيادة على ما قد حصل، كما قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17]، فهو يطلب الثبات على الهداية الحاصلة والمزيد من الهداية. وقوله: [ (وارزقني) ] أي: ارزقني رزقاً حلالاً أستفيد منه في دنياي وأخراي. فهذا الحديث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يدل على أن هذا الدعاء يكون بين السجدتين، وهو مشتمل على هذه الخمس الدعوات التي العبد بحاجة إليها وحاجته إليها عظيمة ولا سيما الهداية، ولهذا جاء في سورة الفاتحة طلب الهداية: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] في كل ركعة من ركعات الصلاة؛ لأن حاجة الناس إلى ذلك فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة؛ لأن هذا هو الذي فيه الزاد إلى الحياة الأخروية، وهو الهداية إلى الصراط المستقيم والثبات على طاعة الله وعلى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين اللهم اغفر لي...)
قوله: [ حدثنا محمد بن مسعود ]. محمد بن مسعود ثقة، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ حدثنا زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا كامل أبو العلاء ]. كامل أبو العلاء صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثني حبيب بن أبي ثابت ]. حبيب بن أبي ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رفع النساء إذا كن مع الرجال رءوسهن من السجدة
شرح حديث (من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب رفع النساء إذا كن مع الرجال رءوسهن من السجدة. حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري ، عن مولى لأسماء ابنة أبي بكر ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم، كراهية أن يرين من عورات الرجال) ]. قوله: [ باب رفع النساء إذا كن مع الرجال رءوسهن من السجدة ]. يعني: متى يكون ذلك؟ وهل يكون حالهن مثل حال الرجال؟ أي: إذا انقطع صوت الإمام رفعن رءوسهن كما يرفع الرجال أو أنهن يتأخرن؟ والمقصود من الترجمة أنهن يتأخرن، وذلك لعلة، وهي: كون ملابس الرجال فيها ضيق وقلة، فكان الواحد منهم يلبس الثوب الواحد، والمقصود بالثوب اللفافة التي يلفها على نفسه؛ لأن الثوب يطلق على ما هو أعم من القميص، فاللفافة التي يلفها على نفسه يقال لها: ثوب، وكان في ثيابهم قصر أو قلة، فقد تبدو عورتهم إذا سجدوا، فأمر النساء إذا صلين مع الرجال ألا يرفعن رءوسهن إلا بعدما يرفع الرجال رءوسهم ويجلسون، أي: يتأخرن قليلاً، وهذا إنما هو في هذه الحالة. أما إذا كان الأمر ليس فيه شيء مما يحذر فيرفعن كما يرفع الرجال؛ لأن هذا النهي أو أرشادهن إلى ألا يفعلن ذلك إنما هو لئلا تحصل رؤية عورة أحد من الرجال. وقد مر بنا حديث عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه الصحابي الصغير، الذي كان يصلي بقومه وعليه ثوب ضيق، وكان إذا سجد أحياناً تبدو عورته، فذكر أن امرأة قالت: (غطوا سوءة إمامكم) فاشتروا له قميصاً، فكان يصلي بهم به وقد فرح بذلك فرحاً شديداً لأنه حصل على قميص، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من القلة والفاقة، وهم خير الناس رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قوله: [ (فلا ترفع رأسها) ] يعني: من السجود. وقوله: [ (حتى يرفع الرجال رءوسهم) ] يعني: حتى يستقر الرجال ويجلسوا، فعند ذلك يرفعن رءوسهن. قوله: [ (كراهية أن يرين من عورات الرجال) ] يعني: هذا النهي لكراهية أن ترى النساء من عورات الرجال، وذلك للضيق وشدة الحاجة وعدم السعة في الملابس. فقوله صلى الله عليه وسلم: [ (من كان منكن تؤمن بالله واليوم الآخر) ] فيه حث وترغيب وتنبيه للمرأة التي تؤمن بالله واليوم الآخر على أن تبتعد عن أن ترى العورات، وأن تتعرض لرؤية العورات.
مناسبة ذكر الإيمان باليوم الآخر مع الإيمان بالله
قوله: [ (من كانت منكن تؤمن بالله) ] الإيمان بالله هو أساس كل شيء، والإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر كل هذا تابع للإيمان بالله عز وجل، فيؤمن المرء بالله وبما جاء عن الله، وبما أخبر الله تعالى به من ملائكة وإرسال رسل مضوا وإنزال كتب مضت، ويوم آخر يأتي ويجازى الناس فيه بأعمالهم، وقضاء الله تعالى وقدره، ولكنه نص على الإيمان بالله عز وجل وأتى بعده باليوم الآخر؛ لأن الذي يخاف الله عز وجل ويخشى من ذلك اليوم إذا ذكر به فإنه يخاف من الحساب فيه ومن العقوبة، فيحسب لذلك حساباً، ولهذا يأتي كثيراً في النصوص ذكر الإيمان بالله ومعه الإيمان باليوم الآخر؛ لأن فيه التنبيه على الجزاء والحساب، وأن الإنسان سيحاسب، ويجازى على ما قدم إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً، كما قال الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، وكما جاء في الحديث القدسي: (إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه). إذاً: التنصيص على اليوم الآخر مع الإيمان بالله لأنه يوم الجزاء والحساب، ففيه تنبيه عى الجزاء والعقوبة لمن حصل منه المخالفة.
شاهد يشهد لهذا الحديث
والحديث في سنده رجل مجهول، وهو مولى أسماء بنت أبي بكر ، وقد أخرج له أبو داود ، لكن معنى الحديث جاءت له شواهد تدل على ما دل عليه، فليس التعويل على ما جاء في هذا الإسناد، بل قد سبق أن مر بنا حديث في [باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلي] عن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال: (لقد رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأمثال الصبيان، فقال قائل: يا معشر النساء! لا ترفعن رءوسكن حتى يرفع الرجال)، وذلك حتى لا يرين العورات، فهو يدل على مثل ما دل عليه الحديث الذي معنا الذي فيه الرجل المجهول. وهذا النهي مقيد بهذا الأمر، فإذا لم يكن هناك شيء من هذا وكانت الثياب ساترة وكافية وليس فيها انكشاف عورة فليس هناك بأس.
تراجم رجال إسناد حديث (من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم)
قوله: [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ]. محمد بن المتوكل العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود وحده. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني يماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنبأنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري، ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري ]. عبد الله بن مسلم أخي الزهري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن مولى لأسماء ابنة أبي بكر ]. مولى أسماء مجهول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن أسماء بنت أبي بكر ]. هي أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي صحابية أخرج لها أصحاب الكتب الستة، وهي التي اجتمع لها إسلام أبيها وجدها وابنها، فأبوها أبو بكر بن أبي قحافة ، وجدها أبو قحافة ، وابنها عبد الله بن الزبير ، وكل هؤلاء صحابة اجتمع لهم الإسلام والصحبة. ومولى أسماء بنت أبي بكر قد يكون هو عبد الله بن كيسان كما صرح به المزي في التهذيب (8/517) والحافظ ابن حجر في تهذيبه. ولكن الحافظ قال في التقريب في باب المبهمات: عبد الله بن مسلم أخو الزهري عن مولى أسماء يحتمل أن يكون عبد الله بن كيسان . وقال المنذري : مولى أسماء مجهول، والحديث تفرد به أبو داود . و المزي لم يذكر من الرواة عن أسماء إلا عبد الله بن كيسان . و عبد الله بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ابن حجر يقول: يحتمل أن يكون هو، وعلى كل فالحديث ثابت، سواءٌ أكان المبهم ابن كيسان -وهو ثقة ولا إشكال- أم كان غيره؛ لأن الحديث لم يأت من هذه الطريق وحدها بل جاء من غيرها. والشيخ الألباني صححه.
طول القيام من الركوع وبين السجدتين
شرح حديث (أن رسول الله كان سجوده وركوعه وقعوده وما بين السجدتين قريباً من السواء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن البراء رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سجوده وركوعه وقعوده وما بين السجدتين قريباً من السواء) ]. قوله: [ باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين ] يعني أن هذين الموضعين من مواضع الصلاة لا يخففان، بل يطمأن فيهما ويطال فيهما القيام والجلوس؛ لأنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، وعلى هذا فما جاء عن بعض أهل العلم من تخفيفهما تخفيفاً شديداً ليس بصحيح، بل الثابت الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صحابته الكرام هو تطويلهما، وقد جاءت في ذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنها حديث البراء أنه قال: (كان ركوع رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتداله من الركوع وسجوده وجلوسه بين السجدتين قريباً من السواء. ومعناه: أن ذلك وإن لم يكن متماثلاً تماماً إلا أن فيه شيئاً من التقارب، ومعنى هذا أنه لا يخفف ما بعد الركوع وما بين السجدتين، بل يطمأن ويستقر فيهما، فكون ركوعه واعتداله من الركوع وسجوده واعتداله من السجود قريباً من السواء يدل على أن هذين الموضعين لا يخففان، وإنما هما كغيرهما من بقية الأركان التي هي الركوع والسجود، وهي متقاربة وإن لم تكن متماثلة تماماً؛ لأن قوله: [ (قريباً من السواء) ] يشعر بأن بينهما شيئاً من الفرق، لكنه ليس فرقاً كبيراً، بل هي متقاربة، وعلى كل فالإطالة موجودة بين بعد الركوع وبين السجدتين.
بيان الخطأ في لفظ (وقعوده وما بين السجدتين)
قوله: [ (وقعوده وما بين السجدتين) ]. لعل الذي يبدو أنه قعوده ما بين السجدتين، فليس القعود شيئاً وما بين السجدتين آخر؛ لأن الكلام كله يتعلق يما بين السجدتين، فالعبارة ليست واضحة من ناحية العطف، ولا يستقيم إلا أن تكون العبارة: قعوده ما بين السجدتين، أو: قعوده بين السجدتين، وسيأتي في بعض الروايات التنصيص على ذلك: (وقعوده بين السجدتين)، وفي بعض النسخ: (وقعوده ما بين السجدتين)، فتصير الواو زائدة، وزيادتها هي الظاهرة؛ لأن قعوده ما بين السجدتين المقصود به الجلوس بين السجدتين، وهو الذي ترجم له المصنف.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله كان سجوده وركوعه وقعوده وما بين السجدتين قريباً من السواء)
قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي ليلى ]. هو عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن البراء ]. هو البراء بن عازب رضي الله عنهما، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت و حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده قام حتى نقول: قد أوهم، ثم يكبر ويسجد، وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم) ]. قوله: [ (ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام) ] يعني أنه كان يخفف ولكنه مع تخفيفه لا يكون نقص في الصلاة، بل هي في تمام، فكان لا يطيل الإطالة الشديدة، وتخفيفه ليس فيه إخلال، وإنما هو في تمام، فهو إيجاز مع تمام، فليس هناك تطويل شديد، وليس هناك إيجاز شديد بحيث يحصل معه إخلال، فقد جمع بين الإيجاز والتمام في صلاته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (وكان إذا قال: سمع الله لمن حمده قام) ] أي: وقف قائماً، [ (حتى نقول: قد أوهم) ] أي: لعله قد نسي، وكان يظن أنه قد نسي الركوع من جهة طول قيامه، وهذا يدل على طول القيام، فقوله: [ (قد أوهم) ] أي: أوهم غيره بالنسيان، أو أُوهم، أي: حصل له نسيان، وجاء في بعض الروايات: (حتى أقول: قد نسي)، والمقصود بقوله: (أقول) أي: في نفسي، فلا يقول بلسانه وإنما يقول في نفسه، أو (حتى نقول) أي: نظن في أنفسنا أنه نسي، وذلك يدل على طول القيام، وهو واضح في المطابقة لما ترجم له المصنف من طول القيام بعد الركوع وطول الجلوس بين السجدتين. قوله: [ (وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم) ] أي: حتى نقول: قد نسي.
تراجم رجال إسناد حديث (ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله ...)
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه الصحابي الجليل، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم. وهذا السند سند رباعي؛ لأنهم وإن كانوا خمسة إلا أن اثنين يعتبران في طبقة واحدة؛ لأن حماداً يرويه عن ثابت ويرويه عن حميد بن أبي حميد الطويل ، فهو من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.
شرح حديث (رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فوجدت قيامه كركعته وسجدته...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و أبو كامل -دخل حديث أحدهما في الآخر- قالا: حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن أبي حميد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: (رمقت محمداً صلى الله عليه وسلم -وقال أبو كامل : رسول الله صلى الله عليه وسلم- في الصلاة فوجدت قيامه كركعته، وسجدته واعتداله في الركعة كسجدته، وجلسته بين السجدتين، وسجدته ما بين التسليم والانصراف قريباً من السواء). قال أبو داود : قال مسدد : (فركعته واعتداله بين الركعتين، فسجدته فجلسته بين السجدتين، فسجدته فجلسته بين التسليم والانصراف قريباً من السواء) ]. قوله: [ (وسجدته ما بين التسليم والانصراف) ]، إما أنه تصحيف وإما أنه خطأ بلا شك، فإنه ليس له معنى، فإما أن تكون الجملة (وما بين التسليم والانصراف) أو (وجلسته ما بين التسليم والانصراف)، فإن التسليم والانصراف ليس بينهما سجدة، والمقصود ما بين التسليم والانصراف. والرواية الثانية توضح ذلك، وهي قوله: [ (فجلسته ما بين التسليم والانصراف) ] أي: الانصراف إلى المأمومين بعد السلام، فهذا يدل على أنه في الرواية الأولى خطأ، فإما أن قوله: [ (وسجدته) ] بدله (فجلسته)، أو أنه على ما هو عليه ولكن هناك واو سابقة؛ لأن التسليم والانصراف ليس بينهما سجود، وإنما السجود سجدتان، ومعناه أن الركوع والسجود وما بعد الركوع وما بين السجدتين وما بين التسليم والانصراف متماثل.
حكم قول (سيدنا) للنبي صلى الله عليه وسلم
قوله: [ (رمقت محمداً صلى الله عليه وسلم) ] أي: نظرت وقدرت. قوله: [ وقال أبو كامل : رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. أي أن شيخي أبي داود أحدهما قال: (محمد عليه الصلاة والسلام) والثاني قال: (رسول الله) والفرق هو في التعبير فقط: بـ (محمد) و(الرسول)، هذا هو الفرق والنتيجة واحدة، لكن الكلام على الفرق في العبارة، وهذا يدلنا على دقة المحدثين ومحافظتهم على الألفاظ، حتى الشيء الذي لا يترتب عليه اختلاف في المعنى ينصون عليه، فأحد الشيخين في طريقه قال: [رمقت محمداً صلى الله عليه وسلم]، والشيخ الثاني قال: [رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم] والفرق هو في التعبير بين (محمد) وبين (رسول الله) عليه الصلاة والسلام، بين اسمه وبين وصفه صلى الله عليه وسلم. ويأتي في بعض الأسانيد أن أحد الرواة يقول: (النبي صلى الله عليه وسلم) والثاني يقول: (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولا فرق بين التعبير بالنبي والرسول فالنتيجة واحدة، ولكن هذا يدلنا على دقتهم وحرصهم على المحافظة على الألفاظ وعنايتهم الفائقة رحمة الله عليهم. وهذا يبين لنا أنه لو كان هناك تعبير بلفظ (سيدنا) مع ذكر الرسول أو ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، لو كان موجوداً عند الصحابة لذكروه ونصوا عليه، فلو كان لفظ (سيدنا) سائغاً لما تركوه، وعلى هذا فهذه الآلاف المؤلفة من الأحاديث يقولون في كل حديث منها: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ولا يقولون: (قال سيدنا رسول الله) وهو (سيدنا) لكن التعبير ما وجد، والسلف ما كانوا يفعلون ذلك، وهذا إنما وجد في الأزمنة المتأخرة ولا سيما عند كثير من الصوفية، فإنهم يقولون: سيدي، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما كانوا يقولون ذلك، وإن كان هو سيدهم وسيد البشر وسيد الخلق أجمعين في الدنيا والآخرة عليه الصلاة والسلام، وقد قال: (أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر)، فهو سيدنا وسيد الخلق، وكون الإنسان لا يعبر بسيدنا ليس فيه جفاء، وليس فيه نقص؛ لأن هذه طريقة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فما كانوا يستعملون ذلك وما كانوا يقولونه، وهذه الأحاديث التي في البخاري و مسلم وكتب السنن وغيرها كلها فيها: (قال رسول الله) وليس فيها: (قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم). فالشاهد أنهم لما كانوا ينصون على أن هذا قال: (محمد صلى الله عليه وسلم) وهذا قال: (رسول الله صلى الله عليه وسلم) دل ذلك على أنه لو كان هناك شيء يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما تركونه، فهذا يدلنا على دقتهم، ويدلنا على أن هذا اللفظ الذي وجد في هذا الزمان عند كثير من الصوفية ومن يشابههم ويقلدهم من الأمور المحدثة التي ليست من هدي السلف ولا من طريقة السلف، مع اعتقاد أنه صلى الله عليه وسلم سيد الخلق وسيد الناس أجمعين، لكن لم يكن خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين حين يذكرون اسمه يقولون: (سيدنا)، والذين لا يفعلون ذلك هم متبعون للصحابة وعلى طريقة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولو كان الصحابة يأتون بهذا ويحافظون عليه لوجب على غيرهم أن يحافظوا عليه كما حافظوا. فالحاصل أن هذا التفريق بين العبارتين دال على عنايتهم، وأنهم كانوا لا يتركون شيئاً إلا ذكروه فيما يتعلق بالرواية حتى لو لم يختلف المعنى. والغالب في الاستعمال أن يقال: (رسول الله عليه الصلاة والسلام) ويقال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم)، وذكره باسمه قليل، ويذكر بلقبه فيقال: (أبو القاسم صلى الله عليه وسلم)، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) في موضع جاء في الحديث قول الصحابي فيه: (أبو القاسم) فقال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكنيته حسن، وبوصف الرسالة أحسن، يعني أن يقال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أحسن من أن يقال: (أبو القاسم)، وهذا حسن وهذا حسن لكن هذا أحسن.
استحباب أن تكون أفعال الصلاة متقاربة في الطول
قوله: [ (فوجدت قيامه كركعته) ] هذا القيام هو الذي قبل الركوع، القيام في القراءة، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان كان قيامه مقارباً للركوع والسجود، أي أنه كان يطيل الركوع والسجود فيكون قريباً من القيام، وفي بعض الأحيان يطول القيام جداً فلا يكون قريباً من الركوع والسجود. قوله: [ (فوجدت قيامه كركعته، وسجدته واعتداله في الركعة كسجدته وجلسته بين السجدتين) ]. أي أن القيام والاعتدال والركوع والسجود والرفع من السجود كلها متقاربة. قوله: [ (وسجدته وما بين التسليم والانصراف قريباً من السواء) ]. قد جاء في بعض الأحاديث -وهو صحيح-: (ما خلا القيام والقعود) ومعناه أن الأفعال متقاربة إلا القيام في القراءة والقعود للتشهد، فإنه يكون أطول من الركوع ومن السجود ومن الجلسة بين السجدتين ومن القيام بعد الركوع، فقوله: ( ما خلا القيام ) يعني: في القراءة في أول الصلاة، ( والقعود ) يعني: في آخرها أو في وسطها. قوله: [ (فجلسته بين التسليم والانصراف) ] يعني: بعد السلام، فإذا سلم يجلس قليلاً مستقبل القبلة بمقدار ما يقول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى المأمومين، هذه الفترة التي يقول فيها هذا الذكر وهو مستقبل القبلة هي قريبة من الركوع والسجود والجلسة بين السجدتين. ومعناه أنه لا يطيل الجلوس وهو مستقبل القبلة بعد السلام، بل يجلس بمقدار ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من هذا الذكر الذي هو: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى المأمومين ويلقيهم وجهه.
تراجم رجال إسناد حديث (رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فوجدت قيامه كركعته وسجدته...)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو ابن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و أبو كامل ]. هو فضيل بن حسين الجحدري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . وقوله: [ دخل حديث أحدهما في الآخر ] يعني: تشابها أو تماثلا، وقد ذكر لفظ مسدد حيث ساقه فيما بعد فقال: [قال مسدد ...] إلخ. [ حدثنا أبو عوانة ]. هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن أبي حميد ]. هلال بن أبي حميد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب ]. عبد الرحمن و البراء مر ذكرهما.
صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. حديث المسيء صلاته ]. قوله: [ حديث المسيء صلاته ] من كلام المعلق، وهذا غير صحيح، فليس له أن يضيف، بل يكتفي بتبويب أبي داود، ولا حاجة لأن يقول: [حديث المسيء صلاته]؛ لأنه سيذكر تحت هذا الحديث حديث المسيء صلاته وغيره، فليس الباب مقصوراً عليه، بل فيه حديث المسيء وغيره.
شرح حديث (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن سليمان عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود) ]. قوله: [ باب: صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ] يعني: يقيم ظهره في الركوع والسجود، بحيث يطمئن ويستقر ولا يستعجل في ركوعه ولا في سجوده، ويعتدل في ركوعه وفي سجوده. وأورد أبو داود حديث عقبة بن عمرو الأنصاري البدري أبو مسعود ، وهو مشهور بكنيته رضي الله تعالى عنه، وقد يقع تصحيف بين أبي مسعود و ابن مسعود ، فيقال: (عن ابن مسعود) وهو أبو مسعود ، كما حصل في بعض نسخ بلوغ المرام في حديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، وهو من رواية أبي مسعود هذا، فإنه في كثير من النسخ المطبوعة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، والتصحيف بين (ابن) و(أبي) يمكن ويحصل؛ لأن الكتابة فيهما متقاربة، فقد يتصحف الاسم من (أبي مسعود) إلى (ابن مسعود)، والذي هو مشهور بالرواية الكثيرة هو ابن مسعود ، ولهذا تصحفت (أبو) إلى (ابن) في حديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) في نسخ بلوغ المرام. و عقبة بن عمرو الأنصاري البدري قيل: إنه لم يشهد بدراً ولكنه سكن بدراً فنسب إليها، ولكن جاء عن البخاري أنه قال: إنه شهد بدراً. قوله: [ (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود) ] أي أنه لابد من الاطمئنان، فلا ينقر الصلاة في ركوعه وسجوده نقراً بحيث يصل إلى الأرض أو يهوي ثم يرتفع مباشرة، وإنما يستقر ويطمئن ويقيم صلبه بحيث يأتي بالذكر والدعاء، ولو بأقل ما يحصل به الاطمئنان، فلا يلزم التطويل ولكن الشيء الذي لابد منه هو حصول الاطمئنان في حال الركوع والسجود، بحيث لا ينقر الصلاة نقراً، وإذا حصل منه ذلك النقر الذي ليس فيه اطمئنان فصلاته غير صحيحة ولا تجزئ.
تراجم رجال إسناد حديث (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود)
قوله: [ حدثنا حفص بن عمر النمري ]. قد مر ذكره. [ حدثنا شعبة عن سليمان ]. شعبة مر ذكره، و سليمان هو سليمان بن مهران الأعمش الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن عمير ]. عمارة بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي معمر ]. هو عبد الله بن سخبرة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مسعود البدري ]. هو أبو مسعود البدري عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث المسيء صلاته
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي حدثنا أنس -يعني ابن عياض - قال، ح: وحدثنا ابن المثنى حدثني يحيى بن سعيد عن عبيد الله -وهذا لفظ ابن المثنى - حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه السلام وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام، ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل، حتى فعل ذلك ثلاث مرار، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم اجلس حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها). قال القعنبي : عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال في آخره: (فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من هذا شيئاً فإنما انتقصته من صلاتك، وقال فيه: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء) ]. هذا الحديث مشهور باسم (حديث المسيء صلاته) وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فجاء رجل فدخل المسجد وصلى، وفي بعض الروايات أنه صلى ركعتين، وهذا يدل على أنها نافلة، وقال بعض أهل العلم: إنها تحية المسجد، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فرد عليه السلام وقال: [ (ارجع فصل فإنك لم تصل) ] فرجع وصلى ثم جاء وسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام وقال: [ (ارجع فصل فإنك لم تصل) ]، ثم رجع وصلى ثم جاء وسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: [ (ارجع فصل فإنك لم تصل) ] فقال: [ والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني ]، فعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم الأمور التي لابد منها في الصلاة، أو الأمور التي رأى أنه أخل بها في صلاته، وغالبها أفعال وفيها أقوال وهي القراءة، ولكن الغالب فيها أنها أفعال: ركوع وسجود وقيام بعد الركوع وجلوس بين السجدتين.. وهكذا.
فائدة تكراره للصلاة عدة مرات
هذا الرجل لما جاء وصلى والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ثم قال له: [ (ارجع فصل) ] لم يقل: علمني، أو: لا أحسن غير هذا فعلمني، وإنما أراد أن يرجع ويصلي حتى يتحقق من حسن صلاته أو عدم حسنها، فرجع وصلى مثل ما صلى فقال له: [ (ارجع فصل فإنك لم تصل) ] ولما قال في الثالثة: [ إني لا أحسن غير هذا فعلمني ] علمه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون عدم تعليم النبي صلى الله عليه وسلم إياه في أول مرة إما للتحقق، أو أنه يريد منه أن يقول: إنه لا يحسن غير ذلك، ولكنه كرر ذلك ثلاث مرات، ولا شك في أن هذا الفعل وهذا الترداد ثم بعد ذلك كونه يقول: علمني ثم يعلمه، لا شك أن ذلك فيه تثبيت لتلك الكيفية التي يعلمه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه، وأنه سوف يعرفها تماماً مادام أنه قد حصل هذا الجهد وحصل هذا التكرار والترداد منه، فلا شك في أنه بعد ذلك سيحصل منه استيعاب لما يعلمه إياه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. والحديث يدل على أن الإنسان إذا ذهب ولو لم يختف ثم جاء فإنه يكرر السلام، فلو ذهب إلى مكان ولو لم يختف عن صاحبه فإنه يسلم إذا رجع؛ لأن ذلك الصحابي جاء وسلم مراراً، كلما ذهب وجاء والرسول ينظر إليه وينظر إلى صلاته يأتي ويسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يرد عليه السلام صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وجوب التكبير للدخول في الصلاة وأنه لا يجزئ غيره
فلما ذكر الرجل أنه لا يعرف غير وقال: [ والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا ]، علمه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له: [ (إذا قمت إلى الصلاة فكبر) ]، أي: إذا أردت الدخول في الصلاة وقمت لتدخل في الصلاة فكبر؛ لأن هذا التكبير هو للدخول في الصلاة، وهو يدل على أن التكبير هو مفتاح الصلاة أو هو للدخول في الصلاة، وأنه لا يجوز غير ذلك؛ لأنه لو جاز أن يأتي بغير ذلك لعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، أو لقال: فكبر أو ائت بأي لفظ يدل على التعظيم، وإنما قال: [ (فكبر) ]، وهديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر، وقال: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، والنصوص في هذا كثيرة، وكلها تدل على أن الدخول في الصلاة يكون بالتكبير ولا يكون بغير ذلك؛ لأنه لو أجزأ شيء غير ذلك لعلمه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، ولفعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولما قصر تحريم الصلاة على أنه يكون بالتكبير دل على أن التكبير أمر لابد منه في الدخول في الصلاة.
حكم قراءة الفاتحة في الصلاة
قوله: [ (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) ]. بعض العلماء يستدل بهذا على عدم لزوم الفاتحة، وأن الفاتحة ليست بلازمة، بل يقرأ الإنسان ما تيسر، لكنه جاء في بعض الروايات: (ثم أقرأ الفاتحة وما تيسر)، وجاء في بعض الأحاديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، فقوله: [ (ما تيسر) ] مجملٌ جاء بيانه وتفسيره في السنة، مثلما جاء تفسير قوله تعالى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] حيث جاء مطلقاً في هدي التمتع، لكنه فسر بأنه ذبح شاة، وهي أقل ما يجزئ، وإن ذبح أكثر من ذلك صح وجاز، فجاء بيان هذا الذي استيسر في السنة، وهنا هذا اللفظ المجمل جاء تفسيره في السنة، وأنه لابد من قراءة الفاتحة، ثم يقرأ شيئاً معها، وقد جاء في بعض الأحاديث: (اقرأ الفاتحة وما تيسر).
وجوب الطمأنينة في الركوع والرفع منه والسجود والرفع منه
قوله: [ (ثم اركع حتى تطمئن راكعا) ]. أي: بعد ذلك يركع، والركوع لابد منه، ولابد من الاطمئنان فيه؛ لأنه قال: [ (حتى تطمئن راكعاً) ]، فلا يكفي أن يهوي ثم يرفع فيكون كالغراب الذي ينقر الأرض. قوله: [ (ثم ارفع حتى تعتدل قائما) ]. أي: حتى تطمئن قائماً وتكون معتدلاً في القيام، فتكون ساجداً من قيام لا ساجداً من حال بين القيام والركوع، فلابد من القيام ولابد من الاطمئنان، وقد مر بنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطيل القيام بعد الركوع، يقول أنس : (حتى نقول: قد أوهم). قوله: [ (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا) ]. أي أنه يسجد ويستقر ويطمئن في سجوده، ولا يهوي إلى الأرض ثم يرفع كهيئة الطير الذي ينقر ليأخذ الشيء الذي يأكله من الأرض ثم يرفع. قوله: [ (ثم اجلس حتى تطمئن جالسا) ]. يعني: ثم اجلس بين السجدتين حتى تطمئن جالساً، فلابد من الاطمئنان. قوله: [ (ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) ]. أي: في جميع الركعات، فقد ذكر طريقة القيام والركوع والاعتدال من الركوع والسجود والاعتدال بين السجدتين، فذكر هذه الأفعال التي لابد منها في الصلاة.
شرح رواية (فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك ...)
قوله: [ قال القعنبي : عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال في آخره: [ ( فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من هذا شيئاً فإنما انتقصته من صلاتك) ]. الرواية السابقة جاءت عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه، وهذه عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة بدون واسطة أبيه، ولا إشكال في ذلك؛ لأن سعيد بن أبي سعيد يروي عن أبي هريرة ويروي عن أبيه عن أبي هريرة . قوله: [ (فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من هذا شيئاً فإنما انتقصته من صلاتك) ] يعني: إنك إذا أتيت بهذه الهيئة كانت الصلاة مجزئة، وإذا انتقصت من ذلك فإنه ينتقص من صلاتك، لكن إذا كانت بالهيئة التي هي السرعة كنقر الغراب ونقر الطائر فإن الصلاة لا تصح، وأما الواجب الذي لابد منه فهو الذي تجزئ معه الصلاة، وما زاد على ذلك فهو من النوافل ومن الأمور المستحبة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها. قوله: [ وقال فيه: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء) ]. أي: إذا أردت القيام فأسبغ الوضوء، مثل قوله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:6] أي: إذا أردتم القيام، وإسباغ الوضوء شيء لابد منه، وهو أن يغسل المرء مرة واحدة يُجري فيها الماء على الأعضاء التي يجب غسلها، وأما الإسباغ المستحب الذي ليس بواجب فهو كونه يغسل مرتين أو ثلاث مرات؛ لأن هذه من الأمور المستحبة، وأما تعميم الماء ووصوله إلى الأعضاء وإن لم يحصل الدلك فهو القدر المجزئ الذي يكفي، وما زاد على ذلك فهو من باب الاستحباب.
تراجم رجال إسناد حديث المسيء صلاته
قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا أنس -يعني ابن عياض- ]. أنس بن عياض ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثني يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا لفظ ابن المثنى ]. أي: سياق الشيخ الثاني؛ لأن هنا شيخين: القعنبي في الطريق الأولى، و ابن المثنى في الطريق الثانية، وهذا لفظ ابن المثنى . [ حدثني سعيد بن أبي سعيد ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. قوله: [ قال القعنبي : عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة ]. معنى هذا أنه ساقه على أصل ابن المثنى وفيه سعيد بن أبي سعيد ، وطريق القعنبي الأولى ليس فيها ذكر والده، وإنما سعيد بن أبي سعيد يروي عن أبي هريرة مباشرة، ولا تنافي بينهما؛ لأن سعيد بن أبي سعيد يروي عن أبي هريرة ويروي عن أبيه عن أبي هريرة ."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [111]
الحلقة (142)
شرح سنن أبي داود [111]
الصلاة لها شأنها العظيم، ولا يعظم أجرها إلا بزيادة الخشوع فيها، ولذا شرع للمصلي أن يأتي لها بما يدعوه إلى الخشوع فيها، وذلك أنه إذا قام للصلاة يتوضأ كما أمره الله عز وجل ثم يدخل في صلاته بالتكبير، ويجعل لمفاصله حظاً من صلاته في ركوعه واعتداله وسجوده ونحو ذلك، ويمكن أعضاء السجود في سجوده من الأرض، ويجتنب الهيئات المنهي عنها في الصلاة، كافتراش السبع، ويحرص على أن يجعل صلاته في تمام لا أن ينقرها كنقر الغراب، وبذلك ينصرف من صلاته وقد كتب له الأجر العظيم.
تابع صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود
شرح حديث رفاعة في الطمأنينة في الركوع
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن عمه أن رجلاً دخل المسجد فذكر نحوه، قال فيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء -يعني: مواضعه- ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثني عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن، ثم يقول: الله أكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائماً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعداً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبر، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته) ]. قوله: [ (لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء -يعني: مواضعه) ]. معناه أنه يتوضأ كما أمره الله عز وجل، بأن يغسل وجهه، ثم اليدين والمرفقين، ثم يمسح برأسه، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين، حيث إنه لابد من الوضوء. وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، فمن شروط الصلاة أن يسبقها بالطهارة، والأمر بالصلاة هو أمر بالطهارة؛ للقاعدة المشهورة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، فمن الأمور التي لابد منها عند الصلاة أن يتطهر إما بالماء أو بالتيمم عند عدم الماء أو عند العجز عن استعمال الماء، وعلى هذا فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء صلاته في هذه الطريق الثانية التي أوردها أبو داود أنه لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ ويضع الوضوء في مواضعه، وذلك بأن يأتي به في الأماكن أو في الأعضاء التي بينها الله عز وجل في سورة المائدة، وهي غسل الوجه واليدين والمرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين. قوله: [ (ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثني عليه) ]. أي: يأتي بتكبيرة الإحرام التي هي مفتاح الصلاة، والتي لا يكون الدخول في الصلاة إلا بها، وتسمى تكبيرة الإحرام لأنه يحرم على الإنسان بقولها والإتيان بها ما كان حلالاً له قبلها، فالتكبير في الصلاة للإحرام كالإحرام في الحج؛ لأنه قبل أن يحرم بالحج يحل له أمور، فإذا أحرم حرمت عليه، فإذا تحلل من الحج حلت له، وكذلك الإنسان قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام في الصلاة يحل له أمور، فإذا كبر حرمت عليه، كالأكل والشرب والالتفات والتكلم والذهاب والإياب، وما إلى ذلك من المباحات التي تحل له قبل أن يدخل في الصلاة. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الصلاة: (تحريمها التكبير). يعني أن الإنسان إذا كبر تكبيرة الإحرام حرمت عليه أمور كانت حلالاً له قبل ذلك. وقوله: (وتحليلها التسليم) بمعنى أن الأمور التي كانت حرمت عليه بعد تكبيرة الإحرام قد حلت له بعد التسليم. كذلك لابد من لفظ التكبير، فلا يكفي أن يعظم الله بأي لفظ آخر، كأن يقول: (الله أجل)، أو: (الله أعظم)، بل لابد من أن يقول: الله أكبر. قوله: [ (ويحمد الله عز وجل) ]. المقصود بذلك الذكر الذي يكون بعد التكبير وقبل القراءة، وهو دعاء الاستفتاح، ودعاء الاستفتاح -كما هو معلوم- سنة، فلو لم يأت به المرء صحت صلاته. [ (ويقرأ بما تيسر من القرآن) ]. وذلك بقراءة سورة الفاتحة إذا كان الإنسان عالماً بها، وإن لم يكن قد علم بها ولكنه يعرف شيئاً من القرآن، أو دخل في الإسلام وهو لا يعرف الفاتحة لكنه يعرف شيئاً من القرآن غيرها، فإنه ينتقل إلى قراءة شيء من القرآن غير الفاتحة، لكن يجب عليه أن يتعلم الفاتحة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وإذا لم يستطع أن يتعلم شيئاً من ذلك فإنه يحمد الله ويهلله ويكبره كما سيأتي في حديث آخر من أحاديث هذا الباب، وكما سبق أن مر في قراءة الأعجمي والأعرابي أو من لا يحسن القراءة، فإنه يأتي بقوله: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وهذا معنى قوله: (إن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وهلله وكبره ثم اركع)، كما سيأتي. قوله: [ (ثم يقول: الله أكبر) ]. يعني: يكبر للركوع، ومن المعلوم أن قول (الله أكبر)، ليس من أركان الصلاة، وإنما هو من الواجبات، وعلى قول جمهور أهل العلم فإن التكبير من المستحبات إلا تكبيرة الإحرام، وأن الإنسان لو ترك بقية التكبيرات على قول جمهور العلماء فقد ترك أمراً مستحباً، وقال بعض العلماء: إنه واجب، لكن لا يعتبر من الأركان التي إذا تُركت تبطل الصلاة بتركها. قوله: [ (ثم يركع حتى تطمئن مفاصله) ]. بمعنى أنه يطمئن بحيث يستقر في ركوعه، وتطمئن المفاصل بعد الهوي للركوع، بحيث يكون هناك استقرار، أما أن يهوي للركوع ثم يرتفع دون أن تستقر مفاصله فلا تصح صلاته، بل لابد من الاستقرار في الركوع والاطمئنان فيه، وهذا شيء لابد منه في الصلاة، والذي ينقر الصلاة نقراً ويهوي ثم يرفع بسرعة أو يسجد ثم يهوي بسرعة دون أن يستقر لا يقال: إنه قد ركع، ولا يقال: إنه سجد، بل لابد من الاطمئنان ولو شيئاً يسيراً جداً. قوله: [ (ثم يقول: سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائماً) ]. أي: يقول: (سمع الله لمن حمده)، عند الرفع من الركوع، حتى يستقر ويعتدل قائماً. قوله: [ (ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله) ]. معناه أنه يطمئن في سجوده ويستقر فيه، بحيث تكون الحركة التي صدرت منه عند الهوي إلى السجود قد انتهت، وحصل الاستقرار والاطمئنان في السجود. قوله: [ (ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعداً) ]. يعني: يفعل هذا بين السجدتين. قوله: [ (ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله) ]. يعني: عندما يهوي للسجدة الثانية فإنه يسجد حتى تطمئن مفاصله كما حصل في السجدة الأولى. قوله: [ (ثم يرفع رأسه فيكبر) ]. يعني: يكبر قائماً للركعة الثانية. قوله: [ (فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته) ]. يعني: إذا فعل ذلك في جميع الركعات؛ لأنه بين ما يتعلق بالركعة الواحدة من الأفعال التي ينبغي تطبيقها في كل ركعة، فيفعل في كل الركعات كما فعل في الركعة الأولى من القراءة ومن الركوع والسجود. وقوله: (الله أكبر) وقوله: (سمع الله لمن حمده) إلا الاستفتاح فإنه لا يكون إلا في الركعة الأولى عند الدخول في الصلاة بعد التكبير وقبل القراءة، كما سبق أن مر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في باب السكتات التي يسكتها الإمام قال أبو هريرة : (أرأيت في سكوتك -بأبي أنت وأمي يا رسول الله- بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي...).
تراجم رجال إسناد حديث رفاعة في الطمأنينة في الركوع
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ]. إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن يحيى بن خلاد ]. علي بن يحيى بن خلاد ثقة, أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عمه ]. عمه هو رفاعة بن رافع، وهو صحابي، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
شرح حديث رفاعة في الطمأنينة في السجود
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا هشام بن عبد الملك و الحجاج بن منهال قالا: حدثنا همام حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع رضي الله عنه بمعناه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله عز وجل ويحمده، ثم يقرأ من القرآن ما أذن له فيه وتيسر. فذكر نحو حديث حماد قال: ثم يكبر فيسجد فيمكن وجهه -قال همام: وربما قال: جبهته- من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثم يكبر فيستوي قاعداً على مقعده ويقيم صلبه -فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ-، لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك) ]. أورد المصنف حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه من طريق أخرى وهي مثل التي قبلها في صفة الصلاة، وأنه لابد من إسباغ الوضوء، وإسباغ الوضوء يكون بتعميمه على الأعضاء، بحيث لا يخلو جزء ولو كان قليلاً من الأعضاء المغسولة من وصول الماء إليه، وهذا هو الأمر الواجب الذي لابد منه، وما زاد على ذلك فهو سنة ومستحب، وهو من الإسباغ، ولكن الإجزاء يحصل بوصول الماء إلى جميع الأجزاء المغسولة، وهي غسل الوجه واليدين والمرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين كما جاء ذلك في سورة المائدة. قوله: [ (ثم يكبر الله عز وجل ويحمده) ] هنا فيه ذكر الحمد بعد تكبيرة الإحرام، ولعل المقصود من ذلك هو دعاء الاستفتاح الذي هو حمد وثناء أو دعاء كما جاء في بعض الأحاديث التي فيها الاستفتاح، لأن منه ما هو حمد وثناء كقوله: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك) ومنه ما هو دعاء، كقوله: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب). قوله: [ (ثم يقرأ من القرآن ما أذن له فيه وتيسر، فذكر نحو حديث حماد، قال: ثم يكبر فيسجد فيمكن وجهه -قال همام : وربما قال: جبهته- من الأرض) ]. هذا فيه اختصار؛ لأنه ما ذكر الركوع. قوله: [ (وربما قال: جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثم يكبر فيستوي قاعداً على مقعده ويقيم صلبه، فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ) ]. يعني أن ما يجري في الركعة الواحدة يجري في الأربع الركعات إذا كانت الصلاة رباعية.
تراجم رجال إسناد حديث رفاعة في الطمأنينة في السجود
قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا هشام بن عبد الملك ]. هو أبو الوليد الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و الطيالسي يروي عنه أبو داود بواسطة وبغير واسطة؛ لأنه يقول أحياناً: (حدثنا أبو الوليد الطيالسي -كما سيأتي في هذا الباب- بغير واسطة). [ و الحجاج بن منهال ]. الحجاج بن منهال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه ]. هذا مثل الذي تقدم، إلا أنه فيه ذكر أبيه وهو يحيى بن خلاد ، و يحيى بن خلاد يروي عن عمه رفاعة بن رافع ؛ لأن رفاعة أخو خلاد فيحيى بن خلاد بن رافع يروي عن عمه رفاعة بن رافع . و يحيى بن خلاد له رؤية، وذكره ابن حبان في ثقاة التابعين، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عمه رفاعة بن رافع ]. هو رفاعة بن رافع رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
حكم السجود على غير الجبهة أو على بعضها
قال الخطابي : وفيه دليل على أن السجود لا يجزئ على غير الجبهة، وأن من سجد على كور العمامة ولم يسجد معها على شيء من جبهته لم تجزئه صلاته. وهذا الكلام صحيح؛ لأن الإنسان إذا لم يمكن جبهته من الأرض لا تصح صلاته، وإذا كان بعض الجبهة مغطى فإنه يسجد على ما غطي وعلى ما كان مكشوفاً، أما أن يغطي جبهته كلها بدون مانع أو أن العمامة تكون ملفوفة ثم يسجد عليها ويرتفع عن الأرض فلا تصح الصلاة، هذا مقتضى كلام الخطابي وهو صحيح.
شرح حديث (إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن محمد -يعني ابن عمرو - عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه بهذه القصة، قال: (إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ، وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك، وقال: إذا سجدت فمكن لسجودك، فإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث رفاعة بن رافع من طريق أخرى، وفيها: [ (إذا قمت فتوجهت إلى القبلة) ] يعني أن الإنسان يستقبل القبلة أولاً؛ لأن استقبالها شرط من شروط الصلاة. قوله: [ (فكبر) ] يعني: يكبر حتى يدخل في الصلاة. قوله: [ (ثم اقرأ بأم القرآن) ]. قد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة، ومنها (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب). قوله: [ (وبما شاء الله أن تقرأ) ] يعني: بعد الفاتحة. قوله: [ (وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك) ]. يعني أنه يعتمد براحتي اليدين ثم تكون الأصابع نازلة عن الركبتين. قوله: [ (وامدد ظهرك) ] بمعنى أنه يكون مستقيماً، بحيث لا يصوب رأسه ولا يشخصه بحيث يكون رأسه مساوياً لظهره. قوله: [ (وإذا سجدت فمكن لسجودك) ]. يعني: بأن تستقر على الأرض بالأعضاء التي يكون السجود عليها، وهي سبعة: الجبهة ومعها الأنف، واليدان، والركبتان، والقدمان. قوله: [ (فإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى) ]. يعني: يقعد على فخذه اليسرى مفترشاً.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر)
قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن خالد ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، أو هو خالد بن الحارث الهجيمي البصري، وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وليس هناك إشكال، فكل منهما ثقة. [ عن محمد -يعني ابن عمرو- ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة بن رافع ]. قد مر ذكرهم.
شرح حديث (إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله تعالى ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن محمد بن إسحاق حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة، قال: (إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله تعالى، ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن، وقال فيه: فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد، ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ من صلاتك) ]. أورد أبو داود حديث رفاعة بن رافع رضي الله تعالى عنه وهو مثل ما تقدم إلا أن فيه بعض الفروق، منها قوله: [ (إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله تعالى ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن) ]. يعني: تيسر عليك أو لك. وقوله: [ (فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن) ]. يعني: للتشهد الأول، وذلك إنما يكون في الثلاثية والرباعية، فاطمئن وتشهد. قوله: [ (ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ صلاتك) ]. يعني: إذا قمت لإكمال الصلاة -سواء أكانت ثلاثية، بأن تأتي بركعة أم رباعية بأن تأتي بركعتين- فإن تعمل فيما بقي من صلاتك بعد التشهد الأول كما عملته في صلاتك قبل التشهد الأول حتى تفرغ من صلاتك.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله تعالى ...)
قوله: [ حدثنا مؤمل بن هشام ]. مؤمل بن هشام ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع ]. قد مر ذكرهم.
شرح حديث (فتوضأ كما أمرك الله عز وجل ثم تشهد فأقم ثم كبر...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباد بن موسى الختلي حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر - أخبرني يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن جده عن رفاعة بن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقص هذا الحديث، قال فيه: (فتوضأ كما أمرك الله عز وجل، ثم تشهد فأقم ثم كبر، فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وكبره وهلله، وقال فيه: وإن انتقصت منه شيئاً انتقصت من صلاتك) ]. أورد حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه زيادات على ما تقدم، حيث قال: [ (فتوضأ كما أمرك عز وجل ثم تشهد فأقم) ]. والمقصود بالتشهد هنا الأذان. قوله: [ (وأقم) ] يعني: الإقامة. قوله: [ (ثم كبر) ]. يعني: ادخل في الصلاة، وذلك بأن تكبر تكبيرة الإحرام. قوله: [ (فإن كان معك قرآن فاقرأ به) ]. يعني الفاتحة، وهي لابد منها إذا كانت محفوظة، وإن لم تكن محفوظة فإنه يؤتى بما تيسر من القرآن سواها، وإن لم يكن لا هذا ولا هذا فيحمد الله ويهلله ويكبره ثم يركع، وهذا شاهد للحديث الذي سبق أن مر في باب قراءة الأعجمي الذي فيه أنه يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. قوله: [ وقال فيه: (وإذا انتقصت منه شيئاً انتقصت من صلاتك) ]. يعني: إذا انتقصت من هذه الأشياء شيئاً انتقصت من صلاتك. وهذا الحديث يشير إلى الصلاة المفروضة؛ لأنه يذكر في بعض الروايات أنه يأتي بالتشهد الأول، وأما الذي هو في صلاة نافلة فهو حديث المسيء صلاته الذي دخل وصلى ركعتين ثم جاء وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم كما مر في حديث أبي هريرة .
تراجم رجال إسناد حديث (فتوضأ كما أمرك الله عز وجل ثم تشهد فأقم ثم كبر...)
قوله: [ حدثنا عباد بن موسى الختلي ]. عباد بن موسى الختلي ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي ]. [ حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر- ]. إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع ]. هذا زيادة في النسب المتقدم؛ لأن الذي تقدم علي بن يحيى عن أبيه عن عمه وهنا يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن جده وجده يروي عن عمه رفاعة ، ففي هذا الحديث أن الذي يروي عن علي ابنه، بخلاف الطرق السابقة فإنه يروي فيها عنه غير ابنه، ولهذا قال: عن أبيه عن جده عن رفاعة ، و يحيى بن علي هذا مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه عن جده عن رفاعة بن رافع ]. قد مر ذكرهم.
شرح حديث (نهى رسول الله عن نقرة الغراب وافتراش السبع...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر بن الحكم، ح: وحدثنا قتيبة حدثنا الليث عن جعفر بن عبد الله الأنصاري عن تميم بن محمود عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير) هذا لفظ قتيبة ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نقرة الغراب، وذلك في حال الركوع والسجود، يعني أنه يهوي للركوع ثم يرفع بسرعة ويهوي للسجود ثم يرفع بسرعة مثل الغراب الذي يلتقط شيئاً من الأرض، فهو يضع منقاره ثم يرفعه بسرعة بعدما يأخذ الشيء الذي يريد أكله، وكذلك من يصلي ويركع بسرعة ويسجد بسرعة بحيث لا يطمئن في ركوعه ولا في سجوده، فهو يرفع رأسه دون أن يطمئن كما يفعل الطائر الذي يلقط الشيء الذي يأكله، فإنه يضع منقاره على الأرض ويأخذه بسرعة ثم يرفعه وهكذا، وهذا فيه عدم الاطمئنان في الصلاة والعجلة فيها والسرعة التي لا استقرار فيها ولا هدوء فيها. قوله: [ (وافتراش السبع) ]. يعني كونه عندما يسجد يمد ذراعه كله ويجعله على الأرض، بحيث يكون مرفقه على الأرض وكفه على الأرض مثل افتراش الكلب أو السبع، والصحيح أن يضع كفيه على الأرض ويرفع مرفقيه ويجافيهما عن جنبيه، هذا هو المشروع وهذا هو السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير) ]. يعني أن غير الإمام يتخذ مكاناً لا يصلي فرضه إلا فيه، بحيث يكون دائماً وأبداً لا يصلي الفرض إلا في هذا المكان، مثل ما يفعل البعير الذي يألف مكاناً ويأتي ويبرك فيه ولا يتعداه. وفسر بتفسير آخر لكنه ليس بصحيح، وهو أنه يبرك بحيث يقدم ركبتيه ويهوي بسرعة حتى يكون لهما صوت مثل ما يفعل البعير عندما يثني يديه ثم تقع ركبة يديه على الأرض ويحدث لهما صوت؛ لأن ثقله يكون على ركبتي اليدين، فإذا فعل هذه الهيئة أشبه البعير، لكن معلوم أن الإنسان يصل إلى الأرض بسهولة ويسر، بحيث تقع الركبتان على الأرض دون أن يصير لهما صوت. وهذا التفسير لا يستقيم؛ لأنه قال: [ (في المسجد) ] فهذا يدل على أن الأمر هو اتخاذ المكان، وليس المقصود هذه الهيئة التي تكون في المسجد وفي غير المسجد، فكونه ينزل على الأرض بسرعة ليس له علاقة بالمسجد؛ لأنه قد يصلي في المسجد وفي غير المسجد، لكن الشيء الذي يتعلق بالمسجد هو كونه يتخذ مكاناً يلازمه كما يلازم البعير مكانه الذي يكون فيه، ويبدو أنه في الفرض مع الإمام. وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذه المسألة يقول: ويكره لغير الإمام اتخاذ مكان لا يصلي فرضه إلا فيه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إيطانه كإيطان البعير. والنهي عن مكان بذاته، أما كون الإنسان يصلي في جهة معينة فالظاهر أنه جائز والأمر في ذلك واسع، وهذا يختلف؛ لأنه مرة يصلي في مكان ومرة يصلي في مكان، وهذا لا يقال له: توطين مكان؛ لأن هذه أماكن، وإنما المقصود بالنهي هو مكان واحد بعينه، بحيث يكون ملازماً له دائماً وأبداً.
تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن نقرة الغراب وافتراش السبع...)
قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي مر ذكره، وقد روى عنه أبو داود فيما مضى بواسطة، وهناك ذكره باسمه وهنا ذكره بكنيته. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر بن الحكم ]. هو جعفر بن عبد الله بن الحكم الذي سيأتي في الطريق الثانية، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. قوله: [ ح ]. هو للتحول من إسناد إلى إسناد آخر. [ وحدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث عن جعفر بن عبد الله الأنصاري ]. الليث و جعفر بن عبد الله الأنصاري مر ذكرهما. والسبب في التحويل أن في الإسناد الأول روى الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر ، أي: بواسطة يزيد بن حبيب ، وفي الإسناد الآخر روى الليث عن جعفر مباشرة، وأيضاً فيه فرق بينهما، ففي الأول قال: جعفر بن الحكم فنسبه إلى جده، والطريق الثانية نسبه فيها إلى أبيه فقال: جعفر بن عبد الله ، و جعفر بن عبد الله هو جعفر بن الحكم . [ عن تميم بن محمود ]. تميم بن محمود فيه لين، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن شبل ]. عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه حديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . والحديث له شواهد بالنسبة لافتراش السبع، أما نقر الغراب فلا أدري هل يأتي في الأحاديث أو لا، لكن العلماء صححوه واحتجوا به. قوله: [ هذا لفظ قتيبة ]. يعني: لفظ الطريق الثانية؛ لأنه ذكره من طريقين: طريق أبي الوليد الطيالسي وطريق قتيبة ، وهذا اللفظ المذكور هو طريق قتيبة وليس طريق أبي الوليد الطيالسي .
مصطلحات بعض المحدثين في بيان قائل لفظ المتن عند تعدد الرواة
إن البخاري عندما يذكر شيخين له في ذلك اصطلاح خاص، فهو يجعل اللفظ للأخير منهما دون أن ينص عليه، وأما غيره مثل مسلم رحمة الله عليه فإنه عندما يذكر أكثر من شيخ يقول: حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان، و أبو داود يذكر من له اللفظ مثل ما مر بنا قريباً، حيث قال: [ هذا لفظ قتيبة ]، ويأتي بذلك أحياناً في أثناء الإسناد وأحياناً يأتي بذلك بعدما ينتهي المتن والإسناد، كما في هذه الطريق، حيث قال: [ هذا لفظ قتيبة ]، يعني: لفظ شيخه الثاني، أما البخاري فطريقته أنه إذا ذكر شيخين من شيوخه -كما يقول ابن حجر- فقد عرف بالاستقراء من صنيعه أن الحديث للثاني منهما، وقد ذكر ابن حجر هذه القاعدة عند حديث جابر رضي الله عنه: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي) فإنه ذكره من طريق شيخين وقال: إنه من طريق شيخه الثاني، بدليل أنه ذكر شيخه الأول في الباب الفلاني وذكر إسناده في الباب الفلاني، ولفظه يختلف عن هذا اللفظ.
شرح حديث أبي مسعود في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن سالم البراد قال: (أتينا عقبة بن عمرو الأنصاري أبا مسعود رضي الله عنه فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بين أيدينا في المسجد فكبر، فلما ركع وضع يديه على ركبتيه وجعل أصابعه أسفل من ذلك وجافى بين مرفقيه، حتى استقر كل شيء منه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، فقام حتى استقر كل شيء منه، ثم كبر وسجد ووضع كفيه على الأرض ثم جافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه، ثم رفع رأسه فجلس حتى استقر كل شيء منه، ففعل مثل ذلك أيضا، ثم صلى أربع ركعات مثل هذه الركعة فصلى صلاته ثم قال: هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) ]. أورد أبو داود حديث عقبة بن عمرو الأنصاري أبي مسعود البدري رضي الله عنه، وفي هذا الحديث أنه صلى بهم وأخبر بأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي هكذا. قوله: [ (أتينا عقبة بن عمرو الأنصاري فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. يعني: طلبوا منه أن يحدثهم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحكي لهم كيفيتها، فأراد أن يبين لهم بالفعل فصلى بهم إماماً. قوله: [ (فقام بين أيدينا في المسجد فكبر، فلما ركع وضع يديه على ركبتيه وجعل أصابعه أسفل من ذلك) ]. يعني: جعل الراحتين على الركبتين وجعل أصابعه أسفل من ذلك، وهذا إنما يكون إذا كانت الراحة على الركبتين، فإن الأصابع تنزل عن الركبتين. قوله: [ (حتى استقر كل شيء منه) ]. يعني: استقر راكعاً، وهذا محل الشاهد للترجمة التي هي: [ باب: صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ]. قوله: [ (ثم قال: سمع الله لمن حمده، فقام حتى استقر كل شيء منه) ]. يعني: اعتدل من الركوع واستقر. قوله: [ (ثم كبر وسجد ووضع كفيه على الأرض، ثم جافى بين مرفقيه) ]. يعني: عن جنبيه. قوله: [ (حتى استقر كل شيء منه) ]. يعني: بحيث هدأ في سجوده ولم يسرع. قوله: [ (ثم رفع رأسه فجلس حتى استقر كل شيء منه) ]. يعني: جلس بين السجدتين حتى استقر كل شيء منه، بحيث اطمأن في جلوسه. قوله: [ (ففعل مثل ذلك أيضاً) ]. يعني: في السجدة الثانية. قوله: [ (ثم صلى أربع ركعات مثل هذه الركعة) ]. المقصود به تمام أربع ركعات مع هذه الركعة، وليس المقصود أنه صلى خمساً، وإنما صلى أربعاً كل هذه الركعات الأربع على هذه الهيئة التي تقدمت. قوله: [ (فصلى صلاته ثم قال: هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) ]. يعني أنهم سألوه أن يحدثهم فبين لهم بالفعل وقال: [ هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ]، كمثل فعل عثمان رضي الله عنه عندما دعا بوضوء وتوضأ والناس يرونه مثل وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا).
تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خيثمة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. و زهير بن حرب أكثر عنه الإمام مسلم في صحيحه، حيث روى عنه ألفاً ومائتي حديث، وأكثر منه أبو بكر بن أبي شيبة، فقد روى عنه مسلم ألفاً وخمسمائة حديث، وممن أكثر عنه مسلم محمد بن رافع القشيري النيسابوري ولكنه دون هذين. [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن السائب ]. عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. ومعلوم أن المختلط ينظر من حدث عنه قبل الاختلاط ومن حدث عنه بعد الاختلاط، فما كان قبل الاختلاط فالرواية صحيحة ولا إشكال فيها، وما كان بعد الاختلاط أو جهل فهذا هو الذي يتوقف فيه وهو الذي يقدح فيه، و جرير ممن روى عنه قبل الاختلاط، ولكن هذه الصفة التي جاءت في هذا الحديث لها شواهد كثيرة من غير هذه الطريقة. [ عن سالم البراد ]. سالم البراد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أتينا عقبة بن عمرو الأنصاري أبا مسعود ]. هو عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة
حكم إتمام الصفوف في الصلاة من جهة اليمين واليسار
السؤال: ما حكم الطلاب الذي يصفون أمام كرسي الشيخ من الجهة اليمنى فإذا أقيمت الصلاة بقيت الجهة اليسرى شاغرة؟
الجواب: الصفوف تبدأ من خلف الإمام ثم تمتد يميناً وشمالاً، ولا يؤتى أو يبدأ بجهة واحدة، بل تكون وراء الإمام لا شمال الإمام ولا يمينه، وإنما تبدأ من خلفه ثم تمتد يميناً وشمالاً إلى أن ينتهي الصف.
حكم التساهل في سنة المغرب وغيرها من السنن الرواتب
السؤال: ما حكم الطلاب الذين يتركون سنة المغرب حرصاً على الاقتراب من الشيخ أثناء الدرس؟
الجواب: لا ينبغي للإنسان أن يتساهل في سنة المغرب؛ لأن السنن الرواتب اثنا عشرة ركعة كما جاء في حديث عائشة ، أو عشر ركعات كما جاء في حديث عبد الله بن عمر ، ولكن الإتيان باثني عشرة ركعة: أربع قبل الظهر وثنتين بعدها وثنتين بعد المغرب وثنتين بعد العشاء وثنتين قبل الفجر هو أفضل وأكمل، فينبغي للإنسان أن لا يتهاون ولا يتساهل في هذه الرواتب، ويمكن للإنسان أن يتنفل ولو في مكانه.
حكم حجز الشخص المكان له أو لغيره في الصف الأول
السؤال: هل يسوغ أن يطلب أخ من أخيه أن يحجز له مكاناً بوضع كتاب أو غيره في الصفوف الأولى ليذهب لقضاء حوائجه؟ الجواب: قضاء الحوائج والأشياء التي ليست بضرورية لا يناسب فعل ذلك، هذا فيما يتعلق بالصفوف الأول، لكن لو ذهب الإنسان لحاجة لابد منها كأن يشرب أو يتوضأ فهذا لا بأس به، أما كون الإنسان يذهب ليتجول في الأسواق فهذا لا يصلح."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [112]
الحلقة (143)
شرح سنن أبي داود [112]
من رحمة الله بعباده أن جعل النوافل من العبادات متممة للفرائض، فإذا حصل نقص في الفريضة أكمل ذلك النقص من النافلة، وهذا يدل دلالة واضحة على أهمية المحافظة على النوافل، فهي السياج الواقي للفريضة. وقد وردت أحاديث كثيرة مبينة لأذكار الركوع والسجود بصيغ متعددة، مثل: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود، ويمكن أن يجمع إليها ما ورد من الصيغ الأخرى.
ما جاء في إتمام الفرائض من النوافل
شرح حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه). حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا يونس عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي أنه قال: خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة رضي الله عنه قال: فنسبني فانتسبت له، فقال: يا فتى ألا أحدثك حديثاً؟ قال: قلت: بلى رحمك الله، قال يونس : وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا عز جل لملائكته -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع، قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه) ]. المقصود من هذه الترجمة: أن الفرائض إذا حصل فيها شيء من النقص وكان هناك نوافل، فإن ذلك النقص يكمل من النوافل، وفي ذلك ترغيب في النوافل وحث عليها؛ لأنها مكملة ومتممة للفرائض، بحيث أن الذي يتساهل فيها يتساهل في الفرائض، والذي يحافظ عليها يحافظ على الفرائض. وعلى هذا فالنوافل شأنها عظيم والاهتمام بها عظيم، وفائدتها كبيرة؛ لأنها تكون وقاية للفرائض، ولأنها تتم بها الفرائض إذا كان هناك نقص فيها عند المحاسبة. هذه هي الترجمة التي أوردها الإمام أبو داود رحمه الله، وأتى بها على وفق ما جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أن النوافل تكمل الفرائض إذا حصل فيها نقص. وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ثم قال: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه). فالنوافل شأنها عظيم؛ إذ بها تضاعف الأجور، وهي كالسياج الذي يحافظ به على الفرائض. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة) وهذا يدلنا على عظم شأن الصلاة، وأن شأنها كبير، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يحاسب عليه يوم القيامة، وآخر ما يفقد في هذه الحياة. والإنسان إذا كان مفلحاً في صلاته، وقائماً بما يجب عليه فيها، فإنه يرجى أن يكون فيما وراء ذلك على التمام وعلى وجه حسن، وإذا كان بخلاف ذلك في الصلاة فما سواها يكون من باب أولى. قوله: [ (قال: يقول ربنا عز وجل لملائكته -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة) ]. يعني: أنه حصل في فرضه على التمام والكمال. [ (وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم) ]. يعني: باقي الأعمال من بعد الصلاة، كذلك الصلاة إذا كان الإنسان عنده خلل أو تقصير، فإن النوافل من الصدقات تتم بها، وكذلك الصيام والحج وهكذا.
تراجم رجال إسناد حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه)
قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ]. هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يونس ]. هو يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن حكيم الضبي ]. أنس بن حكيم الضبي مستور، أخرج له أبو داود و ابن ماجة .
معنى قوله: (فنسبني فانتسبت له)
[ قال: خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة ]. يعني: هذا الرجل الذي هو أنس بن حكيم خاف من زياد أو ابن زياد أمير من الأمراء، فأتى المدينة ولقي أبا هريرة رضي الله عنه، قال: فنسبني فانتسبت له، يعني: قيل: إن معناه أنه طلب منه أن يعرف بنفسه فانتسب له، وقيل: إن كل واحد منهما عرف بنفسه فيكون أبو هريرة عرف بنفسه وهذا عرف بنفسه، ولعل الأقرب: أن أبا هريرة هو الذي طلب منه أن يعرف بنفسه؛ لأن أبا هريرة معروف ولا يحتاج إلى أن ينتسب له وأن يعرف بنفسه؛ ولأنه جاء إلى أبي هريرة وهو يعرف أنه أبو هريرة . والذي يبدو أن أبا هريرة هو الذي طلب منه أن يعرف بنفسه، كما هو شأن الشخص الغريب الذي يأتي وُيسأل ممن هو حتى يعرف. و زياد هو أمير من الأمراء، ما أدري هل هو زياد ابن أبيه أم لا؟ أما ابن زياد فهو عبيد الله بن زياد وكل منهما كان أميراً. والتعارف أمر مطلوب يدل عليه هذا الحديث، وحديث الباقر مع جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جابراً سألهم عن أسمائهم واحداً واحداً حتى وصل إلى الباقر فعرفه بنفسه، فوضع يده على صدره فجعل يحدثه بحديث الحج الطويل. قوله: [ قال يونس : وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وهذا يونس بن عبيد يحسب أنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسواء رفعه أو لم يرفعه فمثل هذا له حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال بالرأي؛ لأنه إخبار عن أمر مغيب.
شرح حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد عن الحسن عن رجل من بني سليط عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وفيه: أنه قال بدل أنس بن حكيم : عن رجل من بني سليط، وقيل: إن هذا الرجل هو أنس بن حكيم ، لكن جاء غير مسمى هنا. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن عن رجل من بني سليط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ]. أي: بنحو الحديث الذي تقدم. والحديث كما هو معلوم فيه هذا الرجل في الإسناد الأول مسمى وهو أنس بن حكيم ، وفي الثاني مبهم وقيل: إنه نفسه أنس بن حكيم ، لكن الحديث الذي سيأتي حديث تميم الداري شاهد له.
شرح حديث: (...ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن داود بن أبي هند عن زرارة بن أوفى عن تميم الداري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى قال: (ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث تميم الداري وقال: إنه بنحو حديث أبي هريرة المتقدم، وهو شاهد له، ودال على ما دل عليه، وفي هذا الإخبار عن الأمر المستقبل، وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم يجب تصديقها، وأن ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من الأمور المغيبة سواء كانت ماضية أو مستقبلة أو موجودة لا نشاهدها ولا نعاينها الواجب تصديقها؛ لأن هذا هو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إخبار عن أمر مستقبل وهو أن الصلاة أول ما يحاسب عليه، وهو كما أسلفت يدل على عظم شأن الصلاة، وأن أمرها خطير، وأن الواجب على الإنسان أن يحافظ ويحرص عليها. وقد جاء في الحديث الصحيح: (إن أول ما يقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء) وقد يقال: إن بينهما شيئاً من التعارض، ولكن لا تعارض؛ لأن الصلاة فيما يتعلق بحقوق الله هي أول شيء يحاسب عليه، وأول شيء فيما يكون بين الناس يقضى ويحاسب فيما بينهم في الدماء، فيكون الأول يحمل على حقوق الله، والثاني يحمل على حقوق الناس وما يكون بينهم، فلا تعارض بين ما جاء في هذا الحديث وبين الحديث الآخر الذي فيه: (إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء).
تراجم رجال إسناد حديث: (...ثم الزكاة مثل ذلك ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن داود بن أبي هند ]. داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زرارة بن أوفى ]. زرارة بن أوفى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن تميم الداري ]. تميم الداري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
ما جاء في وضع اليدين على الركبتين
شرح حديث: (صليت إلى جنب أبي فجعلت يدي بين ركبتي ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفريع أبواب الركوع والسجود: باب وضع اليدين على الركبتين: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي يعفور ، قال أبو داود : واسمه وقدان ، عن مصعب بن سعد أنه قال: (صليت إلى جنب أبي رضي الله عنه فجعلت يديَّ بين ركبتيَّ، فنهاني عن ذلك فعدت، فقال: لا تصنع هذا فإنا كنا نفعله فنهينا عن ذلك، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب) ]. أورد أبو داود رحمه الله: [ باب تفريع أبواب الركوع والسجود ]، وبدأ بوضع اليدين على الركبتين في الركوع، وأن السنة هي وضع اليدين على الركبتين وليس جعلهما بين الفخذين، وقد كان ذلك مشروعاً قبل ذلك ثم نسخ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وأمر بوضع الأيدي على الركب، ويسمى وضع اليدين بين الفخذين: التطبيق، بحيث يطبق اليد على اليد ويجعلهما بين فخذيه، هذا كان في أول الأمر، ثم نسخ بوضع الأيدي على الركب، كما جاء ذلك مبيناً في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي أورده المصنف رحمه الله تعالى، حيث قال ابنه مصعب : (صليت إلى جنب أبي فوضعت يدي بين ركبتي) أي: طبق بينهما، فنهاني، ثم عدت إليه مرة أخرى، ولعل كونه عاد إليه إما نسياناً أو لكونه كان معروفاً عند بعض الناس، فبين له أبوه رضي الله عنه بأنهم نهوا عن ذلك وأمروا بأن يضعوا أيديهم على ركبهم. قوله: [ (لا تصنع هذا فإنا كنا نفعله فنهينا عن ذلك وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب) ]. يعني: كنا نفعل هذا الذي فعلته وهو التطبيق، فنهينا عنه وأمرنا بأن نضع الأيدي على الركب. وقول الصحابي: (نهينا وأمرنا) له حكم الرفع؛ لأن الآمر والناهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما نبينا محمد عليه الصلاة والسلام إذا قال: (أُمرت بكذا أو نُهيت عن كذا)، فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي يأمره وينهاه عليه الصلاة والسلام.
تراجم رجال إسناد حديث (صليت إلى جنب أبي فجعلت يدي بين ركبتي ...)
قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي يعفور ]. أبو يعفور اسمه وقدان وقيل: واقد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : واسمه وقدان ]. هذا كلام أبي داود في بيان أن اسمه وقدان ؛ وذلك لأن هناك أبا يعفور الأصغر وأبو يعفور الأكبر، وهذا هو أبو يعفور الأكبر . [ عن مصعب بن سعد ]. هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: صليت إلى جنب أبي ]. أبوه هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة صاحب المناقب والفضائل رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة و الأسود عن عبد الله رضي الله عنه قال: (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه، فكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في التطبيق، وأنه قال: (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه) يعني: يجعل الذراعين على الفخذين، ويجعل الكفين بين الفخذين مطبقتين. قوله: [ (كأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] يعني: بهذا التطبيق الذي قد حصل. ومن المعلوم أن هذا منسوخ كما جاء ذلك مصرحاً به في حديث سعد بن أبي وقاص المتقدم، حيث قال: (كنا نفعل ذلك فنهينا عنه، وأمرنا بأن نضع الأيدي على الركب) ولا شك أن وضع الأيدي على الركب أسلم وأمكن؛ لأن وضعها على الركب فيه اعتماد عليها، بخلاف ما إذا كانت بين الفخذين فإن الأمر يختلف؛ لأن هذا فيه اعتماد اليدين على الركبتين وفيه مجافاة، وأما التطبيق فقد كان موجوداً أولاً ثم نهي عنه كما في حديث سعد ، ولهذا ذكر الناسخ أولاً، ثم ذكر بعده المنسوخ، وهو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه. أما عن طريقة أبي داود من حيث الاستقراء فلا أدري هل هو يقدم الناسخ باستمرار ويؤخر المنسوخ؟ لكن المعروف عن الإمام مسلم رحمه الله أنه يقدم المنسوخ ثم يأتي بالناسخ كما ذكر ذلك النووي عند أحاديث نقض الوضوء من مما مست النار، فإنه ذكر الأحاديث التي فيها النقض، ثم عقبها بالأحاديث التي فيها أنه لا ينقض، وقال النووي : إن طريقة الإمام مسلم أنه يقدم المنسوخ على الناسخ، وهنا في هذا الموضع قدم أبو داود الناسخ على المنسوخ، فلا أدري هل هذه الطريقة له، أو أنه يأتي عنه أشياء تخالف هذه الطريقة؟ وهذا يمكن أن يعرف في المستقبل، ولا شك أن الحكم هو للناسخ، ولهذا ترجم به فقال: وضع اليدين على الركبتين، هذا هو الحكم الثابت المستقر، وإنما الكلام في التقديم والتأخير، هل طريقة أبي داود أنه يقدم الناسخ على المنسوخ كما هو الحال هنا، أو أنه يتفق في هذا الموضع هكذا ويمكن أن يأتي في مواضع أخرى يختلف عن هذا الموضوع؟ الله أعلم. قوله: [ (فكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. يعني: أن بينهن شيئاً من التقدم والتأخر؛ لأنه ليس تشبيكاً وإنما هو تطبيق.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه...)
قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ]. محمد بن عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس النخعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و الأسود ]. هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من فقهاء الصحابة، وقد قيل: إنه أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، ولكن الصحيح خلاف ذلك؛ لأن المقصود بالعبادلة الأربعة هم صغار الصحابة الذين كانوا في عصر واحد، وقد أدركهم من لم يدرك ابن مسعود ، وأما ابن مسعود فإنه متقدم الوفاة، إذ أن وفاته سنة اثنتين وثلاثين، وأما العبادلة الأربعة فإنهم تأخروا وعاشوا بعد ذلك ثلاثين سنة أو أكثر من ثلاثين سنة، فأدركهم من لم يدرك ابن مسعود وأخذ عنهم من لم يأخذ عن ابن مسعود ، وكان يقال لهم: العبادلة، فالمشهور أن العبادلة الأربعة هم الصغار من الصحابة وهم: عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ما جاء في ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده
شرح حديث: (لما نزلت: (فسبح باسم ربك العظيم) قال رسول الله: اجعلوها في ركوعكم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده: حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة و موسى بن إسماعيل المعنى قالا: حدثنا ابن المبارك عن موسى -قال أبو سلمة : موسى بن أيوب - عن عمه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (لما نزلت: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: اجعلوها في سجودكم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده ] يعني: ما يقوله من الذكر؛ لأن هذه الترجمة تتعلق بالذكر، وبعدها ستأتي ترجمة تتعلق بالدعاء في الركوع والسجود. ومن المعلوم أن هناك أذكاراً وأدعية، فالأذكار هي التي فيها ثناء على الله وتمجيد لله وتسبيح لله وتعظيم لله، والدعاء هو طلب العبد كأن يقول: اللهم أعطني كذا، اللهم حقق لي كذا، فهنا أتى بترجمتين: باب ما يقول في الركوع والسجود، وترجمة: باب في الدعاء في الركوع والسجود، ولا تنافي بين الترجمتين؛ لأن هذه الترجمة كلها أذكار، والترجمة التي بعدها كلها أدعية، هذا هو الفرق بين الترجمتين، هذه ثناء على الله وتعظيم لله وتمجيد لله، وتلك -التي ستأتي- مطالب من العبد يسألها من ربه ويرجو من ربه أن يحققها له، وأن يتقبل منه. أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه قال: (لما نزل قول الله عز وجل: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قال عليه الصلاة والسلام: اجعلوها في ركوعكم) يعني: قولوا: سبحان ربي العظيم في الركوع. قوله: [ (ولما نزل قول الله عز وجل: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: اجعلوها في سجودكم) ] يعني: قولوا: سبحان ربي الأعلى في السجود. وقد جاء في السجود ذكر الأعلى؛ لأن هذا المقام الذي يكون فيه العبد في غاية الذل والخضوع لله سبحانه وتعالى، فناسب أن يأتي وصف الله بالأعلى الذي هو العلو المطلق ذاتاً وقدراً وقهراً، ففي هذه الهيئة التي هو عليها وقد ذل لله وخضع وجعل أشرف شيء فيه على الأرض خضوعاً لله وذلاً لله سبحانه وتعالى يقول العبد فيها: سبحان ربي الأعلى. وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في أنه يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم، ويقال في السجود: سبحان ربي الأعلى.
تراجم رجال إسناد حديث: (لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) قال رسول الله: اجعلوها في ركوعكم...)
قوله: [ حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة ]. الربيع بن نافع أبو توبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى ]. يعني: أن هذا الذي جاء عن الشيخين ليس متفقاً في اللفظ والمعنى، وإنما الاتفاق في المعنى، مع وجود شيء من الاختلاف في الألفاظ. [ حدثنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه بعض أهل العلم: جمعت فيه خصال الخير، وقال بعض أهل العلم: هو أجل من أن يقال فيه: ثقة. [ عن موسى قال أبو سلمة : موسى بن أيوب ]. يعني: الربيع بن نافع قال: عن موسى فقط ولم ينسبه، وأما موسى بن إسماعيل فإنه نسبه، و أبو سلمة هو موسى بن إسماعيل شيخ أبي داود الثاني ذكره أولاً باسمه ثم ذكره بكنيته أبو سلمة التبوذكي . ومعرفة الكنى للمحدثين مهمة عند العلماء؛ لأن الذي لا يعرفها قد يظن أن أبا سلمة شخص آخر غير الذي مر، مع أن أبا سلمة هو موسى بن إسماعيل إلا أنه ذكر أولاً باسمه وذكر هنا بكنيته. وفائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث ألا يظن أن الشخص الواحد شخصان؛ ولهذا فإن معرفة الكنى مهمة لا سيما من اشتهر بكنيته، فأحياناً الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب يذكر شيوخ أو تلاميذ الرجل يقول: روى عنه أبو موسى و أبو موسى هو محمد بن المثنى ، فالذي لا يعرف أن محمد بن المثنى كنيته أبو موسى يمكن أن يبحث ويقول: محمد بن المثنى ما وجدته. موسى بن أيوب الغافقي مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن عمه ]. وهو إياس بن عامر الغافقي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة، يعني مثلما قيل في ابن أخيه. [ عن عقبة بن عامر ]. هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و أبو توبة هذا هو الربيع بن نافع الحلبي وهو الذي جاء عنه أنه قال: إن معاوية ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن اجترأ عليه اجترأ على غيره. يعني: من تكلم فيه سهل عليه أن يتكلم في غيره.
شرح حديث: (كان رسول الله إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا الليث -يعني ابن سعد - عن أيوب بن موسى أو موسى بن أيوب عن رجل من قومه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه بمعناه، زاد قال: (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاثاً)، وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده (ثلاثاً)) ]. قال أبو داود : وهذه الزيادة نخاف ألا تكون محفوظة ]. يعني: قوله: [ (وبحمده) ] قال: أخاف ألا تكون محفوظة، يعني: أنها شاذة؛ لأنها جاءت من هذا الطريق الذي فيه شيء من الكلام، و الألباني في كتابه (صفة الصلاة) ذكر أنها ثابتة، ولعل هذا من طرق أخرى أو من أوجه أخرى غير هذا الوجه الذي قال عنه أبو داود : نخاف ألا تكون محفوظة. قوله: [ (ثلاثاً) ] يعني: أنها تكرر، وهذا الذي يقول عنه العلماء: أدنى الكمال ثلاث، وأعلاه في حق الإمام عشر، وهو الذي جاء عن عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه أنه صلى بالناس به، وأنهم حزروا له في سجوده سبحان ربي الأعلى عشر مرات، وقال عنه أحد الصحابة: ما رأيت أشبه من هذا الفتى بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: عمر بن عبد العزيز . فالعلماء يقولون: الواجب واحدة، وأدنى الكمال ثلاث، وأعلاه في حق الإمام عشر.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي وهو ثقة، وهو الذي قال عنه الإمام أحمد : شيخ الإسلام، لقبه بشيخ الإسلام وهو لقب عظيم يدل على مكانته وعلو منزلته، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث يعني ابن سعد ]. هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب بن موسى أو موسى بن أيوب ]. يعني: شك، ولكن سبق أن مر أنه موسى بن أيوب وليس أيوب بن موسى . [ عن رجل من قومه ]. هو عمه إياس بن عامر الذي ذكر في الإسناد الذي قبل هذا. [ عن عقبة بن عامر ]. هو عقبة بن عامر الجهني وقد مر ذكره. [ قال أبو داود : انفرد أهل مصر بإسناد هذين الحديثين: حديث الربيع وحديث أحمد بن يونس ]. يعني: الإسناد الأول هو الربيع بن نافع و موسى بن إسماعيل البصري ، و عبد الله بن المبارك ، مروزي، لكن من موسى بعد ذلك يكونون مصريين، في هذا الإسناد من موسى بن أيوب إلى عقبة بن عامر مصريون، و عقبة بن عامر مصري أيضاً؛ لأنه نزل مصر وينسب إليها. أما الإسناد الثاني فكلهم مصريون، بخلاف الأول. ففي الإسناد الثاني إلى أن وصل إلى أبي داود مصريون، وأما الإسناد الأول فقبل أن يصل إلى أبي داود ليسوا مصريين.
شرح حديث حذيفة: (... فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة قال: قلت لسليمان : أدعو في الصلاة إذا مررت بآية تخوف؟ فحدثني عن سعد بن عبيدة عن مستورد عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى، وما مر بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل، ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوذ) ]. أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه وهو أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، وأنه ما مر بآية فيها خوف إلا تعوذ، وما مر بآية فيها رحمة إلا وقف عندها فسأل. وهذا الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو في صلاة الليل، وبعض أهل العلم يقول: إنه يفعل ذلك في الفريضة وفي النافلة، لكن كونه لم يحفظ في الفريضة وإنما جاء في النافلة الأولى أن يؤتى به في النافلة دون الفريضة.
تراجم رجال إسناد حديث حذيفة: (... فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى...)
قوله: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة قال: قلت لسليمان ]. هو الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي مر ذكره. [ فحدثني عن سعد بن عبيدة ]. سعد بن عبيدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مستورد ]. هو مستورد بن الأحنف وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن صلة بن زفر ]. هو صلة بن زفر العبسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حذيفة ]. هو حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (أن النبي كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن مطرف عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح) فهذا كله ذكر لله عز وجل، وتنزيه وتقديس له، وثناء عليه وتمجيد له. قوله: [ (رب الملائكة والروح) ] الروح هو جبريل كما قال الله عز وجل: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ [الشعراء:193] وإنما عطفه على الملائكة من باب عطف الخاص على العام، ومنه قوله عز وجل: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ [القدر:4] فيكون جبريل ذكر مرتين للاهتمام به وللتنويه بشأنه، مرة ذُكر مع غيره؛ لأنه واحد من الملائكة، ومرة ذُكر بالتنصيص، وذكر في سورة القدر: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ [القدر:4] وهو أيضاً من باب عطف الخاص على العام؛ اهتماماً بالخاص وتنويهاً بقدره.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)
قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (... يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس عن عاصم بن حميد عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: (قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك، ثم قام فقرأ بآل عمران، ثم قرأ سورة سورة) ]. من المعلوم أن الركوع يعظم فيه الرب، كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسجود يكثر فيه من الدعاء كما جاء ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لا مانع في الركوع من الدعاء قليلاً، ولا مانع في السجود من التعظيم لله سبحانه وتعالى أقل من الدعاء، بحيث يكون الغالب على السجود الدعاء وفيه ذكر لله عز وجل مثل: سبحان ربي الأعلى، وكذلك: سبوح قدوس الذي مر في الحديث الماضي، وكذلك هذا الحديث الذي يقول في ركوعه وسجوده: (سبحان ذي الجبروت...) إلى آخره، أي: أن كلاً من السجود والركوع يأتي فيهما الذكر والدعاء، ولكن الغالب على الركوع التعظيم لله عز وجل والذكر لله سبحانه وتعالى، والغالب على السجود الدعاء، وقد جاء الجمع بين الدعاء والذكر في كل من الركوع والسجود في حديث عائشة الذي سيأتي، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام بعدما أنزلت عليه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] كان يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) يعني: (سبحانك اللهم وبحمدك) ثناء وتعظيم لله عز وجل. وقوله: [ (اللهم اغفر لي) ] دعاء، فجمع بين الذكر والدعاء في الركوع والسجود. سبق أن مرت بعض الأحاديث في هذه الترجمة وهي أحاديث تتعلق بذكر الله عز وجل والثناء عليه، وهذا الحديث الذي أورده أبو داود هنا وهو حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنه قام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة من الليالي وصلى معه صلاة الليل، فاستفتح فقرأ بسورة البقرة، فكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا بآية عذاب إلا تعوذ، ثم ركع وأطال الركوع مثل قيامه، وكان يقول فيه: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)، وهذا كله تعظيم لله سبحانه وتعالى. قوله: [ (والملكوت) ] يعني: مالك الملك ومتصرف في الكون كيف يشاء. قوله: [ (والجبروت) ] يعني: كونه الجبار، قهر كل شيء وغلبه. قوله: [ (والعظمة) ] يعني: كونه ذا عظمة، ولهذا جاء في الركوع: سبحان ربي العظيم. قوله: [ (والكبرياء) ] يعني: أن من صفاته سبحانه الكبرياء، وليس لأحد أن يتصف بهذه الصفة، فهذه من صفات الله سبحانه وتعالى التي اتصف بها. قوله: [ (ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك) ]. يعني: مثل هذا الثناء الذي هو: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة). قوله: [ (ثم قام فقرأ بآل عمران ثم قرأ سورة سورة) ]. يعني: في كل ركعة يأتي بسورة.
حكم التنويع بين أذكار الركوع والسجود
ولا يفهم من ذلك: أنه اقتصر على هذا الذكر دون قوله: سبحانه ربي العظيم أو سبحان ربي الأعلى، بل هذا مما جاء فيه، وأما سبحان ربي العظيم وسبحان ربي الأعلى فهذه يؤتى بها في كل ركعة، ولكن يمكن أن يجمع بينهما، يعني: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) وبين: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)، ويأتي بالثناء على الله عز وجل وبالأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتنوعة في السجود، ولا يقال: يأتي بهذه تارة وبهذه تارة ولا يجمع بينها لا؛ لأن هذا موطن يطال فيه السجود ويؤتى فيه بالأدعية المختلفة، بخلاف الاستفتاح فإنه لا يطال فيه، ولا يجمع فيه بين الأدعية المختلفة التي وردت، بل يأتي بهذا أو بهذا أو بهذا، أما أن يجمع بين الأدعية المتنوعة، ويجلس مدة طويلة قبل أن يقرأ الفاتحة ليأتي بها، فلا؛ لأن هذا ليس موطناً للجمع بين تلك الأدعية المتنوعة، وكذلك مثل: ألفاظ التشهد والأذان لا يجمع بين الأنواع منها، وإنما يؤتى بهذا أحياناً وبهذا أحياناً، أما بالنسبة للسجود فلا يقال: إنه يقتصر على أحدها ويأتي بهذا مرة وبهذا مرة، وأنه لا يجمع بينها، وكذلك في الركوع لا يقال: إنه لا يجمع بين هذا وهذا، يمكن أن يقول: (سبحان ربي العظيم) ويقول: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ويقول: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) ويقول: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة) كل ذلك يمكن أن يجمع؛ لأنه يجوز أن يطيل الركوع والسجود ويأتي بالأدعية المختلفة. أما سبحان ربي الأعلى وسبحان ربي العظيم، فقد قال بعض أهل العلم بوجوبها وأنه لا بد منها، فلا يستعاض عنها بشيء، لكن يؤتى بها ويؤتى معها بأشياء أخرى.
تراجم رجال إسناد حديث (...يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معاوية بن صالح ]. معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن قيس ]. عمرو بن قيس ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ عن عاصم بن حميد ]. عاصم بن حميد صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن عوف بن مالك الأشجعي ]. عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (...وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي و علي بن الجعد قالا: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة مولى الأنصار عن رجل من بني عبس عن حذيفة رضي الله عنه: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فكان يقول: الله أكبر ثلاثاً، ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، ثم استفتح فقرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه، وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحواً من ركوعه، يقول: لربي الحمد، ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه، فكان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثم رفع رأسه من السجود، وكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده، وكان يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، فصلى أربع ركعات فقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام) شك شعبة ]. أورد أبو داود حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وقد سبق أن مر، وهذه طريق أخرى عن حذيفة وفيها أنه قام وصلى معه في الليل، وقد سبق في الرواية السابقة أنه كان يتعوذ عند آية العذاب، ويسأل عند آية الرحمة، وهو مثل ما جاء في حديث عوف بن مالك الأشجعي المتقدم في صلاة الليل، وكان قد أطال القراءة حيث قرأ البقرة والنساء وآل عمران، فيدل هذا الحديث على أن حذيفة صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مبين لما أجمل في الحديث المتقدم حيث لم ينص فيه على قيام الليل، وأنه عندما استفتح الصلاة كبر وقال: (الله أكبر). قوله: [ (ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم استفتح فقرأ سورة البقرة ثم ركع فكان في ركوعه نحواً من قيامة، وكان يقول في ركوعه: سبحان رب العظيم.. سبحان ربي العظيم) ]. يعني: أنه أطال الركوع، وكان يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم)، لكن لا يعني أنه لا يقول غير ذلك. قوله: [ (ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحواً من ركوعه، يقول لربي الحمد) ]. وهذا فيه إطالة القيام بعد الركوع، ومن المعلوم أن هذه صلاة خاصة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء) أي: أن هذا شيء يرجع إليه وليس متعلقاً بغيره أو ملاحظاً فيه غيره. قوله: [ (ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه، فكان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى) ]. يعني: كان يطيل السجود، ويقول فيه: سبحان ربي الأعلى، لكنه كما هو معلوم لا يقتصر عليه، ولكن هذا مما جاء ذكره وبيانه في هذا الحديث أنه يقول: سبحان ربي الأعلى، ولهذا نجد أن كثيراً من الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، ويقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، ويقول في الركوع غير ذلك، ويقول في السجود غير ذلك. قوله: [ (وكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده، وكان يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي) ]. وليس معنى ذلك: أنه يقتصر عليها ولا يزيد عليها، وإنما يأتي بما ورد، ومنه كونه يستغفر الله عز وجل ويكرر ذلك. والسنة الاقتصار على ما ورد، لاسيما فيما بين السجدتين، وأما بالنسبة للسجود فله أن يدعو بما شاء، ولهذا قال في الحديث: (فأكثروا من الدعاء) فإذا سأل الله عز وجل في سجوده بما يريده من خيري الدنيا والآخرة فله ذلك، ولكن كونه يحرص على أن يكون دعاؤه بالأدعية التي جاءت عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هذا هو الأولى. قوله: [ (فصلى أربع ركعات فقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام) شك شعبة ]. يعني: أن الركعة الأخيرة حصل فيه شك من شعبة أحد رواة الحديث، هل هي المائدة أو الأنعام.
تراجم رجال إسناد حديث (...وكان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم...)
قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و أبو داود يروي عنه بواسطة وبغير واسطة، وأحياناً يكنيه مع نسبته الطيالسي كما هنا، وأحياناً يسميه فيقول: حدثنا هشام بن عبد الملك . [ و علي بن الجعد ]. علي بن الجعد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حمزة مولى الأنصار ]. هو طلحة بن يزيد ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن رجل من بني عبس ]. هنا مبهم، وقد سبق أن مر في الحديث السابق وفيه: صلة بن زفر العبسي ، فالظاهر أن هذا الذي أبهم هنا وقيل: إنه من عبس هو صلة بن زفر العبسي . وصلة بن زفر يروي عن حذيفة وهو عبسي، وهنا قال: عن رجل من بني عبس وهو صلة بن زفر ، و صلة بن زفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حذيفة ]. هو حذيفة بن اليمان صحابي ابن صحابي رضي الله تعالى عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ومحل الشاهد من إيراد الحديث في باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده كونه يقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود، هذا هو المطابق للترجمة، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم، ويقال في السجود: سبحان ربي الأعلى.
الأسئلة
الفرق بين أن يرقي المرء نفسه وبين أن يرقيه غيره
السؤال: ما الفرق بين كون الرجل يرقي نفسه وبين أن يسترقي من غيره؟ الجواب: بينهما فرق، كون المرء يرقي نفسه هو أن يقرأ وينفث على نفسه، أما كونه يسترقي فهو يطلب من غيره أن يرقيه، وذلك بأن ينفث عليه ويقرأ."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [113]
الحلقة (144)
شرح سنن أبي داود [113]
لقد وردت أحاديث صحيحة تدل على مشروعية الدعاء في الركوع والسجود، وإن كان الغالب في الركوع هو التعظيم والثناء على الله سبحانه، والغالب في السجود هو الدعاء، لكن قد يرد الدعاء في الركوع، كما قد يرد الثناء والتعظيم في السجود، والدعاء في السجود من مظان الإجابة، كما جاءت بذلك الأحاديث؛ لأن العبد في حال سجوده يكون أكثر تذللاً وخضوعاً لله سبحانه. وقد وردت الأحاديث تدل على مشروعية الدعاء في الصلاة، وهو أعم من الدعاء في الركوع والسجود.
الدعاء في الركوع والسجود
شرح حديث (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الدعاء في الركوع والسجود. حدثنا أحمد بن صالح و أحمد بن عمرو بن السرح و محمد بن سلمة قالوا: حدثنا ابن وهب أخبرنا عمرو -يعني: ابن الحارث - عن عمارة بن غزية عن سمي مولى أبي بكر أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب في الدعاء في الركوع والسجود. الدعاء: هو طلب الشيء من الله وسؤال الله الأشياء، كسؤاله المغفرة، وسؤاله من خيري الدنيا والآخرة، فهذا أجل دعاء، وهناك أدعية وأذكار، فالأذكار هي التي فيها ثناء على الله عز وجل وتعظيم وتمجيد لله، وقد سبق أن مر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للذي سأله: (سبح الله وهلله وكبره، قال: هذه لربي فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني) فهذا فيه ذكر ودعاء، فهو شيء لله وشيء للعبد، ولهذا جاء في الحديث القدسي يقول الله عز وجل: (قسمت الصلاة -أي: قراءة الفاتحة- بيني وبين عبدي نصفين) فنصفها لله عز وجل وهو ثناء وتعظيم لله عز وجل، ونصفها للعبد وهي مطالب قال عز وجل: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:1-5] هذه لله وقوله عز وجل: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:5-7] هذه مطالب للعبد، ولهذا يقول فيها: (ولعبدي ما سأل) أي: أنها سؤال وطلب، فكونه يقول: إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] فهذا طلب للعون من الله، وكونه يقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] يعني: يطلب الهداية، فالدعاء سؤال، أما الذكر فهو ثناء وتعظيم لله سبحانه وتعالى. إذاً: هذه الترجمة التي ذكرها أبو داود هنا تتعلق بالدعاء والسؤال، وأما الترجمة السابقة فكلها في بيان ما يقوله في ركوعه وسجوده من الذكر الذي فيه التعظيم والثناء لله عز وجل. أورد أبو داود حديث أبي هريرة : (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) وهذا فيه بيان أن حالة السجود هي أخص أحوال العبد، وأقرب ما يكون فيها صلة بالله سبحانه وتعالى؛ لأنه في غاية الخضوع والذلة لله سبحانه وتعالى، فيكون بذلك مخبتاً راجياً سائلاً؛ لأنه في حالة غاية التذلل لله سبحانه وتعالى؛ لأنه يضع أشرف شيء فيه وهو وجهه -جبهته وأنفه- على الأرض؛ خضوعاً لله وذلاً له سبحانه وتعالى، فيكون عند ذلك مأموراً بأن يكثر من الدعاء؛ لأن هذا أقرب أحوال العبد صلة بربه، وأرجى ما يكون في الدعاء أن يكون ساجداً مخبتاً لله سبحانه وتعالى، وقد صار على هذه الهيئة التي هي الخضوع والذل لله سبحانه وتعالى، ويكون فيها أغلب أعضائه أو أكثر جسمه على الأرض، بخلاف الأحوال الأخرى فهو إما قائم أو راكع أو جالس، ولكن حالة السجود أكثره على الأرض وأشرف شيء فيه على الأرض، ولهذا في السجود القدمان والركبتان واليدان والوجه كل ذلك موضوع على الأرض، والإنسان مأمور بأن يسجد على هذه الأعضاء، ولهذا قيل لأماكن الصلاة: مساجد، ما قيل لها: مراكع، ولا مواقف، ولا مجالس نسبة للجلوس بين السجدتين أو الجلوس في التشهد أو الركوع أو القيام في الصلاة وبعد الركوع، وإنما قيل: لمواضع الصلاة مساجد؛ لأن هذه هي الهيئة التي يكون فيها أكثر أعضاء جسم الإنسان متمكناً من الأرض. وقد سبق أن مر: (أنه كان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى) يعني: كون الإنسان في غاية التذلل والخضوع، ويأتي بهذا الوصف المناسب لعلو وعظمة الله عز وجل، وأنه العلي الأعلى سبحانه وتعالى، فهذا دليل على أن السجود يكثر فيه من الدعاء، ويمكن أن يطول ويأتي بالأدعية الكثيرة المتنوعة، وقد جاء أيضاً في الحديث الذي سيأتي: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم).
تراجم رجال إسناد حديث (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء)
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح و أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن صالح مر ذكره، و أحمد بن عمرو بن السرح هو المصري أيضاً وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري أيضاً وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . و محمد بن سلمة المرادي هو من شيوخ أبي داود ، وهناك شخص بجانب محمد بن سلمة لم يدركه أبو داود ، بل هو من طبقة شيوخ شيوخه، فإذا جاء محمد بن سلمة في شيوخه فالمراد به المصري، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه فالمراد به الحراني الباهلي ؛ لأنه كثيراً ما يأتي بدون نسبة فيقال: محمد بن سلمة. [ قالوا: حدثنا ابن وهب أخبرنا عمرو -يعني ابن الحارث - ]. ابن وهب مر ذكره، و عمرو بن الحارث هو المصري أيضاً، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن غزية ]. عمارة بن غزية، لا بأس به، وهذه الكلمة بمعنى: صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سمي مولى أبي بكر ]. هو سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ذكر أسباب الولاء وأنواعه
إن من أنواع علوم الحديث معرفة المولى، وهو يكون من أسفل ومن أعلى؛ لأنه يقال للسيد: مولى، وهو المولى من أعلى، ويقال للعبد: مولى، أو العتيق مولى وهو المولى من أسفل، كما أن الولاء يكون بسبب العتق، وبسبب الإسلام، وبسبب الحلف، فقد يكون مولاهم بسبب الحلف، وقد يكون مولاهم بسبب العتق، وقد يكون مولاهم بسبب الإسلام على يديه، كما قيل عن البخاري : الجعفي نسبة إلى الجعفيين؛ لأن أحد أجداده أسلم على يد واحد من الجعفيين، فصار النسب بالولاء للجعفيين. و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم. أما ولاء الحلف فهو: كون قبيلة تحالف قبيلة أخرى، فينسب الشخص إليها ولاءً؛ لأنه ليس منها، ولهذا إذا كان الشخص من القبيلة يقولون: من أنفسهم، مثل ما يقولون في ترجمة مسلم بن الحجاج : مسلم بن الحجاج القشيري من أنفسهم، يعني: أن أصله منهم، ونسبته إليهم نسبة نسب، وليست نسبة ولاء، لكن الجعفي مولاهم، قد يكون مولى بسبب الإسلام، أي: أنه أسلم على يد إنسان منهم، أو مولاهم بسبب العتق، أو مولاهم بسبب المحالفة، كون قبيلة تدخل مع قبيلة في الحلف، فينسب أفرادها إلى تلك القبيلة، لا أنهم من أصلها ولكنهم محالفون لها.
تابع تراجم رجال إسناد حديث (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء)
قوله: [ أنه سمع أبا صالح ذكوان ]. وهنا جمع بين اسمه وكنيته، وهو يأتي كثيراً بذكر كنيته، وقد يؤتى بنسبته، وهو السمان أو الزيات ؛ لأنه كان يجلب الزيت والسمن فلقب بالسمان و الزيات . [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
شرح حديث (...فأما الركوع فعظموا الرب فيه وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه فقال: أيها الناس! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، وإني نهيت أن أقرأ راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا الرب فيه، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر) يعني: في مرض موته صلى الله عليه وسلم، والستارة: هي التي تكون على الباب، ولهذا لا بأس أن يكون على الأبواب ستار بحيث إذا فتح الباب تمنع من أن يُرى ما كان في الداخل، وكذلك الشبابيك لا بأس أن يكون عليها ستائر حتى إذا فتح الشباك فهناك ستارة تمنع من الرؤية إلى الداخل، وهذا يدل على أن اتخاذ الستائر على الأبواب والشبابيك لا بأس بها؛ لأن لها حاجة، ولكن الذي لا حاجة له والذي لا يصلح ولا ينبغي هو ستر الجدران، وذلك بأن يوضع عليها ستائر؛ فهذه زيادة لا حاجة إليها، وهو صرف للمال في غير حاجة إليه، وأما كونه يضع الستائر على الشبابيك والأبواب فلا بأس بذلك. إذاً: فالرسول صلى الله عليه وسلم كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وهو يصلي بالناس في مرض موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤية الصالحة يراها المسلم أو ترى له). مبشرات النبوة هي التي يحصل البدء بها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أول ما بُدئ به من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ومن المعلوم أن الرؤيا بالنسبة للأنبياء يحصل فيها إخبار عن أمور مغيبة، وهي وحي؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، وغيرهم رؤاهم ليست وحياً، ولكن الرؤيا يمكن أن يستدل بها على أمر مستقبل، أو يتوقع أن يحصل أمر مستقبل، فهي تدل عليه، والمستقبل من أمور الغيب الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل، لكن قد يعرف عن طريق الرؤيا حصول شيء يحصل في المستقبل بسبب الرؤيا، وعندما تقع الرؤيا تكون مطابقة للشيء الذي يحصل في المستقبل، مثل: قصة صاحبي يوسف في السجن، فإن كل واحد منهما رأى رؤيا، وقصها وهي كلها تخبر عن أمر مستقبل أو ترشد إلى أمر مستقبل، وكان تأويل هذه الرؤيا طبقاً للشيء الذي رؤي، فأحدهما رأى أنه يعصر خمراً، وكان تعبيرها أنه يعصر خمراً، فالرؤيا منها ما يأتي تأويلها مطابقاً للشيء الذي رآه في المنام، وقد تكون الرؤيا على سبيل ضرب المثال لا تطابق الذي يراه في المنام، وهي رؤيا الشخص الثاني الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه، فهذا لم يحمل خبزاً حقيقة، ولكنه صلب وقطع رأسه، ثم أتت الطير وأكلت من رأسه، فكلها إخبار عن أمر مستقبل. قوله: [ (يراها المسلم أو ترى له) ] يعني: يكون فيها إشارة إلى شيء يحصل في المستقبل، ولا يعلم الغيب إلا الله عز وجل، وعن طريق الوحي يمكن أن يعرف شيئاً من الغيب، مثل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن أمور كثيرة تقع في المستقبل، ومنها ما قد وقع، ومنها ما لم يقع. قوله: [ (يراها المسلم أو ترى له) ]. يعني: يراها المسلم نفسه، فيرى أنه يحصل له كذا وكذا، أو شخص آخر من الناس يراها له، كأن يقول: إن فلاناً حصل له كذا. والرؤيا قد تكون أضغاث أحلام؛ لأنه ليس كل ما يجري في المنام يقال له: رؤيا، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان بعد صلاة الفجر مباشرة يسأل أصحابه يقول: (من رأى منكم رؤيا يقصها؟) فإذا رأى شخص رؤيا وقصها مباشرة لم تكن ذهب منها شيء، ففي مرة من المرات أخبر صلى الله عليه وسلم عن رؤيا طويلة رآها، كما في حديث عبد الرحمن بن سمرة الطويل في رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم. أيضاً: إذا كانت الرؤيا طيبة فإنه يخبر بها، وإذا كانت غير ذلك فلا يخبر بها أحداً؛ لأنه قد يترتب عليها فتنة أو مضرة أو ما إلى ذلك. والرؤيا الصالحة إذا استبشر بها العبد وفرح فليس عليه من حرج، لكن لا ينبغي للناس أن يهتموا بالرؤى وأن يحرصوا عليها، وأن يكون الإنسان فقط مشغولاً يحب أن يرى رؤيا أو كذا إلى آخره، لا، الرؤيا تأتي دون قصد، وأحياناً قد يشغل الإنسان نفسه في شيء ثم يراه في المنام؛ بسبب أنه مشغول به دائماً وأبداً. قوله: [ (وإني نهيت أن أقرأ راكعا ً أو ساجداً) ]. الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قال: (نهيت)، فالناهي له هو الله عز وجل، وإذا قال: (أمرت)، فالآمر له هو الله عز وجل، بخلاف الصحابة إذا قالوا: أمرنا أو نهينا فإن الآمر لهم والناهي لهم هو رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأمره ونهيه إنما هو من عند الله كما قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، لكن هم يسندون الخبر إلى من علمهم وأرشدهم، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يسند ذلك إلى من أمره ونهاه، وهو الله عز وجل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يأمره وينهاه هو الله، والصحابة الذي يأمرهم وينهاهم هو الرسول صلى الله عليه وسلم. والسنة هي من الله عز وجل، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة تدل على هذا، ومنها: حديث أنس الطويل في قضية فريضة الصدقة التي فرضها الله، فذكر فيه زكاة الأنعام وغيرها بالتفصيل، ثم قال: فرضها الله، مع أنها ليست في الكتاب وإنما هي في السنة، وهذا يدل على أنها وحي من الله عز وجل، الله تعالى هو الذي فرضها وأوحى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الحديث الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الشهيد وأنه يغفر له، ثم قال بعد ذلك: (إلا الدين فإنه سارني به جبريل آنفاً) يعني: هذا الاستثناء وحي. قوله: [ (فأما الركوع فعظموا الرب فيه) ]. أي: أكثروا من الثناء على الله عز وجل والتعظيم، لكن لا مانع أن يدعى فيه؛ لأنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قول: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)، وهو دعاء بالإضافة إلى كونه ذكر وثناء. قوله: [ (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) أي: حري وجدير أن يستجاب لكم، وفيه من الإكثار من الدعاء مثل الذي مر في الحديث الأول الذي قال فيه: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء). وهذا الحديث كون الرسول صلى الله عليه وسلم قاله في آخر حياته وفي مرضه فيه دليل على أن الرؤيا من مبشرات النبوة، وهي التي تبقى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، بحيث إذا كانت الرؤيا صادقة فقد يحصل ويتحقق ما رؤي فيها. وقوله: [ (وإني نهيت) ]. يحتمل أن يكون في المنام، ويحتمل أن يكون في غيره؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، لكن لا يقال جزماً: إن هذا النهي إنما حصل في المنام، يمكن أن يكون في المنام ويمكن أن يكون في غيره من أنواع الوحي أو الكيفيات التي يحصل بها الوحي. أما مسألة الاقتران بين الجمل بين قوله: [ (لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له) ] وبين قوله: [ (وإني نهيت أن أقرأ) ] فهذا إخبار عن عدة أشياء قالها صلى الله عليه وسلم في هذه المناسبة، فيحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى الرؤيا وإلى أنه يحصل منها كذا وكذا، لاسيما وكونه في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وأن هذا هو الذي سيبقى، وأن معرفة الأمور المغيبة أو الإرشاد إلى الأمور المغيبة لا يكون إلا عن طريق هذا الشيء، أما عن طريق الكهان أو ما إلى ذلك من الأشياء غير الصحيحة، والأمور المحرمة فهذا ليس من الأمور التي يمكن أن يعرف بها أمر مستقبل، وإنما عن طريق هذه الرؤيا التي هي من مبشرات النبوة، التي كانت أول ما بدأ بها الرسول صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (...فأما الركوع فعظموا الرب فيه وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء...)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. سفيان بن عيينة المكي وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن سحيم ]. سليمان بن سحيم صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد ]. إبراهيم بن عبد الله بن معبد صدوق، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن عباس ]. ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.
حكم مخاطبة المصلي أثناء صلاته
قوله: [ (إن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستار والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: أيها الناس!) ] يحتمل أن يكونوا قد دخلوا في الصلاة أو أنهم لا زالوا يتهيئون للصلاة. ويجوز مخاطبة المصلي إذا كان لحاجة، مثل: حديث عائشة عندما كسف الشمس وكان الناس يصلون، فسئلت وهي في الصلاة فأشارت أنها آية، يعني: أن هذه صلاة الكسوف، فيمكن عند الحاجة أنه يخاطب المصلي ويسلم عليه ولكن يرد بالإشارة.
حكم الدعاء في الركوع والسجود بما ورد في القرآن من الأدعية والدعاء بغير العربية
قوله: [ (وإني نهيت أن أقرأ راكعاً أو ساجداً)] يستثنى من ذلك الدعاء في السجود بما ورد في القرآن مثل: قوله عز وجل: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] وقوله: رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا [الممتحنة:5]. وقد ورد عن الإمام أحمد أنه كان يعجبه الدعاء بما ورد في القرآن، مثل: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]. فينبغي للإنسان أن يتعلم الأدعية الشرعية التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان لم يتمكن فله أن يدعو بلهجته ولسانه، والله عز وجل لا تختلف عليه الألسنة، بل هو عالم بكل شيء ومحيط بكل شيء سبحانه وتعالى، لكن عليه أن يتعلم الأشياء التي لابد منها في الصلاة.
شرح حديث (كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن) وجاء أنه كان يقول ذلك بعد ما أنزلت عليه سورة النصر، ما صلى صلاة إلا قال في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) أي: ينفذ ما أمر به في القرآن؛ لأن قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [النصر:3] تنفيذه: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، وقوله: (اللهم اغفر لي) تنفيذ لقوله: وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:3]. ولهذا يأتي التأويل بمعنى التنفيذ، وبمعنى حقيقة الشيء. وهذا الحديث يدل على أن الركوع يجمع فيه بين الذكر والدعاء، وكذلك السجود، ولكن كون النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأما الركوع فعظموا الرب فيه، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) فينبغي أن يكون الغالب في السجود أدعية، وغالب ما يكون في الركوع أذكار وتعظيم وثناء لله سبحانه وتعالى. وقوله: [ (يتأول القرآن) ] المقصود به سورة النصر وما فيها من أوامر الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بالتسبيح والاستغفار، والرسول صلى الله عليه وسلم كان ينفذ هذا، فهو ما صلى صلاة منذ أن أنزلت عليه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] إلا قال في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) وهذا هو معنى قول عائشة رضي الله عنها في الحديث الآخر: (كان خلقه القرآن) يعني: يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي، ويتأدب بالآداب الموجودة في القرآن، فخلقه مبني على القرآن وتابع للقرآن. ومعنى قوله: [ (يتأول القرآن) ] فلفظ (القرآن) هنا المراد به إطلاق الكل وإرادة الجزء، يعني: يتأول ما جاء في القرآن من الأمر بالتسبيح والاستغفار.
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي...)
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن المعتمر الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الضحى ]. مسلم بن صبيح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الستة. [ عن مسروق ]. مسروق بن الأجدع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (أن النبي كان يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب ح وحدثنا أحمد بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، زاد ابن السرح : علانيته وسره) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو من الأدعية التي كان صلى الله عليه وسلم يدعو بها في سجوده، وأنه كان يقول في سجوده: (اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله). يعني: صغيره وكبيره؛ لأن (الدق) المقصود به الصغير أو الدقيق، و(الجل) الكبير العظيم. قوله: [ (وأوله وآخره) ] يعني: أن الاثنين الأولين المتقابلين بالنسبة للصغر والكبر، والآخرين بالنسبة للأول والآخر، يعني: ما كان أولاً وما كان آخراً، والأمر الثالث الذي عند ابن السرح ما كان علانية وسراً، والمقصود به ما كان شيئاً ظاهراً للناس ومشاهداً وشيئاً خفياً لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، والله تعالى هو الذي يعلم الغيب والشهادة، وهو الذي يعلم السر والعلانية، ويعلم الخفي والظاهر. وهذا فيه بيان أن الدعاء يمكن أن يطول فيه وأن يكرر وأن يأتي فيه بالألفاظ المتقاربة؛ لأن المقام في مثل هذا لا بأس به، وإلا فإنه يمكن أن يقول: (اللهم اغفر لي ذنبي كله) ويكون هذا مغنياً عن قوله: دقه وجله وعلانيته وسره وأوله وآخره، لكن ذكر التفاصيل في الأدعية هذا من الأمور المطلوبة.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب ح وحدثنا أحمد بن السرح عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب ]. أورد المصنف طريقين، الأولى: أحمد بن صالح أخبرنا ابن وهب وقد مر ذكرهم. الطريق الثانية: أخبرني أحمد بن عمرو بن السرح عن ابن وهب، و أحمد بن عمرو بن السرح هو مصري ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن غزية عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكر الأربعة.
شرح حديث (فقدت رسول الله ذات ليلة فلمست المسجد فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان وهو يقول أعوذ برضاك من سخطك...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبدة عن عبيد الله عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة رضي الله عنهما قالت: (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فلمست المسجد فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان، وهو يقول: أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلمست المسجد فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان) أي: فقدته من الفراش في الليل، فبحثت عنه في المكان الذي يصلي فيه من البيت، فلمسته ووقعت يدها على رجليه وهما منصوبتان وهو يدعو في سجوده قائلاً: (أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك). قوله: (المسجد)، يحتمل أن يكون فقدها إياه في الفراش، وأنها وقعت يدها عليه وهو في مسجده أي: محل سجوده في الحجرة، ويحتمل أن يكون خرج من الحجرة وصلى في المسجد، وهي بحثت عنه في المسجد، ووقعت يدها عليه وهو يصلي، وذلك كان في الظلام؛ لأنه ليس هناك إضاءة ترى فيها شخصه صلى الله عليه وسلم، وإنما كانت تتلمس بيدها حتى وقعت يدها عليه.
بطلان من زعم أن رسول الله إذا مشى في الشمس لا ظل له
هذا الحديث يدل على بطلان ما يقوله بعض الغلاة في رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه إذا مشى في الشمس لا يكون له ظل؛ لأنه نور يقابل نور الشمس، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بحاجة إلى أن يضاف إليه شيء ليس واقعاً، وإنما ذلك من باب الغلو، فلو كان الأمر كما يقولون إنه لا ظل له كيف تقوم عائشة وتبحث عن رسول الله في الظلمة حتى تجده وتقع يدها عليه، فلو كان لا ظل له وأنه مضيء مثل ضوء الشمس لما كان عنده ظلام أبداً، وإنما يكون مثل الشمس أين وجد فنوره مثل نور الشمس ساطع، ولا تحتاج عائشة إلى أن تبحث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الليل حتى تقع يدها عليه رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهذا الحديث يدل على بطلان ما يزعمون، ثم أيضاً الحديث الآخر حديث عائشة أيضاً: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الليل ورجلاها في قبلته، فإذا سجد غمزها حتى ترفع رجليها ويسجد، وإذا رفع بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح) يعني: لو كان الأمر كما يقولون فلا حاجة إلى المصابيح ورسول الله صلى الله عليه وسلم موجود في الحجرة، فهذا كله من الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم. كذلك الحديث الآخر الذي فيه: (أن امرأة كانت تقم المسجد، وأنها ماتت فدفنوها ليلاً، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عنها، فقالوا: إنها ماتت وأنهم دفنوها في الليل قال: ألا آذنتموني؟! قالوا: كانت ليلة ظلماء فكرهنا أن نوقظك أو أن نشق عليك)فلو كان الأمر كما يقوله هؤلاء الغلاة فليس هناك حاجة إلى أن يقولوا: (كانت ليلة ظلماء)وذلك لأن نوره مثل نور الشمس. فرسول الله لا شك أن عنده نوراً -وهو نور الوحي ونور الهدى- به يستضاء في الطريق إلى الله والوصول إليه، وفي الخروج من الظلمات إلى النور، وقد جعله الله هادياً مهدياً قال تعالى: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ [المائدة:16]، وقال الله عز وجل عنه: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45-46] فهو سراج منير، لكن المقصود بالسراج كونه يضيء الطريق إلى الله عز وجل؛ وذلك بالكتاب والسنة الذي من سار عليهما فقد سار على طريق صحيح وصراط مستقيم، وليس المقصود منه كما يقول بعض الغلاة: إنه إذا مشى في الشمس يكون لا ظل له. وكما جاء في بعض الأحاديث: (أنه جلس في ظل الكعبة) يعني: لو كان الأمر كما يقولون كيف يتظلل بظلال وهو نفسه لا ظل له؟! الحاصل أن هذا من الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أغناه الله بما أعطاه من الفضائل والخصائص عن تكلف المتكلفين، وغلو الغلاة الذين يضيفون إليه ما لا يكون حاصلاً، وإنما ذلك من باب الغلو والإطراء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
مشروعية نصب القدمين في السجود
قوله: [ (وهما منصوبتان) ] هذا يدل على أن الرجلين تنصبان في السجود، وأن الإنسان لا يبسطهما، وإنما كما جاء في بعض الأحاديث: (يجعل أطراف أصابعه متجهة إلى القبلة ناصباًَ قدميه) يعني: حيث تيسر ذلك وحيث أمكن ذلك.
مشروعية الاستعاذة بصفات الله سبحانه
قوله: [ (أعوذ برضاك من سخطك، أعوذ بمعافاتك من عقوبتك) ] فالرضا والسخط من صفات الله عز وجل، وهما صفتان متقابلتان، والمعافاة والعقوبة هما من أفعال الله عز وجل وهما متقابلتان، وفي هذا دليل على أنه يستعاذ بصفات الله كما يستعاذ بالله؛ لأن صفاته غير مخلوقة، وإنما هي قائمة به سبحانه وتعالى، فيستعاذ بها كما يستعاذ به سبحانه وتعالى، ولهذا جاء في هذا الحديث الاستعاذة بالرضا والمعافاة، وكذلك جاء الاستعاذة بكلمات الله التامات، وجاء الاستعاذة بالعزة والقدرة كما في الحديث: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر). وفيه أيضاً: أن الصفات بعضها أفضل من بعض؛ لأن صفة الرضا أفضل من صفة الغضب والسخط، ولهذا يستعاذ بهذه من هذه، ولهذا سبقت الرحمة الغضب، وهذا يدل على تفاضل الصفات، فإن المستعاذ بها أفضل من المستعاذ منها، وكذلك كلام الله عز وجل يتفاضل، ولهذا فأفضل آية في القرآن آية الكرسي، وأفضل سورة في القرآن سورة الفاتحة، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن، وهي أفضل من سورة: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ [المسد:1] التي بجوارها، فكلام الله يتفاضل، وصفاته تتفاضل، وهذه النصوص تدل على ذلك، ثم إن الاستعاذة حصلت في شيئين متضادين: مستعاذ به، ومستعاذ منه، فحصلت الاستعاذة بصفة الرضا من صفة الغضب والسخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة، ولما حصلت الاستعاذة بهذه الأشياء المتقابلة بعضها من بعض، وكان الموصوف بها الفاعل الذي لا ضد له قال: (أعوذ بك منك) وذلك لأن كل محذور وكل مخوف إنما هو بقضاء الله وقدره وبخلقه وتكوينه.
مراتب القدر
ليس هناك ضر وليس هناك شيء يحذر منه إلا وهو من الله عز وجل قضاءً وقدراً وخلقاً وإيجاداً، فالله هو الذي قدر كل شيء كائن، وهو الذي خلق كل شيء، ولا يقع في الوجود حركة ولا سكون إلا وهو بأمر الله عز وجل وبإيجاد الله سبحانه وتعالى، ولهذا القدر له أربع مراتب: الأولى: علم الله عز وجل الذي لا بداية له، فقد علم كل شيء كائن بهذا العلم الذي لا بداية له. الثانية: كتابة ذلك في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكل كائن مكتوب في اللوح المحفوظ، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وسبق به القضاء والقدر. الثالثة: المشيئة، فالله تعالى إذا شاء أن يوجد هذا الذي علمه وكتبه وجد. الرابعة: الإيجاد والخلق. إذاً: فكل فعل من الأفعال وكل أمر من الأمور لابد أن يجتمع فيه أربعة أشياء: سبق علم الله به، وسبق كتابة الله له، وسبق مشيئة الله له، وقد أوجده الله عز وجل طبقاً لما علمه وكتبه وشاءه، فكل شيء كائن فإنما وقع بخلق الله وإيجاده طبقاً لما علمه أزلاً، ولما كتبه في اللوح المحفوظ، ولما شاء أن يكون عليه. إذاً فقوله: [ (وأعوذ بك منك) ] أي: أن المستعاذ منه من كل ما هو ضار ومن كل ما هو محذور ومخوف سبق به قضاء الله وقدره، والله تعالى هو الذي أوجد ذلك الشيء الضار الذي يخشى منه الإنسان ويحذره، وكما قلنا: إن الصفات غير مخلوقة، وإنما المخلوق آثار الصفات التي هي مفعولات؛ لأن الفعل غير المفعول، فالفعل فعل الله، والمفعول خلق الله عز وجل، فكل هذه الأشياء التي يحذر منها سبق بها العلم والكتابة والمشيئة، ووجدت طبقاً لما علمه الله عز وجل وكتبه وشاءه، وأراده سبحانه وتعالى، وكل شيء ضار في الوجود فإنما هو بقضاء الله وقدره، وهو منه قضاء وقدراً، وهو منه خلقاً وإيجاداً، ولهذا جاء في حديث وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس : (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). هذا هو معنى قوله: [ (وأعوذ بك منك) ] وهو نظير ما جاء في الحديث: (لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك) أي: أن الفرار من الله إلى الله. وهذا الحديث شرحه ابن القيم في كتابه: (شفاء العليل) شرحاً وافياً جميلاً، وكتابه (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل) عقد فيه ثلاثين باباً، وجعل باباً من هذه الثلاثين -وهو الباب السادس والعشرون- خاصاً لشرح هذا الحديث، الذي هو حديث عائشة الذي معنا: (أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك). فشرحه ابن القيم شرحاً نفيساً جميلاً، وواضحاً على منهج السلف، وخالٍ مما عليه أهل البدع والمنكرات الذين لم يحالفهم التوفيق فيما يكتبون ويقولون عن الله عز وجل وأسمائه وصفاته. قوله: [ (وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك) ] أي: لا أستطيع أن أحصي ثناءً عليك، بل أنت كما أثنيت على نفسك، فلا يستطيع أحد أن يحصي ثناءً على الله عز وجل، فثناء المثنين ومدح المادحين لا يمكن أن يصل إلى الغاية في ذلك، أو لا يستطيع أحد أن يحصي ثناءً عليه سبحانه وتعالى كما أثنى هو على نفسه سبحانه وتعالى.
تراجم رجال إسناد حديث (فقدت رسول الله ذات ليلة فلمست المسجد فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان وهو يقول أعوذ برضاك من سخطك...)
قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري، صدوق، أخرج له أبو داود وحده. [ حدثنا عبدة ]. عبدة بن سليمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر بن حفص العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و حَبان هذا بفتح الحاء، ويأتي بكسر الحاء حِبان بن موسى في بعض الأسانيد. [ عن عبد الرحمن الأعرج ]. عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عبد الرحمن اسمه و الأعرج لقبه، وقد جمع بين الاسم واللقب، وأحياناً يأتي باللقب وحده، فيقول: عن الأعرج أو حدثنا الأعرج ، وأحياناً يقال: عبد الرحمن بن هرمز وهو الأعرج ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثرهم حديثاً على الإطلاق. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ستة رجال وامرأة واحدة، وهي أم المؤمنين عائشة ، وهذا الحديث رواه أبو هريرة عن عائشة وهما من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من رواية صحابي عن صحابي.
عدم دلالة قوله (وقدماه منصوبتان) على كون القدمين متلاصقتين
قوله: [ (فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان) ]. هذا ليس فيه دلالة على إلصاق القدمين في السجود؛ لأن اليد قد تقع على القدمين وهما متلاصقتان أو وبينهما مسافة، فلا يدل على أنهما متلاصقتان، ولا يدل على أنهما متباعدتان، وإنما يدل على أنهما منصوبتان، وأما التلاصق وعدمه فلا دليل فيه."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [114]
الحلقة (145)
شرح سنن أبي داود [114]
في هذه المادة بيان لأدعية النبي صلى الله عليه وسلم وأذكاره في صلاته: في ركوعه وسجوده، وبيان لكيفية السجود، وما هي الأعضاء التي يُسجد عليها، وبيان أن من أدرك الإمام ساجداً فإنه يسجد معه ولا ينتظره حتى يقوم إلى الركعة الأخرى؛ حتى يدرك أجر ذلك السجود.
الدعاء في الصلاة
شرح حديث: (أن رسول الله كان يدعو في صلاته: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الدعاء في الصلاة. حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثنا شعيب عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته: اللهم! إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم! إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ الدعاء في الصلاة ]، فلما ذكر الدعاء في الركوع والسجود جاء بهذا الدعاء المطلق في الصلاة. وأورد حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته: اللهم! أني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) فهذه الأربع التي يستعاذ بالله عز وجل منها، فاثنتان منها خاصتان واثنتان عامتان، ففتنة المحيا من جملتها فتنة المسيح الدجال ، فاستعاذ من فتنة المسيح الدجال ؛ لأنها فتنة من أعظم الفتن التي تكون في حق من أدركه، وأما فتنة المحيا فإنها تكون لمن أدركه ومن لم يدركه، وكذلك الاستعاذة من عذاب القبر فهي أمر خاص، وهو ما يحصل في القبر من عذاب، وفتنة الممات أعم من عذاب القبر؛ لأنها تشمل عذاب القبر وغير عذاب القبر، فكل ما يكون بعد الموت وقبل البعث والنشور فهو من فتنة الممات، فذكر أمرين خاصين وأمرين عامين يستعاذ منها، والخاص هنا داخل في العام ففتنة المسيح الدجال داخلة في فتنة الحياة، وفتنة عذاب القبر داخلة في فتنة الممات. قوله: [ (وأعوذ بك من المأثم والمغرم) ] المأثم: هو الإثم وكل ما يسببه وما يترتب عليه، والمغرم: هو الدين والغرم وما يتحمله الإنسان ويكون لازماً ومطالَباً به. ثم قالت عائشة رضي الله عنهما: (ما أكثر ما تتعوذ من المغرم! فبين عليه الصلاة والسلام أسباب الاهتمام به وخطورته فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب) أي: عندما يأتيه الدائنون ليطالبونه فإنه يضطر لأن يكذب عليهم، فيحصل منه الكذب. قوله: [ (ووعد فأخلف) ] أي أنه يقول: سأعطيك مالك في الوقت الفلاني، ثم يجئ الوقت المحدد ولم يعطه إياه، فيترتب على ذلك أنه إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف ولم يفِ بوعده، فكل هذا مما يترتب على الدين. والدين شأنه عظيم وخطير، ولهذا جاء في الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان خطورته، وجاء أن الشهيد يغفر له كل شيء، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إلا الدين، سارّني به جبريل آنفاً)، فهذه حقوق الناس فلا بد من أدائها.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يدعو في صلاته: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر...)
قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد الحمصي وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا شعيب ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي أيضاً وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري المدني ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وقد مر ذكرها. وهذا الحديث إسناده سداسي: ثلاثة حمصيون، وثلاثة مدنيون، وهم: عمرو بن عثمان و بقية بن الوليد و شعيب بن أبي حمزة، فهؤلاء حمصيون وهم في نصفه الأسفل، ونصفه الأعلى: الزهري و عروة و عائشة، وهم مدنيون.
شرح حديث: (صليت إلى جنب رسول الله في صلاة تطوع فسمعته يقول: أعوذ بالله من النار...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن ابن أبي ليلى عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه رضي الله عنه قال: (صليت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة تطوع فسمعته يقول: أعوذ بالله من النار، ويل لأهل النار) ]. أورد أبو داود حديث أبي ليلى رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صليت إلى جنب رسول الله عليه وسلم في صلاة تطوع فسمعته يقول: أعوذ بالله من النار، ويل لأهل النار)، فهذا الدعاء في الصلاة، والتعوذ بالله من النار جاءت فيه أحاديث كثيرة. وقوله: [ (ويل لأهل النار) ] لا أعلم مجيئه من طريق أخرى، وهذا الإسناد فيه رجل ضعيف وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو أيضاً لا يروي عن أبيه إلا بواسطة ثابت.
تراجم رجال إسناد حديث: (صليت إلى جنب رسول الله في صلاة تطوع فسمعته يقول: أعوذ بالله من النار...)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن داود ]. هو عبد الله بن داود الخريبي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. و عبد الله بن داود الخريبي هذا هو الذي نقل عنه الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) أنه قال: إن أشد آية على أصحاب جهم هي قول الله عز وجل: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، قال: فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله. [ عن ابن أبي ليلى ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو صدوق سيء الحفظ جداً، أخرج له أصحاب السنن. والحديث الذي لا يأتي إلا من طريقه يضعفه أهل العلم به. [ عن ثابت البناني ]. هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى، هو والد محمد الذي روى عن ثابت في هذا الإسناد، و عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه]. هو أبو ليلى، وهو صحابي، أخرج له أصحاب السنن.
شرح حديث: (قام رسول الله إلى الصلاة وقمنا معه فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقمنا معه، فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً! فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: لقد تحجرت واسعاً، يريد رحمة الله عز وجل) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة وقام معه، فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً! فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لقد تحجرت واسعاً، يريد رحمة الله) يعني: تحجرت رحمة الله حيث جعلتها خاصة بي وبك مع أنها وسعت كل شيء، فكيف تطلب أن تكون لي ولك وألا يشرك معنا أحداً في ذلك! فهذا من الاعتداء في الدعاء، وهذا مما لا يجوز في الدعاء، فإذا قال الإنسان: اللهم ارحمني وارحم فلاناً! فهذا مستقيم، لكن أن يقول: ولا ترحم معنا أحداً، فهذا هو الذي لا يسوغ ولا يجوز؛ لأن الله تعالى يقول: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]. وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا حصل منه شيء من الدعاء الذي لا يجوز أن صلاته لا تبطل بذلك، ولا يكون ذلك مؤثراً في صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يعيد صلاته، ويشبه هذا الذي قاله الأعرابي ما جاء في كتاب (دلائل الخيرات) في بعض الأدعية، حيث يقول صاحب (دلائل الخيرات): اللهم! ارحم محمداً حتى لا يبقى من الرحمة شيء، اللهم! صلِّ على محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء، اللهم! بارك على محمد حتى لا يبقى من البركة شيء، اللهم! سلم على محمد حتى لا يبقى من السلام شيء. فهذا كلام باطل، وهو يشبه كلام الأعرابي هذا الذي أنكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الأدعية المنكرة التي اشتمل عليها كتاب (دلائل الخيرات) الذي افتتن به كثير من الناس في كثير من البلاد، بل إنهم يحفظون ما فيه ولا يحفظون الأدعية التي في صحيحي البخاري ومسلم ، وهي كلام الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهم يحفظون ويعتنون بشيء فيه غلو وجفاء ويتركون كلاماً في غاية الصفاء والحسن والجمال والكمال، كيف لا وهو كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (قام رسول الله إلى الصلاة وقمنا معه فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. ابن شهاب مر ذكره، و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة فقيه، أحد الفقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثة أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي وقد مر ذكره. وهذا الإسناد ثلاثة منه مصريون في نصفه الأسفل، وثلاثة منه مدنيون في نصفه الأعلى.
شرح حديث: (أن النبي كان إذا قرأ (سبح اسم ربك الأعلى) قال سبحان ربي الأعلى
قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا زهير بن حرب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: سبحان ربي الأعلى) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: سبحان ربي الأعلى). وسبب إيراده في باب: الدعاء في الصلاة، أنه يذكره ويأتي به في الصلاة، وهو عام يسن في الصلاة وغير الصلاة، لكن إذا كان في النافلة فقد جاء ما يدل على مثله، وذلك من جهة أنه إذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ. إذاً: فهذا الدعاء يكون في الصلاة وغير الصلاة؛ لأنه مطلق.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا قرأ (سبح اسم ربك الأعلى) قال سبحان ربي الأعلى
قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خثيمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني أبو إسحاق السبيعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسلم البطين ]. هو مسلم بن عمران البطين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حديث ابن عباس موقوفاً في قول سبحان ربي الأعلى بعد قراءة (سبح اسم ربك العظيم) وترجمة رجال الإسناد
[ قال أبو داود : خولف وكيع في هذا الحديث، فرواه أبو وكيع و شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً ]. أي: رواه شعبة ووالد وكيع عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً، وليس فيه ذكر مسلم بن عمران البطين ، ففيه إذاً الوقف، وفيه عدم وجود الواسطة بين أبي إسحاق وبين سعيد بن جبير ، لكن الإسناد الأول صحيح. [ أبو وكيع ]. هو الجراح بن مليح، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد)، و مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ و شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (كان رجل يصلي فوق بيته وكان إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) قال سبحانك فبلى...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة أنه قال: (كان رجل يصلي فوق بيته، وكان إذا قرأ: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] قال: سبحانك فبلى، فسألوه عن ذلك، فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يصلي على ظهر بيته، وكان إذا قرأ في سورة القيامة: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] قال: سبحانك فبلى، فقيل له في ذلك، فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا يدلنا على أن مثل هذا الكلام إذا قيل عند هذه الآية في صلاة نافلة، أو عند قراءة القرآن فلا يضر، فقد جاء ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رجل يصلي فوق بيته وكان إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) قال سبحانك فبلى...)
قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن العنزي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر هو الملقب بغندر البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة ]. موسى بن أبي عائشة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ (كان رجل يصلي فوق بيته) ]. هو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا الذي جاء في الحديث، فلما سئل عنه قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
استحباب الإمام أحمد الدعاء في الفريضة بما ورد في القرآن
[ قال أبو داود : قال أحمد : يعجبني في الفريضة أن يدعو بما في القرآن ]. يعني: يدعو بما يناسب القرآن من الأدعية التي جاءت في القرآن، مثل قوله عز وجل: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، وقوله: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]، وقوله: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] وغير ذلك من الأدعية التي جاءت في القرآن.
مقدار الركوع والسجود
شرح حديث: (رمقت النبي في صلاته فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده، ثلاثاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: مقدار الركوع والسجود. حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا سعيد الجريري عن السعدي عن أبيه أو عن عمه أنه قال: (رمقت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده، ثلاثاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ مقدار الركوع والسجود ]، والمقصود هنا بالترجمة القدْر، بحيث لا يقصر عن الحد الأدنى، وإذا كان الإنسان يصلي بالناس فلا يطول إطالة تشق عليهم، وإذا كان وحده فليطول ما شاء، فقد جاء في الحديث: (إذا صلى بالناس فليخفف، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء). وقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم أحوال في صلاته: فأحياناً يطيل القراءة، وأحياناً يقصرها، وكذلك في الركوع والسجود، فالأمر كما قال مالك بن أنس : إنه جمع بين الإيجاز والتمام. وأورد أبو داود رحمه الله حديث والد السعدي أو عمه أنه قال: (رمقت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته)، أي: نظرت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. قوله: [ (فكان يتمكن في ركوعه وسجوده) ]، أي: أنه يطمئن ويستقر في الركوع والسجود. قوله: [ (قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده، ثلاثاً) ]، أي: أنه يكون مستقراً ومطمئناً في الركوع والسجود مقدار ما يقول هذه الكلمات ثلاث مرات.
تراجم رجال إسناد حديث: (رمقت النبي في صلاته فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده ثلاثاً)
قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله ]. مسدد مر ذكره و خالد بن عبد الله الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن السعدي ]. السعدي لم يسمَّ ولا يعرف، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه أو عن عمه ]. أبوه أو عمه لم يُذكر من خرج له.
شرح حديث: (إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم، وذلك أدناه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الملك بن مروان الأهوازي حدثنا أبو عامر و أبو داود عن ابن أبي ذئب عن إسحاق بن يزيد الهذلي عن عون بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم وذلك أدناه، وإذا سجد فليقل: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً وذلك أدناه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ركع أحدكم فليقل: سبحان ربي العظيم ثلاثاً، وذلك أدناه، وإذا سجد فليقل: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً وذلك أدناه) والمقصود بأدناه: أدنى الكمال، وليس المقصود أنه لا يقول أقل من ذلك؛ فإن الحد الأدنى أن يقول الإنسان: سبحان ربي العظيم في الركوع مرة واحدة، وسبحان ربي الأعلى في السجود مرة واحدة، فهذا هو الذي على الإنسان أن يأتي به، وما زاد على ذلك فهو مستحب، وهذا هو أدنى أدنى الكمال، ولهذا يقول بعض الفقهاء: وأدنى الكمال ثلاث، يعني: أن الواجب واحدة.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم، وذلك أدناه...)
قوله: [ حدثنا عبد الملك بن مروان الأهوازي ]. إما أن يكون عبد الملك بن مروان الأهوازي أبو بشر الرقي وهو مقبول، ولم يرو له أحد من أصحاب الأمهات الست، وقد رمز له الحافظ بالتمييز، وإما أن يكون عبد الملك بن مروان بن قارظ البصري الأهوازي وهو ثقة، أخرج له أبو داود وحده. وقال في التقريب: تمييز، مع أنه ليس للتمييز، بل هو من رواة أبي داود . [ حدثنا أبو عامر ]. هو أبو عامر العقدي، واسمه عبد الملك بن عمرو ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو داود ]. هو سليمان بن داود الطيالسي، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسحاق بن يزيد الهذلي ]. إسحاق بن يزيد الهذلي مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عون بن عبد الله ]. عون بن عبد الله ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن مسعود ]. عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و عون بن عبد الله هذا لم يدرك عبد الله بن مسعود ، فالإسناد منقطع، وفيه أيضاً هذا المجهول الذي يروي عن عون وهو إسحاق بن يزيد . [ قال أبو داود : هذا مرسل؛ عون لم يدرك عبد الله ]. وهذا مرسل بالاصطلاح العام وليس بالاصطلاح الخاص عند المحدثين؛ لأن المرسل في الاصطلاح الخاص عند المحدثين هو ما أضافه التابعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يطلقون المرسل على المنقطع فيقولون: فلان أرسل عن فلان، أي: أنه روى عنه مرسلاً ولم يرو عنه مباشرة؛ لأنه لم يدركه، أو بينه وبينه واسطة فأرسل عنه، وكلمة مرسل هنا يراد بها الاصطلاح الآخر وهو الانقطاع.
شرح حديث: (من قرأ منكم بـ (التين والزيتون) فانتهى إلى آخرها ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري حدثنا سفيان حدثنا إسماعيل بن أمية قال: سمعت أعرابياً يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ منكم بـ(( َالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ))[التين:1] فانتهى إلى آخرها: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:8] فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، ومن قرأ: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [القيامة:1] فانتهى إلى: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] فليقل: بلى، ومن قرأ: وَالْمُرْسَلاتِ [المرسلات:1] فبلغ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [المرسلات:50] فليقل: آمنا بالله). قال إسماعيل : ذهبت أعيد على الرجل الأعرابي وأنظر لعله، فقال: يا ابن أخي! أتظن أني لم أحفظه؟ لقد حججت ستين حجة ما منها حجة إلا وأنا أعرف البعير الذي حججت عليه]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ [التين:1] فانتهى إلى آخرها: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:8] فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، ومن قرأ: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] فليقل: بلى، ومن قرأ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [المرسلات:50] فليقل: آمنا بالله)، وهذا الحديث لا علاقة له بالترجمة وهي: مقدار الركوع والسجود؛ لأنه ليس فيه شيء له علاقة بمقدار الركوع والسجود، وإنما هو قول يقال عند ختام هذه السور الثلاث: سورة القيامة، وسورة المرسلات، وسورة التين، فلا علاقة له بمقدار الركوع والسجود. ولهذا قال بعض أهل العلم: لعل هذا الحديث تأخر عن مكانه، وأن مكانه هو في الدعاء في الصلاة، وليس في مقدار الركوع والسجود، فليس فيه شيء له علاقة ببيان مقدار الركوع والسجود، بل لم يتعرض فيه للركوع والسجود، ولا لما يقال في الركوع والسجود، وإنما يتعلق بالقول عند قراءة أواخر هذه السور، فيقول في آخر القيامة: بلى، ويقول في آخر المرسلات: آمنا بالله، ويقول في آخر التين: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين. والحديث في إسناده ذلك الرجل الأعرابي الذي يروي عن أبي هريرة وهو مجهول فلا يحتج بذلك، لكن الجملة التي تتعلق بسورة القيامة سبق أن مرت من طريق صحيحة في حديث الرجل الذي كان يصلي على ظهر بيته وقرأ قول الله عز وجل: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40]، فقال: سبحانك فبلى، فقيل له في ذلك، فقال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها. [ قال إسماعيل : فذهبت أعيد على الرجل الأعرابي وأنظر لعله، فقال: يا ابن أخي! أتظن أني لم أحفظه؟! لقد حججت ستين حجة ما منها حجة إلا وأنا أعرف البعير الذي حججت عليه ]. أي: أن إسماعيل طلب من الأعرابي أن يعيده عليه؛ لعله حصل منه شيء من الخطأ أو الوهم، ففهم ذلك الأعرابي وقال: لعلك تظن أنني قد أخطأت، فقد حججت ستين حجة ما من حجة إلا وأنا أذكر البعير الذي حججت عليه، يعني: ما نوعه، وما اسمه، وغير ذلك من الصفات التي تتعلق به، فهو يشير إلى قوة ذاكرته واستحضاره واستذكاره، وأنه يستذكر تلك الإبل التي حج عليها واحداً واحداً، وهذه مبالغة في حفظه وفي استذكاره وعدم نسيانه.
تراجم رجال إسناد حديث: (من قرأ منكم بـ(التين والزيتون) فانتهى إلى آخرها ...)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري ]. هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري وهو صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني إسماعيل بن أمية ]. إسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت أعرابياً يقول ]. الأعرابي هنا مجهول لا يعرف، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ سمعت أبا هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. وبالنسبة للصحابة وعدد أحاديثهم قلةً وكثرة فقد عُني ببيانها في الكتب الستة، وعدد الأحاديث المتفق عليها بين البخاري و مسلم ، والأحاديث التي انفرد بها البخاري، والأحاديث التي انفرد بها مسلم ، اعتني ببيان ذلك للخزرجي في كتابه (خلاصة تهذيب الكمال)، وهذا من فوائد وميزات هذا الكتاب.
شرح حديث: (ما صليت وراء أحد بعد رسول الله أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى، يعني عمر بن عبد العزيز ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح و ابن رافع قالا: حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان حدثني أبي عن وهب بن مانوس قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى -يعني: عمر بن عبد العزيز -، قال: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (ما رأينا أحداً أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى -يريد بذلك عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه- قال: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات) يعني: أنهم قدروا عدد التسبيحات في الركوع والسجود. وهذا هو مطابق للترجمة من جهة مقدار الركوع والسجود. قوله: [ (أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى) ] أي: أن صلاته تشبه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدروا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات.
تراجم رجال إسناد حديث: (ما صليت وراء أحد بعد رسول الله أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى، يعني عمر بن عبد العزيز ...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل.
ترجمة محمد بن رافع وعلاقته بالإمام مسلم رواية ونسباً
[ و ابن رافع ]. هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . وهو أحد الشيوخ الذين أكثر عنهم الإمام مسلم في صحيحه، ومن طريقه يروي الأحاديث التي اختارها وانتقاها من صحيفة همام بن منبه . و محمد بن رافع من بلد الإمام مسلم ومن قبيلته، فهو نيسابوري و مسلم نيسابوري، وهو قشيري و مسلم قشيري، ولكن هناك من روى عنه مسلم أكثر منه وهو: أبي بكر بن أبي شيبة، فقد روى عنه مسلم أكثر من ألف وخمسمائة حديث، و زهير بن حرب أبو خثيمة، روى عنه مسلم ألف ومائتي حديث وغيرهما، وأما محمد بن رافع فقد روى عنه دون الألف، و مسلم رحمة الله عليه ينسب إلى بني قشير على أنه من أنفسهم وليست نسبة ولاء، ولهذا عندما يذكرون نسب البخاري يقولون: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبة البخاري الجعفي مولاهم، وعندما يترجمون لمحمد بن رافع يقولون: القشيري من أنفسهم، أي: أنه نسبته إليهم ليست نسبة ولاء كالبخاري وغيره، وإنما هي نسبة أصل، فهو من نفس تلك القبيلة العربية.
تابع تراجم رجال إسناد حديث: (ما صليت وراء أحد بعد رسول الله أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى، يعني عمر بن عبد العزيز ...)
[ حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان ]. عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثني أبي ]. وهو مثله صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن وهب بن مانوس ]. وهب بن مانوس مستور، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ قال: سمعت سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث في إسناده هذا الرجل المستور، والمستور يساوي مجهول الحال، فالحديث إذاً لا يصح من هذه الطريق.
وجه اختلاف ابن رافع وابن صالح في التصريح بالسماع والعنعنة
[ قال أبو داود : قال أحمد بن صالح : قلت له: مانوس أو مابوس ؟ قال: أما عبد الرزاق فيقول: مابوس وأما حفظي فمانوس ، وهذا لفظ ابن رافع ، قال أحمد : عن سعيد بن جبير عن أنس بن مالك ]. ذكر أبو داود هنا شيئين: أحدهما: أنه قيل لابن رافع : مابوس أو مانوس ؟ أي: هل هو بالباء أو بالنون؟ فقال: إن عبد الرزاق يقول: مابوس بالباء، والذي أحفظ أنه مانوس . الأمر الثاني: أن هذا لفظ ابن رافع . أي أن محمد بن رافع يقول: إن وهب بن مانوس يقول: سمعت سعيد بن جبير قال: سمعت أنس بن مالك ، فهذا اللفظ فيه ذكر سماع وهب بن مانوس من سعيد بن جبير وسماع سعيد بن جبير من أنس، فهذا هو لفظ ابن رافع ، وأما لفظ الشيخ الثاني وهو أحمد بن صالح فهو يقول: وهب بن مانوس عن سعيد بن جبير عن أنس ، أي: أنه عبر بالعنعنة. فهذا فيه بيان الفرق بين لفظي الشيخين، وليس المقصود بيان أن هناك تدليساً أو نحوه، بل المقصود هو بيان التعبير الذي عبر به كل من الشيخين.
أعضاء السجود
شرح حديث: (أمر نبيكم أن يُسجد على سبعة، ولا يكف شعراً ولا ثوباً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: أعضاء السجود. حدثنا مسدد و سليمان بن حرب قالا: حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت، قال حماد : أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يُسجد على سبعة، ولا يكف شعراً ولا ثوباً) ]. أورد أبو داود هذا الترجمة وهي: [ أعضاء السجود ] أي: الأعضاء التي يسجد عليها وتتصل بالأرض من الساجد عندما يصلي، والمقصود هو بيان الأعضاء التي يكون السجود عليها، وهي سبعة كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوجه وفيه الجبهة والأنف، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين، فهذه هي السبعة الأعضاء التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسجد عليها. وكما أسلفت أن المساجد إنما أطلق عليها مساجد لأن حالة السجود هي الحالة التي يكون فيها التمكن من الأرض، فأكثر أجزاء وأعضاء الإنسان إنما تتصل بالأرض في حال سجوده؛ فالإنسان إذا كان قائماً لا تكون إلا رجلاه على الأرض، وإذا كان راكعاً لا تكون إلا رجلاه على الأرض، وإذا كان جالساً كانت ركبتاه وقدماه على الأرض، وأما في حال سجوده فإن أكثر الأعضاء تكون على الأرض، بل إن أشرف شيء في الإنسان وهو وجهه يعفره بالتراب؛ ذلاً وخضوعاً لله سبحانه وتعالى، ولهذا قيل لأماكن العبادة وبيوت الله: مساجد، ولم يقل: مراكع ولا مواقف ولا مجالس، فمراكع نسبة للركوع، ومواقف نسبة للوقوف، ومجالس نسبة للجلوس، وإنما قيل لها: مساجد؛ نسبة للسجود عليها. فالمقصود بالترجمة بيان أعضاء السجود السبعة. وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت، وقال حماد : أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم)، وهذا فيه إشكال؛ لأن الطريق واحد، فلو كان أحد الشيخين هو الذي قال: أمرت، والثاني قال: أمر نبيكم، لكان مستقيماً، كما في الحديث الذي سبق أن محمد بن رافع قال كذا، و أحمد بن صالح قال كذا، فكل واحد منهما عبر بعبارة، وأما أن يأتي الإسناد من طريق واحد ثم يقول فلان كذا وقال فلان كذا، فهذا فيه إشكال، لكن المزي يقول: في رواية أبي الطيب الأشناني عن أبي داود عن مسدد عن سفيان و حماد بن زيد ، فقد يكون التعبير بأمرت لسفيان ، لكن الرواية التي معنا ليس فيها إلا حماد بن زيد فالإشكال قائم، ولعل الأمر كما ذكر من أن هناك شخصاً آخر في درجة حماد بن زيد وهو الذي جاء عنه لفظة: (أمرت)، وأما حماد بن زيد فقال: (أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم). والنتيجة واحدة؛ لأن قوله: (أمرت) أو: (أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم) هما بمعنى واحد. قوله: [ (أمر نبيكم أن يسجد على سبعة) ] يعني: سبعة أعضاء، وهذه الأعضاء جاء بيانها في بعض الأحاديث. قوله: [ (ولا يكف شعراً ولا ثوباً) ]، أي: أنه يجعل الشعر مسترسلاً، وكذلك لا يكف قميصه بأن يرفعه ويشمره، ولا أن يكف كميه، وإنما يترك ثيابه على ما هي عليه بالنسبة للقميص، لكن هذا لا يعني أن الإنسان إذا كان عليه إزار ورداء أنه يترك الرداء مسترسلاً؛ لأن هذا هو الذي فسر به السدل في الثياب الذي نهي عنه في الصلاة، فالإنسان إذا كان عليه رداء وكانت أطرافه متدلية فإنه إذا ركع يسقط، لكن إذا كفه وجعله على كتفه الأيسر فإن ذلك يكون أدعى إلى كونه يبقى. فالمقصود بكف الثياب: أن الإنسان لا يشمرها، ولا يكف كميه، وكذلك لا يرفع شعره ويكفه إلى الوراء، بل ينزل ما استرسل منه يسجد معه كما يسجد هو، فهذا هو المقصود من الحديث. وقيل: إن هذا الفعل قد يكون من فعل أهل التكبر. وأما الشماغ فليس له حكم الشعر، فإذا نزل لا يقال: إنه يكفه؛ لأنه لا يخشى من السقوط، ولو سقط لا يؤثر، ولأن المحذور في عدم ستر العاتقين بالرداء، فلابد من ستر العاتقين أو ستر أحدهما كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي ينبغي أن يترك العمامة أو الشماغ وما إلى ذلك، ولكن لو رده ما يقال: إنه كفته؛ لأن هذه مثل: المشلح ونحوه؛ ولأن مثل هذا يشوش عليه في جذبه وتجميعه وما إلى ذلك.
تراجم رجال إسناد حديث: (أمر نبيكم أن يسجد على سبعة، ولا يكف شعراً ولا ثوباً)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالا: حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن دينار ]. هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حكم الصلاة على الجبهة دون الأنف
نرى كثيراً من المصلين إذا سجد يعتمد على الجبهة، فنقول: لا يجوز أن يعتمد على الجبهة؛ لأنه لو اعتمد على الجبهة، فمعناه أنه اعتمد على مقدم الجبهة فيرتفع أنفه وهذا لا يجوز، بل يجب أن يسجد عليهما؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الأحاديث ذكر أعضاء السجود فذكر الجبهة وأشار إلى أنفه، أي: أنه يسجد على الجبهة مع الأنف، ولا شك أنه إذا سجد على الجبهة كلها فإن الأنف يسجد معه، وإنما يرتفع الأنف إذا لم يسجد على الجبهة كلها، وأما لو مكن الجبهة فلابد أن يكون الأنف في الأرض. ولا نقول له: أعد الصلاة، لكن نقول له: لا تفعل هذا في المستقبل.
شرح طريق أخرى لحديث: (أمر نبيكم أن يسجد على سبعة )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أمرت، وربما قال: أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة آراب) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، قال: (أمرت، وربما قال: أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة آراب) يعني: أعضاء فهي جمع إرب، والسبعة الأعضاء هي: الوجه والكفان والركبتان وأطراف القدمين. قوله هنا: [ (أمرت، أو أمر نبيكم) ] فيه شك، أي: أنه قال كذا، أو قال كذا.
تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث: (أمر نبيكم أن يسجد على سبعة )
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس ]. وقد مر ذكرهم.
شرح حديث: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه وكفه وركبتاه وقدماه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر -يعني: ابن مضر - عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه) ]. حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه هذا فيه تفصيل هذه الآراب والأعضاء التي جاءت مجملة في الحديثين المتقدمين من طريق ابن عباس رضي الله عنهما، فقد فسرها وبينها وأنها: الوجه، والوجه فيه شيئان: الجبهة، والأنف، واليدان، والركبتان والقدمان، أي: أطراف القدمين، فينصب قدميه وتكون أصابعها موجهة إلى القبلة، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فيمكن هذه الأعضاء السبعة من الأرض.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه)
قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بكر يعني: ابن مضر ]. بكر بن مضر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن ابن الهاد ]. هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر بن سعد ]. هو عامر بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العباس بن عبد المطلب ]. العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل -يعني: ابن إبراهيم - عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما رفعه قال: (إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما) ]. حديث ابن عمر رضي الله عنهما هذا فيه أن اليدين من أعضاء السجود، وكذلك الوجه، وهذا الحديث ذُكر فيه ثلاثة أعضاء من سبعة أعضاء، وهي الوجه واليدان، وهذه من أعضاء السجود، فالإنسان يسجد على وجهه ويديه كما يسجد على ركبتيه وقدميه.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما)
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل يعني: ابن إبراهيم ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المشهور بابن علية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ عن ابن عمر رفعه ]. كلمة [رفعه] هي بمعنى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو ينمي به إلى النبي يعني: يبلغ به النبي، وكل هذه من الصيغ الرفع.
ما جاء في الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع؟
شرح حديث: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع؟ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس أن سعيد بن الحكم حدثهم: أخبرنا نافع بن يزيد حدثني يحيى بن أبي سليمان عن زيد بن أبي العتاب و ابن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب: في الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع؟ ] يعني: أن الإنسان لا يترك الائتمام بالإمام إن أدركه في السجود، وإنما يدخل معه، ولكنه لا يعتد بتلك الركعة، فإذا قام يقضي ركعة كاملة؛ لأن السجود لا تدرك به الركعة. والمقصود أنه يسجد مع الإمام إذا أدركه في السجود. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً)، فهذا يدل على أن الإنسان يدخل مع الإمام في الصلاة؛ لأنه إذا دخل مع الإمام في الصلاة فهو في عمل خير وهو الصلاة، وإن لم يدخل معه لا يقال: إنه في صلاة، وقد جاء في بعض الأحاديث: (إنه في صلاة ما انتظر الصلاة) أي: أن الإنسان إذا كان ينتظر الصلاة فهو في صلاة، فإذا دخل مع الإمام وهو في السجود فقد دخل معه في صلاته، فهذه الأفعال والحركات يثاب عليها وإن لم يكن معتداً بها؛ لأنها أقل من ركعة، فهو مسبوق يأتي بتلك الركعة التي لم يدرك إلا سجودها. قوله: [ (ومن أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ] يدل على أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة التي يعتد بشيء منها، وأما من لم يدرك الركعة وإنما أدرك بعضها فيكون قد أدرك الأجر، وإذا جاء في الركعة الأخيرة بعد الركوع فإنه يكون قد أدرك فضل الجماعة، ولكن لم يدرك شيئاً يعتد به، وعليه إذا قام أن يقضي، ومن العلماء من قال: إن إدراك الركوع ليس إدراكاً للركعة، بل لابد من إدراك قراءة الفاتحة، ولكن جمهور العلماء على أن إدراك الركوع إدراك للركعة، ويستدلون على ذلك بحديث أبي بكرة حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد)، فاعتبر صلاته ولم يأمره بأن يعيد، وإنما نهاه أن يعود إلى الهيئة التي فعلها وهي الركوع دون الصف، وإنما يمشي حتى يصل إلى الصف ثم يركع. وعلى هذا: من أدرك الإمام ساجداً فلا ينتظره حتى يأتي بالركعة التي بعدها، وإنما يدخل في الصلاة ويسجد معه، ويكون بحركاته وسكناته قد فعل تلك العبادة التي يؤجر عليها، ولكنه لا يَعتد بها، ولهذا قال: (لا تعدوها شيئاً).
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً...)
قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي النيسابوري ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أن سعيد بن الحكم ]. سعيد بن الحكم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا نافع بن يزيد ]. نافع بن يزيد ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثني يحيى بن أبي سليمان ]. يحيى بن أبي سليمان ليِّن الحديث، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن زيد بن أبي العتاب ]. زيد بن أبي العتاب ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و ابن المقبري ]. ابن المقبري يحتمل أن يكون سعيد بن أبي سعيد الابن، ويحتمل أن يكون الأب، وكل منهما روى عن أبي هريرة ، وكل منهما ثقة، وكل منهما أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مر ذكره. والحديث في إسناده يحيى بن أبي سليمان وفيه كلام، وقد صحح هذا الحديث الشيخ الألباني؛ فقد جاءت أحاديث أخرى تدل على معناه: أن من جاء والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [115]
الحلقة (146)
شرح سنن أبي داود [115]
شرعت الصلاة بهيئة وحركات معينة على المسلم أن يلتزم بها، فإن أخل بها فقد أخل بصلاته، ومن ذلك هيئة السجود؛ فإن السجود يكون على سبعة أعضاء مع انفراج بين البطن والفخذين، وبين الفخذين والساقين؛ فيجب على المسلم أن يتعلم كيف يصلي؛ حتى لا تكون صلاته ناقصة أو باطلة.
السجود على الأنف والجبهة
شرح حديث (أن رسول الله رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: السجود على الأنف والجبهة. حدثنا ابن المثنى حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس) ]. أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب السجود على الجبهة والأنف، أي: أن السجود على الجبهة والأنف أحد الأعضاء السبعة التي يكون السجود عليها، وقد سبق أن مرت الأحاديث التي فيها ذكر الأعضاء السبعة، وهي: الجبهة والأنف واليدان والركبتان وأطراف القدمين. هذه هي أعضاء السجود. وهذه الترجمة معقودة لواحد من هذه الأعضاء وهو الجبهة والأنف، وفيها أنه يجمع بينهما ولا يكتفى بأحدهما عن الآخر، بل لابد وأن يمكن جبهته من الأرض ويكون أنفه ساجداً معها، أما إذا سجد على أعلى جبهته وعلى مقدمة رأسه فإنه يرتفع الأنف عن الأرض وهذا لا يسوغ، بل الواجب هو تمكين الجبهة كلها ويكون الأنف معها على الأرض ساجداً لله عز وجل. وأورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين) وكان ذلك في ليلة واحد وعشرين من شهر رمضان، وكان قد أخبر أنه رأى ليلة القدر، وأنه يسجد في صبيحتها على ماء وطين، فنزلت السماء، وخر السقف، وابتل مكان مصلاه صلى الله عليه وسلم، فكان يسجد في الماء والطين، ورؤي على جبهته وأنفه أثر الماء والطين. فهذا الحديث هو الذي فيه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه الفجر في ليلة من ليالي رمضان، وكانت هي ليلة واحد وعشرين، ورؤي على جبهته وأنفه أثر الماء والطين، فدل هذا على أن الأنف والجبهة يسجد عليهما جميعاً، وأنه لا يسجد على واحد منهما، فلا يسجد الإنسان على أنفه ويرفع جبهته أو يسجد على جبهته ويرفع أنفه، وإنما يسجد عليهما جميعاً.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس)
قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب الزمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا صفوان بن عيسى ]. صفوان بن عيسى ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان ، مشهور بكنيته أبي سعيد ، وبنسبه الخدري، وهو صحابي جليل مشهور، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. و يحيى بن أبي كثير اليمامي هذا الذي جاء في الإسناد هو الذي روى عنه مسلم بإسناده إليه في صحيحه أنه قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم.
طريق أخرى لحديث (أن رسول الله رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق عن معمر نحوه ]. يعني: نحو الحديث المتقدم بالإسناد. [ حدثنا محمد بن يحيى ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا عبد الرزاق ]. هو ابن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن معمر ]. معمر قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
صفة السجود
شرح حديث (وصف لنا البراء فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته وقال: هكذا كان رسول الله يسجد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صفة السجود. حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا شريك عن أبي إسحاق قال: (وصف لنا البراء بن عازب رضي الله عنهما، فوضع يديه واعتمد على ركبتيه، ورفع عجيزته وقال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب صفة السجود، يعني: كون الإنسان يسجد معتدلاً، لا يكون شاقاً على نفسه، حتى كأنه يريد أن يمتد وأن ينبطح على بطنه من شدة مباعدته فيما بين مقدمه ومؤخره، وإنما عليه أن يتوسط، فلا يكون بعضه راكباً على بعض كهيئة الكسلان، الذي يلصق بطنه بفخذه وفخذه بعقبه، وإنما يكون على اعتدال وتوسط، بحيث يمكن جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وأطراف قدميه، ويكون متوسطاً، ولا يباعد بين أجزائه كأن يكون مقدمه بعيداً عن مؤخره، أو رأسه بعيداً عن رجليه؛ بسبب امتداده ومبالغته، وليس على هيئة السجود المشروع الذي هو الاعتدال والتوسط في الأمور. وقد أورد أبو داود حديث: (ويجافي عضديه عن جنبيه) كما سيأتي، بحيث يكون الاعتماد على اليد، لا على الفخذ، ويكون مجافياً عضديه عن جنبيه معتمداً على يديه، هذه هي صفة السجود. وأورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله عنه من طريق أبي إسحاق قال: (وصف لنا البراء بن عازب رضي الله عنهما، فوضع يديه واعتمد على ركبتيه، ورفع عجيزته وقال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد). يعني: وضع يديه واعتمد على ركبتيه بحيث يكون كل جسمه معتمداً على ركبتيه وليس على ساقيه، واعتمد على يديه لا على ذراعيه، بخلاف من يلصق بطنه بفخذه وفخذه بساقه، فإن جسم الإنسان يكون معتمداً على الساق، والصحيح أنه يكون نازلاً على الركبتين، ويرفع عجيزته، أي: مؤخره، ولا يكون هناك مبالغة حتى كأنه يريد أن ينبطح على بطنه. وقد جاء في صحيح البخاري عن أحد الصحابة أنه أنكر على شخص فقال: ( لا تكن من الناس الذين يسجدون على عوراتهم ) يعني: يلم بعضه على بعض حتى يكون كأنه ملتصق بالأرض، ويكون مؤخره قريباً من مقدمه، وإنما يكون مؤخره مرتفعاًَ، ولا يكون بهذه الطريقة التي فيها المبالغة، وهي أن الإنسان يمتد ويتقدم على الناس بسبب امتداده.
تراجم رجال إسناد حديث (وصف لنا البراء فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته وقال: هكذا كان رسول الله يسجد)
قوله: [ حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة ]. الربيع بن نافع أبو توبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً وتغير بعد أن ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وصف لنا البراء بن عازب ]. البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (اعتدلوا في السجود ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعتدلوا في السجود، ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اعتدلوا في السجود، ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب). قوله: [ (اعتدلوا في السجود) ] يعني: توسطوا فيه، بحيث يسجد الإنسان على أعضائه السبعة، ويمكنها، ويعتمد على ركبتيه وعلى يديه، وكل عضو يأخذ حقه من السجود، لا أن يكون على هيئة الكسول الذي يلصق بالأرض مقدمه ومؤخره، فيفرش ذراعيه ويعتمد على ساقيه، فإن هذه هيئة لا تسوغ، وإنما السائغ والمطلوب هو التوسط والاعتدال بين هيئة الكسل والخمول، وهيئة المبالغة والغلو والزيادة، التي تكون المسافة فيها بين مقدمه ومؤخره بعيدة جداً. ومن صفات الكلب أنه يضع ذراعه كله على الأرض، وهذه الصفة منهي عنها، وإنما المشروع هو الاعتماد على اليدين، ورفع الذراعين والمرفقين مع المجافاة، بحيث إنه لا يعتمد بعضده على جنبيه وبذراعيه على فخذيه وبفخذيه على ساقيه، وإنما يجافي بينها، فيجافي بين الفخذ والساق بحيث يرفع هذا عن هذا، وكذلك الذراع يؤخرها عن الفخذ لا يعتمد عليها، وكذلك العضدان يجافيهما عن الجنبين.
تراجم رجال إسناد حديث (اعتدلوا في السجود ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب)
قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود؛ لأن مسلم بن إبراهيم الفراهيدي يروي عن شعبة بن الحجاج الواسطي، و شعبة يروي عن قتادة بن دعامة السدوسي البصري، و قتادة يروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (أن النبي كان إذا سجد جافى بين يديه حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر تحت يديه مرت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن عبيد الله بن عبد الله عن عمه يزيد بن الأصم عن ميمونة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى بين يديه، حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر تحت يديه مرت) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ميمونة، وهو يتعلق بهيئة من هيئات السجود، وهي السجود على اليدين، وأنه يعتمد عليهما ويجافي يديه عن جنبيه، حتى لو أن بهمة من أولاد المعز أو الضأن دخلت تحت يديه لمرت؛ لأنه كان يجافي عضديه عن جنبيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فهذا يدلنا على أنه يعتمد على اليدين وأنه يجافى بين العضدين والجنبين.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان إذا سجد جافى بين يديه حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر تحت يديه مرت)
قوله: [ حدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، وهو مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ عن عمه يزيد بن الأصم ]. يزيد بن الأصم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ميمونة ]. هي ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (أتيت النبي من خلفه فرأيت بياض إبطيه وهو مجخ قد فرج يديه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن التميمي الذي يحدث بالتفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه، فرأيت بياض إبطيه وهو مجخ قد فرج بين يديه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه، فرأيت بياض إبطيه وهو مجخ، قد فرج بين يديه). يعني: فرج بين يديه وجافاهما عن جنبيه وهو ساجد، قيل: إنه كان ليس عليه قميص، ولهذا تمكن ابن عباس من رؤية إبطيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (وهو مجخ) ]. يعني: قد رفع مؤخره. قوله: [ (قد فرج بين يديه) ]. يعني: لم يلصقهما ببطنه، بل أبعدهما وفرقهما عن جسده.
تراجم رجال إسناد حديث (أتيت النبي من خلفه فرأيت بياض إبطيه وهو مجخ قد فرج يديه)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، اخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية، وهو ثقة إلا أن سماعه عن أبي إسحاق بآخره، لكن ما ورد في هذا الحديث قد جاء في غيره، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو إسحاق ]. أبو إسحاق السبيعي مر ذكره. [ عن التميمي الذي يحدث بالتفسير ]. التميمي اسمه أربدة، وهو صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (أن رسول الله كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى نأوي له)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عباد بن راشد حدثنا الحسن حدثنا أحمر بن جزء صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى نأوي له) ]. أورد أبو داود حديث أحمر بن جزء رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه، حتى نأوي له) يعني: حتى نشفق عليه من كونه يعتمد على يديه ويطول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه السجود، لاسيما في صلاة الليل، فنشفق عليه من هذه الهيئة التي فيها مشقة مع طول السجود.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى نأوي له)
قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عباد بن راشد ]. مسلم بن إبراهيم مر ذكره. و عباد بن راشد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أحمر بن جزء ]. أحمر بن جزء رضي الله عنه صحابي، وله هذا الحديث الواحد عند أبي داود ، ولم يرو عنه إلا الحسن ، وروى له أبو داود و ابن ماجة .
شرح حديث (إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه افتراش الكلب وليضم فخذيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثنا ابن وهب حدثنا الليث عن دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه افتراش الكلب، وليضم فخذيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه افتراش الكلب، وليضم فخذيه) يعني: أنه لا يباعد بينهما، وافتراش الكلب سبق أن مر ذكر صفته، وهو أنه يضع ذراعيه مع كفيه، فهذه هيئة افتراش الكلب، لكن المصلي عليه أن يضع كفيه على الأرض ويرفع يديه ويجافي بينهما.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه افتراش الكلب وليضم فخذيه)
قوله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ]. عبد الملك بن شعيب بن الليث ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن دراج ]. هو دراج أبو السمح، وهو صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن ابن حجيرة ]. هو عبد الرحمن بن حجيرة، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره.
ما جاء في الرخصة بعدم الانفراج في السجود
شرح حديث (اشتكى أصحاب النبي إلى النبي مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في ذلك للضرورة. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (اشتكى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا، فقال: استعينوا بالركب) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب الرخصة في ذلك للضرورة، أي: الرخصة في كون الإنسان يضع ذراعيه أو مرفقيه على فخذيه إذا احتاج إلى ذلك، ويترك المجافاة إذا أطال في السجود، لاسيما في صلاة الليل التي يطول فيها السجود، فإن الإنسان إذا استمر واضعاً يديه معتمداً عليها مجافياً بين عضديه عن جنبيه تحصل له مشقة. وقد مر في الحديث: (أنه كان يجافي حتى نأوي له) يعني: حتى نشفق عليه، فكذلك هنا إذا كان هناك مضرة أو هناك ضرورة تجعل الإنسان يعتمد على فخذيه لا بأس بذلك. قوله: [ (استعينوا بالركب) ]. يعني: إذا كانت اليدان ثابتتين على الأرض باستمرار في السجود مع المجافاة وشق ذلك عليهم، فلهم عند ذلك أن يعتمدوا على ركبهم وعلى أفخاذهم بأذرعتهم.
تراجم رجال إسناد حديث (اشتكى أصحاب النبي إلى النبي مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا...)
قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. وهو الذي قيل في ترجمته: إن أمه حملت به أربع سنوات. [ عن سمي ]. هو سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو أبو صالح ذكوان السمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره.
حكم التخصر والإقعاء في الصلاة
شرح حديث (صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التخصر والإقعاء. حدثنا هناد بن السري عن وكيع عن سعيد بن زياد عن زياد بن صبيح الحنفي قال: (صليت إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما فوضعت يدي على خاصرتي، فلما صلى قال: هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في التخصر والإقعاء، وهذه الترجمة فيها ذكر الإقعاء، وليس في الحديث ذكر شيء عن الإقعاء، وقد سبق أن مر في الإقعاء حديث ابن عباس الذي فيه ذكر الجلوس على القدمين بين السجدتين، وأن ذلك سنة، أما إقعاء الكلب الذي صفته أن يضع الإنسان إليته على الأرض، ويعتمد بيديه على الأرض فهذا هو المنهي عنه في مشابهة الكلب، فالكلب لا يشابه لا في الافتراش ولا في الإقعاء. والحديث الذي أورده المصنف هنا هو حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو يتعلق بالتخصر والاختصار، وكون الإنسان يضع يديه على خاصرته يعتمد عليها عند القيام منهياً عنه، والخاصرة هي فوق العظمين اللذين في أعلى الورك. قوله: [ (قال: هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه) ]. يعني: على هيئة المصلوب الذي يعلق في خشبه ويرفع وتمد يداه عندما يصلب؛ وذلك لأنه يباعد الذراعين: يمينه وشماله، فيكون شبيهاً بهيئة المصلوب، وقد نهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان في الصلاة يضع اليد اليمنى على اليسرى على صدره، هذه هي الهيئة المشروعة، وأما كونه يفعل الاختصار هذا فهذا هو الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي ...)
قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن زياد ]. هو سعيد بن زياد الشيباني، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن زياد بن صبيح الحنفي ]. زياد بن صبيح الحنفي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث وارد في الصحيحين.
البكاء في الصلاة
شرح حديث (رأيت رسول الله يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الكباء في الصلاة. حدثني عبد الرحمن بن محمد بن سلام حدثنا يزيد - يعني ابن هارون - أخبرنا حماد - يعني ابن سلمة - عن ثابت عن مطرف عن أبيه رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء، صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود باب البكاء في الصلاة، يعني: أن كون الإنسان يحصل منه البكاء في الصلاة لا يؤثر على صلاته، لكن شرط أن هذا البكاء هو الذي يكون من غير تكلف. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى) يعني: من البكاء، والرحى عندما يطحن بها يصدر لها صوت. وجاء في بعض الأحاديث: (أزيز كأزيز المرجل) وهو القدر الذي فيه ماء يغلي، فإنه يصدر له صوت. فالحديث دال على حصول البكاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ودال على أن البكاء في الصلاة لا يؤثر شيئاً، والبكاء المحمود هو الذي يأتي من غير تكلف، وإنما يكون من خشية الله سبحانه وتعالى. كذلك إذا بكى الإمام في الصلاة وبسبب بكائه أبكى فهذا لا يؤثر، مادام أنه ليس فيه تكلف، وهذا مثل المرأة الصحابية التي جاءها بعض الصحابة وزاروها فهيجتهم على البكاء، وجعلتهم يبكون سجية بغير تكلف.
تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء)
قوله: [ حدثني عبد الرحمن بن محمد بن سلام ]. إذا قال الراوي: حدثني؛ فإنه يقصد أنه حدثه وحده وليس معه أحد، وإذا قال: حدثنا؛ فيكون حدثه ومعه غيره، ويحتمل أنه وحده، لكن الغالب أنه يحكي عنه وعن غيره. و عبد الرحمن بن محمد بن سلام لا بأس به، وهي بمعنى: صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد يعني ابن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا حماد يعني ابن سلمة ]. حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن الشخير رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.
كراهية الوسوسة وحديث النفس في الصلاة
شرح حديث (من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية الوسوسة وحديث النفس في الصلاة. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا هشام - يعني ابن سعد - عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب كراهية الوسوسة وحديث النفس في الصلاة. والمقصود من هذه الترجمة: أن الإنسان يقبل على صلاته، ويستحضر ما هو مطلوب فيها، ويبعد نفسه عن أن تتحدث بشيء من أمور الدنيا، أو من أمور الدين المتعلقة بغير الصلاة، مثل: كون الإنسان يفكر في مسائل العلم وهو يصلي، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا من حديث النفس. فالإنسان عليه أن يقبل على صلاته، ولا يشتغل فيها لا في أمر دنيا ولا في أمر دين. وأورد أبو داود حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما) يعني: لا يحدث نفسه فيهما، بل يكون مقبلاً على صلاته، (غفر له ما تقدم من ذنبه) يعني: أنها تغفر له الصغائر، وأما الكبائر فإنه لا بد فيها من التوبة حتى تغفر، وإنما الذي يغفر بالأعمال الصالحة وبالأعمال الطيبة هي الصغائر، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) يعني: لا بد من اجتناب الكبائر، وأما كون الإنسان يرتكب الكبيرة ولم يتب منها فلا تكفرها تلك الأعمال، وإنما تكفرها التوبة والخوف والندم، والله عز وجل يقول: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31].
تراجم رجال إسناد حديث (من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه)
قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الملك بن عمرو ]. هو أبو عامر العقدي يأتي أحياناً باسمه وأحياناً بكنيته، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام يعني ابن سعد ]. هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن خالد الجهني ]. زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن جبير بن نفير الحضرمي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة) ]. أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة) يعني: كونه لا يحدث فيهما نفسه، وإنما يكون مقبلاً على صلاته بقلبه وقالبه وباطنه وظاهره، فهو أشار بالوجه للظاهر، وبالقلب للباطن. فإذاً: يكون مقبلاً في صلاته على الله عز وجل، مؤدياً ما هو مطلوب فيها، لا يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا، ولا بأي شاغل يشغله عن أداء الصلاة كما ينبغي. قوله: [ (إلا وجبت له الجنة) ] يعني: هذا جزاؤه. وهذا الحديث هو الذي فيه: أن عقبة بن عامر الجهني قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل) يعني: أنهم كانوا يوفقون بين مصالحهم الدنيوية وبين حضورهم مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقي الحديث عنه، فكانوا يجمعون الإبل بعضها إلى بعض، وكل واحد يسرح بها يوماً من الأيام، فإذا كان الواحد منهم عنده خمس من الإبل وواحد عنده ثلاث وواحد عنده أربع فيجمعونها ويتناوبون على رعيها. ثم قال: (فعجلتها بعشي) يعني: بكر في العودة بها، ثم قال: (فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس) فسمعه يحدث بهذا الحديث، ثم قال: (ما أجود هذه! فقال رجل: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه) وحدثه بالحديث الذي فيه: (ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقول حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت أبواب الجنة الثمانية له يدخل من أيها شاء).
تراجم رجال إسناد حديث (ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما...)
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب صدوق يخطئ في حديث الثوري ، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا معاوية بن صالح ]. معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ربيعة بن يزيد ]. ربيعة بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إدريس الخولاني ]. أبو إدريس الخولاني اسمه عائذ الله ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جبير بن نفير الحضرمي ]. جبير بن نفير الحضرمي مخضرم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عقبة بن عامر الجهني ]. عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الفتح على الإمام في الصلاة
شرح حديث (شهدت رسول الله يقرأ في الصلاة فترك شيئاً لم يقرأه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الفتح على الإمام في الصلاة. حدثنا محمد بن العلاء و سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قالا: أخبرنا مروان بن معاوية عن يحيى الكاهلي عن المسور بن يزيد المالكي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحيى : وربما قال: (شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة، فترك شيئاً لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله! تركت آية كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا أذكرتنيها؟ قال سليمان في حديثه: قال: كنت أراها نسخت) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب الفتح على الإمام في الصلاة، يعني: إذا أخطأ الإمام في القراءة يفتح عليه، حتى يأتي بالشيء الذي تركه أو الذي أخطأ فيه. وإذا حصل منه سهو في الأفعال فإنه يُفتح عليه بأن يُقال: سبحان الله! والنساء تصفق، كما جاء ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تعالى تحت هذه الترجمة تتعلق بالفتح في القراءة. وأورد أبو داود حديث المسور بن يزيد المالكي رضي الله عنه أنه قال: (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة، فترك شيئاً لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله! تركت آية كذا وكذا) ]. يعني: بعد فراغه من الصلاة قال له رجل: تركت آية كذا وكذا، فقال له: (هلا أذكرتنيها؟) يعني: ألا فتحت علي بها؟ قوله: [ (قال سليمان: كنت أراها نسخت) ] يعني: أن ذلك الرجل الذي لم يفتح عليه كان يظن أنها نسخت تلاوتها، والزمن زمن التشريع، فكون النبي صلى الله عليه وسلم تجاوز الآية ظن أنها نسخت وأنها لا تقرأ.
تراجم رجال إسناد حديث (شهدت رسول الله يقرأ في الصلاة فترك شيئاً لم يقرأه...)
قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ]. سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ أخبرنا مروان بن معاوية ]. هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى الكاهلي ]. هو يحيى بن كثير الكاهلي، وهو لين الحديث، أخرج له البخاري في جزء القراءة و أبو داود . [ عن المسور بن يزيد المالكي ]. هو المسور بن يزيد الأسدي المالكي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة و أبو داود . والحديث فيه من هو لين الحديث، لكن هناك أحاديث تدل على ما دل عليه. قوله: [ (قال يحيى: وربما قال) ]. يعني: هذا فيه إشكال من ناحية أن الإسناد إنما جاء من طريق واحد، ولم يأت من طريق ثانٍ؛ لأنه لو جاء من طريقين وكان في أحد الطريقين: قال كذا، والآخر: قال في طريقه كذا، لكان مستقيماً، لكنه ما جاء إلا من طريق واحد.
الفرق بين لفظ الشيخ الأول والثاني في صيغ التحديث
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال سليمان قال: حدثنا يحيى بن كثير الأزدي حدثني المسور بن يزيد الأسدي المالكي ]. ذكر أن سليمان -وهو شيخه الثاني- قال: حدثنا يحيى بن كثير الأزدي حدثني المسور بن يزيد الأسدي المالكي ، بينما في الإسناد الأول قال: عن يحيى الكاهلي ، عن المسور بن يزيد الأسدي هذا لفظ الشيخ الأول.
شرح حديث (أن النبي صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي: أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن محمد الدمشقي حدثنا هشام بن إسماعيل حدثنا محمد بن شعيب أخبرنا عبد الله بن العلاء بن زبر عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي: أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك؟) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه في القراءة، فلما انصرف قال لأبي : أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك؟) أي: ما منعك أن تفتح علي في هذا الذي حصل لي لبس فيه؟ فهذا يدلنا على مشروعية الفتح على الإمام إذا حصل منه خطأ، لا أنه يترك ولا يفتح عليه، وقد قال بعض أهل العلم: إنه يترك ولا يفتح عليه، لكن الأحاديث الصحيحة وردت في أنه يفتح عليه، ومن ذلك هذان الحديثان اللذان معنا: حديث المسور بن يزيد المالكي ، وحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم. والإسناد جاء ذكره مختلطاً بغيره في الطبعة التي بين أيدينا، وكان من حقه أن يوضع له رقم ويكون في أول السطر؛ لأنه ذكره بعد كلام يتعلق بالحديث السابق، وصار كأنه إسناد طويل، ولكن ذلك خطأ في الطباعة، أو خطأ في الترقيم؛ لأنه أخلي هذا الحديث من الرقم، وأدخل هذا الإسناد للتنبيه على الإسناد الذي يتعلق بالحديث السابق الذي قبله؛ فإنه قال في آخر الحديث الأول: [ وقال سليمان : قال: حدثني يحيى بن كثير الأزدي قال: حدثنا المسور بن يزيد الأسدي المالكي ]. وقوله: [ حدثنا يزيد بن محمد الدمشقي ] هذا أول الإسناد لحديث عبد الله بن عمر ، وأما الذي قبله فهو تابع للحديث الذي قبله؛ لأن المسور بن يزيد المالكي صحابي، وهنا صار كأنه يروي عن شيخ أبي داود ، مع أن ذاك تابع للحديث الأول، وهذا حديث جديد، ومن حقه أن يأتي في أول السطر. فإذاً: قوله: [ حدثنا يزيد بن محمد الدمشقي ] من حقه أن يكون في أول السطر، لأن هذا كلام أبي داود ، و أبو داود هو الذي قال: حدثنا يزيد بن محمد بنفسه.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي: أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك)
قوله: [ حدثنا يزيد بن محمد الدمشقي ]. يزيد بن محمد الدمشقي صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا هشام بن إسماعيل ]. هشام بن إسماعيل ثقة، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا محمد بن شعيب ]. محمد بن شعيب صدوق صحيح الكتاب، أخرج له أصحاب السنن. [ أخبرنا عبد الله بن العلاء بن زبر ]. عبد الله بن العلاء بن زبر ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن سالم بن عبد الله ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر و عبد الله عمرو و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس ، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث صححه الألباني في سنن أبي داود .
الأسئلة
حكم مسح ما علق في الجبهة والأنف من الطين في الصلاة
السؤال: هل في حديث سجود النبي صلى الله عليه وسلم على الماء والطين دلالة على أن المصلي لا يمسح ما يعلق في جبهته وأنفه؟
الجواب: ليس في الحديث دلالة على أنه لا يمسح؛ لأنه قال: (رئي على وجهه أثر ماء وطين) فهو لم يمسح وهو مستقبل القبلة؛ لأنه عندما انصرف إليهم رأوه على هذه الهيئة وهذه الحالة، لكن قد يكون مسح بعد ذلك."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [116]
الحلقة (147)
شرح سنن أبي داود [116]
جاء النهي عن كل ما يشغل الإنسان في صلاته، وأمر بالإقبال على ربه قلباً وقالباً، ومع تعدد الأمور التي تشغل المصلي وكثرتها ورد التسامح في بعضها والاكتفاء بالتحذير منها كالاختلاس وتقليب النظر، لكن أتى التشديد في النهي والوعيد بخطف الأبصار فلا ترد لمن يرفع بصره إلى السماء.
النهي عن التلقين
شرح حديث: (يا علي لا تفتح على الإمام في الصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن التلقين: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا محمد بن يوسف الفريابي عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي لا تفتح على الإمام في الصلاة). قال أبو داود : أبو إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب النهي عن التلقين ]. أي: النهي عن الفتح على الإمام في الصلاة. ذكر المصنف في الترجمة السابقة الفتح على الإمام، ثم أردفها بذكر عن الفتح على الإمام، وأورد في الباب قبل هذا حديثين صحيحين فيهما إثبات الفتح على الإمام إذا حصل له لبس في القراءة، وهذه الترجمة فيها النهي عن التلقين، وأن يترك الإمام لا يفتح عليه في الصلاة، لكن هذا الحديث ليس بثابت؛ لأنه من رواية الحارث الأعور ، وقد تكلم فيه، كما أن أبا إسحاق لم يرو عن الحارث إلا أربعة أحاديث، وهذا ليس منها، وعلى هذا فيكون فيه انقطاع، والحديث غير صحيح، ولا يعارض الأحاديث المتقدمة التي فيها الفتح. ثم أيضاً من حيث المعنى توجد مصلحة وفائدة؛ لأن الإمام إذا ارتبك في القراءة وأخطأ، أو خرج إلى سورة أخرى لسبب اشتباه في الآيات، فإذا فتح عليه فإنه يعود إلى الصواب، ويمضي في قراءته كما كانت، بخلاف ما لو لم يفتح عليه فإنه قد يخرج من سورة إلى سورة.
تراجم رجال إسناد حديث: (يا علي لا تفتح على الإمام في الصلاة)
قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ]. عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا محمد بن يوسف الفريابي ]. محمد بن يوسف الفريابي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس بن أبي إسحاق ] يونس بن أبي إسحاق وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحارث ]. هو الحارث بن عبد الله الهمداني المشهور بالأعور، كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف، وليس له عند النسائي سوى حديثين، أخرج له أصحاب السنن. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أحاديثه أخرجها أصحاب الكتب الستة. مسألة: هل يفتح على الإمام إذا أخطأ في الحركات، حتى وإن كان يغضب إذا فتح عليه؟ إذا كان الخطأ مما يحيل المعنى فيفتح عليه، وأما إذا كان لا يحيل المعنى فالأمر سهل، وإذا فتح عليه فالواجب عليه ألا يغضب، بل عليه أن يفرح ويسر؛ لأنه لم يترك على تجاوزاته في الآيات.
ما جاء في الالتفات في الصلاة
شرح حديث: (لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الالتفات في الصلاة: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: سمعت أبا الأحوص يحدثنا في مجلس سعيد بن المسيب قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ الالتفات في الصلاة ] يعني: الواجب على الإنسان أن يكون متجهاً بقلبه وقالبه إلى الله عز وجل، مستقبلاً القبلة لا يلتفت عنها يميناً ولا شمالاً، مقبلاً على صلاته بظاهره وباطنه لا ينحرف عنها ولا يميل، بل يقبل على الله تعالى. أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت) يعني: حيث كان مقبلاً على الله فالله يقبل عليه، والجزاء من جنس العمل. قوله: [ (فإذا التفت انصرف عنه) ]. يعني: إذا انصرف عن القبلة وعن الاتجاه إلى الله عز وجل أعرض الله عز وجل عنه. هذا هو معنى الحديث، لكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده أبا الأحوص مولى بني ليث أو مولى بني غفار، وهو ومجهول.
تراجم رجال إسناد حديث: (لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبا الأحوص ]. أبو الأحوص هو مولى بني ليث أو مولى بني غفار، وهو مقبول، قال عنه المنذري: مجهول، أخرج له أصحاب السنن. [ قال أبو ذر ]. هو جندب بن جنادة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني بسبب أبي الأحوص هذا. والمقصود بالالتفات في الصلاة كونه يلتفت بوجهه يميناً وشمالاً. هذا هو الذي عقدت له الترجمة، وأما الإقبال بالقلب وعدم الالتفات فهذا يتعلق بالترجمة السابقة: [النهي عن الوسوسة وحديث النفس] أي: أنه لا يحدث نفسه بأي شاغل يشغل عن الصلاة.
شرح حديث: (إنما هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص عن الأشعث -يعني ابن سليم - عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة، فقال: إنما هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة، فقال: إنما هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد). فهذا يدلنا على الحذر من الالتفات في الصلاة، وأن الإنسان يقبل بقلبه وقالبه على الله عز وجل ولا يلتفت يميناً وشمالاً، بل يكون متجهاً إلى القبلة. وفيه: أن الاختلاس والالتفات في الصلاة من عمل الشيطان؛ لما يترتب عليه من حصول النقص في الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث: (...إنما هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو الأحوص ]. هو سلام بن سليم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأشعث -يعني: ابن سليم- ]. هو الأشعث بن أبي الشعثاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو أبو الشعثاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والذي يبدو أن مجرد ميل الإنسان بنظره يميناً أو شمالاً مع أنه متجه إلى القبلة أنه ليس داخلاً في الالتفات.
السجود على الأنف
شرح حديث: (أن رسول الله رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب السجود على الأنف: حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا عيسى عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس). قال أبو علي : هذا الحديث لم يقرأه أبو داود في العرضة الرابعة ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب السجود على الأنف ] أي: أن الأنف من جملة ما يسجد عليه من الوجه؛ لأن السجود على الوجه يكون على الجبهة والأنف، وسبق أن مر هذا الحديث في ترجمة السجود على الجبهة. أورد أبو داود حديث أبي سعيد هذا من طريق أخرى للاستدلال به على أن الأنف مما يسجد عليه؛ إذ السجود على الوجه يدخل تحته شيئان: الأول: السجود على الجبهة. الثاني: السجود على الأنف. فلا يسجد الإنسان على جبهته دون أنفه، ولا على أنفه دون جبهته، وإنما يسجد عليهما جميعاً، كما سجد النبي صلى الله عليه، وفي بعض الأحاديث ذكر الأعضاء السبعة التي يسجد عليها، وذكر منها الوجه وأشار إلى جبهته وأنفه.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس)
قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل ]. مؤمل بن الفضل صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عيسى ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد البصري ثم اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يحيى بن أبي كثير]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو علي : هذا الحديث لم يقرأه أبو داود في العرضة الرابعة ]. أبو علي هذا هو محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي الراوي عن أبي داود كتاب السنن، قال: لم يقرأ أبو داود -صاحب السنن- هذا الحديث في العرضة الرابعة. ولا أدري ما وجه هذا الكلام، هل هو اكتفاء بما في الترجمة السابقة: السجود على الجبهة؟ وهذا الحديث يصف ليلة الحادي والعشرين من رمضان وهي ليلة القدر -كما جاء عند البخاري و مسلم- وأنه سيسجد في صبيحتها في ماء وطين، فأصبح في تلك الليلة يصلي بالناس الصبح، فنزل المطر وخر السقف على مصلاه صلى الله عليه وسلم، وصار يسجد على الماء والطين، وتكون هذه الهيئة مطابقة لما حصل في الرؤيا: (رأيت أني أسجد في صبيحتها على ماء وطين).
حكم النظر في الصلاة
شرح حديث: (...لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء في الصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النظر في الصلاة. حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير وهذا حديثه وهو أتم عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة الطائي عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما -قال عثمان هو ابن أبي شيبة - قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فرأى فيه ناساً يصلون رافعي أيديهم إلى السماء -ثم اتفقا- فقال: لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء، قال مسدد : في الصلاة، أو لا ترجع إليهم أبصارهم) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باباً في النظر في الصلاة ]، والمقصود: أن الإنسان ينظر إلى مصلاه ولا ينظر إلى السماء، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فرأى أناساً يصلون وقد رفعوا أيديهم وأبصارهم إلى السماء، فقال عليه الصلاة والسلام: لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء أو لا ترجع إليهم) يعني: إما أن ينتهوا فلا يرفعوا أبصارهم إلى السماء، أو أنهم سوف يعاقبون بفقد الأبصار فلا ترجع إليهم، ويسلبون هذه النعمة. وهذا يدل على خطورة رفع الأبصار إلى السماء في الصلاة، ويدل أيضاً على تحريم ذلك، وأنه لا يسوغ، وأن الإنسان لا يرفع بصره إلى السماء وهو يصلي، وإنما عليه أن ينظر إلى مكان سجوده، ويقبل على صلاته. وقيل في معنى ذلك: إن فيه إخلالاً بالاستقبال؛ فبدلاً من أن يستقبل بوجهه القبلة -وهو المشروع- يكون مستقبلاً السماء.
تراجم رجال إسناد حديث: (...لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء في الصلاة)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. ح تستخدم للتحويل من إسناد إلى إسناد، و عثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا حديثه وهو أتم ]. أي: حديث عثمان بن أبي شيبة عن جرير أتم من حديث مسدد . [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المسيب بن رافع ]. المسيب بن رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن تميم بن طرفة الطائي ]. تميم بن طرفة الطائي ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
الفرق بين رواية مسدد وابن أبي شيبة وما انفرد به كل واحد منهما
[قال عثمان -هو ابن أبي شيبة- قال: ...]. يعني: أن أبا داود قال: عثمان ، ومن دونه أضاف إلى ذلك: هو ابن أبي شيبة، فكونه قال: عثمان ولم يقل: هو ابن أبي شيبة اكتفاء بكونه نسبه في أول السند، وأن الحديث جاء عن شيخين، والشيخ الثاني هو عثمان، وكون حديثه أتم من حديث مسدد، المقصود من ذلك -والله أعلم- أن يبين الفرق بينه وبين مسدد الذي قال: ثم اتفقا، أي: مسدد و عثمان، فقوله: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى أناساً يصلون وقد رفعوا أيديهم إلى السماء) هذا من حديث عثمان فقط، ثم اتفقا فقالا: (لينتهين رجال). أما مسدد فقال: (في الصلاة). إذاً: فكلمة: (في الصلاة) هي من زيادة مسدد ، وأما عثمان بن أبي شيبة فليست عنده، ولكن عنده ما في أول الحديث: (أن رجالاً كانوا في المسجد وقد رفعوا أيديهم إلى السماء، فقال صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام...).
شرح حديث: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم؟! فاشتد قوله في ذلك، فقال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو بمعنى حديث جابر بن سمرة المتقدم، وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في الصلاة). كان من عادته صلى الله عليه وسلم ومن هديه وحسن خلقه أنه إذا وقعت مخالفة من بعض الناس تحتاج إلى تنبيه وبيان فإنه يأتي بكلام عام دون أن يسميهم، ليستفيد من كلامه الذين حصل منهم الخطأ والذين لم يحصل منهم. قوله: (فاشتد قوله في ذلك) يعني: كان هو يقول هذا الكلام يظهر عليه شدة الغضب صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، منكراً عليهم ذلك. قوله: (لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم) كما مر في حديث جابر بن سمرة السابق: (لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء أو لا ترجع إليهم أبصارهم) يعني: أنهم يفقدونها، ويحصل لهم العمى.
تراجم رجال إسناد حديث: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم...)
قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي عروبة ]. سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (صلى رسول الله في خميصة لها أعلام...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام، فقال: شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيته) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة قالت: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فقال: شغلتني أعلام هذه) يعني: الخطوط التي فيها، وفي بعض الروايات في الصحيحين: (فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي) يعني: أنه حصل منه النظر إليها فحصل انشغاله بها، فدل هذا على أن نظر الإنسان إلى شيء فيه ما يشغله عن صلاته أنه لا يبطلها، وكذلك لو كان فيه كتابة فقرأها أو استظهرها بالنظر إليها فإن ذلك لا يؤثر، ولكن يجب الحذر من ذلك والتخلص منه والابتعاد عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برد هذه الخميصة إلى أبي جهم ، وهو الذي أهداها للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لما ردها إليه خشي أن يؤثر ذلك في نفسه؛ لأن هديته ردت إليه، وهو إنما ردها من أجل ما حصل له في صلاته بسببها، وطلب بأن يؤتى بأنبجانيته، وهي كساء آخر لأبي جهم، فيكون في ذلك تطييب لخاطره، لكن لو ردت ولم يؤخذ منه شيء يكون في نفسه شيء، لكن كونه ردها لسبب وأخذ أخرى مكانها فليس هناك ثمة محذور، ولا يترتب على ذلك أن يقع في نفسه شيء، فهي لم ترد إليه رغبة عنها، ولكن رغبة عن هذا الذي ألهاه في صلاته بسببها. قوله: [ (وائتوني بأنبجانيته) ] الأنبجانية هي كساء قيل: إنه ينسب إلى بلد يقال له: أنبجان، وقيل غير ذلك. ويفهم من الحديث: أن من ردت إليه هديته فله أن يقبلها، أو من أعطى أعطية وردت إليه له أن يقبلها، ولا يكون في ذلك محذور، وإنما المحذور لو رجع هو في عطيته أو هبته، وهذا هو المذموم الذي شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم بالكلب حيث قال: (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) فهذا تنفير من العودة في الهبة، لكن إذا كان الموهوب له ردها فللواهب أن يقبلها ولا محذور له في ذلك، وإن كان قد يقع في نفسه شيء بسبب الرد إلا أن له القبول؛ لأن هذا ليس عائداً في هبته، وإنما أعيدت إليه. وفي هذا كمال خلقه صلى الله عليه وسلم في معاملته أصحابه؛ لأنه لما أراد التخلص منها وقد جاءته هدية استبدلها بأنبجانية موجودة عند أبي جهم ، فترجع هذه إلى أبي جهم وهو يأخذ تلك التي عنده، وفيه التنبيه إلى الابتعاد عن كل شيء يشغل الإنسان في صلاته، والحذر من ذلك.
حكم الهدايا للعمال والموظفين
قبول الرسول صلى الله عليه وسلم للهدية سائغ بخلاف غيره، فلا يجوز للعمال ولا الموظفين قبول الهدايا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هدايا العمال غلول) يعني: ليس للموظف أن يقبل الهدية، سواء كانت من موظف عنده، أو من مراجع من المراجعين الذين يأتون من الخارج لحاجاتهم، فلا يجوز لهم أن يهدوا للموظفين، ولا يجوز للموظفين أن يقبلوا منهم؛ لأن هذا من الغلول، كما في قصة ابن اللتبية الذي جاء بالصدقات، وقال: (هذا لكم وهذا أهدي إلي، فأنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ألا جلس في بيت أمه لينظر هل تأتيه هديته؟) يعني: ما أعطي الهدية إلا بسبب كونه عاملاً. وكذلك المدرس لا يجوز له أن يقبل الهدية من الطلاب؛ لاحتمال الميل إليه ومحاباته بزيادة درجاته، فتكون الهدية سبباً في ذلك، ولكنه إذا كان أهدى له كتاباً وقبله فإنه يعطيه كتاباً أحسن منه، وبذلك يزول الإشكال. أما ما يحدث من بعض الجهات المسئولة من توزيع للكتب لفئة معينة هم أهل لها، فإن هذا مما لا محذور فيه، بل هذا من قبيل الكتب المبذولة التي توزع لمن يستحقها، أما لو جاء الكتاب من موظف صغير لمن هو أكبر منه، أو من طالب لمدرس، فهذا لعله فيه محذور، أما أن جهة تطبع كتباً وتوزعها ثم ترسل للمدرسين؛ لأنهم أهل وأحق بها، فهذا ليس فيه إشكال ولا بأس به.
تراجم رجال إسناد حديث: (صلى رسول الله في خميصة لها أعلام...)
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة ]. هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن عروة ]. الزهري مر ذكره، و عروة هو ابن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه، وأحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة وقد مر ذكرها.
شرح حديث: (صلى رسول الله في خميصة لها أعلام...) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثني عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن أبي الزناد - قال: سمعت هشاماً يحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها بهذا الخبر، قال: (وأخذ كردياً كان لأبي جهم فقيل: يا رسول الله! الخميصة كانت خيراً من الكردي) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه: (أنه أخذ كردياً) والمقصود به الأنبجانية التي ذكرت في الحديث الأول، فقيل له: (الخميصة كانت خيراً من الكردي) يعني: التي أرجعت خير من التي أخذت، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما ردها لا لأنه يريد أن يأخذ شيئاً أقل منها، وإنما الباعث على ذلك هو وجود الأعلام التي في الخميصة، والتي كانت سبباً في رده إياها.
تراجم رجال إسناد حديث (صلى رسول الله في خميصة لها أعلام) من طريق أخرى
قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. هو معاذ بن معاذ العنبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن يعني ابن أبي الزناد ]. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان ؛ لأن أبا الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني وهذا ابنه عبد الرحمن وبه يكنى، و أبو الزناد لقب، وكنيته أبو عبد الرحمن ، وهو مشهور بلقبه، و عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ سمعت هشاماً ]. هو هشام بن عروة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه عن عائشة ]. وقد مر ذكرهما."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [117]
الحلقة (148)
شرح سنن أبي داود [117]
يباح للمرء في صلاته عمل بعض الأمور الخارجة عنها لضرورة ألمت به أو حاجة دعته لذلك تقدر بقدرها، وبزوال السبب يزول الفعل، مثل الالتفات في الصلاة، أو حمل الصبيان، أو قتل الحية والعقرب، أو رد السلام بالإشارة، وله أن يرده بعد الصلاة.
ما جاء في الرخصة في الالتفات والنظر في الصلاة
شرح حديث: (ثوب بالصلاة فجعل رسول الله يصلي وهو يلتفت إلى الشعب...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في ذلك: حدثنا الربيع بن نافع حدثنا معاوية - يعني: ابن سلام - عن زيد أنه سمع أبا سلام قال: حدثني السلولي هو أبو كبشة عن سهل بن الحنظلية قال: (ثوب بالصلاة -يعني: صلاة الصبح- فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب. قال أبو داود : وكان أرسل فارساً إلى الشعب من الليل يحرس) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ الرخصة في ذلك ]. والإشارة بـ(ذلك) أقرب ما تعود على النظر والالتفات في الصلاة، لكن هل الإشارة في: [ذلك] ترجع إلى النظر، أو إلى الالتفات، بعض أهل العلم قال: الأقرب أنها ترجع إلى الالتفات، لكن يبدو -والله أعلم- أن الحديث فيه الجمع بين الأمرين؛ لأن فيه التفاتاً ونظراً؛ لأنه التفت إلى جهة الشعب ونظر تلك الجهة التي أرسل إليها فارساً يحرس. إذاً: فيمكن أن يقال: إنه يرجع إلى الاثنين؛ لأن فيه النظر وفيه الالتفات، لكن المطلوب في الصلاة هو ألا يلتفت فيها، وإنما يكون نظره إلى موضع سجوده إلا لحاجة ضرورية. أورد أبو داود حديث سهل بن الحنظلية رضي الله عنه (أنه ثوب بالصلاة) يعني: أقيمت الصلاة، والتثويب في الصلاة هو الإقامة، وذلك أن الأذان للصلاة تكبير ونداء، وإذا رجع إليه مرة أخرى فقد ثوب، ومنه: ثاب اللبن في الضرع، يعني: عاد اللبن في الضرع، وفي الحديث: (إن الشيطان إذا سمع الأذان ولى وله ضراط ثم يرجع، فإذا ثوب بالصلاة ولى) يعني: أقيمت الصلاة. قوله: [ (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، وكان أرسل فارساً إلى الشعب من الليل يحرس) ]. هذا يدل على أن الالتفات للحاجة وللضرورة لا بأس به، وأن الأصل هو عدم الالتفات، ولكن حيث دعت الحاجة إليه جاز، كما فعل المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (وكان أرسل فارساًً إلى الشعب من الليل يحرس) ]. أي: أنه كان ينظر إلى تلك الجهة؛ لأنها قد تكون جهة مخوفة، فيخشى أن يأتي من تلك الجهة شيء.
تراجم رجال إسناد حديث: (ثوب بالصلاة فجعل رسول الله يصلي وهو يلتفت إلى الشعب...)
قوله: [ حدثنا الربيع بن نافع ]. هو الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا معاوية -يعني ابن سلام - ]. معاوية بن سلام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد ]. هو أخو معاوية بن سلام وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ أنه سمع أبا سلام ]. هو ممطور الأسود الحبشي وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني السلولي هو أبو كبشة ]. السلولي أبو كبشة ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سهل بن الحنظلية ]. سهل بن الحنظلية رضي الله عنه صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي .
بيان القاعدة الإملائية في همزة (ابن)
و الحنظلية ، قيل: هي أمه، وقيل: جدته، ويأتي أحياناً نسبة الشخص إلى المرأة لاشتهاره بها، وهناك عدد من الصحابة ومن غيرهم اشتهروا بذلك منهم: عبد الله بن مالك ابن بحينة ، ومنهم: إسماعيل بن إبراهيم ابن علية ، ومنهم: عبد الله ابن أم مكتوم ، ومنهم عدد من الرواة ينسبون إلى أمهاتهم أو لجداتهم؛ لأنهم اشتهروا بذلك. والطريقة في الإملاء والكتابة أن (ابن) إذا جاءت بين علمين متناسلين لا يكون معها ألف، وإنما تكون بدون ألف مثل قتيبة بن سعيد . و(ابن) همزتها همزة وصل مثل: ابن وامرئ وامرأة واسم، هذه كلها همزة وصل، لكن إذا جاء الرجل منسوباً إلى أمه أو جدته، أو جاء منسوباً إلى أبيه ثم إلى أمه؛ فإنها تثبت الألف في (ابن)؛ لأنه لم يكن علماً بين متناسلين؛ ولأن العلم بين المتناسلين هو الرجل وأبوه، أما إذا جاءت أمه بعد ذلك فتثبت الألف في الرسم والخط؛ لأنها تكون وصفاً له. وقد نبه على هذه الفائدة الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم ، حيث ذكر أن عدداً من الرواة يأتون منسوبين إلى أمهاتهم، وأن ذلك يكون وصفاً للراوي، وأن الألف تثبت، وأما إذا كانت بين علمين متناسلين فإنها لا تثبت وإنما تحذف. وكنت ذكرت هذه الفائدة ضمن الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى ورقمها (613) من ذلك الكتاب، وفيه الإحالة إلى كتاب النووي في شرح مسلم . والأشخاص الذين جاءوا منسوبين إلى أمهاتهم منهم من ذكرت ومنهم من لم أذكر.
ما جاء في العمل في الصلاة
شرح حديث: (أن رسول الله كان يصلي وهو حامل أمامة ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب العمل في الصلاة: حدثنا القعنبي حدثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها ) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب العمل في الصلاة ]. الأصل: أن الإنسان في الصلاة لا يأتي بأعمال أخرى فيها غير أفعالها إلا ما دعت إليه الحاجة، والصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، فما كان حلالاً قبل الدخول في الصلاة يصبح حراماً بعد التكبير. وهناك أعمال تعمل في الصلاة وهي من غير أفعال الصلاة جاءت السنة ببيان جوازها في الصلاة عند الحاجة. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى بهم وهو حامل أمامة بنة أبي العاص بن الربيع، التي هي ابنة ابنته زينب. فكان صلى الله عليه وسلم يضعها على عاتقه ويصلي بهم وهو كذلك، فإذا أراد أن يركع أو يسجد وضعها على الأرض فيركع ويسجد، وإذا قام أعادها إلى مكانها وحملها وصلى بهم. فدل هذا على أن مثل هذا العمل جائز للحاجة، كأن تكون البنت أو الصبي متعلقاً بأبيه أو بأمه، ويكون هناك مشقة فيما لو تركه، بأن يصيح أو يحصل له ضرر ما أو ما إلى ذلك، فيجوز له أن يفعل مثل هذا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله، وفعله يدل على جوازه عند الحاجة له، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة والأسوة لأمته، فمثل هذه الأعمال في الصلاة جاءت السنة ببيان أن فعلها سائغ للحاجة.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يصلي وهو حامل أمامة ...)
قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد لله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديث أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر بن عبد الله بن الزبير ]. عامر بن عبد الله بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن سليم ]. هو عمرو بن سليم الزرقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قتادة ]. هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث حمل أمامة في الصلاة من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة -يعني ابن سعيد - حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن عمرو بن سليم الزرقي أنه سمع أبا قتادة رضي الله عنه يقول: (بينا نحن في المسجد جلوس خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي صبية يحملها على عاتقه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه، يضعها إذا ركع ويعيدها إذا قام، حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا قتيبة -يعني ابن سعيد - ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وكلمة: [ يعني ابن سعيد ] هذه قالها من دون أبي داود ؛ لأن أبا داود لا يحتاج إلى أن يقول: يعني، وإنما أبو داود عبر بقتيبة فقط، وهذا في الحقيقة زيادة إيضاح، و إلا فإن قتيبة هو الوحيد في الكتب الستة الذي يسمى قتيبة بن سعيد . [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي سعيد ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن سليم الزرقي أنه سمع أبا قتادة ]. عمرو بن سليم الزرقي و أبو قتادة قد مر ذكرهما. الذي يبدو أنه صلى الله عليه وسلم حمل أمامة في صلاة الفريضة؛ لأنهم كانوا جلوساً ينتظرون الرسول صلى الله عليه وسلم للصلاة، وفي بعض الروايات: أن بلالاً آذنه، والرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك للحاجة، وليس فعل ذلك مطلقاً من السنة، بحيث يتعمد الإنسان حمل الطفل في الصلاة دون حاجة أو ضرورة.
شرح حديث حمل أمامة في الصلاة من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن مخرمة عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي قال: سمعت أبا قتادة الأنصاري رضي الله عنه يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي للناس و أمامة بنت أبي العاص على عنقه، فإذا سجد وضعها). قال أبو داود : ولم يسمع مخرمة من أبيه إلا حديثاً واحداً ]. أورد أبو داود حديث أبي قتادة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مخرمة ]. هو مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج المصري وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن سليم الزرقي قال: سمعت أبا قتادة الأنصاري ]. عمرو بن سليم الزرقي و أبو قتادة الأنصاري قد مر ذكرهما.
حكم حمل الأطفال أثناء الصلاة أو الطواف
قال الإمام الخطابي : (فيه دليل على أن ثياب الأطفال وأبدانهم على الطهارة ما لم يعلم النجاسة). وهذا هو الأصح؛ لأن الأصل الطهارة إلا إذا علمت النجاسة فإذا كان الولد أو الجارية التي يحملها الشخص في الصلاة عليها حفاظة، وفيها شيء من النجاسة، فإن كانت النجاسة ظاهرة، ويمكن أن تؤثر، فلا يجوز له أن يحملها، وأما إذا كان هناك نجاسة ولكنها ليست ظاهرة ولا تصل إليه فليس هناك بأس. والطواف بالأطفال من جنسه، فإذا دعت الحاجة إلى حمل الأطفال فالأصل هو طهارة ثيابهم وأبدانهم، إلا إذا وجدت النجاسة وظهرت، وغالباً أن النجاسات إذا وجدت في الحفائظ من الداخل فإنها تتشربها؛ لأن فيها مانعاً يمنعها من أن تظهر، فما دام أن النجاسة لم تظهر وأمنت ناحية تنجيسها لما حولها فلا بأس. أما عن طواف هذا الصغير، فكما هو معلوم أن شرط الطواف الطهارة، فهو مثل الذي به سلس البول، يكون معذوراً. [ قال أبو داود : لم يسمع مخرمة من أبيه إلا حديثاً واحداً ]. وكونه لم يسمع إلا حديثاً واحداً من أبيه لا يؤثر؛ لأن هذا الحديث جاء من طرق كثيرة كلها صحيحة عن أبي قتادة .
شرح حديث حمل أمامة في الصلاة من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن خلف حدثنا عبد الأعلى حدثنا محمد -يعني ابن إسحاق - عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة في الظهر أو العصر، وقد دعاه بلال للصلاة، إذ خرج إلينا و أمامة بنت أبي العاص بنت ابنته على عنقه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصلاه وقمنا خلفه، وهي في مكانها الذي هي فيه، قال: فكبر فكبرنا، قال: حتى إذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركع أخذها فوضعها، ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده ثم قام أخذها فردها في مكانها، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته صلى الله عليه وسلم) ]. وهذه طريق أخرى لحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه في قصة حمل النبي صلى الله عليه وسلم لأمامة ابنة زينب وهي ابنة أبي العاص بن الربيع ، وفيه بيان أن الصلاة كانت فريضة، وأن بلالاً آذنه للصلاة.
شرح حديث: (اقتلوا الأسودين في الصلاة )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن ضمضم بن جوس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب)، وهذا العمل في الصلاة يدل على أن مثله سائغ، يعني: كون الإنسان يقتل الحية والعقرب وهو في الصلاة سائغ؛ لأن في قتلهما دفعاً لضررهما، وقطعاً لتشويشهما في الصلاة، فجاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواز مثل هذا العمل وإن تكرر، كأن يضربها ضربة أو ضربتين أو ثلاثاً فلا بأس. أما ما اشتهر عند العوام أن أكثر من ثلاث حركات تبطل الصلاة، فهذا لا نعلم له أساساً.
تراجم رجال إسناد حديث: (اقتلوا الأسودين في الصلاة )
قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا علي بن المبارك ]. علي بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ضمضم بن جوس ]. ضمضم بن جوس ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
شرح حديث: (كان رسول الله يصلي والباب عليه مغلق...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل و مسدد وهذا لفظه، قال: حدثنا بشر -يعني ابن المفضل - حدثنا برد عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أحمد : يصلي والباب عليه مغلق، فجئت فاستفتحت، قال أحمد : فمشى ففتح لي ثم رجع إلى مصلاه، وذكر أن الباب كان في القبلة) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الحجرة، وقد أغلق عليه الباب، فجاءت وطرقت الباب، فتقدم وفتح الباب، وكان في جهة الأمام، فدل فعله هذا من المشي وفتح الباب وهو في الصلاة على أن مثل ذلك العمل في الصلاة سائغ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طُرق عليه الباب تقدم وفتح الباب، فدل على أنه سائغ للحاجة، لأنه لو لم يفتح الباب لتكرر الطرق، فيكون هناك شيء من التشويش. ثم أيضاً لا يقال: إن عائشة تعلم أنه يصلي؛ لأنها لو علمت بذلك لصبرت وانتظرت حتى يفرغ، لكن الواقع أنها لما طرقت كان يصلي ففتح لها الباب، واستمر في صلاته صلى الله عليه وسلم. فدل على أن مثل هذا العمل لا بأس به في الصلاة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وهو القدوة والأسوة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يصلي والباب عليه مغلق...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ وهذا لفظه ]. أي: لفظ الشيخ الثاني. [ حدثنا بشر يعني ابن المفضل ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا برد ]. هو برد بن سنان ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
بيان مكان باب حجرة النبي وفتحه له وهو في الصلاة
باب حجرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء ذكره هنا يمكن أن يكون إلى جهة الغرب؛ لأن المسجد في الجهة الغربية، فاستفتحت عائشة رضي الله عنها وهو يصلي، فتقدم إلى جهة القبلة وفتح، يعني: أنه كان يصلي وهو في مؤخرة الحجرة، والباب في الزاوية الجنوبية الغربية؛ لأن الجهة الأمامية خارجة عن المسجد، وإنما الذي هو من المسجد ما كان من الحجرة من جهة الغرب، وأما ما كان من جهة الجنوب فهذه من الزيادات التي زيدت في المسجد، والحجرة لها باب إلى داخل المسجد، وآخر إلى خارج المسجد، فإن كان الباب في الجهة القبلية فهو الباب الخارجي، وأما الباب الداخلي فهو في الجهة الجنوبية الغربية، ولكن يمكن أن يكون في الزاوية أو في آخر الحجرة من جهة الجنوب في اتجاه الغرب. وبيوت النبي صلى الله عليه وسلم لها بابان: باب على المسجد، وباب على خارج المسجد، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن تغلق الأبواب التي على المسجد في آخر حياته ولا يبقى إلا باب أبي بكر ، وهذا فيه إشارة إلى خلافته؛ لأنه سيحتاج إلى الدخول والخروج منه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل ويخرج.
ما جاء في رد السلام في الصلاة
شرح حديث: (كنا نسلم على رسول الله وهو في الصلاة فيرد علينا ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب رد السلام في الصلاة: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا ابن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، وقال: إن في الصلاة لشغلاً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ رد السلام في الصلاة ] يعني: رد السلام على المسلِّم من المصلي وهو في صلاته، وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يرد السلام بالإشارة، وجاء عنه أيضاً صلى الله عليه وسلم أنه رد السلام بعد أن فرغ من الصلاة. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنهم كانوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم فيرد عليهم السلام، فلما هاجروا إلى الحبشة ورجعوا، سلموا عليه فلم يرد عليهم وقال: (إن في الصلاة لشغلاً) ولكن جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رد بعد السلام، وجاء عن غيره أنه رد وهو في الصلاة بالإشارة. فدل هذا على أنه لا يرد بالكلام وإنما يرد بالإشارة فقط. وحديث ابن مسعود فيه أنه كان يرد عليهم وبعد ذلك لم يرد، وقال: (إن في الصلاة لشغلاً) فيحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم رد عليهم السلام بعد الفراغ من الصلاة، ويحتمل أن يكون غيره، وهذا الحديث ليس فيه ذكر الرد وإنما فيه ذكر الاشتغال بالصلاة عن أي شيء حتى رد السلام. وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن مسعود في الرد بعد السلام، وجاء عن غيره الرد في الصلاة بالإشارة، وهو ثابت عنه صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (كنا نسلم على رسول الله وهو في الصلاة فيرد علينا ...)
قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ]. محمد بن عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس النخعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا عاصم عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي السلام، فأخذني ما قدم وما حدث، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله جل وعز قد أحدث من أمره ألا تكلموا في الصلاة، فرد علي السلام) ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه أنهم كانوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وكانوا يأمرون من حولهم بما لهم من حاجة وهم في الصلاة، فقدم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم على العادة التي كان يعرفها من قبل في رد السلام فلم يرد عليه، فحصل عنده حزن وتفكير وتشويش وهم وغم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد عليه السلام، ثم بعد ذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحدث من أمره ما يشاء) يعني: أنه يحدث من أمره ما يشاء؛ فينسخ ما يشاء، ويثبت ما يشاء. قوله: [ (وإن الله قد أحدث ألا تكلموا في الصلاة) ] يعني: أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة، وبعد ذلك جاء النهي عنه، فكان هذا الذي حصل ناسخاً لما كان موجوداً من قبل من الكلام في الصلاة. قوله: [ (فرد عليه السلام) ] يعني: سلَّم عبد الله بن مسعود عليه في الصلاة ورد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ من الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث: (كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا ...)
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . من عناية المحدثين بالأسانيد أنهم عندما يكون الجرح في الشخص ليس بثابت، أو لا حاجة لقائله فإنهم لا يعولون عليه، فالحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح ذكر الرجال الذين تكلم فيهم من رجال البخاري ومنهم: أبان بن يزيد العطار ، فقد جرحه بعضهم بدون حجة، وأجاب الحافظ ابن حجر بأن هذا الجرح لا يثبت؛ لأن الإسناد الذي نقل خبر الجرح فيه من لا يثبت بخبره حجة، فصار هذا الخبر الذي قيل عنه أو الذي نسب إليه غير ثابت بالإسناد إلى من قاله، بل جاء من طريق غير صحيح إلى ذلك الشخص الذي قاله أو جرحه أو تكلم فيه، وهذا يدل على كمال العناية في التوثيق والتجريح، فهم يروونها بالأسانيد. [ حدثنا عاصم ]. هو عاصم بن أبي النجود وهو عاصم بن بهدلة وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وروايته في الصحيحين مقرونة مع غيره، ولكن الذي جرى عليه الاصطلاح في الرموز أن الراوي إذا كانت له رواية في أصل الصحيح -حتى لو كانت مقرونة- فإنهم يرمزون له برمز البخاري و مسلم . [ عن أبي وائل ]. هو شقيق بن سلمة وهو مخضرم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود وقد مر ذكره.
شرح حديث: (مررت برسول الله وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب و قتيبة بن سعيد أن الليث حدثهم عن بكير عن نابل صاحب العباء عن ابن عمر عن صهيب رضي الله عنهم قال: (مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه، فرد إشارة) ، وقال: ولا أعلمه إلا قال: إشارة بأصبعه وهذا لفظ حديث قتيبة ]. أورد أبو داود حديث صهيب بن سنان الرومي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلم عليه، فرد إشارة، قال الراوي: [ولا أعلمه إلا قال: إشارة بأصبعه] يعني: رد إشارة بالأصبع، فدل هذا على أن الإنسان عندما يُسلَّم عليه في صلاته أنه يرد بيده ويكون أيضاً الرد بالأصبع، وقد جاء في بعض الروايات المطلقة أنه أشار بيده، وكل ذلك صحيح.
تراجم رجال إسناد حديث: (مررت برسول الله وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة...)
قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب ]. يزيد بن خالد بن موهب وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و قتيبة بن سعيد ]. قتيبة مر ذكره. [ أن الليث حدثهم عن بكير ]. الليث و بكير بن عبد الله بن الأشج قد مر ذكرهما. [ عن نابل صاحب العباء ]. نابل صاحب العباء، أو صاحب الأكسية، يعني: أنه كان يبيع العباء والأكسية فنسب إليها، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن ابن عمر عن صهيب ]. ابن عمر مر ذكره، و صهيب هو ابن سنان الرومي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وكان صهيب بن سنان الرومي رضي الله تعالى عنه وأرضاه ورحمه أقرن الحاجبين، يعني: ما بين الحاجبين فيه شعر متصل بالحاجبين. [ وهذا لفظ حديث قتيبة ]. يعني: أن هذا لفظ حديث قتيبة وليس لابن موهب ، و أبو داود رحمه الله أحياناً يقول: وهذا لفظه بعد الشيخين مباشرة، وأحياناً يقول ذلك بعد أن ينتهي الحديث كله كما هنا.
شرح حديث: (...فأتيته وهو يصلي على بعيره فكلمته فقال لي بيده هكذا...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: (أرسلني نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق، فأتيته وهو يصلي على بعيره فكلمته، فقال لي بيده هكذا، ثم كلمته فقال لي بيده هكذا، وأنا أسمعه يقرأ ويومىء برأسه، فلما فرغ قال: ما فعلت في الذي أرسلتك؟ فإنه لم يمنعني أن أكلمك إلا أني كنت أصلي) ]. في حديث جابر رضي الله عنه الإجابة من المصلي بالإشارة، وليس فيه شيء يتعلق بالكلام. قوله: [ (أرسلني نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق، فأتيته وهو يصلي على بعيره فكلمته، فقال لي بيده هكذا، ثم كلمته فقال لي بيده هكذا، وأنا أسمعه يقرأ ويومئ برأسه، فلما فرغ قال: ما فعلت في الذي أرسلتك؟ فإنه لم يمنعني أن أكلمك إلا أني كنت أصلي) ]. هذا ليس فيه تنصيص على التسليم، ولكن فيه تكليم المصلي والرد بالإشارة، فهو كلمه في أمر قد أرسله به، فأشار إليه، وهذه إشارة إما أن تكون إجابة على الشيء الذي كلمه من أجله، أو أنه أشار إليه يريد أنه يعرض عنه وينتظر حتى يفرغ من الصلاة ثم يكلمه، ولعل جابراً رضي الله عنه إنما كلمه لأنه راكب على البعير، والراكب يكون غير مصل، فهو لم يعلم أنه في صلاة، أو أنه علم أنه في صلاة لكنه كلمه في أمر يحتاج إلى أن يعرف جوابه، أو أنه فهم أن هذا سائغ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يصرفه عن مخاطبته وهو في الصلاة، ولما فرغ سأله عن الذي أرسله إليه، وقال: ( لم يمنعني أن أكلمك إلا أني كنت أصلي).
تراجم رجال إسناد حديث: (...فأتيته وهو يصلي على بعيره فكلمته فقال لي بيده هكذا...)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
وجه عدم رد الرسول على جابر حين كلمه وهو يصلي على بعيره
لما جاء جابر رضي الله عنه يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فلا يظن به أنه سيكلمه مباشرة دون أن يبدأه بالسلام؛ لأن الأصل أن التكليم يكون بعد السلام، ولكن هنا فيه تكرار الكلام كلمته ثم كلمته، والمشهور عند الناس: السلام قبل الكلام، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يسلم ثم يتكلم، وكلام الناس هذا مطابق للحق، أما أن نقول: لعله لم يرد عليه؛ لأنه كلمه ولم يسلم، فأنا لا أعرف شيئاً في هذا، لكن لا شك أن الكلام لا يأتي إلا بعد السلام.
شرح حديث: (...فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسين بن عيسى الخراساني الدامغاني حدثنا جعفر بن عون حدثنا هشام بن سعد حدثنا نافع قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلي فيه، قال: فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي، قال: فقلت لبلال : كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا. وبسط كفه)، وبسط جعفر بن عون كفه، وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره إلى فوق ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء يصلي فيه، فجاءت الأنصار تسلم عليه وهو في الصلاة، فقال الراوي للصحابي الذي كان معه: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم، قال: هكذا، وأشار بيده وجعل بطنها إلى الأرض، وظهرها إلى فوق. أي: أنه يرد عليهم السلام بالإشارة على هذه الهيئة، وسبق أن مر بنا الحديث الذي فيه: أنه كان يومئ بأصبعه، وسبق أن مر بنا أيضاً حديث عبد الله بن مسعود ، الذي فيه: أنه رد عليه بعد السلام، وعلى هذا فإن المصلي إذا سُلِّم عليه وهو في الصلاة؛ فله أن يرد بالإشارة، أو بعد الصلاة كما جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا.
تراجم رجال إسناد حديث: (...فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي)
قوله: [ حدثنا الحسين بن عيسى الخراساني الدامغاني ]. الحسين بن عيسى الخراساني الدامغاني صدوق، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا جعفر بن عون ]. جعفر بن عون صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام بن سعد ]. هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (لا غرار في صلاة ولا تسليم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا غرار في صلاة ولا تسليم). قال أحمد : يعني: -فيما أرى- ألا تسلم ولا يسلم عليك، ولا يغرر الرجل بصلاته فينصرف وهو فيها شاك ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا غرار في صلاة ولا تسليم) ثم ذكر عن الإمام أحمد رحمة الله عليه تفسير الغرار في الصلاة وفي التسليم حيث قال: إن المصلي في الصلاة لا يسلم على أحد ولا يسلم عليه أحد. قوله: [ ويغرر الرجل بصلاته فينصرف وهو فيها شاك ]. من أمثلة ذلك: أنه إذا شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً واعتبرها أربعاً ولم يعتبرها ثلاثاً فإنه في هذه الحالة يكون الشك باقياً معه، أما إذا اعتبرها ثلاثاً وصلى الرابعة، فإن كانت الرابعة زيادة فإنها لا تؤثر، وإن كانت الرابعة باقية على أصلها فهي مكملة لغيرها، هذا هو معنى كونه يغر في صلاته فينصرف منها وهو منها شاك، أما لو أنه شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً واعتبرها ثلاثاً ثم أتى بالركعة الرابعة، فهذا لا يبقى عنده شك. وهذا يفيد أن الأولى للمصلي ألا يسلم على أحد ولا يسلم عليه، لكن إن وجد السلام فإنه يرد بالإشارة أو بعد التسليم كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (لا غرار في صلاة ولا تسليم) ]. الذي يبدو أن الغرار يكون في الصلاة؛ لأن الغرار فيه شك، أما التسليم فليس فيه شك.
تراجم رجال إسناد حديث: (لا غرار في صلاة ولا تسليم)
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مالك الأشجعي ]. هو سعد بن طارق أبو مالك الأشجعي وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم أصحاب السنن. [ عن أبي حازم ]. هو سلمان الأغر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وكذلك أيضاً أبو حازم سلمة بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.
شرح حديث: (لا غرار في تسليم ولا صلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا معاوية بن هشام عن سفيان عن أبي مالك عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أراه رفعه، قال: (لا غرار في تسليم ولا صلاة) ]. قوله: [ (لا غرار في تسليم ولا في صلاة) ] الحديث السابق يفيد بأن الغرار يكون في هذا وفي هذا، لكن على تفسير الإمام أحمد أنه لا يسلم ولا يسلم عليه، وأن الصلاة يغر فيها بأن يخرج منها وهو شاك فيها؛ لكونه أخذ بغير اليقين. ولا أدري ما وجه الشك أو الغرار في التسليم، إلا أن يكون الأمر كما قال الإمام أحمد : إنه لا يسلم ولا يسلم عليه في الصلاة، إلا إذا كان المقصود أنه يغر ويحصل له شيء من التشويش، أو ما إلى ذلك بسبب التسليم، فيمكن أن يكون له وجه. لكن السنة جاءت في أنه يسلم عليه، وأنه إذا سلم عليه رد عليه السلام، وإن كان الأولى أنه لا يسلم عليه حتى لا يحصل له تشويش، ويحمل قوله هنا: (لا غرر في تسليم ولا صلاة) على أن الأولى عدم السلام في الصلاة، ولا يقال: من السنة السلام على الناس وهم يصلون، لكن الشأن في الرد؛ لأن الرد واجب والسلام سنة، وفي الصلاة بكونه يرد بالإشارة أو بعد الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث: (لا غرار في تسليم ولا صلاة)
قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معاوية بن هشام ]. معاوية بن هشام صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن [ عن سفيان ]. هو سفيان الثوري مر ذكره. [ عن أبي مالك عن أبي حازم عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا. [ قال: أراه رفعه ]. يعني: أن أبا هريرة رفعه، وعلى هذا يكون الرفع مشكوكاً فيه. وهذا كما هو معلوم مما يدخل في الاجتهاد، ومن المعلوم أن الشيء الذي لا يقبل الاجتهاد ولا يدخل في الاجتهاد أن حكمه حكم الرفع، أما الذي يدخله اجتهاد فلا يقال: إن له حكم الرفع، وهذا يمكن أن يكون رفعه من طريق عبد الرحمن بن مهدي ؛ لأن عبد الرحمن بن مهدي يروي عن سفيان رفعه، وهنا يشك بأنه رفعه. [ قال أبو داود : ورواه ابن فضيل على لفظ ابن مهدي ولم يرفعه ]. يعني: رواه عن سفيان ولم يرفعه.
شرح كلام الخطابي في معنى حديث (لا غرار في تسليم ولا صلاة)
قوله: [ (لا غرار في تسليم ولا صلاة) ]. قال الخطابي رحمه الله معناه أن ترد كما يسلم عليك وافياً لا نقص فيه. هذا إذا كان في غير الصلاة، كما في قوله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]. ثم قال: (لا غرار) أي: لا نقصان في التسليم. يعني: بأن الإنسان إذا قيل له: السلام عليكم ورحمة الله، فلا يقول: وعليكم، وإنما يرد كما قيل له أو يزيد؛ وذلك لقوله عز وجل: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] يعني: ردوها بمثل ما ألقيت عليكم أو زيدوا عليها، وهذا كما قلنا إذا كان خارج الصلاة، لكن إذا كان داخل الصلاة؛ فالمعنى هو ما قاله الإمام أحمد : إنه لا يسلم ولا يسلم عليه ولا يرد السلام في الصلاة؛ لأن فيه شيئاً من المشقة على الإنسان المسلم عليه، لكن كما هو معلوم أن السنة قد جاءت بأنه يرد بالإشارة أو بعد الصلاة."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [118]
الحلقة (149)
شرح سنن أبي داود [118]
جاء النهي عن الكلام في الصلاة إلا لمصلحة الصلاة، ومما نهي عنه في الصلاة تشميت العاطس، فإنه لا يشمت من عطس وحمد الله، أما العاطس فله أن يحمد الله بصوت منخفض، ويشرع التأمين بعد الفراغ من الفاتحة للإمام والمأموم؛ لورود النص عليه من الشارع، فقد ورد أن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.
حكم تشميت العاطس في الصلاة
شرح حديث: (صليت مع رسول الله فعطس رجل من القوم ... )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تشميت العاطس في الصلاة: حدثنا مسدد حدثنا يحيى ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن إبراهيم المعنى عن حجاج الصواف حدثني يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فعرفت أنهم يصمتوني، فقال عثمان : فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت، قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي ما ضربني ولا كهرني ولا سبني، ثم قال: إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله! إنا قوم حديث عهد بجاهلية وقد جاءنا الله بالإسلام، ومنا رجال يأتون الكهان، قال: فلا تأتهم، قال: قلت: ومنا رجال يتطيرون، قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدهم، قلت: ومنا رجال يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك، قال: قلت: جارية لي كانت ترعى غنيمات قبل أحد والجوانية، إذ اطلعت عليها اطلاعة فإذا الذئب قد ذهب بشاة منها، وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فعظم ذاك علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، قال: فجئته بها، فقال: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة : [ باب تشميت العاطس في الصلاة ]. يعني: حكم ذلك، وأنه لا يجوز؛ لأنه من الكلام، والمصلي لا يكلم غيره ولا يخاطب غيره. وتشميت العاطس كما هو معلوم إنما يكون إذا حمد الله وهو في غير الصلاة، وإذا لم يحمد الله فلا يشمت؛ لأن التشميت إنما يكون بعد أن يحمد العاطس الله عز وجل. وحديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه يفهم منه أن الذي عطس حمد الله، فشمته فقال: يرحمك الله، وكون العاطس يحمد الله في الصلاة لا بأس بذلك؛ لأنه ذكر لله عز وجل، ولا مانع منه، لكن ينبغي للإنسان عندما يحمد الله في الصلاة ألا يرفع صوته وإنما بينه وبين نفسه، ولا يشمته غيره؛ لأنه كلام من الشخص لغيره وليس له ذلك. فشمته معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، فجعل الناس ينظرون إليه نظراً فيه إنكار، فقال في الصلاة: (واثكل أمياه! مالكم تنظرون إلي، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم) ففهم منهم أنهم يريدون منه أن يسكت وأن ينتهي، فسكت، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته، قال: (إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) فبين له عليه الصلاة والسلام بعد الصلاة أن الصلاة إنما هي محل للتكبير والتسبيح وقراءة القرآن وذكر الله سبحانه وتعالى، فلا يكون فيها شيء من الكلام بين الناس بعضهم لبعض، وقد كان ذلك سائغاً في أول الإسلام ولكنه نسخ.
الأسلوب النبوي في معالجة الأخطاء
قوله: [ (فعرفت أنهم يصمتوني، فقال عثمان : فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت، قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي ما ضربني ولا كهرني ولا سبني) ]. يحكي معاوية بن الحكم السلمي ما حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الصلاة، فيقول: (بأبي هو وأمي) يعني: هو مفدى بأبي وأمي، وهذا ليس بقسم وإنما هي تفدية. قوله: [ (ما ضربني) ] يعني: ما أدبه بالضرب على هذا الصنيع. قوله: [ (وما كهرني) ] يعني: ما أغلظ له في القول. قوله: [ (وما سبني) ] يعني: ما تكلم عليه بكلام يسبه فيه، وإنما قال له صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. يعني: لا يحل في الصلاة كلام الناس الذي هو التخاطب فيما بينهم، وإنما الشأن فيها إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن. وقوله: [ (أو كما قال صلى الله عليه وسلم) ] . وهذا فيه إشارة إلى أنه لم يتقن اللفظ الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أتقن المعنى، فهذه العبارة تقال إذا كان الإنسان لم يتقن اللفظ ولم يضبطه تماماً، ولكنه أتى بمعناه، وأضاف القول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة، فيأتي بعدها بقوله: أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وهذه تستعمل كثيراً في كلام العلماء عندما يحدثون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى، ومن غير ضبط منهم لألفاظه صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلته هذا الحديث عن هذا الصحابي معاوية بن الحكم السلمي رضي الله تعالى عنه. وكذلك أيضاً جاء مثل ذلك في مقدمة الإمام ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه في ذكر حديث أنس ثم قال في آخره: أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فهذه طريقة اتبعها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبعهم عليها العلماء من بعدهم. وهذه الفائدة أشرت إليها في سنن ابن ماجة وأوردتها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى.
حكم إتيان الكهان
قوله: [ (قلت يا رسول الله! إنا قوم حديث عهد بجاهلية؛ وقد جاءنا الله بالإسلام، ومنا رجال يأتون الكهان، قال: فلا تأتهم) ]. بدأ هذا الصحابي يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمور كانت معروفة عندهم في الجاهلية، وهو يريد أن يعرف حكمها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على عناية الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم واهتمامهم بمعرفة الأحكام الشرعية، ومعرفة ما يسوغ وما لا يسوغ من الأعمال التي كانت في الجاهلية؛ لأن الإسلام نهى عن أشياء من أمور الجاهلية وأقر أخرى، فما أقر منها ثبت بحكم الإسلام وهو الإقرار، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل، وهناك أمور جاء النهي عنها من أمور الجاهلية. فإذاً: الأمور التي كانت في الجاهلية منها ما جاء الإسلام وأقره، ومن ذلك الولي في النكاح، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: أن الرجل عندما يريد المرأة يذهب إلى وليها ويخطبها منه، يعني: أن الولي هو المسئول عن الزواج، وهو الذي يذهب إليه ويخطب منه، فجاء الإسلام وأقر ذلك، ومثل المضاربة في التجارة بالمال، بأن يدفع شخص لآخر مبلغاً من المال على أن يتجر به، وما حصل من ربح فهو بينهما على النسبة التي يتفقان عليها. هذه من الأمور التي كانت موجودة في الجاهلية وأقرها الإسلام، وقد حصل الإجماع من العلماء عليها. وأشياء كثيرة منع منها الإسلام، كما جاء في حديث معاوية بن الحكم السلمي ، حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (ومنا رجال يأتون الكهان) يعني: في الجاهلية، قال: (فلا تأتهم) يعني: لا يجوز أن يذهب إلى الكهان، وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنع من الذهاب إلى الكهان، وبيان خطر الذهاب إليهم، وخطر تصديقهم فيما يقولون. والكهان هم الذين يخبرون عن أمور غيبية، ويكون ذلك بالخبط والتخمين، وباستخدام إخوانهم من شياطين الجن، فإن الشيء إذا كان موجوداً يمكن أن يطلع عليه ويخبر عنه بسرعة، لكن يمكن أن يكون إخوانهم من شياطين الجن أخبروهم عن الشيء الذي يطلعون عليه ولا يطلع عليه الإنس، فيكون من الكهان الذين يستعينون بشياطين الجن فيعينونهم، ثم يخبروننا عن أمر، فتحصل فتنة للناس بسبب ذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الذهاب إليهم وعن تصديقهم فيما يقولون، وحرم الذي يعطى لهم وهو حلوان الكاهن، ومعروف قصة أبي بكر رضي الله عنه مع الغلام الذي كان له، وأنه كان قد تكهن في الجاهلية، ثم لقي هذا الذي تكهن له وأعطاه مكافأة على ذلك، وأعطى أبا بكر فأكل منها، ولما علم أبو بكر ذلك استقاء ذلك الشيء الذي أكله من هذا الغلام الذي جاء عن طريق الكهانة. فجاءت الشريعة بتحريم حلوان الكاهن، وتحريم الذهاب إليهم وتصديقهم فيما يقولون، على أن الجن الذين يستعينون بهم شياطين الإنس لا يعلمون الغيب، وقد جاء القرآن بذلك كما حكى عن الجن الذين سخرهم الله لسليمان عليه الصلاة والسلام في قصة العصا، وأن دابة الأرض أكلتها، قال الله: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ:14] يعني: هم لا يعلمون الغيب، ولكن يمكن أن يكونوا بسبب ذهابهم وإيابهم يطلعون على أشياء ويخبرون بها إخوانهم من شياطين الإنس. الحاصل: أن الكهان هم الذين يخبرون عن الأمور المغيبة، أما العراف فهو الذي يخبر عن مكان الضالة أو مكان المسروق، والعرافة نوع من الكهانة، وكل ذلك لا يسوغ ولا يجوز. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: (لا تأتهم) يعني: لا تفعل هذا الذي كنتم تفعلونه في الجاهلية، والحكم في الإسلام أنه لا يذهب إلى الكهان ولا يصدقون.
حكم التطير
قوله: [ (قال: قلت: ومنا رجال يتطيرون قال: ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدهم) ]. يسمى التطير بذلك نسبة إلى الطيور، فقد كانوا إذا أرادوا السفر أخذوا طيراً فتركوها فإن اتجهت إلى اليمين تفاءلوا وسافروا، وإذا اتجهت إلى الشمال عدلوا عن السفر بسبب ذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هذا شيء يجدونه في نفوسهم، فلا يصدهم) يعني: هذه الأمور التي كانوا يفعلونها في الجاهلية ينبغي أن تترك، وأن المسلمين يقدمون على ما يقدمون عليه ولا يلتفتون إلى هذه الطيور وما يحصل منها، لا يجوز أن يرجع الإنسان عن السفر الذي أراده؛ لأنه تشاءم من كون الطيور جاءت من جهة الشمال. كذلك الذين يتشاءمون من أرقام معينة فهو من التشاؤم، وبعض الباعة إذا استفتح بيعه بأعرج أو بأعمى تشاءم من ذلك، وهذا غلط وجهل وضعف عقل.
حكم الخط على الأرض
قوله: [ (قلت: ومنا رجال يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك) ]. يعني: يخطون في الأرض، وذلك بأنهم كانوا يخطون عدة خطوط، ثم يجعلونها اثنين اثنين اثنين، فإن بقي اثنان صارت علامة خير، وإن بقي واحد كانت علامة شر، فهم يخطون في الأرض ويتفاءلون ويتشاءمون. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كان نبي يخط، فمن وافق خطه فذاك) يعني: ولا يمكن أن يوافق خطه؛ لأن هذه إحالة إلى شيء غير معلوم، ولا سبيل إلى معرفته. إذاً: استعمال الخطوط في الأرض، وبناء أشياء عليها، سواء كانت من جهة التشاؤم والتفاؤل أو عن طريق كهانة أو ما إلى ذلك، كل ذلك لا يسوغ ولا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن نبي أنه كان يخط، ومن المعلوم أن النبي الذي كان يخط إنما يفعل بالوحي. قوله: [ (فمن وافق خط ذلك النبي فذاك) ] يعني: أنه لا سبيل إلى موافقته وإلى معرفة موافقته، فيكون استعمال الخطوط في الأرض لا يسوغ ولا يجوز؛ لأنه إخبار عن أمر مغيب، وهو فعل نبي من الأنبياء أنه كان يخط. والاعتماد على هذه الخطوط لا يكون من الشرك الأكبر أو الأصغر، وإنما يكون من التشاؤم، أما إذا كان يعتقد أن الخطوط أو أن غير الله عز وجل هو الذي ينفع ويضر، فهذا هو الشرك، وأما إذا وقع في باله أن هذا علامة خير أو علامة شر، فهذا لا يكون شركاً أكبر.
تعظيم ضرب الإماء
قوله: [ ( قلت: لي كانت جارية ترعى غنيمات قبل أحد والجوانية، إذ اطلعت عليها اطلاعة فإذا الذئب قد ذهب بشاة منها، وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فعظم ذلك علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها) ]. يعني: أن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أسئلة كانت من أمور الجاهلية، ومن الأمور التي كانوا يعتادونها في الجاهلية الكهانة والخطوط في الأرض والتطير، ثم سأله عن أمر يخصه وحادثة حدثت له، وهي: أن جارية له كانت ترعى غنماً له في أحد والجوانية، فتفقد حالها في وقت من الأوقات، وإذا بالذئب قد أخذ واحدة من الغنم، فصك تلك الجارية صكة، فعظم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، وبين صلى الله عليه وسلم أن هذا أمر عظيم لا يسوغ ولا يجوز؛ لأنه حصل منه لها هذا الإيذاء الذي لا يصلح ولا يليق.
حقيقة علو الله سبحانه وتعالى
قوله: [ (أفلا أعتقها يا رسول الله؟ قال: ائتني بها، فجئته بها، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها، فإنها مؤمنة) ]. وهذا يدلنا على أن خير الخلق وسيد الخلق صلى الله عليه وسلم سأل بأين الله؟ وأن ذلك سائغ وجائز، وأن الله تعالى في السماء. والمقصود بالسماء العلو؛ لأن كل ما علا وارتفع فهو سماء، فلا يفهم من الحديث أن المقصود بالسماء، هي السماء المبنية، وأن الله تعالى تحويه السماوات، وأنه في داخل السماوات، لا، وإنما المقصود من ذلك العلو، ومن المعلوم أن كل ما علا وارتفع فهو علو، فبالنسبة لنا كل ما فوقنا هو سماء لنا، ومن المعلوم أن العرش فوقه علو، والله تعالى في العلو الذي فوق العرش، لا يحويه شيء من مخلوقاته ولا يحل في شيء من مخلوقاته، فهو مباين لمخلوقاته؛ لأن الله تعالى خلق الخلق وكان هو الموجود وحده، ولما خلقهم لم يحل فيهم ولم يحلوا فيه، بل هو مباين لهم وهم مباينون له، والله تعالى فوق العرش، وقد جاء القرآن الكريم بذلك : أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] أي: في العلو، فالجارية قالت: في السماء، أي: في العلو، والله سبحانه وتعالى في العلو فوق الخلق مستو على عرشه فوق خلقه، عال على جميع خلقه سبحانه وتعالى. إذاً: كل ما علا، فهو سماء، وما دون العرش مخلوق، والله تعالى لا يحل في شيء مخلوق، والله عز وجل فوق العرش، وما فوق العرش هو الخلو والعدم، وليس فيه إلا الله عز وجل. قوله: [ (قال: وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون) ]. يعني: هذا اعتذار منه لفعله الذي فعل، قال: إنني غضبت وإني أسفت، والأسف هو الغضب، قال عز وجل: فَلَمَّا آسَفُونَا [الزخرف:55] يعني: أغضبونا، فحصل له غضب، وأنه بسبب ذلك صك الجارية هذه الصكة. أما الكلام في الصلاة نسياناً فإنه لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر إذا تكلم عامداً، يقول عز وجل في النسيان: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286].
تراجم رجال إسناد حديث: (صليت مع رسول الله فعطس رجل من القوم ...)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بابن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى ]. أي: أن الطريقين إنما اتفقا في المعنى وليس في الألفاظ. [ عن حجاج الصواف ]. حجاج الصواف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن أبي ميمونة ]. هلال بن أبي ميمونة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن الحكم السلمي ]. معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم و أبو داود و النسائي . وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.
شرح حديث: (...إذا عطست فاحمد الله، وإذا عطس العاطس فحمد الله فقل: يرحمك الله...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: (لما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم علمت أموراً من أمور الإسلام؛ فكان فيما علمت أن قال لي: إذا عطست فاحمد الله، وإذا عطس العاطس فحمد الله فقل: يرحمك الله, قال: فبينما أنا قائم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة إذ عطس رجل فحمد الله، فقلت: يرحمك الله. رافعاً بها صوتي، فرماني الناس بأبصارهم حتى احتملني ذلك، فقلت: ما لكم تنظرون إلي بأعين شُزر؟ قال: فسبحوا، فلما قضى رسول صلى الله عليه وسلم قال: من المتكلم؟ قيل: هذا الأعرابي، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: إنما الصلاة لقراءة القرآن وذكر الله جل وعز، فإذا كنت فيها فليكن ذلك شأنك. فما رأيت معلماً قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه بعض ما في الذي قبله، وفيه زيادة: أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلم شيئاً من أمور الإسلام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أنه إذا عطس أن يحمد الله، وأنه إذا سمع العاطس يحمد الله أن يشمته، ويقول له: يرحمك الله، وبينما هو يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فحمد الله ذلك الرجل العاطس، فشمته معاوية بن الحكم رضي الله عنه، فنظر الناس إليه نظراً ساءه، فقال: ما لكم تنظرون إلي بأعين شزر؟! فسبحوا فسكت، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من المتكلم؟ قالوا: هذا الأعرابي، فأخبره أن الصلاة إنما هي للتسبيح وقراءة القرآن، وأن الإنسان إذا كان في الصلاة يكون هذا شأنه إما أن يكون قارئاً للقرآن، وإما أن يكون ذاكراً مسبحاً لا متكلماً في أمور الدنيا. إذاًً: العاطس إذا عطس في غير الصلاة وحمد الله عز وجل فإنه يشمت، وإذا لم يحمد الله عز وجل فإنه لا يشمت، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما بالنسبة للصلاة فللعاطس أن يحمد الله سراً، ولكن من سمعه يحمد الله ليس له أن يشمته وهو في الصلاة؛ لأن حمد الله عز وجل ذكر وثناء على الله، وهو سائغ في الصلاة، وأما قول: يرحمك الله -التشميت- فهو خطاب وكلام من المشمت للعاطس، والكلام والمخاطبة في الصلاة لا تسوغ ولا تجوز.
بيان رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه
قوله: [ (فما رأيت معلماً قط، أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطبه بهذا الرفق وبهذا اللين، وقال له: إن الصلاة لا ينفع فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير وذكر الله عز وجل، وهذا يدلنا على أن الرفق في التعليم والرفق في التأديب والتوجيه فيه الخير وفيه البركة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله رفيق يحب الرفق) وقوله: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه) وكان هذا سمت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهديه ومنهجه وطريقته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو خير الناس وأنصح الناس للناس، وهو أكمل الناس نصحاً وأكملهم بياناً وأفصحهم لساناً، وكان هذا شأنه مع أصحابه يعلمهم ويرفق بهم، ويجدون ثمرة هذا الرفق، فيقولون ما يقولون مثل هذه المقالة التي قالها معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: (فما رأيت معلماً أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا عطست فاحمد الله وإذا عطس العاطس فحمد الله فقل: يرحمك الله ...)
قوله: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي ]. محمد بن يونس النسائي ثقة، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ حدثنا عبد الملك بن عمرو ]. هو أبو عامر العقدي ذكره هنا باسمه، ويذكره أحياناً بكنيته، فأحياناً يقول: حدثنا أبو عامر العقدي ، وأحياناً يقول: حدثنا عبد الملك بن عمرو . ألا يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر باسمه مرة وذكر بكنيته مرة أخرى، فإن من لا علم له يظن أن عبد الملك بن عمرو هو غير أبي عامر العقدي ، لكن من يكون على علم بذلك فإنه لا يلتبس عليه الأمر، سواء جاء ذكره بعبد الملك بن عمرو أو جاء ذكره بأبي عامر ، فهو شخص واحد وليسا شخصين، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا فليح ]. هو فليح بن سليمان هو صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن علي ]. هلال بن علي وهو ابن أبي ميمونة الذي مر في الإسناد السابق، ذكر هنا منسوباً إلى أبيه باسمه، وفي الحديث السابق ذكر منسوباً إلى أبيه بكنيته، وهذا مثل ما أسلفت من فائدته ألا يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر منسوباً إلى أبيه مكنى أو ذكر منسوباً إلى أبيه مسمى، فإن من لا علم له يظن أن هذا شخص وهذا شخص، ولكن من كان عالماً لا يلتبس عليه الأمر، إن جاء هلال بن علي عرف أنه هلال بن أبي ميمونة ، وإن جاء هلال بن أبي ميمونة عرف أنه هلال بن علي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن الحكم السلمي ]. معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، و مسلم و أبو داود و النسائي .
ما جاء في التأمين وراء الإمام
شرح حديث: (كان رسول الله إذا قرأ (ولا الضالين) قال: آمين، ورفع بها صوته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التأمين وراء الإمام: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن سلمة عن حجر بن العنبس الحضرمي عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: (( وَلا الضَّالِّينَ ))[الفاتحة:7] قال: آمين، ورفع بها صوته) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ التأمين وراء الإمام ]. يعني: حكم تأمين المأموم وراء الإمام أنه يؤمن ويرفع صوته بالتأمين، كما أن الإمام يرفع صوته بالتأمين، وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الإمام يؤمن، وكذلك المأموم جاء أنه يؤمن. وجاء في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالتأمين، وليس فيه شيء يتعلق بالمأموم، مع أن الترجمة هي للتأمين وراء الإمام، ولكن وجه إيراده في هذه الترجمة: أن المأموم مطلوب منه أن يتابع الإمام، وأن يفعل مثل ما يفعل الإمام، ولا يخالفه إلا فيما استثني، مثل: سمع الله لمن حمده، فإنه لا يقولها المأموم وإنما يقولها الإمام وحده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: ربنا ولك الحمد) لم يقل: فقولوا: سمع الله لمن حمده، فإن هذا مستثنى من متابعة الإمام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي). إذاً: فالإمام يؤمن ويرفع صوته، والمأموم كذلك يؤمن ويرفع صوته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء دليل يدل على اختصاصه بالإمام، والذي جاء هو سمع الله لمن حمده، فإنه يقولها الإمام ولا يقولها المأموم، والإمام يجمع بين التسميع والتحميد، والمأموم يحصل منه التحميد دون التسميع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد). إذاً: وجه الاستدلال بهذا الحديث على الترجمة: [ التأمين وراء الإمام ] أي: تأمين المأموم وراء الإمام مأخوذ من جهة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) والإمام يقول: آمين ويرفع بها صوته، فكذلك المأموم يقول: آمين ويرفع بها صوته، استناداً إلى أن الإمام يقتدى به وأنه يتبع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وستأتي أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها أمر المأمومين بأن يؤمنوا تبعاً للإمام، وأنه إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فليقل المأموم: آمين، يعني: يؤمن وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمن الإمام فأمنوا) ولكن هذا الحديث ليس فيه تنصيص على تأمين المأموم، ولكن وجه الاستدلال به على تأمين المأموم من جهة أن المأموم مأمور بأن يقتدي بالإمام ولا يخالفه إلا فيما استثني، ولم يستثن ذلك، بل جاء في السنة ما يدل على أمر المأموم بأن يؤمن إذا أمن الإمام. أورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: (( وَلا الضَّالِّينَ )) قال: آمين ورفع بها صوته). قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] (كان) تدل على الدوام والاستمرار، يعني: هذا شأنه دائماً، ولكن قد تأتي (كان) أحياناً ولا يراد بها الاستمرار، ولكن يراد بها المرة الواحدة، ومن ذلك حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) فإن قولها: (ولحله قبل أن يطوف بالبيت) إنما حصل مرة واحدة في حجة الوداع. على أن (كان).
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا قرأ (ولا الضالين) قال: آمين، ورفع بها صوته)
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، من كبار شيوخ البخاري ، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن سفيان الثوري . [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و سفيان الثوري من المتقدمين في الوفاة، توفي سنة (161هـ) و محمد بن كثير العبدي الراوي عنه توفي بعد سنة (220هـ) ولكنه عُمِّر تسعين سنة؛ ولهذا أدرك المتقدمين. [ عن سلمة ]. هو سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حجر بن العنبس الحضرمي ]. حجر بن العنبس الحضرمي وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و أبو داود و الترمذي . في بعض النسخ ذكر: أبي العنبس وهو ابن العنبس وليس كذلك، وكنيته أبو السكن ، و(أبي) مصحفة عن (ابن)؛ لأن (أبي) رسمها قريب من رسم (ابن) ولهذا قد يأتي التصحيف بين كلمة (ابن) و (أبي)، لكن لو كانت الكنية موافقة لاسم الأب، يكون كل ذلك صحيحاً، لكن الكنية هنا غير موافقة لاسم الأب، فهو تصحيف. وقد جاء في بعض الروايات التي ستأتي ابن العنبس ، وجاء في رواية سفيان الثوري أنه قال: ابن العنبس ، وجاء في رواية شعبة عن أبي العنبس . وجاء في رواية شعبة : (أنه خفض صوته بآمين) ولكن رواية سفيان الثوري مقدمة على رواية شعبة وذلك لأمور عديدة منها: أن سفيان أحفظ من شعبة وهو مقدم على شعبة في الحفظ، وكل من سفيان الثوري و شعبة بن الحجاج وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وكل منهما حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، ولكن أحدهما أحفظ من الآخر، وهو سفيان ؛ فيكون مقدماً في الحفظ على شعبة . وقد ذكر الحفاظ أن سفيان مقدم على شعبة ، وقد قال شعبة : سفيان أحفظ مني. وكانوا يعتمدون في التمييز بين الثقات أيهما أوثق من بعض، أو أيهما أحفظ من بعض، بعدِّ الأخطاء التي يخطئها هذا وهذا، فإذا عدوا أخطاء هذا وأخطاء هذا، وعرفوا أن هذا أقل أخطاء وأن هذا أكثر أخطاء، فإنهم يقدمون في الحفظ من يكون أقل خطأً. وعلى هذا فرواية سفيان : (أنه جهر بآمين) مقدمة على رواية شعبة : (أنه خفض صوته بآمين) على أن شعبة جاء عنه في بعض الروايات ما يدل على الجهر بآمين، فصارت بعض رواياته موافقة لرواية سفيان الثوري . [ عن وائل بن حجر ]. هو وائل بن حجر الحضرمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، و مسلم و أصحاب السنن.
شرح حديث: (أنه صلى خلف رسول الله فجهر بآمين...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد الشعيري حدثنا ابن نمير حدثنا علي بن صالح عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر رضي الله عنه: (أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجهر بآمين، وسلم عن يمينه وعن شماله حتى رأيت بياض خده) ]. أورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه: أنه قال: آمين وجهر بها عندما قرأ سورة الفاتحة. وفيه: أنه سلم عن يمينه و شماله حتى رأى بياض خده صلى الله عليه وسلم. فهذا يدلنا على ما دل عليه الحديث الأول من التأمين من الإمام والجهر بآمين، وأن المأموم يتابعه في التأمين والجهر، ويدل أيضاً على أن التسليم تسليمتان: تسليمة عن اليمين وتسليمة عن الشمال.
تراجم رجال إسناد حديث: (أنه صلى خلف رسول الله فجهر بآمين...)
قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد الشعيري ]. مخلد بن خالد الشعيري ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا ابن نمير ]. هو عبد الله بن نمير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا علي بن صالح ]. هو علي بن صالح بن حي وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر ]. وقد مر ذكر الثلاثة.
شرح حديث: (كان رسول الله إذا تلا (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا صفوان بن عيسى عن بشر بن رافع عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] قال: آمين، حتى يسمع من يليه من الصف الأول) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلا: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]. قال: آمين، حتى يسمع من يليه من الصف الأول). وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: آمين ويجهر بها، وهو يدل على ما دل عليه الحديث الأول من الطريقين المتقدمين، ولكن هنا قصره على إسماع الصف الأول، والحديث في إسناده من هو متكلم فيه، والأصل أن الجهر بالتأمين من الإمام لا يقتصر على إسماع الصف الأول.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا تلا (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول)
قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا صفوان بن عيسى ]. صفوان بن عيسى ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن بشر بن رافع ]. بشر بن رافع ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة ]. أبو عبد الله ابن عم أبي هريرة مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
شرح حديث: (إذا قال الإمام (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا آمين...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) فهذا يدلنا على أن المأموم يؤمن بعدما يقول الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] مثل ما جاء في التسميع والتحميد: (إذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) يعني: بعد أن يقول: سمع الله لمن حمده، قولوا: ربنا ولك الحمد، وهذا بعد أن يقول: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] قولوا: آمين، ولا ينتظر حتى يقول الإمام: آمين، بل يقول: آمين بعدما يقول الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فيكون تأمين الإمام والمأموم وكذلك الملائكة في وقت واحد، وأن من يحصل منه ذلك ويوافق قوله قول الملائكة، فإنه يجازى على ذلك بأن يغفر الله له ما تقدم من ذنبه. والمقصود بالمغفرة فيما تقدم هو الصغائر، وأما الكبائر فلا بد فيها من التوبة؛ لأنها لا تكفر بفعل الطاعات وإنما تكفر بالتوبة منها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، ويقول سبحانه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]. فإذاً: الذنوب التي تكفر بالأعمال الصالحة إنما هي الصغائر، وأما الكبائر فإن التوبة الخاصة هي التي تكفرها، أما إذا أصر على الكبيرة وحصل منه العمل الصالح، بأن قال: آمين وراء الإمام، فإنه لا تغفر له تلك الكبيرة التي هو مصر عليها، بل تغفر له إذا تاب منها، وأقلع عنها، وندم عليها، وحرص على ألا يعود عليها في المستقبل؛ لأن شروط التوبة ثلاثة: أن يقلع عن الذنب، بأن يتركه نهائياً، وأن يندم على ما قد مضى، وأن يعزم في المستقبل على ألا يعود إليه، والشرط الرابع: إذا كان الأمر يتعلق بحقوق الآدميين، سواء بأموالهم أو أعراضهم أو أبدانهم فعليه أن يطلب المسامحة ممن له عليه حق، أو يؤدي الحقوق إلى أهلها. وعلى هذا فما جاء في هذا الحديث وأمثاله من مغفرة الذنوب بفعل الأعمال الصالحة، إنما يراد به مغفرة الصغائر، وأما الكبائر فإن تكفيرها إنما يكون بالتوبة والإقلاع منها، كما عرفنا ذلك.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قال الإمام (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا آمين...)
قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور المحدث، أحد الأئمة الأربعة، وأحد أصحاب المذاهب المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سمي مولى أبي بكر ]. هو سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح السمان ]. أبو صالح السمان كنيته أبو صالح واسمه ذكوان ولقبه السمان ، ويقال له: الزيات ، لأنه كان يبيع الزيت والسمن، فقيل له: السمان وقيل له: الزيات ، وكثيراً ما يأتي بكنيته أبي صالح ، وأحياناً يأتي بكنيته واسمه فيقال: أبو صالح ذكوان ، وأحياناً يأتي بكنيته ولقبه كما هنا حيث قال: أبو صالح السمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكره.
شرح حديث: (إذا أمن الإمام فأمنوا...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب و أبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه). قال ابن شهاب (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه) وهذا لا يخالف الحديث السابق، الذي فيه: (إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه) فليس معنى قوله: [ (إذا أمن) ] أي: إذا فرغ من التأمين فأمنوا، وإنما المقصود من ذلك أنه إذا وجد منه التأمين بعد: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فالمأموم يقول عند قول الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]: آمين، والملائكة تقول عند قول الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]: آمين، فتكون الأقوال متفقة من الإمام والمأموم والملائكة.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أمن الإمام فأمنوا...)
قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب ]. القعنبي و مالك مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا. و ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري ، وهو مشهور بالزهري ومشهور بابن شهاب ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين باتفاق، وأما السابع منهم ففيه ثلاثة أقوال: قيل: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الذي معنا في هذا الإسناد، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام الذي هو مولى سمي الذي مر ذكره، وهو مولاه من أعلى و سمي مولاه من أسفل، فهذا أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، والقول الثالث: أنه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وأما الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة فهم: سعيد بن المسيب و عروة بن الزبير بن العوام و خارجة بن زيد بن ثابت و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق و سليمان بن يسار و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، هؤلاء الستة المتفق على عدهم من الفقهاء السبعة. ومعنا في الإسناد واحد ممن هو معدود في الفقهاء السبعة اتفاقاً، وواحد ممن هو معدود فيهم على اختلاف في ذلك، وكل من سعيد بن المسيب و أبي سلمة بن عبد الرحمن أخرج حديثهما أصحاب الكتب الستة، بل الفقهاء السبعة كلهم -المتفق عليهم والمختلف فيهم- أخرج لهم أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة وقد مر ذكره.
شرح حديث: (يا رسول الله لا تسبقني بآمين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه أخبرنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي عثمان عن بلال رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! لا تسبقني بآمين) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا رسول الله! لا تسبقني بآمين) قيل: إن معنى ذلك أنه كان يقيم الصلاة وهو في مكان بعيد من الإمام، ثم يأتي بعد ذلك، فهو يريد من النبي صلى الله عليه وسلم ألا يقول: آمين قبل أن يصل ويدخل في الصلاة ويقول: آمين، ولكن الحديث في ثبوته كلام من جهة أن أبا عثمان النهدي الذي يروي عن بلال ، قيل: إنه لم يدرك بلالاً ، وجاء في بعض طرقه أن أبا عثمان النهدي قال: إن بلالاً قال كذا وكذا، وعلى هذا فيكون من قبيل المرسل الذي يحكي فيه التابعي شيئاً في زمن النبوة لم يدركه، وقد روى الحديث موصولاً، وجاء من رواية أخرى مرسلاً، وعلى هذا يكون الحديث منقطعاً غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (يا رسول الله لا تسبقني بآمين)
قوله: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ]. هو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي المروزي ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ أخبرنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن سليمان الأحول وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عثمان ]. هو أبو عثمان النهدي واسمه عبد الرحمن بن مل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بلال ]. هو بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وجه طلب بلال من الرسول عدم سبقه بآمين
إذا كان بلال يقرأ بفاتحة الكتاب في السكتة الأولى التي بين التكبير والقراءة فلا يستقيم أن يوجه طلبه على هذا؛ لأنه إذا كان بدأ قبل أن يبدأ الإمام؛ فمعنى هذا أنه إذا واصل فإنه سينتهي هو من قراءة الفاتحة قبل أن يقول الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فالأمر غير واضح، ولكن يمكن أن يكون معناه هو ما أشرت إليه آنفاً: أنه لم يكن وراء النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتى بعد ذلك، ويمكن أنه كان يشتغل بتسوية الصفوف، فيحصل من الرسول صلى الله عليه وسلم الفراغ من الفاتحة قبل أن يصل، فقال ما قال، لكن الحديث كما هو معلوم غير ثابت من جهة كونه إما مرسلاً، أو منقطعاً بين أبي عثمان النهدي وبين بلال .
شرح حديث: (... أوجب إن ختم، فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي و محمود بن خالد قالا: حدثنا الفريابي عن صبيح بن محرز الحمصي حدثني أبو مصبح المقرائي قال: (كنا نجلس إلى أبي زهير النميري وكان من الصحابة، فيتحدث أحسن الحديث، فإذا دعا الرجل منا بدعاء قال: اختمه بآمين، فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة، قال أبو زهير : أخبركم عن ذلك؟ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأتينا على رجل قد ألح في المسألة، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يستمع منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب إن ختم، فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين، فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب، فانصرف الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الرجل فقال: اختم يا فلان بآمين وأبشر) وهذا لفظ محمود . قال أبو داود : المقراء قبيلة من حمير ]. أورد أبو داود حديث أبي زهير النميري عن أبي مصبح المقرائي قال: (كنا نجلس إلى أبي زهير النميري وكان من الصحابة، فيتحدث أحسن الحديث، فإذا دعا الرجل منا بدعاء قال: اختمه بآمين، فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة، ثم قال: ألا أخبركم عن ذلك؟ خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأتينا على رجل قد ألح في المسألة، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يستمع منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب إن ختم، فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين) يعني: أنه إذا جمع بين الدعاء والتأمين يكون قد حصلت له الجنة، أو استحق أن تحصل له الجنة، فذهب رجل ممن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الرجل وقال له: (اختم بآمين وأبشر). وهذا الحديث يدل على أن الدعاء إذا حصل من الداعي أنه يؤمن في دعائه بعدما يدعو. وآمين معناها: اللهم استجب. لكن هذا الحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن كثيراً من الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم تأتي ولا يروى في آخرها أنه قال: آمين، فكون الإنسان يرى أو يلتزم بها، وأنه لا يقول دعاء إلا ويختمه بآمين، ليس هناك ما يدل عليه. وعلى هذا فإن آمين معناها: اللهم استجب، فإذا دعا المرء وقال: آمين في بعض الأحيان دون أن يلتزمها، ودون أن يعتقد أن هذه سنة ثابتة عن رسول صلى الله عليه وسلم، فلا بأس بذلك، لكن أن يقال: إنها سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا هو المشكل.
تراجم رجال إسناد حديث: (... أوجب إن ختم، فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين...)
قوله: [ حدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي ]. الوليد بن عتبة الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود . [ و محمود بن خالد ]. هو محمود بن خالد الدمشقي وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الفريابي ]. هو محمد بن يوسف الفريابي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صبيح بن محرز الحمصي ]. صبيح بن محرز الحمصي مقبول، أخرج له أبو داود . قال الحافظ : اختلف هل هو مفتوح أوله أو مصغر؟ وعلى كل فإنه ممكن أن يقال: صَبيح و صُبيح . [ حدثني أبو مصبح المقرائي ]. أبو مصبح المقرائي ثقة، أخرج له أبو داود . [ كنا نجلس إلى أبي زهير النميري ]. أبو زهير النميري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود . [ قال أبو داود : المقراء، قبيلة من حمير ]. يريد بذلك: أن أبا مصبح المقرائي ينسب إلى قبيلة من حمير، نسبة نسب وليست نسبة بلد."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [119]
الحلقة (150)
شرح سنن أبي داود [119]
الخشوع روح الصلاة ولبها، ولذلك نهي عن الحركات فيها لأنها تذهب الخشوع، إلا أنه قد رخص في التصفيق للنساء عند تنبيه الإمام، ورخص في الإشارة عند الحاجة.
التصفيق في الصلاة
شرح حديث أبي هريرة في التصفيق في الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التصفيق في الصلاة. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: التصفيق في الصلاة. أي أن هذا الحكم الذي هو التصفيق في الصلاة إنما هو سائغ في حق النساء وليس في حق الرجال، فإذا حصل للإمام شيء يحتاج إلى أن ينبه عليه؛ فإنه يسبح الرجل وتصفق المرأة، فالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء، ولا يكون العكس، فالرجال لا يصفقون والنساء لا تسبح في الصلاة عند تنبيه الإمام على أمر قد حصل منه، فشأن التصفيق أن يكون للنساء لا للرجال. والتصفيق هو أن تضرب المرأة ببطن كفها أو بإصبعين من كفها اليمنى على ظهر الأخرى، ومعناه أنه لا يكون التصفيق باليدين متقابلتين؛ لأن تصفيق بطن اليد على اليد يكون فيه زيادة صوت وزيادة إزعاج، فإنما يكون بتصفيق خفيف، بحيث يكون بطن واحدة على ظهر الأخرى أو العكس، حتى يكون أخف فيحصل به المقصود دون أن يكون هناك صوت مرتفع للتصفيق، كما يحصل فيما إذا كانت بطن اليد اليمنى على بطن اليد اليسرى.
ذكر بعض الأحكام التي تختلف فيها النساء عن الرجال
جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التفريق بين الرجال والنساء في التصفيق والتسبيح، والأصل أن الأحكام يتساوى فيها الرجال والنساء، ولا يختلف الرجال والنساء في الأحكام إلا إذا حاء نص يدل على التفريق كهذا الحديث الذي معنا، وإلا فإن الأصل أنه لا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام. والأمثلة كثيرة على هذا، منها أمور خمسة جاء النص على أن النساء على النصف من الرجال فيها: فهن في الميراث على النصف، لقوله تعالى: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]. وكذلك الشهادة، لقوله عز وجل: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282]. وكذلك الدية، فدية المرأة على النصف من دية الرجل. وكذلك العتق، لأن الرجل إذا أعتق عبداً كان فكاكه من النار، فإذا أعتق جاريتين كانتا فكاكه من النار. والخامسة العقيقة، فإن الغلام يعق عنه بشاتين والجارية يعق عنها بشاة واحدة، هذه من الأمور التي جاءت الشريعة فيها التفريق بين النساء والرجال، وجعلت المرأة على النصف من الرجل فيها. وأما الأحكام الأخرى التي يختلف فيها الرجال عن النساء فأمثلتها كثيرة، ومنها هذا المثال الذي معنا، وهو التسبيح والتصفيق في الصلاة، فإن المرأة تصفق والرجل يسبح، ومن ذلك الغسل من بول الجارية والرش من بول الغلام، ومن ذلك كون الإمام إذا صلى على جنازة المرأة فإنه يقف عند وسطها، وعند رأس الرجل، يعني: هناك مواضع عديدة جاءت السنة فيها بالتفريق بين الرجال والنساء في الأحكام، وعلى هذا فإن الأصل كما قلت هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا وجدت نصوص تفرق، فإنه يصار إلى ذلك التفريق.
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في التصفيق في الصلاة
قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إذا جاء شخص غير منسوب بأن ذكر اسمه ولم يذكر نسبه يقال له: مهمل، وإذا جاء قتيبة يروي عن سفيان ، فالمراد به ابن عيينة ، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري ، فالمراد به ابن عيينة ، وهنا يروي سفيان عن الزهري ، إذاً المراد به سفيان بن عيينة المكي ، وليس سفيان الثوري الذي مر ذكره في الأحاديث السابقة، و ابن عيينة متأخر عن الثوري في الوفاة، وإن كان متقدماً، لأنه يروي عن الزهري و الزهري من التابعين، وكانت وفاته سنة مائة وأربع وعشرين أو مائة وخمس وعشرين، و ابن عيينة توفي سنة مائة وثمان وتسعين، أو قريباً من ذلك، فقد طال عمره وأدرك الزهري وأكثر من الرواية عنه. [ عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ]. قد مر ذكر هؤلاء الثلاثة قريباً.
شرح حديثي سهل بن سعد في التصفيق في الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: أتصلي بالناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة، فلما أكثر الناس التصفيق التفت، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال: يا أبا بكر ! ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ قال أبو بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لي رأيتكم أكثرتم من التصفيح؟ من نابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيح للنساء) قال أبو داود : وهذا في الفريضة. حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد أنه قال: (كان قتال بين بني عمرو بن عوف، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم ليصلح بينهم بعد الظهر، فقال لبلال : إن حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس، فلما حضرت العصر أذن بلال ثم أقام ثم أمر أبا بكر فتقدم، قال في آخره: إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفح النساء) ].. جاء في الترجمة: باب التصفيق في الصلاة، وتقدم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)، وأورد أبو داود رحمه الله هنا حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه من طريقين، وهو يدل على ما ترجم له المصنف؛ لأنه جاء في آخره: (من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجل ولتصفق المرأة). وفيه أنه إذا حصل التسبيح التفت إليه، فدل هذا على أنه عند حصول أمر يستدعي تنبيه الإمام على شيء أنه يسبح له بالنسبة للرجال وتصفق النساء، وأن هذا من الأحكام التي يختلف فيها الرجال والنساء، حيث إن الرجال يسبحون في الصلاة والنساء تصفق، ولا يحصل العكس، بأن تسبح المرأة ويصفق الرجل، وإنما الأمر كما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التسبيح للرجال والتصفيق للنساء. وأشرت في الحديث السابق إلى أن هذه من المسائل التي يختلف فيها الرجال والنساء، وقلت: إن الأصل في الأحكام التساوي بين الرجال والنساء، فالأحكام الثابتة للرجال تثبت للنساء، والأحكام الثابتة للنساء تثبت للرجال، إلا ما يكون من خصائص النساء ولا يكون للرجال به علاقة، وأنه قد جاءت نصوص تميز بين الرجال والنساء في الأحكام، ومنها هذا الموضع الذي معنا، فإنه جاءت السنة أن النساء تصفق وأن الرجال يسبحون، وهناك مسائل كثيرة هي من هذا القبيل وقد أشرت إلى جملة منها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى، حيث ذكرت هذه الفائدة، وذكرت ثماني عشرة مسألة كلها من المسائل التي يختلف فيها الحكم بين الرجال والنساء. ورقم الفائدة في الفوائد المنتقاة: (483).
فضل الصلح بين المسلمين
واشتمل حديث سهل بن سعد رضي الله عنه على عدة أحكام وعلى عدة فوائد، منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن بني عمرو بن عوف حصل بينهم خلاف وحصل بينهم تضارب واقتتال ذهب ليصلح بينهم، وهذا يدلنا على أهمية الصلح بين المسلمين، وذلك في العمل على ما يزيل الخلاف، ويحصل معه الوئام. وأيضاً يدل على أن الكبير ينبغي له أن يتولى ذلك بنفسه؛ وذلك لما يترتب عليه من قبول وساطته وصلحه بينهم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينب أحداً في ذلك، وإنما ذهب بنفسه صلى الله عليه وسلم.
استنابة إمام المسجد من يصلي بالناس عند غيابه في أول الوقت
وفي هذا الحديث أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال : (إذا حضرت الصلاة ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس) وهذا يدلنا على أن على إمام المسجد إذا أراد أن يتخلف أو حصل له شيء يشغله عن المجيء يجعل من ينوب عنه في ذلك. وفيه أيضاً دليل على الإتيان بالصلاة في أول وقتها، وذلك أن بلالاً أذن وأقام في أول الوقت، ولم ينتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على فضيلة الصلاة في أول وقتها، وعلى أنه ينبغي المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها، وقد جاء في الرواية الأولى، أن بلالاً استأذن أبا بكر ليقيم الصلاة، وفي الرواية الثانية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره إذا حان وقت الصلاة أن يقدم أبا بكر ، ولا تنافي بين ذلك، لأن الرواية الثانية فيها أن ذلك الإذن حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن بلالاً لما حان وقت الصلاة جاء إلى أبي بكر ليستأذنه في الإقامة، لا من أجل أنه يستأذنه هل يصلي أو لا يصلي، لأنه قد أمر بلالاً أن يأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، وهذا يدلنا على أن الإقامة حق للإمام، وليست للمؤذن، وأن الإمام هو الذي يأذن بذلك.
جواز أن يكون في الصلاة إمامان
في هذا الحديث جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دخل الناس في الصلاة وكانوا في أولها، فتخلص حتى وقف في الصف الأول، ودخل في الصلاة مأموماً خلف أبي بكر رضي الله عنه، فجعل الناس يصفقون لما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبو بكر رضي الله عنه كان لا يلتفت، ولكنه لما رأى كثرة التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام قد دخل في الصلاة، فأشار إليه أن امكث مكانك، إشارة بدون كلام، فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه إلى السماء، وحمد الله عز وجل على ذلك، يعني كون النبي صلى الله عليه وسلم أقره وأمره أن يبقى، ولكنه فهم أن هذا الأمر ليس للإيجاب ولا للإلزام، ولم ير من المصلحة أن يكون إماماً للرسول عليه الصلاة والسلام، فتأخر ومشى القهقرى حتى صار في الصف، ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصار هو الإمام، وهذا إنما كان في الركعة الأولى، وهو يدلنا على أمور، منها: أنه يمكن أن يكون في الصلاة إمامان، إمام في الأول يدخل في الصلاة، ثم يكون إمام بعد ذلك، كما حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان إماماً بعد إمامة أبي بكر ودخوله في الصلاة، فصار فيها إمامان: أبو بكر دخل في الصلاة حتى مضى شيء من الركعة الأولى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم وصلى بالناس أكثر الصلاة، فما حصل لأبي بكر إلا جزء يسير من أول الركعة الأولى، والباقي إنما هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
تغيير الإمام يكون في الركعة الأولى
وما جاء في هذا الحديث من كون النائب يدخل في الصلاة، فيدخل الإمام الأصلي بعد دخول ذلك النائب، فهذا فيما إذا كان في الركعة الأولى، أما بعد ذلك فإن الأولى أن يستمر النائب في الصلاة، وألا يدخل الإمام الأصلي في الصلاة وقد مضى بعض ركعاتها، وذلك كما ثبت أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، كان في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة من الغزوات؛ والرسول صلى الله عليه وسلم تأخر هو و المغيرة بن شعبة ، وجاء وقت صلاة الصبح، فتقدم عبد الرحمن بن عوف وصلى بالناس، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مضى ركعة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف وصلى بصلاة عبد الرحمن بن عوف ، ولما سلم عبد الرحمن بن عوف من الصلاة، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي الركعة التي فاتته، هو و المغيرة بن شعبة . وهذان الحديثان يدلان على التفريق بين هذين الأمرين في كون الإمام يدخل في الصلاة ويكون إماماً، وفي كونه يترك النائب الذي ناب عنه يتم الصلاة، ويقضي الإمام الأصلي ما فاته بعد سلام ذلك الإمام النائب. وفي هذا أيضاً دليل على أنه يمكن للإنسان في صلاته أن يتقدم ويتأخر لمصلحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم من الصف الأول إلى المكان الذي يصلي فيه الإمام، و أبو بكر تأخر من المكان الذي يصلي فيه الإمام إلى الصف الأول، فيجوز السير خطوات يسيرة لمصلحة كما حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن أبي بكر رضي الله عنه، حيث رجع القهقرى وهو مستقبل القبلة.
جواز رفع المصلي يديه شكراً لله
في هذا الحديث أيضاً أن المصلي له أن يرفع يديه عند تجدد نعمة وهو في الصلاة ويحمد الله على ذلك؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يثبت مكانه؛ رفع يديه وقال: الحمد لله، أي: على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقره، وأراد منه أن يبقى وأن يستمر في صلاته.
جواز الإشارة في الصلاة للحاجة
في هذا الحديث دليل على أن الإشارة في الصلاة للحاجة والمصلحة لا بأس بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إليه أن اثبت مكانك، فسميت هذه الإشارة أمراً، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتكلم. وفيه أدب أبي بكر رضي الله عنه مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث لم يستمر ولم يصل بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه، بل تأخر، وهذا كما عرفنا إنما كان في أول الصلاة وليس في وسطها، وأما عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فقد كان في وسطها.
اعتبار الإشارة في الخطاب
لما صلى رسول الله عليه الصلاة والسلام بالناس وفرغ من صلاته قال لأبي بكر : (ما منعك أن تثبت في مكانك إذ أمرتك) هذا أمر بالإشارة وليس بالكلام، فهو يفيد بأن إشارة المصلي في صلاته معتبرة، وأنها تقوم مقام القول، ومثل ذلك الأخرس الذي لا يستطيع أن يتكلم، فإن إشارته المفهمة الدالة على مقصوده تكون معتبرة، فتقوم مقام الكلام، وكذلك من لا يحل له الكلام كمن يكون في صلاة، فإن الإشارة تقوم مقام الكلام. وفيه دليل على أن الإنسان إذا احتاج إلى الالتفات لأمر لا بد منه، فإن له أن يلتفت بلي عنقه دون أن ينصرف عن القبلة. قوله: (ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ قال: ما كان لابن أبي قحافة ... )، معناه أنه فهم أنه ليس هناك أحد أن يتقدم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الأمر ليس لازماً. ولما فرغ أبو بكر من الكلام وقال: (ما كان لأبي بكر ...)، سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه، ولم يقل كان لازماً عليك أن تفعل كذا وكذا، فدل هذا على أن فعل أبي بكر حسن، وأن هذا هو اللائق بمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان أبو بكر في أول الصلاة. قوله: (ما لي أراكم أكثرتم من التصفيح)، هو بالحاء، وهو بمعنى التصفيق؛ لأن التصفيق والتفصيح بمعنى واحد، فهو يأتي بالحاء ويأتي بالقاف، ومنهم من فرق بينهما بأن التصفيق هو ما يكون بضرب باطن اليد ببطن اليد، والتصفيح ما كان ببطن اليد على ظهر الأخرى، ولكن قد جاء في الحديث الذي مر ذكر التصفيق، فدل هذا على أن التصفيق والتصفيح بمعنى واحد. قوله: (من نابه شيء في صلاته فليسبح) معناه أن المشروع بدل التصفيق أن يكون هناك التسبيح، ويكون هذا في حق الرجال، وأما النساء، فهن صاحبات التصفيح أو التصفيق.
صفة الالتفات داخل الصلاة
قوله: (فإنه إذا سبح) أي المأموم وراء الإمام، (التفت إليه) يمكن أن يكون المقصود من ذلك حيث لا يكون هناك بد من الالتفات، وأما إن كان الأمر يفهم بدون التفات كما يحصل في السهو، وما إلى ذلك، فإنه لا يحتاج إلى التفات. ويمكن أن يكون الالتفات على معنى أعم، وهو أن يكون التفات بالعنق، حيث يحتاج الأمر إلى ذلك، وقد يكون المقصود به كونه ينتبه إلى تسبيحه، بمعنى أنه كان تنبيهاً على أمر من الأمور، حيث لا يحتاج إلى الالتفات بالعنق، فلا يلتفت بالعنق، وليس معناه أنه كلما حصل تسبيح التفت، وإنما يلتفت إذا كان الأمر يقتضي الالتفات كما حصل من أبي بكر رضي الله عنه. (وقد كان لا يلتفت في صلاته) ولكن حيث يحتاج إلى الالتفات يلتفت وإذا لم يحتج إلى الالتفات فإنه يدخل في المعنى الأعم، فيكون معناه انتبه إلى التسبيح وفهم المقصود منه، أو غير ذلك. (قال أبو داود : وهذا في الفريضة)، يعني: الأمر واضح أنه في الفريضة، لأنه جاء في الحديث أنه استأذن أبا بكر أن يقيم وهو في الفريضة، وقول أبي داود رحمه الله: وهذا في الفريضة معناه: فالنافلة من باب أولى أن يسوغ فيها ما ساغ في الفريضة.
تراجم رجال إسناد حديثي سهل في التصفيق في الصلاة
قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حازم بن دينار ]. هو سلمة بن دينار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن سعد الساعدي ] سهل بن سعد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و سهل بن سعد الساعدي هذا كنيته: أبو العباس ، وقد قيل: إنه ليس في الصحابة من يكنى بأبي العباس سوى اثنين: وهما سهل بن سعد الساعدي ، و عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود ؛ لأن القعنبي يروي عن مالك ، و مالك يروي عن أبي حازم بن دينار و أبو حازم بن دينار يروي عن سهل بن سعد الساعدي ، فبين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، فهذا أعلى ما يكون عند أبي داود من الأسانيد؛ لأنه ليس عنده شيء من الثلاثيات، ليس عنده حديث بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثة أشخاص، وإنما أعلى ما عنده الرباعيات، وأما البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً في صحيحه، بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص، و الترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، و ابن ماجة عنده خمسة أحاديث ثلاثية، كلها بإسناد واحد، وذلك الإسناد ضعيف لا تقوم به حجة، أما مسلم و أبو داود و النسائي فهؤلاء الثلاثة فأعلى ما عندهم الرباعيات، وليس عندهم شيء من الثلاثيات. قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حازم عن سهل بن سعد ]. وقد مر ذكرهما، وهذا مثل الذي قبله أيضاً رباعي. وهذا الإسناد الثاني رجاله كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة، بخلاف الإسناد الأول، فإن القعنبي لم يخرج له ابن ماجة . وبنو عمرو بن عوف هم جماعة كبيرة من الأوس وهم سكان قباء، وهم الذين نزل فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم أياماً لما قدم من مكة مهاجراً إلى المدينة، وبنى مسجد قباء وصلى فيه، ثم انتقل من قباء إلى مكان مسجده هذا صلى الله عليه وسلم فبناه. ولا أعلم أحداً شارك عبد الرحمن بن عوف في كونه كان إماماً للرسول صلى الله عليه وسلم في شيء من الصلاة، ولهذا لما جاء أبو نعيم في معرفة الصحابة إلى ترجمة عبد الرحمن بن عوف عبر بعبارة فقال: إمام المصطفى صلى الله عليه وسلم، يعني هو الذي صلى به إماماً ركعة واحدة من صلاة الصبح.
أثر عيسى بن أيوب في وصف التصفيق
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد عن عيسى بن أيوب قال: قوله: (التصفيح للنساء) تضرب بإصبعين من يمينها على كفها اليسرى ]. أورد أبو داود بعد ذكر الحديثين أثراً عن عيسى بن أيوب يصف التصفيق في حق النساء، وأنها تضرب بإصبعين من يمينها على الكف الأخرى، ولعل ذلك من أجل ألا يحصل قوة التصفيق، كما لو ضربت بالكف على الكف، والمقصود من ذلك أن يحصل التنبيه، وإذا حصل التنبيه بأمر أخف فإن ذلك يكون كافياً ويكون مغنياً عما هو أكبر منه. وهذا يسمونه في علم المصطلح المقطوع، وهو أن ينتهي الإسناد إلى التابعي أو من دون التابعي، وهو غير المنقطع؛ لأن الانقطاع هو السقوط في الإسناد، فالمقطوع من صفات المتن، والمنقطع من صفات الإسناد، أما الذي ينتهي إلى الصحابي فيقال له: موقوف، والذي ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، فهذا الأثر الذي معنا يقال له: مقطوع، لأنه ينتهي إلى عيسى بن أيوب وهو الذي وصف هذا التصفيق أو التصفيح الذي يكون للنساء.
تراجم رجال إسناد أثر عيسى بن أيوب في وصف التصفيق
قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. هو محمود بن خالد الدمشقي وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عيسى بن أيوب ]. وهو صدوق أخرج له أبو داود وحده.
ما جاء في الإشارة في الصلاة
شرح حديث: (أن النبي كان يشير في الصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإشارة في الصلاة. حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه المروزي و محمد بن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أنس بن مالك : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلا) ]. أورد أبو داود رحمه الله الإشارة في الصلاة، وهي أن يشير الإنسان بيده لأمر من الأمور، والإشارة إذا كانت لحاجة فقد جاءت بها السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما إذا كانت لغير حاجة فلا تسوغ، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليه وهو في الصلاة رد بالإشارة، ومر بنا قريباً حديث سهل بن سعد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار لأبي بكر أن يمكث مكانه.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يشير في الصلاة)
قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه المروزي ]. أحمد بن محمد بن شبويه المروزي ثقة، أخرج له أبو داود وحده. [ و محمد بن رافع ]. هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قال: حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ] أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذا الحديث فيه الزهري وهو من صغار التابعين، يروي عن أنس بن مالك وهو من صغار الصحابة، وقد عمر حتى أدركه صغار التابعين، ومنهم الزهري الذي يروي عنه هنا.
شرح حديث النهي عن الإشارة في الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة بن الأخنس عن أبي غطفان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال يعني في الصلاة والتصفيق للنساء، من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد لها) يعني: الصلاة. قال أبو داود : هذا الحديث وهم ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد لها) معناه: أنه يعيد الصلاة وأنه يستأنفها، وهذا يحمل على ما إذا كان لغير حاجة، أما إذا كان لحاجة فقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. والحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو متكلم في روايته، وفيه أيضاً أن أبا داود رحمه الله قال: هذا وهم.
تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الإشارة في الصلاة
قوله: [ حدثنا عبد الله بن سعيد ]. عبد الله بن سعيد هو أبو سعيد الأشج وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يونس بن بكير ]. وهو صدوق يخطئ أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق يدلس، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن، وهو هنا يروي بالعنعنة، والمدلس إذا روى بالعنعنة ولم يأت ما يقوي روايته، فإنه لا يثبت الحديث في ذلك. [ عن يعقوب بن عتبة بن الأخنس ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي غطفان ]. قيل: اسمه سعد بن طريف أو سعد بن مالك المري المدني ، ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . وبعض العلماء تكلم في أبي غطفان لكن وثق، و الحافظ في التقريب ممن وثقه، وحديث محمد بن إسحاق حسناً إذا سلم من التدليس، وهو هنا قد روى بالعنعنة. وفيه أيضاً يونس بن بكير صدوق يخطئ، وقول أبي داود : (هذا وهم)، لا أدري ما مقصوده بذلك؛ لكن من حيث الإسناد فيه من هو صدوق يخطئ، وفيه من هو مدلس، وقد روى بالعنعنة.
ما جاء في مسح الحصى في الصلاة
شرح حديث النهي عن مسح الحصى في الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في مسح الحصى في الصلاة. حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي الأحوص شيخ من أهل المدينة، أنه سمع أبا ذر يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي مسح الحصى في الصلاة، والمقصود بمسحه تسويته حتى يسجد عليه، وذلك إذا كان مكان السجود فيه حصى، ويكون فيه شيء من الارتفاع والانخفاض. والحكم أنه يمسح مرة واحدة ولا يكرر المسح؛ لأن المقصود تسوية المكان الذي يسجد فيه، فإذا كان هناك أمر يدعو إلى ذلك فمرة واحدة كما سيأتي في الحديث الثاني. وأما إذا كان لغير حاجة فلا يفعل الإنسان ذلك، بل يسجد دون أن يمسح. قوله: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فإن الرحمة توجهه فلا يمسح الحصى) هذا يدل على أن الحصى لا يمسح أبداً في الصلاة؛ لأن فيه مواجهة الرحمة للإنسان إذا ترك الحصى على ما هو عليه، لكن الحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثابت هو الحديث الذي بعد هذا، وهو أنه إذا كان ولا بد فمرة واحدة من أجل ألا يشوش الحصى على الإنسان في صلاته بأن يكون تحت جبهته. فإذاً: هذا الحديث الذي فيه أن الرحمة تواجهه غير ثابت؛ وذلك لوجود أحد رواته هو سبب تضعيف الحديث وعدم الاحتجاج به.
تراجم رجال إسناد حديث النهي عن مسح الحصى في الصلاة
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. قد مر ذكره. [ عن أبي الأحوص ]. هو شيخ من أهل المدينة، وهو أبو الأحوص الذي سبق وأن مر بنا قريباً يروي عن أبي ذر ويروي عنه الزهري وذلك في حديث (لا يزال الله مقبلاً على العبد ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه) فإن ذلك الذي في الإسناد هو هذا الذي في هذا الإسناد، وهو أبو الأحوص قال هنا: شيخ من أهل المدينة، وقال هناك، مولى بني ليث، وهو لا يروي عنه إلا الزهري ، وقد قيل: إنه مجهول؛ لأنه لم يرو عنه إلا واحد، وقال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، وقد أخرج له أصحاب السنن. [ أنه سمع أبا ذر ]. هو جندب بن جنادة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث جواز مسح الحصى مرة في الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ جدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن معيقيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمسح وأنت تصلي، فإن كنت لابد فاعلاً فواحدة، تسوية الحصى) ]. أورد أبو داود حديث معيقيب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمسح وأنت تصلي، فإن كنت ولا بد فاعلاً فواحدة، تسوية الحصى) يعني: من أجل تسوية الحصى، وسواء كان ذلك قبل الصلاة أو في الصلاة، يمكن للإنسان أن يسوي المكان قبل أن يدخل في الصلاة حتى لا يحتاج إلى التسوية في الصلاة، إذا كانت الأرض فيها انخفاض وارتفاع بسبب الحصى، وإن دخل وهو لم يسو فله أن يسويها مرة واحدة، ولا يكرر ذلك، والمعنى أن هذا الفعل يكون للحاجة، ويكون مرة واحدة؛ لأنه إذا سوي في المرة الأولى بقيت الأرض متساوية على ما هي عليه، فلا يكرر تسويتها في كل ركعة، وإنما يسوي في الركعة الأولى، وهذا هو الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن فيه مصلحة، لأن الأرض إذا كان فيها انخفاض وارتفاع تجعل الرأس يميل إذا سجد عليها بسبب الحصاة الناتئة، فكونه يسوي الحصى عند الحاجة لا بأس بذلك، كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث جواز مسح الحصى مرة في الصلاة
قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن معيقيب ]. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث مسلسل بالرواة الذين خرج لهم أصحاب الكتب الستة.
ما جاء في الرجل يصلي مختصراً
شرح حديث: (نهى رسول الله عن الاختصار في الصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يصلي مختصراً. حدثنا يعقوب بن كعب حدثنا محمد بن سلمة ، عن هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختصار في الصلاة). قال أبو داود : يعني: يضع يده على خاصرته ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي (باب الرجل يصلي مختصراً). يعني: أن الاختصار لا يسوغ، لكن ما المراد بالاختصار؟ سبق لأبي داود رحمه الله أن عقد الترجمة فقال: (باب التخصر والإقعاء في الصلاة)، وأورد حديث عبد الله بن عمر الذي فيه أن رجلاً صلى بجواره ووضع يده على خاصرته، فنهاه عبد الله بن عمر فقال: هذا هو الصلب في الصلاة، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهناك أتى في الترجمة بالتخصر، وجاء التنصيص على كون الفعل وضع يده على خاصرته في الصلاة، ولكن هنا قال: (باب الاختصار في الصلاة)، وهناك أورد حديث ابن عمر وهنا أورد حديث أبي هريرة ، والمعنى واحد من حيث إن الاختصار هو وضع اليد على الخاصرة، ولكن لماذا أعاد هنا الترجمة؟ قال: لأن في الحديث احتمالات، قالها بعض أهل العلم في تفسير الاختصار، أما ذاك فليس فيه احتمالات، لأنه هناك وضع يده على خاصرته فنهاه، وأما هنا فقال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختصار في الصلاة). إذاً: الاختصار الذي جاء في حديث أبي هريرة أورد بعض أهل العلم احتمالات غير احتمالات وضع اليد على الخاصرة، فمنهم من قال: يعتمد على مخصرة وهي العصا، فلما كان هناك احتمالات أتى بهذا الحديث في هذا الباب، وفسره أبو داود بأنه وضع اليد على الخاصرة، وعقبه بالباب الذي فيه الاعتماد على العصا، فلما كان فيه احتمال أن يكون المراد بالاختصار الاعتماد على مخصرة في الصلاة. فإذاً: قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختصار في الصلاة)، معناه، أن يضع يده على خاصرته، ويكون مثل حديث ابن عمر الذي سبق أن مر في باب التخصر في الصلاة، ولعل هذا هو السبب الذي جعل أبا داود رحمة الله عليه يعقد هذه الترجمة مع أن تلك الترجمة السابقة تشابهها؛ ليبين أن احتمال غير وضع اليد على الخاصرة غير صحيح.
تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن الاختصار في الصلاة)
قوله: [ حدثنا يعقوب بن كعب ]. يعقوب بن كعب ثقة، وحديثه أخرجه أبو داود وحده. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الباهلي الحراني وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن، ومحمد بن سلمة إذا جاء في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، فالمراد به الباهلي الحراني ، وإذا جاء في طبقة شيوخ أبي داود فالمراد به المرادي المصري ، فمحمد بن سلمة المرادي المصري هذا شيخ أبي داود ، ومحمد بن سلمة الباهلي الحراني و أبو داود لم يدركه ولم يرو عنه إلا بواسطة، فبهذا يميز بين المصري و الحراني . [ عن هشام ]. هو هشام بن حسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن سيرين ]. محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، عن أبي هريرة وقد مر ذكره.
الأسئلة
حكم تصفيق النساء خارج الصلاة
السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (التصفيق للنساء) هل هو خاص بالصلاة، أم يعم خارجها؟
الجواب: حتى في خارج الصلاة، فالمرأة عندما تريد أن تنبه بشيء لا تسبح، كما لو طرق الباب أحد أو استأذن، فإنها لا تسبح ولكنها تصفق.
حكم التصفيق للرجال خارج الصلاة
السؤال: ما حكم استعمال الرجال التصفيق للتشجيع أو التهييج؟
الجواب: لم تأت بذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يكون عند ظهور أمر مستحسن أو أمر طيب هو التكبير وليس التصفيق، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا حصل شيء يعجبهم يكبرون، كما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: (أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، قالوا: الله أكبر)، وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أشيع أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه فجاء مغضباً، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة قد اعتزل نساءه، فجاء إليه وقال: (يا رسول الله! أطلقت نساءك؟ قال: لا، فقال عمر : الله أكبر الله أكبر) يعني: هذا شيء طيب وشيء حسن، فما صفق، وإنما قال: الله أكبر. فالسنة عند الأمور المستحسنة وعند ذكر الأمور التي تعجب أن يكبر الإنسان ولا يصفق.
حكم دخول الحائض المسجد
السؤال: هل يجوز دخول الحائض المسجد؟
الجواب: الحائض تعتزل المصلى وتعتزل المساجد، وقد جاء في صلاة العيدين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض والعواتق وذوات الخدور أن يشهدن الصلاة، وقال: ويعتزل الحيض المصلى) فالحائض لا تدخل المسجد ولا تجلس فيه، ولكن إذا حصل اضطرار إلى مرور أو ما إلى ذلك مع أمن التلويث فلها ذلك، أما أن تدخل المسجد وتبقى فيه، فليس لها ذلك.
من اكتوى أو استرقى خرج من السبعين ألفاً
السؤال: إنسان ابتلي بمرض، فطلب الرقية واكتوى، وهو في حالة اضطرار، فهل يخرج من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب؟
الجواب: الحديث واضح بأن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، وهو إذا حصل له ذلك الشيء الذي ليس فيه صفات أولئك السبعين ألفاً، فعليه أن يجتهد في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا حصل له دخول الجنة فهو على خير وإن لم يكن مع السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب.
حكم تسمية المساجد بأسماء الأشخاص
السؤال: يوجد في بلدنا مسجد مسمى بيزيد بن أبي سفيان ، فهل تجوز تسمية هذا المسجد بهذا الاسم؟
الجواب: تسمية المساجد بأسماء الأشخاص لم يأت فيها شيء يدل على الثبوت ولا على المنع، والأمر في ذلك واسع."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [120]
الحلقة (151)
شرح سنن أبي داود [120]
ورد في بعض الأحاديث الشريفة جواز اعتماد المصلي على عصا إذا احتاج إلى ذلك، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الكلام في الصلاة، وورد أنه يسوغ للمصلي أن يصلي قاعداً في الفرض إن عجز عن القيام، وأن يصلي مضطجعاً إن عجز عن القعود، ويجوز لكل متنفل أن يصلي قاعداً، لكن أجره على النصف من أجر القائم.
الرجل يعتمد في الصلاة على عصا
شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يعتمد في الصلاة عصا. حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي حدثنا أبي عن شيبان عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف قال: قدمت الرقة، فقال لي بعض أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: غنيمة، فدفعنا إلى وابصة قلت لصاحبي: نبدأ فننظر إلى دله فإذا عليه قلنسوة لاطئة ذات أذنين وبرنس خز أغبر، وإذا هو معتمد على عصا في صلاته، فقلنا له بعد أن سلمنا، فقال: حدثتني أم قيس بنت محصن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم، اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه) ].
كلمة عن موت الشيخ الألباني رحمه الله تعالى
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء) . هذا الحديث الشريف يدلنا على أهمية العلم، وعلى عظم شأن العلماء، وأن فقدهم وذهابهم إنما هو قبض للعلم، وأن الله عز وجل لا يقبض العلم من قلوب الرجال بحيث يكون الإنسان عنده علم ثم يصبح وليس عنده علم، وإنما يقبض العلم بموت العلماء، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر). هذا هو شأن العلماء وهذه هي منزلتهم، حيث وصفهم النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنهم وُرّاث الأنبياء، ونعم الميراث ذلك الميراث، ألا وهو العلم الشرعي النافع المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو العلم الحقيقي الذي هو علم الكتاب والسنة. وإن قبض العلماء -كما جاء في كلام بعض أهل العلم- ثلمة في الدين، ونقص للمسلمين، وإن مما حصل في الليلة الماضية أنه قد توفي العالم الكبير والمحدث الشهير العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله وغفر له، وهو في الحقيقة عالم كبير، ومحدث مشهور، وله جهود عظيمة في خدمة السنة، وفي العناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان مصادر تلك الأحاديث، والكتب التي ذكرتها، وبيان درجتها من الصحة والضعف، ومن ذلك هذا الكتاب الذي نشرحه وهو سنن أبي داود ، فإن له فيه وفي غيره جهوداً، حيث اعتنى بذكر ما صح وما ضعف، فجهوده عظيمة، وخدمته للسنة مشهورة، ولا يستغني طلبة العلم عن الرجوع إلى كتبه وإلى مؤلفاته، فإن فيها الخير الكثير وفيها العلم الغزير، وإن ذهاب مثل هذا العالم نقص على المسلمين ومصيبة، ونسأل الله عز وجل أن يعوض المسلمين خيراً، وأن يوفق المسلمين لما فيه الخير، وأن يوفق طلبة العلم للعناية بتحصيله وطبله ومعرفته، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم. وهو رحمة الله عليه وإن كان له بعض الآراء التي نعتبره قد أخطأ فيها، ولكنها مغمورة في بحور صوابه، وفيما حصل على يديه من الخير والنفع للمسلمين من خدمة سنة المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذه الأمور التي حصلت منه -والتي نعتبرها أخطاء- هو مجتهد فيها، وهو مأجور على اجتهاده، ولكن ذلك لا يجعل الإنسان يتساهل أو يتهاون في علمه الكثير الغزير، وفي نفعه العظيم العميم، فإنه بحق من العلماء الأفذاذ الذين اشتهروا في هذا العصر، والذين لهم جهود في خدمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي بداية النصف الأول من هذا العام -الذي هو عام عشرين بعد الأربعمائة والألف- فقد المسلمون فيه عالماً كبيراً من العلماء الربانيين، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، وتوفي في آخر النصف الأول أيضاً من هذا العام العالم الكبير والمحدث المشهور: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله عز وجل، وقد توفي بينهما الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله الذي كان يدرس على هذا الكرسي، فهؤلاء علماء قد فقدناهم في النصف الأول من هذا العام، فنسأل الله عز وجل أن يغفر للجميع وأن يتجاوز عنهم، وأن يرفع درجاتهم، فإن هذين العالمين -فيما نحسب- من العلماء الكبار الجهابذة المحققين الذين عندهم العناية الفائقة بالعلم، وعندهم الهمة العالية، وقد حصل على أيديهم الخير الكثير، والنفع العظيم للإسلام والمسلمين، فجزاهم الله عز وجل أحسن الجزاء، وغفر لهم وتجاوز عن سيئاتهم، وختم لنا جميعاً بخاتمة السعادة، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم. قوله: [باب الرجل يعتمد في الصلاة على العصا]. يعني: هل له ذلك أو ليس له ذلك؟ فالمصلي إذا كان محتاجاً إلى أن يستعمل العصا وأن يعتمد عليها في قيامه فله ذلك، وقد جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أنهم كانوا يفعلون ذلك، وجاء في ذلك هذا الحديث الذي أورده أبو داود في هذا الباب، ولكنه حديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن ضعفه العالم المحدث الذي توفي في الليلة الماضية: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله . ومقتضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، لكن هذا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق؛ لأن فيه من هو ضعيف، ولا يعول على حديثه ولا يحتج به. ولكن قد جاء عن بعض الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك في صلاة التراويح، ومن المعلوم أن القيام في الصلاة من أركان الصلاة وإذا كان الإنسان يقدر على أن يقوم، ولكنه إذا كان يحتاج إلى أن يعتمد على عصا فله ذلك، وقد جاء ذلك عن بعض الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكان سبب الحديث أن أحد رواته جاء إلى مكان يقال له: الرقة، -وهي بلد معروف- فقيل له: هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني: هل لك رغبة في أن تلتقي برجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا يدلنا على أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم لما كانوا موجودين في زمن التابعين، كان التابعون يعتبرون الالتقاء بهم من أجل المكاسب ومن أعظم الغنائم، وكانوا يحرصون على أن يلقوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة هم الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي يلقاهم ينظر إلى العيون التي نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن عيون الصحابة رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان التابعون هم الذين يرون الصحابة، وقرن التابعين يلي قرن الصحابة في الفضل. فهذا التابعي لما قيل له: [ هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ] كان جوابه عظيماً: [ قلت: نعم، غنيمة ] يعني: رؤيته ولقيه غنيمة. وهذا يدلنا على عظم منزلة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولهذا فرح هذا الرجل بذلك، وسُر به؛ لأنه عرض عليه أن يحصل على غنيمة كبيرة وعلى نعمة عظيمة، ألا وهي رؤية رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: [ فذهبنا إلى وابصة ] وهو وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا وهم ذاهبون إليه: [ ننظر أولاً إلى دله ] يعني: هيئته ولباسه والكيفية التي يكون عليها، قال: [ فذهبنا إليه ] وهذا يدلنا على أن التابعين يحرصون على أن يعرفوا هيئة الصحابة، وعلى دل الصحابة، وهيئة اللبس التي يكون عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قال: [ فوجدنا عليه قلنسوة لاطئة ] يعني: ملتصقة برأسه [ لها أذانان، وعليه برنس خز، لونه أغبر ] والخز هو لباس من الصوف، والبرنس هو الذي يكون رأسه مرتبط به، فما يغطى به الرأس يكون ملتصقاً بالقميص من الخلف، بحيث ينزع عن الرأس ويعاد على الرأس، ولون ذلك البرنس أغبر كلون التراب. فجاءوا إليه ووجدوه يصلي، فلما سلموا قالوا له في ذلك فروي عن أم قيس بنت محصن الأسدية الحديث الذي ذكره أبو داود ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم، اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكن الحديث كما عرفنا غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيام هو ركن من أركان الصلاة، ولا يجوز للإنسان أن يصلي جالساً مع قدرته على القيام، وإذا كان يقدر وليس عليه مشقة في أن يقوم -ولو كان معتمدا ًعلى عصا- فإن هذا هو الذي ينبغي له، وبعض أهل العلم يقول: يصلي جالساً، ولكن الأولى والأحوط في الدين أن يقوم الإنسان ما دام قادراً على القيام، حتى ولو كان معتمداً على عصا؛ لأن في ذلك أخذاً بالأحوط، واطمئناناً إلى كون الإنسان يؤدي ما عليه بارتياح وطمأنينة.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً ..)
قوله: [ حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي ]. وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم في المقدمة و أبو داود . [ عن أبيه ]. هو عبد الرحمن بن صخر الوابصي، وهو مجهول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن شيبان ]. هو ابن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حصين بن عبد الرحمن ]. هو حصين بن عبد الرحمن السلمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن يساف ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن وابصة ]. هو وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أم قيس بنت محصن الأسدية ]. وهي أخت عكاشة بن محصن الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، حيث جاء في آخره أن عكاشة بن محصن قال: (يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة). وأم قيس صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
ما جاء في النهي عن الكلام في الصلاة
شرح حديث النهي عن الكلام في الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن الكلام في الصلاة. حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال: (كان أحدنا يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة فنزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) ]. أورد أبو داود رحمه الله النهي عن الكلام في الصلاة، وقد سبق أن مر بنا قريباً حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه الذي شمت رجلاً وهو يصلي، وأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم نظروا إليه، فتعجب من نظرهم إليه، وأنه رآهم يسكتونه فسكت، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال عليه الصلاة والسلام: (إن الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتحميد وذكر الله عز وجل)، فكانوا قبل ذلك يتكلمون في صلاتهم. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أنهم قبل أن ينزل قول الله عز وجل: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] كان الرجل يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة، وقد جاء في بعض الأحاديث أن الرجل يطلب حاجته ويقول: ائتني بكذا واذهب بكذا واعمل كذا، وكانوا في الصلاة، وهذا مثلما يكون في الطواف فالطواف مثل الصلاة يحتاج إلى طهارة ولكن أبيح فيه الكلام. قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، أي: ساكتين، والقنوت يأتي لمعان عديدة ومنها السكوت، والمقصود هنا أنهم يكونون ساكتين في صلاتهم لا متكلمين، وإنما يتكلمون بذكر الله عز وجل وقراءة القرآن والتسبيح وما إلى ذلك من الأمور المطلوبة، ولهذا فإن العاطس إذا عطس يحمد الله؛ لأن حمد الله ذكر لله عز وجل، ولكن المشمت لا يشمت لأن التشميت خطاب، حيث يقول: يرحمك الله، فهو يخاطب شخصاً، والذي يقول: الحمد لله، لا يخاطب أحداً، وإنما يذكر الله عز وجل، فيجوز للعاطس أن يحمد الله عز وجل ويكون ذلك سراً، ومن سمعه ليس له أن يشمته؛ لأن التشميت كلام، والكلام ممنوع في الصلاة. وعلى هذا فإن الكلام كان سائغاً في الصلاة وبعد أن نزل قول الله عز وجل وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] قال زيد رضي الله عنه: (أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام). وإذا كان هناك أمر فإنه يكون بالإشارة كما تقدم في باب الإشارة في الصلاة. وعلى هذا فإن الكلام في الصلاة لا يسوغ ولا يجوز وإنما يكون فيها قراءة القرآن وذكر الله عز وجل وحمده والثناء عليه وغير ذلك مما ورد في الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الكلام في الصلاة
قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى هو الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن أبي خالد ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحارث بن شبيل ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن أبي عمرو الشيباني ]. واسمه سعد بن إياس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أرقم ]. زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ]. إذا قال الصحابة: (أمرنا ونهينا) فإن الآمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والناهي لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه إذا قال أمرت ونهيت فإن الآمر له هو الله سبحانه وتعالى، كما مر في الحديث (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم.). ولكن في هذه الآية الكريمة: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] أمر من الله عز وجل لعباده المؤمنين في الوحي الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه الذي يتلى، حيث أمروا بالقيام قانتين، أي: ساكتين غير متكلمين. ولهذا قال الصحابي الجليل: [ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ].
ما جاء في صلاة القاعد
شرح حديث: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صلاة القاعد. حدثنا محمد بن قدامة بن أعين قال: حدثنا جرير عن منصور عن هلال -يعني ابن يساف - عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: (حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة، فأتيته فوجدته يصلي جالساً، فوضعت يدي على رأسي فقلت فقال: مالك يا عبد الله بن عمرو قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة وأنت تصلي قاعداً، قال: أجل، ولكني لست كأحد منكم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب صلاة القاعد، وهي إما أن تكون في فرض وإما أن تكون في نفل، فالفرض لا يجوز للإنسان أن يصليه قاعداً إلا إذا عجز عن القيام: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وإذا لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه وهو نائم على فراشه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وسيأتي حديث عمران بن الحصين في ذلك. وإذا صلى المريض جالساً وهو لا يستطيع أن يصلي قائماً فإن أجره لا ينقص عن حال صحته وعافيته؛ لأنه لم يصل جالساً إلا بسبب المرض والعذر الذي أقعده، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، وهو الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله وهو صحيح مقيم). والحديث أورده البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد، وهو حديث واضح الدلالة على أن المريض الذي يصلي الفرض قاعداً له الأجر كاملاً. أما بالنسبة للنافلة فإذا كان الإنسان يصلي النافلة وهو عاجز فله الأجر كاملاً، أما إذا كان يصلي النافلة وهو قادر على أن يقوم فإنه يجوز له ذلك، ولكن أجره على النصف من أجر القائم، وقد جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه هذا الذي أورده أبو داود في سننه قال: حُدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة) يعني: له نصف الأجر، وهذا إنما هو في النافلة. وقوله: [ حُدثت ]. إذا قالب: الصحابي (حدثت) فالذي يحدثه بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يسمى مرسل صحابي، وهو أن يروي الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يسمعه منه، ومراسيل الصحابة حجة. وقد ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده يصلي قاعداً، فوضع يده على رأسه متعجباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم له الأجر الكامل وله الأجر العظيم، فكيف يصلي جالساً مع أن أجر من يصلي جالساً على النصف من أجر الذي يصلي قائماً، فقال: ( مالك يا عبد الله بن عمرو ) أي: مالك وضعت يدك على رأسك للتعجب؟ فقال: إني حُدثت أنك قلت كذا، وإني رأيتك تصلي قاعداً، قال: (نعم، ولكني لست كأحد منكم) فهذا يدلنا على أن من قدر على القيام وصلى جالساً في النوافل فإن صلاته صحيحة وله أجر نصف القائم في الصلاة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون له الأجر كاملاً كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة)
قوله: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين ]. هو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة ]. [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال يعني ابن يساف ]. وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي يحيى ]. وهو الأعرج ، واسمه مصدع وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة الذين هم عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير ، وهم من صغار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وهؤلاء الأربعة صحابة أبناء صحابة.
شرح حديث جواز التنفل قائماً وقاعداً ومضطجعاً
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً فقال: (صلاته قائماً أفضل من صلاته قاعداً، وصلاته قاعداً على النصف من صلاته قائماً، وصلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً فقال: (صلاته قائماً أفضل من صلاته قاعداً..) وهذا إنما هو في النوافل، وأما الفرائض فليس فيها مفاضلة بل القيام لازم لابد منه في حق القادر عليه. فهو يدلنا على جواز الصلاة في النافلة جالساً ولكن الصلاة قائماً تكون أفضل؛ لأن فيها تحصيل الأجر الكامل، وأنه إذا صلى جالساً فهو على النصف من صلاة القائم، أي أن له نصف أجر صلاة القائم. ثم قال: (وصلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً) أي: أنه على الربع بالنسبة للصلاة قائماً. وهذا الحديث يدل على أن للإنسان أن يتنفل وهو مضطجع على فراشه، وقد قال بذلك بعض أهل العلم، وبعض أهل العلم لم يقل به. ولكن الأولى والخير للإنسان والأكمل له أن يعمد وأن يقصد إلى ما هو الأتم والأفضل والأكمل، ألا وهو الصلاة قائماً حتى يحصل على الأجر كاملاً.
تراجم رجال إسناد حديث جواز التنفل قائماً وقاعداً ومضطجعاً
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو ابن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي. [ عن يحيى ]. هو ابن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حسين المعلم ]. هو ابن ذكوان المعلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمران بن حصين ]. وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو نجيد ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث عمران بن حصين في صلاة المريض
قال المصنف رحمه اللهتعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن حسين المعلم عن ابن بريدة عن عمران بن حصين قال: كان بي الناصور، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) ]. أورد أبو داود حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه وهو يتعلق بصلاة الفريضة؛ لأنها لابد فيها من القيام في حق من يقدر عليه، وليس له أن يصلي قاعداً، ولابد من القعود في حق من يقدر عليه ولا يقدر على القيام، وليس له أن يصلي على جنبه إذا كان يقدر على أن يصلي جالساً، فكما يروي عمران بن الحصين أنه كان به الناصور، وفي بعض الروايات (البواسير) وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب). يعني: لا ينتقل من القيام إلى الجلوس إلا عند عدم استطاعته على القيام، ولا ينتقل من الجلوس إلى أن يصلي على جنبه إلا إذا كان لا يستطيع أن يجلس، وهذا من فضل الله عز وجل وتيسيره في شرعه، حيث إنه شرع للناس ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه). فالأمر قيد بالاستطاعة والنهي لم يقيد باستطاعة؛ لأن النهي مستطاع مطلقاً، والأمر قد يستطاع وقد لا يستطاع؛ لأن فيه تكليفاً و لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]. فإذا قال قائل: احمل هذه الصخرة، فهذا أمر، والصخرة قد يستطيع الإنسان حملها وقد لا يستطيع، لكن إذا قيل: لا تدخل من هذا الباب فإنه يستطيع ألا يدخل؛ لأنه ترك فلا يقال إنه لا يستطيعه.
تراجم رجال إسناد حديث عمران بن حصين في صلاة المريض
قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. هو صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن طهمان ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حسين المعلم عن ابن بريدة عن عمران بن حصين ]. وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
كيفية صلاة القاعد
الحديث هنا مطلق في كيفية القعود، قال بعض أهل العلم: ولكون الحديث مطلقاً لم يقيد فإن للإنسان أن يصلي متربعاً وهو جالس، وله أن يجلس مفترشاً ومتوركاً. ومن المعلوم أنه في حالة الجلوس بين السجدتين وفي التشهد يكون على هيئة ذلك في حق الذي يصلي قائماً، بحيث يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى إذا كان في التشهد الأول، ويتورك إذا كان في التشهد في الثاني. وفي المسألة خلاف، فقال بعض العلماء: يصلي متربعاً، ومنهم من قال: يصلي متوركاً، ومنهم من قال: يصلي مفترشاً، والحديث مطلق وليس فيه بيان كيفية القعود، فقال بعض أهل العلم: إن الأمر في ذلك واسع، وقد جاء عن عائشة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً والعلماء إنما اختلفوا في الأفضل، هل الأفضل أن يصلي متربعاً أو يصلي مفترشاً أو يصلي متوركاً. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه صلى متوركاً، أورد ذلك الحديث الحافظ في (بلوغ المرام) وعزاه إلى النسائي وقال: صححه ابن خزيمة ، أن عائشة رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً، وذكر في الرواية أن حالة الجلوس للتشهد وبين السجدتين تختلف عن حالة القيام، ولكن بعض أهل العلم قال: إطلاق الحديث يدل على أن الأمر في ذلك واسع. وقد يقال: أيهما أفضل: أن يصلي المريض قاعداً على كرسي أو على الأرض؟ والجواب: أن الأمر في ذلك واسع؛ لأن بعض الناس قد يسهل عليه أن يجلس على الكرسي، إذ قد يكون من مرضه أنه لا يقدر على ثني رجليه، فإذا كان يشق عليه الجلوس على الأرض صلى جالساً على كرسي، وإذا كان يستطيع القيام ولكنه لا يستطيع السجود صلى وهو قائم، وإذا جاء إلى حالة السجود يجلس على كرسي أو يجلس على الأرض.
شرح حديث عائشة في الجلوس في صلاة النفل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة أنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالساً قط، حتى دخل في السن فكان يجلس فيها فيقرأ، حتى إذا بقي أربعون أو ثلاثون آية قام فقرأها ثم سجد) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها ما رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل جالساً قط، ومعناه أنه كان يصلي الليل قائماً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقد مر بنا أن صلاة القائم أفضل من صلاة القاعد، وكون الإنسان يحصل الأجر الأكمل مع قدرته عليه هو الذي ينبغي، ولكن لما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسن كان عليه الصلاة والسلام يصلي وهو قاعد ويقرأ ما يقرأ من القرآن قاعداً، وإذا بقي مقدار ثلاثين آية أو أربعين آية قام وقرأها وهو قائم، ثم ركع وسجد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يدلنا على أن مثل هذه الحالة سائغة وأن الإنسان له أن يصلي بعض الركعة وهو قائم وبعضها وهو جالس، وله أن يبدأ الصلاة جالساً ثم يقوم، وله أن يبدأ الصلاة قائماً ثم يجلس.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الجلوس في صلاة النفل
قوله: [ حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ]. هو المصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي لقبه الإمام أحمد بشيخ الإسلام. [ عن زهير ]. هو ابن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير ، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، هي الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث صلاة النبي قائماً وقاعداً في صلاة الليل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن يزيد و ابن النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو جالس، وإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم ركع ثم سجد، ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك)، قال: أبو داود رواه علقمة بن وقاص عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ]. ثم أورد حديث عائشة رضي الله عنها من طريق آخر، وهو مثل الذي قبله.
تراجم رجال إسناد حديث صلاة النبي قائماً وقاعداً في صلاة الليل
قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. عن [ عبد الله بن يزيد ]. هو مولى الأسود ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و ابن النضر ]. هو سالم بن أبي أمية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي أم المؤمنين، وقد مر ذكرها في الإسناد الذي قبل هذا. [ قال أبو داود : رواه علقمة بن وقاص ] أي: علقمة بن وقاص الليثي . [ عن عائشة نحوه ] أي: نحو الحديث المتقدم، يعني أنه قريب منه في الألفاظ، وأما المعنى فهو متفق معه؛ لأنه إذا قيل: مثله، فهو مطابق في اللفظ والمعنى، وإذا قيل: نحوه، فهو متفق في المعنى ومختلف في بعض الألفاظ. و علقمة بن وقاص الليثي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار التابعين؛ لأنه هو الذي يروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حديث (إنما الأعمال بالنيات..)، وفي سنده ثلاثة من التابعين واحد من كبارهم وواحد من أوساطهم وواحد من صغارهم فعلقمة بن وقاص الليثي من كبار التابعين، و محمد بن إبراهيم التيمي من أوساط التابعين، و يحيى بن سعيد الأنصاري من صغار التابعين.
شرح حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً ..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال: حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد قال: سمعت بديل بن ميسرة و أيوب يحدثان عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً، فإذا صلى قائماً ركع قائماً وإذا صلى قاعداً ركع قاعداً) ]. أورد حديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً). أي: أنه يحصل منه القيام ويحصل منه القعود، فإذا قائماً وهو قائم ركع وهو قائم، وإذا صلى جالساً ركع وهو جالس بالإشارة وبالإيماء، وقد عرفنا أن هذا إذا صلى قاعداً واستمر في قعوده، أما إذا صلى قاعداً ثم قام فإنه يركع وهو قائم كما مر في حديث عائشة المتقدم، وأنه كان إذا بقي عليه ثلاثون آية أو أربعون آية قام وركع. فكان إذا صلى قائماً ركع وهو قائم، وإذا صلى جالساً ركع وهو جالس، أي: بالإشارة، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً)
قوله: [ حدثنا مسدد عن حماد بن زيد ]. مسدد قد مر ذكره، و حماد بن زيد هو البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بديل بن ميسرة ]. و بديل بن ميسرة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ و أيوب ]. هو ابن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن شقيق ]. هو عبد الله بن شقيق العقيلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عائشة ]. وقد مر ذكرها.
شرح حديث عائشة في صلاة النبي قاعداً حين حطمه الناس
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن شقيق قال: (سألت عائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة في ركعة؟ قالت: المفصل، قال: قلت: فكان يصلي قاعداً؟ قالت: حين حطمه الناس) ]. أورد المصنف حديث عائشة رضي الله عنها أن عبد الله بن شقيق العقيلي رحمة الله عليه سأل عائشة : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة في الركعة؟ فقالت: المفصل. تعني: من المفصل، والمفصل من سورة (ق) إلى آخر القرآن، هذا هو حزب المفصل؛ لأن القرآن سبعة أحزاب كما كان الصحابة يقسمونه. (قال: قلت أكان يصلي جالساً ؟ قالت: حين حطمه الناس). تعني: لما كبر وحصل له الهموم والأعباء التي تحملها، فإنه عند ذلك كان يصلي جالساً صلى الله عليه وسلم، ويقال: حطم فلاناً أهله، إذا تحمل من أعبائهم ما تحمل وجعله ذلك منهكاً متعباً، فهذا هو المقصود من قولها (حطمه الناس) فلما حصل له ذلك كان يصلي جالساً صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يصلي جالساً قط كما قالت عائشة إلا لما أسن وكبر صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صلاة النبي قاعداً حين حطمه الناس
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ عن يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن كهمس بن الحسن ]. كهمس بن الحسن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن شقيق عن عائشة ]. وقد مر ذكرهما. والله أعلم."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [121]
الحلقة (152)
شرح سنن أبي داود [121]
الجلوس للتشهد من أركان الصلاة، وقد كان بعض الصحابة يرمقون جلوسه صلى الله عليه وسلم في التشهد حتى يفقهوا عنه صلاته، فحكوا لنا كيفية جلوسه وكيف كان يضع يديه، وكيف كان يشير بأصبعه في التشهد، وغير ذلك.
كيف الجلوس في التشهد
شرح حديث وائل في جلوس التشهد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كيف الجلوس للتشهد. حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه قال: قلت: (لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فكبر، فرفع يديه حتى حاذتا بأذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع رفعهما إلى مثل ذلك، قال: ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ووضع يديه: اليسرى على فخذه اليسرى، وحد مرفقه الأيمن على فخذه الأيمن، وقبض ثنتين وحلق حلقة، ورأيته يقول هكذا وحلق بشر الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة) ]. التشهد هو قراءة: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، وسمي تشهداً لأنه مشتمل على التشهد وهو: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد، أن محمداً رسول الله، أي: الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. والصلاة إما أن يكون فيها تشهد واحد، وإما أن يكون فيها تشهدان، فإن كانت ثنائية ففيها تشهد واحد، وإن كانت ثلاثية أو رباعية ففيها تشهدان: التشهد الأول والتشهد الأخير الذي قبل السلام، والجلوس في الصلاة جلوسان: جلوس للتشهد الأول، وجلوس للتشهد الأخير. وقد اختلف العلماء في كيفية الجلوس في التشهد وغير التشهد، فمنهم من قال: إن الجلوس يكون بالافتراش مطلقاً، وهو أن يفرش رجله اليسرى ويقعد عليها، وينصب الرجل اليمنى ويجعل أصابعها متجهة إلى القبلة. وقال بعضهم: بالتورك مطلقاً، أي أنه يخرج رجله اليسرى من تحت ساقه الأيمن إلى جهة اليمين، ويجعل وركه على الأرض. وفرق بعض أهل العلم بين الجلوس بين السجدتين والجلوس في التشهد الأول، فجعل فيهما الافتراش، وجعل في التشهد الأخير في الصلاة التي لها تشهدان: التورك. وقد جاء الافتراش في الجلوس بين السجدتين، وجاء أيضاً الإقعاء، وهو الجلوس على العقبين، كما في حديث ابن عباس حيث قال: (سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، أو هو من السنة)، يعني: أن ينصب قدميه، ويجعل إليتيه على العقبين. وأما التشهد الأول فيفترش فيه، والتشهد الأخير يتورك فيه، وهذا هو ما دل عليه الدليل. وإذا كانت الصلاة ثنائية فهل يتورك فيها أو يفترش؟ ألحق بعض أهل العلم الثنائية بالتشهد الأول، وقال: إنه يفترش فيها، وألحق بعضهم الثنائية بالصلاة التي لها تشهدان، وقال: إنه يتورك؛ لأن هذا الجلوس بعده التسليم، كما أن الصلاة الرباعية يتورك في آخرها في الجلوس الذي بعده التسليم وقد جاء في بعض الأحاديث: (حتى إذا كان الجلوس الذي فيه التسليم..) ، وعلى هذا فهناك قولان: القول الأول: إن الصلاة الثنائية حكمها الافتراش كالتشهد الأول، والقول الثاني: إن الصلاة الثنائية يتورك فيها؛ لأن السلام يأتي بعد ذلك الجلوس، وقد جاء في بعض الروايات أن التورك يكون في الجلوس الذي بعده التسليم، لكن الروايات التي جاء فيها ذكر الجلوس الذي بعده التسليم إنما جاء ذلك في الصلاة الرباعية، فقد ذكر الجلوس الأول ثم ذكر الجلوس الثاني الذي بعده التسليم، وعلى هذا فالقول الأرجح فيما يظهر أن الجلوس في الصلاة الثنائية كالجلوس في التشهد الأول وليس كالجلوس في التشهد الأخير في الصلاة الرباعية، لأنه جاء التنصيص على أن الجلوس في التشهد متوركاً إنما يكون في الصلاة الرباعية ومثلها الثلاثية لأن فيها تشهدين. إذاً فقول المصنف: [ باب كيف الجلوس في التشهد ] معناه بيان الهيئة التي يكون عليها الإنسان جالساً وهو في تشهده، سواء كان الأول أو الآخر، أو الجلوس في الثنائية التي ليس فيها إلا تشهد واحد، والأرجح في هذا كما ذكرت أن الغالب الافتراش بين السجدتين، ويجوز الإتيان بالجلوس على العقبين في بعض الأحيان، وفي التشهد الأول والصلاة الثنائية يكون الافتراش، وفي الصلاة الرباعية أو الثلاثية يكون التورك في التشهد الأخير. وأورد المصنف حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه الذي وصف فيه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ قل (لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي..) ]. قول وائل بن حجر رضي الله عنه: [ قلت ] إما أن يكون قال ذلك في نفسه بمعنى أنه ألزم نفسه وهيأ نفسه لهذا، وأنه يريد أن يفعل ذلك حتى يعرف كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما أن يكون قال ذلك لغيره، وهو دال على حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم وأرضاهم على معرفة السنن ومعرفة الأحكام الشرعية قولاً وفعلاً، وذلك أن وائل بن حجر رضي الله عنه يريد أن يتأمل ويتحقق من كيفيتها ومن هيئتها حتى يكون مقبلاً ومستعداً ومتهيأً ليس عنده غفلة في النظر إلى صلاته صلى الله عليه وسلم، بل يكون عنده الإقبال والرغبة والحرص والتهيؤ، فهذا هو معنى قوله: (لأنظرن إلى صلاة رسول الله.). وعمدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الأسوة والقدوة، ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي). فهذا هو الذي جعل وائل بن حجر رضي الله عنه يقول: [ (لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] ، ثم إنه نفذ ذلك فقال: [ (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فكبر) ]. يعني أنه لابد من القيام في الصلاة، فالإنسان يصلي قائماً إذا كان يستطيع القيام، وأما إذا كان لا يستطيع القيام فإنه يصلي على حسب حاله، كما سبق أن مر بنا في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب). والله تعالى يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، ومر بنا أنه لو صلى الفرض قاعداً مع قدرته على القيام لم تصح صلاته، وأما في النافلة فيصح أن يصلي قاعداً مع قدرته على القيام لكن أجره على النصف من أجر القائم كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (قام فاستقبل القبلة) فيه أنه لابد للإنسان عند القيام للصلاة أن يستقبل القبلة، واستقبالها شرط من شروط الصلاة بالنسبة للفريضة، وكذلك بالنسبة للنافلة إلا إذا كان الإنسان راكباً فإنه يدخل في الصلاة مستقبل القبلة ثم يصلي حيثما توجهت به راحلته كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (وكبر) أي دخل في الصلاة، وهذه هي تكبيرة الإحرام، وهي ركن من أركان الصلاة. وسميت تكبيرة الإحرام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير) أي: أن الإنسان إذا وجد منه التكبير في الإحرام حرم عليه بهذا العمل أمور كانت حلالاً له قبل ذلك، كالأكل والشرب والكلام والالتفات والذهاب والإياب والقيام والقعود وغير ذلك. قوله: [ (ورفع يديه حتى حاذتا بأذنيه) ]. أي: أنه عندما كبر للإحرام رفع يديه حتى حاذتا أذنيه، وهذه هي السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (ثم أخذ شماله بيمينه..) ]. أي: وضع اليمنى على اليسرى على الصدر وذلك بعدما رفع يديه ودخل في الصلاة وكيفيه وضعها أن تكون على الساعد -أي: الذراع- وعلى الرسغ الذي هو المفصل وعلى الكف، فتكون اليد اليمنى على الأمور الثلاثة، ولا تكون على الكف وحده أو على الذراع وحده أو تكون على العضد وإنما تكون على الهيئة التي ذكرنا. قوله: [ (فلما أراد أن يركع رفعهما إلى مثل ذلك) ]. أي: إلى حذاء الأذنين، ورفع اليدين في الصلاة ثبت في ثلاثة مواضع: عند الإحرام، وعند الركوع، وعند رفعه من الركوع، وجاء في صحيح البخاري موضع رابع وهو عند القيام من التشهد الأول في الصلاة التي لها تشهدان، فهذه المواضع الأربعة ثلاثة منها ثبتت في الصحيحين وواحد منها ثبت في صحيح البخاري . قوله: [ (ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضعه يده اليسرى على فخذه اليسرى) ]. هذا فيه اختصار؛ لأنه ما ذكر الركوع. قوله: [ (ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وحد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثنتين وحلق حلقة، ورأيته يقول: هكذا وحلق بشر الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة) ]. يعني جعل الوسطى مع الإبهام حلقة، وأما الخنصر والبنصر فقد قبضهما وأشار بسبابته، وهذه الهيئة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك هيئة أخرى ثبتت وهي أنه يقبض الثلاث من غير تحليق ويشير بالسبابة، وتكون الإبهام على الوسطى ولكن من غير تحليق.
تراجم رجال إسناد حديث وائل في جلوس التشهد
[ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن بشر ]. وهو بشر بن المفضل ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن كليب ]. وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. كليب بن شهاب ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن الأربعة. [ عن وائل بن حجر ]. وائل بن حجر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن.
شرح حديث ابن عمر: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى...)
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى، وتثني رجلك اليسرى) ]. قول الصحابي: سنة الصلاة كذا، أو السنة كذا، أو من السنة كذا، هو في حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابي إذا قال: السنة كذا، أو من السنة كذا فالمراد به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو من الألفاظ التي لها حكم الرفع. ونصب اليمنى أن يجعل أصابعها متجهة إلى القبلة ويجعلها منصوبة، وأما اليسرى فإنه يثنيها، ولكن هذا الثني فيه إجمال، وقد جاء تفصيل ذلك في الأحاديث الأخرى، فجاء أنه بين السجدتين وفي التشهد الأول يثنيها مفترشاً، وفي التشهد الأخير يثنيها متوركاً.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى...)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهي: مذهب الإمام أبي حنيفة ، ومذهب الإمام مالك ، ومذهب الإمام الشافعي ، ومذهب الإمام أحمد ، فهؤلاء الأربعة هم أصحاب المذاهب المشهورة من مذاهب أهل السنة التي حصل لأصحابها تلاميذ عُنوا بمذاهبهم، وجمع أقوالهم، وتنظيمها وترتيبها والتأليف فيها، وهناك علماء مثلهم في العلم وفي الحديث وفي الفقه، مثل الأوزاعي فقيه الشام ومحدثها، و الليث بن سعد فقيه مصر ومحدثها، و سفيان الثوري فقيه الكوفة، و إسحاق بن راهويه فقيه مرو، وغيرهم من العلماء الكبار من أمثالهم، ولكن لم يحصل لهم كما حصل لهؤلاء من التلاميذ، والإمام مالك أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن القاسم ]. هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عبد الله ]. هو عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس ، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس و جابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وأرضاهم.
شرح حديث ابن عمر: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى...) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا ابن معاذ ، حدثنا عبد الوهاب ، قال: سمعت يحيى ، قال: سمعت القاسم يقول: أخبرني عبد الله بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى ]. ثم أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أنه قال هنا: [ ( أن تضجع اليسرى) ]، وقال في الأول: (أن تثني اليسرى)، وقد عرفنا أن هذا فيه إجمال، وأن التفاصيل جاءت في الأحاديث الأخرى، فيفترش في التشهد الأول وبين السجدتين، ويتورك في التشهد الأخير من الصلاة التي لها تشهدان وهي الثلاثية أو الرباعية.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى...) من طريق ثانية
قوله: [ حدثنا ابن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي. [ عن عبد الوهاب ]. هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. وهو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن القاسم عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عمر ]. القاسم هو ابن محمد بن أبي بكر ثقة فقيه، وهو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث ابن عمر: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن يحيى بإسناده مثله ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بإسناده مثله ]. وهو يحيى بن سعيد. وقوله: [ بإسناده مثله ] يعني مثل الذي قبله، وكلمة: (مثله) إذا جاءت فالمقصود بها التماثل في اللفظ والمعنى، وأما إذا قيل: (نحوه) فالمقصود الاتفاق في المعنى مع الاختلاف في اللفظ. [ قال أبو داود : قال حماد بن زيد عن يحيى أيضاً: من السنة كما قال جرير ]. حماد بن زيد هو ابن درهم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال حماد بن زيد عن يحيى أيضاً: من السنة كما قال جرير ]. أي: أن جريراً قال: (سنة الصلاة..) وهنا قال: (من السنة). قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراه جلوس في التشهد وذكر الحديث ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة الذي مر ذكره، وقد ذكره هنا بنسبته فقط، وذكره هناك باسمه واسم أبيه: عبد الله بن مسلمة . [ عن مالك عن يحيى بن سعيد .. ]. مالك مر ذكره، و يحيى بن سعيد مر ذكره.. [ أن القاسم ]. هو القاسم بن محمد . [ أراهم الجلوس في التشهد فذكر الحديث ]. يعني: أنه ينصب اليمنى، ويثني اليسرى، أو: يضجع اليسرى.
شرح مرسل إبراهيم النخعي في اسوداد ظاهر قدم النبي من الافتراش
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا هناد بن السري عن وكيع عن سفيان عن الزبير بن عدي عن إبراهيم أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة افترش رجله اليسرى حتى اسود ظهر قدمه)]. أورد أبو داود هذا الحديث وهو من مراسيل إبراهيم النخعي . وقوله: [ (افترش رجله اليسرى حتى اسود ظاهر قدمه) ] أي: الذي يكون على الأرض، وذلك من ملاصقته للأرض، والمعنى: أنه تغير لكونه يماسّ ويباشر الأرض، وهذا غير ثابت؛ لأنه مرسل، فإبراهيم النخعي من التابعين ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعي إذا أضاف شيئاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرسل. ومن المعلوم أن إبراهيم النخعي كثيراً ما يروي عن التابعين كعلقمة و الأسود ، فالحديث هنا غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الافتراش فثابت، لكن هذا الوصف الذي ذكره من الاسوداد لظاهر قدمه صلى الله عليه وسلم لمباشرة الأرض فإنما جاء من هذه الطريق المرسلة، والمرسل في علم المصطلح من أقسام الضعيف. وإنما كان غير ثابت لا لكون الذي سقط فيه هو الصاحبي، فإنه لو عرف أنه لم يسقط منه إلا لصحابي فإن ذلك لا يؤثر؛ لأن الصحابة كلهم عدول رضي الله عنهم وأرضاهم، ولكن السبب احتمال أن يكون قد سقط تابعي مع الصحابي، وإذا كان الساقط تابعياً فيحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً، فلهذا رُدّ المرسل واعتبر غير حجة، ولكنه إذا اعتضد بشيء يقويه، أو جاء ما يؤيده فإنه يحتج به.
تراجم رجال إسناد مرسل إبراهيم النخعي في اسوداد ظاهر قدم النبي من الافتراش
قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ثقة، وكنيته توافق اسم أبيه، ومعرفة من وافقت كنيته اسم أبيه نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدته ألا يظن التصحيف فيما إذا جاء هناد أبو السري ، فالذي لا يعرف ذلك سيقول: إن (ابن) صُحِّفت إلى (أبو)، وكلمتا (أبي وابن) قريبتان من بعض فالتصحيف ممكن، ولكن حيث يعلم بأن الكنية موافقة لاسم الأب يعرف أنه لا تصحيف، فإذا جاء هناد بن السري فهو صحيح، وإن جاء هناد أبو السري فهو صحيح لأنه هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. وهو الثوري إذا جاء سفيان يروي عنه وكيع وهو مهمل غير منسوب فالمراد به الثوري ، وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن الزبير بن عدي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. وهو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ذكر التورك في الرابعة
شرح حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي وذكر التورك
قال المصنف رحمه الله: [ باب من ذكر التورك في الرابعة. حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، قال: أخبرنا عبد الحميد يعني: ابن جعفر ، ح: وحدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا عبد الحميد يعني: ابن جعفر حدثني محمد بن عمرو عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: سمعته في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أحمد: قال: أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء أنه قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة رضي الله عنه، قال أبو حميد : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فاعرض، فذكر الحديث قال: ويفتح أصابع رجليه إذا سجد، ثم يقول: الله أكبر ويرفع، ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، فذكر الحديث قال: حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الأيسر. زاد أحمد : قالوا صدقت! هكذا كان يصلي، ولم يذكرا في حديثهما الجلوس في الثنتين كيف جلس؟ ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي باب من ذكر التورك في الرابعة. التورك: هو أن ينصب اليمنى، ويخرج اليسرى من تحت ساقه اليمنى إلى جهة يمينه، ويجعل مقعدته أو وركه على الأرض، وسمي توركاً لأنه يجلس على وركه. وأما الافتراش فهو أن تكون الرجل فراشاً له يقعد عليها. قوله: (باب من ذكر التورك في الرابعة) يعني: في الصلاة التي لها تشهدان حيث يجلس متوركاً في التشهد الأخير من الصلاة الرباعية والثلاثية. وأورد حديث أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه كان في مجلس فيه عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو قتادة الأنصاري فقال: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول هذا لأنه يريد أن يتلقوا عنه هذه الصفة، وهذا من حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على تبليغ السنن وعلى بيان الأحكام الشرعية، وذلك أن الإنسان إذا بلغ السنن وأخذت عنه يكون له مثل أجور كل من استفادوا من دعوته وإرشاده وتبليغه وتعليمه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه من غير أن ينقص من آثامهم شيئاً). وأيضاً كانوا يريدون أن يعرفوا تمكنهم، فيريد أبو حميد أن يعرف تمكنه من معرفة كيفية صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تؤخذ عنه، وهذا يدلنا على فضل الصحابة ونبلهم وعلى علو منزلتهم وعظيم قدرهم وحرصهم على تلقي السنن وإبلاغها للناس، كما سبق أن مر بنا قول وائل بن حجر : لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهنا يقول أبو حميد : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فاعرض! أي: صف لنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوصفها، فقالوا: صدقت، أي: أنت صادق فيما قلت، وكان هذا الذي قاله مطابق لما عندهم وموافق لما عندهم. قوله: [ قال: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فاعرض فذكر الحديث ]. وهنا اختصار لأنه يريد أن يبين محل الشاهد، ولا يريد أن يذكر الحديث بطوله فأشار إليه اختصاراً بقوله: فذكر الحديث، ثم أتى بالأشياء التي يريد أن يبينها والتي تتعلق بالترجمة وهي ذكر التورك في الرابعة. قوله: [ (قال: ويفتح أصابع رجليه إذا سجد) ]. إذا سجد فإنه ينصب القدمين ويجعل أصابعهما متجهة إلى القبلة، والفتح قيل هو الثني، أي أنه يثنيها بحيث تكون متجهة إلى القبلة. قوله: [ (ثم يقول: الله أكبر ويرفع) ]. أي: ويرفع من السجود. قوله: [ (ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها) ]. هذا هو الافتراش. قوله: [ ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك ]. أي: يفعل في السجدة الأخرى كما فعل في السجدة الأولى. قوله: [ (فذكر الحديث) ]. وهذا أيضاً اختصار، فقد ذكر أولاً [ فذكر الحديث ]، ثم ذكر شيئاً منه ثم قال: [ فذكر الحديث ]، ومعناه أن هناك حذفاً للاختصار. قوله: [ (قال: حتى إذا كان في السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الأيس) ]. السجدة التي فيها التسليم أي الركعة التي بعدها التسليم، فإذا كان بعد الركعة التي بعدها التسليم أخر رجله اليسرى عما كانت عليه من قبل، فقد افترشت وجلس عليها المصلي، وأما في السجدة الأخيرة أخرها إلى جهة اليمين حتى دخلت من تحت الساق اليمنى، وأفضى بروكه إلى الأرض. وأما في السجدة الأخيرة فأخرها إلى جهة اليمين حتى دخلت من تحت الساق اليمنى، وأفضى بوركه إلى الأرض، فصار الاعتماد على الأرض وليس على الرجل، فهذا هو التورك، وهو أن يؤخرها عن موضعها الأول الذي كان في حال الافتراش إلى جهة اليمين حتى يفضي بوركه اليسرى إلى الأرض ويعتمد على الأرض. [ وزاد أحمد قالوا: صدقت هكذا كان يصلي ]. أحمد هو أحد الشيخين لأبي داود في هذا الحديث الذي جاء من طريقين، وهو الإمام أحمد بن حنبل . قوله: [ (قالوا: صدقت) ] أي: في حديثه، فقد أيدوه في علمه، وأنه خبير بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل أيضاً على فضل الصحابة ونبلهم، والاعتراف بالفضل لصاحبه، ويدل أيضاً على تمكنه رضي الله عنه وأرضاه في معرفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال: ولم يذكرا في حديثهما الجلوس في الثنتين كيف جلس ]. يعني: شيخي أبي داود وهما أحمد و مسدد . والجلوس بين الثنتين هو جلوس التشهد الأول، فلم يذكرا في حديثهما كيفية الجلوس في التشهد الأول.
تراجم رجال إسناد حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي وذكر التورك
[حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، صاحب أحد المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد ]. وهو أبو عاصم النبيل ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري ، ولهذا يروي عنه أبو داود بواسطة، وقد روى عنه البخاري بعض الأحاديث الثلاثية؛ لأنه من كبار شيوخه. [ عن عبد الحميد - يعني: ابن جعفر - ]. يعني أنه جاء في الإسنادين باسمه ولم يذكر نسبه، وقال من دون الإمام أحمد ومن دون مسدد وهو أبو داود ، أو من دون أبي داود : يعني ابن جعفر ، وكلمة (يعني) هذه يأتي بها من دون التلميذ؛ ليميز هذا الشخص، أو ليزيد في توضيح هذا الشخص، ولا يحذف القارئ كلمة (يعني) حتى يعرف أنها جاءت من غير التلميذ، ولو قيل: عبد الحميد بن جعفر لفهم أن هذا كلام التلميذ، ولكن لما قال التلميذ: عبد الحميد فقط ولم يزد عليها. أضاف من دونه ما يوضح ذلك الشخص الذي اسمه عبد الحميد وأتى بكلمة (يعني)، وكلمة (يعني) هذه فعل مضارع لها قائل ولها فاعل، ففاعلها ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، وقائلها من دون التلميذ. و عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا مسدد ]. لفظة: [ ح ] هي للتحول من إسناد إلى إسناد، و مسدد مر ذكره. [ عن يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الحميد -يعني ابن جعفر - ]. هو الذي مر في الإسناد الأول، وهو ملتقى الإسنادين. [ عن محمد بن عمرو ]. وهو محمد بن عمرو بن عطاء ، وهو ثقة أخرج له أصحب الكتب الستة. [ عن أبي حميد الساعدي ]. واسمه المنذر بن مالك رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته.
شرح حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عيسى بن إبراهيم المصري ، حدثنا ابن وهب عن الليث ، عن يزيد بن محمد القرشي ويزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، ولم يذكر أبا قتادة رضي الله عنه، قال: فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى، فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى وجلس على مقعدته ]. أورد أبو داود حديث أبي حميد من طريق أخرى، وفيه بيان الجلوس في التشهد الأول مفترشاً وفي التشهد الأخير متوركاً، وقد ذكر عن محمد بن عمرو بن عطاء التابعي أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن في هذه الرواية لم يقل: فيهم أبو قتادة كما قال في الرواية السابقة، وذكر في الرواية السابقة أنهم عشرة، وهنا قال: [نفر]. قوله: [ قال: فإذا جلس في الركعتين ] يعني في التشهد الأول، [ جلس على رجله اليسرى ] يعني: افترشها، ومعنى ذلك: أن الجلوس في التشهد الأول يكون بالافتراش كما يكون بين السجدتين. وقوله: [ فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى وجلس على مقعدته ] أي: أنه قدمها إلى جهة اليمين، وهي بمعنى الرواية السابقة التي ذكرت أنه أخرها إلى جهة اليمين، وجلس على مقعدته على الأرض.
تراجم رجال إسناد حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي من طريقة ثانية
[ حدثنا عيسى بن إبراهيم المصري ]. هو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن ابن وهب ] هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الليث ] هو الليث بن سعد بن المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن محمد القرشي ] وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ ويزيد بن أبي حبيب ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو بن حلحلة ]. وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد ] وقد مر ذكرهما.
شرح حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو العامري أنه قال: كنت في مجلس بهذا الحديث، قال فيه: فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى ونصب اليمنى، فإذا كانت الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة ]. ثم ورد حديث أبي حميد من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله في الفرق بين التشهد الأول والأخير؛ بأن التشهد الأول فيه افتراش، والتشهد الأخير فيه تورك.
تراجم رجال إسناد حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي من طريق ثالثة
[ حدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن لهيعة ]. عبد الله بن لهيعة المصري ، وهو صدوق ساء حفظه لما احترقت كتبه، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو العامري ]. محمد بن عمرو العامري هو محمد بن عمرو بن عطاء نعم. و ابن لهيعة كما هو معلوم اختلط لما احترقت كتبه، لكن هذه الطريق موافقة للطريقة السابقة، والطريقة السابقة صحيحة وليس فيها إشكال، إذاً فهذا الذي جاء من هذا الطريق ثابت لأنه مؤيد ومتفق مع الطريق السابقة.
شرح حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي من طريق رابعة
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم ، قال: حدثنا أبو بدر قال: حدثني زهير أبو خيثمة ، قال: حدثنا الحسن بن الحر ، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن مالك عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه، فذكر فيه قال: فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو جالس، فتورك ونصب قدمه الأخرى، ثم كبر فسجد، ثم كبر فقام ولم يتورك، ثم عاد فركع الركعة الأخرى فكبر كذلك، ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام قام بتكبير، ثم ركع الركعتين الأخريين، فلما سلم سلم عن يمينه وشماله. قال أبو داود : لم يذكر في حديثه ما ذكر عبد الحميد في التورك والرفع إذا قام من ثنتين ]. ثم أورد أبو داود حديث أبي حميد الساعدي من طريق أخرى وليس فيه ذكر التورك، ولكن فيه أمور أخرى غير التورك الذي ترجم له. قوله: [ عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه ] أي: أنه من العشرة الذين كانوا في ذلك المجلس الذي فيه أبو حميد ، والحديث مروي عن أبي حميد وليس عن أبيه سهل بن سعد ، وكان أبوه من الجالسين، فقد مر في الرواية السابقة أنهم عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أبو قتادة ، وذكر هنا أن فيهم أيضاً سهل بن سعد الساعدي . قوله: [فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه]، هذا فيه وصف السجود.
تراجم رجال إسناد حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي من طريق رابعة
قوله: [حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم ]. علي بن الحسين بن إبراهيم صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [حدثنا أبو بدر ]. هو شجاع بن الوليد السكوني ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني زهير أبو خيثمة ]. هو زهير بن معاوية أبو خيثمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الحسن بن الحر ]. الحسن بن الحر ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [حدثنا عيسى بن عبد الله بن مالك ]. عيسى بن عبد الله بن مالك مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي ، أنه كان في مجلس فيه أبوه]. هو عباس بن سهل الساعدي ، وهو ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي ، وأبوه هو سهل بن سعد الساعدي الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [قال أبو داود : لم يذكر في حديثه ما ذكر عبد الحميد في التورك والرفع]. عبد الحميد هو عبد الحميد بن جعفر ، وهو صدوق ربما وهم، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
الأسئلة
عدم انحصار الحق في المذاهب الأربعة
السؤال: ذكرتم بارك الله فيكم في الشرح أن الإمام مالكاً رحمه الله من أئمة المذاهب الأربعة المشهورة المتبوعة، ويوجد أئمة آخرون كالأوزاعي و سفيان الثوري وغيرهما، فهل الحق مقتصر على ما ذهب إليه الأئمة الأربعة، وما عداه من الاجتهادات فباطلة ومخالفة للحق؟
الجواب: هذا كلام غير صحيح، ومن قال إن الحق مقصور على هؤلاء الأئمة الأربعة وإنه لا يتعداهم ولا يتجاوزهم إلى غيرهم؟ فمن المعلوم أن الأئمة الأربعة مجتهدون وغيرهم من أمثالهم مجتهد كالأوزاعي و الثوري و إسحاق بن راهويه و الليث بن سعد وغيرهم من المحدثين والفقهاء، ولكن الذي وقع أن هؤلاء حصل لهم أتباع، وأما أولئك فلم يحصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء. وليس الحق منحصراً في كلام الأئمة الأربعة، نعم إن كثيراً من المسائل أو أكثر المسائل يكون الحق والدليل مع واحد منهم، لكن هناك بعض المسائل التي اتفقوا عليها كان الدليل فيها مع القول الآخر، وذلك مثل مسألة طلاق الثلاث، فقد كانت تعد واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر ، ثم قال عمر رضي الله عنه: إن الناس استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم! فأمضاه عليهم، فالحديث ثابت عن رسول الله صلى لله عليه وسلم باعتباره واحدة، والأئمة الأربعة متفقون على أنه يقع ثلاثاً.
فتح المرأة على الإمام في القراءة في الصلاة
السؤال: إذا صليت مع زوجتي وكنت إماماً فهل تفتح علي بالقراءة أو تصفق إن أخطأت؟
الجواب: إذا صلت الزوجة مع زوجها فوقوفها يكون وراءه، ولا يجوز أن تصف بجواره؛ لأن موقف المرأة لا يكون بجوار الرجال، وإنما يكون وراء الرجال حتى لو كانا اثنين فقط، فالرجل يصلي أمامها وهي تصلي وراءه، ولا تصلي بجواره، وإذا فتحت عليه فلا بأس بذلك؛ لأن التصفيق يكون للخطأ في غير القراءة، أي: أنه بدل من التسبيح، أما القراءة ففيها الفتح.
قضاء المريض للصلاة إذا أغمي عليه بسبب العلاج
السؤال: هل يجب على المريض أن يقضي الصلاة إذا أعطي البنج أو أصابه إغماء بسبب العلاج؟ وإذا كان يلزمه القضاء فهل هناك تحديد للمدة؟
الجواب: ذكر بعض العلماء أن الإغماء إذا طال وتجاوز الثلاثة أيام فإنه لا يُقضى، ويكون شبيهاً بالجنون، فالمجنون ليس عليه قضاء، وأما إذا كان أقل من ذلك فإنه يقضى، ويقال: إنه شبيه بالنائم، وهذا هو القول الصحيح.
حكم جمع الصلاة في حق المريض
السؤال: هل يجوز للمريض أن يجمع بين الصلاتين؟
الجواب: نعم يجوز له أن يجمع بين الصلاتين، فقد جاءت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ويجوز في هذا أن يكون جمع تقديم أو جمع تأخير، لكن ليس له أن يقصر.
حكم الدعاء عند قراءة الإمام لآية (إياك نبعد وإياك نستعين)
السؤال: ما حكم قول: (استعنا بالحي الدائم) عند قراءة الإمام: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]؟
الجواب: لم تثبت بهذا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يصلح أن يقال.
الراجح في مسألة الضم بعد الركوع
السؤال: مسألة وضع اليدين بعد الرفع من الركوع أو إرسالهما موضع خلاف بين العلماء، فما الراجح في ذلك؟
الجواب: الراجح -والله أعلم- أن توضع اليمنى على اليسرى بعد الركوع، فقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث ذكر الصحابي راوي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة وضع اليمين على الشمال، وكلمة (قائماً) يدخل تحتها القيام قبل الركوع والقيام بعد الركوع، لأن الكل يقال له قيام، لأن المصلي له أحوال أربعة لا خامس لها: فهو إما قائم والقيام قبل الركوع وبعده، وإما راكع، وإما ساجد، وإما جالس، والجلوس يكون بين السجدتين وفي التشهدين، فقوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة وضع اليمين على الشمال) يشمل ما قبل الركوع وما بعد الركوع وهذا هو الدليل على مشروعيته. وبعض أهل العلم يقول: إنه لا يشرع بعد الركوع، وذلك أن الذين وصفوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتفصيل ما تعرضوا لصفة وضع اليدين بعد الركوع، بل سكتوا، فهذا هو دليل الذين قالوا بأنها لا توضع والذين قالوا بأنها توضع.
حكم امتناع المرأة عن زوج تكرهه
السؤال: امرأة تبغض زوجها لسوء معاملته، وهو يمسكها ضراراً مع أنها تطيق نفسياً معاشرته، فهل يجوز لها الامتناع عليه؟
الجواب: ما دامت في عصمته وعنده فلا يجوز أن تمنع نفسها منه، ولكن إذا كانت لا تطيق البقاء معه فلها أن ترفع الأمر إلى المحكمة، والحاكم يحكم بينهما.
حكم التسبيح بسبحة إلكترونية
السؤال: هل يجوز التسبيح بسبحة إلكترونية، يعني بالأرقام؟
الجواب: يكون التسبيح بالأصابع، هكذا ثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما التسبيح بسبحة سواء كانت ذات خرز أو يضغط على آلة فتعد، فهذا لا نعلم شيئاً يدل عليه، وبعض أهل العلم يعتبره من البدع المحدثة، وأقل أحواله أن يكون خلاف الأولى، فعلى الإنسان أن يترك ذلك العمل ولا يشغل نفسه به، ويعد التسبيح بأصابعه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [122]
الحلقة (153)
شرح سنن أبي داود [122]
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، وكل ما ورد عن الصحابة من صيغ للتشهد صحيحة يمكن أن تقال، على ألا يجمع بينها بل تذكر كل واحدة منفردة.
ما جاء في التشهد
شرح تشهد ابن مسعود مع زيادة الدعاء
قال المصنف رحمه الله: [ باب التشهد: حدثنا تميم بن المنتصر قال أخبرنا إسحاق -يعني: ابن يوسف- عن شريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: كنا لا ندري ما نقول إذا جلسنا في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم فذكر نحوه. قال شريك : وحدثنا جامع -يعني: ابن شداد - عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه بمثله قال: وكان يعلمنا كلمات ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد: (اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها، وأتمها علينا) ]. مر حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من الطريق الأولى التي فيها أنهم كانوا يقولون: السلام على الله قبل عباده، السلام على فلان وفلان، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام ومنه السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) وقد مر الكلام عليه، وبيان ما يتعلق به من أحكام. ثم أورد أبو داود رحمه الله طريقاً أخرى لهذا الحديث، وأحال على الحديث المتقدم فقال: [ عن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا لا ندري ما نقول إذا جلسنا في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم.. فذكر نحوه ]، أي: كنا لا ندري ما نقول في الصلاة من الدعاء والذكر في التشهد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم. قوله: [ فذكر نحوه ] أي نحو متن الحديث المتقدم، والمعنى وجود اتفاق في المعنى مع اختلاف في بعض الألفاظ. وقوله: [ وكان رسول الله صلى لله عليه وسلم قد علم ]، أي: علمه الله عز وجل، وهذا يدل على أن سنة رسول الله صلى لله عليه وسلم وحي من الله تعالى، ولهذا يقول الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] فما يأتي به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو من ربه سبحانه وتعالى، سواء كان قرآناً أو سنة، إلا أن القرآن يتعبد بتلاوته والعمل به، والسنة يتعبد بالعمل بها، فالقرآن والسنة يتعبد بالعمل بهما ولا يفرق بينهما، ومن لا يعمل بالسنة لا يعمل بالقرآن، ومن يلتزم بالسنة فهو ملتزم بالقرآن؛ لأن السنة شارحة للقرآن ومفسرة له، ودالة عليه، ومبينة لما أجمل فيه. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن السنة إنما هي من الله؛ فمن ذلك حديث أنس في فرائض الصدقة، حيث قال أبو بكر : (هذه فريضة الصدقة التي فرضها الله على رسوله)، ثم ذكر التفاصيل التي جاءت فيها، أي: أن ما جاء في السنة إنما هو من الله. وكذلك الحديث الذي قال فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (يغفر للشهيد كل شيء)، ثم إنه قال بعد ذلك: (إلا الدين، سارني به جبريل آنفاً)، يعني نزل جبريل باستثناء الدين، فهذا يوضح أن السنة وحي من الله سبحانه وتعالى. وقوله: [ فذكر نحوه ] أي نحو حديث عبد الله بن مسعود المتقدم في الطريق الأولى المشتملة على التشهد المشهور المعروف الذي قال به أكثر العلماء، وقدموه على غيره، وقد عرفنا أن كل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صيغ التشهد فإن الأخذ به حق وصحيح، وللإنسان أن يأتي بهذا أو بهذا، ولكن لا يجمع بينها بأن يأتي بصيغة التشهد التي رواها ابن مسعود ، وصيغة التشهد التي رواها ابن عباس ، وصيغة التشهد التي رواها ابن عمر ، وصيغة التشهد التي رواها أبو موسى ، وصيغة التشهد التي رواها عمر ، وإنما يأتي بصيغة واحدة، ولكن كل صيغة صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الأخذ بها أخذ بالحق، وسبق أن ذكرت أن هذا الاختلاف من قبيل اختلاف التنوع وليس من قبيل اختلاف التضاد؛ لأن هذه أنوع للحق، فالذي أخذ بتشهد ابن مسعود قد أصاب، والذي يأخذ بتشهد ابن عباس قد أصاب، والذي يأخذ بتشهد فلان أو فلان مما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب. ثم بعد ذلك ذكر الطريق الأخرى التي عن شريك والتي فيها ما تقدم إلا أن فيها زيادة دعاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إياه، ولكن لم يكن يعلمهموه كما يعلمهم التشهد، أي أن الاهتمام والعناية به أخف وأقل من عنايته بالتشهد.
تراجم رجال إسناد تشهد ابن مسعود مع زيادة الدعاء
قوله: [ حدثنا تميم بن المنتصر ]. ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا إسحاق -يعني: ابن يوسف - ]. هو إسحاق بن يوسف الأزرق ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: [يعني] أتى بها من دون تميم بن المنتصر تلميذ إسحاق بن يوسف الأزرق، وهو إما أبو داود أو من دون أبي داود ، وأتى بها لأن تميم بن المنتصر لما حدث عن شيخه إسحاق لم يزد على كلمة [عن إسحاق ] وهذا ما يسمونه في علم المصطلح بالمهمل، أي: الذي ذكر اسمه ولم ينسب، وهو نوع من أنواع علوم الحديث. فتلميذه ما زاد على كلمة [ عن إسحاق ] ولكن من دونه أراد أن يبين من هو إسحاق وأتى بكلمة [يعني] ولم يقل: إسحاق بن يوسف ؛ لأنه لو قال: إسحاق بن يوسف لفهم أن هذا كلام تلميذه تميم بن المنتصر ، وكلمة [يعني] فعل مضارع فاعلها ضمير مستتر يرجع إلى إسحاق بن يوسف الأزرق ، وقائلها أبو داود أو من دون أبي داود . [ عن شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً، واختلط لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. لكن الرواية المتقدمة التي أحال عليها في الحديث السابق قد جاءت من الطريق السابقة ومن غيرها، فهي ثابتة من هذه الطريق ومن الطرق الأخرى، وأما زيادة الدعاء التي جاءت بعد ذلك فلم تأت إلا من هذه الطريق، ولا أدري هل يرويها أبو داود يرويها عن شريك بالإسناد المتقدم إليه، أو أنه معلق وأن الواسطة بينه وبين شريك بالنسبة للزيادة التي زادها سقطت. [ عن أبي إسحاق ]. وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الأحوص ]. هو عوف بن مالك ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن الأربعة، وهذا غير أبي الأحوص الذي سبق أن مر في حديثين حيث روى عن أبي ذر حديث: (لا يزال الله مقبلاً على العبد ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه) وحديث بعده وهو حديث النهي عن مسح المصلي الحصى فإن الرحمة تواجهه، يرويه أبو الأحوص شيخ من أهل المدينة عن أبي ذر ، وفي رواية أنه مولى بني ليث أو مولى بني غفار، وهو الذي لم يرو عنه إلا الزهري ، وهو يروي عن أبي ذر ، وهو مجهول، وقال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، فهذا غير ذاك، هذا ثقة وذاك إما مجهول وإما مقبول، وحديثه لا يصح، والاثنان في طبقة التابعين. وهناك شخص يقال له أبو الأحوص وهو من طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، ويأتي ذكره كثيراً في الأسانيد، وهو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة. [ عن عبد الله بن مسعود ] عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وبعض العلماء يعده من العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الصحيح كما قاله بعض أهل العلم أن ابن مسعود ليس معهم، وإنما هم من صغار الصحابة وهم متقاربون في السن، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود ، وأما ابن مسعود فقد توفي قديماً سنة اثنتين وثلاثين، وأما وفاة هؤلاء فكانت بعد الستين، والعبادلة الأربعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم هم: عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. [ قال شريك : وحدثنا جامع -يعني ابن شداد - ] وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي وائل ]. وهو شقيق بن سلمة ، يأتي ذكره في بعض الروايات باسمه، ويأتي ذكره بكنيته كما هنا، وهو ثقة مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بمثله ]. أي: مثل حديث ابن مسعود المتقدم؛ فالأول قال (نحوه)، والثاني قال (بمثله)، وكلمة (بمثله) تعني المماثلة في الألفاظ والمعاني، وكلمة (نحوه) تعني المماثلة في المعاني مع اختلاف في شيء من الألفاظ. [ قال: وكان يعلمنا كلمات ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد ]. أي: أنه كان يعلمهم كلمات، لكن تعليمهم إياها كان دون تعليمهم التشهد في الاهتمام والعناية، ولذا جاء في بعض الروايات عن ابن مسعود في التشهد: أن كفه كانت بين كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على الاهتمام والعناية، وأيضاً كون ابن مسعود يخبر بهذا يدل على ضبطه لما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من يتقن الهيئة التي كان عليها عند التحديث بالحديث فذلك يدل على أنه قد ضبط الحديث، ويقولون: إن الحديث إذا كان له قصة فذلك يدل على ضبط الراوي، وذلك مثل قول ابن عمر رضي الله عنه في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: كن في الدنيا كأنك غريب) فكذلك ابن مسعود يقول: ( كانت كفي بين كفيه) يعني علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه، ثم ذكر هذا الدعاء، ومعناه واضح. و الألباني ضعف هذه الزيادة التي فيها الدعاء، وأما معناه فهو مستقيم، والإنسان يدعو بأي دعاء مستقيم، لكنه يختار الأدعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواية تشهد ابن مسعود المسلسلة بالأخذ باليد
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة، فذكر مثل دعاء حديث الأعمش : إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد ] أورد أبو داود حديث ابن مسعود من طريق أخرى، ولم يذكر لفظها ولكن أحال على الطريق الأولى التي جاءت من طريق الأعمش ، وقال بعد ذلك: [ فإذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد ]. وهذا الكلام لا يعني أن الصلاة انتهت بالتشهد؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) فلا يتحلل الإنسان من الصلاة إلا بالتسليم الذي هو ركن من أركان الصلاة فقد قال عليه الصلاة والسلام: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) أي: بدايتها التكبير ونهايتها التسليم، ومعنى: (تحريمها التكبير) ، أي: أنه إذا قال: (الله أكبر) فقد حرم عليه كل ما كان حلالاً قبل ذلك من الأكل والشرب والكلام والذهاب والإياب والحركة وغير ذلك، ويستمر كذلك إلى أن يسلم، فإذا سلم حل له ما حرم عليه بسبب تكبيرة الإحرام، وهذا معنى (تحليلها التسليم) أي: إذا سلم فقد انتهت الصلاة، وحل له أن يأكل ويشرب ويتكلم ويلتفت؛ لأنه فرغ من صلاته. إذاً: قوله: [ (إذا قضيت ذلك فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد) ]، يعني: إذا قضيت معظم صلاتك؛ لأن الصلاة نهايتها بالتسليم، ولا يكون الانتهاء من الصلاة قبل ذلك، ولو أحدث قبل أن يسلم فإنه يتوضأ ويعيد الصلاة. وذكر بعض أهل العلم: أن هذا مدرج من كلام ابن مسعود ، وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد رواية تشهد ابن مسعود المسلسلة بالأخذ باليد
قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحسن بن الحر ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن القاسم بن مخيمرة ]. وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ قال: أخذ علقمة بيدي ]. هو علقمة بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و علقمة و الأسود من أصحاب ابن مسعود ، ومكثران من الرواية عنه. [ أن عبد الله بن مسعود ]. وقد مره ذكره، وفيه: أن ابن مسعود حدثه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيده، وابن مسعود حدث علقمة وهو آخذ بيده، وعلقمة حدث القاسم بن مخيمرة وهو آخذ بيده، وهذا يسمونه المسلسل، وهو هنا مسلسل بالأخذ باليد.
شرح حديث تشهد ابن عمر
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا نصر بن علي حدثني أبي حدثنا شعبة عن أبي بشر سمعت مجاهداً يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد: (التحيات لله، الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) -قال: قال ابن عمر : زدت فيها: وبركاته- السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله -قال ابن عمر : زدت فيها: وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ]. بعد أن فرغ من ذكر طرق تشهد ابن مسعود انتقل إلى التشهد الذي رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتشهد ابن عمر هو: (التحيات لله الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله). ففي أوله اختلاف عن تشهد ابن مسعود ، حيث يقول: (التحيات لله والصلوات والطيبات) ففيه عطف بواو العطف بين الصلوات والطيبات والتحيات، وأما تشهد ابن عمر فليس فيه واو عطف. وقد قيل: إن واو العطف محذوفة، وقيل: إن بعضها صفة لبعض، فالطيبات تكون صفة للصلوات. وواو العطف جاء حذفها في القرآن والسنة، ومما جاء في القرآن قول الله عز وجل: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ [الغاشية:1-8] فقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ) معطوفة على قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) ولكن حذفت واو العطف، ومما جاء في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم حديث: (يخرج الإنسان من صلاته لم يكتب له إلا تسعها إلا ثمنها) يعني: إلا كذا وإلا كذا وإلا كذا، فحذفت واو العطف. وبعض أهل العلم اختار تشهد ابن مسعود لأن فيه عطف تلك الكلمات بعضها على بعض، بما يفيد أن معانيها مختلفة، بخلاف ما حذف منه واو العطف لاحتمال أن تكون صفات، ومن المعلوم أنها إذا كانت صفات قلت الكلمات وقلت المعاني، فيكون تشهد ابن مسعود أولى. قال: [ (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ]، وهذا متفق عليه في جميع صيغ التشهد. وفي هذا الحديث: أن ابن عمر قال: [ زدت: وبركاته ]، أي: في السلام على النبي، والمقصود: أن الذي حفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بدون [وبركاته] . ثم قال: [ (أشهد أن لا إله إلا الله قال ابن عمر : زدت: وحده لا شريك له) ] وهذه أيضاً زادها على ما حفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تأكيد لـ: (لا إله إلا الله) ، فكلمة: (وحده) مؤكدة لـ (إلا الله)، وكلمة (لا شريك له) مؤكدة لـ(لا إله)، فقدم المؤكد الخاص على المؤكد العام، مثل قول الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] فهي تعادل (لا إله إلا الله)؛ لأن (اجتنبوا الطاغوت) معناها: لا إله، و(اعبدوا الله) معناها: إلا الله، فكل رسول يدعو إلى كلمة الإخلاص والتوحيد، وإلى إفراد الله بالعبادة ونفي العبادة، عن كل من سوى الله. قوله: [ (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ]. هذا مطابق لما تقدم في حديث ابن مسعود المتقدم، ومعناه أن الاختلاف الذي بين تشهد ابن عمر وتشهد ابن مسعود كائن في الكلمات الأولى وذلك بإثبات وحذف واو العطف، ويختلف عنه أيضاً في زيادة: (وحده لا شريك له) بعد قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله).
تراجم رجال إسناد حديث تشهد ابن عمر
قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، اسمه واسم أبيه مطابق لاسم جده وجد أبيه وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. هو علي بن نصر بن علي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشر ]. هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ، يقال له: ابن أبي وحشية وهو مشهور بكنيته: أبو بشر ، وأيضاً مشهور بنسبته: ابن أبي وحشية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت مجاهداً ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث تشهد أبي موسى
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن قتادة ح وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال: (صلى بنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، فلما جلس في آخر صلاته قال رجل من القوم: أقرت الصلاة بالبر والزكاة، فلما انفتل أبو موسى أقبل على القوم فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرم القوم، فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرم القوم، قال: فلعلك يا حطان أنت قلتها؟ قال: ما قلتها، ولقد رهبت أن تبكعني بها، قال: فقال رجل من القوم: أنا قلتها، وما أردت بها إلا الخير، فقال أبو موسى : أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلمنا وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال: (إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين، يجبكم الله، وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم، فإن الله تعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك، فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول: التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) لم يقل أحمد : وبركاته، ولا قال: وأشهد، قال: وأن محمداً ]. أورد أبو داود تشهد أبي موسى الأشعري ، لأن أبا داود ذكر تشهد ابن مسعود أولاً، ثم ذكر تشهد ابن عمر ، ثم ثلث بتشهد أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ويرويه حطان بن عبد الله الرقاشي . قوله: [ فأرم القوم ] أي: سكتوا وما تكلم أحد. قول حطان : [ ولقد رهبت أن تبكعني بها ] أي: خفت أن تلصقها بي وتضيفها إلي. قول أبي موسى : [ أما تعلمون ما تقولون في صلاتكم؟! ] أي: عليكم أن تتعلموا الأمور المطلوبة منكم في الصلاة، ثم إن أبا موسى رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلمنا وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا. قوله: [ وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا ] يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبين الأحكام في الخطب، وهذا من كمال البيان، ويدلنا على الاهتمام بتعليم أمور الدين، وأن ذلك يكون في الخطب كما يكون في غير الخطب. قوله: [ (إذا صليتم فأقيموا صفوفكم.) ] كان مما حدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صليتم فأقيموا صفوفكم) أي: سووا صفوفكم حتى لا يكون فيها فرج، وتسوية الصفوف يكون بملء الصف الأول أولاً، ولا ينشأ الصف الثاني إلا إذا امتلأ الصف الأول، ولا ينشأ الصف الثالث إلا إذا امتلأ الثاني، وهكذا، وإقامة الصفوف إنما يكون بتسويتها والتراص فيها، وألا يكون فيها فرج، وتكون التسوية إلى جهة الإمام، فإذا كان الإمام من جهة اليسار وكانوا عن يمينه تراصوا إلى اليمين، وإذا كانوا عن يساره تراصوا إلى جهة الإمام ولا يذهبون إلى طرف الصف، والصف إنما يبدأ من وراء الإمام، لا من طرف الصف. هذه صفة إقامة الصفوف. قوله: [ (فإذا كبر فكبروا) ] معناه: تابعوه كما قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا ) أي: ليكن تكبيركم بعد تكبيره، لا قبله ولا معه ولا بعده بوقت طويل؛ لأن أحوال الائتمام أربع حالات: إما التقدم والمسابقة، وإما الموافقة له بحيث يكون الإمام والمأموم على حد سواء، فلا يسبق هذا هذا ولا يتأخر هذا عن هذا، وإما المتابعة فإذا فرغ الإمام تبعه المأموم، وإما التخلف عنه مدة، هذه أحوال أربعة المشروع منها هو المتابعة التي يدل عليها قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا كبر فكبروا) أي: فيكون تكبيركم بعد تكبيره مباشرة، لا تسبقونه ولا توافقونه ولا تتأخروا عنه، فلا موافقة ولا تأخر ولا مسابقة. وإذا دخل الإنسان دخل في الصلاة قبل إمامه فإنه لا يعتبر مؤتماً بالإمام وصلاته باطلة؛ لأن تكبيرة الإحرام هي تحريم الصلاة، فلو كبر قبل الإمام أو معه لم تصح صلاته؛ لأنه ما دخل مع الإمام بالمتابعة وإنما بالمسابقة والموافقة، والدخول في الصلاة يجب أن يكون وراء الإمام. ثم جميع الأفعال يجب أن تكون وراء الإمام، كما قال: (إذا كبر فكبروا)؛ لأن كلمة (فكبروا) تفيد المتابعة مع عدم الموافقة وعدم التأخر. قوله: [ (وإذا قال : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين يجيكم الله) ] لأن آمين معناها: اللهم استجب، فالمعنى: ادعوا بكلمة آمين التي معناها اللهم استجب، يجبكم الله. الملقي: (وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك) ] قوله: [ (وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا) ] أي كبروا بالركوع واركعوا وراءه ولا تتأخروا عنه، ولا تسابقوه أو تلاحقوه أو تكونوا موافقين له لئلا يكون هو أزيد منكم في وقت الركوع، لأنه يسبقكم في الركوع والقيام، وأنتم تتأخرون عنه في الركوع والقيام فيكون مقدار ركوعكم مثل مقدار ركوعه؛ لأن اللحظة التي سبقكم بها عندما ركع أنتم أخذتموها عندما رفع، لأنكم تأخرتم بعده. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: [ (فتلك بتلك) ]. قوله: [ (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم، فإن الله تعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده)] لأن سمع الله لمن حمده معناها: استجاب الله لمن حمده، ولهذا جاء بعدها: ربنا ولك الحمد، ومن الكلمات الطيبة الحسنة التي قالها بعض السلف في حق أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: أنه لما قيل له: ماذا تقول في معاوية ؟ فقال: ماذا أقول في رجل صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد! يعني: هذه فضيلة وميزة يتميز بها الصحابة؛ لأنهم صلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمنوا على دعائه. قوله: [ (يسمع الله لكم) ] معناه: يجبكم، وليس معنى ذلك صفة السمع، لأن السمع يتعدى بالفعل، كما في قوله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1] المقصود به سمع الكلام، وإنما هنا ( يسمع الله لكم ) يعني: يجبكم. قوله: [ (فإن الله تعالى قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده) ] وهذا يدلنا على أن التعبير بمثل: قال الله على لسان كذا، أنه تعبير صحيح، وأن ذلك جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستعمله العلماء في كلامهم لا سيما عندما يذكرون بعض القصص فيقولون: قال الله على لسان فلان كذا كذا. قوله: [ (وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك) ] وهذا مثلما مر في الركوع، يعني: مقدار سجودكم هو مقدار سجوده، فإذا كبر وسجد فإنكم تكبرون وتسجدون، وعندما يقوم من السجود أنتم تبقون، يعني حتى يفرغ من قول الله أكبر، فاللحظة التي سبقكم بها عند السجود عوضتموها عند قيامه من السجود، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (فتلك بتلك)، أي: هذه اللحظة بهذه اللحظة. قوله: [ (فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول: التحيات الطيبات الصلوات لله) ] يعني: قعدة التشهد. وهذا التشهد الذي ذكره مثل تشهد ابن عمر إلا أن فيه تقديم الصلوات على الطيبات، وهنا قال: التحيات الطيبات الصلوات لله، وهناك قدم لله بعد التحيات، قال: التحيات لله الصلوات الطيبات. قوله: [ (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ] هذا متفق مع تشهد ابن مسعود .
تراجم رجال إسناد حديث تشهد أبي موسى
قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ] عمرو بن عون ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو عوانة ] هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ] هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد بن حنبل ] (ح) هي للتحول من إسناد إلى إسناد و أحمد بن حنبل هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المشهور المعروف أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن سعيد ] هو يحيى بن سعيد القطان ، الذي يروي عنه الإمام أحمد وهو متأخر عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، و يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ] هو هشام بن عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ] وقد مر ذكره. [ عن يونس بن جبير ] وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حطان بن عبد الله الرقاشي ] وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي موسى الأشعري ] وهو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، مشهور بكنيته ونسبته، واسمه عبد الله واسم أبيه قيس ، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث تشهد أبي موسى من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عاصم بن النضر حدثنا المعتمر قال: سمعت أبي حدثنا قتادة عن أبي غلاب يحدثه عن حطان بن عبد الله الرقاشي بهذا الحديث زاد: (فإذا قرأ فأنصتوا) وقال في التشهد بعد أشهد أن لا إله إلا الله زاد: وحده لا شريك له. قال أبو داود وقوله: فأنصتوا، ليس بمحفوظ، لم يجىء به إلا سليمان التيمي في هذا الحديث ]. أورد أبو داود حديث تشهد أبي موسى الأشعري من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أنه قال في وصفه للصلاة: [ (وإذا قرأ فأنصتوا) ] وفيه بعد قوله: أشهد أن لا إله إلا الله (وحده لا شريك له)؛ وهذه الطريق هي طريق سليمان التيمي عن قتادة فالتشهد فيها جاء فيه لفظ : (وحده لا شريك له)، كما في تشهد ابن عمر وهي ثابتة. ثم قال أبو داود : [ قوله: فأنصتوا، ليس بمحفوظ، زادها سليمان التيمي عن قتادة بهذا الحديث ]، ولكن مسلم رحمه الله لما سئل عنها قال: إنها صحيحة، فقال: لماذا لم تضعها في كتابك؟ قال: ليس كل صحيح عندي وضعته هاهنا، لأنه لم يشترط أن يخرج كل الصحيح، وإنما ذكر جملة كبيرة من الأحاديث الصحيحة ولم يستوعبها، ولهذا يقول ابن الصلاح في علوم الحديث عن صاحبي الصحيح: لم يستوعبا الصحيح ولم يشترطا ذلك، حتى يقال: إنه فاتهما شيء، ولهذا فالكلام الذي يأتي عند الحاكم : (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ليس بلازم لهما؛ لأنهما لم يلتزما الإخراج لكل حديث صحيح، فكم من حديث صحيح لا وجود له في الصحيحين، وكم من ثقة لا وجود له في رجال الصحيحين. وإذاً: هذه الزيادة التي جاءت في حديث أبي موسى هي مما اعتبره مسلم من قبيل الصحيح، ولكنه لم يدخله في صحيحه لكونه لم يلتزم أن يخرج كل حديث صحيح. ثم أيضاً هذه الزيادة من ثقة فتكون مقبولة؛ لأنها بمثابة الحديث المستقل، وهي قوله: (وإذا قرأ فأنصتوا) ومن المعلوم أنه قد جاء ما يدل عليها من كتاب الله: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204] ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب) يعني: أنهم عندما يسمعون القراءة ولا يقرأوا إلا فاتحة الكتاب. إذاً: هاتان الزيادتان ثابتتان ولا محذور فيهما، وقول أبي داود : إنها غير محفوظة، لأنه يرى أن أصحاب قتادة لم يذكروها وإنما ذكرها سليمان التيمي ، وسليمان التيمي لا يؤثر تفرده؛ لأنها زيادة من ثقة، فتكون مقبولة، ولهذا اعتبرها مسلم رحمه الله صحيحة.
تراجم رجال إسناد تشهد أبي موسى من طريق ثانية
قوله: [ حدثنا عاصم بن النضر ]. صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي . [ حدثنا المعتمر ]. هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبي ]. هو سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا قتادة عن أبي غلاب ]. قتادة مر ذكره، وأبو غلاب هو يونس بن جبير المتقدم، ذكر في الطريق الأولى باسمه وفي هذا الطريق بكنيته، وقد ذكرت مراراً وتكراراً في جملة من الأسانيد الماضية أن الرجل يأتي أحياناً باسمه وأحياناً بكنيته، وأن معرفة كنى المحدثين مهمة، وأنها نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة ذلك ألا يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأن من لا يدري إذا رأى في الطريق السابقة يونس بن جبير يروي عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، وفي هذه الطريق أبا غلاب يروي عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، يظن أن أبا غلاب شخص غير يونس بن جبير . [ عن حطان عن أبي موسى ]. وقد مر ذكرهما.
شرح حديث تشهد ابن عباس
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير و طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن، وكان يقول: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) ]. أورد أبو داود التشهد الرابع، وهو تشهد ابن عباس ، وقد مر تشهد ابن مسعود ثم تشهد ابن عمر ثم تشهد أبي موسى الأشعري ، وهذا التشهد الرابع الذي هو تشهد ابن عباس ، وقد ذكر ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن؛ وذلك للاهتمام به، وكونه يريد منهم أن يحفظوه ويعوه، فكان يعلمهم ألفاظه كما يعلمهم السورة من القرآن. وما ذكره هنا من التشهد متفق مع ما تقدم إلا أنه هنا قال: [ (وأشهد أن محمداً رسول الله) ] ولم يقل: عبده ورسوله، وأيضاً أتى فيه بـ(المباركات) وصفاً للتحيات، فقال: [ (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله) ] وعلى هذا فهذا نوع من أنواع التشهد التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث تشهد ابن عباس
قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ] هو محمد بن مسلم بن تدرس ، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ] وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و طاوس ] هو طاوس بن كيسان ، وهو ثقة أيضاً أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ] هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قوله هنا: [ المباركات ] هو بمعنى الزاكيات، و الزاكيات هذه جاءت في تشهد عمر رضي الله عنه، والزكاة والبركة والنماء كلها متماثلة في المعنى.
شرح حديث تشهد سمرة بن جندب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان بن موسى أبو داود ، قال: حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب حدثني خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب : (أما بعد؛ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في وسط الصلاة أو حين انقضائها فابدءوا قبل التسليم فقولوا: التحيات الطيبات والصلوات والملك لله، ثم سلموا على اليمين، ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم). قال أبو داود : سليمان بن موسى كوفي الأصل كان بدمشق. قال أبو داود : دلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، وهو مشتمل على التشهد بصيغة مختصرة، ولكن هذا التشهد غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث غير صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي ثبت هي الأربعة المتقدمة وهي متقاربة، وأكملها تشهد ابن مسعود رضي الله تعالى عن الجميع.
تشهد عمر بن الخطاب
هناك تشهد آخر لعمر رضي الله عنه كان يعلمه الناس من على المنبر وهو يخطب ويقول: قولوا: التحيات الزاكيات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وفيه كلمة (الزاكيات) كما أن في تشهد ابن عباس (المباركات) . وفيه أنه كان يعلمه ويقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، وهذا يدلنا على أن صيغ التشهد كلها متفقة على الخطاب في قول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم هذه الصيغة، وهي بلفظ الخطاب، وجاء عن بعض الصحابة أنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عدلوا إلى صيغة الغيبة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وكانوا يقولون: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، لكن جاء في خطبة عمر رضي الله عنه أنه كان يعلم الناس هذه الصيغة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في زمن خلافته رضي الله عنه، فما قال قولوا: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، وهو الذي يخاطبهم بهذا الكلام ولا يضيف ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي. وكونه يقول لهم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، دل على أن العدول عن الخطاب ليس بلازم ولا متعين، وأن ما حصل من بعض الصحابة إنما هو اجتهاد منهم، وعمر رضي الله عنه كان يعلم الناس وفيهم من الصحابة كثير، وما جاء ما يدل على الاعتراض عليه في ذلك، فدل هذا على أن مثل هذه الصيغة والاستمرار عليها لا بأس به. ثم أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم في حياته صلى الله عليه وسلم كان الناس في المشارق والمغارب، والنبي صلى الله عليه وسلم غائب عنهم، وكانوا يقولون: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فدل ذلك على أن العدول من صيغة الخطاب إلى صيغة الغيبة أنه باجتهاد منهم. إذاً: لابد من المحافظة على اللفظ الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صيغ التشهد الخمس الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: تشهد ابن مسعود ، وتشهد ابن عمر ، وتشهد أبي موسى ، وتشهد ابن عباس ، وتشهد عمر بن الخطاب ، لا بأس به ولا محذور فيه، وفيه محافظة وإبقاء على الأصل الذي جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث تشهد سمرة بن جندب
قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ حدثنا يحيى بن حسان ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة . [ حدثنا سليمان بن موسى أبو داود ]. سليمان بن موسى أبو داود فيه لين، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ]. ليس بالقوي أخرج حديثه أبو داود . [ عن خبيب بن سليمان بن سمرة ]. وهو مجهول أخرج حديثه أبو داود . [ عن أبيه سليمان بن سمرة ]. وهو مقبول أخرج حديثه أبو داود . [ عن سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث كما نرى فيه مجهول، وفيه عدد ممن هو مقبول لا يحتج بحديثهم إلا عند المتابعة، ثم أيضاً هو ليس من رواية الحسن ، بل من رواية سليمان بن سمرة عن سمرة ، إذاً: فالحديث غير ثابت وهو مخالف للصيغ الأخرى، وهو مختصر، وفيه بعض ما في الذي قبله، وفيه زيادة [ والملك لله ] وهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : سليمان بن موسى كوفي الأصل كان بدمشق ]. ذكرنا أن فيه ليناً، وأخرج له أبو داود . [ قال أبو داود : دلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة ]. هذا الكلام الذي قاله أبو داود رحمه الله قيل في معناه: أن سليمان بن سمرة في طبقة الحسن ، وإذا كان من طبقة الحسن فهو مثل الحسن ، والمعنى: أن الحسن سمع من سمرة ، والواقع أن الحسن سمع من سمرة في الجملة، وقد سمع منه حديث العقيقة، كما جاء ذلك في صحيح البخاري ، وقد أدركه ولقيه وسمع منه، لكن الشأن في السماع مطلقاً، فليس كل ما جاء عن الحسن عن سمرة سمعه من سمرة ؛ لأن الحسن مدلس، والمدلس يحذف من بينه وبين المروي عنه، فإذا روى بالعنعنة أو قال؛ فإنه يحتمل الانقطاع. وهذا الحديث يدل على مجرد السماع لكون هذا عاصر هذا، وهذا سماعه ثابت بدون هذه المقارنة أو هذه المقايسة، وذلك موجود في صحيح البخاري في حديث العقيقة، فأصل السماع ثابت، وإنما الخلاف في السماع المطلق، لأنه مدلس، والمدلس يحتاج إلى التصريح بالسماع، والذي جاء مصرحاً فيه بالسماع هو حديث العقيقة. والحافظ نقل عنه أنه قال: لم يتبين لي وجه الدلالة، يعني الدلالة على كون الحسن سمع من سمرة في هذا الحديث، وكما قلت بعض العلماء ذكروا أن هذا في الطبقة الثالثة وهذا في الطبقة الثالثة وكل منهم أدرك سمرة ، لكن ليس القضية قضية إدراك؛ لأن الإدراك ثابت من غير هذا الحديث. فائدة: وقع في بعض النسخ الخطية لأبي داود كما نقلها محمد العوام ، يقول: في التعليق لشيخنا مولانا محمد زكريا الكاندهلوي رحمه الله على كتاب شيخه بذل المجهود، نقلاً عن الشيخ حسن عرب اليمني البهبالي أنه وقع في بعض النسخ الخطية لأبي داود : وحدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب حدثني الحسن سمعت سمرة بن جندب يقول في خطبته: أما بعد.... الحديث. لكننا لا ندري أين هذه النسخ؟ ثم أيضاً لم يعرف أنه صرح بالسماع إلا في حديث العقيقة، وأيضاً لو ثبت من هذه الطريق فالحديث نفسه فيه الأشخاص المتكلم فيهم في إسناده.
الأسئلة
حكم الزواج بالكتابيات الموجودات اليوم
السؤال: هل الزواج بالكتابية الموجودة الآن في بلاد الكفر جائز على الإطلاق، أم يوجد تفصيل في هذه المسألة؟
الجواب: الزواج بالكتابيات جاء به القرآن، فهو حكم ثابت في كتاب الله عز وجل، لكن الزواج بالمسلمات أولى من الزواج بهن، وكل ذلك حلال وسائغ ومشروع، لكن كون الإنسان يختار مسلمة أولى من كونه يختار كتابية، والكتابيات الموجودات في هذا الزمان فيهن من الشرك ما هو موجود في هذا الزمان وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل أخبر بأنهم كفار: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17]، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73]، وقال: تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:63] فهم كفار ومشركون فانتماؤهم إلى دين عيسى أو موسى يجعلهم من أهل كتاب، وسواء كانوا في هذا الزمان أو قبل هذا الزمان فالحكم واحد، فما لأنهم ما داموا ينتمون إلى هذا الدين فهم أهل كتاب، ولا فرق بين المتقدمين والمتأخرين.
بدعة الوصية المنشورة باسم حامل مفاتيح الحرم النبوي
السؤال: هذا منشور فيه الوصية من المدينة المنورة من الشيخ أحمد حامل مفاتيح حرم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها...، توزع الآن حديثاً، فما قولكم بارك الله فيكم؟
الجواب: هذه بدعة قديمة، لكن نشرها جديد، والشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه قد كتب فيها رسالة مستقلة وطبعت مع جملة من البدع والأمور المنكرة تحت اسم: التحذير من البدع، فهي كذب ومفتراة، وما فيها من كلام غير صحيح، ولا يعول في الدين على رؤى ولا على غير ذلك، وإنما التعويل على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبضه الله عز وجل إلا وقد أكمل له الدين، ولم يخرج من هذه الدنيا إلا وقد بلغ البلاغ المبين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأنزل الله عليه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، فليس هناك إضافات ولا إلحاقات تلحق بدينه، لا عن رؤى ولا عن غير رؤى، وما يحصل من ذلك فإنما هو من محدثات الأمور التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حكم الأعياد المحدثة باسم يوم المعلم ونحو ذلك
السؤال: ما رأي فضيلتكم في ذكرى يوم المعلم العالمي ونحوه من الأيام والأسابيع؟
الجواب: الذكريات التي تتعلق بمناسبات وما إلى ذلك لم يأت دليل يدل عليها من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمثل ذلك من الأمور المحدثة التي أحدثها الناس.
حكم الكلام فيما شجر بين الصحابة
السؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن يتعرض لذكر الفتن التي وقعت بين الصحابة، ويذكر ما فيها من طعن في الصحابة بحجة أنها ذكرت في تاريخ الطبري وغيره؟
الجواب: علماء السلف الذين ألفوا في العقيدة حتى الكتب المختصرة، يذكرون فيها: ويجب الكف عما شجر بينهم، أي: من عقيدة أهل السنة والجماعة الكف عما شجر بينهم، وأنهم لا يذكرون إلا بالجميل. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه في العقيدة الواسطية: ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يذكرون إلا بأحسن الذكر، ولا يصلح أن تذكر الأخبار التي فيها شيء من اللوم لهم أو العتب عليهم؛ لأن الأمر كما قال شيخ الإسلام في نفس الرسالة: إن الأخبار التي ذكرت ذلك منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو كذب، وما صح منها هم فيه مجتهدون إما مصيبون لهم أجران، وإما مخطئون لهم أجر واحد. هذا هو الواجب في حق الصحابة، أن تكون القلوب والألسنة سليمة في حقهم. وقد ذكر الله في سورة الحشر ثلاثة أصناف لا رابع لها: المهاجرون والأنصار، ثم قال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] فسلامة ألسنتهم بأن يقولوا: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ويسألون الله ألا يجعل في قلوبهم شيئاً من الحقد: (( وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا )) فالصحابة هم خير الناس وأفضلهم وهم الذين شرفهم الله عز وجل بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا شرف ما حصل لأحد سواهم."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [123]
الحلقة (154)
شرح سنن أبي داود [123]
جاءت الأحاديث النبوية بصيغ متعددة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، وأفضلها وأكملها الصلاة الإبراهيمية، وكذلك جاء التعوذ بالله من أربع بعد التشهد الأخير، وغير ذلك من الأدعية التي تقال بعد التشهد، والمشروع في التشهد الإسرار به لا الجهر.
ما جاء في الصلاة على النبي بعد التشهد
شرح حديث كعب بن عجرة في الصلاة على النبي بعد التشهد من طريق حفص بن عمر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: (قلنا أو قالوا: يا رسول الله! أمرتنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك، فأما السلام فقد عرفناه فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ]. بعد الفراغ من الكلام على التشهد وبيان صيغه من الطرق المختلفة جاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد في الصلاة، وقد أورد فيها جملة من الأحاديث أولها حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه.
الجمع بين النبي وآله في الصلاة
وقد جاءت صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد بصيغ مختلفة عن كعب بن عجرة وعن غيره من الصحابة، منها ما هو في الصحيحين ومنها ما هو في أحدهما ومنها ما هو خارج الصحيحين، وحديث كعب بن عجرة أخرجه صاحبا الصحيح، وورد بصيغ متعددة، ورد بهذه الصيغة التي أوردها أبو داود هنا وهي: [ (اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ]. في هذه الصيغة الجمع بين النبي صلى الله عليه وسلم وآله، وفي الصلاة ذكر إبراهيم بدون آله، وفي البركة ذكر آل إبراهيم بدون إبراهيم، فجمع فيها بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآله في الدعاء بالصلاة والدعاء بالبركة، وبالنسبة لإبراهيم أتى به دون أهله في الصلاة وأتى بآل إبراهيم دون إبراهيم في الدعاء بالبركة. وقد جاء حديث كعب بن عجرة في صحيح البخاري بلفظ أكمل وأتم من هذا وهو الجمع بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآله وبين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله في الدعاء بالصلاة والدعاء بالبركة، حيث قال فيه: (اللهم صل على محمد وعلى آله محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد... إلخ). وهذه أكمل الصيغ التي وردت في بيان كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي ينبغي للإنسان أن يأتي بها في صلاته، وإذا أتى بالصيغ الأخرى فذلك صحيح؛ لأن أي صيغة صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي جائزة، ولكن كونه يأتي بما هو أكمل وبما هو أتم يكون هو الأولى. ويقول كعب بن عجرة : (قلنا أو قالوا) أي: الصحابة: (أمرتنا أن نصلي ونسلم عليك) وفي بعض الألفاظ: (أمرنا أن نصلي ونسلم عليك، أما السلام فقد عرفناه، أما الصلاة فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد).
ذكر الصيغة التامة للصلاة على النبي وآله
جاء في حديث كعب بن عجرة في بعض رواياته -وهي الرواية التامة- قصة في تحديث كعب بن عجرة بها، وهي أنه لقي عبد الرحمن بن أبي ليلى الراوي عنه، وقال له: (ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عبد الرحمن بن أبي ليلى : قلت: بلى، فأهدها إلي، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد). فهذه القصة التي حدث بها كعب بن عجرة عبد الرحمن بن أبي ليلى تدلنا على كمال عناية الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بإبلاغ السنن والتحديث بها واهتمامهم بها، وأنهم عنوا بذلك غاية العناية ونصحوا غاية النصح رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فإن كون كعب بن عجرة يقدم لعبد الرحمن بن أبي ليلى قبل أن يحدثه بهذا التقديم ويمهد له بهذا التمهيد ويعرض عليه هذا العرض ويسميه هدية، يدل على ذلك. قوله: (سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فعرف بأن الهدية ليست مالية وإنما هي علمية، وأنها حق وهدى من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويريد كعب رضي الله عنه من هذا الكلام أن يتشوق عبد الرحمن وأن يتهيأ وأن يستعد لتلقي ما يسمع. قال عبد الرحمن : (قلت: بلى) لا شك أنه عندما سمع هذا الكلام أعجبه وعرف أن وراء الهدية الشيء النفيس، وأنه أمر مهم، فبادر وقال: (بلى فأهدها إلي)، فحكى هذه القصة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم، فقالوا: (قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟) لأن الأمر بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء في القرآن بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]. قولهم: (فقد علمنا كيف نسلم عليك)؛ لأنه علمهم في التشهد: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، وجاء في بعض الروايات في بعض الأحاديث المتعلقة بالتشهد: (كيف نصلي عليك إذا صلينا في صلاتنا) معناه: بعد التشهد.
الجمع بين الصلاة والسلام على رسول الله
فإذاً: يؤتى بالصلاة التي ليس معها سلام، لأنها جمعت إلى السلام الذي قبلها، لكن الإنسان إذا كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة فإنه يجمع بين الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم ولا يأتي بالصلاة وحدها، بل يقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وسلم تسليماً كثيراً)، فيأتي بالتسليم مضافاً إلى الصلاة إذا كان في غير الصلاة، أما إذا كان في الصلاة فهو سيأتي بالتشهد الذي فيه: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) وبذلك يكون جمع بين الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم. قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (اللهم صل على محمد) اللهم معناها: يا الله، حذفت ياء النداء وعوض عنها الميم المشددة في الآخر؛ لأن الميم المشددة في الآخر عوض عن الياء التي قبل المنادى، والمعنى: يا الله صل على محمد؛ ولهذا لا يجمع بين العوض والمعوض منه بأن يقال: يا اللهم، يقول ابن مالك في الألفية: والأكثر اللهم بالتعويض وشذ يا اللهم في قريظ أي: أنه جاء ذلك في الشعر شذوذاً، وإلا فإنه لا يجمع بين العوض والمعوض. وأحسن ما فسرت به الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التفسير الذي جاء عن أبي العالية أن معناها: الثناء من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى، فصلاة الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يثني عليه ويبين عظيم منزلته عند الملائكة في الملأ الأعلى.
حكم إضافة لفظ (سيدنا) عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: (اللهم صل على محمد) وليس فيه ذكر: (سيدنا)، وهو سيدنا وسيد البشر وسيد الخلق أجمعين، ولو كانت هذه الكلمة مطلوبة في التشهد ومطلوبة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لبينها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يبين الألفاظ والصيغ التي يتعبد الله بها، وحيث لم يبينه النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لا يضاف إليه شيء آخر، وإنما يقتصر على الصيغة الواردة، كما يقتصر على الصيغة التي وردت في الأذان: أشهد أن محمداً رسول الله دون أن يضاف إليها سيدنا. وإطلاق السيد على الرسول صلى الله عليه وسلم جائز، وهو أحق البشر بذلك صلى الله عليه وسلم، وقد قال: (أنا سيد الناس يوم القيامة)، وقال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) وإنما بين ذلك لأنه كان عليه الصلاة والسلام آخر الرسل، وليس هناك رسول يأتي بعده يبين عظيم منزلته عند الله، أما الرسل السابقون فكان يأتي رسل بعدهم يبينون منازلهم، مثلما بين نبينا محمد عليه الصلاة والسلام منزلة إبراهيم وموسى وعيسى، وذكر أخبارهم وما يلزم لهم، أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلا نبي بعده يبين عظيم منزلته عليه الصلاة والسلام، فبين ذلك عليه الصلاة والسلام وقال: (أنا سيد الناس يوم القيامة). ثم بين السبب الذي جعله ينص على يوم القيامة، مع أنه سيد الناس في الدنيا والآخرة؛ لأن يوم القيامة هو الذي يظهر فيه سؤدده وإحسانه على الجميع من آدم إلى الذين قامت عليهم الساعة، بخلاف الدنيا فإن الذين لقوه والذين اتصلوا به فيها هم أصحابه، وكذلك الذين أخذوا سنته من بعده. ثم بين ذلك بأن الناس يجتمعون ويموج بعضهم في بعض، ويبحثون عمن يشفع لهم إلى ربهم ليخلصهم مما هم فيه من شدة الموقف، فيأتون إلى آدم ويطلبون منه الشفاعة إلى الله عز وجل فيعتذر ويحيلهم إلى نوح، ثم يعتذر نوح ويحيلهم إلى إبراهيم، ثم يعتذر إبراهيم ويحيلهم إلى موسى، وموسى يحيلهم إلى عيسى ويعتذر، وعيسى يحيلهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ويعتذر، ويأتون إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فيقول: (أنا لها)، ثم يتقدم ويشفع ويشفعه الله عز وجل، ويأتي لفصل القضاء بين عباده، وينصرف الناس من المحشر، وهذا هو المقام المحمود؛ لأنه يحمده عليه الأولون والآخرون، وهو الشفاعة العظمى. إذاً: ظهور سؤدده وفضله على الجميع، وإحسانه على الجميع بالشفاعة لهم في تخليصهم مما هم فيه من شدة الموقف، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد الناس يوم القيامة). وعلى هذا فإطلاق السيد على الرسول صلى الله عليه وسلم لا بأس به، ولكن كون الإنسان يلتزمه ولا يأتي بذكر الرسول صلى الله عليه وسلم إلا قال: سيدنا فهذا ما جاء عن سلف هذه الأمة من الصحابة الذين هم خير الناس، فنحن نقرأ في الأحاديث: حدثنا فلان حدثنا فلان أن فلاناً الصحابي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأحاديث كثيرة بالآلاف، وليس فيها: قال سيدنا رسول الله، نعم هو سيدنا؛ لكن استعمال هذه الألفاظ دائماً وأبداً والإكثار منها ما فعله خير هذه الأمة الذين هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم. فهذا صحيح البخاري فيه أكثر من سبعة آلاف حديث، وصحيح مسلم كذلك، وكذلك سنن أبي داود ، وغيرها من أمهات الحديث، ومسند الإمام أحمد يشتمل على أربعين ألف حديث، كل هذه الأحاديث إذا قرأها الإنسان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، ولم يقولوا: أمر سيدنا، نهى سيدنا، جئنا إلى سيدنا، ما كانوا يقولون هذا وهم خير الناس وأفضل الناس. فإذاً استعمال هذا اللفظ في بعض الأحيان لا بأس به، ولكن الشأن في اتباع خير هذه الأمة الذين كلامهم مدون بين أيدينا، وقد سبق أن مر بنا أنهم يبينون الفرق في عبارات بسيطة لا يترتب عليها اختلاف في المعنى كما يأتي في بعض الأحاديث أن بعضهم يقول: عن النبي صلى الله عليه وسلم، والشخص الثاني يقول: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا عبر بالنبي وهذا عبر بالرسول، وميزوا الفرق بين التعبيرين، فلو كانت كلمة سيدنا موجودة لنبهوا عليها وأتوا بها ولم يحذفوها؛ لأنهم لا يتركون شيئاً مما قاله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أنصح الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم خير هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام. وكذلك مر بنا قريباً حديث المسيء صلاته، وفيه أن أحد الرواة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا، والثاني قال: إن محمداً صلى الله عليه وسلم قال كذا، ومعناه بيان الفرق بين التعبيرين، فالذين يحافظون على الألفاظ ويبينون الفروق الدقيقة في أمور لا يترتب عليها اختلاف في المعنى؛ فهذا يدل على العناية الفائقة والضبط الدقيق والإتيان بالألفاظ كما جاءت عن الرواة، فلو كان هناك استعمال سيدنا لكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين سبقوا إلى ذلك، وهم السباقون إلى كل خير والحريصون على كل خير. قوله: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) فيه ذكر آل الرسول صلى الله عليه وسلم، واختلف في بيان المراد بهم، فمنهم من قال: إن المقصود بهم أزواجه وذريته، ومنهم من قال: هم كل هاشمي وكل مطلبي لا تحل له الصدقة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)، والصدقة لا تحل للهاشميين ولا للمطلبيين، وهم أعم من ذريته وأزواجه صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: إن المقصود بآله المتقون من أمته صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: إنهم أمته كلها، أي: أمة الإجابة الذين أسلموا ودخلوا في دين الإسلام؛ لأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم له أمتان: أمة إجابة، وأمة دعوة، فأمة الإجابة هم الذين دخلوا في الدين وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وصاروا من جملة المسلمين، أما أمة الدعوة فهم كل إنسي وجني على وجه الأرض من حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، هو داخل في أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وهم مدعوون إلى الإيمان به والدخول في دينه، ولهذا فالدعوة عامة لكل أحد وليست لواحد دون غيره، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار) أي: أن اليهود والنصارى هم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين توجه إليهم الدعوة، وهم ملزمون بأن يدخلوا في الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وأن اتباع اليهود لموسى واتباع النصارى لعيسى -كما يزعمون- باطل بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا لم يدخلوا في دينه؛ لأن شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نسخت الشرائع السابقة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حق موسى في بعض الأحاديث: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)، وعيسى بن مريم الذي يزعم النصارى أنهم أتباعه إذا نزل في آخر الزمان من السماء فإنه سيحكم بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
من الأمور المتعلقة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حكمها في الصلاة، فإن جمهور العلماء على أنها مستحبة بعد الإتيان بالتشهد، وذهب جماعة من أهل العلم منهم الإمام الشافعي والإمام أحمد رحمهما الله إلى أنها واجبة وأنه يتعين على الإنسان أن يأتي بها في الصلاة، ويستدلون على ذلك بما جاء في بعض الأحاديث من أن الذين سألوا النبي عليه الصلاة والسلام قالوا: (كيف نصلي عليك إذا صلينا عليك في صلاتنا..) وذلك بعد أن ذكروا أنهم عرفوا السلام عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة.
وجه طلب الصلاة على محمد مثل الصلاة على إبراهيم وهو أفضل منه
هناك سؤال مشهور في صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو: أن نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام أفضل من إبراهيم, وقد جاء في هذه الصلاة أنه يطلب صلاة عليه كالصلاة على إبراهيم، حيث قال: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) مع أن الأصل أن المشبه دون المشبه به، والواقع هنا أن نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام الذي هو المشبه أفضل من المشبه به الذي هو إبراهيم، ومن المعلوم أن أفضل الرسل هم أولو العزم من الرسل، وهم خمسة: نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وإبراهيم، نوح، وموسى، وعيسى، وأفضل الرسل جميعاً نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويليه إبراهيم الخليل، وكل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم هو خليل للرحمن، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) فصفة الخلة ثبتت لاثنين من رسل الله هما: نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، فكيف طلب للنبي صلى الله عليه وسلم صلاة كالصلاة على إبراهيم؟ وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة، أحسنها جوابان أو ثلاثة: الأول: أن قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) فيه أن محمداً وآله يقابلهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله، ومن المعلوم أن آل إبراهيم فيهم الأنبياء، بخلاف آل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فإنه لا نبي بعده، وإذاً فالذي يكون لإبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله إذا أعطي لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله، فيأخذ آل محمد صلى الله عليه وسلم ما يناسبهم وما يليق بهم، والباقي يبقى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون الحظ الأكبر والنصيب الأكبر له صلى الله عليه وسلم. الثاني: أن محمداً صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم، فيكون له نصيبه من آل إبراهيم مع ما طلب له، فيكون بهذا الأمر واضحاً أن المشبه أعلى من المشبه به وأكثر حظاً من المشبه به. الثالث: أنه ليس المطلوب صلاة تشبه صلاة، وإنما المقصود أن الصلاة حصلت لإبراهيم وآله والمطلوب حصول الصلاة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله، من غير أن يكون هناك مقارنة ومماثلة فيما يحصل لكل منهم من الثواب، أي: أن المقصود هو أن الصلاة حصلت على إبراهيم وآله فيطلب أن تحصل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله؛ لأن قوله: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) طلب، (كما صليت على إبراهيم) يعني: أنه قد صلي على إبراهيم ووجدت الصلاة على إبراهيم. فإذاً: ليس المقصود كون المشبه دون المشبه به، وإنما المقصود هو تشبيه أصل الصلاة بأصل الصلاة، وليس تشبيه قدر الصلاة الحاصلة للرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة الحاصلة لإبراهيم؛ لأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم. هذا هو أحسن ما قيل في الأجوبة التي أجيب بها عن السؤال الذي أورد على هذا الحديث.
الصلاة الإبراهيمية هي أفضل صيغ الصلاة على النبي
هذه الصيغة التي هي: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم..) ذكر أهل العلم أن هذه أفضل كيفية للصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله أصحابه الكرام وهم الحريصون على كل خير عن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم بقوله: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، فلو كان هناك صيغة أفضل منها وأتم وأكمل لبينها أنصح الناس لخير الناس الذين سألوه عن الكيفية، فلما أجابهم على سؤالهم بهذا الجواب عرف أنه أتم جواب وأكمل جواب وأن هذه الهيئة هي أتم صلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام. قال بعض أهل العلم: لو أن إنساناً حلف أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل صلاة فإنه يبر بقسمه إذا صلى الصلاة الإبراهيمية.
سبب ذكر إبراهيم في الصلاة الإبراهيمية دون غيره
إن إبراهيم إنما خص بالذكر دون غيره في الصلاة الإبراهيمية؛ لأن إبراهيم عليه السلام هو أفضل الرسل بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ليس هناك أفضل من إبراهيم بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فأفضل الرسل على الإطلاق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ويليه إبراهيم، وأيضاً إبراهيم هو أبوه وجده، وقد جاء في القرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يتبع ملة إبراهيم الحنيفية، فلعل هذا هو السر في كون إبراهيم هو الذي ينص عليه دون غيره من رسل الله الكرام عليهم الصلاة والسلام.
تراجم رجال إسناد حديث كعب بن عجرة في الصلاة الإبراهيمية من طريق حفص بن عمر
قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ] حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي . [ حدثنا شعبة ] هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم ] هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي ليلى ] هو عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهناك شخص آخر اشتهر بابن أبي ليلى وهو ابنه محمد وهو ضعيف، يعني: فيه كلام عند المحدثين، وهو المشهور في كتب الفقه إذا قيل: وابن أبي ليلى أو قال به ابن أبي ليلى ، أما أبوه عبد الرحمن الذي معنا في هذا الإسناد الذي يروي عنه الحكم بن عتيبة ويروي هو عن كعب بن عجرة فهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن كعب بن عجرة ] كعب بن عجرة رضي الله عنه صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث كعب في الصلاة على النبي من طريق يزيد بن زريع
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا شعبة بهذا الحديث قال: (صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم) ] أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن كعب بن عجرة وفيها: [ (صل على محمد وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم) ]. وهذه تخالف الطريق السابقة؛ لأن الطريق السابقة قال فيها: (كما صليت على إبراهيم)، بالنسبة للصلاة، فذكر إبراهيم دون آله، وأما بالنسبة للدعاء بالبركة فقد جاءت في الطريق السابقة منصوصاً على آل إبراهيم ولم ينص على إبراهيم، وهو داخل في آل إبراهيم، لكن الفرق بين هذه الرواية والرواية السابقة أن الرواية الثانية فيها ذكر آل إبراهيم في الدعاء بالصلاة أما الرواية الأولى فلم يذكروا إلا عند الدعاء بالبركة، بل جاء في رواية أخرى عن كعب بن عجرة ذكر آل إبراهيم عند ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله ثم على آل إبراهيم، فتكون بذلك مثل الرواية السابقة بالنسبة للبركة، يعني: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم).
تراجم رجال إسناد حديث كعب في الصلاة على النبي من طريق يزيد بن زريع
قوله: [ حدثنا مسدد ] هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ] يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ] وقد مر ذكره.
شرح حديث كعب في الصلاة الإبراهيمية من طريق مسعر عن الحكم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن بشر عن مسعر عن الحكم بإسناده بهذا قال: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ]. أورد المصنف رحمه الله طريقاً أخرى لحديث كعب بن عجرة وهي مطابقة للطريق الأولى؛ لأن فيها ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله، والصلاة على إبراهيم، وذكر الدعاء بالبركة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله ولآل إبراهيم، فهذه الرواية مثل الرواية الأولى التي صدر بها المصنف الباب، إلا أن في الأولى لم يذكر (اللهم) في الدعاء بالبركة، وأيضاً فإنه لم يذكر في الأولى (إنك حميد مجيد) بعد الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث كعب من طريق مسعر عن الحكم
قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ] هو محمد بن العلاء بن كريب البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن بشر ] هو محمد بن بشر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر ] هو مسعر بن كدام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم بإسناده بهذا ] أي: عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة ، وقد مر ذكر الثلاثة.
ذكر رواية الزبير بن عدي لحديث كعب بن عجرة في الصلاة الإبراهيمية
[ قال أبو داود : رواه الزبير بن عدي عن ابن أبي ليلى كما رواه مسعر إلا أنه قال: (كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد) وساق مثله ]. ذكر أنه جاءت رواية من طريق الزبير بن عدي كما جاء عن مسعر ، إلا أن بينها وبين رواية مسعر فرقاً وهو أنه قال: (كما صليت على آل إبراهيم)، ورواية مسعر : (كما صليت على إبراهيم). وقال: (وبارك على محمد) يعني: ليس فيها (اللهم). و الزبير بن عدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ابن أبي ليلى مر ذكره.
شرح حديث أبي حميد الساعدي في الصلاة الإبراهيمية
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي عن مالك ، ح: وحدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي أنه قال: أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: (يا رسول الله! كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ]. أورد أبو داود حديث أبي حميد الساعدي في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يقولوا: [ (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته) ] واللفظ الآخر قال: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)، فهذا يبين لنا أن الأزواج والذرية داخلون في الآل، وقد جاء في بعض الروايات: (اللهم صل على محمد وآل محمد وأزواجه وذريته) فجاء ذكر الآل وجاء ذكر الأزواج والذرية، وهذا يدلنا على أن الأزواج والذرية داخلون دخولاً أولياً في آل محمد، سواء قيل: إنها خاصة بهم أو إنها لآله وهم منهم، أو إنها للمتقين من أمته، أو إنها لأمة الإجابة، فالأزواج والذرية داخلون، والمقصود بذلك من يكون أهلاً لها حيث يكون من المسلمين، أما من كفر منهم وإن كان من الذرية المتناسلين فيما بعد فلا يدخلون في ذلك. إذاً: فالأزواج والذرية داخلون دخولاً أولياً، وقد جاء ذكرهم في حديث أبي حميد الساعدي بدلاً من آل محمد. قوله: (وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) هذه هي صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي جاءت من طريق أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.
تراجم رجال إسناد حديث أبي حميد الساعدي في الصلاة الإبراهيمية
قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المحدث الفقيه، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا ابن السرح ]. ح أي: تحول من إسناد إلى إسناد، و ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ]. عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن سليم الزرقي ]. عمرو بن سليم الزرقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حميد الساعدي ]. هو المنذر بن مالك ، وهو صحابي اشتهر بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث أبي مسعود الأنصاري في الصلاة الإبراهيمية من طريق نعيم المجمر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أن محمد بن عبد الله بن زيد -و عبد الله بن زيد هو الذي أري النداء بالصلاة- أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا.) فذكر معنى حديث كعب بن عجرة زاد في آخره: (في العالمين إنك حميد مجيد) ]. أورد أبو داود حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا في مجلس سعد بن عبادة فسأل بشير بن سعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام فسكت حتى تمنوا أنه لم يسأله، ثم قال لهم: قولوا: (اللهم صل على محمد)، فذكر مثل حديث كعب بن عجرة المتقدم، وزاد في آخره: (في العالمين إنك حميد مجيد).
تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود في الصلاة الإبراهيمية من طريق نعيم المجمر
قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر ]. نعيم بن عبد الله المجمر ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ولقب المجمر ؛ لأنه كان يجمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: يأتي بالطيب الذي يوضع على الجمر فيطيبه به، فقيل له: المجمر . [ أن محمد بن عبد الله بن زيد ]. محمد بن عبد الله بن زيد ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن. [ و عبد الله بن زيد هو الذي أري النداء بالصلاة ]. هذه جملة اعتراضية، المقصود بها بيان أبي الراوي محمد بن عبد الله وأنه هو الذي أري الأذان.[أخبره عن أبي مسعود الأنصاري ]. وهو عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: (حميد مجيد) هما اسمان من أسماء الله عز وجل جاءا بعد طلب الصلاة والبركة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى مجيد: ذو المجد والعظمة، وحميد: بمعنى محمود، فهو ذو الحمد وهو صاحب الحمد المحمود على كل حال سبحانه وتعالى. ولعل المقصود بقوله: (في العالمين) بعد أن ذكر البركة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، أن إبراهيم جعل له لسان صدق في العالمين كما طلب ذلك، وأيضاً ذريته فيهم الأنبياء فأولئك صاروا متناسلين في أزمان متعددة، وسار ذلك الذكر وذلك الثناء والصلاة عليهم حتى اشتهرت في العالمين.
شرح حديث أبي مسعود في الصلاة الإبراهيمية من طريق محمد بن إبراهيم بن الحارث
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث عن محمد بن عبد الله بن زيد عن عقبة بن عمرو رضي الله عنه بهذا الخبر، قال: (قولوا: اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد) ]. ذكر المصنف طريقاً أخرى لحديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، وفيه أنه قال: (اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد) فذكر وصفه بكونه النبي وبكونه الأمي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه عليه.تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود في الصلاة الإبراهيمية من طريق محمد بن إبراهيم بن الحارث
قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث ]. هو محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عبد الله بن زيد عن عقبة بن عمرو ]. محمد بن عبد الله بن زيد مر ذكره. وعقبة بن عمرو هو أبو مسعود الأنصاري ذكر في الطريق الأولى بكنيته وذكر في هذه الطريق باسمه، فهذا يبين لنا أن معرفة الكنى مهمة؛ لأن من لا يعرف الكنى يظن أن الشخص إذا ذكر باسمه مرة وبكنيته مرة أخرى أنه شخصان، ولكن من عرف أن عقبة بن عمرو كنيته أبو مسعود لا يلتبس عليه الأمر.
شرح حديث أبي هريرة في الصلاة الإبراهيمية
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حبان بن يسار الكلابي حدثني أبو مطرف عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز ، حدثني محمد بن علي الهاشمي عن المجمر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته) ]. فذكر الأزواج والذرية وذكر أهل البيت، فيكون من باب عطف العام على الخاص. وهذه الصيغة التي جاءت عن أبي هريرة في رجالها من هو متكلم فيه، وهما حبان بن يسار و عبيد الله بن طلحة ، فالألباني رحمه الله ضعف الحديث بسببهما، وقال: إن من صحح حديثهما فقد وهم، يعني لما فيهما من الضعف الشديد.
تنبيه على خطأ وقع في الكلام على حديث أم محصن
قوله: وأذكر بهذه المناسبة ما مر بنا قريباً من حديث أم قيس بنت محصن الأسدية الذي فيه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه)، وقلت: إن الألباني رحمه الله ضعف الحديث، والواقع أنني قد وهمت في نسبة التضعيف للألباني ، فالألباني صححه، والحديث بهذه الطريق كما ذكرت ليس بصحيح لأن فيه عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر الوابصي وهو مقبول وأبوه عبد الرحمن بن صخر مجهول، فالحديث بهما لا تقوم به حجة، لكن الشيخ الألباني رحمه الله قد ذكر أن الحديث نفسه عند الحاكم في المستدرك من غير هذه الطريق التي فيها هذان الراويان المتكلم فيهما، والحاكم في مستدركه صحح الحديث فقال: إنه صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي على ذلك، وتعقبه الألباني بأنه على شرط مسلم لأن هلال بن يساف لم يخرج له البخاري إلا تعليقاً، ولم يخرج له في الأصول فيكون على شرط مسلم ، فيكون الحديث صح من أجل الطريق التي جاءت عند الحاكم ، وأما بالنسبة لهذه الطريق فهو لا يصح منها، ولكنه إذا أضيف إلى تلك الطريق يعتبر متنه صحيحاً، وعلى هذا فأنا أنبه على الخطأ الذي حصل مني والوهم الذي حصل مني في نسبة ذلك إلى الشيخ الألباني رحمه الله، وهو قد صححه ولم يضعفه.
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في الصلاة الإبراهيمية
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو التبوذكي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حبان بن يسار الكلابي ]. حبان بن يسار الكلابي صدوق اختلط، أخرج حديثه أبو داود والنسائي في مسند علي . [ حدثني أبو مطرف عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز ]. وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة . [ حدثني محمد بن علي الهاشمي ]. هو محمد بن علي بن الحسين الملقب الباقر أبو جعفر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المجمر عن أبي هريرة ]. المجَمرَ قد مر ذكره. و أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
ما يقول بعد التشهد
شرح حديث أبي هريرة في التعوذ بالله من أربع بعد التشهد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول بعد التشهد: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية حدثني محمد بن أبي عائشة أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: (ما يقول بعد التشهد) يعني: ما يقوله من الدعاء بعد التشهد، وذلك بعد ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تابعة للتشهد. وهذه ترجمة تتعلق بالأدعية التي يؤتى بها بعد التشهد الأخير؛ لأن التشهد الأخير هو الذي يكون فيه إطالة الدعاء والإكثار منه، بخلاف التشهد الأول. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع). فيتعوذ بالله من عذاب جهنم وجهنم اسم من أسماء النار. قوله: (ومن عذاب القبر) وهو ما يحصل في البرزخ بعد الموت وقبل البعث والنشور من العذاب الذي هو واصل إلى الكفار لا محالة، ومن شاء الله أن يصل إليه من العصاة. والعذاب في القبر إنما يكون بعذاب النار، كما جاء في القرآن الكريم في آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] فهم يعذبون بعذاب النار قبل يوم القيامة، ثم ينتقلون من عذاب شديد إلى عذاب أشد: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] فالبرزخ تابع للدار الآخرة؛ لأن الموت هو الحد الفاصل بين الدنيا والآخرة، ومن مات قامت قيامته، فما قبل الموت هو دار العمل وما بعد الموت هو دار الجزاء. والحياة البرزخية وإن كانت تختلف عن الحياة الآخرة بعد الموت، إلا أنها مثلها في الأحكام وفي الثواب والعقاب. قوله: (وفتنة المحيا والممات) قيل: إن فتنة المحيا كل ما يحصل من الامتحان والبلاء في الحياة الدنيا مطلقاً، وفتنة الممات ما يحصل عند الموت، من الكرب والشدة، وأضيف إلى الموت لقربه منه كما أنه يأتي أحياناً ذكر الموت ويراد به القرب من الموت، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) فأطلق على من كان على وشك الموت أنه ميت، لأنه في مرض الموت وهو حي يذكر الشهادة عند النزع حتى تكون آخر كلامه من الدنيا. وقيل: إن فتنة الممات ما يحصل بعد الموت من عذاب القبر وفتنة القبر، ويدخل في ذلك السؤال، لأن السؤال امتحان واختبار. قوله: (وفتنة المسيح الدجال) وهي أعظم فتن الحياة الدنيا، والدجال هو الذي تواترت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه يخرج في آخر الزمان ويأتي بأمور مذهلة، وأنه يأتي ومعه جنة ونار، وأن جنته نار وناره جنة، ويأتي بأمور عجيبة وغريبة كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتنته فتنة عظيمة كبيرة، ولهذا جاءت الاستعاذة منها في هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في التعوذ بالله من أربع بعد التشهد
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأوزاعي ]. هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي وهو ثقة فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حسان بن عطية ]. هو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني محمد بن أبي عائشة ]. ليس به بأس، وهي تعادل صدوقاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أنه سمع أبا هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، وقد مر ذكره. هذا وبعض أهل العلم قال: إن قوله: (فليتعوذ) يدل على الوجوب، والجمهور قالوا: إنه على الاستحباب. والمسيح الدجال قيل له: مسيح؛ لأنه يمسح الأرض وينزل فيها كلها إلا مكة والمدينة؛ فإن الملائكة تحرسهما فلا يدخلهما. وقيل: لأنه ممسوح العين. وأما عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام فقيل له: المسيح؛ لأنه كان يمسح على ذي العاهة فيبرأ بإذن الله. وعيسى بن مريم هو مسيح الهداية، والدجال هو مسيح الضلالة، وقد شاء الله عز وجل أن ينزل مسيح الهداية عيسى بن مريم في آخر الزمان من السماء فيقتل مسيح الضلالة ، كما جاء بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
شرح حديث ابن عباس في التعوذ من أربع بعد التشهد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية أخبرنا عمر بن يونس اليمامي حدثني محمد بن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بعد التشهد: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو مثل حديث أبي هريرة المتقدم يدل على هذه الأمور الأربعة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منها بعد التشهد.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في التعوذ من أربع بعد التشهد
قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا عمر بن يونس اليمامي ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني محمد بن عبد الله بن طاوس ]. هو مقبول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن أبيه عن طاوس ]. أبوه هو عبد الله بن طاوس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وجده طاوس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث محجن بن الأدرع في الدعاء بعد التشهد
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن عمرو أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا الحسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن حنظلة بن علي أن محجن بن الأدرع حدثه قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا هو برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد وهو يقول: اللهم إني أسألك يا الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم، قال: فقال: قد غفر له، قد غفر له) ثلاثاً ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث محجن بن الأدرع رضي الله عنه، وهو يدل على استحباب هذا الدعاء ومشروعيته في ذلك المكان؛ لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الداعي على هذا الدعاء، وإخباره صلى الله عليه وسلم بأنه قد غفر له بعد أن سمعه يدعو بهذا الدعاء العظيم. وهذا فيه توسل، إلى الله عز وجل بين يدي الدعاء بالثناء على الله عز وجل، فإن هذا الدعاء المقصود منه غفران الذنوب، ولكنه قدم له بالثناء على الله وعقبه بالثناء على الله؛ لأن أوله: (اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوراً أحد) وفي آخره قال: (إنك أنت الغفور الرحيم) وهذا من أسباب قبول الدعاء، ولهذا سيأتي حديث الرجل الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فقال: (عجل هذا) وأرشده إلى أن يحمد الله ويصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم بين يدي دعائه، ولهذا جاء في صلاة الجنازة بين يدي الدعاء قراءة الفاتحة التي هي حمد وثناء، وبعدها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يأتي الدعاء للميت، فيكون الدعاء في صلاة الجنازة مسبوقاً بالحمد والثناء والصلاة والسلام على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث محجن في الدعاء بعد التشهد
قوله: [ حدثنا عبد الله بن عمرو أبو معمر ]. عبد الله بن عمرو أبو معمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحسين المعلم ]. هو حسين بن ذكوان المعلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حنظلة بن علي ]. هو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود و النسائي وابن ماجة. [ أن محجن بن الأدرع حدثه ]. محجن بن الأدرع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي .
ما جاء في إخفاء التشهد
شرح حديث: (من السنة أن يخفى التشهد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إخفاء التشهد: حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثنا يونس -يعني ابن بكير - عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله أنه قال: (من السنة أن يخفى التشهد) ]. قوله: (إخفاء التشهد) والمقصود الإسرار به وعدم الجهر. أورد المصنف رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: [ (من السنة إخفاء التشهد) ] والصحابي إذا قال: من السنة كذا، فإنه في حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيعادل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فهي من الصيغ التي لها حكم الرفع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
تراجم رجال إسناد حديث: (من السنة أن يخفى التشهد)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي ]. عبد الله بن سعيد الكندي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يونس يعني ابن بكير ]. هو صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. [ عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود ]. محمد بن إسحاق مر ذكره. و عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ] هو الأسود بن يزيد بن قيس وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة
شاب عاق يمنعه والده من حضور مجالس العلم
السؤال: يوجد شاب عمره عشرون عاماً وهو يعمل مع أبيه طوال اليوم، وهذا الشاب عاق لوالده، يقول السائل: وأنا طالب علم طلبت من والده أكثر من مرة أن يسمح له بحضور مجالس العلماء معي، وكان جواب والده أن هذا الشاب كافر ولا يمكن أن يتغير أبداً؛ لأنه عاق، ولن يتغير وضعه إلا بالضرب، فما توجيهكم؟
الجواب: هذا كلام ساقط لا قيمة له، فالهداية بيد الله عز وجل، فهو الذي يقلب القلوب، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وعلى هذا الشاب الذي هو صاحب السؤال أن يحرص على الاتصال بهذا الشاب وعلى دعوته إلى حضور مجالس الذكر ومجالس العلم، وإلى الاتصال بقرناء الخير والحذر من قرناء السوء، وأيضاً يتكلم مع والده ويبين له أهمية الحضور، ويطلب منه أن يأتي به إلى مجالس العلم ومجالس الذكر ليحصل على الفائدة العظيمة والفائدة الكبيرة، وعسى الله أن يفتح عليه وأن يغير حاله من حال إلى حال، والإنسان لا ييئس من رحمة الله، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
عجوة المدينة علاج للسحر
السؤال: هل ورد في عجوة المدينة أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل صحيح أنها علاج للسحر؟
الجواب: وردت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ألفاظ مطلقة وفيها ألفاظ أنه من تمر العجوة، وجاء من ذلك قوله: (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سحر) فهو وقاية، وهذا يدل على أن هناك أموراً تتخذ للوقاية من الأمراض ومن الأشياء التي تحصل في المستقبل، وكلها بمشيئة الله وإرادته، والله تعالى قدر الأسباب وقدر المسببات، فهذا يدلنا على أن تعاطي مثل هذه التمرات صباح كل يوم فيه وقاية من ذلك الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو السحر، وفيه أيضاً دليل على أن التطعيم والتلقيح ضد أمراض مستقبلة أو أمراض يخشى منها في المستقبل سائغ وأنه لا بأس به، وهذا الحديث يدل عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سحر) يعني: بتناوله تلك التمرات. ثم إن الحديث ورد في العجوة، لكن الإنسان إذا لم يتمكن من ذلك وأكل من تمرات بناء على ما جاء في بعض الأحاديث المطلقة، فيرجى إن شاء الله أن يكون في ذلك الفائدة.
حكم تبليغ السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال: ما الحكم إذا قال لي أحد في بلادي: بلغ سلامي للنبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: إذا قال لك أحد في بلادك: بلغ سلامي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأنت ترشده وتقول له: أكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والملائكة ستبلغه ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، فمعنى هذا أن الملائكة تبلغ السلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من أماكن بعيدة، ولهذا ذكر أن علي بن الحسين رحمة الله عليه رأى رجلاً يأتي إلى فرجة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو، فقال له: ألا أحدثك حديثاً سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا قبري عيداً، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) قال له: ما أنت ومن بالأندلس إلا سواء. أي: أن الملائكة هي التي تبلغ، وما على الإنسان إلا أن يكثر من الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام.
حكم التبرك بجدران الحجرة النبوية
السؤال: ما حكم التبرك بجدران حجرة النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: هذا من الأمور المحدثة المنكرة؛ لأن الجدران الحقيقية التي بناها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت موجودة وما كان الصحابة يتمسحون بها. وهذه الجدران جدران جديدة لم يبنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تمسها يده عليه الصلاة والسلام، وكونها قريبة من قبره صلى الله عليه وسلم لا يقتضي أن يأتي الإنسان ويتبرك فيها، وإنما تطلب البركة من الله عز وجل، والإنسان إذا جاء القبر الشريف فعليه أن يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعو له، ولا يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يطلب منه أشياء ولا يتمسح بالجدران والشبابيك، فإن الله عز وجل لم يشرع لنا أن نتمسح بجدران أو شبابيك أو حجارة إلا موضعين في الأرض أحدهما الحجر الأسود، والثاني الركن اليماني، فالحجر الأسود في الكعبة نقبله ونمسحه ونستلمه، والركن اليماني نمسحه بأيدينا ولا نقبله، لأن السنة جاءت بهذا، فنقتصر على ما جاءت به السنة، أما مسح الجدران والشبابيك وما إلى ذلك من الأمور المحدثة فلا تدل على محبة النبي عليه الصلاة والسلام؛ فإن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لها علامة بينة واضحة قد بينها الله عز وجل في كتابه العزيز، يقول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] أي: أن علامة المحبة المتابعة، وليست علامة المحبة مسح الجدران والشبابيك، فإن الجدران والشبابيك يمسحها أناس ليسوا من أهل التقوى وليسوا من أهل الإيمان، بل يمسحها أناس عندهم محاربة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. إذاً: فالخير كل الخير في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام واتباع سنته، هذه هي علامة المحبة.
حكم الصلاة على النبي عند النسيان من أجل التذكر
السؤال: ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عندما ينسى الإنسان شيئاً، فيقول: اللهم صل على محمد؛ حتى يتذكر؟
الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على أن الإنسان عند النسيان يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم جاء لها مواضع، مثل: دخول المسجد والخروج منه، ومثل: ما بعد الأذان، وغير ذلك، ولا أعلم شيئاً يدل على أن الإنسان عند النسيان يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم ليستذكر ما نسيه.
حكم الصلاة على النبي بصيغة طلب النجاة من الكرب
السؤال: ما حكم قول: اللهم صل على محمد صلاة تنجينا بها من جميع الكروب والآثام، اللهم صل على محمد صلاة تزيل بها الهموم والغموم، أو نحو ذلك من الألفاظ؟
الجواب: الإنسان يحرص على الألفاظ النبوية التي جاءت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيها العصمة، والإنسان إذا أتى بصلوات أخرى من عنده قد تزل به القدم وقد يتجاوز وقد يجفو، ولكن السلامة محققة فيما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الصيغ الثابتة في الصحيحين وفي غيرهما من كتب السنة.
حكم استئجار دار مقابل الترميم
السؤال: هناك رجل يريد استئجار دار لمدة خمس سنوات مقابل ما يقوم به في تلك الدار من إصلاح وترميم، مع العلم أن تكلفة الترميم والإصلاح لا تعلم عند كتابة العقد وإنما تتبين في نهاية الترميم، فقد تكون كثيرة وقد تكون قليلة، فهل هذا العقد جائز؟
الجواب: إذا حددت له الأنواع التي سيأتي بها والأعمال التي سيقوم بها وكل ما هو مطلوب فإنه يصح، وإن اتفق معه على أن يؤجرها أو أن إجارها في السنة كذا ويحدد المقدار الذي تستأجر به، وأنها تصلح من مقدار إيجارها المحدد فلا بأس بذلك أيضاً.
نقد كتاب (الصلاة المحمدية الكبرى)
السؤال: طبع في الآونة الأخيرة كتاب بعنوان: الصلاة المحمدية الكبرى، بدأه المؤلف بقوله: اللهم صل على غياث المستغيثين. فما رأيكم في هذه الصلاة؟ وما حكم تسميتها بالكبرى؟
الجواب: أنا ذكرت في أثناء الكلام على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قول بعض أهل العلم: إن أفضل كيفية للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي الصلاة الإبراهيمية؛ لأن الصحابة وهم خير الناس سألوا أفضل الناس وخير الناس صلى الله عليه وسلم عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فأجابهم، فلو كان هناك صلاة أكبر من هذه الصلاة وأفضل من هذه الصلاة وخير من هذه الصلاة لبينها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فإن كونه يحدث صلوات وتكون مشتملة على غلو وتوصف بأنها كبرى؛ هذا كلام غير صحيح، ولا يقبل. فدل هذا على أن من أراد أن يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم أكمل صلاة وأفضل صلاة فليصل الصلاة الإبراهيمية، وكما ذكرت عن بعض أهل العلم أنه قال: لو حلف أحد أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل صلاة، فإنه يبر بقسمه إذا صلى الصلاة الإبراهيمية. قوله: (غياث المستغيثين..)؛ كونه يستغاث به هذا من الشرك بالله عز وجل.
منشور فيه قصة مكذوبة
السؤال: هذا منشور فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فتاة تبلغ من العمر ستة عشر عاماً مريضة جداً، الأطباء عجزوا عن علاجها، وفي ليلة القدر بكت الفتاة بشدة ونامت، وفي منامها جاءتها السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها وأعطتها شربة ماء، ولما استيقظت من نومها شفيت تماماً بإذن الله، ووجدت قطعة من القماش مكتوب عليها أن تنشر هذه الرسالة وتوزعها على اثني عشر فرداً، وصلت هذه الرسالة إلى عميد بحري فوزعها فحصل على ترقية خلال اثني عشر يوماً، ووصلت إلى تاجر فأهملها فخسر كل ثروته خلال اثني عشر يوماً، ووصلت إلى عامل فوزعها فحصل على ترقية وحلت جميع مشاكله خلال اثني عشر يوماً، أرجو منك يا أخي المسلم أن تقوم بنشرها وتوزيعها على اثني عشر فرداً، الرجاء عدم الإهمال، فما قولكم في هذه القصة؟
الجواب: هذا الكلام حكايته تغني عن بيان سقوطه وأنه لا قيمة له، وكما يقال في المثل: هذا كلام يضحك النمل في قراها والنحل في خلاياها، فهو كلام ساقط ما له قيمة، وإذا كان الربح والخسارة بهذه البساطة وبهذه السهولة، فأين أصحاب الطمع في الأموال ليحصلوا الدنيا بمجرد هذا الكلام البسيط التافه وبهذا العمل اليسير، هذا كله من الدجل وهذا كله من الإتيان بأمور ما لها قيمة. والمنامات لا يعول عليها، وعلى الإنسان المسلم أن يكون حذراً وأن يكون يقظاً، وألا يأخذ الكلام بمجرد نشرات وبمجرد دعايات، فإن الواجب هو الرجوع إلى أهل العلم وسؤال أهل العلم، والله سبحانه وتعالى يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فالإنسان يكون طلبه للحق من طرقه، وهو الرجوع إلى أهل العلم واستفتاء أهل العلم والرجوع إلى الجهات المعتبرة للإفتاء لسؤالها ومعرفة الحق في ذلك، ولا يعتمد الإنسان على مجرد نشرة توزع.
حكم زيارة المساجد السبعة ومسجد القبلتين لمن جاء إلى المدينة
السؤال: ما حكم قصد زيارة المساجد السبعة ومسجد القبلتين وغيرها لمن جاء إلى المدينة؟
الجواب: من جاء إلى المدينة يشرع له خمسة أمور لا سادس لها: الإتيان إلى هذا المسجد المبارك والصلاة فيه وهي بألف صلاة، والصلاة في مسجد قباء، وقد جاءت السنة في بيان فضل الصلاة فيه من فعله وقوله صلى الله عليه وسلم، وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما، وزيارة البقيع، وزيارة شهداء أحد، هذه هي الأماكن التي تزار في المدينة، وما عداها فإنه لا يشرع زيارته.
حكم الحلف بالأمانة
السؤال: ما حكم من حلف بالأمانة؟
الجواب: لا يحلف إلا بالله، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون) وقال عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) فالحلف بالله عز وجل وبأسمائه وصفاته ولا يكون بشيء من مخلوقاته. والأمانة وغير الأمانة كل ذلك لا يحلف به. والله تعالى أعلم."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [124]
الحلقة (155)
شرح سنن أبي داود [124]
وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة روايات تبين هيئة وضع اليدين في الجلوس في التشهد، فاليسرى تبسط على الفخذ اليسرى، واليمنى يشير بسبابتها ويقبض أصابعها، أو يحلق الإبهام مع الوسطى ويقبض الخنصر والبنصر ويشير بالسبابة، وليحذر من أن يتكئ المصلي حال جلوسه على يديه ويغير موضعهما.
الإشارة في التشهد
شرح حديث ابن عمر في الإشارة في التشهد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإشارة في التشهد: حدثنا القعنبي عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي قال: رآني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأنا أعبث بالحصى في الصلاة، فلما انصرف نهاني وقال: (اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، فقلت: وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قال: كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) ]. المقصود من الترجمة: أن يشير الإنسان بإصبعه السبابة في تشهده عند شهادة أن لا إله إلا الله، وكذلك عند الدعاء يحركها يدعو بها، وهذا في التشهد كله سواء كان أولاً أو أخيراً، وليس ذلك مقصوراً على الإتيان بالشهادة، بل يشمل مدة جلوسه في التشهد حتى عندما يأتي بالأدعية الأخرى التي بعد ذلك. وقد سبق أن أبو داود ترجمة للإشارة في الصلاة عند الحاجة، كأن يرد السلام كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، وكما أشار لأبي بكر بأن يستمر في الإمامة لأنه قد دخل في الصلاة، فتلك إشارة غير هذه الإشارة، فهذه في الجلوس للتشهد، وسواء كان ذلك عند شهادة أن لا إله إلا الله أو عند غير ذلك من الأدعية التي يؤتى بها. أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث أولها حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أن علي بن عبد الرحمن المعاوي صلى إلى جنبه، وكان يعبث بالحصى في صلاته في حال الجلوس، فلما انصرف نهاه عن هذا العمل، وقال له: [ (اصنع كما كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصنع، قال: وماذا كان يصنع؟ فقال: إنه يضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى مقبوضة الأصابع، ويشير بأصبعه التي تلي الإبهام) ]، وهذا فيه ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الدلالة على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنهم إذا وجدوا أحداً يحصل منه مخالفة للسنة ينبهونه على خطئه وينهونه عنه، ويرشدونه إلى اتباع السنة. فعبد الله بن عمر بين لعلي بن عبد الرحمن المعاوي الصواب، وأرشده إلى الحق والهدى الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. وفيه النهي عن شيء غير سائغ والدلالة على شيء سائغ ومشروع، فقد نهاه وأتى بالعوض عن الشيء الذي نهاه عنه، وهو أنه كان يلمس الحصى ويعبث بها بيده، ولا يجعل يديه على فخذيه، فأرشده إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا. وفيه أيضاً دلالة على الإشارة بالسبابة في التشهد وعند الدعاء، وأن بقية الأصابع تقبض، وهي الخنصر والبنصر والوسطى، وذلك عند وضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى، وأما السبابة فيشير بها، وهذه هيئة من الهيئات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والهيئة الثانية هي التحليق، وذلك بأن يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى، وإذا فعل هذا أو فعل هذا فكله حق، وكلا الأمرين ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما اليد اليسرى فإنها توضع على الفخذ اليسرى، وتكون مبسوطة لا يقبض منها شيئاً وليس فيها إشارة، وإنما الإشارة بالسبابة من اليمين، هذه هي الهيئة التي يكون عليها المصلي في صلاته في التشهد. والإنسان لا يضع يديه في مكان آخر، فلا يضعهما على الأرض، ولا يلمس بهما الحصى، وإنما يجعلهما في هذا الموضع المذكور.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في الإشارة في التشهد
قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، يذكر بنسبته كثيراً، ويذكر باسمه واسم أبيه عبد الله بن مسلمة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتاب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن مسلم بن أبي مريم ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن علي بن عبد الرحمن المعاوي ]. وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي ابن الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير و عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله الأنصاري و أبو سعيد الخدري وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. هؤلاء هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد زادت أحاديثهم في الكتب الستة عن ألف حديث، وفيهم من تجاوز الألفين وفيهم من تجاوز الخمسة آلاف وهو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، ولهذا يقول السيوطي في الألفية: والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي البحر هو ابن عباس ، وزوجة النبي هي عائشة رضي الله تعالى عنها وعن الصحابة أجمعين.
شرح حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق عبد الواحد بن زياد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عثمان بن حكيم حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى وساقه، وفرش قدمه اليمنى، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بإصبعه) وأرانا عبد الواحد وأشار بالسبابة ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل ما تقدم في حديث عبد الله بن عمر في بيان هيئة وضع اليد اليسرى واليد اليمنى في حال التشهد، وأنه يشير بإصبعه السبابة، وفيه أيضاً ذكر الافتراش الجلوس في التشهد، وأنه يخرج رجله اليمنى من تحت ساقه وفخذه بحيث يجعلها تخرج من جهة اليمين؛ لأنه يتورك. وذكر أنه يفرش رجله اليمنى، وهذا جاء في بعض الأحاديث، ولكن أكثر الروايات على أنه ينصبها ولا يفرشها، اللهم إلا إذا كان المقصود أنه يفرش أصابعها؛ لأن أصابعها تكون مفروشة على الأرض متجهة إلى القبلة. ويحتمل أن يكون المقصود به أنه يضجعها كما يفرش الرجل اليسرى؛ لكنه لا يجلس عليها، ويحتمل أن يكون المقصود به فرش الأصابع، كما جاء في بعض الروايات أنه يجعل أصابعها إلى القبلة، وعلى هذا تكون أصابعها مفروشة، وهذا حيث أمكن ثنيها وليها، وأما إذا كان لا يستطيع ذلك فإن الله تعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]. إذاً : حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه وأرضاه فيه ذكر الإشارة بالسبابة في التشهد.
تراجم رجال إسناد حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق عبد الواحد بن زياد
قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز ]. محمد بن عبد الرحيم البزاز ، ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عفان ]. هو عفان بن مسلم الصفار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عثمان بن حكيم ]. وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام الذين هم: عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد مر في الحديث السابق ذكر عبد الله بن عمر ، وهو أحد الأربعة العبادلة من صغار الصحابة. و عبد الله بن الزبير هذا ولد في قباء بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قبل أن يصل إلى مكانه الذي استقر فيه. وحديث عبد الله بن الزبير أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق ابن عجلان
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي حدثنا حجاج عن ابن جريج عن زياد عن محمد بن عجلان عن عامر بن عبد الله عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه ذكر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها) ]. أورد حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه من طريق أخرى، وفيه: [ (أنه كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها). وهذا مطابق للروايات المتقدمة، وأما قوله: (ولا يحركها) فهذه مخالفة لما جاء في عدد من الروايات أنه كان يحركها، وليس المقصود بالإشارة أنها ثابتة لا تتحرك، بل يحركها في التشهد ويحركها عند الدعاء، فهذه الرواية مخالفة للروايات الأخرى الدالة على أنه كان يشير بإصبعه ويحركها صلى الله عليه وسلم. فيكون حكم: [ (ولا يحركها) ] شاذة، والشيخ الألباني حكم بشذوذها، وقال: إنها شاذة مخالفة للروايات الأخرى.
تراجم رجال إسناد حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق ابن عجلان
قوله: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي ]. إبراهيم بن الحسن المصيصي ثقة أخرج له أبو داود والنسائي . [ حدثنا حجاج ]. هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زياد ]. هو زياد بن سعد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن عامر بن عبد الله عن عبد الله بن الزبير ]. وقد مر ذكرهما.
شرح حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق عمرو بن دينار
قال المصنف رحمه الله: [ قال ابن جريج : وزاد عمرو بن دينار قال: أخبرني عامر عن أبيه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كذلك، ويتحامل النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليسرى على فخذه اليسرى) ]. أورد هذه الطريق عن عمرو بن دينار . وقوله: [ (إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كذلك) ] يعني: بإصبعه. قوله: [ (ويتحامل بيده اليسرى على فخذه اليسرى) ] معناه: أنه يعتمد عليها أو يميل إليها، وليس معنى ذلك أنه وضع ذراعه على فخذه، بل يرفع ذراعه عن فخذه ولم يكن ذراعه مبسوطاً على فخذه، وإنما كان اعتماد اليد على الفخذ.
تراجم رجال إسناد حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق عمرو بن دينار
قوله: [ قال ابن جريج : وزاد عمرو بن دينار ]. هو عمرو بن دينار المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر عن أبيه ]. وقد مر ذكرهما. [ قال ابن جريج ]. هذا متصل بالإسناد الذي قبله.
شرح حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق القطان
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه رضي الله عنه بهذا الحديث قال: (لا يجاوز بصره إشارته) وحديث حجاج أتم ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه الإحالة على الحديث المتقدم، وذكر فيه زيادة وهي أنه [ (لا يجاوز بصره إشارته) ] أي: أن بصره يكون متجهاً إلى يده اليمنى التي يشير بإصبعها السبابة التي يحركها يدعو بها. قوله: [ وحديث حجاج أتم ] معناه: أنه لما أحاله على حديث الحجاج قال: إنه أتم، أي: وليس هذا مثله تماماً بل ذاك أتم، لكن فيه هذه الزيادة التي ذكرت موضع النظر.
تراجم رجال إسناد حديث ابن الزبير في الإشارة بالسبابة من طريق القطان
قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو البصري الملقب ببندار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري ، وكانت وفاته قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، وأما محمد بن بشار فقد توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين. ومن صغار شيوخ البخاري أيضاً، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومات في السنة التي مات فيها غير محمد بن بشار : يعقوب بن إبراهيم الدورقي و محمد بن المثنى العنزي ، فهؤلاء ثلاثة يعتبرون من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم من صغار شيوخ البخاري ، وقد ماتوا جميعاً في سنة واحدة قبل وفاة البخاري بأربع سنوات. [ حدثنا يحيى ]. هو ابن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه ]. وقد مر ذكر الثلاثة.
شرح حديث نمير الخزاعي في الإشارة بالسبابة
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عثمان -يعني ابن عبد الرحمن - حدثنا عصام بن قدامة من بني بجيلة، عن مالك بن نمير الخزاعي عن أبيه رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعاً ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، رافعاً إصبعه السبابة، قد حناها شيئاً) ]. أورد أبو داود حديث نمير الخزاعي رضي الله عنه في الإشارة في التشهد. وهذا الحديث فيه أولاً: وضع الذراع على الفخذ، وهذا مخالف للروايات الأخرى التي فيها أنه كان يرفع الذراع عن أن يكون موضوعاً على الفخذ، وأيضاً مخالف لما تقدم أنه يتحامل وهو لا يكون مع وضع الذراع على الفخذ؛ لأن التحامل على اليد إنما يكون إذا رفع ذراعه عن فخذه. وكذلك فيه هذا الوصف للسبابة وأنه يشير بها قد حناها، وإنما تكون الإشارة بها بدون حني.
تراجم رجال إسناد حديث نمير الخزاعي في الإشارة بالسبابة
قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة. [ حدثنا عثمان يعني ابن عبد الرحمن ]. هو صدوق أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فضعف بسبب ذلك، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا عصام بن قدامة ]. وهو صدوق أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [ عن مالك بن نمير ]. وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة، يعني الثلاثة متوالون كلهم أخرج لهم أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن نمير الخزاعي ]. صحابي له حديث واحد أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . والحديث ضعيف بسبب عثمان بن عبد الرحمن الذي كان صدوقاً كثير الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فضعف بسبب ذلك. وأيضاً مالك بن نمير مقبول. ثم أيضاً هو مخالف للروايات الأخرى التي فيها ذكر وضع اليد على الركبة بدون فرش الذراع على الفخذ، وكذلك بدون ذكر الحني في الأصبع.
كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة
شرح حديث النهي عن الاعتماد على اليد في الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة: حدثنا أحمد بن حنبل و أحمد بن محمد بن شبويه و محمد بن رافع و محمد بن عبد الملك الغزال قالوا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال أحمد بن حنبل - أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده) وقال ابن شبويه : (نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة )، وقال ابن رافع : (نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده) وذكره في باب الرفع من السجود، وقال ابن عبد الملك : (نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة. الاعتماد على اليد في الصلاة له حالتان: حالة وهو جالس، وحالة وهو يريد أن يقوم إلى الركعة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، فالاعتماد على اليد يكون في هاتين الحالتين. أما الاعتماد على اليد وهو جالس فذلك غير سائغ، وهو الذي دل عليه الحديث الذي أورده أبو داود هنا من طريق الإمام أحمد بن حنبل وهي الطريق الأولى التي قدمها؛ لأنه ذكر الحديث عن أربعة من شيوخه، وكل واحد منهم ذكر صيغة، والترجمة عقدها فيما يتعلق بالجلوس للتشهد، وهذا فيه إشارة إلى أن المقصود أنه لا يعتمد عليها وهو جالس، وهذا بناء على رواية أحمد بن حنبل رحمة الله عليه التي قدمها أبو داود على غيرها، وأن النهي عن الاعتماد على اليد وهو جالس، بمعنى أن يجعلها على الأرض، بدل ما يجعلها على ركبتيه، وذلك يشبه قصة علي بن عبد الرحمن المعاوي قال: (كنت أعبث بالحصى فنهاني ابن عمر .. ). فيدل هذا على أن الإنسان يضع يديه على ركبتيه بالصفة التي مرت في الأبواب السابقة، ولا يجعلهما على الأرض، ولا قدامه ولا عن يمينه ولا بين رجليه، وإنما تكون على فخذيه وعلى ركبتيه، ويشير بسبابة اليمنى وقد قبض أصابعها أو حلق الإبهام مع الوسطى مع قبض الخنصر والبنصر. والمعنى الآخر للاعتماد في الصلاة على اليدين: هو عند القيام لأي ركعة من الركعات، ومعناه أنه لا يعتمد على يديه عند النهوض، وهذا هو الذي جاء في رواية محمد بن عبد الملك الغزال ، والاعتماد على اليدين في الصلاة جاء في بعض الأحاديث ما يدل عليه أنه عند القيام، واختلف فيه بين أهل العلم كما اختلف في تقديم اليدين أو الركبتين عندما يهوي للسجود. فالذين قالوا: يقدم ركبتيه ثم يديه، قالوا: يرفع يديه ثم يرفع ركبتيه ولا يعتمد على يديه، والذين قالوا: يقدم يديه ثم ركبتيه، قالوا: يعتمد على يديه ثم ينهض بركبتيه قبل يديه. وسبق ذكر مقولة شيخ الإسلام ابن تيمية : إن الاتفاق حاصل على أنه يصح تقديم أي واحدة منهما، ولكن الكلام إنما هو في الأفضل، وكذلك هنا أيضاً فإن الإنسان إن فعل هذا أو فعل هذا فكله صحيح، ولكن من أهل العلم من رأى أن ترفع اليدان أولاً ثم ترفع الركبتان، ومنهم من رأى أنه يرفع الركبتين أولاً ويكون معتمداً على يديه، وهذه الرواية الرابعة ذكر أبو داود فيها النهي عن الاعتماد على اليدين عند النهوض. والروايتان الأخريان اللتان في الوسط، وهما رواية محمد بن رافع و ابن شبويه مطلقتان؛ فلم تذكرا الجلوس ولا النهوض، فهل تحمل على رواية الإمام أحمد أنه في الجلوس، أو تحمل على رواية محمد بن عبد الملك ؟ وتقديم الإمام أبي داود رحمه الله لحديث أحمد بن حنبل يدل على أنها هي الأرجح، وإيراده الحديث في أبواب التشهد يفيد بأنه يريد هذا المعنى؛ ولكنه عند رواية محمد بن رافع قال: [ وذكره في باب الرفع من السجود ]، أي: أنه فيما يتعلق بالقيام، وهذه العبارة، وهي قول أبي داود : [ وذكره ] يرجع الضمير فيها إلى مفرد، ولم أعرف وجهه، إلا أنه قال في عون المعبود: قول أبي داود : وذكروه في الرفع من السجود، معناه: أن بعض أهل العلم ذكروا أن هذا يكون في الرفع من السجود وأنه لا يعتمد على يديه وإنما يعتمد على ركبتيه، وهذا على قول القائلين بأنه يعتمد على ركبتيه عند القيام من الركعة. [ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده) ]. قال الإمام أحمد بن حنبل في روايته -وهو الشيخ الأول-: (أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده) وسواء كان بيده أو يديه؛ لأن المقصود أن يضع المصلي يديه على ركبتيه، فلا يضع يديه ولا واحدة منهما على الأرض، وإنما يضع اليدين على الفخذين. وهذا فيه التنصيص على أن رواية الإمام أحمد في حال الجلوس، وهي مطابقة لما جاء في حديث ابن عمر المتقدم الذي نهى فيه علي بن عبد الرحمن المعاوي عن العبث في الأرض، وأرشده إلى أن يضع يديه على فخذيه. [ وقال ابن شبويه : (نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة) ] وهذه الرواية مطلقة، في النهي عن أن يعتمد على يده في الصلاة، فلم يقيدها بالجلوس ولا عند القيام من السجود إلى الركعة الثانية ونحوها. وكذلك رواية محمد بن رافع كما قال: [ وقال ابن رافع : (نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده) ] قوله: [ وذكره في باب الرفع من السجود ]. لم أجد فيما مضى لأبي داود ذكر ذلك. لكن الذي في عون المعبود قال أبو داود : (وذكروه)، أي: المصنفون من العلماء في كتبهم. [ وقال ابن عبد الملك : (نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة) ] وهذه الرواية الرابعة التي فيها أنه عند النهوض في الصلاة لا يعتمد على يديه، أي: بل يعتمد على ركبتيه. والنهوض على اليدين من الركعة الأولى أو من التشهد -قد ورد فيه حديث صحيح في البخاري ، وقد ذهب إليه الألباني رحمه الله، فهو ممن يقول بأن الإنسان يقوم على يديه، وقال: إن هذه الرواية التي ذكرها أبو داود عن ابن عبد الملك منكرة.
تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الاعتماد على اليد في الصلاة
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل ، الإمام المعروف الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ وأحمد بن محمد بن شبويه ]. وهو ثقة أخرج له أبو داود وحده. [ و محمد بن رافع ]. هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ و محمد بن عبد الملك الغزال ]. هو محمد بن عبد الملك الغزال ثقة أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ حدثنا عبد الرزاق ] هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن أمية ] وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ] هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. وقد مر ذكره.
شرح حديث النهي عن التشبيك في الصلاة
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا بشر بن هلال حدثنا عبد الوارث عن إسماعيل بن أمية سألت نافعاً عن الرجل يصلي وهو مشبك يديه، قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: تلك صلاة المغضوب عليهم ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر في ذم الصلاة وهو مشبك يديه، حيث قال: [ تلك صلاة المغضوب عليهم ] وهذا لا يقال من قبل الرأي، حيث ورد فيه ذكر الغضب، وما جاء عن الصحابي وفيه ذكر وعيد أو غضب أو نحوه فحكمه الرفع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن ذلك لا يقال من قبل الرأي، وإنما يكون مبنياً على السنة التي تتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ سألت ابن عمر عن الرجل يصلي وهو مشبك يديه، فقال: تلك صلاة المغضوب عليهم ] فالترجمة وردت لكراهية الاعتماد على اليد في الصلاة، وهذه لا تتعلق بالترجمة من ناحية الاعتماد، ولكنها تتعلق بالترجمة من جهة كون الإنسان يضع يديه على ركبتيه، موافقاً للهيئة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسواء وضعها على الأرض، أو شبك بين أصابعه، أو وضعها على غير ركبتيه؛ فإن كل ذلك مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتشبيك الأصابع في الصلاة وقبل الصلاة كل ذلك جاءت فيه أحاديث تدل على منعه، وأن الإنسان لا يشبك بين أصابعه ما دام ينتظر الصلاة وما دام في الصلاة، لا في حال قيام ولا جلوس. وأما بعد الصلاة فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين الذي سيأتي أنه صلى ركعتين من الظهر أو العصر وسلم، فكان بعض الصحابة رضي الله عنهم يظن أنه حصل نسخ وأن الصلاة حولت من أربع إلى ثنتين، فلم يسبحوا ولم ينبهوا النبي صلى الله عليه وسلم على هذا السهو، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد واستند عليها وشبك بين أصابعه، وهذا بعد الصلاة. [ تلك صلاة المغضوب عليهم ]. وقال الله في سورة الفاتحة: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، وجاء في السنة بيان أن اليهود مغضوب عليهم وأن النصارى ضالون، فكلمة المغضوب عليهم لا أدري هل المقصود بها اليهود وأنهم يفعلون ذلك، أو أن المقصود بها ما هو أعم من ذلك، وأن من يفعل ذلك فقد فعل ما يستوجب الغضب من الله عز وجل.
تراجم رجال إسناد حديث النهي عن التشبيك في الصلاة
قوله: [ حدثنا بشر بن هلال ]. بشر بن هلال ، ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر ]. وقد مر ذكرهم.
شرح حديث النهي عن الاتكاء على اليسرى في التشهد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي ح وحدثنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب -وهذا لفظه- جميعاً عن هشام بن سعد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد في الصلاة، وقال هارون بن زيد : ساقطاً على شقه الأيسر، ثم اتفقا فقال له: لا تجلس هكذا، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون ]. أورد أبو داود هذا الحديث تحت ترجمة: [ كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة ] ، والمقصود من ذلك: الاعتماد عليها في حال الجلوس بين السجدتين أو في التشهد، ذلك أن الوضع الذي يجب أن تكون عليه اليدان أن تكون على الفخذين، وقد ذكر المصنف أحاديث عديدة في الباب أولها رواية الإمام أحمد وثلاثة من شيوخ أبي داود ذكروا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاعتماد على اليد في الصلاة، وقال الإمام أحمد في حال الجلوس، وهذه الرواية عن ابن عمر تطابق رواية الإمام أحمد والتي تتعلق بحال الجلوس في التشهد، وهي المناسبة للترجمة المذكورة هنا بعد أبواب التشهد وما يتعلق بالتشهد، أي: أن اليدين في التشهد تكونان على الفخذين. هذه الرواية فيها ذكر اليد اليسرى، وأن ابن عمر رأى رجلاً يصلي وقد اعتمد على يده اليسرى في صلاته في حال جلوسه، فقال: [ لا تفعل هكذا، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون ] وهو مماثل لما جاء في الرواية السابقة من أنها قعدة المغضوب عليهم. فهذا الحديث يدل على ما دلت عليه الأحاديث السابقة من أن الإنسان لا يعتمد على يديه في صلاته وهو جالس، وإنما يجعل يديه على فخذيه، اليسرى مبسوطة على الفخذ اليسرى، واليمنى قد قبض أصابعها وأشار بإصبعه السبابة يدعو بها. [ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد في الصلاة، وقال هارون بن زيد : ساقطاً على شقه الأيسر ] ساق أبو داود الحديث على رواية الشيخ الثاني محمد بن سلمة ، ولكنه أشار إلى رواية هارون بن زيد وأنها بلفظ: [ ساقطاً على شقه الأيسر ] أي: أنه مائل على شقه الأيسر معتمداً على يده. قوله: [ لا تجلس هكذا؛ فإن هكذا يجلس الذين يعذبون ] هذه تماثل الرواية السابقة أن هذه صلاة المغضوب عليهم، وكلام ابن عمر ، هذا لا يقال من قبل الرأي؛ لأن الصحابي إذا تكلم بشيء فيه وعيد وتحديد عقوبة أو ثواب أو ما إلى ذلك، فهذا لا يقال من قبل الرأي، فيكون له حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمور المغيبة لا يعلمها إلا الله عز وجل فلا تعلم لنا إلا عن طريق الوحي الذي يوحيه الله إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا جاء عن الصحابي شيء مثل هذا فله حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك الشيء الذي فيه إبطال عمل، أو تحديد جزاء معين ومحدد؛ فإن هذا لا يقال من قبل الرأي، فإذا جاء عن الصحابي فيحمل على أنه أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الاتكاء على اليسرى في التشهد
قوله: [ حدثنا هارون بن زيد ]. هو هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ، وهو صدوق أخرج له أبو داود والنسائي . [ ح وحدثنا محمد بن سلمة ]. قال [ ح ] وهي للتحول من إسناد إلى إسناد. و محمد بن سلمة هو المرادي المصري ، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . وإذا جاء محمد بن سلمة من شيوخ أبي داود فالمراد به المصري ، وإذا جاء محمد بن سلمة من شيوخ شيوخه فهو محمد بن سلمة الباهلي الحراني ، وكل منهما ثقة، إلا أن هذا الذي من شيوخه مصري، والذي من طبقة شيوخ شيوخه حراني باهلي. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: وهذا لفظه ]. أي: لفظ الطريق الثانية طريق محمد بن سلمة عن ابن وهب وليست طريق هارون بن زيد بن أبي الزرقاء عن أبيه، والإمام أبو داود رحمه الله من عادته أن يحدد من له اللفظ من الرواة كما هنا، فربما ذكر ذلك أثناء السند، وربما أخره فلا يأتي به إلا بعد أن يسوق الحديث بإسناده ومتنه. وإذا كان هناك فرق بين الشيخين أشار إليه، لأنه قال هنا: [ معتمداً على يديه ] في رواية محمد بن سلمة الذي ساق الحديث عنه قال: [ وقال هارون بن زيد -الشيخ الأول-: ساقطاً على شقه الأيسر ، ثم اتفقا ] يعني: الشيخين على أن ابن عمر قال: [ لا تفعل هكذا، فإن هكذا جلسة الذين يعذبون ]. [جميعاً عن هشام بن سعد ]. يعني أن الطريقين التقيا عند هشام بن سعد ؛ الطريق الذي فيه زيد بن أبي الزرقاء ويروي عنه ابنه هارون ، والطريق الذي فيه عبد الله بن وهب ويروي عنه محمد بن سلمة المرادي . و هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فائدة تتعلق بمعرفة عدد مرويات الصحابة في الكتب الستة
إذا أراد الإنسان أن يعرف عدد ما لكل راو من الأحاديث، سواء السبعة المكثرون أو غيرهم من الصحابة الذين لهم رواية في الكتب الستة، فإن ذلك يعرف بالرجوع إلى خلاصة تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي ، فإنه يعنى بهذا، فعندما يذكر الصحابي يقول: له كذا حديث، يعني في الكتب الستة، اتفقا على كذا، يعني البخاري و مسلم ، وانفرد البخاري بكذا، و مسلم بكذا، وإذا كان الشخص ليس له إلا حديث واحد قال: له حديث واحد عند فلان أو عند فلان.. وهكذا. لكن إذا كان من رواياته شيء في الصحيحين أو أحدهما، فإنه يذكر ذلك، ويذكر عدد ما له في الصحيحين، وعدد ما له عند البخاري وحده، وعدد ما له عند مسلم وحده، والباقي بعد ذلك يكون خارج الصحيحين أو أحدهما بعد إسقاط هذا الذي نص على أنه متفق عليه أو أنه مما اختص به أحدهما؛ فإذاً: من فوائد خلاصة تذهيب تهذيب الكمال معرفة عدد ما لكل صحابي من الحديث. وهناك كتاب يتعلق بالصحابة الذين لهم رواية في الصحيحين، وهو كتاب: الرياض المستطابة في من له رواية في الصحيحين من الصحابة، وهو مجلد نفيس، يعني بذكر تراجم الصحابة، وكلامه حسن وجميل في الصحابة، ولكن هذه التراجم التي يذكرها له عناية فيها من ناحية أنه يذكر أولاد الصحابي وزوجاته والأولاد لكل زوجة، فيقول: فلان وفلان من فلانة، وفلان وفلان من فلانة، ويسردهم."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [125]
الحلقة (156)
شرح سنن أبي داود [125]
أتت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة روايات تبين كيفية سلامه بعد انتهائه من الصلاة، وورد عنه النهي عن أن يحرك المصلي يده أو أصبعه عند السلام لمنافاة ذلك للخشوع، وكان يعقب سلامه عليه الصلاة والسلام بالاستغفار ثم بقية الأذكار.
تخفيف القعود
شرح حديث تخفيف القعود
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تخفيف القعود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي عبيدة عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف، قال: قلنا: حتى يقوم؟ قال: حتى يقوم) ]. أورد أبو داود [ باب تخفيف القعود ] أي: في قعود التشهد الأول، يعني أنه أخف من الثاني، فالتشهد الثاني يطال الجلوس فيه، ويؤتى فيه بالأدعية التي يتخيرها الإنسان، كما قال في الحديث: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه) وهو من المواطن التي يشرع الدعاء فيها؛ لأن الدعاء يشرع الإكثار منه في السجود وفي التشهد الأخير، أما الأول فإنه يخفف ولا يطال. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقوله: [ (في الركعتين الأوليين) ]، أي: من الصلاة التي لها تشهدان. وقوله: [ (كأنه على الرضف) ] هو الحجارة المحماة، ومعناه: أنه يستعجل ولا يطيل. والحديث غير صحيح؛ لأن فيه انقطاعاً بين أبي عبيدة وأبيه؛ فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، وعلى هذا فهو غير ثابت؛ ولكن كون التشهد الأول أخف من التشهد الثاني والجلوس قبل السلام فهذا أمر واضح، لأن التشهد الأخير أمر الإنسان فيه بأن يتخير من الدعاء أعجبه إليه، وأيضاً شرع الدعاء في أدبار الصلوات، ودبر الصلاة يطلق على آخرها وعلى ما يلي آخرها، وقد جاءت أحاديث تذكر دبر الصلاة مطلقاً، وبعضها يذكر أن دبر الصلاة هو ما بعد الصلاة، كالحديث الذي قال: (تسبحون وتحمدون دبر كل صلاة) أي: بعد السلام. وعلى هذا فالتشهد الأخير يطال والتشهد الأول لا يطال، لكن الحديث الذي ورد بأنه يخفف على هذا الوصف وكأنه على حجارة محماة من أجل المبادرة أو السرعة لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك للانقطاع الذي بين أبي عبيدة وأبيه؛ لأنه لم يسمع من أبيه.
تراجم رجال إسناد حديث تخفيف القعود
قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ] حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي . [ حدثنا شعبة ] هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن إبراهيم ]. سعد بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبيدة ]. هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. فالرجال كلهم ثقات، ولكن الانقطاع الذي بين أبي عبيدة وبين أبيه عبد الله هو الذي يضعف به الحديث؛ لأن هناك واسطة بينهما، فهو لا يروي عن أبيه مباشرة، فروايته عنه مرسلة.
السلام
شرح حديث ابن مسعود في صفة السلام من الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في السلام: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان ح وحدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة ح وحدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص ح وحدثنا محمد بن عبيد المحاربي و زياد بن أيوب قالا: حدثنا عمر بن عبيد الطنافسي . ح: وحدثنا تميم بن المنتصر أخبرنا إسحاق -يعني ابن يوسف - عن شريك ح وحدثنا أحمد بن منيع حدثنا حسين بن محمد حدثنا إسرائيل ؛ كلهم عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه، وقال إسرائيل عن أبي الأحوص والأسود عن عبد الله : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله). قال أبو داود : وهذا لفظ حديث سفيان ، وحديث إسرائيل لم يفسره. قال أبو داود : ورواه زهير عن أبي إسحاق ويحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، وعلقمة عن عبد الله . قال أبو داود : شعبة كان ينكر هذا الحديث -حديث أبي إسحاق - أن يكون مرفوعاً ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ باب في السلام ] أي: السلام من الصلاة وهو ختامها ونهايتها، وهو تحليلها كما قال عليه الصلاة والسلام: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) فبدايتها بالتكبير الذي يحصل به التحريم، ونهايتها بالتسليم الذي يكون به التحليل. وسمي التكبير تحريماً لأن الإنسان يحرم عليه به ما كان حلالاً له قبل ذلك، كالأكل والشرب والالتفات والكلام والذهاب والإياب وغير ذلك، ويستمر كذلك إلى أن يسلم، فإذا سلم عاد ما كان حلالاً قبل التكبير إلى أن يكون حلالاً بعد التسليم، ولهذا قال: (تحليلها التسليم). وفي قوله: (تحليلها التسليم) أي: أنه نهايتها، وأن الخروج منها يكون بالتسليم ولا يكون بغير ذلك، وهذا هو التسليم المقصود بالترجمة. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) يعني: أنه يلتفت، وأن الذين عن يمينه يرون بياض خده، والذين عن يساره يرون بياض خده، ومعنى ذلك: أنه لا يسلم ووجهه للقبلة دون أن يراه من وراءه، بل الذين عن يمينه يرونه إذا التفت مسلِماً، والذين عن يساره يرون خده إذا التفت مسلماً. فهذا فيه بيان كيفية التسليم، وأنه يكون تسليمتين، وأنه يسلم عن اليمين وعن الشمال، وأن المصلي يلتفت عند سلامه التسليمة الأولى إلى اليمين والتسليمة الثانية إلى اليسار، وأنه يحصل منه الالتفات بحيث يرى خده من جهة اليمين ومن جهة الشمال، وهذا هو الغالب المعروف من فعله صلى الله عليه وسلم. وأما لفظ السلام فهو: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وقد جاء في بعض الروايات زيادة: (وبركاته) كما سيأتي، ولكن الغالب الذي جاء عن عدد من الصحابة، أنه كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله.
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في صفة السلام من الصلاة
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ] هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ] وهو الثوري ، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زائدة ]. هو زائدة بن قدامة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا مسدد ]. هو ابن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري و أبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا أبي الأحوص ]. هو سلام بن سليم الحنفي ، إذا جاء في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود أبو الأحوص فالمراد به سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا محمد بن عبيد المحاربي ]. وهو صدوق أخرج له أبو داود والترمذي و النسائي . [ وزياد بن أيوب ]. وهو ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي ]. [ حدثنا عمر بن عبيد الطنافسي ]. وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا تميم بن المنتصر ]. وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ أخبرنا إسحاق -يعني: ابن يوسف- ]. إسحاق بن يوسف الأزرق ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك ]. هو ابن عبد الله النخعي الكوفي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، واختلط لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا أحمد بن منيع ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حسين بن محمد ]. حسين بن محمد هو ابن بهرام ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسرائيل ]. إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ كلهم عن أبي إسحاق ]. يعني: هذه الطرق الست التي فيها أولاً: سفيان الثوري ، ثم في الطريق الثانية: زائدة بن قدامة ، والطريق الثالثة: أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، والرابعة: عمر بن عبيد الطنافسي ، والخامسة: شريك ، والسادسة: إسرائيل ، هؤلاء الستة الذين هم نهاية هذه الأسانيد التي جاء التمييز بينها بحاء التحويل كلهم يرون عن أبي إسحاق ، ومعناه أنه تفرع من أبي إسحاق ستة فروع. وهذه الفروع الستة كان الأربعة الأولى منها بين أبي داود و أبي إسحاق اثنان، والطريقان الخامس والسادس بين أبي داود و أبي إسحاق فيها ثلاثة، فالطرق الأربع الأولى عالية، والطريقان الأخيرتان نازلتان؛ لأنه إذا قل الرجال يعتبر الطريق عالياً، وإذا زاد عدد الرجال عن الطرق السابقة فإنها طريق نازلة. والعلو يكون نسبياً، فتكون طريق عالية بالنسبة إلى طريق أخرى، فطريق رباعية عالية بالنسبة لطريق خماسية، وطريق ثلاثية عالية بالنسبة لطريق رباعية، وخماسية عالية بالنسبة لطريق سداسية، وهكذا. و أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ونسبة السبيعي إلى جزء من همدان، فهو ينسب نسبة عامة إلى همدان، ونسبة خاصة إلى سبيع، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الأحوص ]. أبو الأحوص هذا هو عوف بن مالك الجشمي ، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. فإذا جاء أبو الأحوص في طبقة التابعين الذين يروون عن الصحابة فالمراد به عوف بن مالك هذا إذا كان له رواية في مسلم ونحوه، أما إذا كان أبو الأحوص غير مسمى وموصوف بأنه شيخ من أهل المدينة أو مولى بني ليث أو مولى بني غفار فهو أبو الأحوص الذي لا يروي عنه إلا الزهري وهو مجهول، وحديثه لا يصح. إذاً: عندنا في هذه الأسانيد أبو الأحوص اثنان: أحدهما الذي يروي عنه مسدد في الطريق الثانية وهو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، والثاني الذي يروي عن الصحابة وهو عوف بن مالك الجشمي ، وكل منهما ثقة، والمتأخر روى له أصحاب الكتب الستة، والمتقدم روى له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره. [ وقال إسرائيل : عن أبي الأحوص و الأسود ]. يعني في طريق إسرائيل -وهي السادسة- زاد شخصاً آخر في الإسناد بالإضافة إلى أبي الأحوص ، وهو الأسود . فأبو الأحوص مشترك بين الطرق الست، وإسرائيل زاد بالإضافة إلى أبي الأحوص الأسود ، وهو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وهذا لفظ حديث سفيان ]. أي: أن هذا اللفظ الذي ساقه هو لفظ حديث سفيان ، وهذا فيه كما ذكرت أن أبا داود أحياناً يذكر من له اللفظ في الآخر بعد ذكر المتن، فيقول: وهذا لفظ فلان. قوله: [ وحديث إسرائيل لم يفسره ]. يحتمل أن قوله: [ لم يفسره ] أنه لم يفسر السلام، وإنما قال: يسلم عن يمينه وعن شماله، والتفسير الذي جاء في الطرق الأخرى أو طريق سفيان أنه يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله. [ قال أبو داود : ورواه زهير عن أبي إسحاق ]. وزهير هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و أبو إسحاق هو الذي اجتمعت عنده الطرق السابقة. قوله: [ ويحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق ]. أي: ورواه يحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق ، و يحيى بن آدم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق ، وقد مر ذكره، وأبو إسحاق مر ذكره. [ عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ]. هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه الأسود هو الذي مر في طريق إسرائيل أنه جمع بين أبي الأحوص وبين الأسود . قوله: [ وعلقمة عن عبد الله ]. أي: وأيضاً رواه علقمة مع الأسود عن عبد الله ؛ لأن الأسود و علقمة يرويان عن عبد الله ، و علقمة هو ابن قيس النخعي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : شعبة كان ينكر هذا الحديث -حديث أبي إسحاق - أن يكون مرفوعاً ]. كلمة: [ أن يكون مرفوعاً ]، أكثر النسخ خلت منها، وإنما فيها: [ ينكر هذا الحديث ]، وجاءت كلمة: [ أن يكون مرفوعاً ]، في بعض النسخ، ويقول صاحب عون المعبود: الأولى عدمها؛ لأن الحديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من قول ابن مسعود، وقد جاءت الطرق الكثيرة في رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يمكن أن يكون بدونها للاختلاف على أبي إسحاق فيه، وأن فيه اضطراباً، لكن كلامه في هذا الحديث لا يؤثر؛ لأن الحديث ثابت وقد جاء من طرق كثيرة، وقد جاء أيضاً من غير طريق أبي إسحاق ، فالحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يؤثر فيه ما قاله شعبة .
شرح حديث وائل بن حجر في صفة السلام من الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبدة بن عبد الله حدثنا يحيى بن آدم حدثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل عن علقمة بن وائل عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ]. أورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله عنه، وفيه: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في السلام عن يمينه: [ (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ]، يعني يزيد [ (وبركاته) ] في السلام، بخلاف الأول اللفظ: السلام عليكم ورحمة الله فقط. فهذا يدلنا على أنه جاء في بعض الأحاديث زيادة: وبركاته، وأن ذلك صحيح وسائغ، ولكن أكثر الروايات إنما جاءت بـ: السلام عليكم ورحمة الله. وفي نسخة لأبي داود لم تذكر [ وبركاته ] عن الشمال، وهذه النسخة هي التي ذكرها الألباني في كتاب الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر في صفة السلام من الصلاة
قوله: [ حدثنا عبدة بن عبد الله ]. عبدة بن عبد الله الصفار ، ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا يحيى بن آدم ]. عن يحيى بن آدم مر ذكره. [ حدثنا موسى بن قيس الحضرمي ]. موسى بن قيس الحضرمي ، صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن سلمة بن كهيل ]. سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة بن وائل ]. علقمة بن وائل صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو وائل بن حجر ، وهو صحابي أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. وقال في التقريب: إن علقمة لم يسمع من أبيه، والصحيح أنه سمع منه، وقد جاء في صحيح مسلم في بعض الأحاديث روايته عن أبيه، ومسلم يشترط الاتصال، وذكر أيضاً البخاري أنه سمع من أبيه، والذي لم يسمع من أبيه هو إنما عبد الجبار بن وائل ، وقد جاء في بعض الأحاديث أن عبد الجبار يروي عن أخيه علقمة عن وائل ، ومعنى هذا: أن أخاه سمع من أبيه، فقول الحافظ ابن حجر : لم يسمع من أبيه، يخالف ما جاء في صحيح مسلم من تخريجه بعض الأحاديث من روايته عن أبيه وهو يشترط الاتصال وعدم الانقطاع، وأيضاً صرح البخاري في التاريخ الكبير بأنه سمع من أبيه، وعلى هذا فهو متصل وليس فيه انقطاع.
شرح حديث النهي عن الإشارة باليد عند السلام من الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن زكريا ووكيع عن مسعر عن عبيد الله بن القبطية عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم أحدنا أشار بيده من عن يمينه ومن عن يساره، فلما صلى قال: ما بال أحدكم يرمي بيده كأنها أذناب خيل شمس، إنما يكفي أحدكم، أو ألا يكفي أحدكم أن يقول هكذا، وأشار بإصبعه، يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما الذي فيه أنهم كانوا يشيرون بأيديهم إلى جهة اليمين والشمال عند السلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (ما بال أحدكم يرمي بيده كأنها أذناب خيل شمس؟!) ] والمقصود الخيل التي فيها نفار، فإنك تجد ذيلها يضطرب مثل تحريك اليد عندما كانوا يسلمون. قوله: [ (إنما يكفي أحدكم، أو ألا يكفي أحدكم أن يقول هكذا وأشار بإصبعه، يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله) ]. هذه إشارة إلى الهيئة التي تكون في التشهد، وأن الإنسان يضع يديه على فخذيه، وأنه يشير عند الدعاء ثم يسلم بدون إشارة، وذكر الإصبع هنا ليس المقصود أنه يشير بها؛ لأن الإشارة بالإصبع مثل الإشارة باليد، وإنما المقصود هنا الإشارة في التشهد. ثم قال: يسلم عن يمينه وعن شماله، أي: بعدما ينتهي من الذكر والدعاء الذي يكون في التشهد يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله، وليس المقصود أنه يشير بإصبعه أو يسلم بإصبعه؛ لأن الإشارة بالإصبع مثل الإشارة باليد منهي عنها، وإنما تبقى اليد على ما هي عليه حال السلام، والرواية التالية توضح هذا، وأن المقصود أنه يضع يديه على فخذيه ولا يحركهما بالسلام. قوله: [ (يسلم على أخيه) ]. معناه: أن الإنسان يسلم على من عن يمينه ومن عن شماله، فإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله، عن يمينه وعن شماله فإنه يدعو لمن كان على يمنيه ومن كان على شماله. وبالنسبة للنافلة قد لا يكون أحد عن يمينه وعن شماله، لكن ذكروا أن الملائكة تكون عن يمينه وشماله.
تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الإشارة باليد عند السلام من الصلاة
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا يحيى بن زكريا ]. هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ووكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر ]. هو مسعر بن كدام ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن القبطية ]. عبيد الله بن القبطية ثقة، أخرج له البخاري في رفع اليدين و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث جابر بن سمرة في النهي عن الإشارة باليد عند السلام من طريق أبي نعيم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا أبو نعيم عن مسعر بإسناده ومعناه قال: (أما يكفي أحدكم أو أحدهم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله) ]. لم يذكر في الحديث الإشارة بالإصبع، فليس فيه إشارة بالسلام، ولهذا قال: [ (أما يكفي أحدكم أن يضع يده) ] أي: أن يده مهمتها أن تكون موضوعة، ولا يخلو أن تتحرك السبابة بالإشارة، وما عدا ذلك فإنها لا تحرك، وعلى هذا لا يفعل في السلام هذه الإشارة. قوله: [ (ثم يسلم عن يمينه وعن شماله) ] معنى هذا: أن اليدين تبقيان على الفخذين، ثم بعد ذلك يسلم عن يمينه وعن شماله.
تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة في النهي عن الإشارة باليد عند السلام من طريق أبي نعيم
قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا أبي نعيم ]. أبو نعيم هو الفضل بن دكين الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر بإسناده ومعناه ]. هو مسعر بن كدام .
شرح حديث جابر في النهي عن الإشارة عند السلام من طريق تميم الطائي
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم الطائي عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس رافعو أيديهم -قال زهير : أراه قال في الصلاة- فقال: ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس! اسكنوا في الصلاة) ]. أورد المصنف حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليهم وهم في الصلاة رافعي أيديهم، يعني يومئون بها عند السلام كعادتهم -كما جاء في الروايات السابقة- فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ما لكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس! اسكنوا في الصلاة) ] أي: لا تفعلوا هذه الهيئة. المقصود بهذه الرواية وما جاء في الروايات السابقة إنما هو الإشارة في السلام عن اليمين والشمال، وبعض العلماء من أصحاب أبي حنيفة استدل بهذا الحديث على أنه لا ترفع الأيدي عند الركوع والرفع منه، وحملوا الحديث على هذا، ولكن هذا لا يصح لأنه لو كان المعنى كذلك لمنع منه في تكبيرة الإحرام، وهم يقولون بالرفع فيها، والأحاديث يفسر بعضها بعضاً ويدل بعضها على بعض، والمقصود إنما هو الرفع الذي جاء مبيناً في الروايات السابقة. والتشبيه الذي جاء في الأحاديث السابقة هو نفس التشبيه الذي جاء في هذا الحديث، أي: أنه أنكر عليهم هذه الهيئة التي يفعلونها عند السلام، وليس المقصود من ذلك النهي من الرفع عند الركوع وعند الرفع منه، والحديث قد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر في الركوع والرفع منه، وثبت من حديث أبي حميد الساعدي عند القيام من التشهد الأول في صحيح البخاري .
تراجم رجال إسناد حديث جابر في النهي عن الإشارة عند السلام من طريق تميم الطائي
قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير حدثنا الأعمش ]. زهير مر ذكره، والأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المسيب بن رافع ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب. [ عن تميم الطائي ]. هو تميم بن طرفة الطائي ، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة . [ عن جابر ]. جابر بن سمرة ، وقد مر ذكره.
الرد على الإمام
شرح حديث الرد على الإمام في السلام
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرد على الإمام: حدثنا محمد بن عثمان أبو الجماهر حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه قال: (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام، وأن نتحاب، وأن يسلم بعضنا على بعض) ]. أورد المصنف هذه الترجمة في الرد على الإمام، يعني: رد السلام على الإمام، فإذا قال الإمام: السلام عليكم ورحمة الله، يرد عليه المأموم بأن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، أي: كون الإمام يسلم ويسلم عليه، فهو يبدأ بأن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، ثم يقولون هم بعده: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، فيردون على الإمام ويسلمون على غير الإمام. وأورد حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام) ]. أي: في السلام، بأن نقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله. قوله: [ (وأن نتحاب) ]. أي: يكون بيننا التحاب والتواد، والسلام كما هو معلوم من أسباب المودة وأسباب المحبة. قوله: [ (وأن يسلم بعضنا على بعض) ]. يعني: في السلام، إذا سلم عن يمينه وعن شماله يسلم؛ لكن الحديث لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من رواية الحسن عن سمرة ، وهو مدلس ولم يصرح بالسماع، وإنما يقبل منه ما صرح به، وقد جاء عنه التصريح بالسماع في حديث العقيقة، وما عدا ذلك مما فيه الرواية بغير السماع فلا يقبل. والأقوال في رواية الحسن عن سمرة ثلاثة: منهم من قبلها مطلقاً، ومنهم من ردها مطلقاً، ومنهم من فصل، والتفصيل هو الصحيح؛ لأن التفصيل فيه السماع لحديث العقيقة فقط، وأما غيرها فلم يثبت ما يدل على كونه سمع منه.
تراجم رجال إسناد حديث الرد على الإمام في السلام
قوله: [ حدثنا محمد بن عثمان أبو الجماهر ]. محمد بن عثمان أبو الجماهر ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة . [ حدثنا سعيد بن بشير ]. وهو ضعيف، أخرج له أصحاب السنن. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سمرة ]. وهو صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعلى هذا فالحديث يكون فيه تدليس؛ لأن فيه رواية الحسن ورواية قتادة وكل منهما مدلس، وأيضاً فيه رواية سعيد بن بشير وهو ضعيف، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
التكبير بعد الصلاة
شرح حديث التكبير بعد الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التكبير بعد الصلاة: حدثنا أحمد بن عبدة أخبرنا سفيان عن عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان يعلم انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير). حدثنا يحيى بن موسى البلخي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرنا عمرو بن دينار أن أبا معبد مولى ابن عباس أخبره أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره: (أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة؛ كان ذلك على عهد رسول الله صلى عليه وآله وسلم، وأن ابن عباس قال: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك وأسمعه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ التكبير بعد الصلاة ]، والمقصود من هذه الترجمة: إثبات التكبير والذكر بعد الصلاة، وأنه يرفع بهما الصوت، وذكر التكبير لأنه جاء في الرواية الأولى، وجاء في الثانية الذكر وهو أعم من التكبير؛ لأن الذكر يشمل التكبير وغير التكبير. فهو أتى بالترجمة على الرواية الأولى التي أوردها عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأنه [ (كان يعلم انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير) ] أي: المتأخرين عن الإمام يسمعون التكبير، والتكبير لم يأت ما يدل على أنه بعد السلام، وإنما يقول: أستغفر الله أستغفر الله، ويأتي بعد ذلك بالأذكار: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، هذا هو الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالتكبير جاء مع التسبيح والتحميد. فالذي جاءت به الروايات (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم استغفر ثلاثاً، ثم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام). ثم الرواية الثانية ذكرت الذكر، وهو يشمل التكبير وغير التكبير، ومعنى هذا أن لفظ الذكر يكون مطابقاً مع ما جاء في الروايات الأخرى الدالة على أنه بعد الصلاة يؤتى بالذكر الذي أوله الاستغفار، ثم: اللهم أنت السلام ومنك السلام.. إلى آخره، وجاء في هذه الرواية ذكر التكبير، فيحمل على أن المقصود من ذلك ما يكون من التكبير مع التسبيح والتحميد بعد الصلاة. ثم إنه ذكر في الباب حديثي ابن عباس ، وفيهما ما يدل على أنه يرفع الصوت بالذكر، وأن المأمومين يرفعون أصواتهم والإمام يرفع صوته، وقد جاء هذا الحديث -من الطريقين- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأنه كان يعلم بذلك إذا انصرفوا، فيدل على أن ذلك حاصل وواقع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: هذا هو المعمول به والمعهود في زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث التكبير بعد الصلاة
قوله: [ حدثنا أحمد بن عبدة ]. هو أحمد بن عبدة الضبي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا سفيان ]. هو ابن عيينة ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو ]. هو عمرو بن دينار ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي معبد ]. واسمه نافع ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ حدثنا يحيى بن موسى البلخي ]. ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس ]. وقد مر ذكر الثلاثة في الطريق الأولى.
الأسئلة
حكم الصلاة على النبي في التشهد الأول
السؤال: ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، وهل هي واجبة مثل التشهد الأخير؟
الجواب: نعم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول؛ لأنه جاء في الحديث: (قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟) فيأتي بعد التشهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فيصلى عليه في التشهد الأول والأخير، لكن إنما قيل بوجوبها في التشهد الأخير.
حكم تسليم المأموم بعد تسليمة الإمام الأولى
السؤال: من المصلين من إذا سلم الإمام التسليمة الأولى سلم معه أو بعده مباشرة، وإذا سلم التسليمة الثانية سلم، فهل هم على صواب؟ وكذلك إذا بقي على المأموم ركعة هل يقوم بعد تسليمة الإمام التسليمة الأولى أو ينتظره حتى يكمل التسليمتين؟
الجواب: الخروج من الصلاة إنما يكون بالتسليمتين، فالمأموم ينتظر الإمام حتى يفرغ من السلام ثم يتابعه، وكذلك الذي بقي عليه شيء من الصلاة ينتظر حتى يسلم الإمام التسليمة الثانية ثم يقوم لقضاء ما فاته؛ لأن التسليم يكون به الخروج من الصلاة، والخروج من الصلاة إنما هو بالتسليمتين. وقال بعض أهل العلم: تكفي تسليمة واحدة، لكن جاءت الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالتسليمتين، وذكر ذلك ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين، وتكلم كلاماً طويلاً على أنه لا يكفي واحدة وإنما يؤتى بالاثنتين، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تحليلها التسليم) والتسليم جاء فيها أنه اثنتان، فالتحلل من الصلاة إنما يكون بعد التسليمة الثانية وليس بعد التسليمة الأولى.
حكم اتقاء شر الأشرار بالمال
السؤال: رجل اعتدى على أرضي فأعطيته مالاً برضاي لأكتفي شره، فهل أنا مخطئ؟
الجواب: لست بمخطئ ما دام أنك أعطيته برضاك من أجل أن تتخلص من شره، بل أنت محسن لكونك تخلصت منه بأن تعطيه شيئاً من المال وتكتفي شره، وقد كان لك أن تشغل نفسك بالخصومة، وتحصل حقك منه عن طريق القاضي، ولكن إن صالحته على أن تتنازل عن شيء من حقك أو تعطيه شيئاً من مالك على اعتبار أنك تكتفي من الخصومة والذهاب والإياب فلست مخطئاً في هذا.
حكم التلفيق بين الروايات في الصلاة على النبي
السؤال: ينقل البعض عن الإمام النووي و العراقي في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أن الإمام النووي رحمه الله قال: ينبغي أن تجمع ما في الأحاديث الصحيحة.
الجواب: هذا تلفيق، والتلفيق لا يصلح، فلا يصلح أن تلفق الروايات وأن يجمع بعضها إلى بعض حتى تخرج صيغة ما جاءت بها الرواية، فالرواية جاءت إما بهذا وإما بهذا، فالصلاة على النبي أنواع مثل التشهد، وكل نوع منها إذا أتى به الإنسان أصاب، ولكن كونه يبحث عن الأكمل والأتم من هذه الأنواع ويأتي به هو الأولى، أما أن يأتي بأشياء يجمعها فلا. جاء في حديث: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) وجاء عنه رواية أخرى: (وأزواجه وذريته) فالتلفيق أن تقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، فتضيف إلى هذه الرواية: وأزواجه وذريته، هذا يسمى التلفيق، وذلك بأن تأخذ كل ما زاد في رواية من الروايات فتجمعها وتجعلها لفظاً واحداً، وهذا لم تأت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما جاءت الرواية بأنواع، يأتي الإنسان بواحد منها، وإذا صار إلى أكملها وأتمها فهذا هو الأولى والأكمل. أما قضية التلفيق فهذا غير صحيح.
معنى حديث: (لن يلج النار من بكى من خشية الله)
السؤال: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يلج النار من بكى من خشية الله)؟
الجواب: هذا يدلنا على فضل البكاء من خشية الله، وأن الله عز وجل يجعل من يكون كذلك ممن يدخل الجنة، لكن هذا لا يعني أن الإنسان إذا كان عليه ذنوب وعنده معاص وهو لم يتب منها أنه يدخل الجنة من أول وهلة، إلا أن يشاء الله التجاوز عنه، أما إذا لم يتجاوز الله عنه فإنه يعذب على كبائره وجرائمه، وكونه حصل منه أمر حسن يستحق عليه دخول الجنة، فهذا مثل من يأتي بالحج طبقاً لما أمر ولكنه مصر على الكبائر، فلا يعني ذلك أن الحج يكفر تلك الكبائر. وعلى هذا فيكون هذا فيه ترغيب في البكاء من خشية الله، ومعلوم أن هذا إنما يحصل من غير تكلف، وأما كون الإنسان يتكلف البكاء من غير أن يكون له داع، فهذا ليس بصحيح، ولهذا جاء في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [126]
الحلقة (157)
شرح سنن أبي داود [126]
ورد في السنة النبوية حذف التسليم -أي: عدم مده وإطالته- كما جاء في بعض الأحاديث أن من أحدث في الصلاة توضأ واستأنفها من أولها، وفي ذلك خلاف، وجاء أن من أكمل الفريضة ثم أراد التنفل فصل بينهما بالذكر المشروع، وجاء استحباب الانتقال إلى مكان آخر لصلاة النافلة.
ما جاء في حذف التسليم
شرح حديث حذف التسليم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب حذف التسليم. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثني محمد بن يوسف الفريابي حدثنا الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حذف السلام سنة) قال عيسى : نهاني ابن المبارك عن رفع هذا الحديث، قال أبو داود سمعت أبا عمير عيسى بن يونس الفاخوري الرملي قال: لما رجع الفريابي من مكة ترك رفع هذا الحديث وقال: نهاه أحمد بن حنبل عن رفعه ]. المقصود بحذف التسليم: ترك إطالته وترك مده، بحيث يأخذ وقتاً أكثر مما لو أتى به بغير مد، فلا يمد السلام فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يطوله، وإنما يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، هذا هو المقصود بحذف التسليم. وفائدته: أن الإمام يخرج من الصلاة من غير أن يكون هناك تطويل في هذا الذي به الخروج؛ لأن المأموم قد يسابقه إذا طول في السلام فيسبقه، ولكنه إذا أتى به مخففاً بسكون وهدوء وعدم سرعة خاطفة ولا تطويل، بل بتوسط: (السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) فلا يحصل من المأموم أن يسهو ويسلم فيفرغ من السلام قبل الإمام أو يكون مع الإمام؛ لأن المسابقة للإمام لا تجوز والموافقة للإمام مكروهة، والسنة هو التخلف عن الإمام يسيراً، وتلك هي المتابعة؛ لأن للمصلي مع الإمام أربع حالات: مسابقة، وموافقة، ومتابعة، وتخلف. والمشروع هو المتابعة، فالتطويل قد يؤدي إلى أن المأموم يسبق الإمام في الخروج من الصلاة. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (حذف السلام سنة) ] يعني: تخفيفه وعدم مده طويلاً بحيث يمكث وقتاً أكثر وهو يسلم. وبعدما ذكر أبو داود رحمه الله هذا الحديث ذكر كلاماً عن بعض أهل العلم في تركهم هذا الحديث ونهيهم عن رفعه، والمقصود بالشيء المتروك هو رفعه صراحة بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي تركه من تركه ونهى عنه من نهى عنه، أما إذا قال الصحابي كما جاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: [ (حذف السلام سنة) ] فيكون موقوفاً على أبي هريرة ، لكنه مرفوع حكماً؛ لأن الصحابي إذا قال: هذا سنة، أو هذا من السنة، فهو مرفوع، ولكنه مرفوع حكماً ليس تصريحاً؛ لأن المرفوع قسمان: مرفوع صراحة، ومرفوع حكماً، فالمرفوع صراحة أن يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أو نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، فيضيف الكلام ويسنده إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام مباشرة من قوله أو فعله. والمرفوع حكماً مثل قول الصحابي: من السنة كذا، أو هذا سنة، أو أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، وغيرها من الألفاظ التي لها حكم الرفع وإن كانت غير مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن التعبير بالسنة له حكم الرفع، وكذلك الأحاديث التي تأتي عن الصحابة وفيها إخبار عن عقوبة محددة أو وعيد بجنة أو نار.. أو ما إلى ذلك؛ لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل نفسه ولا من قبل رأيه، ولا يأتي بذلك إلا بتوقيف؛ لأن هذه أمور غيبية، والغيب لا يعرف إلا عن طريق عالم الغيب والشهادة حيث يوحي إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بشيء من الغيب، فيخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه فيتلقونه عنه، وأحياناً لا يضيف الصحابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً، وإنما يأتي بكلام يدل على ذلك، مثل الأحاديث التي مرت بنا وفيها: (فإن هذه قعدة المغضوب عليهم) (إن هذا فعل الذين يعذبون) ، وما إلى ذلك؛ لأن هذه أمور لها حكم الرفع. إذاً هذا هو معنى قول من نهى عن رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا النهي أو هذا الترك لا ينفي أن يكون مرفوعاً؛ لأنه مرفوع حكماً، كما مر عن ابن عباس أنه سئل عن الجلوس بين السجدتين على العقبين قال: (تلك السنة، فقيل له: إننا نراه جفاء في الرجل، قال: تلك سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم). ولما سئل ابن عباس رضي الله عنه: (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين -يعني قصر- وإذا صلى خلف إمام يتم أتم؟! قال: تلك السنة).
الكلام على المذاهب الأربعة
روى المصنف هذا الحديث عن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، وهو الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذه المذاهب الأربعة اشتهرت بسبب أن لأصحابها أتباعاً وتلاميذ عنوا بجمع أقوالهم والروايات التي نقلت عنهم والأسئلة التي سئلوها ولا يعني هذا أنه ليس هناك علماء مثلهم، بل هناك علماء مثلهم في زمانهم وقبل زمانهم. ومن المعلوم أن أصحاب المذاهب الأربعة وهم أبو حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد رحمة الله على الجميع، أولهم أبو حنيفة ، وكانت ولادته سنة (80هـ)، وآخرهم الإمام أحمد وكانت وفاته سنة (241هـ)، وقد كان في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم أناس مثلهم في الفقه، مثل الأوزاعي في الشام، فهو إمام فقيه محدث، والليث بن سعد في مصر، محدث فقيه، وسفيان الثوري في الكوفة، وسفيان بن عيينة بمكة، وإسحاق بن راهويه في مرو، وغيرهم كثير ممن اشتهروا بالفقه، ولهذا إذا قرأ الإنسان في الكتب المؤلفة في بيان العلماء -سواء كانوا من الصحابة أو من التابعين أو من بعدهم- يجد أنه يأتي في المسائل المختلفة: قال فلان الصحابي كذا، قال فلان التابعي كذا، وقال الإمام أحمد كذا، وقال الإمام الشافعي كذا.. وهكذا، فهناك أناس مثلهم في الفقه ومثلهم في العلم، ولكن لم يحصل لهم مثلما حصل للأئمة الأربعة من التلاميذ والأتباع الذين عنوا بالمذهب وتدوينه وتبويبه وتنظيمه وبيان مختلف الروايات، وبيان الراجح والمرجوح والمتقدم والمتأخر والقديم والجديد، وما إلى ذلك. وهؤلاء الأئمة الأربعة هم من أئمة أهل السنة، بخلاف غيرهم من المذاهب الأخرى التي ليست من مذاهب أهل السنة، وإنما هي مذاهب أناس خالفوا السنة، ولكن هؤلاء الأربعة هم من أهل السنة، والذين يرجعون إلى كلامهم هم أهل السنة، وعلى هذا فإن الأمر ينبغي أن يفهم، وينبغي أن يعلم أننا عندما نذكر أن هذه مذاهب أهل السنة أنه ليس العلماء المحققون مقصورين على هؤلاء الأئمة الأربعة، بل هناك كثير من أمثالهم في زمانهم وقبل زمانهم، مثل الفقهاء السبعة في المدينة، الذين كانوا في عصر التابعين وقبل الأئمة الأربعة، وكانت وفياتهم غالباً قبل المائة، وأدركوا كبار الصحابة أو متوسطيهم، فلا يقال إن الحق محصور في الأئمة الأربعة وإن غير أقوال الأئمة الأربعة لا يلتفت إليها.
تراجم رجال إسناد حديث حذف التسليم
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل ]. تقدم ذكره. [ عن محمد بن يوسف الفريابي ] محمد بن يوسف الفريابي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأوزاعي ] هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي ، كنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو عمرو وهو ابن عمرو ، وأن معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه نوع من أنواع علوم الحديث المهمة، وفائدة معرفتها أن لا يظن به التصحيف فيما إذا قيل في الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو : عبد الرحمن أبي عمرو ، فإن من لا يعرف أن كنيته أبو عمرو يظن أن (أبي) مصحفة عن (ابن)؛ لأنه عبد الرحمن بن عمرو ، فسواء قيل عبد الرحمن بن عمرو أو قيل عبد الرحمن أبي عمرو ، فإن من يعرفه ومن يكون على علم به ينتفي عنه ظن التصحيف. وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة، وهو فقيه الشام ومحدثها في زمانه، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قرة بن عبد الرحمن ] هو صدوق له مناكير، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ] هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ] أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن الذين اختلف هل هم من الفقهاء السبعة أو لا: ثلاثة، فمن العلماء من يجعل السابع أبا سلمة بن عبد الرحمن هذا، ومنهم من يجعل السابع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ومنهم من يجعل السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وعروة بن الزبير بن العوام . [ عن أبي هريرة ] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم، رضي الله عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.
سبب كثرة مرويات أبي هريرة
ومما ينبغي أن ينبه إليه بالنسبة لأبي هريرة أن أبا هريرة أسلم عام خيبر في السنة السابعة، وكانت مدة بقائه مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنوات؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي في أول سنة إحدى عشرة، ومع ذلك كان أبو هريرة أكثر الصحابة حديثاً، مع أن كثيراً من الصحابة لازموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا معه كثيراً، ولم يرو عنهم مثلما روي عن أبي هريرة ، مع أن أبا هريرة أقل مدة منهم. وقد بين العلماء السبب في ذلك، ومما قيل في ذلك: إن أبا هريرة كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم في دخوله وخروجه وذهابه وإيابه؛ لأنه كان فقيراً، وكان يأكل من طعامه ويشرب من شرابه ويكون معه باستمرار، فحصل له من تلقي الحديث ما لم يحصل لغيره؛ بسبب هذه الملازمة في هذه الفترة القصيرة، فكان ذلك من أسباب كثرة روايته. ثم أيضاً ما جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث بأحاديث وكان بسط ثوبه ثم قبضه وقال: إنه لا يفوته شيء من ذلك، ومعناه أنه حفظ كل ذلك الذي سمعه. ثم أيضاً: أبو هريرة رضي الله عنه كان ساكناً في المدينة ومقيماً فيها، والمدينة يأتيها الناس صادرين وواردين، ومن المعلوم أن الصحابي إذا كان موجوداً في البلد وقد ورد إلى البلد غير الصحابي فإنه يحرص على أن يلتقي بذلك الصحابي وأن يتلقى عنه الحديث؛ لأن رؤية الصحابي غنيمة، كما سبق أن مر في حديث الرجل الذي جاء إلى الرقة وقيل له: هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: غنيمة، يعني: لقاؤه غنيمة؛ وذلك لأن الصحابي حصل له شرف الصحبة والرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم، فالذي يرى الصحابة يرى العيون التي رأت النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لقاء الصحابي غنيمة كما قال ذلك الرجل التابعي. ومعنى هذا أن أبا هريرة رضي الله عنه كان مقيماً في المدينة والناس يحضرون ويردون إلى المدينة ويأتون إلى أبي هريرة ويأخذون منه ويعطونه، ويسمع منهم ويسمعون منه، لا سيما إذا كانوا صحابة وجاءوا إلى المدينة فيحدثهم ويحدثونه، فهذا من أسباب كثرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه، مع أن مدته التي صحب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت وجيزة. والحديث يبين أن الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة فيه ما فيه، وبعض العلماء نهى عنه؛ والشيخ الألباني ضعف هذا الحديث في ضعيف سنن أبي داود ، ولكنه ذكره في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وعزاه إلى الترمذي وإلى الحاكم، والترمذي والحاكم إنما رووه موقوفاً على أبي هريرة ، إذ ليس فيه: قال صلى الله عليه وسلم كذا، إذاً له حكم الرفع، ولكنه ليس من قبيل ما هو مرفوع صراحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي تكلم فيه من رجاله هو قرة بن عبد الرحمن ، وهو صدوق له مناكير، وقد أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن، ومسلم إنما أخرج له مقروناً. [ قال عيسى : نهاني ابن المبارك عن رفع هذا الحديث ]. عيسى هو ابن يونس الفاخوري الذي ذكره أبو داود فيما بعد، وابن المبارك هو الذي روي من طريقه هذا الحديث الذي هو مرفوع حكماً وليس فيه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا عند الترمذي . وقد نهى ابن المبارك عن رفع الحديث، أي: عن رفعه صراحة، بأن يقول: عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، لكن هذا لا ينفي أن يكون مرفوعاً حكماً كما عرفنا. [ قال أبو داود : سمعت أبا عمير عيسى بن يونس الفاخوري الرملي ، قال: لما رجع الفريابي من مكة ترك رفع هذا الحديث وقال: نهاه أحمد بن حنبل عن رفعه ]. ومعناه: أنه كان يرفعه فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وكان هذا قبل أن يذهب إلى مكة، وبعد رجوعه من مكة ترك هذا، ولعله نبه على ذلك بمكة. وعيسى بن يونس الفاخوري صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه النسائي و ابن ماجة ، قال في التقريب: لم يصح أن أبا داود روى له. قد يقال: الفريابي شيخ لأحمد في هذا الحديث، فكيف نهاه أحمد عن رفعه؟ والجواب: أن صاحب عون المعبود قال: إن الضمير في [ نهاه ] يرجع إلى أبي داود ، وإن أحمد نهى أبا داود عن رفع هذا الحديث، وأحمد هو شيخ أبي داود .
إذا أحدث في صلاته يستقبل
شرح حديث استئناف الصلاة من الحدث
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا أحدث في صلاته يستقبل. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد صلاته) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب إذا أحدث في صلاته يستقبل ]. يعني: يستقبل صلاته فيبدؤها من جديد، أي يذهب ويتوضأ ثم يصلي من جديد، ولا يبني على ما سبق قبل نقض الوضوء، وإنما يستأنف الصلاة ولا يعتد بتلك الصلاة التي قطعها بالحدث، هذا هو المقصود بالترجمة. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة: فمنهم من قال: إنه إذا أحدث فإنه يقطع صلاته ويتوضأ ويستأنف، والصلاة التي قطعت بالحدث لا يعتد بها، وإنما يؤتى بصلاة من أولها إلى آخرها على طهارة. ومن أهل العلم من قال: إنه يذهب ويتوضأ ولا يتكلم ولا يتحدث ثم إذا رجع يبني على ما سبق، والصحيح هو الذي دل عليه هذا الحديث وهذه الترجمة التي معنا، وهو أن الإنسان يستأنف الصلاة من جديد، ولا يبني على ما سبق قبل أن يحصل منه الحدث. وقد أورد أبو داود رحمه الله في هذا حديث علي بن طلق رضي الله عنه. وقوله: [ (إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته) ] معناه: أنه يستأنف الصلاة من أولها، ولا يبني على ما تقدم. قوله: [ (فسا) ] أي: خرج منه ريح ليس لها صوت؛ لأن الريح إذا خرجت من دون صوت يقال لها فساء، وإذا حصل معها صوت فهو ضراط. والحديث يدل على أن خروج الريح ناقض للوضوء، وهو كذلك بإجماع العلماء، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا شك أحدكم في صلاته هل خرج منه شيء فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) أي: حتى يسمع صوتاً لما خرج منه أو يشم ريحاً لما خرج بدون صوت وهو الفساء.
تراجم رجال إسناد حديث استئناف الصلاة من الحدث
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ] هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جرير بن عبد الحميد ] هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم الأحول ] هو عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عيسى بن حطان ] وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن مسلم بن سلام ] وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن علي بن طلق ] وهو صحابي، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . وهذا الحديث فيه من هو متكلم فيه، وهما: عيسى بن حطان و مسلم بن سلام ، وكل منهما مقبول، والألباني أورد الحديث في الضعيفة، ولكن بعض أهل العلم صححه. ولهذا فالذين احتجوا بهذا الحديث على أنه يستأنف الصلاة يقابلهم الذين قالوا إنه لا يستأنف الصلاة، واستدلوا بحديث عائشة الذي فيه: (من حصل له قيء أو رعاف فليذهب وليتوضأ، وليعد إلى صلاته وهو لا يتكلم)، ومعناه أنه يبني على ما سبق، لكن حديث عائشة هذا لم يصححه أحد، وأما حديث علي بن طلق فقد صححه ابن حبان ، فيكون أقوى من ذلك. ثم أيضاً كونه يستأنف فيه التحقق من كون الإنسان أدى ما عليه، بخلاف ذلك الذي فيه البناء من غير أن يكون هناك أساس صحيح يعتمد عليه، فإن فيه ما فيه، فلا شك أن السلامة والاحتياط للدين في الاستئناف، والحديث الذي فيه صححه بعض أهل العلم، بخلاف ذلك فإنه لم يصححه أحد.
ما جاء في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة
شرح حديث الانتقال للتطوع بعد المكتوبة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة. حدثنا مسدد حدثنا حماد و عبد الوارث عن ليث عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم -قال عن عبد الوارث - أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله -زاد في حديث حماد - في الصلاة، يعني في السبحة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة ] هكذا أتى بالترجمة مطلقة، ومعنى هذا أنه جائز، ولكن الأولى أن يغير المكان؛ لأنه إذا غير المكان يكون فيه فصل بين الفرض والنفل، وأيضاً فيه أن البقاع تشهد للإنسان بالصلاة فيها، وقد جاء في القرآن: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4] أي: أن الأرض تشهد بما حصل على ظهرها من خير أو شر، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة ما يدل على مثل ذلك، وهو أنه كان إذا خرج لصلاة العيد يذهب من طريق ويرجع من طريق، وقيل في ذلك أقوال كثيرة، منها: أن ذلك ليشهد له الطريقان. قوله: [ (في السبحة) ]. السبحة: هي النافلة. ومعنى الحديث: أن المصلي يغير المكان تقدماً أو تأخراً أو بأن يذهب إلى جهة اليمين أو جهة الشمال، أي: يصلي النافلة في مكان آخر غير المكان الذي صلى فيه الفرض. قوله: [ (في الصلاة -يعني: في السبحة-) ] أي: عندما يصلي النافلة التي يقال لها السبحة؛ لأن النوافل يقال لها ذلك، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه لما جمع بين الصلاتين لم يسبح بينهما، أي: لم يتنفل، والحديث ذكره الألباني في صحيح سنن أبي داود ، وفيه رجلان مجهولان: أحدهما مجهول العين، والثاني مجهول الحال، لكنه قد جاء حديث آخر يدل على ما دل عليه وهو يتعلق بالجمعة، وهو أن على الإنسان أن يفصل بكلام أو قيام أو قريب من هذا، ولعله صححه لوجود شيء يشهد له، وإلا فإنه من حيث الإسناد فيه رجلان مجهولان.
تراجم رجال إسناد حديث الانتقال للتطوع بعد المكتوبة
قوله: [ حدثنا مسدد ] هو ابن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن حماد ] هو حماد بن زيد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وعبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ليث ] هو ليث بن أبي سليم ، صدوق اختلط، ولم يتميز حديثه -أي: ما كان قبل الاختلاط وما كان بعده- فترك، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الحجاج بن عبيد ] وهو مجهول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن إبراهيم بن إسماعيل ] وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي هريرة ] وقد مر ذكره.
شرح حديث أبي رمثة في الفصل بين النفل والفرض
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا أشعث بن شعبة عن المنهال بن خليفة عن الأزرق بن قيس قال: (صلى بنا إمام لنا يكنى أبا رمثة فقال: صليت هذه الصلاة أو مثل هذه الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وكان أبو بكر وعمر يقومان في الصف المقدم عن يمينه، وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى من الصلاة، فصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم سلم عن يمينه وعن يساره حتى رأينا بياض خديه، ثم انفتل كانفتال أبي رمثة -يعني نفسه- فقام الرجل الذي أدرك معه التكبيرة الأولى من الصلاة يشفع، فوثب إليه عمر رضي الله عنه فأخذ بمنكبه فهزه ثم قال: اجلس! فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلواتهم فصل، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره فقال: أصاب الله بك يا ابن الخطاب) . قال أبو داود : وقد قيل أبو أمية مكان أبي رمثة ]. هذا حديث أبي رمثة رضي الله تعالى عنه، ومحل الشاهد منه: كون ذلك الرجل قام بعد السلام يتنفل، وكان قد أدرك التكبيرة الأولى، أي أنه ليس بمسبوق؛ لأن المسبوق يقوم بعدما يسلم الإمام ليتم ما فاته، وأما الذين أدركوا الصلاة من أولها فلا يصلح أن يقوموا لتنفل بعدما يسلم الإمام مباشرة، وإنما يأتون بالذكر المشروع أولاً ثم بعد ذلك يتنفلون، ولكن هذا قام وكأنه مسبوق، ولهذا احترز عن كونه مسبوقاً بقوله: [ أدرك التكبيرة الأولى ] يعني أنه ما كان مسبوقاً، وإنما قام يشفع، والمقصود بقوله: [ يشفع ] يتنفل شفعاً، لأن المتنفل لا يصلي ركعة واحدة إلا في الوتر، وأما غيره فإنه لا يقل عن ركعتين، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) والمقصود من هذا أنه لا يصلي أقل من ركعة. وقيل: إن المقصود بقوله: [ يشفع ] أي: يشفع الفرض بالنفل ويأتي بعد الفرض بالنفل. قوله: [ وقام عمر رضي الله عنه وأخذ بمنكبه فهزه ثم قال: اجلس! فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلواتهم فصل ] أي: ما حصل لهم ما حصل من العذاب إلا بكونهم لا يفصلون بين المكتوبة وغير المكتوبة، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله الذي قاله. فالحديث يدل على أن الإنسان لا يقوم ويتنفل مباشرة بعد السلام فإن هذا لا يستقيم، ولم يأت شيء يدل على هذا الربط بين الفريضة والنافلة، فعلى الإنسان أن يتمهل ويبقى يسبح ويحمد ويكبر ويأتي بالذكر الوارد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام عقب الصلاة، ولا يكون شأنه كالمسبوق، فهذا لا يصلح؛ لأن هذا يخالف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإتيان بالذكر المشروع بعد الصلاة، فإذا أتى بالذكر المشروع بعد الصلاة ثم يقوم بعد ذلك ويتنفل فلا بأس، وإن تنفل في مكان آخر فهو أولى، كما في الحديث الذي سبق. وهذا الحديث الذي معنا ضعيف غير ثابت؛ لأن في إسناده من هو ضعيف، فلا يثبت به حكم، ولكن كون الإنسان يستعجل ولا يذكر الله عز وجل بعد الصلاة فهذا لا ينبغي، بل الذي ينبغي هو التمهل والإتيان بالذكر المشروع الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله بعد صلاته، وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يفعلونه.
تراجم رجال إسناد حديث أبي رمثة في الفصل بين النفل والفرض
قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ] عبد الوهاب بن نجدة ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أشعث بن شعبة ] [ وهو مقبول أخرج له أبو داود . [ عن المنهال بن خليفة ] وهو ضعيف، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن الأزرق بن قيس ] وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ عن أبي رمثة ]. وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ قال أبو داود : وقيل أبو أمية مكان أبي رمثة ]. يعني أنه جاء بدل أبي رمثة أبو أمية ، وأبو أمية قريبة من أبي رمثة من ناحية التصحيف؛ لأن الميم والثاء والهاء متقاربة، والألف قد تميل قليلاً فتشبه الراء.
الأسئلة
خالة الرجل خالة لأولاده
السؤال: والدي يمنعني من أن أسلم على خالته أخت والدته، فهل أسلم عليها؟
الجواب: خالة والدك خالة لك، وأنت من أقاربها ومن محارمها، ولا سبب للمنع! ولا وجه له؛ لأنها من المحارم ومن الأقارب، وخالة الرجل من النسب هي خالة لأولاده.
حكم تسمية القبر النبوي بالقبر الشريف أو القبر المقدس
السؤال: ما مدى صحة إطلاق هذه العبارة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم: القبر الشريف، أو القبر المقدس؟ وما الفرق بينهما؟
الجواب: قبر الرسول صلى الله عليه وسلم يعبرون عنه بالقبر، وذكر الشريف من أجل أن الذي فيه هو أشرف الناس، ولكن كلمة (الشريف) وكلمة (المقدس) لا أعرفها في كلام المتقدمين، ولا شك أن المقبور فيه هو أشرف الناس وخير الناس وسيد الناس عليه الصلاة والسلام. إذا قيل القبر الشريف فهو المقصود، لأن الذي فيه هو صاحب الشرف، وأعظم شرف يحصل للبشر إنما هو لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فهو أشرف الناس وخير الناس وأفضل الناس وسيد الناس، والمرسلون الذين هم خير الناس هو خيرهم وأفضلهم وسيدهم عليه الصلاة والسلام."
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [127]
الحلقة (158)
شرح سنن أبي داود [127]
جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم سها في الصلاة، وهذا يدل على أن الأنبياء يجوز عليهم السهو في العبادات، لكن لا يحصل منهم السهو فيما شأنه التبليغ للوحي، فهم معصومون فيما يبلغون عن الله تعالى.
ما جاء في السهو في السجدتين
شرح حديث ذي اليدين من طريق حماد بن زيد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب السهو في السجدتين. حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر، قال فصلى بنا ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها إحداهما على الأخرى، يعرف في وجهه الغضب، ثم خرج سرعان الناس وهم يقولون: قصرت الصلاة، قصرت الصلاة، وفي الناس أبو بكر و عمر فهاباه أن يكلماه، فقام رجل كان رسول صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين ، فقال: يا رسول الله! أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: لم أنس ولم تقصر الصلاة، قال: بل نسيت يا رسول الله، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم، فقال: أصدق ذو اليدين ؟ فأومئوا: أي نعم، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر) قال: فقيل لمحمد : سلم في السهو؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة ، ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب السهو في السجدتين ]. والمقصود بالسجدتين الركعتان؛ لأن الركعة يقال لها: سجدة، ويقال لها: ركعة، فالمقصود من ذلك السهو في السلام من ركعتين في الثلاثية أو الرباعية. وسجود السهو يكون قبل السلام وبعده، فإذا كان سببه نقصاً يكون قبل السلام، كما في حديث ابن بحينة الذي فيه أنه قام وترك التشهد الأول، ثم سجد قبل أن يسلم سجدتين، وأما إذا كان سببه زيادة فإنه يكون بعد السلام كما في القصة التي أوردها أبو داود هنا من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سلم سها في الصلاة وسلم من ركعتين، ثم روجع وكان يعتقد أنه قد أكمل الصلاة، فرجع إليها وصلى ثم سلم، وبعد السلام سجد للسهو. فالحاصل أن قوله: (السهو في السجدتين) معناه: السهو في الاقتصار على ركعتين في الصلاة الثلاثية أو الرباعية ساهياً؛ لأن الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة كلها تتعلق بالسهو في سجدتين، إلا أن في آخرها حديثاً عن عمران بن حصين أنه سها فسلم بعد الثالثة، فيكون في هذه الترجمة تغليب؛ لأنه ذكر فيها السهو في سجدتين والسهو في ثلاث؛ لكن أكثر الأحاديث التي وردت في سهو النبي صلى الله عليه وسلم قبل إكماله الركعات فيها الاقتصار على ركعتين، فلعل هذا هو الذي جعل أبا داود يقتصر على السجدتين في الترجمة. وتسمية الركعة سجدة تسمية للشيء باسم بعضه؛ لأن السجدة جزء من الركعة، فيسمى الشيء باسم بعضه، مثل ما مر بنا قريباً التشهد والمقصود به من التحيات... إلى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ لكن سمي الكل باسم بعضه الذي هو أهم شيء فيه، وهو أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة في أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم إحدى صلاتي العشي وهي الظهر أو العصر كما جاء ذلك في الحديث، والعشي هو آخر النهار من الزوال إلى الغروب؛ لأن ما قبل الزوال صباح وبكور وما بعد الزوال عشي ومساء، فقال: (إحدى صلاتي العشي) ثم فسرها بالظهر أو العصر، يعني: أنه شك. قوله: (ثم سلم، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يديه عليها إحداهما على الأخرى، يعرف في وجهه الغضب صلى الله عليه وسلم) وجاء في بعض الروايات: (أنه شبك بين أصابعه واستند إلى هذه الخشبة المعروضة في المسجد). قوله: (وخرج سرعان الناس) يعني: الذين يخرجون من المسجد ولا يمكثون، فخرجوا وهم يقولون: (قصرت الصلاة، قصرت الصلاة) لأن الزمن زمن تشريع، ففهموا أن الصلاة لم تعد رباعية وأنه نسخ ذلك وصارت ثنائية، هذا هو الذي فهموه. وكان في الجالسين أبو بكر و عمر وشخص يقال له: ذو اليدين كان في يديه طول وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين ، فقال: (يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟) يعني: هي واحدة من ثنتين: فإما أنه وقع نسيان، وإما أنه نزل الوحي وحصل تشريع بأن الصلاة الرباعية جعلت ثنائية. فقال عليه الصلاة والسلام: (لم أنس ولم تقصر الصلاة) أي: في علمي وفي ظني أنه ما حصل نسيان ولا حصل تشريع بأن الصلاة تقصر، فلما قال له ذلك قال: (بل نسيت يا رسول الله) أي: ما دام أنه لم يحدث تشريع بقصر الصلاة فالنسيان قد حصل، فالرسول صلى الله عليه وسلم التفت إلى الناس وقال: (أصدق ذو اليدين؟ ) لأن هذا ما اختص به شخص واحد، بل الناس مشتركون فيه، ولا يختص بعلمه أحد دون أحد. قوله: (فأومئوا: أي نعم) جاء في بعض الروايات أنهم قالوا: (نعم) ويمكن الجمع بينهما بأنهم جمعوا بين هذا وهذا، فأومئوا وقالوا: نعم، نوافق ما قاله ذو اليدين من أنه قد حصل النسيان. (فرجع عليه الصلاة والسلام إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين، ثم سلم) أي: تشهد وسلم، ثم سجد سجدتين للسهو. وفي هذا الحديث قيل لراويه وهو محمد بن سيرين : (هل سلم في السهو؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة ؛ ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم)، فكلمة: (نبئت) معناه وجود واسطة؛ لأن قول الراوي: نبئت أن فلاناً قال كذا، معناه أن بينه وبينه واسطة وليس بمتصل، فلا يوجد اتصال في ذكر التسليم، لكن التسليم جاء في حديث عمران بن حصين الذي أورده المصنف في آخر الباب فإنه ذكر أنه سجد بعد السلام سجدتين وأنه سلم، فهذا الذي ذكره محمد بن سيرين عن عمران بن حصين جاء عنه بالإسناد المتصل كما سيأتي ذكره.
ما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد والأحكام
هذا الحديث يدل على مسائل كثيرة وعلى أنواع من الفقه، وقد ألف فيه الحافظ صلاح الدين العلائي كتاباً واسعاً في مجلد سماه: (نظم الفرائد فيما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد) فهو حديث مشتمل على فوائد كثيرة، ومن فوائد هذا الحديث: أن الأنبياء يحصل منهم السهو في العبادات ويحصل في الأفعال، وأما في الأقوال وما كان شأنه التبليغ فإنه لا يحصل منهم السهو؛ لأنهم مبلغون عن الله وحيه. وأما ما يقال من أنه لا يَنْسَى وإنما يُنَسَّى ليسن، فهذا ورد فيه حديث لكنه لا يصح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والرسول أخبر أنه ينسى كما ينسون، وهو بشر، ولكنه معصوم فيما يبلغ عن الله، وما يحصل منه من خطأ في العبادة نسياناً فإنه لا يقر عليه، بل ينبه. وفي الحديث دليل على أن الإنسان إذا سلم من صلاته وهو يعتقد إتمامها وهي لم تتم، وحصل كلام حول إتمامها وعدم إتمامها؛ أن ذلك لا يؤثر على الصلاة، بل يعود الإنسان إلى الصلاة ولو حصل هذا الكلام ويبني على ما قد حصل. وإذا حصل سهو في الصلاة واحتاج المأموم إلى أن ينبه الإمام لأمر سها فيه فلا يتكلم قائلاً: بقي ركعة أو بقي كذا وكذا، وإنما يقول: سبحان الله، فإن تنبه الإمام لذلك وإلا فإنه يأتي بشيء يشعر بالمطلوب كذكر شيء من القرآن، كأن يكون المطلوب ركوعاً فيقول: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] أو سجدة فيقول: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19] ونحو ذلك مما يحصل به التنبيه. وفي الحديث دليل على ذكر الإنسان بوصفه حيث يكون مشتهراً بذلك، وهذا فيما ليس فيه تنقص أو ذكر شيء لا يرضى به الشخص، فإنه لا يذكر الشخص بشيء يكرهه ولا يرضاه، والرجل كان معروفاً بهذا الوصف وكان يلقب بهذا اللقب ويقال له: ذو اليدين ؛ لأن في يديه طولاً، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: [ (أصدق ذو اليدين؟) ] واسمه: الخرباق ، ولقب بذي اليدين لأن يديه كان فيهما طول، فدل هذا على أن ذكر الإنسان بما يتميز به إذا لم يكن فيه تنقص جائز. وفيه: أن سجود السهو يكون بعد السلام إذا كان عن زيادة في الصلاة، والزيادة التي حصلت هنا هي السلام الذي وجد في أثنائها، لأنه لا يقال: إن السهو هنا سببه النقص؛ لأن النقص قد جبر بالركعتين اللتين أتي بهما، ولكن الشيء الذي زاد هو السلام؛ لأنه حصل في الصلاة تسليم في وسطها فكان زيادة، بخلاف النقص الذي يترك مثل التشهد الأول، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قام عنه ودخل في الركعة الثالثة استمر فسجد سجدتين جبراً للنقص، وكان ذلك قبل السلام، ولكنه إذا كان السهو بزيادة فإنه يسجد للسهو بعد السلام. وسجدتا السهو مثل سجدات الصلاة، لا يقال: إن لهما كيفية خاصة، ولا أن لهما ذكراً خاصاً، وإنما يفعل فيهما ما يفعل في سجود الصلاة، يسبح الله عز وجل ويدعى، وكذلك الجلسة بين السجدتين يدعى فيها ثم بعد ذلك يكون السلام. والحديث ليس فيه ذكر السلام، إلا أن محمد بن سيرين قال: (نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم ) وهذا الذي قاله محمد بن سيرين أنه بلغه عن عمران بن حصين ثبت بالإسناد المتصل الذي جاء في آخر الباب، وهو يدل على أن الإنسان يسلم من سجود السهو. قوله: (يعرف في وجهه الغضب) لعل هذا السهو الذي حصل له سببه الغضب؛ لأن الإنسان إذا كان فيه غضب قد يحصل له تشوش وقد يحصل له شيء من السهو. قوله: (ثم خرج سرعان الناس وهم يقولون: قصرت الصلاة.. قصرت الصلاة). وهؤلاء الذين خرجوا إذا كان الزمن لم يطل فإنهم يعودون مثلما عاد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإن طال الفصل وحصل وقت طويل فإنها تعاد الصلاة من أولها. قوله: (وفي الناس أبو بكر و عمر فهاباه أن يكلماه). لعل ذلك بسبب ما رئي في وجهه من الغضب صلى الله عليه وسلم. قوله: (فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟) في هذا دليل على أنه إذا حصل أمر يتعلق بجماعة وأخبر شخص بخبر حضره الناس، أنه يرجع إلى الناس حتى يتحقق؛ لأنه قد يكون هذا الذي أخبر هو الواهم؛ وهذا خبر ليس مقتصراً عليه؛ بل هو خبر اشترك فيه الناس؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما اكتفى بقول ذي اليدين . قوله: (فأومئوا: أي نعم ) معناه: أومئوا دون أن يتكلموا. قوله: (فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه) يعني: إلى مقامه الذي كان يصلي فيه؛ لأنه تبين أن الصلاة غير كاملة، فصلى الركعتين. وهنا لم يرد ذكر التكبير، ولا أدري هل جاء في رواية أخرى. ومن المعلوم أنه إذا قام من الركعة الثانية قام بتكبير؛ لكن لو حصل النسيان بعد الركعة الثالثة بأن جلس بعدها وسلم، ثم تبين أنه بقي ركعة، فهنا يقوم بدون تكبير؛ لأن التكبير للانتقال من السجود قد حصل، ومعناه أنه لا يأتي بتكبير آخر؛ لأن التكبير بعد الثالثة يكون عند القيام منها وقد وجد؛ لكن حدث بعده جلوس نسياناً وسهواً. وعلى هذا يفهم من قوله في الحديث: [ (إنه قام وصلى الركعتين) ] أن هناك تكبيراً؛ لأن القيام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة فيه تكبير، لكن القيام من الركعة الثالثة إلى الركعة الرابعة يكون الإنسان قد كبر عندما قام وجلس، وعليه فلا يعيد التكبير لو حصل السهو في القيام من ثالثة؛ لأن عدد التكبيرات في الصلاة معروف ومحصور. قوله: (ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر، قال: فقيل لمحمد : سلم في السهو؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة ، ولكن نبئت أن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: ثم سلم). هذا فيه دليل على أنه لا يوجد تشهد بعد السجدتين، لأنه ما ذكر أنه تشهد، ومعناه أنه يأتي بعد السجدتين بسلام لا يسبقه تشهد؛ لأنه لم يأت ما يدل عليه، والأصل عدمه حتى يثبت. وقال بعض أهل العلم: إذا جلس بعد السلام يجلس للتشهد ثم يسلم، فيكون التشهد الذي بعد سجدتي السهو مسبوقاً بتشهد، والقول الصحيح أنه لا تشهد.
تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين من طريق حماد بن زيد
قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد ]. هو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً.
الأسئلة
عدم دلالة حديث ذي اليدين على عدم قبول خبر الواحد
السؤال: هل في حديث ذي اليدين دلالة على عدم قبول خبر الواحد؟
الجواب: حديث ذي اليدين لا يدل على أن خبر الواحد لا يقبل؛ لأنه ورد في أمر قابله اعتقاد ما هو خلافه، وهناك أناس حضروا، ويمكن التحقق من الأمر بحضورهم وسماعهم، فالذي عنده اعتقاد خلاف ما يقول هذا الشخص يجد ما يؤيده من كثرة الناس، فهذا لا يقال: إن فيه دليلاً على أنه لا يحتج بخبر الواحد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتقد بأنه قد أكمل الصلاة؛ وهذا شخص واحد يقول له: إنك سهوت، وهناك ناس حاضرون، فحصل السؤال حتى يتحقق من الأمر. والأحاديث التي تدل على قبول الخبر الواحد لا تحصى كثرة؛ وليس هذا مجال ذكرها. وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه كان يتوثق في بعض المسائل، أي: يطلب من الذي يخبره أن يأتي بمن يؤيده ويشهد له، ولا يعني ذلك أنه إذا لم يأت بأحد أنه يرد الخبر؛ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحدث الحديث في مكان يحضره بعض الناس ويغيب عنه كثير من الناس، وكل يحدث بما سمع؛ ولكن عمر رضي الله عنه كان يريد أن يحتاط، وقد ذهب معاذ بن جبل إلى اليمن لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بالدعوة إلى الله وأن يعلم الناس دينهم، وقامت الحجة عليهم بتعليم معاذ ، ولم يقل أهل اليمن لمعاذ : إننا لا نقبل كلامك حتى يأتي عدد كبير. وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل رسولاً واحداً يعلم الناس ويفقههم في الدين، وكان يتعين عليهم قبول خبره، والعمل بما يعلمهم إياه.
إفادة خبر الواحد العلم
السؤال: الحجة قائمة بخبر الواحد؛ لكن خبر الواحد هل يفيد الظن أو يفيد العلم؟
الجواب: الأصل أنه يفيد العلم، وتقوم به الحجة، وكونه يفيد الظن، هذا هو الذي جعل كثيراً من الناس لا يقبلون خبر الواحد وخاصة فيما يتعلق بالعقائد؛ لأنهم يقولون: إنه ليس حجة في العقائد؛ لأنه يفيد الظن. ومن المعلوم أن معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسل إلى اليمن كان يعلمهم العقيدة ويعلمهم التوحيد ويعلمهم الأصول والفروع.
الأب ليس محرماً لزوجة أخي ولده لأم
السؤال: لي أخ لأم قد تزوج فهل تكون زوجته محرماً لأبي؟
الجواب: أخوك لأمك زوجته أجنبية بالنسبة لأبيك؛ لأنه ليس من أولاده، فلا يدخل في قوله: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23] ؛ لأنه ليس ابناً له.
حكم الطلاق قبل الدخول مع وجود الخلوة
السؤال: رجل طلق زوجته قبل الدخول بها، لكن كانت بينهما خلوة، فهل لها الصداق كاملاً أم لها النصف؟ وهل عليها العدة أم لا؟
الجواب: إذا كانت الخلوة موجودة، وكان قد اختلى بها وتمكن منها وأغلق الباب عليهما، سواء فعل الجماع أو لم يفعل؛ فإن لها الصداق كاملاً وعليها العدة أيضاً، وله الحق في أن يراجعها.
حكم زوج أم الزوج
السؤال: امرأة متزوجة، فهل زوج أم زوجها محرم لها؟
الجواب: زوج أم الزوج ليس محرماً للزوجة.
تقديم أذكار ما بعد الصلاة على السنن الراتبة
السؤال: يقول: هل الأولى لي بعد الصلاة على الميت أن أؤدي النافلة للفريضة أم أجلس وأسبح ثم أقوم وأؤدي النافلة؟
الجواب: الأولى هو الجلوس؛ لأن التسبيح والذكر يؤتى به قبل النوافل، وليس محله بعد النوافل، وهذه الصلاة التي هي صلاة الجنازة طارئة تفوت، فلا يشتغل بالتسبيح عنها؛ لأنها ليست بيده، وأما النافلة فهي بيده، فلا يقدم النافلة على الذكر الذي يكون بعد الصلاة؛ لأنه تابع للصلاة."