فائدة - قال الشنقيطى رحمه الله فى
[-- وقال ابن كثير في تفسير قوله : {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} : "وأما المجوس : فإنهم - وإن أخذت منهم الجزية تبعاً وإلحاقاً لأهل الكتاب - فإنهم لا تؤكل ذبائحهم ، ولا تنكح نساؤهم ، خلافاً لأبى ثور إبراهيم بن خالد الكلبي ، أحد الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد ابن حنبل . ولما قال ذلك واشتهر عنه ، أنكر عليه الفقهاء ، حتى قال عنه الأمام أحمد : "أبو ثور كاسمه" ، يعنى في هذه المسألة . وكأنه تمسك بعموم حديث روى مرسلاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" ، ولكن لم يثبت بهذا اللفظ ، وإنما الذي في صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن عوف "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من مجوس هجر" . ولو سلم بصحة هذا الحديث ، فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية : {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} ، فدل بمفهومه - مفهوم المخالفة - على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحل" انتهى كلام ابن كثير بلفظه .
واعترض عليه في الحاشية الشيخ السيد محمد رشيد رضا بما نصه فيه : "أن هذا مفهوم لقب وهو ليس بحجة" ، قال مقيده - عفا الله عنه - : الصواب مع الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - واعتراض الشيخ عليه سهو منه ، لأن مفهوم قوله : {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}مفهوم علة لا مفهوم اللقب كما ظنه الشيخ . لأن مفهوم اللقب في اصطلاح الأصوليين هو ما علق فيه الحكم باسم جامد ، سواء كان اسم جنس ، أو اسم عين ، أو اسم جمع .
وضابطه أنه هو الذي ذُكر ليمكن الإسناد إليه فقط ، لا لاشتماله على صفة تقتضي تخصيصه بالذكر دون غيره ، أما تعليق هذا الحكم - الذي هو إباحة طعامهم - بالوصف بإيتاء الكتاب صالح لأن يكون مناط الحكم بحلية طعامهم ، وقد دل المسلك الثالث من مسالك العلة المعروف بالإيماء والتنبيه على أن مناط حلية طعامهم هو إيتاؤهم الكتاب ، وذلك بعينه هو المناط لحلية نكاح نسائهم ، لأن ترتيب الحكم بحلية طعامهم ونسائهم على إيتائهم الكتاب ، لو لم يكن لأنه علته ، لما كان في التخصيص بإيتاء الكتاب فائدة ، ومعلوم أن ترتيب الحكم على وصف لو لم يكن علته لكان حشواً من غير فائدة، يفهم منه أنه علته بمسلك الإيماء والتنبيه
قال في مراقي السعود في تعداد صور الإيماء:
وذكره في الحكموصفا قد ألم
كما إذا سمع وصفا فحكم
ومنعه مما يفيتاستفد
إن لم يكن علته لم يفد
ترتيبه الحكم عليه واتضح
ومحل الشاهد منه قوله: "استفد ترتيبه الحكم عليه" وقوله: "وذكره في الحكم وصفا أنلم يكن علته لم يفد" ومما يوضح ما ذكرنا أن قوله: {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} موصول وصلته جملة فعلية وقد تقرر عند علماء النحو في المذهب الصحيح المشهور أن الصفة الصريحة كاسم الفاعل واسم المفعول الواقعة صلة أل بمثابة الفعل مع الموصولولذا عمل الوصف المقترن بأل الموصولة في الماضي لأنه بمنزلة الفعل كما أشار له فيالخلاصة بقوله:
وغيره إعماله قد ارتضي
وإن يكن صلة أل ففيالمضي
فإذا حققت ذلك علمت أن الذين أوتوا الكتاب بمثابة ما لوقلت وطعام المؤتين الكتاب بصيغة اسم المفعول ولم يقل أحد أن مفهوم اسم المفعول مفهوم لقب لاشتماله على أمر هو المصدر يصلح أن يكون المتصف به مقصودا للمتكلم دون غيره كما ذكروا في مفهوم الصفة فظهرأن إيتاء الكتاب صفة خاصة بهم دون غيرهم وهى العلة في إباحة طعامهم ونكاح نساءهم فادعاء أنها مفهوم لقب سهو ظاهر وظهر أن التحقيق أن المفهوم في قوله: {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} مفهوم علة ومفهوم العلة قسم من أقسام مفهوم الصفة فالصفة أعم من العلة وإيضاحه كما بينه القرافي أن الصفة قد تكون مكملة للعلة لا علة تامة .أهـ انتهي من كلام الشنقيطي