تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: النقض والإلزام لشبة الاشاعرة فى صفة الكلام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي النقض والإلزام لشبة الاشاعرة فى صفة الكلام

    اتفق الأشاعرة على أن كلام الله تعالى ليس بحرف ولا صوت ، ولهم شبهات :
    الشبهة الأولى: قالوا إن الحروف متعاقبة, يعقب بعضها بعضاً, وكذلك الأصوات، فلو كان كلام الله بحرف وصوت لكان حادثاً، والله منزه عن الحوادث، فلزم أن يكون كلامه بلا حرف ولا صوت .
    والجواب:
    1- تعارض الأشاعرة هنا بما سبق أن أورد عليهم في صفات الأفعال إذ يلزمهم القول بقيام الصفات الاختيارية بذات الباري, وهم يسمون مثل هذا بحلول الحوادث. ووجه الإلزام أنه ما من شك أن كل مخلوق فهو كائن في وقت مخصوص بعد أن لم يكن فيقال عندئذ: ما الذي أوجب حدوثه في ذلك الوقت المخصوص؟ فإن قالوا الإرادة الأزلية هي التي خصصت ذلك! فيقال لهم: إن الإرادة صالحة لذلك أزلاً، فما من وقت يقدر إلا والإرادة صالحة للإيجاد فيه، قالوا: إن الإرادة وإن كانت صالحة أزلاً للتخصيص إلا أنها تعلقت تنجيزياً في وقت مخصوص بذلك المخلوق المراد. فيقال لهم: هذا التعلق إن كان شيئاً عدمياً فهو ليس بشيء، فلم يحدث شيء إذا، فيلزم عدم وجود شيء أصلاً، وإن كان التعلق وجودياً فهذا هو الفعل الاختياري الذي فررتم منه، فصح إذا أن الله يفعل ما شاء متى ما شاء – فإذا ثبت هذا كان لا محذور من وجود التعاقب في الكلام.
    2- ثم إن قولهم: يلزم من القول: بالتعاقب الحدوث، وأن كل حادث فهو مخلوق، فقول لا يسلم لهم، إذ هذا الكلام مبني على القياس الشمولي – وهو لا يجوز في المطالب الإلهية – فإنه وإن ثبت تعاقب في الكلام لكن لا يلزم ثبوت المساواة والمماثلة – بدليل "أن الله سبحانه وتعالى يتولى الحساب بين خلقه يوم القيامة في حالة واحدة، وعند كل واحد منهم أن المخاطب في الحال هو وحده" فثبت من هذا عدم تحقق المماثلة.
    3- وإيرادهم الذي ذكروه هو خلاف مجرد للأدلة الكثيرة كقوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82] ففي هذه الآية إثبات تعلق الكلام بالمشيئة. وعلقه بإذا الدالة على المستقبل.
    الشبهة الثانية: قالوا إن الحروف تحتاج إلى مخارج: الحلق, واللسان, والشفة، ولابد من اصطكاك الهواء بالمخارج ونحو ذلك ليحدث الصوت، وهذه صفات الخلق لا صفات الخالق، فوجب تنزيه الله عنها.
    والجواب : قولهم إنه لا يعقل حرف ولا صوت إلا بمخارج منقوض بتكلم السموات والأرض: قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت: 11] وتكلم الجوارح: أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت: 21]. إلى غير ذلك مما تواتر نقله، فإذا بطلت هذه المقدمة فسدت النتيجة.
    ويجاب عليهم ثانياً: بأن هذا قياس للخالق على المخلوق – وهو ممنوع – كما قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11].
    ويلزمهم على قولهم هذا ما أورده عليهم المعتزلة من أنه يلزم من إثبات صفة البصر إثبات ما للخلق من الحدقة وغيرها، وهم لا يسلمون بلزوم هذا الاشتراك فلزمهم كذلك.
    الشبهة الثالثة : قالوا: إذا قلتم إن الحروف والأصوات قديمة لزم أن يكون كل كلام قديماً كذلك، وإذا قلتم إنها حادثة رجع الكلام إلى ما قلناه أولاً، وإذا قلتم إن كلام الله بحروف وأصوات قديمة, وأن الخلق يتكلمون بحرف وصوت حادث لزم أن يكون ما في المصحف ليس كلاماً لله لأنه مكتوب بحروف حادثة، وإذا قرئ فبصوت حادث كذلك.
    الجواب: لا يلزم إذا قلنا إن صوت الباري وحروفه غير مخلوقة أن تكون كل الأصوات والحروف غير مخلوقة، لأن الصوت الذي يحصل به إنشاء الكلام ليس مثل الصوت الذي يحصل به أداؤه وتبليغه – يوضحه الآتي:
    لو أن شخصاً أنشد شعراً لأحد فحول الشعراء كلبيد مثلاً: فإنه يقال: إن الشعر شعر لبيد، الذي تكلم به بصوته، إلا أن هذا الشخص أداه بصوته، وهو فعله، وليس صوت هذا الشخص هو صوت لبيد, وهذا معلوم ضرورة – فإذا علم هذا الفرق بين المخلوقين، فأولى أن يكون هذا الفرق بين الخالق والمخلوق ثابتاً، وما قيل في الصوت يقال في الحرف ) .
    ولا يجوز إطلاق القول بأن الحروف قديمة، ذلك لأن الحروف صفة للكلام، فهي وإن كانت واحدة بالنوع إلا أن أعيانها ليست كذلك، والكلام إذا أطلق لا يكون إلا بحرف وصوت، فكلام الله ما قام به وهو ليس مخلوقاً، ففي هذه الحالة لا تكون الحروف مخلوقة. وأما كلام الخلق فهو ما قام بهم وهو مخلوق، إذ هو صفة لهم فحروفهم وأصواتهم إذاً مخلوقة .
    وأما قولهم إن المصحف مكتوب بحروف حادثة وإذا قرئ فبصوت حادث فيلزم أن يكون ما في المصحف ليس كلاماً لله فجوابه: إن الحروف تطلق ويراد بها الصوت المقطع، وقد يراد بها المداد أو شكله .
    ولا شك أن المداد مخلوق وشكله كذلك إذ هو فعل الإنسان، ولكن لا يلزم من هذا أن يكون ما في المصحف ليس كلاماً لله – يوضحه: أن الأشياء إما أعيان قائمة بذاتها، أو أشياء قائمة بالأعيان، فالأشياء القائمة بنفسها – وهي الأعيان كالسماء – لها أربع مراتب: وجودها الخارجي بنفسها، ووجودها الذهني، ووجودها اللفظي اللساني، ووجودها الرسمي الكتابي، ولاشك أن كل مرتبة تختلف عن الأخرى.
    أما الأشياء التي لا تكون قائمة بنفسها وإنما تقوم بغيرها – فهذه قد تكون لها المراتب الأربع المذكورة سابقاً كالألوان، وقد تكون لها ثلاث مراتب فقط كالكلام فله وجود خارجي: وهو ما قام باللسان، ووجود ذهني هو ما قام بالقلب، ووجود رسمي هو ما ظهر بالكتابة .
    وعليه فإن المرتبة اللفظية للكلام هي المرتبة الخارجية عينها, ولذلك فإن كلام الله غير مخلوق حيث ما تصرف، فإذا كتب كان هو كلامه، وأما الحبر, والمداد, وشكله فمخلوق، وإذا قرئ فسمع كان المسموع كلامه مسموعاً من المبلغ عنه, لا مسموعاً من الله .
    ثم فيما يلي أربعة إلزامات على الأشاعرة في قولهم إن كلام الله بلا حرف وصوت موجهة إليهم بطريقة السؤال:-
    الإلزام الأول: إذا كان الكلام نفسياً بلا حرف ولا صوت فما الذي سمعه موسى عليه السلام؟
    أجابوا: بأن الله أزال عنه الحجاب وأسمعه الكلام القديم ثم أعاد الحجاب .
    وهذا القول صريح منهم بأن الله تعالى لا يتكلم، وإنما الذي فعله هو رفع الحجاب، ورفع الحجاب ليس تكليماً، وقد أكد الله أنه تكلم فقال: وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] فأكد قوله بالمصدر ليفيد الحقيقة. ثم إنه يقال لهم ما شفيتم عليلاً إذ فررتم من الحقيقة, وهي هل يمكن سماع غير الأصوات؟ وهنا اضطربوا فالتزام الغزالي: أنه سمعه بلا حرف ولا صوت, كما أنه يرى في الآخرة بلا كم ولا كيف20) ، وهذه الموازنة غلط بيِّن, إذ هو قد أثبت رؤية ذاته, ولم يلتزم أن تكون ذاته ذات كم وكيف, فكان عليه أن يثبت صوتاً لا يشبه أصوات الخلق كما وازن، وإلا فلا فائدة في موازنته ولا مناسبة. مع أن استعماله لتلك العبارات لم يكن معروفاً عند السلف – وأيضاً فإنه لم يأت ببرهان يفيد أنه يمكن سماع غير الأصوات, فلجأ إلى أن ذلك عن طريق خرق العادة – ولم يأت ببرهان على ما ادعاه – بل ناقض صريح الآية في تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام كما تقدم قريباً.
    والتزم الإسفراييني أن موسى عليه السلام سمع صوتاً تولى الباري خلقه من غير كسب للعباد؟ قلت: وهذا رجوع صريح لمذهب المعتزلة.
    ولهم قول ثالث: وهو أنه سمعه بصوت من جميع الجهات على خلاف ما هو العادة (22) . ولم يبينوا هل الصوت الذي سمعه هو صوت الباري أو لا؟ والذي يظهر أنهم لا يثبتونه صوتاً للباري, لأنهم اتفقوا على أن كلامه نفسي فقط, والفرق بين هذا القول والقول الثاني: هو أن القول الثاني: خص الصوت المخلوق بجهة معينة، والقول الثالث: لم يخص الصوت المخلوق بجهة معينة، وهذا كله محض افتراء وتمويه, والتزام للجهالة, إذ القول الثالث مآله إلى أن الكلام لم يقم بمتكلم أصلاً، وهو مع ذلك مناقض للآية في تحديد جهة الكلام التي سمع منها موسى عليه السلام, كلام الله بلا واسطة، قال تعالى: نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ [القصص: 30].
    الإلزام الثاني: وهو إذا كان الكلام نفسياً فقط بلا حرف ولا صوت، فما الفرق بين مراتب الوحي الثلاث؟ وبتعبير أوضح، ما مزية موسى عليه السلام الذي اصطفاه الله بكلامه على من سمع الوحي بواسطة الملك أو كان إلهاماً؟
    وليس لهم جواب يشفي في هذا الموضوع – فغاية ما قالوه هو قول الباقلاني: "إن الله تعالى يسمع كلامه لخلقه على ثلاث مراتب: تارة يسمع من شاء كلامه بغير واسطة لكن من وراء حجاب – ونعني بالحجاب للخلق لا للحق – كموسى عليه السلام، أسمعه كلامه بلا واسطة لكن حجبه عن النظر إليه، وتارة يسمع كلامه من شاء بواسطة مع عدم النظر والرؤية أيضاً من ملك, أو رسول, أو قارئ... وتارة يسمع كلامه من شاء من الخلق بغير واسطة ولا حجاب كتكليمه لنبينا عليه السلام ليلة المعراج..." .
    وهذا كله مع التزامه بنفي الحرف والصوت، فظهر أن تقسيمه السابق لم يفد شيئاً.
    الإلزام الثالث: إذا كان الكلام نفسياً بلا حرف ولا صوت، وإنما هو شيء قديم، فما الفرق بينه وبين الإرادة والعلم؟
    وليس لهم إلا أن يقولوا: إن تعلق الكلام تعلق دلالة، وتعلق العلم تعلق انكشاف، وتعلق الإرادة تعلق تخصيص بالمراد، وأيضاَ فإن دليل الكلام السمعي, والإرادة, والعلم عقلي، وإن المعنى لغة لكل واحدة يختلف عن الأخرى .
    والجواب:
    إنه إذا رجعتم إلى اللغة لزمكم أن تثبتوا الصفات كما دل على ذلك الوضع اللغوي، ففي اللغة لا يفهم متكلم إلا من قام به الكلام وتكلم به حقيقة، وإن كانت الحقائق تختلف بين الخالق والمخلوق.
    والتفريق بين الصفات من حيث نوع الدليل فيه اضطراب واضح، إذ أنه لا يمكن إقامة الدليل على شيء معين إلا بعد تصور ذلك الشيء المعين، وأن الدليل يدل عليه. وهم لم يتصوروا شيئاً من ذلك على وجهه سوى أنهم قالوا: إن تعلق الكلام تعلق دلالة، ولم يلتزموا هذا في تعريف الكلام بأنه يكون بحرف وصوت, فأين الدلالة؟ وسيأتي إلزام خطير في المقصد الرابع – الإلزام الثالث منه – إن شاء الله تعالى.
    الإلزام الرابع: إذا كان الكلام بلا حرف, ولا صوت يقوم بالمتكلم، فما المراد بالخرس؟ .
    أجابوا بأن الخرس آفة باطنية, تمنع من الكلام النفسي .
    وهذا الجواب في غاية السقوط، فهم لم يعرفوا الخرس كما هو في اللغة, ويلزمهم على هذا أن يقولوا إن الأخرس متكلم، لأنه لاشك متصور للكلام إلا أنه قامت به آفة فلم يتكلم كلاماً مسموعاً – وفي هذا قلب واضح للحقائق اللغوية والشرعية .
    وكل هذا التزموه لاختراعهم قولاً لم يسبقوا إليه قط لا من السلف ولا من المبتدعة قبلهم، وفي هذا يقول الإمام الحافظ أبو نصر السجزي: "لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب, والقلانسي, والصالحي, والأشعري وأقرانهم... في أن الكلام لا يكون إلا حرفاً وصوتاً ذا تأليف واتساق, وإن اختلفت به اللغات". وقد نقل الشهرستاني قولاً قريباً من هذا ولم يتعقبه بشيء – مما يدل أنه قد أقر بخرق الأشاعرة للإجماع.[موسوعة الفرق - فرقة الاشاعرة - المسائل المتعلقة بالصفات عند الاشاعرة - المطلب الثالث - كلام الله]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2019
    المشاركات
    260

    افتراضي رد: النقض والإلزام لشبة الاشاعرة فى صفة الكلام

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة

    أجابوا: بأن الله أزال عنه الحجاب وأسمعه الكلام القديم ثم أعاد الحجاب .
    وهذا القول صريح منهم بأن الله تعالى لا يتكلم، وإنما الذي فعله هو رفع الحجاب، ورفع الحجاب ليس تكليماً، وقد أكد الله أنه تكلم فقال: وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] فأكد قوله بالمصدر ليفيد الحقيقة. ثم إنه يقال لهم ما شفيتم عليلاً إذ فررتم من الحقيقة, وهي هل يمكن سماع غير الأصوات؟ وهنا اضطربوا فالتزام الغزالي: أنه سمعه بلا حرف ولا صوت, كما أنه يرى في الآخرة بلا كم ولا كيف20) ، وهذه الموازنة غلط بيِّن, إذ هو قد أثبت رؤية ذاته, ولم يلتزم أن تكون ذاته ذات كم وكيف, فكان عليه أن يثبت صوتاً لا يشبه أصوات الخلق كما وازن، وإلا فلا فائدة في موازنته ولا مناسبة. مع أن استعماله لتلك العبارات لم يكن معروفاً عند السلف – وأيضاً فإنه لم يأت ببرهان يفيد أنه يمكن سماع غير الأصوات, فلجأ إلى أن ذلك عن طريق خرق العادة – ولم يأت ببرهان على ما ادعاه – بل ناقض صريح الآية في تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام كما تقدم قريباً.
    والتزم الإسفراييني أن موسى عليه السلام سمع صوتاً تولى الباري خلقه من غير كسب للعباد؟ قلت: وهذا رجوع صريح لمذهب المعتزلة.
    ولهم قول ثالث: وهو أنه سمعه بصوت من جميع الجهات على خلاف ما هو العادة (22) . ولم يبينوا هل الصوت الذي سمعه هو صوت الباري أو لا؟ والذي يظهر أنهم لا يثبتونه صوتاً للباري, لأنهم اتفقوا على أن كلامه نفسي فقط, والفرق بين هذا القول والقول الثاني: هو أن القول الثاني: خص الصوت المخلوق بجهة معينة، والقول الثالث: لم يخص الصوت المخلوق بجهة معينة، وهذا كله محض افتراء وتمويه, والتزام للجهالة, إذ القول الثالث مآله إلى أن الكلام لم يقم بمتكلم أصلاً، وهو مع ذلك مناقض للآية في تحديد جهة الكلام التي سمع منها موسى عليه السلام, كلام الله بلا واسطة، قال تعالى: نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ [القصص: 30].
    الإلزام الثاني: وهو إذا كان الكلام نفسياً فقط بلا حرف ولا صوت، فما الفرق بين مراتب الوحي الثلاث؟ وبتعبير أوضح، ما مزية موسى عليه السلام الذي اصطفاه الله بكلامه على من سمع الوحي بواسطة الملك أو كان إلهاماً؟
    جزاكم الله خيرا
    فائدة من كلام شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله
    في محموع الفتاوي ( 5 / 29 )
    [مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ قَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا وَإِنَّمَا خَلَقَ الْكَلَامَ وَالصَّوْتَ فِي الشَّجَرَةِ]


    وَأَوَّلُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ يُقَالُ لَهُ: جَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ، فَضَحَّى بِهِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ يَوْمَ أَضْحَى، فَإِنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: ضَحُّوا أَيُّهَا النَّاسُ يَقْبَلْ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إبْرَاهِيمُ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ، فَشَكَرُوا ذَلِكَ.
    وَأَخَذَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ عَنْهُ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ وَقَتَلَهُ بِخُرَاسَانَ سَلَمَةُ بْنُ أَحْوَزَ، وَإِلَيْهِ نُسِبَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ الَّتِي تُسَمَّى مَقَالَةَ الْجَهْمِيَّةِ، وَهِيَ نَفْيُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُكَلِّمُ عِبَادَهُ وَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ، وَلَا حَيَاةٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ وَيَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ.
    وَوَافَقَ الْجَهْمَ عَلَى ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ أَصْحَابُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَضَمُّوا إلَيْهَا أُخْرَى فِي الْقَدَرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى حَقِيقَةً، وَتَكَلَّمَ حَقِيقَةً، لَكِنَّ حَقِيقَةَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ خَلَقَ كَلَامًا فِي غَيْرِهِ: إمَّا فِي شَجَرَةٍ وَإِمَّا فِي هَوَاءٍ وَإِمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ بِذَاتِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ كَلَامٌ، وَلَا عِلْمٌ، وَلَا قُدْرَةٌ، وَلَا رَحْمَةٌ وَلَا مَشِيئَةٌ وَلَا حَيَاةٌ.
    وَلَا شَيْءٌ مِنْ الصِّفَاتِ.
    وَالْجَهْمِيَّة ُ تَارَةً يَبُوحُونَ بِحَقِيقَةِ الْقَوْلِ فَتَقُولُ إنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى وَلَا يَتَكَلَّمُ، وَتَارَةً لَا يُظْهِرُونَ هَذَا اللَّفْظَ، لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّنَاعَةِ الْمُخَالِفَةِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَيُقِرُّونَ بِاللَّفْظِ، وَلَكِنْ يَقُولُونَ بِأَنَّهُ خَلَقَ فِي غَيْرِهِ كَلَامًا، وَأَئِمَّةُ الدِّينِ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا؛ وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ كَمَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ لِلَّهِ عِلْمًا وَقُدْرَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ وَنُصُوصُ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ، حَتَّى إنَّ أَبَا الْقَاسِمِ الطَّبَرِيَّ الْحَافِظَ لَمَّا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ فِي شَرْحِ أُصُولِ السُّنَّةِ مَقَالَاتِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي الْأُصُولِ، ذَكَرَ مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَقَالَ هَؤُلَاءِ، خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ نَفْسًا أَوْ أَكْثَرُ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَرَضِيِّينَ سِوَى الصَّحَابَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَمُضِيِّ السِّنِينَ وَالْأَعْوَامِ، وَفِيهِمْ نَحْوٌ مِنْ مِائَةِ إمَامٍ مِمَّنْ أَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِهِمْ، وَتَذَهَّبُوا بِمَذَاهِبِهِمْ ، وَلَوْ اشْتَغَلْت بِنَقْلِ قَوْلِ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَبَلَغَتْ أَسْمَاؤُهُمْ أُلُوفًا، لَكِنِّي اخْتَصَرْت فَنَقَلْت عَنْ هَؤُلَاءِ عَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ.
    لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ مُنْكِرٌ، وَمَنْ أَنْكَرَ قَوْلَهُمْ اسْتَتَابُوهُ أَوْ أَمَرُوا بِقَتْلِهِ أَوْ نَفْيِهِ أَوْ حَبْسِهِ، قَالَ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ: جَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ فِي سَنَةِ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثُمَّ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ، فَأَمَّا جَعْدٌ فَقَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ، وَأَمَّا جَهْمٌ فَقُتِلَ بِمَرْوَ فِي خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ.


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •