تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 5 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 100 من 120

الموضوع: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

  1. #81
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    وحدة الأمة الإسلامية في رمضان

    اللجنة العلمية


    عوائق الوحدة الإسلامية
    1- إن حالة السكون والركود التي يعيشها كثير من شعوب العالم الإسلامي ستنتج دائمًا التفكك والتمزق؛ فالانطلاق الراشد يؤمّن ترابطًا عجيبًا بين سائر بُنَى الأمة ومؤسساتها، حيث تتمكن الأمة من حل كثير من المشكلات كما أنها لا تتوهم العناء حينئذٍ من مشكلات لا وجود لها.
    2- هناك علاقة حساسة بين الوحدة والحرية قد تصل إلى حد التضاد في بعض الأحيان، مع أن كلاًّ منهما يؤمّن حاجات أساسية للفرد والأمة، فالوحدة قيود قد تصادر بعض الحريات، وتستلب شيئًا من المكاسب، وهذا على كل المستويات، والناس حين يتحملون أعباء الوحدة وقيودها إنما يفعلون ذلك لما توفره من حاجات ومصالح، ولما تدفعه من مخاطر التشرذم، فإذا أحس متحدان (شعبان أو شخصان) أن أعباء الوحدة أكبر من منافعها صاروا جميعًا إلى التخلص منها، مهما تكن العواطف قوية نحوها!
    وهذا هو أكبر سبب أدى ويؤدي إلى الانفصال بين الدول والجماعات على مدار التاريخ (وهذا هو السبب الذي يؤدي إلى الطلاق بين الزوجين)، وهذا يعني أن تفكيرًا عميقًا ودراسات مستفيضة ينبغي أن تسبق كل شكل من أشكال التوحُّد؛ حتى لا يصبح ذلك الهدف الكبير من أهداف الأمة حقلاً للتجارب المخفقة.
    3- تتطلب الوحدة الإسلامية بروز قدرة حسنة على (التكيُّف) عند أفراد الأمة؛ إذ إن الوحدة تتطلب التنازل عما هو هامشي وصغير ومؤقت في سبيل تحقيق ما هو أساسي وكبير ودائم، وهذا يتطلب وعيًا تامًّا بمكاسب الوحدة وتكاليفها، بل إن الأمر يتطلب في بعض الأحيان موقف تضحية من قبل بعض الشعوب والجماعات كما يضحي الشهيد بحياته، ويتنازل عنها في سبيل نصرة دينه ورفعة أمته، ولن يُقدِم على هذه التضحية إلا المؤمن الذي تمكَّن الإيمان من قلبه؛ فالفهم العميق والإيمان المكين شرطان لا بُدَّ منهما لحصول ذلك، والنقص فيهما أو في أحدهما قد يؤدي إلى تصارع فئتين دعواهما واحدة.

    4- الفوارق الاقتصادية الكبرى بين كثير من شعوب العالم الإسلامي تجعل تحقيق الوحدة أمرًا غير يسير، ويذكر في هذا السياق أن التبادل التجاري بين الدول الإسلامية لا يتجاوز 4% من مجمل تجارتها، أما الـ 96% فهو مع دول غير إسلامية؛ وسبب ذلك أن الغرب ظل على مدار ثلاثة قرون يكيِّف حاجات الشعوب الإسلامية مع فوائض إنتاجه؛ حتى لا يجد المسلم شيئًا من حاجاته إلا في الغرب، أو في بلدان استوردته من الغرب.
    5- على الصعيد الثقافي ذي الأثر الخطير في العلاقات بين الشعوب نلاحظ أن أكثر مناطق العالم الإسلامي هي مراكز لاجتياح العواصف والأعاصير الثقافية، فهذا بلد متأثر ببلد مجاور له غير مسلم، وهذا متأثر بمن استعمره، وآخر بمن أرسل إليه البعثات... وهكذا. والوحدة حين تقوم لا بد أن ترتكز على عدد من الركائز التربوية والثقافية إلى جانب الركائز العقدية والاقتصادية، وهذا ما نجده ضامرًا إلى حد بعيد في كثير من بلدان العالم الإسلامي.
    6- يفتقد العالم الإسلامي اليوم النواة الصلبة القادرة على تبني الأطر الوحدوية وتعزيزها، والتي تمتلك في الوقت ذاته القدرات والإمكانات التي تجذب دول العالم الإسلامي وشعوبه نحوها، وإذا علمنا أن الظواهر الكبرى لا يمكن أن تنشأ إلا حول نواة تَنْشدُّ إليها وتتحدد من حولها أدركنا الصعوبات التي تواجه الأعمال التوحيدية في العالم الإسلامي.
    7- شهد أكثر بلدان العالم الإسلامي نشاط تيارات وطنية، وقومية، وإقليمية نبتت لتملأ الفراغ الذي خلَّفه انهيار الخلافة العثمانية، وهذه التيارات أفرزت فلسفات وأدبيات تمجد الكيانات الصغيرة، وتبحث لها عن أمجاد خاصة بعيدًا عن الولاء للوطن الأكبر؛ مما يستدعي جهودًا فكرية وأدبية وثقافية كبرى تعيد بناء العلاقة السوية بين عالمنا الإسلامي الكبير، وبين الأوطان الإقليمية التي نعيش فيها، والأعراق والأجناس التي ننحدر منها.
    هذه بعض المعوِّقات التي تقف أمام خطوات توحيد العالم الإسلامي، لكن لأن الوحدة في عمومها مطلب شرعي ومصيري فإن السعي نحو التقليل من أسباب الشتات والفرقة، وبلورة بعض الأطر والمؤسسات التوحيدية، يظل هدفًا وهاجسًا لكل الغيورين على هذه الأمة والمخلصين لهذا الدين.





    دور الأفراد والهيئات تجاه الوحدة الإسلامية
    هناك بعض الإمكانات المتاحة للأفراد والهيئات الشعبية والرسمية، مما يعد تمهيدًا لجمع شمل الأمة على مستوى ما، وبكيفية من الكيفيات على الوجه التالي:
    1- تحتل اللغة العربية مكانة مهمَّة بين وسائل التوحيد، ومن ثَمَّ فإن المدخل الصحيح لكل أنواع التقريب بين المسلمين هو تعميم العربية بين الشعوب الإسلامية التي لا تنطق بها باعتبارها لغة أولى؛ إذ إن اللغة ليست وعاء فقط، لكنها وعاء ومضمون وقوالب للتفكير في آن واحد؛ وينظر المسلمون في بقاع الأرض إلى العربية نظرة إجلال وتقدير لكونها لغة كتابهم ونبيهم وتراثهم الروحي والثقافي، وهذا يساعد كثيرًا في الإقبال على تعلمها ونشرها، ومن واجب الجماعات والمؤسسات والهيئات المختلفة أن تسعى لإدخال العربية إلى مناهج تلك الشعوب باعتبارها لغة ثانية، كما أن من واجبها العمل على فتح المعاهد والمراكز التي تعلم العربية.
    2- من واجب الجماعات والمؤسسات الإسلامية أن تسعى إلى بلورة بعض الأُطُر الوحدوية كالاتحادات الإسلامية مثل (اتحاد المدرسين المسلمين، واتحاد التجار المسلمين).. وهكذا، وهذا الأمر ليس باليسير إذا أدركنا أهميته، وفرغنا له الكفاءات والطاقات المطلوبة. كما أن من المطلوب منا أن نسعى في المنطقة العربية إلى إدخال لغة إسلامية كالتركية، أو الأردية إلى مناهج تعليمنا؛ حتى نقيم جسور الأخوة والتفاهم بيننا وبين إخواننا.
    3- للدعاة الذين يجوبون العالم الإسلامي دور خطير في اكتشاف كل ما ينمي أوجه التعاون والتكامل بين بلدان العالم الإسلامي، ثم الكتابة عن ذلك ونشره؛ لتتعزز معرفة المسلمين بالإمكانات التوحيدية المتاحة.
    4- العالم الإسلامي بحاجة إلى عدد من مراكز المعلومات والدراسات المرموقة التي تعنى بتثقيف الناس بهموم العالم الإسلامي، والكشف عن إمكاناته الاقتصادية والتجارية وغيرها؛ بُغية حث الناس على توجيه طاقاتهم وتحركاتهم نحوها.

    5- في زماننا هذا قد يكون الاقتصاد في كثير من الأحيان هو ما تبقى من السياسة، بل إن السياسة تتجه لتتمحض لخدمة الاقتصاد، وفي هذا الصدد فإن من الحيوي لنمو الصناعات في العالم الإسلامي إقبال المسلمين على استهلاكها، وسد حاجاتهم بها. ونحن نقف في كثير من الأحيان من هذه المسألة الموقف المنكوس، حيث ننتظر تحسُّن الصناعة حتى نقبل على استهلاكها، مع أن من أهم سُبُل تنميتها وتحسينها ارتفاع مبيعاتها، ونجد في هذا الشأن أن أبناء الصحوة لم يفعلوا شيئًا ذا قيمة في طريق تشجيع الناس على شراء المصنوعات الإسلامية، لا عن طريق الطرح في الإطار النظري ولا عن طريق القدوة الحسنة.
    6- يتطلب توحيد العالم الإسلامي المرحلية والتدرج على مستوى المؤسسات وعلى مستوى الأقاليم، والكتل الإقليمية يمكن اعتبارها خطوات إيجابية على الطريق إذا قامت على النهج الإسلامي، وكانت مفتوحة تشجِّع الانضمام إليها، وتنمي في الوقت ذاته أدبيات (الكل) الإسلامي المنشود.
    وفي الختام فإنني أعتقد أن الطريق شاق وطويل لكنه الطريق الوحيد الذي لا مفر منه، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وحين يتوفر الإخلاص فإن رحمة الله قريب من المحسنين.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #82
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    اللجنة العلمية

    مقدمة




    شرع الله الصيام محدوداً بحدود شرعية، من تجاوزها أفسد صيامه أو نقَّصه، فيجب على المسلم أن يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله مما يتعلق بالعبادات التي فُرضت فرض عين على كل مسلم ومنها الصيام، وخاصة فيما يتعلق بمعرفته بما يؤدي إلى فساد صومه وبطلانه وقد ظهر في عصرنا هذا من المفطرات المتعلقة بالجوانب الطبية ما ينبغي النظر فيه، ودراسته، للتوصل إلى القول الذي تدل عليه النصوص والقواعد الشرعية.


    ولم أقف على كتاب أو بحث مستقلٍ حول هذه الموضوعات، عدا ما ورد ذكره في بحوث المجمع الفقهي، أو كتب الفتاوى المعاصرة، وهي تعتمد في الخوض فيها على دراستها في ضوء نصوص الكتاب والسنة، وتأصيل هذه المسائل وإرجاعها إلى قواعدها الشرعية المتعلقة بالصيام، وتخريج هذه المسائل على ما ذكره فقهاؤنا المتقدمون رحمهم الله.


    ومفسدات الصيام التي ذكرها الفقهاء قديمًا، والمتفق على أنها من المفطرات، والتي يدل عليها النص والإجماع على أنها مفسدة للصيام، ما يلي:
    الأكل.
    الشرب.
    الجماع.

    ودليل هذه الثلاثة قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)
    ([1]).
    دم الحيض والنفاس: ودليله حديث أبي سعيد الخدري "رضي الله عنه" أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"([2]).
    السَّعوط: وهو إيصال شيء إلى الجوف من طريق الأنف فهذا مفطر؛ ودليله قوله "صلى الله عليه وسلم": "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً"([3]). ولعل علة هذا النهي هي: خشية دخول الماء من الأنف إلى الجوف عند المبالغة.
    القيء: وهو تعمد إخراج ما في المعدة من الطعام، ودل على ذلك قوله "صلى الله عليه وسلم": "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض"([4]).
    الاستمناء: وهو استدعاء خروج المني بنحو لمس، أو ضم، أو تقبيل، ونحو ذلك مما يدخل تحت اختيار المرء. وهو من المفطرات عند عامة أهل العلم. قال ابن قدامة([5]): "يفطر به الصائم بغير خلاف نعلمه"، ولعموم قوله "صلى الله عليه وسلم" "يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي"([6]).

    أما المسائل المعاصرة المستجدة والتي ينبغي البحث في كونها مفسدة للصيام فكثيرة؛ منها ما يلي:
    بخَّاخُ الربو، والأقراص التي توضع تحت اللسان، والمناظير الطبية (منظار المعدة)، وقطرة الأنف، والأذن، والعين، وغاز الأوكسجين، وبخَّاخ الأنف، وغازات التخدير (البنج)، والحقن العلاجية (بأنواعها الجلدية، والعضلية، والوريدية)، والدهانات، والمراهم، واللصقات العلاجية، وإدخال القسطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين للتصوير أو العلاج، وإدخال منظار البطن، أو تنظير البطن، والغسيل الكلوي، وما يدخل إلى الجسم عبر المهبل كالغسول المهبلي، والتحاميل، والمنظار المهبلي، وأصبع الفحص الطبي، وما يدخل إلى الجسم عبر فتحة الشرج كالحقن، والتحاميل الشرجية، والمنظار الشرجي، وما يدخل إلى الجسم عبر مجرى البول كإدخال القسطرة أو المنظار، أو إدخال دواء أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة، والتبرع بالدم.




    ([1]) الآية (187)، من سورة البقرة.

    ([2]) أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، (1/116)، رقم (298).

    ([3]) أخرجه أبو داود في كتاب الصيام، باب الاستنشاق للصائم، (1/721)، رقم (2366)، والترمذي في كتاب الصيام، باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (3/155)، رقم (788)، والنسائي في كتاب الطهارة، باب المبالغة في الاستنشاق (1/66)، رقم (87)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب المبالغة في الاستنشاق والاستنفار، (1/142)، رقم (407)، وابن خزيمة في صحيحه، في كتاب الوضوء، (1/78)، رقم (150)، وابن حبان في كتاب الطهارة، باب فروض الوضوء (3/332)، رقم (1054)، والحاكم في مستدركه، في كتاب الطهارة، (1/248)، رقم (525)، من حديث لقيط بن صبرة عن أبيه عامر "رضي الله عنه".

    ([4]) أخرجه الترمذي في كتاب الصيام، باب ما جاء فيمن استقاء عمدًا، (3/98)، رقم (720)، وابن ماجه في كتاب الصيام، باب ما جاء في الصائم يقيء (1/536)، رقم (1676)، وابن حبان في كتاب الصيام، (8/284)، رقم (3518)، والحاكم في كتاب الصيام (1/589)، رقم (1557).

    ([5]) في المغني (3/20).

    ([6]) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ)، (6/2723)، رقم (7054)، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصوم (2/806)، رقم (164).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #83
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    استعمال قطرة الأنف

    اللجنة العلمية


    الأنف منفذ إلى الحلق كما هو معلوم بدلالة السنة، والواقع، والطب الحديث.
    فمن السنة قوله "صلى الله عليه وسلم": "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا"([1]). فدل هذا الحديث على أن الأنف منفذ إلى الحلق، ثم المعدة، والطب الحديث أثبت، ذلك فإن التشريح لم يدع مجالاً للشك باتصال الأنف بالحلق([2]).
    واختلف العلماء المعاصرون في تفطيرها للصائم إذا استعملها حال صيامه على قولين:
    القول الأول:
    أن القطرة في الأنف تفطر([3])، وهؤلاء يشترطون وصولها إلى الجوف (المعدة)، واستدلوا بما يلي: بقوله "صلى الله عليه وسلم": "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماًَ"([4]).
    وجه الدلالة منه:
    1.فيه دليل على أن الأنف منفذ إلى المعدة، وإذا كان كذلك فاستخدام هذه القطرة نهى عنه النبي "صلى الله عليه وسلم".
    2.وأيضًا: نهي النبي "صلى الله عليه وسلم" عن المبالغة في الاستنشاق يتضمن النهي عن إدخال أي شيء عن طريق الأنف ولو كان يسيرًا لأن الداخل عن طريق المبالغة شيء يسير.
    القول الثاني:
    أن القطرة في الأنف لا تفطر، وليس لها أثرًا في الصوم([5])، ومما عللوا به لهذا القول ما يلي:
    1.أن ما يصل إلى المعدة من هذه القطرة قليل جدًا، فإن الملعقة الواحدة الصغيرة تتسع إلى 3-5 سم، من السوائل، وكل 3 سم يمثل خمس عشرة قطرة، فالقطرة الواحدة تمثل جزءًا من خمسة وسبعين جزءًا مما يوجد في الملعقة الصغيرة. وبعبارة أخرى حجم القطرة الواحدة (0.06) من 3سم([6]). وهذا القليل الواصل أقل مما يصل من المتبقي من المضمضة، فيعفى عنه قياسًا على المتبقي من المضمضة.
    2.أن الدواء الذي في هذه القطرة مع كونه قليلاً فهو لا يغذي، وعلة التفطير هي التقوية والتغذية وقطرة الأنف ليست أكلاً ولا شرباً، -كما سبق تقريره([7])- والله تعالى إنما علق الفطر بالأكل والشرب.


    الخلاصة والترجيح:
    لقد قال النبي "صلى الله عليه وسلم" في تعليم الوضوء: "وبالغ في الاستنشاق، إلا أنتكون صائماً". وما أفهمه من هذا الحديث تنزيلاً على مسألتنا أمران:
    1.أن القطرة الخفيفة التي لا تصل إلى الحلق لا تبطل الصوم؛ لأنه "صلى الله عليه وسلم" لمينه الصائم عن الاستنشاق مطلقًا، وإنما أمره بعدم المبالغة فيه.
    2.وأما القطرات الكثيرة التي تصل إلى الحلق فإنها تفسد الصوم؛ لأنه "صلى الله عليه وسلم" نهى الصائم عنالمبالغة في الاستنشاق، والمبالغة من شأنها أن توصل الماء إلى الحلق. ويتبع ذلكالابتلاع فساد الصوم.

    ([1]) سبق تخريجه ص (272).

    ([2]) مفطرات الصيام المعاصرة، لأحمد الخليل ص (53).

    ([3]) وقال به الشيخ عبد العزيز بن باز، كما في مجموع فتاويه (15/261)، والشيخ محمد بن عثيمين كما في مجموع فتاويه (19/206)، والشيخ محمد المختار السلامي، ومحمد الألفي، كما جاء ذلك عنهما في مجلة المجمع الفقهي، العدد العشر (2/81).

    ([4]) سبق تخريجه ص (272).

    ([5]) وممن قال بهذا القول من المعاصرين: الشيخ هيثم الخياط، والشيخ عجيل النشمي، كما في مجلة المجمع الفقهي، العدد العاشر، (2/399،385).

    ([6]) مجلة المجمع الفقهي، العدد العاشر، (2/329).

    ([7]) في ص (276).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #84
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    استعمال الصائم قطرة العين

    اللجنة العلمية



    اختلف الفقهاء فيما يوضع في العين كالكحل ونحوه هل يفطر أم لا، وخلافهم هذا مبني على أمر آخر وهو هل تعتبر العين منفذاً كالفم. وحاصل ذلك ما يلي:
    فذهب الأحناف([1])، والشافعية([2]) إلى أنه لا منفذ بين العين والجوف، أو الدماغ، وبناءً على ذلك فهم لا يرون أن ما يوضع في العين مفطراً.
    وذهب المالكية([3])، والحنابلة([4])، إلى أن العين منفذ إلى الحلق كالفم، والأنف فإن اكتحل الصائم ووجد طعمه في حلقه فقد أفطر.
    وقد بحث شيخ الإسلام خلاف الفقهاء في الكحل، ومما قاله:" وأما الكحل ... فهذا مما تنازع فيه أهل العلم ... والأظهر أنه لا يفطر ... فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول "صلى الله عليه وسلم" بيانه ولو ذكر ذلك، لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي "صلى الله عليه وسلم" في ذلك لا حديثًا صحيحًا ولا ضعيفًا ولا مسندًا ولا مرسلا عُلم أنه لم يذكر شيئًا من ذلك، والحديث المروي في الكحل ضعيف([5])... وإذا كانت الأحكام التي "تعم بها البلوى" لابد أن يبينها الرسول "صلى الله عليه وسلم" بيانًا عامًا ولابد أن تنقل الأمة ذلك فمعلوم أن الكحل ونحوه "مما تعم به البلوى" كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي "صلى الله عليه وسلم" كما بين الإفطار بغيره، فلما لم يُبين ذلك عُلم أنه من جنس الطيب والبخور والدهن والبخور، قد يتصاعد إلى الأنف، ويدخل في الدماغ، والدهن يشربه البدن ويدخل إلى داخله ويتقوى به الإنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة فلما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطييبه وتبخيره وادهانه وكذلك اكتحاله"([6]).


    والطب الحديث أثبت أن هناك قناة تصل بين العين والأنف، ثم البلعوم([7])، لذا اختلف العلماء المعاصرون في قطرة العين وهل يفطر الصائم بهذا التقطير أم لا؟ على قولين:
    القول الأول:
    أن قطرة العين ليست مفطرة([8])، ومما استدلوا به ما يلي:
    1.أن جوف العين لا تتسع لأكثر من قطرة واحدة، والقطرة الواحدة حجمها قليل جدًا، فإن الملعقة الواحدة الصغيرة تتسع من 5سم إلى 3سم من السوائل، وكل 3سم يمثل خمس عشرة قطرة، فالقطرة الواحدة تمثل جزءًا من خمسة وسبعين جزءًا مما يوجد في الملعقة الصغيرة. فقطرة العين الواحدة = 0.06 من السنتيمتر المكعب. وهذا المقدار لن يصل إلى المعدة، فإن هذه القطرة أثناء مرورها بالقناة الدمعية فإنها تُمتص جميعًا ولا تصل إلى البلعوم، فإذا قلنا أنه سيصل إلى المعدة شيء فهو يسير، والشيء اليسير يعفى عنه، كما يعفى عن الماء المتبقي بعد المضمضة([9]).
    2.أن هذه القطرة أثناء مرورها في القناة الدمعية تُمْتَصُّ جميعها ولا تصل إلى البلعوم، أما الطعم الذي يشعر به في الفم فليس كذلك (أي: لا تُمتص) لأنها تصل إلى البلعوم، بل لأن آلة التذوق الوحيدة هي اللسان، فعندما تمتص هذه القطرة تذهب إلى مناطق التذوق في اللسان، فتصبح طعْمًا يشعر بها المريض، هكذا قرر بعض الأطباء([10])، وإذا ثبت هذا فهو حاسم في المسألة.
    3.أن القطرة في العين لا تفطر لأنها ليست منصوصاً عليها، ولا بمعنى المنصوص عليه، والعين ليست منفذًا للأكل والشرب ولو لطخ الإنسان قدميه ووجد طعمه في حلقه لم يفطره؛ لأن ذلك ليس منفذًا فكذلك إذا قطَّر في عينه([11]).
    القول الثاني:
    أن استعمال الصائم لقطرة العين تسبب فساد صومه([12])، وهم يقيسون في ذلك على الكحل إذا وصل إلى الحلق([13]).


    الخلاصة والترجيح:
    الذي يظهر -والله أعلم- أن استعمال قطرة العين لا يُفطر، وأما قياس ذلك على الكحل فهو محل نظر؛ لأن إفطار الصائم بالكحل محل خلاف، -كما تبين لنا من كلام ابن تيمية السابق- وإذا كان في المسألة خلاف فلا يصح القياس عليه([14]).


    ([1]) انظر: المبسوط (3/67).تبيين الحقائق (1/323).

    ([2]) الأم (2/101)، المجموع (6/363).

    ([3]) التاج والإكليل (2/425)، شرح مختصر خليل للخرشي (2/244).

    ([4]) المغني (3/19)،الفروع (3/46).

    ([5]) يُشير في ذلك إلى حديث عائشة رضي الله عنها "أن النبي "صلى الله عليه وسلم" اكتحل وهو صائم"، أخرجه ابن ماجه في كتاب الصيام، باب ما جاء في السواك والكحل للصائم (1/536)، رقم (1678)، وغيره، انظر نصب الراية (2/331).

    ([6]) مجموع الفتاوى (25/234-235)، بتصرف يسير.

    ([7]) مفطرات الصيام المعاصرة، للدكتور احمد الخليل ص (65).

    ([8]) وممن قال بهذا القول من المعاصرين الشيخ ابن باز، كما في مجموع فتاوية (15/260)، وابن كما في مجموع فتاويه أيضًا (19/206)، ود.وهبه الزحيلي ود.الصديق الضرير والشيخ عجيل النشمي، وعلي السالوس، كما في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عددها العاشر (2/الصفحات: 392،385،381،378)

    ([9]) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عددها العاشر (2/369،329)، بتصرف.

    ([10]) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عددها العاشر (2/369).

    ([11]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عدده العاشر (2/82،39).

    ([12]) قال به كما في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عدده العاشر (2/82،39)، كل من: الشيخ محمد المختار السلامي، والدكتورمحمد الألفي.

    ([13]) انظر: مفطرات الصيام المعاصرة ص (68).

    ([14]) وقد كنت سأدرج مسألة: استعمال الصائم لقطرة الأذن، إلا أني رأيت أنها لا تعم بها البلوى، فلا يكاد يستخدم ذلك إلا القلة من الناس، وعلى كل فقطرة العين هي: عبارة عن دهن" مستحضرات طبية "يصب في الأذن ؛ وإن كانت قطرة الأذن من الأمور الطبية المستجدة، إلا أن الفقهاء –رحمهم الله- أشاروا إلى شيء من ذلك تحت مسألة: إذا داوى نفسه بماء صبه في أذنه، وفي ذلك قولين لهم:
    القول الأول: إذا صب دهن في الأذن أو أدخل الماء أفطر، وهو مذهب الأحناف ، والمالكية ، والأصح عند الشافعية ، ومذهب الحنابلة ، إذا وصل إلى دماغه. وقد ذهب هؤلاء إلى القول بالتفطير، بناءً على أن ما يوضع في الأذن يصل إلى الحلق، أو إلى الدماغ، فهذا صريح تعليلهم. وانظر مزيد تفصيل لهذا القول في [بدائع الصنائع (2/93)، المدونة (1/198)، المجموع (6/204)، وشرح العمدة لابن تيمية (1/387).
    القول الثاني: أنه لا يفطر، وهو وجه عند الشافعية كما في المجموع (6/204)، وبنى هؤلاء قولهم على أن ما يقطر في الأذن لا يصل إلى الدماغ، وإنما يصل بالمسام. وهنا أرجع هذا الخلاف إلى التحقق من وصول القطرة التي في الأذن إلى الجوف (المعدة)، وقد بين الطب الحديث أنه ليس بين الأذن وبين الجوف ولا الدماغ قناة ينفذ منها المائع إلا في حالة وجود خرق في طبلة الأذن فإذا تبين أنه لا منفذ بين الأذن والجوف فيمكن القول -بناءً على تعليلات القائلين بالتفطير- أن المذاهب متفقة على عدم إفساد الصيام بالتقطير في الأذن. أما إذا أزيلت طبلة الأذن فهنا تتصل الأذن بالبلعوم عن طريق قناة ( استاكيوس)، وتكون كالأنف .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #85
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    بخَّاخ الربو، وأثر استعماله على الصيام

    اللجنة العلمية



    بداية أذكر تعريفًا لمرض الربو:
    مرض الربو هو: التهاب مزمن يصيب القصبات الهوائية، مما يُؤدي إلى ضيقها عند تعرض المريض للمواد الحساسة مما يؤدي إلى صعوبة دخول وخروج الهواء أثنا التنفس، وهذا ما يعرف بالنوبة القلبية([1]).
    وأنواع الأدوية المستخدمة في علاج الربو كثيرة، وما يهمنا هنا هي تلك الأدوية التي يستخدمها المريض عن طريق الاستنشاق بالفم كبخاخ الربو خاصة.

    تعريف بخاخ الربو وطريقة استعماله:
    وهو عبارة عن علبة فيها دواء سائل، وهذا الدواء يحتوي على ثلاثة عناصر: الماء، والأكسجين، وبعض المستحضرات الطبية، ويتم استعماله بأخذ شهيق عميق مع الضغط على البخَّاخ في نفس الوقت، وبعد استنشاقه يترسب جزء منه في الفم والبلعوم، ويصل إلى المعدة والأمعاء الدقيقة بعد البلع إلا أن معظم الدواء يذهب إلى القصبات، والقصيبات الهوائية.



    وحجم المادة الدوائية التي تصل إلى الجوف (المعدة) ضئيل جدًا بل قد لا يذكر من أجزاء المليلتر، وغالب حديثي هنا يرتكز على الأدوية التي تستخدم كموسعات للشعب الهوائية، والتي هي عبارة عن أدوية وقتية ويستمر مفعولها من 4-6 ساعات، وتعمل هذه الأدوية على ارتخاء عضلات الشعب الهوائية، ومنع إفراز المواد الكيميائية المسببة لتقلص العضلات مدة مفعولها وهي ماتعرف بالفينتولين (Ventolin)، ويستخدم في علاج ذلك (البخاخ المضغوط)، وهذه علبه يكون الدواء فيها على شكل سائل مضغوط مع الهواء في أنابيب ( أي: يتكون من ثلاث عناصر –كما ذكرت الماء، والاكسجين، وبعض المستحضرات الطبية- وتستعمل هذه البخاخات بطريقتين:
    الطريقة الأولى: تكون مباشرة: وهي الشهيرة والمنتشرة والتي "تعم بها البلوى"، وذلك بأن توضع فتحة البخاخ في الفم وتغلق الشفتان، ثم يضغط على جهاز البخاخ، لإخراج الدواء ليستنشقه المريض بفمه؛ فينتشر في الرئة داخل القصبات الهوائية.
    الطريقة الثانية: وهي استعمال الأقماع الهوائية التي تغطي الفم والأنف معاً وهي ليست مدار بحثنا ([2]).


    وهل بخاخ الربو يُفطِّر أم لا ؟ اختلف في ذلك العلماء المعاصرون على قولين:

    القول الأول:
    أن استخدام بخاخ الربو في نهار رمضان لا يفطر الصائم باستعماله، ولا يفسد الصوم([3])، ومما استند عليه أصحاب هذا القول ما يلي:
    أن الصائم له أن يتمضمض ويستنشق، وإذا تمضمض سيبقى شيء من أثر الماء مع بلع الريق سيدخل المعدة؛ والداخل من بخاخ الربو إلى المريء ثم إلى المعدة هذا قليل جداًَ، فيقاس على الماء المتبقي بعد المضمضة . ووجه ذلك أن العبوة الصغيرة تشتمل على 10مليلتر من الدواء السائل؛ وهذه الكمية وُضعت لمائتي بخة، فالبخة الواحدة تستغرق نصف عُشر المليلتر، وهذا يسير جداًَ([4]).
    وأيضاًَ: أن دخول شيء إلى المعدة من بخاخ الربو ليس أمراًَ قطعياًَ بل مشكوك فيه؛ والأصل بقاء الصوم وصحته، واليقين لا يزول بالشك([5]).
    أن هذا لا يشبه الأكل ولا الشرب ولا ما في حكمها([6]).
    أن الأطباء ذكروا أن السواك يحتوي على ثمان مواد كيميائية وهو جائز للصائم مطلقاًَ على الراجح ولا شك أنه سينزل شيء من هذا السواك إلى المعدة، فنزول السائل الدوائي كنزول أثر السواك([7]).
    القول الثاني:
    أنه لا يجوز للصائم أن يستعمل بخاخ الربو، وإن احتاج إلى ذلك فإنه يتناوله ويعتبر مفطرًا وعليه قضاء صيام اليوم الذي استعمله فيه([8])، وحجتهم في ذلك ما يلي:
    1. أن جزءًا من بخاخ الربو الدوائية، تشتمل على الماء؛ فهو يصل إلى الجوف (المعدة) فيكون مفطرًا للصائم بذلك.
    2. ولأنه دواء يستنششقه الصائم عن طريق فمه فيفطر به([9]).
    وقد يناقش هذا: بأنه إذا سُلِّم بنزوله فإن النازل شيء قليل جدًا يُلْحَق بما ذكرنا من أثر المضمضة، و يجاب عنه كذلك بالدليل الأول لأصحاب القول الأول([10]).




    الخلاصة والترجيح:
    والذي يظهر –والله أعلم- أن استعمال الصائم بخاخ الربو لا يُفطر، ولا يفسد صومه بذلك، خاصة أن المادة العلاجية فيها مُوجهة إلى مجرى النفس، وهو الحويصلات والقصبات الهوائية، وليس إلى مجرى الطعام (المعدة)، وما يصل منها إلى الجوف (المعدة) ضئيل وقليل جدًا، بل ولا يُقصد إيصالها إليها، وليس موجه إليها، وهو يسير غير مقصود، وما كان كذلك فإنه لا يُفطر، لا سيما مع عموم البلوى بهذا الدواء؛ فكثير من الناس يشتكون من هذا المرض العصري، إضافةً إلى أنه يشق على الصائم تأخير استعماله إلى الليل إذا ما أصابته أزمة تنفسية شديدة نهار رمضان، فلا سبيل للتخلص والخروج منها إلا بتناول ذلك واستعماله.

    وممكن أن يُقاس استعمال بخاخ الربو على عدد من النظائر التي نص عليها الفقهاء المتقدمين والمعاصرين على أنها لا تُفطر؛ ومن ذلك ما يلي([11]):
    1.البلل اليسير الذي يبقى في جدار الفم بعد المضمضة، فإنه يختلط بالريق، وينزل إلى الجوف ولا يفطر به الصائم؛ لأنه يسير غير مقصود. قال في الدر المختار: "إذا بقي في فِيهِ بلل بعد المضمضة لم يفطر؛ لأنه واصل بغير قصد"([12]). وقال في كشاف القناع: "إذا بلغ ما بقي من أجزاء الماء بعد المضمضة لم يفطر؛ لأنه واصل بغير قصد"([13])، ومن المعلوم أن ما يصل إلى الجوف من هذا البلل أكثر بكثير مما يصل إلى الجوف عند استعمال بخاخ الربو.
    2.الأثر المنفصل عن السواك الرطب عند استعمال الصائم له لا يفطر به الصائم ولو وصل إلى جوفه؛ لكونه يسيرًا غير مقصود.
    3.قطرة الأنف –وسيأتي الكلام عنها إن شاء الله- فقد جاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عددها العاشر([14])، بأنها لا تفطر.





    ([1]) انظر في ذلك مبحث [العلاج بالاستنشاق وأثره على الصيام]، البحث الطبي للدكتور: عمر بن سعيد العمودي، الجلسة الثانية من الندوة الفقهية الأولى، والتي بعنوان: [التداوي بالمستجدات الطبية وأثرها على الصيام]، في سلسلة الإصدارات الفقهية، رقم (1)، لموقع الفقه الإسلامي، ص (51).

    ([2]) انظر: النشرة المرفقة مع هذا الدواء، و مبحث [العلاج بالاستنشاق وأثره على الصيام]، البحث الطبي للدكتور: عمر بن سعيد العمودي، والبحث الفقهي للدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي، الذين قدماه في الجلسة الثانية من الندوة الفقهية الأولى، والتي بعنوان: [التداوي بالمستجدات الطبية وأثرها على الصيام]، في سلسلة الإصدارات الفقهية، رقم (1)، لموقع الفقه الإسلامي، ص (46-71)، بتصرف وتلخيص لأهم ما في ذلك.

    ([3]) وهو قول الشيخ عبد العزيز بن باز كما في مجموع فتاويه (15/265)، والشيخ محمد العثيمين كما في مجموع فتاويه (19/209).

    ([4]) مفطرات الصيام المعاصرة، لأحمد بن محمد الخليل ص (39-43).

    ([5]) نفس المرجع السابق.

    ([6]) انظر ما ذكرته في ص (276)عند الحديث عن حصول الفطر بأحد أمرين: الأول: الأكل والشرب وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف (المعدة)، والثاني: ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهو كل ما ينفذ إلى البدن ولو من غير الفم أو الأنف مما فيه تغذية للبدن فأما ما ليس بمغذٍٍ (ليس مقصود لذاته)، فليس بمفطر، لأنه ليس أكلاً ولا شربًا ولا بمعناهما.

    ([7]) انظر: مفطرات الصيام المعاصرة، لأحمد بن محمد الخليل (39-43)، وقال حفظه الله: " ذكر لي أحد الأطباء أن السواك يحتوي على ثمان مواد كيميائية، تقي الأسنان، واللثة من الأمراض، وهي تنحل باللعاب وتدخل البلعوم، وقد جاء في صحيح البخاري أن النبي "صلى الله عليه وسلم" كان يستاك وهو صائم فإذا كان عُفي عن هذه المواد التي تدخل إلى المعدة؛ لكونها قليلة وغير مقصودة، فكذلك ما يدخل من بخاخ الربو يعفى عنه للسبب ذاته".

    ([8]) وهو قول الشيخ محمد المختار السلامي، والدكتور محمد الألفي، والشيخ محمد تقي الدين العثماني، والدكتور وهبة الزحيلي، كما جاء ذلك عنهم في العدد العاشر، من مجلة مجمع الفقه الإسلامي، (2/65، 76) .

    ([9]) انظر: العدد العاشر، من مجلة مجمع الفقه الإسلامي، (2/65، 76) .

    ([10]) مفطرات الصيام المعاصرة، لأحمد بن محمد الخليل ص (44).

    ([11]) انظر: [العلاج بالاستنشاق وأثره على الصيام]، البحث الفقهي للدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي، الذي قدمه في الجلسة الثانية من الندوة الفقهية الأولى، والتي بعنوان: [التداوي بالمستجدات الطبية وأثرها على الصيام]، في سلسلة الإصدارات الفقهية، رقم (1)، لموقع الفقه الإسلامي، ص (70-71)، بتصرف

    ([12]) الدر المختار (2/396).

    ([13]) كشاف القناع (2/321).

    ([14]) (2/399).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #86
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    غسيل الكُلى وقياسه على الحجامة وأثر ذلك على الصيام

    اللجنة العلمية



    يعتبر الفشل الكلوي من الأمراض الشائعة التي انتشرت في هذا العصر، والكلية ذلك العضو مع صغر حجمه إلا أنه يقوم بوظائف أساسية ترتكز عليها حياة الإنسان، فلا يستطيع العيش بدونها، إلا أن الطب الحديث قد استحدث ثلاث طرق لمرضى الفشل الكلوي، وهي:
    1. الغسيل الدموي (الديلزة الدموية)
    2. الغسيل البريتوني (الديلزة الصفاقية)
    3. زراعة كلية جديدة

    فأما زراعة كلية جديدة فهو موضوع آخر، يتعلق بحكم زراعة الأعضاء، وأما الطريقتين الأوليتين فهما الحل الأسرع والمبدئي الذي يُعمل لسائر مرضى الفشل الكلوي.
    والمريض المصاب بهذا المرض في شهر رمضان مضطر للدخول في إحدى هاتين الطريقتين وفيما يلي أُلقي نظرة طبية سريعة عليهما حتى يمكن تصور الحكم في كونهما مفطرتان أم لا.


    الطريقة الأولى: طريقة الغسيل الدموي للكلى، ويُعرف بالديلزة الدموية
    تعتمد هذه الطريقة على ضخ الدم من خلال الكلية الصناعية التي يتم من خلالها إزالة السموم، ومن ثم إعادة الدم إلى الجسم.
    والكلية الصناعية: هي عبارة عن اسطوانة تحوي على غشاء يفصل بين الدم وبين سائل التنقية، ويوجد في هذا الغشاء فتحات صغيرة جدًا تسمح بمرور السموم والأملاح إلى سائل التنقية. وسائل التنقية عبارة عن ماء يُضاف إليه بعض الأملاح، وسكر، ومعادن، تُعادل الكميات الموجودة في الدم. تعبر الفضلات السامة والأملاح الزائدة من الدم إلى سائل التنقية، يحدث العكس كذلك، أي: تعبر الفضلات السامة والأملاح الزائدة من سائل التنقية إلى الدم، ومن ثم يتم ضخ الدم إلى الجسم مرة أُخرى، بينما يطرد سائل التنقية المحمل بالفضلات السامة إلى الصرف الصحي.
    وتستلزم عملية التنقية الدموية هذه إعطاء أدوية متعددة كمسيلات مثل الهرمونات والفيتامينات، كما تستغرق هذه العملية من 3-4 ساعات، ثلاث مرات أُسبوعيًا.
    الطريقة الثانية: التنقية البريتونية (الديلزة الصفاقية)
    أشرت في الطريقة السابقة إلى الغشاء الموجود في الكلية الصناعية والذي يفصل بين الدم وبين سائل التنقية، وهذا الغشاء يوجد مثله في بطن الإنسان يحيط بالأمعاء والأعضاء الأخرى، وهو يسمح لأمعاء البطن بالتحرك دون حدوث احتكاك فيما بينها، كذلك في هذه الطريقة يوجد الغشاء البريتوني الذي يحوي على فتحات صغيرة جدًا تشبه المنخل يوضع في تجويف البطن، حيث يتم إدخال أنبوب صغير في البطن وينفذ من الجسم بجانب السرة ليقوم بإدخال سائل التنقية إلى تجويف البطن لتترشح الفضلات السامة من الدم الموجود في الأوعية الدموية لأعضاء البطن إلى سائل التنقية. ويتكون سائل التنقية المستخدم في هذه الطريقة من الماء النقي، مضافًا إليه الأملاح والمعادن والسكر.


    وهناك طريقتان في استخدام الغسيل البريتوني هما:
    1. الطريقة اليدوية
    2. الطريقة الأوتوماتيكية (الآلية)





    الطريقة اليدوية:
    في هذه الطريقة يقوم المريض بوضع السائل النقي في تجويف البطن حيث يُترك السائل من 4 إلى 6 ساعات، خلال هذه الفترة تنتقل الفضلات السامة من الدم إلى تجويف البطن إلى السائل. وبعد مرور هذه الفترة يُعاود المريض إلى فتح الأنبوب وتفريغ السائل المحمل بالسموم والسوائل الزائدة عن حاجة الجسم، ثم يتم وضع سائل نقي مرة أُخرى في تجويف البطن وفي كل مرة يضع المريض كميات تتراوح بين 1 إلى 3 لتر، حسب حجم جسمه، وتتكرر هذه العملية من 4 إلى 5 مرات يوميًا.

    الطريقة الثانية
    تعتمد هذه الطريقة على استخدام جهاز يقوم بوضع السائل النقي وسحب السائل المحمل بالسموم لفترة تتراوح من 7 إلى 9 ساعات، أثناء النوم فقط، وخلال هذه الفترة يظل المريض متصل بجهاز الغسيل البريتوني، وتمتاز هذه الطريقة بعدم حاجة المريض لفصل وإعادة شبك الأنبوب الموجود في البطن؛ كذلك عدم حاجته إلى وضع وتفريغ السائل بنفسه، ولكن هذه الطريقة تتطلب وجود المريض في السرير خلال فترة الديلزة([1]).

    وبعد هذا العرض الطبي السريع في كيفية غسيل الكُلى والتصور الواضح الذي خرجنا به عما يتم فيه من الناحية الطبية؛ أنتقل إلى ذكر شيء مما قيل في الحجامة، لكونها قريبة شيئًا ما من الغسيل الكلوي، إضافةً إلى أن عددًا من الباحثين المعاصرين يقيسون غسيل الكُلى بالحجامة، وفي هذا القياس نظر، وأعده من القياس مع الفارق، -من الناحية الطبية- حيث أن الحجامة –كما هو معروف- استخراج دم فاسد من البدن –من أي جزء منه-، ولا يُعوض ببديل عنه، بينما غسيل الكُلى هو إخراج دم محمل بالسموم وإعادته دمًا منقى، بل مضافًا إليه بعض المواد المغذية، وأُخرى غير المغذية.
    ومع ذلك كله فلننظر فيما ذكر عن الحجامة من خلاف، وأدلة، عَلّنا نخرج بعدها وبعد عرضنا الطبي السابق بنتيجة في مسألتنا.


    فالحجامة-كما هي معروفة- إخراج الدم من البدن للتداوي. وفيها خلاف طويل لأهل العلم في كونها مفطرة أم لا، وهل يفطر الحاجم والمحجوم بها، وملخص ذلك كما يلي:

    القول الأول:
    وهو القول بفساد الصوم بالحجامة، وبفطر الحاجم والمحجوم بفعلها، وهو مذهب الحنابلة،
    ونقل عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوايحتجمون ليلاً، ويتجنبون الحجامة بالنهار، نُقل هذا عن ابن عمر وابن عباس وأنسوغيرهم رضي الله عنهم([2]) .


    والدليل العمدة الذي يحتج به من قال بفساد الصوم بالحجامة، هو قول النبي: "صلى الله عليه وسلم" "أفطر الحاجم والمحجوم"([3]).

    القول الثاني
    أن الحجامة لا تفسد الصوم، ولا يفطر بها لا الحاجم ولا المحجوم، وهذا مذهب الحنفية([4])، والمالكية([5])، والشافعية([6])، ومما استُدل به لهذا القول ما يلي:
    1) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي "صلى الله عليه وسلم" "احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم"([7]).
    2) عن أبي سعيد الخدري "رضي الله عنه" أن النبي "صلى الله عليه وسلم" رخص في الحجامة للصائم"([8]).




    وجه الدلالة منه: وقوله (رخص)، دليل على أنه كان ممنوعًا، ثم أرخص فيه، فهذا حجة لمن قالوا بأن آخر الأمرين هو الرخصة بالحجامة للصائم([9]).وقال بن حزم: "صح حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم"([10])، بلا ريب لكن وجدنا من حديث أبي سعيد أرخص النبي "صلى الله عليه وسلم" في الحجامة للصائم وإسناده صحيح فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجمًا أو محجومًا"([11]).
    3)وكذلك حديث أنس "رضي الله عنه"أنه سئل: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: "لا، إلا من أجل الضعف"([12])، أي: لم يكونوا يكرهون الحجامة؛ لأنهاتفطر، ولكن كانوا يكرهونها خشية أن يضعف الصائم فيفطر، إلى غير ذلك من أقوال الصحابة والتابعين.
    وقد وردت بعض المناقشات على دليل أصحاب القول الأول: "أفطر الحاجم والمحجوم"، أذكر بعضًا منها:
    1.بأن الرسول "صلى الله عليه وسلم" مرَّ على رجلين، وهما يغتابان، وكان أحدهما حاجمًا والآخر محجومًا فقال "صلى الله عليه وسلم": (أفطرا) بسبب الغيبة، وهذا ضعيف سنداً، وضعيف لأن الرسول "صلى الله عليه وسلم" علق الفطر بالحجامة، ولأن الغيبة لا تفطر،باتفاق العلماء أو ما يُشبه الاتفاق([13]) .
    2.وأجاب بعضهم بأن معنى أفطر أي قارب الفطر أي: كادا أن يفطرا؛ لأن الغالب أنه إذا احتجم، فإنه يضعف عن مواصلة الصيام، وقد يحتاج إلى الأكل أو الشرب، وهذا إن صحَّ في حال المحجوم فليس بواضحفي حال الحاجم؛ لأنه لم يستخرج منه شيء([14]).
    3. وقيل: إن حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم"، منسوخ بحديث ابن عباس "رضي الله عنه" السابق([15]).


    الخلاصة والترجيح:
    ولعل القول الذي استند إلى الحجة الأقوى هو ما ذهب إليه الجمهو من أن الحجامة لا تفسد الصوم.
    الخلاف في مسألة غسيل الكُلى، وأثره على الصيام:
    وبناءً على ما سبق فقد توجه الخلاف في مسألة غسيل الكُلى، هل يُفَطر، أم لا؟ وقد حاولت جمع الأقوال في ذلك فوجدت أن مردها إلى قولين، بناء على ما ذكرت من الخلاف في مسألة الحجامة:
    القول الأول:
    ذهب عدد من العلماء المعاصرين إلى أن غسيل الكُلى مفسد للصوم ومفطر للصائم الذي يقوم به، وعليه قضاء ذلك اليوم الذي يقوم بالغسيل فيه([16])، ومما استند به من قال ذلك مايلي:
    1. أن غسيل الكلى يزود الجسم بالدم النقي، وقد يُزود مع ذلك بمواد أُخرى مغذية، وهو مفطر آخر، فاجتمع لمريض الكُلى مفطران: تزويد الجسم بالدم النقي، وتزويده بالمواد المغذية([17]).
    2.القياس على الحجامة، كما في حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم"([18])، بجامع أن في العمليتين إضعاف للبدن، وإخراج للدم، وهذا القياس أضفته دليلاً لأصحاب هذا القول لما رأيته من كلام العلماء المعاصرين قياسهم بذلك، وقد ذكرت سابقًا([19]) أني أعده من القياس مع الفارق، -من الناحية الطبية- حيث أن الحجامة –كما هو معروف- استخراج دم فاسد من البدن –من أي جزء منه-، ولا يُعوض ببديل عنه، بينما غسيل الكُلى هو إخراج دم محمل بالسموم وإعادته دمًا منقى، بل مضافًا إليه بعض المواد المغذية، وأُخرى غير المغذية، حتى أن الشيخ ابن عثيمين عندما سئل عن صوم من يعمل غسيل الكلى قال: "وأما بالنسبة للصيام فأنا في تردد من ذلك، أحياناً أقول: إنه ليس كالحجامة.. الحجامة يستخرج منها الدم ولا يعود إلى البدن، وهذا مفسد للصوم كما جاء في الحديث، والغسيل يخرج الدم وينظف ويعاد إلى البدن"([20]).




    القول الثاني:
    وهو القول بعدم فساد الصوم بغسيل الكُلى، وإخراج الدم وإدخاله، ولو كان كثيرًا، كما هو واقع غسيل الدم، ولا يَفطر الصائم بذلك، بل يُكمل صيامه ولا شيء عليه، سواء كان ذلك بواسطة الحقن المستعملة في علاج الفشل الكلوي، حقنًا في الصفاق([21]) البريتوني، أو بالكلية الصناعية([22]).
    ومما استدل به من قال بعدم فساد الصوم بغسيل الكُلى، ما يلي:
    1.أن غسيل الكُلى ليس أكلاً، ولا شربًا، إنما هو حقن للسوائل في صفاق البطن، ثم استخراجه بعد مدة، أو سحب للدم ثم إعادته بعد تنقيته عن طريق جهاز الغسيل الكلوي([23]).
    2.أن الأحاديث متعارضة متدافعة، في إفساد صوم من احتجم، فأقل أحواله أن يسقط الاحتجاج بها، والأصل أن الصائم لا يُقضى بأنه مُفطر إذا سَلِم من الأكل والشرب والجماع، إلا بسنة لا معارض لها([24]).
    3. أن الأصل في العبادات –والصوم منها- الوقوف عند النصوص، والأحكام التعبدية، لا يُقاس عليها([25]).
    4.الحجة –هنا- عدم الحجة؛ لأن الصوم عبادة شرع فيها الإنسان على وجه شرعي، فلا يُمكن أن نفسد هذه العبادة إلا بدليل([26]).
    5. الأصل عدم التفطير، وسلامة العبادة حتى يثبت لدينا ما يفسدها([27]).



    6.أننا إذا شككنا في الشيء، أمفطر هو أم لا فالأصل: عدم الفطر، فلا نجرؤ أن نفسد عبادة متعبُّدٍ لله إلا بدليل واضح، يكون لنا حجة عند الله عز وجل([28]).
    7.أن سائل التنقية والمواد المضافة إليه في عملية غسيل الكلى لا يُقصد بها التغذية من حيث الأصل لبدن المريض المعالج، حتى ولو كان في هذه المواد ما يمكن وصفه بالتغذية، بل تحولت إلى كونها مواد علاجية دوائية، لإعادة التوازن لمكونات الدم في بدن المريض، فالأصل المقصود بها: العلاج والدواء والتغذية تابعة، والتابع تابع([29]).
    8.إنما نهي الصائم عن إخراج ما يُضعفه، ويُخرج مادته التي بها يتغذى؛ كالمني، كما نهي الصائم عن أخذ ما يقويه من الطعام والشراب الواصل إلى المعدة، وغسل الكلى إخراجًا وإدخالاً ليس كذلك.
    9.أن القائم بغسيل الكلى يقوم بأمر طبيعي من وظائف البدن لا مندوحة عنه في فعله، ولا اختيار له في تركه([30]).
    10. وأرجع لما ذكرتُه سابقًا في خلاف (الجوف)، فغسيل الكُلى بنوعيه البريتوني، والإنفاذ الدموي لم يدخل إلى الجوف من منفذ طبيعي مفتوح، بل لم يدخل إلى الجوف أصلاً، لأني كما قررت سابقًا أن الجوف هو المعدة.


    الخلاصة والترجيح:
    من العرض الطبي السابق، وكذا ماذكرته من الخلاف في الحجامه وغسيل الكلى وما صحب ذلك من عرض لأدلة كل فريق ممن قال بفساد الصوم بهما ( الحجامة وغسل الكلى ) وممن قال بعدم الفساد في ذلك فإني أُعيد القول في ذلك كلهُ إلى طريقتي الغسيل الكلوي التي ذكرتهما بداية، وبتطبيق هاتين الطريقتين على مريض الفشل الكلوي المزمن، والمحتاج إلى العلاج بعملية الغسيل الكلوي؛ فأنه سيكون أمامه أن يعمل ما يلي:
    أولاً: المريض القائم بغسيل الكُلى بطريقة الغسيل الدموي (الديلزة الدموية): سيكون في يوم الغسيل مفطرًا، وسيكون عليه قضاء بعد ذلك أن قدر عليه بعد شهر رمضان في الأيام التي لا يقوم فيها بالغسيل، وهذه العملية -كما ذكرت سابقاً-تستغرق من 3 إلى 4 ساعات ثلاثة أيام أسبوعيًا.
    وهذا المريض في هذه الحالة الذي أراه أنه يمكنه الأخذ بقول من رأى بعدم فساد الصوم بذلك، وإن كنت أنصح هؤلاء المرضى الذين يستخدمون هذه الطريقة بالقيام بعملية الغسيل ليلاً، خاصة وأني سألت أحد الأطباء ممن أثق به أنه يمكن للمريض برمجة وقته ليكون الغسيل ليلاً، فالمهم أن تكون ثلاث مرات، إلا أن بعض المرضى قد تزداد لديهم الحالة فيحتاجون إلى الغسيل في أي لحظة من ليل أو نهار، وحينئذٍ جاز له فعل ذلك ولو كان صائمًا.




    ثانيًا: المريض القائم بغسيل الكلى بطريقة الغسيل البريتوني (الديلزة الصفاقية):

    فهذا كما لاحظنا من العرض الطبي لا يقدر على الصيام نهائيًا لأن هذا النوع من الغسيل -كما ذكرنا سابقاً- يجب أن يستمر يوميًا من 7 إلى 9 ساعات، ولا يمكن أن يتوقف عنه ولو ليوم وأحد. فهذا -والعلم عند الله- يسقط عنه الصيام لأنه في حكم المريض، ومرضه هذا قد يكون من النوع الذي لا يُرجى بُرؤه، فقد شاهدنا مرضى نعرفهم مصابين بهذا المرض كانت نهايتهم الوفاة -والله المستعان- لذا فالذي يظهر –والله أعلم- أن له الفطر ومما يدل لذلك قوله تعالى: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ([31])، وهذا المريض عليه أن يسأل طبيبه المختص عن حالته؛ فإن كانت هناك طريقة يمكنه عملها ويشفى بإذن الله؛ فهذا يفطر، على أمل الشفاء والقضاء، أما أذا لم يكن لمرضه حلاً طبيًا وأن النهاية ستكون الوفاة فله أن يُفطر ويُطعم عن كل يوم مسكينًا كما في قوله تعالى: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ([32])، وقد رأينا من الشريعة السمحة مراعاتها أمر التيسير ورفع الحرج، كما في قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا ْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ([33])، وقوله تعالى:(لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا) ([34])، إلى غير ذلك من الأدلة الشرعية الدالة على هذا المقصد العظيم([35]).


    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ

    ([1]) العرض الطبي السابق لخصته من الجلسة الأولى المنعقدة في الندوة الفقهية الأولى، [التداوي بالمستجدات الطبية، وأثرها على الصيام]، في الرياض بتاريخ 23/8/1428هـ، والتي أعدتها أمانة موقع الفقه الإسلامي، وكانت عنوان هذه الجلسة (غسيل الكُلى، وأثره على الصيام)، البحث الطبي: [طرق الديلزة (تنقية الدم) المستخدم لمرضى الفشل الكلوي]، لعبدالركريم بن عمر السويدا، في سلسلة الإصدارات الفقهية لموقع الفقه الإسلامي، رقم (1)، ص (9-15)، تاريخ النشر 1428هـ.

    ([2]) وقول غالب فقهاء أهل الحديث كإسحاق بن راهويه وابنالمنذر وعطاء والحسن وغيرهم. فتح الباري (4/178).

    ([3]) هذا الحديث الشريف من أكثر أحاديث الأحكام تجاذبًا بين الأئمة من محدثين وفقهاء، تصحيحًا وتضعيفًا، تسليمًا لظاهره وتاويلاً له، أو القول بأنه منسوخ أو غير منسوخ، وقد روى هذا الحديث كما في نصب الراية (2/341 ) ثمانية عشر صحابيًا، منه: شداد بن أوس، وثوبان، ورافع بن خديج، وجاء عن آخرين منالصحابة كعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وابن عباس، وأبي موسى،وأبي هريرة، وبلال، وأسامة بن زيد، وعائشة، وصفية، وغيرهم "رضي الله عنه"، فطرقه كثيرةجداً، وقد أخرجه أبو داود في كتاب الصيام، باب في الصائم يحتجم (1/721)، رقم (2367)، وابن ماجه في كتاب الصيام، باب ما جاء في الحجامة للصائم (1/537)، رقم (1680)، وأحمد (5/276)، رقم (22425)، وابن خزيمة في كتاب الصيام باب ذكر البيان أن الحجامة تفطر الحاجم والمحجوم جميع (3/226)، رقم (1963)، وابن حبان في كتاب الصيام (8/301)، كلهم من حديث ثوبان مولى رسول الله "صلى الله عليه وسلم".

    ([4]) المبسوط للسرخسي (3/57)، بدائع الصنائع (2/100).

    ([5]) الفواكه الدواني (1/308)، الذخيرة (2/506).

    ([6]) الأم (2/97)، المجموع (6/364).

    ([7]) أخرجه البخاري في كتاب الصيام، باب الحجامة والقيء للصائم (2/685)، رقم (1836)، ولكن هذا اللفظ وإن كان في البخاريـ قد أنكره جماعة وأعلَّه آخرون من الأئمة، وقالوا: الصواب أنه احتجم وهومحرم، أما زيادة " وهو صائم " فإنها لا تثبت، وآخرون أثبتوها .انظر: التلخيص الحبير (2/192)، قال الصنعاني في سبل السلام (4/105)" ظاهره أنه وقع منه الأمران المذكوران مفترقين وأنه احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم ولكنه لم يقع ذلك في وقت واحد لأنه لم يكن صائماً في إحرامه إذا أراد إحرامه وهو في حجة الوداع إذ ليس في رمضان ولا كان محرماً في سفره في رمضان".

    ([8]) أخرجه النسائي، في كتاب الصيام، باب الحجامة للصائم وذكر الأسانيد المختلفة فيه... (2/236)، رقم (3237)، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه، في كتاب الصيام، باب ذكر البيان أن الحجامة تفطر الحاجم والمحجوم جميعا، (3/231)، والدار قطني، في كتاب الصيام، باب القبلة للصائم (2/182)، رقم (9)، والبيهقي في الكبرى، واللفظ له، في كتاب الصيام، باب الصائم يحتجم لا يبطل صومه (4/264)، رقم (8057)،

    ([9]) انظر: فتح الباري (4/178).

    ([10]) سبق تخريجه ص (280).

    ([11]) المحلى (6/204).

    ([12]) أخرجه البخاري، في كتاب الصيام، باب الحجامة والقيء للصائم (2/685)، رقم (1838).

    ([13]) فتح الباري (4/178).

    ([14]) فتح الباري (4/178).

    ([15]) المحلى (6/204).

    ([16]) وهو قول الشيخ عبد العزيز بن باز، كما في مجموعة فتاويه (15/275)، و د. وهبة الزحيلي، كما في العدد العاشر من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي (2/378)، عام 1997م، واللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية (10/179).

    ([17]) انظر المراجع السابقة، ومفطرات الصيام المعاصرة، لأحمد بن محمد الخليل، الناشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، الدمام، السعودية، الطبعة الثانية، عام 1427هـ - 2006م ص (77).

    ([18]) سبق تخريجه قريبًا ص (280).

    ([19]) ص (279).

    ([20]) مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (19/113-114).

    ([21]) الصفاق: هو سطح الجلد الخارجي.

    ([22]) وممن قال بهذا القول د.محمد الخياط، و د.محمد البار، كما في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر (2/290).

    ([23]) مجلة مجمع الففه الإسلامي، العدد العاشر (2/290).

    ([24]) الاستذكار لابن عبد البر (1/125).

    ([25]) الشرح الممتع (6/353).

    ([26]) نفس المرجع السابق.

    ([27]) نفس المرجع السابق.

    ([28]) الشرح الممتع (6/370).

    ([29]) من كلام د.عادل عبد القادر قوته، في بحثه [غسيل الكُلى واثره في إفساد الصوم]، المقدم في الجلسة الأولى، من الندوة الفقهية الأولى [التداوي بالمستجدات الطبية وأثرها على الصيام]، ص (37).

    ([30]) نفس المرجع السابق.

    ([31]) الآية رقم (184)، من سورة البقرة.

    ([32]) الآية رقم (184)، من سورة البقرة.

    ([33]) الآية رقم (185)، من سورة البقرة.

    ([34]) الآية رقم (17)، من سورة الفتح

    ([35]) انظر: ص (29-31).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #87
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    استنشاق البخور للصائم

    اللجنة العلمية



    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    فالمفطرات التي تفطر الصائم لابد أن يكون عليها دليل من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، وإلا فالأصل أن الصوم صحيح غير باطل، والمفطرات معروفة في القرآن والسنة، والبخور إذا وصل إلى باطن الجوف بالاستنشاق فهو مفطر لمن كان يعلم أنه محرم، وأنه يفطر الصائم.

    وأما إن كان جاهلاً لا يدري فإنه لا يفطر بذلك، وهذه قاعدة في جميع المفطرات، كل المفطرات إذا فعلها الإنسان وهو لا يدري أنها مفطرة فإنه لا يفطر بها، لقوله _سبحانه وتعالى_: "رَبَّنَا لاَ تؤاخذنا إِن نسينا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـافِرِينَ".
    وقوله _سبحانه_: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ".

    ولأنه ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ أن الناس أفطروا في يوم غيم على عهد النبي _صلى الله عليه وسلم_، ثم طلعت الشمس ولم ينقل أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أمرهم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به ونقل إلينا؛ لأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لا يمكن أن يؤخر البلاغ عن وقت الحاجة إليه، وإذا بلغ لابد أن ينقل؛ لأنه إذا بلغ صار من شريعة الله، وشريعة الله محفوظة.

    فالصحابة ـ رضي الله عنهم ـ حين أفطروا في يوم الغيم في عهد الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ثم طلعت الشمس، ولم ينقل أنهم أمروا بالقضاء، كان هذا دليلاً على أن من كان جاهلاً فإنه لا قضاء عليه.
    وأما النسيان فقد صح عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه".

    وعلى هذا فنقول لهذا السائل: لا تستنشق البخور وأنت صائم، ولكن تبخر ولا حرج، وإذا طار إلى أنفك شيء من الدخان من غير قصد فلا يضر، ونقول أيضاً: إذا كنت لا تدري أنه مفطر.
    وكنت تستعمله من قبل، أي تستنشق البخور حتى يصل إلى جوفك فلا شيء عليك؛ لأن جميع مفطرات الصوم لا تفطر إلا إذا كان الإنسان عالماً بها، وعالماً بتحريمها، ذاكراً لها.
    والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #88
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    العشر الأواخر من رمضان


    اللجنة العلمية


    بسم الله الرّحمن الرحيم
    رمضان والعشر

    وأقبلت العشر الأواخر من رمضان!
    ها قد مضى من الشهر العظيم أوَّلُه، ولحق به وَسَطُه، وها نحن على مشارف آخره، وآخرُه هو خيرُهُ، ومكنونةٌ فيه الليلة التي هي خيرٌ من ألف شهر!

    لقد مضى من شهر رمضان الكريم ثُلثاه، فإذا بأرواح المؤمنين تخفقُ إيماناً وخشيةً وتوبةً وخشوعاً،
    لما اكتسبته فيه من شفافية ورقة وذلة وخضوعٍ لرب كريم رحيم غفور، تعاظمت فيه مننه وعطاياه، وتكاثرت في أيامه منحه وهداياه، فالموفق من نال من خيراتها النصيب الأزكى، وكال من بركاتها الكيل الأوفى، وعبّ من فيوضاتها كؤوسا ملأى، وحصّل من فتوحاتها المقام الأسمى، وتقلّد في ظلالها الوسام الأعلى، وحجز في قطار التوفيق والقبول الدرجات الأرقى، وانخرط في قوافل المحظوظين المشمرين منذ اللحظات الأولى، حتى أصبح بصدق إقباله وخالص أعماله من الفوز والوصول قاب قوسين أو أدنى، ليكتب في سجل أهل الفلاح والتقوى، ولينال شرف التيسير لليسرى، ليقرّبه كل ذلك إلى الله زلفى، فيكون من ذوي القربى، اللذين غشيتهم رحمته وشملتهم مغفرته، ودخلوا سباق التتويج ليعتق سبحانه رقابهم من النار.
    لقد مضى من رمضان ثُلُثاه، فأرواح الأتقياء تطمع في المزيد من رحمته وعطائه، مستوفزةً متحفّزةً مشمّرةً للثُّلث الأخير، كيف لا وقد ذاقت لذّة المناجاة وحلاوة العبادة، بل: كيف لا وقد علمت أنّ في هذه العشر ليلةً هي خيرٌ من ألف شهر، فها هي ذي متطلّعةٌ إلى هذا الثواب الجزيل!
    وأمّا من قصّر في الثُّلثين الأوَّلين، ولم يبذل فيهما جهداً، وشُغِل عنهما باللّهو والملاهي، وتضييع الأوقات، فلا زالت الفرصُ قائمة والأبواب مشرعة، ليستدرك المتخلِّف ويلتحق المحروم ويستيقظ الغافل!
    لقد جاءت العشر الأواخر بما تحمله من مفاخر، لا يذوق طعمها إلا صاحب الحظ الوافر، فهل من مشمّر على ساعد الجد والاجتهاد؟،
    لاستثمار ما بقي من موسم التحصيل والإمداد، ليملأ خزائنه بكل ما لذ وطاب، من موجبات الأجر والثواب، ليختم له بالعزة والكرامة وينجو من الحسرة والندامة.
    فحريٌّ بنا أن نجتهد في اغتنام فرصة هذه العشرة الأواخر من شهر رمضان، وحريٌّ بنا أن نحسب أوقاته لحظةً لحظة، وثانيةً ثانيةٍ، حتّى لا تفوتنا منه ذرَّةٌ من الخير!

    تأملْ أيها المسلم في ساعتك، وانظر إلى عقرب الساعة وهو يأكل الثَّواني أكلاً، لا يتوقف ولا ينثني، بل لا يزال يجري ويلتهم الساعات والثواني، سواء كنت قائماً أو نائماً، عاملاً أو عاطلاً، فلتكن قائماً عاملاً!
    وتذكّرْ أن كل لحظة تمضي، وثانية تنقضي فإنما هي جزء من عمرك، وأنها مرصودة في سجلك ودفترك، ومكتوبة في صحيفة حسناتك أو سيئاتك، فاتّق الله في نفسك، واحرص على شغل أوقاتك فيما يقربك إلى ربك، ويكون سبباً لسعادتك وحسن عاقبتك، في دنياك وآخرتك.
    وإذا كان قد ذهب من هذا الشهر أكثره، فقد بقي فيه أجلّه وأخيره، لقد بقي فيه العشر الأواخر التي هي زبدته وثمرته، وموضع الذؤابة منه.
    ولقد كان صلى الله عليه وسلم يعظّم هذه العشر، ويجتهد فيها اجتهاداً حتى لا يكاد يُقدر عليه، يفعل ذلك - صلى الله عليه وسلم- وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، فما أحرانا نحن المذنبين المفرّطين أن نقتدي به - صلى الله عليه وسلم- فنعرف لهذه الأيام فضلها، ونجتهد فيها، لعل الله أن يدركنا برحمته، ويسعفنا بنفحة من نفحاته، تكون سبباً لسعادتنا في عاجل أمرنا وآجله.
    روى الإمام مسلم عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره".
    وفي الصحيحين عنها قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمَّر وشدّ المئزر".
    فقد دلت هذه الأحاديث على فضيلة العشر الأواخر من رمضان، وشدة حرص النبي - صلى الله عليه وسلم- على اغتنامها والاجتهاد فيها بأنواع القربات والطاعات، فينبغي لك أيها المسلم أن تفرِّغَ نفسك في هذه الأيام، وتخفّف من الاشتغال بالدنيا، وتجتهد فيها بأنواع العبادة من صلاة وقراءة، وذكر وصدقة، وصلة للرحم وإحسان إلى الناس. فإنها -والله- أيامٌ معدودة، ما أسرعَ أن تنقضيَ، وتُطوى صحائفُها، ويُختم على عملك فيها، وأنت -والله- لا تدري هل تُدركُ هذه العشرَ مرةً أخرى، أم يحولُ بينك وبينها الموت، بل لا تدري هل تُكمل هذه العشر، وتُوفّقُ لإتمام هذا الشهر، فاللهَ اللهَ بالاجتهاد فيها والحرص على اغتنام أيامها ولياليها، وينبغي لك أيها المسلم أن تحرص على إيقاظ أهلك، وحثهم على اغتنام هذه الليالي المباركة، ومشاركة المسلمين في تعظيمها والاجتهاد فيها بأنواع الطاعة والعبادة.
    وإنَّ لمن الحرمان العظيم، والخسارة الفادحة، أن نجد كثيراً من المسلمين، تمرُّ بهم هذه الليالي المباركة، وهم عنها في غفلة معرضون، فيمضون هذه الأوقات الثمينة فيما لا ينفعهم، فيسهرون الليل كله أو معظمه في لهو ولعب، وفيما لا فائدة فيه، أو فيه فائدة محدودة يمكن تحصيلها في وقت آخر، ليست له هذه الفضيلة والمزية.
    وتجد بعضهم إذا جاء وقت القيام، انطرح على فراشه، وغطّ في نوم عميق، وفوّت على نفسه خيراً كثيراً، لعله لا يدركه في عام آخر.
    فأروا الله من أنفسكم خيراً واجتهدوا في هذه الليالي المباركات، وتعرّضوا فيها للرحمات والنفحات، فإن المحروم من حُرم خير رمضان، وإن الشقي من فاته فيه المغفرة والرضوان، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "رغم أنف من أدرك رمضان ثم خرج ولم يُغفر له" رواه ابن حبان والحاكم وصححه الألباني.
    إن الجنة حُفّت بالمكاره، وأنها غالية نفيسة، لا تُنال بالنوم والكسل، والإخلاد إلى الأرض، واتباع هوى النفس. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "من خاف أدلج - يعني من أول الليل- ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة". وقد مثل النبي - صلى الله عليه وسلم- المسافر إلى الدار الآخرة -وكلنا كذلك - بمن يسافر إلى بلد آخر لقضاء حاجة أو تحقيق مصلحة، فإن كان جاداً في سفره، تاركاً للنوم والكسل، متحملاً لمشاق السفر، فإنه يصل إلى غايته، ويحمد عاقبة سفره وتعبه، وعند الصباح يحمد القوم السرى.
    وأما من كان نوّاماً كسلان متبعاً لأهواء النفس وشهواتها، فإنه تنقطع به السبل، ويفوته الركب، ويسبقه الجادّون المشمّرون، والراحة لا تُنال بالراحة، ومعالي الأمور لا تُنال إلا على جسر من التعب والمشقات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].

    وتجيء العشرُ الأواخر، ودماء المسلمين لا زالت تسيلُ، ألا فلنرفع في هذه الليالي العشر الطّيّبة أكُفَّ الضّراعة إلى ربنا سبحانه وتعالى، بأن يحقن دماء المسلمين، ويحفظهم، ويهديهم صراطه المستقيم، ويُبرم للأمة أمر رشدٍ يعزُّ به دينها!
    عـُـذراً أبـَـا العـشـر الأواخــر قـومُـنـا
    فــي محـنـةٍ شـهـدت بـهـا الأيــَّـامُ
    حـتـَّى مـقـاومـةُ الـعـدوِّ تأوَّلوا
    فيهـا وفـي لـُجَـجِ التـَّذبـذُبِ عـامـُوا
    عـُـذراً أبـــا الـعـَشـر الأواخــِـر إنـَّهــا
    مـِحَـنٌ مؤجـَّجـةُ اللهيــبِ جـِســامُ

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #89
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)


    العشر الأواخر من رمضان


    اللجنة العلمية


    ليلة القدر لؤلؤة اللَّيالي العشر!

    من صحيح البخاري:
    يقَوْل اللَّهِ تَعَالَى:
    {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ، لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ}
    [القدر: 2] قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: «مَا كَانَ فِي القُرْآنِ» {مَا أَدْرَاكَ} [الانفطار: 18] ": فَقَدْ أَعْلَمَهُ، وَمَا قَالَ ": {وَمَا يُدْرِيكَ} [الأحزاب: 63] ": فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهُ"!
    [تعليق مصطفى البغا]
    [(أنزلناه) القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا. (القدر) الشرف العظيم أو التقدير. (وما أدراك ما ليلة القدر) لم تبلغ درايتُك غايةَ فضلها ومنتهى علو قدرها. (الروح) جبريل عليه السلام. (أمر) قضاه الله تعالى في تلك الليلة. (سلام) كلها خير وسلامة للمؤمنين الصادقين لا يقدر عليهم فيها بلاء ولا مصيبة. (ما أدراك) أي ما ذكر في القرآن بلفظ (ما أدراك) . فقد أخبره الله تعالى به كهذه الآية. وكل ما ورد فيه بلفظ (وما يدريك) فإنه تعالى لم يخبره به صلى الله عليه وسلم
    [صحيح البخاري 3/ 45]

    لقد اختصَّ الله تبارك وتعالى هذه الأمة المحمديَّة على غيرها من الأمم بليلة القدر، التي قال الله عنها: (ليلةُ القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر). وقال فيها: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم) أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الملائكة الكاتبين كل ما هو كائن في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر، وغير ذلك من أوامر الله المحكمةالعادلة.
    يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرمها فقد حُرمالخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم" حديث صحيح رواه النسائي وابن ماجه.
    قال الإمام النخعيُّ: "العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها".
    وقد حسب بعض العلماء "ألف شهر" فوجدوها ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر، فمن وُفّقلقيام هذه الليلة وأحياها بأنواع العبادة، فكأنه يظل يفعل ذلك أكثر من ثمانين سنة، فياله من عطاء جزيل، وأجر وافر جليل، من حُرمه فقد حُرم الخير كله.
    وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه" وهذه الليلة في العشر الأواخر من رمضان لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" متفق عليه.
    وهي في الأوتار منها أحرى وأرجى، وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: التمسوها في العشر الأواخر في الوتر" أي في ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين. وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنها لا تثبت في ليلة واحدة، بل تنتقل في هذه الليالي، فتكون مرة في ليلة سبع وعشرين ومرة في إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو تسع وعشرين.
    وقد أخفى الله سبحانه علمها على العباد رحمة بهم، ليجتهدوا في جميع ليالي العشر، وتكثر أعمالهم الصالحة فتزداد حسناتهم، وترتفع عند الله درجاتهم (ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون)، وأخفاها سبحانه حتى يتبين الجادّ في طلب الخير الحريص على إدراك هذا الفضل، من الكسلان المتهاون، فإن من حرص على شيء جدَّ في طلبه، وسهل عليه التعب في سبيل بلوغه والظفر به.


    فضائل ليلة القدر:
    1ـ أنها ليلة أنزل الله فيها القرآن، قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}.
    2ـ أنها ليلة مباركة، قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}.
    3ـ يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام، قال تعالى: {فيها يُفرَقُ كل أمر حكيم}.
    4ـ فضل العبادة فيها عن غيرها من الليالي، قال تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر}.
    5ـ تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة و الرحمة والمغفرة، قال تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر}.
    6ـ ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولايخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها، قال تعالى: {سلام هي حتى مطلع الفجر}.
    7ـ فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله عزوجل، قال صلى الله عليه وسلم: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " [متفق عليه].
    فليلة هذه فضائلها وخصائصها وهباتها، ينبغي علينا أن نجتهد فيها ونكثر من الدعاء والاستغفار والأعمال الصالحة، فإنها فرصة العمر!
    فالبدار البدار إلى اغتنام العمل فيما بقي من هذا الشهر، فعسى أن نستدرك به ما فات من ضياع العمر، فيما لا فائدة فيه، فكم نشيع كل يوم ميت، ونودعه وندفنه، فتسال الدموع على الوجنات، ثم ما نلبث أن ننسى ونعود إلى ما كنا عليه من غفلة وضياع، فهذه العشر الأخيرة من رمضان قد تكون آخر ليالٍ ندركها فالموت بالمرصاد، إن لم يأتِ اليومَ، فغداً لا محالةَ آتٍ!


    أطلّّي غُرّةَ الدَّهرِ .. أطلِّي ليلةَ القدرِ
    أطلي درّةَ الأيام مثلَ الكوكب الدرّي
    أطلّي في سماء العمر إشراقاً مع البدرِ
    سلامٌ أنتِ في الليل وحتى مطلعِ الفجرِ
    سلامٌ يغمرُ الدنيا يُغشّي الكونَ بالطهرِ
    وينشرُ نفحةَ القرآنِ والإيمانِ والخيرِ
    لأنكِ منتهى أمري فإني اليوم لا أدري
    فأنتِ أنتِ أمنيتي .. لأنك ليلة القدرِ
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #90
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    العشر الأواخر من رمضان


    اللجنة العلمية




    الحظ الوافر في إدراك مفاخر العشر الأواخر
    لقد قارب الضيف الكريم أن يغادرنا ، بعد أن جعل أرواح المؤمنين تخفق إيمانا وخشية وتوبة وخشوعا ، وأكسبها شفافية ورقة وذلة وخضوعا ، لرب كريم رحيم غفور تعاظمت فيه مننه وعطاياه ، وتكاثرت في أيامه منحه وهداياه ، فالموفق من نال من خيراتها النصيب الأزكى ، وكال من بركاتها الكيل الأوفى ، وعبّ من فيوضاتها كؤوسا ملأى ، وحصّل من فتوحاتها المقام الأسمى ، وتقلّد في ظلالها الوسام الأعلى ، وحجز في قطار التوفيق والقبول الدرجات الأرقى ، وانخرط في قوافل المحظوظين المشمرين منذ اللحظات الأولى ، حتى أصبح بصدق إقباله وخالص أعماله من الفوز والوصول قاب قوسين أو أدنى ، ليكتب في سجل أهل الفلاح والتقوى ، ولينال شرف التيسير لليسرى ، ليقرّبه كل ذلك إلى الله زلفى ، فيكون من ذوي القربى ، اللذين غشيتهم رحمته وشملته مغفرته ، ودخلوا سباق التتويج ليعتق سبحانه رقابهم من النار.
    فلا زالت الفرص قائمة والأبواب مشرعة ، ليستدرك المتخلف ويلتحق المحروم ويستيقظ الغافل، وقد دخلت العشر الأواخر بما تحمله من مفاخر ، لا يذق طعمها إلا صاحب الحظ الوافر ، فهل من مشمّر على ساعد الجد والاجتهاد ؟ ، لاستثمار ما بقي من موسم التحصيل والإمداد ، ليملأ خزائنه بكل ما لذ وطاب ، من موجبات الأجر والثواب ، ليختم له بالعزة والكرامة وينجو من الحسرة والندامة .
    فأعط هذه العشر حصتها من التكريم ، لتقابلك تكريما بتكريم ، وأجعلها خير محصّلة لما سبق وأحسن خاتمة لما أينع وأورق ، وأحرص على مراعاة خصوصيتها ، فخصّها بنصيب من الجد والاجتهاد وإدراك ما فيها من بركات وكرامات ، لتتوالى عليك منها الهدايا والأمداد ، فليكن لك حظ وافر منها ، مقتديا بخير الخلق صلى الله عليه وسلم الذي كان إذا دخل العشر الأواخر شدّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله(البخاري).
    فكن على خطاه ، لتنل أجر المتابعة وتشملك نفحات الليالي المباركات ، فالمحبون كانوا ينتظرونها ليعبروا عن صدق ولائهم :
    قد مزق الحب قميص الصبر وقد غدوت حائرا في أمري
    آه على تلك الليالي الغرّ ما كنّ إلا كليالي القدر
    إن عدن لي من بعد هذا الهجر وفيّت لله بكل نذر
    وقام بالحمد خطيب شكري

    فليقم خطيب شكرك في هذه الليالي والأيام فيلهج بالحمد قولا وفعلا بأنواع القربات وجلائل الطاعات والتي في مقدمتها:
    1) ــ الاستجابة لنداء العشر الأواخر ومقابلته بالتشمير:

    فهي تناديك بلسان الحال لتنبهك إلى عظيم الأفضال وكرم الإفضال من الكبير المتعال فتقول لك:(يا غيوم الغفلة عن القلوب تقشّعي ، يا شموس التقوى والإيمان أطلعي ، يا صحائف أعمال الصالحين ارتفعي ، يا قلوب الصائمين اخشعي ، يا أقدام المجتهدين اسجدي لربك وأركعي ، يا عيون المتهجدين لا تهجعي ، يا ذنوب التائبين لا ترجعي ، يا أرض الهوى ابلعي ماءك ويا سماء النفوس أقلعي ، يا بروق الأشواق للعشاق المعي ، يا خواطر العارفين ارتعي ، يا همم المحبين بغير الله لا تقنعي ، ويا همم المؤمنين أسرعي ، فطوبى لمن أجاب فأصاب وويل لمن طرد عن الباب وما دعي).
    2) ــ ضبط الصوم على بوصلة القبول وتوفير شروطه:
    قال ابن الجوزي رحمه الله:(ليس الصوم صوم جماعة الطعام عن الطعام ، وإنما الصوم صوم الجوارح عن الآثام ، وصمت اللسان عن فضول الكلام ، وغض العين عن النظر إلى الحرام ، وكفّ الكفّ عن أخذ الحطام ، ومنع الأقدام عن قبيح الإقدام ).
    فأضبط بوصلة صومك بهذه المواصفات ، ليكون غيثا نافعا على صحراء قلبك الجرداء القاحلة ، فيردّها جنة فيحاء ناظرة ، تتوالى عليها موارد التوفيق ، فتكن وسيلة للقبول وسببا للوصول.
    3) ــ تحرّي الليلة المباركة والحرص على قيامها:

    ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه).
    وعنه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال في شهر رمضان:(فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم)(أحمد والنسائي).
    وبما أن التماسها في العشر الأواخر وفي الليالي الوتر منها ، فليكن قيامها جميعها هو عربون تحرّيها ، ففي أيّ ليلة جاءت وجدت المحلّ مهيّأ ، لتحطّ فيه أنوارها وتملأه بأفضالها وتشمله بألطافها ، فتفكّ عنه قيود الأوزار وتسلمه صك العتق من النار ، فينجو بذلك من غضب الجبار.
    فما عليه إلا أن يكتب اسمه في قوائم المقنطرين أو القانتين ، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)(أبو داود).
    4) ــ مضاعفة خدمة المولى عز وجل ليرحل الضيف بالمدح والشفاعة:

    فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب ، منعته الطعام والشهوات فشفّعني فيه، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفّعني فيه، فيشفّعان)(أحمد والطبراني).
    ترحّل الشهر وا لهفاه وانصرما واختص بالفوز في الجنات من خدما
    وأصبح الغافل المسكين منكسرا مثلي فيا ويحه يا عظم ما حرما
    من فاته الزرع في وقت البذار فما تراه يحصد إلا الهمّ والندما
    وأحذر أن تجعل الصيام والقرآن خصماءك باستهتارك وغفلتك وهجرك ، بدل أن يكونا شفعاءك بإقبالك ويقظتك وملازمتك :
    ويل لمن شفعاؤه خصماؤه والصور في يوم القيامة ينفخ
    5) ــ ختمة خاصة بالعشر أو أكثر لمضاعفة الفرصة:

    قال ابن رجب رحمه الله:(فأمّا الأوقات المفضلة كشهر رمضان ، خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر ، أو في الأماكن المفضلة كمكة شرّفها الله لمن دخلها من غير أهلها ، فيستحب الإكثار من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان).
    6) ــ إحياء سنة الاعتكاف فهي من خصوصيات العشر:
    فلتحيي هذه السنة وليكن لك نصيب منها وإن قلّ ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها :(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى).
    قال بن رجب:(وإنما كان يعتكف صلى الله عليه وسلم في هذه العشر التي يطلب فيها ليلة القدر ، قطعا لأشغاله وتفريغا لباله وتخلّيا لمناجاة ربه وذكره ودعائه ، وكان يحتجر حصيرا يتخلى فيها عن الناس ، فلا يخالطهم ولا يشتغل بهم..
    فمعنى الاعتكاف وحقيقته : قطع العلائق عن الخلائق ، للاتصال بخدمة الخالق).
    7) ــ زيادة الصدقات وإطعام الطعام لضمان الغرف وإجبار النقص:
    فثمن غرف الجنة وأنت طالبها ورمضان ميدانها والعشر الأواخر فرصتها المواتية ، ما جاء عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها .
    قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ ، قال : لمن طيّب الكلام وأطعم الطعام و أدام الصيام وصلّى بالليل والناس نيام)(الترمذي وأحمد والحاكم).
    فضاعف الصدقات وأطعم الطعام لتنل الغرف وتحقق الهدف وتنجو من التلف وتتأسى بخير من سلف الذي كان في رمضان كالريح المرسلة.
    وفي العشر كذلك زكاة الفطر التي هي طهرة للصائم وطعمة للمساكين ، كما أن لها وظيفة أخرى ذكرها بعض العلماء المتقدمين فقالوا : صدقة الفطر كسجدتي السهو للصلاة ، فهي تجبر الصيام وتكمل النقص فيه ، تماما كما تفعل سجدتا السهو بالنسبة للصلاة.
    8) ــ ألزم الدعاء والتضرع والمناجاة بالأسحار:

    قال سفيان الثوري رحمه الله:(الدعاء في تلك الليلة(ليلة القدر) أحبّ إليّ من الصلاة ، فإن جمع بين الصلاة والتلاوة والدعاء كان أفضل.
    فلو استنشقت ريح الأسحار ــ في هذه الليالي ــ لأفاق قلبك المخمور ، فرياح هذه الأسحار تحمل أنين المذنبين وأنفاس المحبين وقصص التائبين ، ثم تعود برد الجواب بلا كتاب .
    فإذا ورد بريد برد السحر يحمل ملطّفات الألطاف ، لم يفهمها غير من كتبت له ، يا يعقوب الهجر قد هبّت ريح يوسف الوصل ، فلو استنشقت لعدت بعد العمى بصيرا ولوجدت ما كنت لفقده فقيرا.
    لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها :( يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا)(يوسف88) ، لبرز لهم التوقيع عليها :( لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(يوسف92).
    وزاحم ابن القيم رحمه الله على الباب الذي اختار الدخول منه على مولاه ، لما قال عن نفسه:(دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها ، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول ، حتى جئت باب الذل والافتقار ، فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ، ولا مزاحم فيه ولا معوق ، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته ، فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه).
    9) ــ التماس العفو من العفوّ الكريم:

    قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن وافقت ليلة القدر ، ما أقول؟
    قال : قولي : اللهم إنك عفوّ تحب العفو فأعف عنّي)(الترمذي).
    والعفو من أسماء الله تعالى وهو : المتجاوز عن سيئات عباده الماحي لآثارها عنهم ، وهو يحب العفو ، فيحب أن يعفو عن عباده ، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم على بعض ، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه وعفوه أحب إليه من عقوبته.
    قال يحيى بن معاذ : لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه ، لم يبتل بالذنب أكرم الناس عليه.
    يا رب عبدك قد أتـاك وقد أساء وقد هفا
    يكفيه منك حيـاؤه من سوء ما قد أسلفا
    حمل الذنوب على الذنو ب الموبقات وأسرفا
    وقد استجار بذيل عفو ك من عقابك ملحفا
    يا رب فأعف وعافه فلأنت أولى من عفا

    10) ــ الطمع في الجائزة وهي القبول والغفران والعتق من النار:

    فيا أرباب الذنوب العظيمة ، الغنيمة الغنيمة ، في هذه الأيام الكريمة ، فما منها عوض ولا لها قيمة ، فكم يعتق فيها من النار ذي جريرة وجريمة ، فمن أعتق فيها من النار فقد فاز بالجائزة العميمة والمنحة الجسيمة ، يا من أعتقه مولاه من النار ، إياك أن تعود بعد أن صرت حرّا إلى رق الأوزار ، أيبعدك مولاك عن النار وأنت تتقرب منها ؟ ، وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ولا تحيد عنها.
    ومسك الختام نردد مع قوافل المحبين ونحدو مع العاشقين ونناجي مع العارفين ونلتمس مع التائبين ونرجو مع المستغفرين ، فنقول معهم :(يا شهر رمضان ترفق ، دموع المحبين تدفق ، قلوبهم من ألم الفراق تشقق ، عسى وقفة للوداع تطفئ من نار الشوق ما احرق ، عسى ساعة توبة وإقلاع ترفو من الصيام كل ما تخرّق ، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق ، عسى أسير الأوزار يطلق ، عسى من استوجب النار يعتق ، عسى رحمة المولى لها العاصي يوفق).
    الكاتب: جمال زواري أحمد
    عن موقع: صيد الفوائد.
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #91
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    العشر الأواخر من رمضان


    اللجنة العلمية



    شدُّ المئزر وإحياءُ الليالي العشر تحرّياً لليلة القدر!
    من صحيح البخاري:
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [صحيح البخاري: 1/ 16: (35)]
    (من يقم ليلة القدر) أي: يُحييها بالصلاة وغيرها من القُرُبات.

    ومن خصائص هذه العشر: ما ذكرته عائشة من أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يحيي ليله، ويشدّ مئزره، أي يعتزل نساءه ليتفرغ للصلاة والعبادة. وذلك لتصفو نفسه عن الأكدار والمشتهيات فتكون أقرب لسمو القلب إلى معارج القبول وأزكى للنفس لمعانقة الأجواء الملائكية وهذا ما ينبغي فعله للسالك بلا ارتياب. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يحيي هذه العشر اغتناماً لفضلها وطلباً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
    وقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: ما أعلم - صلى الله عليه وسلم- قام ليلة حتى الصباح" ولا تنافي بين هذين الحديثين، لأن إحياء الليل الثابت في العشر يكون بالصلاة والقراءة والذكر والسحور ونحو ذلك من أنواع العبادة، والذي نفته، هو إحياء الليل بالقيام فقط.


    ما هو حكم التهجد في ليلة القدر دون الليالي الأخرى ؟
    الإجابة:

    الحمد لله
    أولاً :
    ورد الفضل العظيم في العبادة في ليلة القدر، فقد ذكر ربنا تبارك وتعالى أنها خيرٌ من ألف شهر، وأخبر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه.
    قال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} القدر/1 – 5 . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ""مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ." رواه البخاري 1901 ومسلم 760. إيماناً : بفضلها وبمشروعية العمل فيها . واحتساباً : إخلاصاً للنية لله تعالى.
    ثانياً :
    اختلف العلماء في تحديد ليلة القدر على أقوال كثيرة ، حتى وصلت الأقوال فيها إلى أكثر من أربعين قولاً كما في " فتح الباري " ، وأقرب الأقوال للصواب أنها في وتر العشر الأخير من رمضان . فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "" تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ". رواه البخاري 2017 – واللفظ له - ومسلم 1169 .
    والحديث : بوَّب عليه البخاري بقوله : " باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر " . والحكمة من إخفائها هي تنشيط المسلم لبذل الجهد في العبادة والدعاء والذكر في العشر الأخير كلها ، وهي الحكمة ذاتها في عدم تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة ، وعدم تحديد الأسماء التسعة والتسعين لله تعالى والتي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : "" مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ " رواه البخاري 2736 ومسلم 2677 .
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : قوله – أي : الإمام البخاري - ‏:‏ " ‏باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر " : في هذه الترجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القدر منحصرة في رمضان ، ثم في العشر الأخير منه ، ثم في أوتاره ، لا في ليلة منه بعينها ، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها ‏.‏ " فتح الباري " 4 / 260 .
    وقال أيضاً : قال العلماء : الحكمة من إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها ، كما تقدم نحوه في ساعة الجمعة . " فتح الباري " 4 / 266 .
    ثالثاً : وعليه : فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر ، وخاصة إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخبر أمته بها ثم أخبرهم أن الله تعالى رفع العلم بها . فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ : "" إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَإِنَّهُ تَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ فَرُفِعَتْ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ ." رواه البخاري 49 .
    تَلاحَى... أي تنازع وتخاصم .
    قال علماء اللجنة الدائمة :
    أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر : فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها ، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر ؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا . لذا لا ينبغي للمسلم أن يتعاهد ليلة بعينها على أنها ليلة القدر ، لما في ذلك من الجزم بما لا يمكن الجزم به ؛ ولما في ذلك من تفويت الخير على نفسه ، فقد تكون ليلة الحادي العشرين ، أو الثالث والعشرين ، وقد تكون ليلة التاسع والعشرين ، فإذا قام ليلة السابع والعشرين وحدها فيكون قد ضاع عليه خير كثير ، ولم يصب تلك الليلة المباركة . فعلى المسلم أن يبذل جهده في الطاعة والعبادة في رمضان كله ، وفي العشر الأواخر أكثر ، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم . عن عائشة رضي الله عنها قالت : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ . رواه البخاري2024 ومسلم1174 .

    يا أيُّها الراقد كم ترقد قم يا حبيباً قد دنا الموعدُ
    و خذ من الليل وساعاته حظا إذا هجع الرُّقَّد

    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #92
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    العشر الأواخر من رمضان


    اللجنة العلمية



    شدُّ المئزر والاعتكاف تحرّياً لليلة القدر!
    من صحيح البخاري:
    813 - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ فَقُلْتُ: أَلاَ تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ نَتَحَدَّثُ، فَخَرَجَ، فَقَالَ: قُلْتُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ، قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ الأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، فَاعْتَكَفَ العَشْرَ الأَوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:163] خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ: «مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْيَرْجِعْ، فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ» وَكَانَ سَقْفُ المَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزَعَةٌ، فَأُمْطِرْنَا، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْنَبَتِهِ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ
    __________
    [تعليق مصطفى البغا]
    (إن الذي تطلب أمامك) إن الذي تسعى إليه - وهو ليلة القدر - فيما يأتي قدامك من الليالي. (أُريت ليلة القدر) أبصرت علامتها أو أعلمت وقتها. (نسيتها) نسيت علم تعيينها. (في وتر) الليالي الفردية. (قزعة) قطعة رقيقة من السحاب. (أرنبته) طرف أنفه]
    [صحيح البخاريِّ 1/ 162]

    باب الاعتكاف:
    يشرع في كل وقت في المساجد، وهو في رمضان آكد، سيما في العشر الأواخر، ويستحب الاجتهاد في العمل فيها، وقيام ليالي القدر، ولا يخرج المعتكف إلا لحاجة.
    أقول:
    لاخلاف في مشروعية الاعتكاف وقد كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة.
    وأما كونه يصح في كل وقت في المساجد فلأنه ورد الترغيب فيه ولم يأت ما يدل على أنه يختص بوقت معين وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: "فأوف بنذرك".
    وأما كونه لا يكون إلا في المساجد فلأن ذلك هو معنى الاعتكاف شرعا إذ لا يسمى من اعتكف في غيرها معتكفا شرعا وقد ورد ما يدل على ذلك كحديث "لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة" أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من حديث حذيفة.
    وأما كون الاعتكاف في رمضان لا سيما كون العشر الأواخر منه أفضل وآكد فلكونه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فيها ولم يرد ما يدل على توقيته بيوم أو أكثر ولا على اشتراط الصيام إلا من قول عائشة وحديث ابن المتقدم يرده وكذلك حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" أخرجه الدارقطني والحاكم وقال: صحيح الإسناد ورجح الداراقطني والبيهقي وقفه وبالجملة فلا حجة إلا في الثابت من قوله: صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عنه ما يدل على أنه لا اعتكاف إلا بصوم بل ثبت عنه ما يخالفه في نذر عمر وقد روى أبو داود عن عائشة مرفوعا من حديث "ولا اعتكاف إلابصوم" ورواه غيره من قولها ورجح ذلك الحفاظ.
    وأما مشروعية الاجتهاد في العمل فلحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل كله وأيقظ أهله وشد المئزر وهو في الصحيحين وغيرهما.
    وأما مشروعية قيام ليالي القدر فلحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وفي تعين ليلة القدر أحاديث مختلفة وأقوال جاوزت الأربعين وقد أستوفيت ذلك في شرح المنتقى فليرجع إليه.
    وأما كون المعتكف لا يخرج إلا لحاجة فلما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة في الصحيحين أنه كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفا وأخرج أبو داود عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بالمريض وهو معتكف كما هو ولا يعرج يسأل عنه وفي إسناده ليث بن أبي سليم قال: الحافظ والصحيح عن عائشة من فعلها أخرجه مسلم رحمه الله وغيره وقال: صح ذلك عن علي وأخرج أبو داود عن عائشة أيضا قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع وأخرجه أيضا النسائي وليس فيه قالت: "السنة" قال: أبو داود غير عبد الحمن بن اسحاق لا يقول قالت: فيه السنة وجزم الدارقطني بأن القدر من حديث عائشة قولها لا يخرج وما عداه ممن دونها.

    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #93
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)


    العشر الأواخر من رمضان


    اللجنة العلمية

    حالُ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم مع أهله في العشر الأواخر

    من رأى حال الرسول صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وأهل بيته في العشر الأواخر، يلمس بوضوحٍ مدى صدقه صلى الله عليه وسلم في قوله: (إنَّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا) وقوله: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، ويُدرك بوضوحٍ أنّه أتقى هذه الأمة، كيف لا وهو أسوتها وقدوتها، فهو أول المستجيبين لقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} (سورة التحريم)!
    ولقد برز ذلك جليّاً في سلوكه صلى الله عليه وسلم مع أفراد أسرته، عند إقبال العشر الأواخر من رمضان، واستعداداً لها، وتحريّاً لليلة العظمى المكنونةِ فيها، أي ليلة القدر:
    ويبرز ذلك فيما يلي:
    أولاً: اجتهاده في تفقيههنَّ رضي الله عنهنَّ بأحكام العشر الأواخر وليلة القدر:
    ويدلّ على ذلك: أنّ كثيراً من الأحاديث الواردة في ذلك هي من روايتهنَّ، سواء شاركهنَّ أحد الصَّحابة رضي الله عنهم في تلقِّيها عنه صلى الله عليه وسلم أو لم يشاركهنَّ أحد، وكلّ ذلك تعليم وإرشاد، ومن ذلك:
    حديث عائشة رضي الله عنها حين قالت: يا رسول الله أرأيت إن علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلة القدر ما أقول فيها؟، قال: "قولي: اللهم إنَّك عفوُّ كريم تحب العفو فاعف عني".
    وحديثها رضي الله عنها : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ).
    وحديثها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ).
    بل إن إخبارهن رضي الله عنهنَّ بجانب من عشرتهنَّ وما علمنه من حاله صلى الله عليه وسلم كان طريقَ الأمة لمعرفة كثير من هديه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان وذلك لا يخفى.
    ثانياً: حثّه صلى الله عليه وسلم لهنَّ – رضي الله عنهنّ- على الاجتهاد في هذه الليالي العشر:

    ويتّضح ذلك مما أوردناه عاليه.
    فحيَّ على أسركم يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة)
    ثالثاً: وممّا يجعل دعوته إيّاهنّ إلى الاجتهاد في هذه العشر الأواخر مؤثّرةً:
    حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لهنَّ قبل ذلك:
    ومن الأمور الدالة على ذلك:
    1. مواقعته صلى الله عليه وسلم لهن رضي الله عنهن في غير العشر الأواخر، يشهد لذلك حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو جُنُب من غير حلم فيغتسل ويصوم".
    2. وقالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله"، قال ابن حجر "قولها شدَّ مئزره: أي اعتزل النساء".
    وقد جاء ذلك مصرحاً به عند البيهقي من حديث علي رضي الله عنه قال :"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان العشر الأواخر من رمضان شمَّر واعتزل النساء".
    ومما يدل عليه كذلك:
    تقبيله صلى الله عليه وسلم لزوجاته ومباشرته لهن رضي الله عنهن وهو صائم، يدل للتقبيل حديث عائشة رضي الله عنها:
    قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل في شهر الصوم".
    ويدل للمباشرة حديث عائشة رضي الله عنها حين سألها الأسود ومسروق: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم ؟ قالت: نعم، ولكنه كان أملككم لإربه".
    3. مراعاته صلى الله عليه وسلم لهنّ وحرصه على الاستقرار الأسري؛ إذ ترك الاعتكاف في سنة – كما تقدم- خشيةً على نسائه من أن يقع بينهنَّ أو في نفوسهنَّ شيء.
    4. زيارة نسائه صلى الله عليه وسلم له في معتكفه وتبادله الحديث معهنَّ ساعة، وخوفه صلى الله عليه وسلم عليهنَّ وحمايته لهنَّ رضي الله عنهنّ، يدل لذلك حديث صفية رضي الله عنها "كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعنده أزواجه فرحن، فقال لصفية بنت حيي لا تعجلي حتى أنصرف معك، وكان بيتها في دار أسامة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم معها".
    وفي أخرى "إن صفية رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، فلما رجعت مشى معها".
    خدمة نسائه صلى الله عليه وسلم له:
    أولى الناس بخاصة الرجل أهله، وإيكاله شأنه الخاص إليهن يورث قرباً ومودة، ويزيد اللُّحمة. وذلك ظاهر حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره، ومن دلائل ذلك:
    1. تغسيل زوجه صلى الله عليه وسلم لرأسه وترجيلها لشعره وهو معتكف – كما عرف-.
    2. ضرب زوجه الخباء له صلى الله عليه وسلم في المسجد ليعتكف فيه، يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله"
    3. ضرب زوجه الحصير له صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه وطيها له، يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "...أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من ذلك أن أنصب له حصيراً على باب حجرتي، إلى أن قال "اطو عنّا حصيرك يا عائشة...".
    4. إيقاظ أهله صلى الله عليه وسلم له، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أُريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر"
    5. إذنه لزوجاته رضي الله عنهن بالاعتكاف معه، يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة فأذن لها وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت...".
    قيامهن رضي الله عنهن ببعض العبادات معه صلى الله عليه وسلم:
    ومن ذلك :
    1. الاعتكاف، والظاهر أن غالب زوجاته رضي الله عنهنَّ لم يكن يعتكفن معه صلى الله عليه وسلم في حياته، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فالظاهر اعتكافهن رضي الله عنهن بعده، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده" والله أعلم.
    2. قيام الليل في بعض ليالي رمضان جماعة في المسجد، يدل لذلك حديث أبي ذر رضي الله عنه ، وفيه: "ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر وصلى بنا في ا لثالثة ودعا أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح، قلت له: وما الفلاح؟ قال: السحور".
    وبعد:
    فإن من أوكد الواجبات بداية الرجل عموماً – الداعية خصوصاً- بتعليم أهله وقرابته، قال تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين)، وإذا كان إنفاق الرجل على أهله أفضل من الصدقة وأعظم منها أجراً، فإن تعليمه وحسن معاملته لهم أفضل وأعظم أجراً من تقديم ذلك لغيرهم - مع الأهمية في كل – فنحن بحاجة إلى إحياء شعار: "ابدأ بمن تعول" ، مع بعث منهج التوازن والوسطية النبوية التي تهمل جانباً على حساب جانب آخر.
    ملخَّصا عن حال الرسول صلى الله عليه وسلم مع أزواجه في رمضان لفيصل البعداني.


    إن هذه العناية بأمر الزوجة والأهل والأولاد تجعل من البيت المسلم يعيش في روحانية رمضان هذا الشهر الكريم، فعندما يقبل الأب والأم والأبناء والبنات على الصلاة والعبادة والذكر وقراءة القرآن، ولنحفزهم على ذلك الخير فمن دعا إلى هدى كان له من الخير والأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.
    نقل الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله في لطائف المعارف، عن الإمام سفيان الثوري رحمه الله قال: أحبُّ إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه، وينهض أهلهوولده إلي الصلاة إن أطاقوا ذلك.

    وإيقاظه لأهله ليس خاصاً في هذه العشر، بل كان يوقظهم في سائر السنة، ولكن إيقاظهم لهم في هذه العشر كان أكثر وأوكد.

    وهذا حرص منه عليه الصلاة والسلام على أن يدرك أهله من فضائل ليالي هذا الشهر الكريم ولا يقتصر على العمل لنفسه ويترك أهله في نومهم، كما يفعل بعض الناس وهذا لاشك أنه خطأ وتقصير ظاهر.

    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #94
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    العشر الأواخر من رمضان


    اللجنة العلمية

    تعطير الأسحار بالمناجاة والدُّعاء والاستغفار!
    الزم الدُّعاء والتَّضرُّع والمناجاة بالأسحار:
    قال سفيان الثوري رحمه الله: "الدعاء في تلك الليلة (ليلة القدر) أحبّ إليّ من الصلاة، فإن جمع بين الصلاة والتلاوة والدعاء كان أفضل"
    فلو استنشقتَ ريح الأسحار -في هذه الليالي- لأفاق قلبك المخمور، فرياح هذه الأسحار تحمل أنين المذنبين وأنفاس المحبين وقصص التائبين، ثم تعود برد الجواب بلا كتاب.
    فإذا ورد بريد برد السحر يحمل ملطّفات الألطاف، لم يفهمها غير من كتبت له، يا يعقوب الهجر قد هبّت ريح يوسف الوصل، فلو استنشقت لعدت بعد العمى بصيراً ولوجدت ما كنت لفقده فقيراً.
    لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها: (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا) (يوسف88)، لبرز لهم التوقيع عليها: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (يوسف92).
    وزاحم ابن القيم رحمه الله على الباب الذي اختار الدخول منه على مولاه، لما قال عن نفسه: (دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول، حتى جئت باب الذل والافتقار، فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه، ولا مزاحم فيه ولا معوق، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته، فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه).
    التماس العفو من العفوّ الكريم:
    قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول؟
    قال: قولي: اللهم إنك عفوّ تحب العفو فأعف عنّي) (الترمذي).
    والعفو من أسماء الله تعالى وهو: المتجاوز عن سيئات عباده الماحي لآثارها عنهم، وهو يحب العفو، فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم على بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه وعفوه أحب إليه من عقوبته.
    قال يحي بن معاذ: لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه، لم يبتل بالذنب أكرم الناس عليه.
    يا رب عبدك قد أتاك وقد أساء وقد هفا
    يكفيه منك حياؤه من سوء ما قد أسلفا
    حمل الذنوب على الذنو ب الموبقات وأسرفا
    وقد استجار بذيل عفوك من عقابك ملحفا
    يا رب فأعف وعافه فلأنت أولى من عفا

    الطَّمع في الجائزة وهي القَبول والغفران والعتق من النار:
    فيا أرباب الذنوب العظيمة، الغنيمة الغنيمة، في هذه الأيام الكريمة، فما منها عوض ولا لها قيمة، فكم يعتق فيها من النار ذي جريرة وجريمة، فمن أعتق فيها من النار فقد فاز بالجائزة العميمة والمنحة الجسيمة، يا من أعتقه مولاه من النار، إياك أن تعود بعد أن صرت حرّا إلى رق الأوزار، أيبعدك مولاك عن النار وأنت تتقرب منها؟، وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ولا تحيد عنها.
    ومسك الختام نردد مع قوافل المحبين ونحدو مع العاشقين ونناجي مع العارفين ونلتمس مع التائبين ونرجو مع المستغفرين، فنقول معهم: (يا شهر رمضان ترفق، دموع المحبين تدفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق، عسى وقفة للوداع تطفئ من نار الشوق ما احرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترفو من الصيام كل ما تخرّق، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق، عسى أسير الأوزار يطلق، عسى من استوجب النار يعتق، عسى رحمة المولى لها العاصي يوفق).
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #95
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    العشر الأواخر من رمضان


    اللجنة العلمية



    الإكثار من الإنفاق والصّدقة والعمل الصالح في العشر الأواخر من رمضان!
    الصدقة سر من أسرار رمضان بالذات ، وقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ، وأهل العلم رحمهم الله تعالى على أن الطاعات تعظم في الأزمان الفاضلة ، والصدقة في هذه العشر من ميراث الصالحين ، لقد كان صلى الله عليه وسلم جواداً كريماً في كل حياته ، وكان في رمضان صورة أكثر جوداً وعطاءً ، وهكذا كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى في أزمان الطاعة . إنَّ بإمكانك أخي الصائم أن تجعل لعشرك بعض نفحات البر والإحسان إلى الأرامل والمساكين ، والفقراء والأيتام ، وأنت تعلم أن للصدقة تأثيراً كبيراً في دفع البلاء عن المؤمن ، وتعلم أن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامه ، وتعلم أن ممن يظله الله تعالى بظله يوم القيامة متصدق تصدّق بصدقته فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه . والصدقة وإن كانت يسيرة إلا أنها بين يدي الله تعالى عظيمة ، فلا تبخل بشيء من العطاء وقد بلغك أن الملك يدعو صباح كل يوم بقوله : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ولا تنسى رعاك الله تعالى في هذا المقام أن تفطير الصائمين فرصة خاصة في ظلال هذه العشر وقد قال نبيك صلى الله عليه وسلم : من فطّر صائماً كان له مثل أجره ، ومثل ذلك في الأجر وأعظم فكاك الأسير بدينه ، وإغاثة المنكوبين ، وإطعام الأيتام ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته . واعلم أن الابتسامة صدقة من الصدقات ، ومثلها الرحمة بالآخرين ، والعفو عنهم ، والصفح عن أصحاب الزلات ، وقد غفر الله تعالى لامرأة زانية بغي بسبب سقيها لكلب وقدأرهقه العطش ، فقال الغزالي رحمه الله تعالى : لئن كانت الرحمة بالبهائم تغفر ذنوب البغايا فإن الرحمة بالبشر تصنع العجائب . واعلم أن أولى الصدقات بك في هذا المقام نبذ الفرقة ، وترك الخصام ، فإن الواقع فيها في مثل هذا العشر قد يكون محروماً من آثار هذه الفضائل . إن مثلك لا يخفى عليه أن ليلة القدر رُفع علمها عن الأمة بسبب الشجار والخصام ، وأي حرمان أيها الحبيب لرجل في عشره الأخيرة من رمضان وهو لا زال يكابر في هذه الفضائل ، ويقع فريسة لعدو الله تعالى ، ويصر على هجر إخوانه حتى في مواسم الطاعات ؟ ولئن كانت أعمال العباد تُعرض على الله تعالى كل اثنين وخميس فإن أعمال المتخاصمين يحرمها النزاع ثمرتها ، ويكتب عليها الشقاق آثار الجرمان .




    من وحي العشرِ الأواخر: وصفةٌ للعمر كلّه!


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
    الوصفة عبارة عن مواد وتركيبات علاجية يُوصى بها لعلاج بعض الأمراض، والوصفات العلاجية منتشرة في الأوساط الاجتماعية وخاصة للأمراض الشائعة كالأنفلونزا والسعال والصداع، فما إن يُصاب أحد بشيء من ذلك حتى تنهال عليه الوصفات من المقربين، وأبرز مزايا الوصفات أنها مجربة، فكل من يذكر لك وصفة يقول لك:
    إنها مجربة ونتائجها مؤكدة، وكثير من الناس إذا أصابهم عارض صحي بحثوا عن الوصفات، واسألوا المُجربين.
    وإذا ما جئنا إلى "وصفة العمر" فإن التحدي تظهر ضخامته بوضوح، بل رُبما يراه بعض الناس مستحيلاً، إذ كيف يُمكن أن تُعطي وصفة تصلح للصغار والكبار، والرجال والنساء في سائر الأوقات، وجميع الأحوال؟!
    ومثل هذه الوصفة تحتاج إلى مصداقية ضخمة، فلا تكفي فيها تجربة محدودة لأفراد قليلين، بل لابد من تجربة شاملة، ونتائج كاملة، وينبغي أن تكون المستندات أصيلة لا يختلف أو يعترض عليها أحد، وقد قبلتُ هذا التحدي الهائل، وسأقدم هذه الوصفة الفريدة، ذات المصداقية الأكيدة، والتجارب العديدة، والنتائج المفيدة.
    نشأة الوصفة:
    نشأت فكرة الوصفة في الخمس الأواخر من رمضان، وبدأتُ في كتابتها في الحرم المكي الشريف، فهي وليدة البقاع المقدسة، والليالي الفاضلة، وهي ومضة من أنوار الصلوات، وشعلة من ضياء التلاوات، وقبس من شعاع الدعوات، إنها ثمرة النفحات الإيمانية، وفيض التجليات الروحانية، وهبة التأملات التعبدية، ومن هنا تكتسب أولى مزاياها التي تمنحها القبول.
    فكرة الوصفة:
    أساس الوصفة أن كثيراً من المسلمين يعتكفون في العشر الأواخر من رمضان إتباعاً للسنة، وطلباً للأجر، ويجمعون في اعتكافهم بين الصيام والقيام والتلاوة والذكر والدعاء ولزوم المسجد، فليلهم بالصلاة مملوء، ووقتهم بالتلاوة معمور، ولسانهم بالذكر مشغول، وقلبهم بالخالق موصول، وفكرهم بالآخرة متعلِّق، وحالهم بالإيمان متألِّق، وفي نفوسهم سكينة، وفي قلوبهم طمأنينة، يشعرون باللذة، ويحسون بالمتعة، ولو سألت أحدهم عن حاله لأجاب بجواب الأولين:
    « والله إننا في لذة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف » ، ومن هنا نشأتْ الفكرة، كيف يُمكن تجديد هذه المعاني وتكرار هذه الأحوال ؟!
    خلاصة الوصفة:
    رمضان لا يتكرر في العام إلا مرة واحدة، ومع ذلك فإننا إذا أردنا تلك النتائج الرائعة والثمار اليانعة فعلينا بتكرار ما سبق، والخلاصة أن تجعل لك في كل شهر يوماً كاملاً تعتكف فيه وتكون في نهاره صائماً، وفي ليله قائماً، وتشغله بالصلوات والدعوات والتلاوات فتُعيد الذكريات، وتُجدد اللذات، وتحقق الأمنيات.
    تفصيل الوصفة:
    هذه التفصيلات المقترحة تُوضح المطلوب، وتُساعد على التنفيذ:
    * اليوم: يفضل أن يكون ذلك في آخر الأسبوع، ويوم الخميس أنسب.
    * الوقت: يبدأ من صلاة الظهر أو العصر من يوم الخميس، ويستمر إلى صلاة الفجر أو صلاة الجمعة من يوم الجمعة.
    أعمال الوصفة :
    * الصيام (صيام يوم الخميس سنة، ويستحب أن يعتكف بصوم).
    * الاعتكاف (اعتكاف يوم وليلة صحيح عند جمهور الفقهاء).
    * قيام الليل (وهو سنة مؤكدة واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم ).
    * صلاة الوتر (وهي سنة مؤكدة أيضاً).
    * تلاوة القرآن الكريم (التلاوة من أفضل الأعمال وأكثرها أجراً ).
    * الذكر والدعاء (وهما مما لازم النبي صلى الله عليه وسلم فعله في كل أحواله وسائر أوقاته).
    * الصدقة والإنفاق (والصدقة من العبادات المتعدية التي يُضاعف أجرها وتزداد بركتها).
    برنامج الوصفة :
    بدء البرنامج بصلاة الظهر يوم الخميس على النحو التالي :
    1- أداء فريضة الظهر مع الجماعة، وأداء السنن القبلية والبعدية لها .
    2- تلاوة قرآنية لمدة ساعة، ومراجعة للحفظ لمدة ساعة.
    3- راحة لمدة نصف ساعة، والاستعداد لصلاة العصر.
    4- أداء فريضة تلاوة قرآنية لمدة ساعة، ومراجعة للحفظ لمدة نصف ساعة.
    5- أذكار المساء والدعاء قبل المغرب بنحو ساعة أو نصف ساعة.
    6- الإفطار وأداء صلاة المغرب وسننها، وتناول قليل من الطعام.
    7- صلاة ما تيسر من النوافل ما بين المغرب والعشاء لورود حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
    " فَجِئْتُهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ يُصَلِّي فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ خَرَجَ" رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب، وقال المنذري رواه النسائي بإسناد جيد.
    8- أداء صلاة العشاء والسنة البعدية، وتلاوة قرآنية لمدة ساعة، ومراجعة للحفظ لمدة ساعة، والسنن الرواتب وردت في حديث أم حبيبة رضي الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    ( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ ) وفي رواية الترمذي زيادة:
    ( أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ) .
    9- الذكر والدعاء قبل النوم، وأخذ قسط من النوم .
    10- الاستيقاظ لقيام الليل قبل الأذان الأول للفجر بساعة، وصلاة ثمان أو عشر ركعات ثم الوتر بثلاث في نحو ساعة ونصف.
    11- الذكر والدعاء والاستغفار بعد الصلاة، وأخذ قسط يسير من الراحة والنوم الخفيف قبل أذان الفجر الثاني.
    12- الاستعداد لصلاة الفجر وأداء سنتها القبلية، ثم تلاوة القرآن والذكر إلى ما بعد شروق الشمس، ثم صلاة ركعتين .
    ملاحظة:
    * يمكن أن يبدأ البرنامج بصلاة العصر وينتهي بصلاة الجمعة .
    * يمكن الاستفادة في بعض الوقت من القراءة والمدارسة العلمية في بعض العلوم والمسائل الشرعية خاصة مع وجود بعض أهل العلم أو الزملاء من طلاب العلم.

    تنفيذ الوصفة:
    1- يوم في كل شهر ويقترح أن يكون محدداً بأول خميس أو آخر خميس من كل شهر ليتم تفريغ هذا اليوم والانتظام في البرنامج .
    2- يُستحسن تنفيذ البرنامج في كثير من الأوقات بالاشتراك مع الآخرين، فيمكن أن يكون برفقة زملائه في طلب العلم مع مشاركة شيوخه أو أساتذته، وربما بمشاركة زملاء العمل، وربما أحياناً الزوجة والأبناء، ولكل صحبة من هذه هدف ونفع خاص.
    3- يُستحسن لمن كان قريباً ومستطيعاً أن يُنفَذ البرنامج في أحد الحرمين الشريفين لفضيلة المكان وأثره النفسي والإيماني، وما يستدعيه من ذكريات العبادة في رمضان، وإن لم يتيسر ذلك ففي أي مسجد من المساجد، وإن تعذر في بعض الأحيان فيمكن تنفيذ البرنامج في معظمه في أحد المساجد وبقيته في الليل يُنفذ البيت إلا أن ذلك يفوت صفة الاعتكاف الذي يُشترط أن يكون في مسجد من المساجد، والغرض من ذلك ألا يوجد ما يمنع من تنفيذ البرنامج وجني ثماره وفوائده .
    4- يُستحسن أن تخصص بعض المال لتنفقه صدقة في سبيل الله لتجمع أكبر قدر ممكن من الأعمال الصالحة في هذا اليوم .
    5- يُستحسن تخصيص ساعة في هذا اليوم للتأمل والتدبر في حالك والمراجعة والمحاسبة لأعمالك، وتجديد النية وإعلاء الهمة في عمل الطاعات ومجانبة المعاصي والسيئات.
    منجزات الوصفة:
    1- الصيام والاعتكاف .
    2- تلاوة ما بين ثلاثة إلى خمسة أجزاء من القرآن الكريم.
    3- مراجعة ما بين جزء إلى جزئين من القرآن الكريم.
    4- صلاة السنن الرواتب كاملة .
    5- التبكير وإدراك التكبير في جميع الصلوات .
    6- المكوث في المسجد وكثرة الذكر والدعاء .
    7- قيام الليل والوتر وكثرة النوافل والتطوعات .
    8- الصدقة والإنفاق في سبيل الله .
    وإضافة إلى ذلك فثمة نفحات إيمانية وثمرات تربوية يُرجى أن تُحصّل من هذا اليوم الحافل من الطاعات والقربات، فلعله أن يكون في ذلك تطهيراً للنفس وزكاة للقلب، ولذة للروح، وزيادة للإيمان، وإحياء للخشوع، وتجديداً للخضوع، وتلذذاً بالمناجاة، وتعلقاً بالطاعة، وإذكاء للحماسة ، وإعلاء للهمة، فاللسان رطب بتلاوة كتاب الله، والقلب مطمئن بذكر الله، والعين دامعة من خشية الله، والأيدي سائلة عطاء الله، والجباه ساجدة لعظمة الله، والأقدام مصفوفة قياماً لله، والعقل متدبر في نعمة الله، والوقت مملوء بطاعة الله، والجهد مستنفذ في مرضاة الله، فما أصدق الوصف القرآني لمن هذا حاله :
    { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين }، وما أظهر الارتباط بالغاية في هذه الصورة { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }.
    وهكذا ترون أن هذه وصفة للعمر كله، وللناس كلهم، وللجوارح كلها، وفي الأوقات كلها، وهكذا على مدى الدهر تجدد في كل شهر رمضان، فتكون وصفة العمر « رمضان في كل شهر » .

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #96
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    العشر الأواخر من رمضان


    اللجنة العلمية


    بين يدي عيد الفطر المبارك!

    ها هو شهر رمضان قد قوِّضت خيامه، وغابت نجومه، وها أنت في ليلة العيد، فالمقبول منا هو السعيد، وإن الله قد شرع في ختام الشهر عباداتٍ تُقوي الإيمان وتزيد الحسنات، ومنها:
    1 - التَّكبير، من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185].
    ومن الصفات الواردة فيه:
    الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
    2 - زكاة الفطر، وهي صاع من طعام ويبلغ قدره بالوزن: كيلوين وأربعين غرماً من البر الجيد. فإذا أراد أن يعرف الصاع النبوي فليزن كيلوين وأربعين غراماً من البر ويضعها في إناء بقدرها بحيث تملؤه ثم يكيل به. والأفضل أن يخرجها صباح العيد قبل الصلاة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة)) متفق عليه. ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين.
    3 - صلاة العيد. وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته رجالاً ونساء مما يدل على تأكدها. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها واجبة على جميع المسلمين وأنها فرض عين. وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد واختاره ابن القيم أيضاً.
    ومما يدل على أهمية صلاة العيد ما جاء في حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العوائق والحيض وذوات الخدور , فأما الحيض فيعتزلن المصلى , ويشهدن الخير ودعوة المسلمين , قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لتلبسها أختها من جلبابها) متفق عليه.
    والسنة: أن يأكل قبل الخروج إليها تمرات وتراً ثلاثاً أو خمساً أو أكثر , يقطعهن على وتر , لحديث أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً) رواه البخاري.
    ويُسنُّ للرجل أن يتجمَّل ويلبس أحسنَ الثياب، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله , ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما هذه لباس من لا خلاق له) وإنما قال ذلك لكونها حريراً. وهذا الحديث رواه البخاري. وبوب عليه: باب في العيدين والتجمل فيهما. وقال ابن حجر: وروى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين.
    وأما المرأة فإنها تخرج إلى العيد متبذّلة , غير متجملة ولا متطيبة , ولا متبرجة , لأنها مأمورة بالستر , والبعد عن الطيب والزينة عند خروجها.
    ويسن أن يخرج إلى مصلى العيد ماشياً لا راكباً إلا من عذر كعجز وبعد مسافة لقول علي رضي الله عنه: (من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن. والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم , يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً , وأن لا يركب إلا من عذر ... ا. هـ.
    وينبغي مخالفة الطريق بأن يرجع من طريق غير الذي ذهب منه. فعن جابر رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق) رواه البخاري. وفي رواية الإسماعيلي كان إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه. قال ابن رجب وقد استحب كثير من أهل العلم لللإمام وغيره إذا ذهبوا في طريق إلى العيد أن يرجعوا في غيره. وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد.
    ويُستحبُّ التهنئة والدعاء يوم العيد. فعن محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك. قال أحمد: إسناده جيد. وقال ابن رجب: وقد روي عن جماعة من الصحابة التابعين أنهم كانوا يتلاقون يوم العيد ويدعو بعضهم لبعض بالقبول.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #97
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    فضل الاعتكاف

    اللجنة العلمية


    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    استهلال
    شهر رمضان الكريم مدرسة إيمانية، وواحة ربانية، ومحطة مهمة في حياة الإنسان المسلم، يُعيد فيه ترتيب أوراقه، ومراجعة سلوكه وعلاقاته، وذلك في إطار الجوّ القرآنيّ الإيمانيّ الذي يُشيعه هذا الشهر الكريم، وخاصَّةً في العشر الأواخر منه، وخاصّة إذا ما كان الصّائم قد قرّر الاعتكاف فيها، فحتى يحقّق العبد الغاية المرجوّة من وراء الاعتكاف، لابد له من فهم هذه العبادة، فقها وسلوكا وتربية، وهذا ما سيتضح بإذن الله تعالى فيما يلي:




    ما هو الاعتكاف؟ ولماذا؟
    ما هو الاعتكاف؟
    الاعتكاف في الشرع: لزومُ المسجدِ من أجل التّعبّد لله تعالى، بضربٍ أو أكثرَ من ضروب العبادة المشروعة، كالذّكر وتلاوة القرآن والصلاة والتّفكّر!
    وهو من العبادات القديمة، يدلُّ على ذلك قوله تعالى:
    ]وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ[ (سورة البقرة: آية 125)
    وقوله تعالى: ]فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً[ (سورة مريم: آية 17).
    وقوله تعالى: ]كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً[ (سورة آل عمران: آية 37).
    قال شيخ الإسلام: "ولأنَّ مريم عليها السلام قد أخبر الله سبحانه أنها جُعلت محرَّرةً له، وكانت مقيمةً في المسجد الأقصى في المحراب، وأنها انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً فاتخذت من دونهم حجاباً، وهذا اعتكاف في المسجد واحتجابٌ فيه".
    وأخص البقاع بذكر اسمه سبحانه والعبادة له بيوته المبنية لذلك، فلذلك كان الاعتكاف لزومَ المسجد لطاعة الله".
    والاعتكاف كان معروفاً في الجاهليّة، فقد روى البخاريُّ في صحيحه عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَذَرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ - قَالَ: أُرَاهُ قَالَ لَيْلَةً: -، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ».
    والملاحظ أن معنى الكلمة يجمع بين الإقامة والملازمة والمواظبة لدرجة حبس النفس على ما لازمه، ومن هنا يكون الاعتكاف: حمل النفس على الملازمة للعبادة والإقبال على الله تعالى حملا يبعدها عن الشواغل والمصارف، وكأن صاحبه حبس نفسه على العبادة وألزمها إياها.
    وعرفه البخاري بقوله: الإقامة في المسجد بنية التعبد لله تعالى.
    فالمعنى الجوهريُّ للاعتكاف هو لزوم المسجد وملازمته والمكث فيه، وهو حقيقةُ وماهية الاعتكاف شرعاً، وما زاد على هذا المعنى من اعتبار الصوم وغيره، فهي شروطٌ للاعتكاف وليست من ماهيته.
    ولماذا؟
    أو: ما هي حكمة مشروعيّة الاعتكاف؟
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
    "ولما كان المرء لا يلزم ويواظب إلا من يحبُّه ويعظِّمه، كما كان المشركون يعكفون على أصنامهم وتماثيلهم، ويعكف أهل الشهوات على شهواتهم شرع الله لأهل الإيمان أن يعكفوا على ربهم سبحانه وتعالى".
    وذلك: لكي ينأى بنفسه عن الشَّواغل التي تحول بين المرء وبين أن يتفرَّغ لعبادة ربّه سبحانه وتعالى!
    وهذه الشواغل تتمثل في الفضول الأربعة:
    فضول الطعام والشراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام!
    فالقدر المناسب من هذه المضرّات الأربعة، ليس مضرّاً، ولكن الزيادة فيها عن حدّ الاعتدال!
    يقول الإمام ابن القيّم:
    "لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى، متوقفاً على جمعيته على الله، ولمِّ شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى، فإنَّ شعث القلب لا يلمُّه إلا الإقبال على الله تعالى!
    وكان فضول الطعام والشراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام، مما يزيده شعثاً، ويُشتته في كل واد، ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى، أو يضعفه، أو يعوقه ويوقفه: اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى، وشرعه بقدر المصلحة، بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه، ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة، وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه: عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيتُه عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبُّه، والإقبال عليه في محلِّ هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهمُّ كلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه، فيصير أنسُه بالله بدلاً من أنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصودُ الاعتكاف الأعظم"([1]).
    إذن:
    مقصود الاعتكاف الأعظم:
    عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيتُه عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبُّه، والإقبال عليه في محلِّ هموم القلب وخطراته!
    وذلك لا يكون إلا بالتخلص من تلك الفضول الأربعة!
    وذلك يتحقّق بالاعتكاف مع الصّوم!
    ويقول الإمام ابن رجب الحنبلي:
    "الخلوة المشروعة لهذه الأمة وهي الاعتكاف ،خصوصاً في شهر رمضان ، خصوصاً في العشر الأواخر منه كما كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يفعله ؛ فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره ، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله ، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه ، فما بقي له همٌ سوى الله وما يرضيه عنه .. فمعنى الاعتكاف وحقيقته : قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق "3
    "وليست العزلة المشروعة لتربية النفس وتهذيبها مقصورة على سنة الاعتكاف فحسب؛ بل كان السلف –رضي الله عنهم- يحثون السالك على اختلاس أوقات يخلو فيها بنفسه للذكر أو الفكر أو المحاسبة أو غيرها .
    قال عمر –رضي الله عنه- :" خذوا بحظكم من العزلة " وقال مسروق-رحمه الله-:" إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها يتذكر ذنوبه ، فيستغفر منها ".
    ويوصينا ابن الجوزي – رحمه الله- بالعزلة فيقول: " فيا للعزلة ما ألذها ! فلو لم يكن في العزلة إلا التفكير في زاد الرحيل ، والسلامة من شر المخالطة كفى " ويقول : " ولأن أنفع نفسي وحدي خير لي من أنفع غيري وأتضرر.. الصبر الصبر على ما توجبه العزلة ، فإنه إن انفردْتَ بمولاك فتح لك باب معرفته ..5" إن أهم ما يُعنى به الموفق لطاعة مولاه هو إصلاح تلك المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله ، وفي الصوم والاعتكاف من الإصلاح الشيء الكثير .
    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #98
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    فضل الاعتكاف

    اللجنة العلمية






    ما يتميّز به الاعتكافُ في شهر رمضان!

    ذهب الفقهاء إلى أنّ الاعتكاف في رمضانَ، في العشر الأواخر منه: سنّة مؤكّدة، لمواظبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليه، كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتّى توفّاه اللّه تعالى، ثمّ اعتكف أزواجه من بعده»
    وفي حديث أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عامًا حتّى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي اللّيلة الّتي يخرج من صبيحتها من اعتكافه قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر»
    الحديث.
    وارتفاع مرتبة الاعتكاف في رمضان من أن يكون (سُنّة)، إلى أن يكون (سُنّة مؤكّدة) يرجع إلى ما يتميّز به الاعتكاف في رمضان من الميزات الواضحة، والتي نذكر منها ما يلي:
    أولاً: اقترانه بالصّوم الواجب، وهو صوم الفريضة، وبالتالي يكون المعتكف أكثر قدرةً بإذن الله على تحقيق أهدافه من الاعتكاف، المتعلقة بتحقيق العبودية، ثم محاربة (أنواع الفضول الأربعة: فضولُ: الطعام والشراب، الكلام، الخُلطة، المنام).
    والبعض اشترط الصوم في غير رمضان، ولعل من الحكمة والسر أن الاعتكاف حالةٌ لإخراج العبد من ضوضاء الدنيا وشواغل النفس، إلى الإقبال على الله، ولا بد أن تكون النفس ساكنة مطمئنة، والصيام فيه كسرٌ للشهوة، وصفاء للنفس، وانقطاع عن أسباب الشهوات والمتاع، ولذا كان لابد من الاعتكاف ليحقق الصوم ثماره كلها.
    ثانياً: فضّل اللّه تعالى رمضان، والعشر الأواخر منه خاصّةً بليلة القدر، التي تتميز بعديدٍ من الفضائل، ومنها ما يلي:
    *- أنها ليلة أنزل الله فيها القرآن ، قال تعالى { إنا أنزلناه في ليلة القدر }.
    *- أنها ليلة مباركة ، قال تعالى { إنا أنزلناه في ليلة مباركة}.
    *- يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام ، قال تعالى { فيها يفرق كل أمر حكيم }.
    *- فضل العبادة فيها عن غيرها من الليالى كبيروعظيم ، قال تعالى { ليلة القدر خير من ألف شهر}.
    *- تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة ، قال تعالى { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر }.
    *- ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر ، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولا يخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها ، قال تعالى { سلام هي حتى مطلع الفجر }.
    *- فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله عز وجل ، قال صلى الله عليه وسلم : ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) - متفق عليه
    بل إنّ الدافع للاعتكاف في رمضان، إنما هو: التماس ليلة القدر، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
    ((إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ، أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ، فَقِيلَ لِي: إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ " فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ))(صحيح مسلم: (1167))
    ثالثاً: اقتران الاعتكاف في رمضان بالقرآن الكريم، الذي نزل جملةً واحدةً من اللّوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السّماء الدّنيا، في شهر رمضان، وفي ليلة القدر منه على التّعيين، ثمّ نزل مفصّلًا بحسب الوقائع في ثلاثٍ وعشرين سنةً.
    ولذا فإنه يُستحبّ في رمضان للمعتكف استحبابًا مؤكّدًا مدارسةُ القرآن وكثرةُ تلاوته، وتكون مدارسة القرآن بأن يقرأ على غيره ويقرأ غيره عليه، ودليل الاستحباب «أنّ جبريل كان يلقى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كلّ ليلةٍ من رمضان فيدارسه القرآن»
    وقراءة القرآن مستحبّة مطلقًا، ولكنّها في رمضان آكد، وهي في العشر الأواخر آكد.
    رابعاً: اقترانُ الاعتكاف بقيام الليل وصلاة التراويح، وقد أجمع المسلمون على سنّيّة قيام ليالي رمضان، وقد ذكر النّوويّ أنّ المراد بقيام رمضان صلاة التّراويح، يعني أنّه يحصل المقصودُ من القيام بصلاة التّراويح.
    وقد جاء في فضل قيام ليالي رمضان قوله صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه».
    أما التهجد؛ يقول الشيخ الفوزان: "فإنه سنة، وفيه فضلٌ عظيم، وهو قيام الليل بعد النوم، خصوصًا في ثلث الليل الآخر، أو في ثلث الليل بعد نصفه في جوف الليل؛ فهذا فيه فضل عظيم، وثواب كثير، ومن أفضل صلاة التطوع التهجد في الليل، قال تعالى : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً } [ سورة المزمل : آية 6 ] ، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
    ولو أنَّ الإنسان صلَّى التَّراويح، وأوتر مع الإمام، ثم قام من الليل وتهجد؛ فلا مانع من ذلك، ولا يُعيد الوتر، بل يكفيه الوترُ الذي أوتره مع الإمام، ويتهجد من الليل ما يسَّر الله له، وإن أخَّر الوتر إلى آخر صلاة الليل؛ فلا بأسَ، لكن تفوته متابعةُ الإمام، والأفضل أن يُتابع الإمام وأن يوتر معه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قام مع الإمام حتى ينصرف؛ كتب له قيام ليلة ) [ رواه أبو داود في سننه ( 2/51 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 3/147، 148 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 3/83، 84 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 1/420، 421 ) ] ، فيتابع الإمام، ويوتر معه، ولا يمنع هذا من أن يقوم آخر الليل ويتهجَّد ما تيسَّر له".
    خامساً: مضاعفة ثواب الأعمال الصّالحة في رمضان! وذلك ممّا يُنَشِّطُ المعتكف إلى الاجتهاد في عبادته وتذلُّله لربّه، قال إبراهيمُ: تسبيحةٌ في رمضان خيرٌ من ألف تسبيحةٍ فيما سواه، والاعتكاف من أجلِّ الأعمال في رمضان.








    الأحكام الفقهيّة للدّخول في الاعتكاف

    أولاً: حكم الاعتكاف:
    أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف سنة، وهو سنة مؤكدة في العشر الأخير من رمضان، ولا يكون واجباً إلا بالنذر، أو بالشُّروع فيه عند الحنفية، لفعله صلى الله عليه وسلم، ووجه الدلالة على السنية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالاعتكاف، وكذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سُدَّتها حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحَّاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه فقال: ((إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف)) فاعتكف الناس معه، ففي تعليق الاعتكاف على المحبة دليل على السنية وعدم الفرضية، ودليل الوجوب بالنذر قوله صلى الله عليه وسلم: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه))( مسلم (1167)) ، وعن عمر أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( أوف بنذرك)).
    ثانياً: مدة الاعتكاف:
    الاعتكاف يجوز ويحصل بأقل مدة كانت، فلو دخل المسجد ساعة ونوى فيها الاعتكاف حصل له أجرُ اعتكاف هذه الساعة، هذا عند الشافعية وقول لأحمد وعند أبي حنيفة في رواية وهو قول محمد، وفي قول لأحمد وفي الرواية الأخرى عند أبي حنيفة وهي رواية الحسن عنه: لا يجوز الاعتكاف بأقلَّ من يوم، وعند مالكٍ اختلفت الرواية "فقيل: ثلاثة أيام، وقيل يوم وليلة، وقال القاسم عنه: أقلُّه عشرة أيام، وعند البغداديِّين من أصحابه: العشرةُ استحبابٌ، وأن أقلَّه يومٌ وليلة!
    والسبب في اختلافهم: معارضةُ القياس للأثر، أما القياس فإنه من اعتقد أن من شرطه الصوم قال: لا يجوزُ اعتكاف ليلة، وإذا لم يجز اعتكافه ليلة فلا أقلَّ من يوم وليلة إذ انعقاد صوم النهار إنما يكون بالليل، وأما الأثر المعارض فما أخرجه البخاري من أن عمر رضي الله عنه نذر أن يعتكف ليلة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره ".
    ولعل الراجح صحته بأقل من يوم وليلة، ويشهد لذلك حديث نذر عمر المتقدم.
    ثالثاً: متى يبدأ الدخول في الاعتكاف؟
    أما وقت الاعتكاف فإن نذر اعتكاف شهر دخل قبل غروب الشمس عند الجمهور، وعند زفر والليث وقول لأحمد يدخل قبل الفجر، وإن نذر يوما دخل قبل غروب الشمس عند مالك كالشهر عنده، ودخل قبل الفجر عند الليث وزفر كالشهر عندهما، ودخل قبل الفجر وخرج بعد الغروب عند الشافعي.
    أما لو أراد أن يعتكف العشر الأواخر في رمضان تطوُّعاً فهناك روايتان عن أحمد:
    الأولى: يدخل قبل غروب الشمس من يوم العشرين، بحيث يدرك أول الليل من يوم الواحد والعشرين، وهو مذهب الشافعي
    والثانية يدخل بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين، وهو قول الأوزاعي.
    ولو نذر العشر الأواخر في رمضان ففيها الروايتان.
    وبعيدا عن خلاف الفقهاء فمن أحب الاعتكاف في العشر الأواخر فإنه يدخل الاعتكاف قبل صلاة المغرب من اليوم العشرين بحيث يشهد الإفطار والصلاة في معتكفه، ولا حرج لو دخل بعدها في أي جزءٍ من الليل أو لو صلى الصبح ثم دخل المعكتف بعد صلاة الصبح بل لو فاته من العشر يوم ويومان لا حرج فالأصل أنه سنة كله، ويخرج من معتكفه بعد صلاة المغرب من آخر يوم من رمضان ولو مكث في معتكفه إلى ما بعد صلاة العيد إن صُلِّيت في المسجد الذي هو فيه أو خرج من المعتكف إلى المصلَّى لكان أفضل.
    رابعاً: شروط من يرغب في الدخول في الاعتكاف:
    يشترط في المعتكف أن يكون:
    1- مسلما عاقلا: فهو عبادة لأن الكافر والمجنون ليس من أهل العبادة، ولأن العبادة لا بد لصحتها من النية، وهما ليسا أهلا لها.
    2- الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس.
    3- التمييز، ويصح الاعتكاف من الصبي المميز ومن المرأة بإذن زوجها، وأجاز أبو حنيفة اعتكافها في مسجد بيتها.
    خامساً: شروط الدخول في الاعتكاف: ([2])
    1- أن يكون في المسجد، فلا يصح الاعتكاف بغير مسجد تقام فيه الجماعة، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، وكذا عند الشافعية إن لم يتخلل اعتكافه جمعة، وإلا فلا يصح إلا في جامع، وفي رواية عن مالك لا يصح إلا في مسجد تقام فيه الجمعة، ولا شك أن أفضل المساجد للاعتكاف المساجد الثلاثة، الحرام والنبوي والأقصى، وقد ذهب بعضهم كابن المسيب إلى عدم صحة الاعتكاف إلا بها.
    2- المكث في المسجد: وهو معنى الاعتكاف، فلا يجوز له الخروج من المسجد إلا لحاجة الإنسان، لأنه لا يستغني عنه، وكذا الخروج للجمعة عند غير الشافعية ممن أجاز الاعتكاف في المسجد غير الجامع.
    وإذا خرج بطل اعتكافه عند أبي حنيفة إن بقي أكثر من وقت قضاء حاجة الإنسان، وعند أبي يوسف ومحمد لا يبطل إلا إذا بقي أكثر من نصف اليوم، هذا في اعتكاف الفرض أما في اعتكاف النفل فروايتان عند الحنفية، ومثل قضاء الحاجة ما يضطر إليه كالذهاب للطبيب لو مرض، وكذا كل ما وجب وتعين عليه كأداء الشهادة، وأجاز الشافعية الخروج للأكل دون الشرب ولو كان متوفِّراً في المسجد إذ ربما يستحي من فعله فيه.
    وإن خرج لغير حاجةٍ بطل اعتكافُه، ولو قلَّ الخروج عند الجمهور، وعند محمد وأبي يوسف لا يبطل إذا لم يزد على نصف يوم.
    3- النية: ولا خلاف فيها بين العلماء، فهي شرط في كل العبادات، وهو دليل الإخلاص، ولا بد أن تكون نيته خالصة لوجهه تعالى، وأن يقصد باعتكافه بلوغ مرضاة ربه وإصلاح نفسه والالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
    4- الصيام: وهذا في الاعتكاف بغير شهر رمضان وفيه خلاف بين العلماء، فاشترط الحنفية والمالكية الصوم، وأجاز الشافعية والحنابلة الاعتكاف بغير الصوم.
    ترك مباشرة النساء: فإذا باشر زوجته بطل اعتكافه إن كان ذاكرا، وأما إن كان المجامع ناسيا للاعتكاف يفسد اعتكافه عند الحنفية ولا يفسد عند الشافعية، ويفسد اعتكافه بالجماع ودونه من اللمس والتقبيل عند مالك، و لا يفسد عند أبي حنيفة بما دون الجماع إلا إن أنزل إلا أنه حرام، وعند الشافعي القولان وقول ثالث لا تبطل إلا بالجماع والأظهر ما وافق الحنفية.
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #99
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    فضل الاعتكاف

    اللجنة العلمية



    الأحكام الفقهيّة للخروج من الاعتكاف
    أولاً: الخروج المؤقّت من المسجد لعيادة المريض وشهود الجنائز:
    1- مذهب الأئمة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وكثير من التابعين كعطاء والزهري وعروة ومجاهد: لا يجوز خروجه لعيادة مريض ولا لشهود جنازة، لأنهما ليسا فرض عين، فلا ضرورة إليهما، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان"([3])
    2- وفي قول عند أحمد رواه الأثرم ومحمد بن الحكم وهو مذهب علي وابن جبير والنخعي والحسن، أنه يجوز له ذلك، لما روى عاصم بن ضمرة عن علي قال: " إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليعد المريض وليحضر الجنازة وليأت أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم"
    وإذا اشترط أثناء نية الاعتكاف الخروج لعيادة المريض أو شهود الجنازة، فله ذلك عند الشافعية والحنابلة، وليس له ذلك عند الحنفية والمالكية ،وسبب الخلاف تشبيه الاعتكاف بالحج في أنهما عبادة تمنع المكلف من بعض الأفعال، فكما أن الحج ينفع فيه الشرط لحديث ضباعة (( أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث حبستني)) ،فكذلك الاعتكاف.
    ثانياً: الخروج بسبب انتهاء مدة الاعتكاف:
    و أما وقت الخروج عند نهاية الاعتكاف، ففيه قولان :
    أولهما: يخرج بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان والأفضل أن يبيت ليلة العيد في المسجد ثم يخرج إلى مصلى العيد، وهو قول مالك وأحمد.
    وثانيها: يخرج بعد صلاة المغرب وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي.
    وقال سحنون وابن الماجشون : إن رجع إلى بيته قبل صلاة العيد فسد اعتكافه.

    مُلحق بما سبق:
    قد رأينا ما يتعلق بالحكم عند خروج المعتكف من اعتكافه قبل انتهاء مدته، لأجل غرضٍ معيّنٍ يقضيه ثم يعود مرّةً أخرى، وهاهنا مسألتان متفرّعتان:
    الأولى:
    ما هو حكم من نوى الاعتكاف ثمّ نقض نيّته، وأراد أن يخرج من اعتكافه قبل انتهاء مدّته؟
    وجوابها:
    اختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى:
    فقال بعض أهل العلم: إذا نقض اعتكافه وجب عليه القضاء، واحتجوا بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشراً من شوال، وهو قول مالك.
    وقال بعضهم: إن لم يكن عليه نذرُ اعتكافٍ أو شيءٌ أوجبه على نفسه، وكان متطوِّعاً فخرج، فليس عليه أن يقضي إلا أن يحُبَّ ذلك اختياراً منه، ولا يجب ذلك عليه، وهو قول الشافعي، قال الشافعي: "فكلُّ عملٍ لك أن لا تدخلَ فيه، فإذا دخلت فيه فخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة".
    واختلف العلماء - رحمهم الله - لو كان الاعتكاف نافلة وطاعة ، فدخل فيها المكلف : هل الشروع في النافلة يُصيّرها فريضة - وقد تقدمت معنا هذه المسألة - وبيّنا أن هناك عبادات نص الشرع على أن الدخول في نافلتها يُصيّرها فريضة ، ويلزم إتمامها ، كما في الحج والعمرة ، وأن هناك عبادات تبقى على الأصل ، كما في الحديث عنه - عليه الصلاة والسلام - في الصوم أنه قال : (( المتطوع أمير نفسه )).
    فهذا الحديث أصل عند طائفة من العلماء - رحمهم الله - على أن المتطوع أمير لنفسه ، إن شاء أتم ، وإن شاء لم يتم ، ولا شك أن الأفضل والأكمل أن يتم العبد طاعته لله - تعالى - .
    والثانية:
    ما هو الحكم في زيارة الآخرين كالزوجة والأصدقاء للمعتكف في معتكفه؟
    الجواب:
    إذا أراد أن يزور المعتكفَ أهله أو أحد أصدقائه فله ذلك، ويجوز الجلوس معهم ومؤانستهم، وإن كان الأفضل له أن يبتعد عن الناس لأن الحكمة من الاعتكاف أن ينقطع عن علائق الدنيا، ويجمع القلب على الله تعالى، ودليل الجواز حديث صفية بنت حيي قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته، ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( على رسلكما إنها صفية بنت حيي )) . فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: (( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا أو قال شيئا))(متفق عليه)
    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #100
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,506

    افتراضي رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)

    فضل الاعتكاف

    اللجنة العلمية

    من فتاوى الاعتكاف
    [حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة]
    السؤال:
    هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟
    الجواب:
    قوله في الحديث الماضي: (كتب له قيام ليلة) قالوا: يكتب له أجر قيام الليلة كاملاً، وفرق بين قوله: (كتب له قيام ليلة) وبين الحكم في كونه قد قام الليلة كاملة، هناك فرق بين المسألتين وتوضيح ذلك في العشر الأواخر، ففي العشر الأواخر يندب إلى إحياء الليل، فبعض الناس يصلي مع التراويح ثم يقول: إذا صليت التراويح وخرجت مع الإمام كتب لي إنني أحييت الليل فيذهب وينام، ويقول: إنني قد أخذت الفجر والفضيلة، والواقع أن هناك فرقاً بين الفضيلة وبين الحكم، (كتب له قيام ليلة) أي: كتب له أجر قيام الليلة، ولكنه لا يحكم بكونه قد قام الليلة فيما ندب إلى إحياء الليل فيه كاملاً؛ لأن الإحياء لا يكون إلا حقيقة، فقوله كما جاء (وأحيا ليله) لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعلى هذا فإنه يكتب له أجر القيام.
    وأما بالنسبة للاعتكاف فالأصل في قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] هذا أصل عام أخذ منه جماهير العلماء رحمة الله عليهم منهم الأئمة الأربعة وهو قول داود الظاهري والحديث أن الاعتكاف جائز في المساجد كلها من حيث الجملة، إلا أن من نوى أن يعتكف العشر الأواخر أو نذر أن يعتكف العشر الأواخر فإنه لا يعتكف إلا في مسجد فيه الجمعة؛ لأنه إذا نذر اعتكاف العشر كاملة حرم عليه أن يخرج، فإذا جاء يوم الجمعة وهو في مسجد لا يجمع فيه فمعنى ذلك إما أن يبطل نذره بالخروج؛ لأن المعتكف لا يجوز له الخروج إلا من ضرورة وحاجة تتعلق ببدنه، وإما أن يضطر إلى ترك الجمعة ولا يجوز لمثله أن يترك الجمعة.
    فلذلك إذا نذر وفرض على نفسه اعتكاف العشر كاملة فإنه لا يعتكف إلا في مسجد فيه جمعة، وهذا هو الأصل الذي دعا بعض العلماء أن يقول: اعتكاف العشر لا يكون إلا في مسجد يجمع فيه حتى لا يضطر إلى الخروج، أما لو نذر أن يعتكف ليلة وجاء في أي مسجد واعتكف فيه لا بأس ولا حرج، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام قوله: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) وهذا الحديث حسن بعض العلماء رحمة الله عليهم من المتقدمين والمتأخرين إسناده وقال مجاهد بظاهره، ومجاهد بن جبر تلميذ ابن عباس قال: [إنه لا يجوز الاعتكاف إلا في واحد من المساجد الثلاثة] ولكن خالفه جمهور العلماء على ظاهر الآية الكريمة.
    ولذلك أيضاً قالوا: إن قوله: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) هذا معروف في أسلوب الشرع النفي المسلط على الحقيقة الشرعية كقوله: (لا إيمان لمن لا أمانة له) (ولا صلاة بعد صلاة الصبح) (ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) تارة يرد ويراد به الكمال، وتارة يرد ويراد به نفي الصحة، فتردد الحديث هنا بين أن يحمل قوله: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) بين أن يحمل على الفضيلة، أي: لا أفضل من الاعتكاف في المساجد الثلاثة فلا اعتكاف كامل إلا في المساجد الثلاثة؛ لأن المسجد الحرام فيه فضيلة الطواف التي لا توجد في غيره، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم دونه ففيه فضيلة الألف الصلاة التي لا توجد فيمن دونه، والمسجد الأقصى فيه فضيلة مضاعفة الصلاة خمسمائة صلاة، فأصبح من يصلي ويعتكف في هذه المساجد قد حصل على كمال الاعتكاف ما لم يحصله في غيره، فصار كقوله: (لا إيمان لمن لا أمانة له) أي: لا إيمان كامل لمن لا أمانة له، وكقوله: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) أي: لا وضوء كامل لمن لم يذكر اسم الله عليه لوجود الصارف من الأدلة الأخرى وهذا هو قول جمهور العلماء، والله تعالى أعلم.
    [الضابط في تفضيل المساجد بعضها على بعض في الاعتكاف]
    السؤال:
    فضيلة الشيخ : لا يخفى أن المساجد تتفاوت في الفضيلة ، فما هو الضابط في تفضيل المساجد بعضها على بعض في الاعتكاف ، وأيها يقدم المعتكف ويحرص عليه مع ذكر الدليل على تلك الضوابط من الكتاب والسنة . وجزاكم الله كل خير ؟

    الجواب:
    أول المساجد فضلا ، وأعظمها أجرا ، وأعلاها قدرا البيت الحرام ، فمسجد الكعبة هو أعظم المساجد ، وأفضلها على الإطلاق ؛ لأنه اجتمعت فيه فضائل لا توجد في غيره :
    فأولا : أن الطواف لا يشرع إلا فيه ، وهذه فضيلة لا توجد في غير المسجد الحرام ، والطواف من أجل القربات لله - عز وجل - .
    وثانيا : مضاعفة الصلاة فيه أكثر من غيره ، فالصلاة في مسجد الكعبة بمائة ألف صلاة ، وهذه فضيلة لا توجد في غيره ؛ كما نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك .
    وثالثا : قِدَمه ؛ لأنه أول بيت وضع للناس ، وهو مسجد الكعبة ، والأقدم مقدّم على غيره - كما سيأتي في ضوابط التفضيل بين المساجد - . فالأفضل مسجد الكعبة ، ثم يليه مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الصلاة فيه بألف ، وهذه فضيلة لا توجد في غيره ما عدا المسجد الحرام ، ولذلك يفضل مسجد المدينة على ما سواه من المساجد بعد مسجد الكعبة ، ثم المسجد الأقصى ؛ لورود الفضل فيه ، والصلاة فيه بخمسمائة ، وكذلك ينظر في التفضيل إلى أصول وضوابط دلت عليها أدلة الكتاب والسنة :
    فأولها : قِدَم المسجد ، فإذا كان المسجد أقدم ؛ فإنه أفضل ، وأولى بالاعتكاف ؛ والدليل على ذلك قوله تعالى : { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } فبيّن عز وجل في هذه الآية الكريمة أن المسجد الأقدم أحقّ أن يقوم الإنسان فيه بالعبادة ، وهذا أخذ منه الأئمة - رحمهم الله - تفضيل المسجد الأقدم .
    كذلك أيضا : يفضل المسجد الأكثر عددًا ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت في الحديث الصحيح عنه أنه قال : (( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الواحد وما كان أكثر فهو أزكى)).
    ففضّل الصلاة مع كثرة العدد ، فتفضل المساجد التي هي أكثر عددا ؛ لوجود هذه الفضيلة الثابتة في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
    كذلك يفضل الاعتكاف في المسجد الذي يخشع فيه قلب الإنسان أكثر، وتتوفر الدواعي للخشوع من : وجود إمام يتأثر بقراءته ، ويتأثر بخُطَبه ، ويتأثر بمواعظه ، ويتأثر بتوجيهه ؛ فحينئذ يحرص على أن يصلي فيه ؛ لأن الله - عز وجل - مقلّب القلوب، ويرزق أئمة المساجد القبول فضلا منه - عز وجل - ، والإخلاص له أثر، فقلّ أن يوضع القبول لإنسان في أمر من أمور الدين إلا ووراء ذلك بعد فضل الله سر من الإخلاص .
    فإذا صلى الإنسان وراء إمام مخلص أو تظهر آثار إخلاصه في انتفاعه بوعظه ، وانتفاعه بتوجيهه ، وحبه له ، وتأثره بنصائحه ، فهذا لا شك أنه أفضل في حق هذا المكلف ؛ لأن المقصود الأعظم هو الخشوع ، وحضور القلب ، وهذا أصل معتبر في سماع التلاوة ، والتأثر بالقرآن، وبالمواعظ .
    وبخلاف الإمام الذي ينفّر الناس ؛ وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، فقال : (( إن منكم منفرين )) .
    فإذا كان في المسجد له إمام ينفر، وأسلوبه ينفّر ولا يحبّب، فحينئذ يقدّم غيره عليه ؛ لأنه أقرب إلى السنة ، واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذه كلها من الأسباب أو الضوابط التي توجب تفضيل مسجد على آخر، وتقديمه على غيره . والله تعالى أعلم .
    [فهل اعتكافي في مسجد حيِّنا أفضل من اعتكافي بالمسجد النبوي؟]
    السؤال:
    فضيلة الشيخ : يوجد في حيِّنا مسجد صغير يصلى فيه الصلوات الخمس ، ولكن لا تصلى فيه الجمعة . في الحقيقة هذا المسجد أخشع فيه أكثر من غيره ، وأجد أنني أقوى على الإخلاص لعدم وجود الناس فيه ، إضافة إلى الهدوء وعدم التشويش ، فهل اعتكافي فيه أفضل أم المسجد النبوي أفضل . وجزاكم الله كل خير ؟

    الجواب:
    لا شك أن الاعتكاف في المسجد النبوي أفضل ، والخشوع أمر يتهيأ للإنسان بتوفيق الله - تعالى- ، ثم بالأخذ بالأسباب ، ومن هيّأ نفسه للخشوع في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه سيجد بركة ذلك وخير ذلك أكثر من غيره .
    ومن هنا تقدم المسجد النبوي لفضيلة الصلاة فيه ، ولأنه أقدم ، ولأن الخشوع أمر تستطيع أن تحصّله بتهيؤ الأسباب ، وكثير من الناس إلا من رحم الله يهيّئ لنفسه فوات الخشوع ، لكنه لو هيّأ لنفسه طلب الخشوع ، وتعاطى الأسباب في ذلك ؛ فإن الله سيعينه ، وسيمده بتوفيقه ، وتأييده - عز وجل - ؛ لأن الله وعد كل من طلب الحسنى أن ييسّر له ذلك ، وأن يسهّل له ذلك ، ومن طلب مرضات الله ؛ فإنه لا يزال له معينا وظهيرا من الله - تعالى - ، ومن صدق مع الله؛ صدق الله معه ، فاخرج إلى مسجد نبيّك - صلى الله عليه وسلم - ، واقصد وجه الله ، والتمس مرضات الله - تعالى - ، واصدق مع الله ؛ فإن الله يصدقك .
    خذ بالأسباب التي تعينك على الخشوع ، ما الذي جعلك تخشع في مسجدك ولا تخشع في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟! أليس ربك الذي تعبده هنا هو الذي تعبده هناك وتعبده في كل مكان ؟! إذا فالمسألة قد يكون فيها شيء نفسي ، وما عليك من الناس ، وما عليك من المقبل والمدبر، والذاهب والآتي ، ليس عليك إذا سكنت خشية الله في قلبك ، وامتلأ قلبك بتعظيم الله - تعالى - ، من عظم الله ؛ احتقر ما سواه ، ومن كان مع الله ؛ كان الله - تعالى - معه ، فأخلص لله - عز وجل- فإن الله يعينك ، ويسددك ، ويوفقك ، ستجد الإخلاص في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وستجد الخشوع في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل وأتم وأبرك من غيره . ونسأل الله أن يعينك على ذلك والله تعالى أعلم .
    [أبقى لخدمةِ والدَيَّ أم أعتكف؟!]
    السّؤال:
    فضيلة الشيخ : لي والدان قد يحتاجان إلي ، أو قد يحتاج أحدهم إلي أن أكون معهم مما يجعلني مترددا هل أعتكف أو أترك الاعتكاف ؛ علما بأنني أنوي الاعتكاف في المسجد الحرام وإذا لم يتيسر فإنني سأعتكف في المسجد النبوي ، أفتوني مأجورين وجزاكم الله كل خير ؟

    الجواب:
    أخي في الله ، أوصيك أن تبر والديك ، وأن تقدم بر والديك على الاعتكاف ، وعلى سائر النوافل ؛ لأن الله وصّاك من فوق سبع سماوات بوالديك خيرا ، وأمرك سبحانه أن تحسن إلى والديك .
    وقد أجمع العلماء - رحمهم الله - على أن برّ الوالدين من أحبّ الأعمال إلى الله -عز وجل - ، وذلك بعد حقّه ؛ ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه وأرضاه - أنه قال : (( سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أحب إلى الله - تعالى - ؟ قال : الصلاة على وقتها . قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين . قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله )) .
    فالزم رجل والدتك ، والزم رجل والديك ؛ فإن الجنة ثَمّ . قال : (( يا رسول الله ، أقبلت من اليمن أبايعك على الهجرة والجهاد وتركت أبوايَ يبكيان ؟ قال : أتريد الجنة ؟ قال : نعم . قال: ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما ، وأحسن إليهما ولك الجنة )) .
    وفي الحديث الآخر : ((ترك أمه تبكي، فقال : ارجع إليها فالزم رجلها ، فإن الجنة ثَمّ )) أي هناك .
    فأوصيك بوالديك خيرا ، والله فرض عليك برّ الوالدين ، ولم يفرض عليك الاعتكاف ، واعلم أنك لم توفق في اعتكافك ، ولا في أي طاعة من القربات النافلة إلا بعد أداء حق الله في الفرائض ، فالتمس رضا والديك ، واتق الله - تعالى - في والديك ، خاصة بعد كِبَرهما ، وضعفهما ، وشدة حاجتهما إليك ، فارحم ذلك الضعف ، لعل الله أن يرحمك في الدنيا والآخرة ، وأحسن إليهما لعل الله أن يحسن إليك في الدنيا والآخرة .
    فأوصيك أن تبدأ بوالديك ، ولو علمت أن والديك يأذنان لك ولكن مجاملة لك ، وفي الحقيقة يحتاجان إليك فقدّم برهما ، ولو أذن لك الوالدان ، وتعلم أنّك لو جلست معهما تصيب فضائل من برّهما ، وصلة الرحم فيهما ؛ فإنك تقدّم ما عندهما من الفضائل التي هي مقدمة على الاعتكاف أصلا ؛ ولهذا أقول لك : الزم والديك ، وبر والديك ، واعلم أنهما أمانة في عنقك .
    فبر الوالدين أمانة ، وبالأخص برّ الوالدة ، وبالأخص في الأحوال الشديدة ، عند المرض وكبر السِّن ، انظر كيف يوصي الله عباده ، ويذكّرهم بالوالدين ، فيختار حالة الضعف : { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }رب ارحم والدين كما ربونا صغارا ، فأحسن إلى والديك ، وقدم برّهما على النوافل .والله تعالى أعلم .
    [حول اعتكاف المرأة]
    السؤال:
    فضيلة الشيخ : إذا أرادت المرأة الاعتكاف هل يشترط إذن زوجها لها، وجزاكم الله خيرا؟
    الجواب:
    هذا من الشروط الخاصة ، والاعتكاف على صورتين :
    الصورة الأولى : إذا كان من المرأة إما أن يكون نافلة ؛ فيجب عليها أن تستأذن زوجها ، ففي الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( إذا استأذنت امرأة أحدكم المسجد فليأذن لها )) .
    وهذا يدل على أن المرأة لا تخرج إلا بإذن زوجها ، وإذا ثبت هذا فإن له الحق أن يمنعها ، وأن يأمرها أن تلزم البيت إذا كان عندها أطفال ، أو هو محتاج إليها ، أو يخاف ا لفتنة إذا غابت عنه أو نحو ذلك ، مما يرى أن الأفضل فيه أن تبقى ، وعلى المرأة أن تعلم أنها لو أرادت الاعتكاف ومنعها زوجها أنه يكتب لها الأجر كاملا ؛ لأنه حبسها العذرُ الشرعي.
    أما إذا كان الاعتكاف واجباً على المرأة: كأن يكون نذراً ؛ فإنه لا يجب استئذان الزوج، وتعتكف بدون إذنه كما هو الأصل المقرر في التفريق بين الواجبات وغير الواجبات في مسائل الإذن.
    [حجز الأماكن وبيعها في الحرم]
    السؤال:
    ما هو حكم حجز الأماكن وبيعها ؟
    الجواب:
    حجز الأماكن نقول : الأصل أن المسلم يتقدم ببدنه لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة : «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ».
    وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام «تقدموا وأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم من خلفكم »فالأصل أن المسلم يتقدم بنفسه لكن إذا احتاج أن يحجز كما لو تقدم ثم احتاج إلى الخروج لحاجة كقضاء حاجة أو سبقه الحدث ونحو ذلك وسيعود قريباً فإن هذا جائز ولا بأس به وكذلك أيضاً لو أنه تأخر في نفس المسجد لحاجة كأن يقول : أخشع له ونحو ذلك فهذا لا بأس أن يحجز، لكن يلاحظ اتصال الصفوف بحيث يعود إلى مكانه قبل أن يجتمع الناس لئلا يؤدي ذلك إلى تخطي رقاب الناس وإيذائهم وأما بيع هذه الأماكن فهذا نقول : بأنه محرم ولا يجوز لأن مثل هذه الأشياء ما شرعت إلا لوجه الله عز وجل لم تشرع من أجل العوض المادي وعرض الدنيا فهذا محرم لحديث عثمان بن أبي العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«واتخذ مؤذناً لا يأخذ على آذانه أجراً » .
    [إدخال الأطعمة الممنوعة إلى الحرم خفيةً]
    السؤال:
    يوجد بعض الأطعمة ممنوع دخولها من الرئاسة ، فما حكم إدخالها دون علمهم؟
    الجواب:
    منع بعض الأطعمة من قبل رئاسة الحرمين ، إنما منعت لمصلحة ، وإذا كان كذلك ، فالواجب التقيد بهذا النظام ؛ لأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة ، ويستغنى المعتكف بالأطعمة التي سُمح له أن يدخلها .وخاصة أن العلماء ذكروا أن المعتكف ينبغي له أن يتقلل من الطعام ، وأن يتقلل من النوم حتى ذكروا أنه يستحب له أن ينام متربعاً ؛ لأن الحكمة من الاعتكاف : جمع القلب على الله عز وجل والإقبال عليه وترك الاشتغال بالناس وما يتعلق بأمور الدنيا ولذاتها.
    [الاعتكاف في المصليات والمراكز الإسلامية]
    السؤال:
    ما حكم الاعتكاف في المصليات والمراكز الإسلامية والساحات غير المسورة والزيادات غير الملحقة لغير الصلاة كالمكتبة ومقر التحفيظ والتوعية ونحوها؟

    الجواب:
    المشروع أن يعتكف في المسجد وكل ما كان تابعاً للمسجد كالمكتبة ، حتى ذكر العلماء المنارة التي بابها إلى المسجد لا بأس أن يصعدها المعتكف ، وكذلك رحبة المسجد إذا كانت محوطة فإنه لا بأس أن يخرج إليها وأما إذا كانت غير محوطة فإن المعتكف لا يخرج إليها ، وكذلك مصلى النساء الملاصقة للمسجد ومقر التوعية والتحفيظ .
    [الخروج اليومي من المعتكف لدوام أو دراسة]
    السؤال:
    ما حكم الخروج المستغرق لأكثر وقت الاعتكاف مما لا بد منه : كالدوام والدراسة كما في الخارج ؟
    الجواب:
    الخروج للدوام هذا خروج لأمر ينافي الاعتكاف، والخروج لأمر ينافي الاعتكاف من تحصيل أمور الدنيا ونحو ذلك : هذا لا يصح حتى لو كان بالشروط ويكون مبطلاً للاعتكاف .
    [الخروج لغسل الملابس]
    السؤال:
    ما حكم الخروج لغسل الملابس في المغسلة ؟
    الجواب:
    الخروج لغسل الملابس في المغسلة هذا خروج لأمر مباح لحاجة الإنسان ، فإذا احتاج أن يخرج لمثل هذا العمل فإن هذا جائز ولا بأس به كحاجته لشراء الطعام ، وبيت الخلاء ونحو ذلك ، وقد ذكرنا في كتابنا : فقه الاعتكاف ما يتعلق بالخروج وأقسام الخروج ، فيرجع إلى ذلك .
    [اجتماع المعتكفين للطعام ودعوة بعضهم بعضاً]
    السؤال:
    ما حكم الاجتماع للفطور والعشاء كل ليلة بين المعتكفين ، وهل يجب أن تلبى الدعوة في هذه الحال؟

    الجواب:
    الاجتماع للفطور والعشاء كل ليلة بين المعتكفين : جائز لأن هذا الاجتماع من قبيل العادات والأصل في ذلك الحِلُّ.
    وأما هل تلبى الدعوة في هذه الحال ؟ نقول : نعم إذا دعاك أخوك فالمشروع لك أن تلبي دعوته كما تقدم .
    [دعوة المعتكف إلى طعامٍ في منزل أحدهم]
    السؤال:
    إذا دُعي المعتكف للإفطار عند بعض الأشخاص في منزله ، هل يذهب إليه ، وإذا ذهب ثم عاد هل ينوي إكمال اعتكافه أو أنه ينوي اعتكافاً جديداً ؟

    الجواب:
    الخروج للمعتكف كما تقدم أنه لا يخرج إلا مالا بد له منه؛ فالطعام والشراب هذا لا بد منه فإذا لم يكن عنده أحد يأتيه بالطعام والشراب في مكان اعتكافه ، فإنه لا بأس أن يخرج إلى بيته ، لكن إذا كان البيت الذي دُعي إليه أقرب من بيته وليس هناك أحد يأتيه بالطعام والشراب ، فإنه إذا دعي إلى هناك فلا بأس أن يذهب .
    [اعتكاف جماعي منظّم]
    السؤال:
    يوجد بعض حلقات التحفيظ تجتمع في مسجد واحد للاعتكاف، ويكون ذهابهم وإيابهم وأكلهم ونومهم واحدا ، فهل هذا اعتكاف صحيح ؟
    الجواب:

    نعم هذا اعتكاف صحيح وسبق أن أجبنا على شيء من ذلك .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •