كثرت الاكتتابات في الآونة الأخيرة وبالتالي استلزم ذلك كثرة فتاوى أهل العلم في الشركات المطروحة للاكتتاب وكثير من الناس لايعلم بـأي فتوى يأخذ
أيأخذ بفتوى الشيخ الشبيلي أم يأخذ بفتوى الشيخ العصيمي
وكماهو معلوم أن الشركات ثلاثة أقسام
1- شركة في أصلها مباحة وتتعامل بالمباح هذه لاخلاف في جواز الاكتتاب فيها
2- شركة في أصلها محرمة وتتعامل بالمحرم هذه لاخلاف في تحريم الاكتتاب فيها
3- شركة في أصلها مباحة لكنها تتعامل بالربا إقراضاً أو اقتراضاً وهذه التي تسمى بالشركات المختلطة
ولذلك أحببت أن أشارك في هذا المبحث راجياً من الله التوفيق والسداد لاسيما وأنا استند في هذه المسألةعلى دراستي لها عند الشيخ الفاضل سعد بن تركي الخثلان والبحث في فتاوى العلماء وكتبهم ومواقع علماؤنا بارك الله لنا فيهم وقد وجدت أن مسألة الشركات المختلطة فيها قولين شهيرين لأهل العلم :
القول الأول: أنه يجوز الدخول في هذه الشركات والاكتتاب فيها وتداول أسهمها بشرط أن يتخلص المساهم من الربا بعد حصوله على الأرباح، وذلك بأن يتخلص من الربا إن عرف مقداره فإن لم يعرف مقداره فأكثر ما قيل أنه يتخلص من نصف الربح، وأبرز من قال بهذا القول الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - وفتواه في هذا مكتوبة ، على أنه قال: الورع عدم الدخول في هذه الشركات، ولكن إذا لم يسلك المسلم سبيل الورع ودخل فيها فعليه أن يتخلص من نسبة الربا إن عرف مقداره فإن لم يعرف مقداره تخلص من نصف الربح.
وعلى هذا القول عامة الهيئات الشرعية في البنوك، فهم على هذا القول، على خلاف بينهم في تحديد نسبة الربا التي يجوز معها الدخول في تلك الشركات، وأكثر ما قيل: ثلاثين في المائة، وإنما حددوا بهذا التحديد أخذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (الثلث والثلث كثير).
قالوا: فالثلث ثلاثة وثلاثين في المائة، وثلث وهذا هو الحد الكثير، وما كان أقل من ثلاثة وثلاثين يعتبر قليلا، فقالوا: ما دامت القروض الربوية في الشركة لا تزيد على ثلاثين في المائة فيجوز الدخول فيها مع التخلص من الربا، وبعضهم قال: حددها بعشرة في المائة وبعضهم حددها بخمسة في المائة لكن أكثر ما قيل هو ثلاثون في المائة. ويؤيد هذا القول الشيخ عبدالله المنيع وتلميذه عبدالله المطلق والشيخ البسام رحمه الله ويأخذبهذا القول الشيخ يوسف الشبيلي
والقول الثاني في المسألة: أنه لا يجوز الدخول في هذه الشركات مطلقا، ولو كانت نسبة التعامل بالربا واحد في المائة، فيحرم الدخول في هذه الشركات، يحرم الاكتتاب فيها ويحرم تداول أسهمها بيعا وشراء أو نحو ذلك , وعلى هذا القول أيضاً مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - يعني صدر هذا القرار لما كان الشيخ عبد العزيز بن باز هو الرئيس لهذا المجمع، وأيضا ذهب لهذا القول مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فإذًا اتفق المجمعان على هذا القول، وأيضا ذهب لهذا القول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ومنهم الشيخ صالح الفوزان والشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله والشيخ بكر أبوزيد رحمه الله ,ويؤيد هذا القول الشيخ العلاّمة عبدالعزيز الراجحي والشيخ العلاّمة عبدالكريم الخضير والشيخ سعد الخثلان والشيخ المحدث سعد الحميد , وهذا القول هو الذي يأخذ به الشيخ محمد سعود العصيمي
بل إن الشيخ العلاّمة عبدالعزيز الراجحي يقول الصواب الذي لاينبغي العدول عنه هو القول بحرمة المساهمة في الشركات التي اشتهرت بين الناس بالأسهم المختلطة وأن القول بالمساهمة فيها قول ضعيف لاوجه له .
وإليك أخي الكريم توضيح لخطورة الربا والذي يدخل في الشركات المختلطة كما ذكر ذلك الشيخ سعد الخثلان حفظه الله حيث قال :الشريعة قد شددت في شأن الربا، وبالغت في التحذير منه، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ) والربا أعظم في الإثم من الزنا ولهذا ذكر القرطبي في "جامع الأحكام القرآن": أن رجلا أتى للإمام مالك يستفتيه: قال إني رأيت بالأمس رجلا سكرانا، يريد أن يصطاد القمر يعني من شدة سكره فحلفت بالطلاق أنه لا يدخل جوف بن آدم شيء أخبث من الخمر. فاستعظم الإمام مالك هذه المسألة -كان عادة السلف التثبت وعدم الاستعجال في الفتيا- استعظم الإمام مالك هذه المسألة وقال: ائتني بعد ثلاث ليال، فأتاه هذا السائل المستفتى بعد ثلاث ليال، فقال الإمام مالك: امرأتك طالق، إني تأملت كتاب الله فلم أر شيئا يدخل جوف بن آدم أخبث ولا أشر من الربا.
لماذا أفتاه بوقوع طلاق امرأته ؟ لأنه حلف أنه لا يدخل جوف بن آدم شيء أخبث من الخمر، فقال الإمام مالك: هناك شيء أخبث من الخمر وهو الربا. الربا إذن أعظم في الإثم من الخمر وأعظم في الإثم من الزنا،كيف وقد توعد الله عز وجل بالحرب آذن بالحرب آكل الربا، وأمره عند الله عز وجل عظيم جدا، وقد بالغت الشريعة في سد جميع الذرائع الموصلة للربا ولو من وجه بعيد.
وأذكر من هذا حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد بسند حسن ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال عليه الصلاة والسلام: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم. قال: فلا إذن ).
لو أردت أن تبيع كيلو رطب بكيلو تمر مع التقابض، تحقق التقابض والتماثل كيلو وكيلو -التقابض- هل يجوز؟ لا يجوز. قد تحقق الشرطان، التماثل هنا لا يتحقق، لماذا؟ لأن هذا الرطب سوف ينقص إذا يبس، مع أن التفاوت يسير جدا، فما مقدار هذا التفاوت في كيلو وكيلو بين رطب وتمر؟ ومع ذلك منعه النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا الحديث فيه أبلغ الرد على من أجاز الدخول في الشركات التي تتعامل بالربا إذا كانت نسبة الربا فيها قليلة، فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم منع بيع الرطب بالتمر مع أن التفاوت يسير بل يسير جدا، فما الذي يبيح الدخول في هذه الشركات التي تتعامل بالربا وبعضهم أوصلها إلى ثلاثين في المائة؟!
وقد أجرى أحد المشايخ بحث لهذه المسألة كماذكر ذلك الشيخ سعد الخثلان ووجد أن أكثر العلماء المعاصرين على القول الثاني