القرآن لا يشبع منه العلماء

أ.د. محمود بن يوسف فجال


ماذا نقول عن القرآن ؟ وبأيِّ الصفات نَصِفُهُ ؟ وبأيِّ النعوت نَنْعَتُه ؟ فالبشر لا تستطيع أن تؤدّيه حقَّه مهما ارتقت في البلاغة والفصاحة ، لأنّه كلامُ رب العالمين ، فما يفقهون منه إلا بمقدارِهِم ، لأنّ الإنسانَ مقيَّد في فهمِهِ ، معقولٌ في إدراكه ، وكلامُ الله عالٍ في قَدْرِه ، سامقٌ في مجدِهِ ، لا يستطيع أحدٌ أن يُطاولَهُ ، ولا أن يحيط به ، وكلُّ واحدٍ يَفْقَهُ منه بمقدار ما فتح الله - عزّ وجلّ - على بصيرته .
ويحسُنُ بنا في هذا المقام أن نورد حديثًا أخرجه « الترمذيّ » في « جامِعِهِ » في ( فضائل القرآن ) 2906 عن الحارثِ الأعور عن عليِّ بن أبي طالب – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ألا إنها ستكونُ فتنةٌ » فقلت : ما المخرجُ منها يارسولَ الله ؟ قال : « كتابُ الله فيه نَبَأُ ما كان قبلكُم ، وخَبَرُ ما بعدَكم ، وحُكْمُ ما بينكم ، وهو الفَصْلُ ليس بالهَزْل ، مَنْ تَرَكَهُ من جَبَّارٍ قَصَمَهُ الله ، ومَنِ ابتغى الهُدَى في غيرِه أَضَلَّهُ اللهُ ، وهو حبلُ الله المتينُ ، وهو الذكرُ الحكيمُ ، وهو الصراطُ المستقيمُ ، وهو الذي لا تَزِيغُ به الأهواءُ ، ولا تَلْتَبِسُ به الألْسِنَةُ ، ولا يَشْبَعُ منه العلماءُ ، ولا يَخْلَقُ على كَثْرَةِ الرَّدِّ ، ولا تنقضي عجائِبُهُ ، هو الذي لم تَنْتَهِ الجنُّ إذْ سَمِعَتْهُ حتى قالوا : ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ﴾ ( الجن : 2 ) ، من قال به صَدَقَ ، ومَنْ عمِل به أُجِرَ ، ومَن حكَمَ به عَدَل ، ومَن دَعَا إليه هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيمٍ » .
نقف عند قوله : « ولا يشبع منه العلماء » .
مِن خصائصِ القرآنِ أنَّك كلّما زِدْتَهُ نَظرًا زادَك عِلمًا ، وكلّما ازْدَدْتَ بهِ تَأمُّلا شَغفَك حُبًّا ، وكلّما أصغيتَ إليه بسمعِك ، وأقبلتَ عليه بقلبِك ، ووجهتَ إليه ثاقبَ نظرِك ، فَتَحَ الله به عليك فتوحًا ، وفَهَّمك منه ما استغلقَ على غيِرك ، وكَشَفَ لك به من أسرار الفهم والعلم ما تَقَرُّ به عينُك ، وتهيم به روحُك ، وينشرحُ له صدرُك ، ولذلك كان يَدْأَبُ عليه العلماءُ ليلاً ونهارًا في إقبالٍ ينسون فيه أنفسَهم ، فلا يشبعون منه ، ولا يَمَلّون دراسَتَه ؛ لأنهم ذاقُوهُ فَعَرَفُوهُ .
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم .