هل تحالف العباسيون مع الغرب ضد أمويي الأندلس؟!


د/راغب السرجانى


ملخص المقال

من الموضوعات المشهورة عن تاريخ الدولة العباسية، هي تحالفهم مع شارلمان والقوة المسيحية ضد المسلمين في الأندلس وقت حكم الإمارة الأموية لها.. فهل حدث ذلك



بين شارلمان والمنصور



لقد كانت دولة الفرنجة في عهد شارلمان القوَّة الرئيسة للمسيحيَّة في ذلك الوقت، خاصَّةً بعد انهيار العلاقة بين قطبي المسيحية في العالم؛ البابويَّة في روما والإمبراطوريَّة البيزنطيَّة في القسطنطينية التي تمادت في ابتعادها عن الخطِّ البابوي في ذلك الحين.

ومن الموقع الذي أكسبه شارلمان لدولته اقترن بالتزامات كان لا بُدَّ أن يُؤدِّيها للبابويَّة، التي كان أشدُّ ما يُثيرها نموَّ القوَّة العربيَّة الإسلاميَّة في عهد عبد الرحمن الداخل، بعد نجاحه منقطع النظير في إحباط كافَّة المؤامرات التي تربَّصت به.

وقد اقترن اسم شارلمان في


تاريخ الأندلس
وفي التاريخ الصليبي العام بالحملة الشهيرة التي اخترق بها البرينية إلى سرقسطة.

وهي تكتسبُ أهميَّتها من جانبين: الأول أوروبِّي مسيحي؛ من كونها أوَّل مبادرةٍ هجوميَّةٍ قام بها الكارولنجيُّون ضدَّ العرب، بعد سلسلةٍ من الحملات العسكريَّة التي قام بها هؤلاء إلى عمق

فرنسا
واقتربوا من عاصمتها الحاليَّة.

والثاني دولي؛ بحيث يرى فيها المؤرِّخون -لا سيَّما في المغرب- تآمرًا بين دولتين حليفتين: الكارولنجيَّة والعباسية، وعلى وجه التحديد بين شارلمان وأبي جعفر

المنصور
.

ولعلَّ هذا الجانب الأخير بحاجةٍ إلى مستندات أكثر دقَّة للأخذ به، وهو على كلِّ حالٍ يُشكَّك فيه حتى من قِبَلِ بعض الكتَّاب الأوروبيِّين؛ ذلك أنَّ أصحاب هذا الرأي بنوا اقتناعهم على ما أصاب انقلاب

العلاء بن مغيث
الذي كان وراءه

المنصور
من فشلٍ ذريع، والحقد الذي غمر هذا الأخير ضدَّ الأمير الأموي، فمهَّد ذلك بنظرهم لتلك العلاقة.




حقيقة المؤامرة



ومهما كانت الدوافع فإنَّ شارمان لم يكن متلهِّفًا لأيِّ تحالفٍ أو تخالفٍ أو اتِّفاقٍ مع الخلافة العباسية بشأن إمارة الأمويِّين في الأندلس؛ فقد جاءته الفرصة على طبقٍ ذهبيٍّ للقيام بحملته تلك، بعد أن وفَّرت له البابويَّة الدعم المادِّي والمعنوي، وعقدت الآمال الكبيرة لاسترداد هذه البلاد من أيدي المسلمين.

ففي سنة (161ه= 778م) امتدَّت المؤامرات المستهدِفَة نظام


عبد الرحمن الداخل
إلى الشمال لتتَّخذ مسرحًا جديدًا لها في سرقسطة وبرشلونة، عندما نشأ تحالفٌ سياسيٌّ بين اثنين من زعماء العرب كانت لهما المسئوليَّة -ربَّما في وقتٍ سابقٍ أو لا يزالان- وهما سليمان بن يقظان الكلبي المعروف بالأعرابي في (

برشلونة
)، وبين الحسين بن يحيى الأنصاري (

سرقسطة
)، ويُضاف إليهما اسمٌ آخر هو عبد الرحمن بن حبيب الفهري (من أقارب الحاكم السابق للأندلس يوسف الفهري)، وقد غلب عليه لقب الصقلبي لاختلاف ملامحه عن العرب، واقترابه من الصقالبة المتميِّزين بلونهم الأشقر وعيونهم الزرق.

فهذا الأخير وإن كان على صلةٍ مع الحليفين المذكورين -لا سيَّما الأعرابي- إلَّا أنَّ دوره في

المؤامرة
التي كان بطلها لم يكن واضحًا.

ومن المؤرِّخين من يعتقد بأنَّ الصقلبي كان الوصل بين

بغداد
والأعرابي، موحيًا بأنَّ عمليَّةً جديدةً دبَّرها المنصور بالاتفاق مع شارلمان، مع العلم أنَّ الخليفة العباسي كان قد مات في وقتٍ سابقٍ على هذه الأحداث.

فالخلاصة أن تلك المزاعم والشبهات لم تكن صحيحة إنما هي كانت من سبيل تشويه الخلافة الإسلامية، وهذا لا ينفي على الإطلاق وقوع بعض الخلفاء خاصَّةً في الدولة العباسية في أخطاء لكنهم -الخلفاء- كانوا يتمسكون بالوحدة الإسلامية ولا يلجأون لأعدائهم أبدًا في التخلص من خصومهم من المسلمين.