وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{
يقول تعالى مخبرًا عن لقمان، وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه، فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف - بدأت وصايا لقمان لإبنه بأوجب ما يجب على المرء أن ينشئ عليه ولده،اول ما وصاه به عدم الاشراك بالله، - -يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ - -فإن عبادة الله سبحانه وعدم الاشراك به هى مدلول "لا إله إلا الله" إذ هي نفي الألوهية عن غير الله سبحانه وإثباتها له وحده دون ما سواه. - فإن معنى شهادة أن لا إله إلا الله: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا. ولهذا لما سأل جبرائيل عليه السلام في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، أخبرني عن الإسلام؟ قال: ((الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا)) فإن شهادة أن لا إله إلا الله: معناها إفراد الله بالعبادة، وجاء رجل فقال: يا رسول الله دلني على عمل أدخل به الجنة وأنجو من النار قال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئا)) ثم قال ((وتقيم الصلاة)) إلى آخره. فعبادة الله وعدم الإشراك به هذا هو معنى لا إله إلا الله - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} يعني: اعلم أنه المستحق للعبادة، وأنه لا عبادة لغيره، بل هو المستحق لها وحده، وأنه الإله الحق، الذي لا تنبغي العبادة لغيره عز وجل. وإنكار المشركين لها يبين معناها؛ لأنهم إنما أنكروها لما علموا أنها تبطل آلهتهم وتبين أنهم على ضلالة ولهذا أنكروها فقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِداً} وقال الله عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} فعرفوا أنها تبطل آلهتهم وتبين زيفها، وأنها لا تصلح للعبادة، وأنها باطلة، وأن الإله الحق هو الله وحده سبحانه وتعالى. ولهذا أنكروها فعبادتهم للأصنام أو الأشجار أو الأحجار، أو الأموات أو الجن أو غير ذلك عبادة باطلة. فجميع المخلوقات ليس عندهم ضر ولا نفع، كلهم مملوكون لله سبحانه وتعالى، عبيده جل وعلا، فلا يصلحون للعبادة؛ لأن الله سبحانه خالق كل شيء وهو القائل سبحانه وتعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وقال جل وعلا: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ علْماً}.
فالواجب على كل مكلف، وعلى كل مؤمن ومؤمنة من الجن والإنس التبصر في هذا الأمر وأن يعتني به كثيراً، حتى يكون جلياً عنده، واضحاً لديه؛ لأن أصل الدين وأساسه عبادة الله وحده، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله وحده .........................ثم قال لقمان لابنه محذراً له {إن الشرك لظلم عظيم} أي هو أعظم الظلم.... قال البخاري: حدثنا قتيبة, حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنه ليس بذاك, ألا تسمع إلى قول لقمان {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}»؟... - -----نعم إن الشرك لظلم عظيم بل هو أعظم الذنوب على الاطلاق، وهو أعظم الجرائم، وأَقْبَحُ الذُّنُوبِ وَأَشَرُّ الْعُيُوبِ وَمَا عُصِيَ اللهُ بِذَنْبٍ أَسْوَأَ مِنْهُ! إِنَّهُ ظُلْمٌ كَبِير، وَخَلَل ٌعَسِير وَشَرٌّ مُسْتَطِير! أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ لِلتَّحْذِيرِ مِنْه، وَأُنْزِلَتِ الْكُتُبُ لِلزَّجْرِ عَنْه، وَتَوَالَتْ نِدَاءَاتُ الْقُرْآن ِلِلتَّوْبِةِ مِنْه! فلا يَصِحُّ الدِّينُ إِلَّا بِالْبُعْدِ عَنْه، وَلا يُقْبَلُ عَمَلٌ إِلَّا بِالْخَلاصِ مِنْه! إِنَّهُ مُغْضِبٌ لِلْمَلِكِ الْجَبَّار، وُمُوجِبٌ لِلْخُلُودِ فِي النَّار، وَقَائِدٌ لِبِئْسَ الْقَرَار! فَمَا فَعَلَ إِنْسَانٌ ذَنْباً أَشَدَّ مِنْه، وَمَا اقْتَرَفَ آدَمِيٌّ خَطِيئَةً أَسْوَأَ مِنْه، وَمَا كُتِبَ فِي دِيوَانِ مُكَلَّفٍ سَيِّئَةٌ أَخْزَى مِنْه!--
وَإِنَّمَا كَانَ الشِّرْكُ أَعَظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللهِ لِأَنَّهُ أَقْبَحُ الْقُبْحِ وَأَظْلَمُ الظُّلْمِ، إِذْ مَضْمُونُهُ تَنْقِيصُ رَبِّ الْعَالَمِين، وَصَرْفُ خَالِصِ حَقِّهِ لِغَيْرِهِ، وَعَدْلُ غَيْرِه بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُون) [الأنعام: 1].

وَلِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِلْمَقْصُودِ بِالْخَلْقِ، مُنَافٍ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْه، وَذَلِكَ غَايَةُ الْمُعَانَدَةِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالاسْتِكْبَار ُ عَنْ طَاعَتِهِ، وَالذُّلِّ لَهُ، وَالانْقَيَادِ لأَوَامِرِهِ، وَلأَنَّ الشِّرْكَ تَشْبِيهٌ لِلْمَخْلُوقِ بِالْخَالِقِ سُبْحَانَهُ فِي خَصَائِصِ الإلَهِيَّةِ مِنْ مُلْكِ الضَّرِّ وَالْنَفْعِ، وَالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ، الذِي يُوجِبُ تَعَلُّقَ الدُّعَاءِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالتَّوَكُّلِ وَأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ كُلِّهَا بِاللهِ وَحْدَه.

فَمَنْ عَلَّقَ ذَلِكَ لِمَخْلُوقٍ فَقَدْ شَبَّهَهُ بِالْخَالِقِ، وَجَعَلَ مَنْ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرَّاً وَلا نَفْعَاً وَلا مَوْتَاً وَلَا حَيَاةً وَلا نُشُوراً، شَبِيهاً بِمَنْ لَهُ الْخَلْقُ كُلُّهُ وَلَهُ الْمُلْكُ كُلُّهُ وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ، فَأَزِمَّةُ الأُمُورِ كُلِّهَا بِيَدَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَمَرْجِعُهَا إِلِيْهِ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطى وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْ، إِذَا فَتَحَ لِلنَّاسِ رَحْمَةً فَلا مُمْسِكَ لَهَا، وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم، فَأَقْبَحُ التَّشْبِيهِ تَشْبِيهُ الْعَاجِزِ الْفَقِيرِ بِالقَادِرِ الْغَنِيِّ. (تيسر العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد بتصرف )سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك). فالشرك أعظم أنواع الظلم، ولهذا كان جزاء صاحبه أن يخلد في النار يوم القيامة، كما قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (المائدة، 72) .

وكل ذنب قد يغفره الله تعالى إلا الشرك فإنه لا يُغفر لصاحبه، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}
----------------والواجب على جميع المكلفين أن يكون اهتمامهم بهذا الأمر أعظم اهتمام؛ لأن التوحيد هو أصل الدين وأساس الملة، وهو أعظم واجب وأهم واجب؛ ولأن الشرك هو أعظم الذنوب وأكبر الجرائم، فوجب أن يكون اهتمام المسلمين واهتمام طلاب العلم بهذا الأمر أعظم من كل اهتمام، وأولى من كل أمر............