|[ متى يجوز للإنسان مدح نفسه ؟!! ]|

▪قال الله عز وجل: { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [النجم/ ٣٢]

قال الطبري رحمه الله تعالى :*

" يقول جل ثناؤه : لا تشهدوا لأنفسكم بأنها زكيّة، بريئة من الذنوب والمعاصي" .

انتهى من "تفسير الطبري" (٥٤٠/٢٢).

وقال الشوكاني رحمه الله تعالى:*

" أَيْ : لَا تَمْدَحُوهَا وَلَا تُبَرِّئُوهَا عَنِ الْآثَامِ وَلَا تُثْنُوا عَلَيْهَا ، فَإِنَّ تَرْكَ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ أَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ وَأَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوعِ "

انتهى من "فتح القدير" (١٣٦/٥).

وقال ابن عقيل رحمه الله تعالى :

" نَهَى عَنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ بِالْمَدْحِ وَالْإِطْرَاءِ الْمُورِثِ عُجْبًا وَتِيهًا وَمَرَحًا " .

انتهى من " الآداب الشرعية " (٤٦٤/٣)

▪الأصل في ذكر محاسن النفس ومدحها بذلك: المنع ، وأقل أحواله الكراهة، لكن في موضع الحاجة والمصلحة الشرعية: يرخص في مثل ذلك، بقدر ما تقتضيه الحاجة .*

قال النووي رحمه الله تعالى :

" اعلم أن ذكرَ محاسن نفسه ضربان : مذموم، ومحبوب .

فالمذمومُ: أن يذكرَه للافتخار، وإظهار الارتفاع، والتميّز على الأقران، وشبه ذلك.*

والمحبوبُ : أن يكونَ فيه مصلحة دينية، وذلك بأن يكون آمراً بمعروف، أو ناهياً عن منكر، أو ناصحاً أو مشيراً بمصلحة، أو معلماً، أو مؤدباً، أو واعظاً، أو مذكِّراً، أو مُصلحاً بين اثنين، أو يَدفعُ عن نفسه شرّا، أو نحو ذلك، فيذكر محاسنَه، ناوياً بذلك أن يكون هذا أقربَ إلى قَبول قوله واعتماد ما يذكُره، أو أن هذا الكلام الذي أقوله لا تجدونه عند غيري فاحتفظوا به، أو نحو ذلك .

وقد جاء في هذا المعنى ما لا يحصى من النصوص، كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: « أنا النَّبِي لا كَذِبْ »، « أنا سَيِّدُ وَلَد آدَم »، « أنا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ »، « أنا أعْلَمُكُمْ باللَّهِ وأتْقاكُمْ »، « إني أبِيتُ عنْدَ ربي »، وأشباهه كثيرة .

وقال يوسف صلى الله عليه وسلم: { اجْعَلْني على خَزَائِنِ الأرْضِ إني حَفِيظٌ عَلِيم ٌ}، وقال شعيب صلى الله عليه وسلم: { سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }

وقال عثمان رضي الله عنه حين حُصر ما رويناه في صحيح البخاري أنه قال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ جَهّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ » فجهّزتهم ؟*
ألستم تعلمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ حَفَرَ بِئرَ رُومَة فَلَهُ الجَنَّةُ » فحفرتها ؟*فصدّقوه بما قال .

وروينا في صحيحيهما عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال حين شكاه أهل الكوفة إلى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه وقالوا: لا يُحسن يصلي!.*

فقال سعد: والله إنّي لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله تعالى .*

وروينا في صحيح مسلم عن عليّ رضي الله عنه قال: والذي فلق الحبَّة وبرأَ النسمةَ، إنه لعهدُ النبيّ صلى الله عليه وسلم إليّ : أنه لا يحبني إلا مؤمنٌ، ولا يبغضني إلا منافق .

ونظائر هذا كثيرة لا تنحصر، وكلُّها محمولة على ما ذكرنا " .

انتهى مختصرا من "الأذكار"(صـ٢٧ -٢٧٩)

وقال ابن مفلح رحمه الله تعالى :

" قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ مَدَحَ نَفْسَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَمِنْ شَأْنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ التَّوَاضُعُ ؟*

فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَمَّا خَلَا مَدْحُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ بَغْيٍ وَتَكَبُّرٍ، وَكَانَ مُرَادُهُ بِهِ الْوُصُولَ إلَى حَقٍّ يُقِيمُهُ، وَعَدْلٍ يُحْيِيه، وَجَوْرٍ يُبْطِلُهُ : كَانَ ذَلِكَ جَمِيلًا جَائِزًا.

وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَاَللَّهِ مَا آيَةٌ إلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ بِلَيْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِنَهَار ٍ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَأَتَيْتُهُ .

فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الشُّكْرِ لِلَّهِ وَتَعْرِيفِ الْمُسْتَفِيدِ مَا عِنْدَ الْمُفِيدِ . انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: « وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ سُورَةٌ إلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ، وَمَا مِنْ آيَةٍ إلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَا أُنْزِلَتْ ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا هُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إلَيْه »ِ .

وَفِي تَرْجَمَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « سَلُونِي فَوَاَللَّهِ لَئِنْ فَقَدْتُمُونِي لَتَفْقِدُنَّ رَجُلًا عَظِيمًا ».

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاشٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَبَكَتْ ابْنَتُهُ : يَا بُنَيَّةُ لَا تَبْكِي، أَتَخَافِينَ أَنْ يُعَذِّبَنِي اللَّهُ وَقَدْ خَتَمْت فِي هَذِهِ الزَّاوِيَةِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ خَتْمَةٍ ؟

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ أيضاً : نَظَرْت إلَى أَقْرَأِ النَّاسِ فَلَزِمْته عَاصِمًا، ثُمَّ نَظَرْت إلَى أَفْقَهِ النَّاسِ فَلَزِمْته مُغِيرَةً، فَأَيْنَ تَجِدُ مِثْلِي ؟ " .

انتهى مختصرا من "الآداب الشرعية ( ٣/ ٤٦٤-٤٦٥ ).

منقول