التحديات الثـلاث


مصطفى دياب




قال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهصلى الله عليه وسلم : «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَل-َّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ» أخرجه النسائي: 3134.

انطلق ولا تردد
أخي الحبيب: أنت أمام تحدٍ حقيقي، فانطلق ولا تردد وطور ذاتك، وتواصل مع أهل الخير من أصحابك. فمن علامة توفيق الله -عزوجل- للعبد أن يرزقه أصحابًا صالحين يعينوه على طاعة الله عز وجل.
الله أعلم بحالك
أخي الحبيب: اعلم أن الله أعلم بحالك، بل هو مُطلعٌ على أحوالك كلها، ويرى تعثر خطواتك وأنت تجاهد في الوصول إلى مرضاته، ويعلم أن قلبك محزون؛ لِما تلقاه من أذى القريب والبعيد، ويعلم أنك مهموم لكثرة العقبات والشواغل والحواجز، ويعلم مجاهدتك للشيطان وقد قعد لك بطُرقك جميعها، والله -عز وجل- هو من أرشدنا للحل السديد: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}(الحجر: 98)، وليس هذا فقط: {وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}(ا لحجر: 98)، {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (العلق: 19)، ثم دعوة للاستمرار، والاستمرار حتى نهاية الحياة، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(الحج ر: 99).
استمر ولا تيأس
أخي الحبيب: استمر ولا تيأس، فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ، وكان الإمام أحمد يقول: «مع المحبرة إلى المقبرة». وقال
صلى الله عليه وسلم
مُرَغباً في الاستمرار: «مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ».

سل الله التوفيق
أخي الحبيب: سل الله التوفيق، واعلم أن التوفيق ليس ثوباً ترتديه، وإنما هو غيث فاطلبه من الله بالذكر والدعاء، وتلاوة القرآن، والصوم الصحيح، والصلاة الخاشعة، وبر الوالدين، وقيام الليل والإحسان إلى الفقراء والمساكين، فإذا هطل عليك، فأبشر فإنك من السعداء إن شاء الله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(ا لمائدة: 27).
أعمال السر
أخيرًا: ينبغي عليك أن تجاهد نفسك على أعمال السر، فقد قال
صلى الله عليه وسلم
: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خِبْءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ»، وقال عمر رضي الله عنه: «مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ». وقال أحمد في الإمام عبد الله بن المبارك: «ما رفعه الله إلا بخبيئة كانت له»، ولو تمكن وقار الله -عز وجل- وعظمته في قلب العبد، ما تجرأ على معاصيه، والعبد يقطع منازل السير إلى الله بالقلب لا بالبدن؛ فاحرص على أعمال القلوب، فكثيراً ما تبهرنا أعمال الجوارح، وننشغل عن أعمال القلوب، وهي محل نظر الرب -عزوجل-؛ فالخبيئة الصالحة زورقٌ من ركبه نجا، وعبادةٌ من اعتادها طَهُرَ قلبه.