أنا خيرٌ منه

مصطفى دياب




الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبى بعده صلى الله عليه وسلم : شعارُ المتكبرين المتعالين و إن لم ينطقوا به، بل أقول: هذا شعار الجاهل بحاله ومآله، لقد وهب الله عز وجل نبيه سليمان-عليه السلام- ملكاً عظيماَ: {قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴿35﴾فَسَخَّرْنَ ا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ﴿37﴾ .} (ص:35-37).

يا من تتعالى على إخوانك هل سخَّر الله لك الريح تجري بأمرك سهلة مذلَّلة حيثُ شئتَ و كيفَ شئتَ؟! هل سخَّر الله لك الشياطين و الجنَّ يعملون بأمرك حيثُ أردْتَ؟! هل جمع الله لك سلطانًا كسلطان سليمان-عليه السلام-: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴿17﴾} (النمل)؛ قال مالك بن دينار: «قال سليمان بن داوود-عليه السلام- يومًا للطير والجن و الإنس والبهائم: (أخرجوا مائتا ألفٍ من الإنس و مائتا ألفٍ من الجن)، فَرُفِعَ حتى سَمِعَ زَجَلَ الملائكة بالتسبيح في السماء ثم خُفِضَ حتى مست قدماه الماء , فسمع صوتًا يقول : (لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر لخسفتُ به أبعد ممَّا رفعته ) . عجيب هذا الفضل و هذا التوازن!!مُلكٌ و عِلمٌ و نبوةٌ و جَاهٌ وسُلطانٌ ولا كِبرَ في القلب؟! وأحدنا يحصل على الثانوية العامة فيتعالى على من حصل على الدبلوم! والآخر يحصل على مؤهل جامعي يتعالى على من حصل على مؤهل متوسط! ومنا من يتقدم علميًا في شيئ أو يأخذُ دورةً في علمٍ من العلوم الحديثة فتراهُ يَلْبَسُ وجهًا غيرَ وجهه، ومع طول الزمان يصعب عليه نزع الوجه الملصوق و كأنه وجْهُهُ فاحذروا إخواني من الوجوه اللاصقة!
ربما يحتاج عملك لبعض الحزم وإظهار التميز, فلا بأس و لكن يجب أن تخلعَ هذا الثوبَ بعد انتهاء عملك مباشرةً وتعودَ إلى أخلاقك وهدي نبيك
صلى الله عليه وسلم ولقد وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة بل إلى «سدرة المنتهى» ثُمَّ ماذا؟!


ثم عاد إلى الأرض يأكل مع الفقراء، وينام على الحصير عاملًا بقوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } (الكهف:28).
أخي الحبيب: أنت المدير! أنت الزعيم! أنت العالم! أنت الشيخ! أنت.. أنت! لك قدرك ومكانتك ولكن كن وسطَ إخوانك واخفض لهم جناحك {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } (الشعراء: 88)، ولا تحتقر منهم أحدًا، ولا تهمل لأحدٍ منهم رأياً بل أنصت اليهم وتواضع لهم {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)} (لقمان: 18)،
وتذكر أن لك مِشْيَةً {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ... وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)} (الفرقان: 63)، وللمتكبرين مِشْيَةٌ أخرى { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)} (لقمان: 18)، واستحضر قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» (مسلم: 2865)، إن الذي يترك تعاليه على إخوانه و احتقاره لهم والتقليل من شأنهم يبدله الله خيرًا مما ترك، وكيف لا والنبي
صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا» (الترمذي: 2481)، فاخلع ثوب الكبر و التعالي و الإعجاب بالنفس، والبس ثوب التواضع، وتخير من أى حُللِ الإيمان شئت فالبس!. قال صلى الله عليه وسلم : «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ» (البخاري: 5783).


إن معرفة الداء وتحديدَ حجمه وموضعه من أهم أسباب العلاج والسلامة بعد ذلك، وكما أن فلسفة الخطأ ومحاولة تبريره، أو ايجاد أعذار له، تؤدي إلى استمرار الخطأ، فإن محاولة التبرؤ من وجود المرض (الكبر أو العجب) ليس لصالح العبد، وإنما مدح الله سليمان عليه السلام بقوله: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص: 30)، فالعبد الذي يعرف خطأه ويحاول إصلاحه ومعالجته، خيرٌ من الذي يتجاهل هذا الخطأ و الخلل، وليتذكر المتكبر أن مثله ومثل الناس كالواقف على قمة جبل يرى الناس صغاراً، ويراه الناس صغيراً.
أخي الحبيب :


لا أتهمك، بل أتهم نفسي، ولكن هل من ضررٍ إذا وقف كل انسان مع نفسه ليبحث عن آثار هذا الفيروس المدمر- الكبر؟- فإن وجده قاومه و حاربه، وإن لم يجده حَمِدَ الله على العافيه.

أخي الحبيب: كن كالمخلص المتواضع، يمشي على الرمل فترى أثره ولا تسمع صوته. أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المخلصين المتواضعين.