أيكون هو؟
عبدالرحيم إبراهيم






هذه الأعراض كأني أعرِفُها، تشبه تلك الأعراضَ التي جاءتني قبل أعوام، قبل أن يشتعل الرأس شيبًا، ظننت أني نسيتُها وأصبحَت في طي النسيان، ها هي تعاودني.

تشعر بشيء في قلبك؛ كأنك توَدُّ فعل أمر ما، أو أن تقول كلامًا ما، ولكنك لا تدري ما هو؟ وكيف يُفعل؟ أيكون هو؟!
ذلك الذي هربت منه زمنًا، وأخفيته وركلته بعيدًا عني، لم نتبادَل كثيرًا من الكلمات، فقط كان حلمًا وتحقق، ولم يغب عني ذلك الشعور المتكلِّف، ولا رعشة اليدين، لمحتها تهرب ولا أدري أهي هي تلك التي مكثت فيَّ زمنًا، ثم ذبلت كأوراق شجرة ماتت سُوقُها بكوليرا في ذاك الوباء؟ الآن فقط رأيت مقولة ذلك الرجل الحكيم: "آلام الدنيا متولدة من لذَّاتها"، ظني به أنه عرَف الدنيا ودرسها، وأخرج هذه الدرة من بين شفتيه.

كيف إذًا امتزج الألم باللذة، وغاب عنك الفرقُ بينهما، فصرتَ تتلذذ بالألم وتتألم باللذة؟!
ما هذا الذي أقوله؟!
عذرًا، إني أَهْذِي، اضطربَت عندي الكلمات، ولا أدري ما السبب، أيكون هو؟! قد عاودني بعد كل تلك الأعوام، ظننت أني نسيته، أو تاهت هي خلفي بين تلك الفوضى، وأنا لا أنكر أني تركتها حيث لم نلتقِ، ولم أحاول أخذها معي حيث لا أعلم، ولم تحاول اللحاق بي، فضَّلت البقاء، ربما كان أفضل لها من ذلك الكهل ذي الشعر الأبيض.

انحرفت في منتصف الطريق الذي كنت أسير فيه، أو انحرف الذي كان يسير أمامي، أو ربما تخيَّلت ذلك، لا أدري مَن الذي يكتب هذه الكلمات؟ وأين هو؟ كل هذا قد لا يهمك، السؤال: من هي؟ مِن أي فج عميق جاءت؟
ثم ذهبت كما جاءت ولا أحد يدري، ربما سألت هي عن هذا الكهل الذي لا تعرف عنه سوى اسمه، وبعض التفاصيل المُعرَّضة للنسيان، لا أحب الغموض في كثيرٍ مِن كلماتي، لكنه فعلًا شعور غامض، أو هكذا ظننته.

لَمَّا رحلت هي تركتُها ورحلت، ثم وجدتُها هناك، هل كانت فعلًا هي أم كان هو ذلك الذي هربت منه، وأخيرًا عدت وعادت معي، وعاد هو أيضًا، رحلت بجسدها لكنها الآن موجودة تنتقل معي أينما ذهبت، لا يكاد ذهني يصفو منها حتى تعود إليه.


أستيقظ صباحًا فأبحث عنها كمُدْمِنٍ يبحث عن مُخدِّره دون أن يجده، أبحث عنها وهي معي، ما معنى هذا؟ أيكون هو؟!
يا ليتني أعرف حتى أستعدَّ لمعركتي القادمة؛ فقد تطول، ولا يزال السؤال حائرًا: من هي؟
قد لا أعرفها إذا رأيتها صدفة، لكنها محفورة في الذاكرة، مزيج من التِّيهِ والخوف والخجل يضرب خلجات الفؤاد، حتى أضاع الفوارق والأشكال، وكأني به يتوهم حتى سقط في جغرافيا المسافات، وعجز اللسان في مهرجان الكلمات عن صياغةِ العبارات حتى سقط في متلازمة الصمت الرهيب.