العلم بالتعلم والحلم بالتحلم


وليد بن إدريس المنيسي



ذكر الإمام ابن القيم أن حسن الخلق قسمان: أحدهما: مع الله -عز وجل- وهو أن تعلم أن كل ما يكون منك يوجب عذراً، وكل ما يأتي من الله يوجب شكراً؛ فلا تزال شاكراً له، معتذراً إليه، سائراً إليه بين مطالعة إحسانه وشهود عيب نفسك وأعمالك، والقسم الثاني: حسن الخلق مع الناس، ويجمعه أمران بذل المعروف قولاً وفعلاً، وكف الأذى قولاً وفعلاً. وحسن الخلق منه ما يكون بالجبلة ويطبع عليه الإنسان؛ لما رواه الإمام أحمد والنسائي وابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأشج: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحُلم والأناة، قال: يا رسول الله قديما كانا فيّ أو حديثاً؟ قال: قديما قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما»، ولما رواه البخاري في الأدب المفرد عن عبد الله بن مسعود قال: «إن الله قسم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم».
ولكن من حسن الخلق أيضاً ما يكون بالاكتساب لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم»؛ فعلى الإنسان إذا كان مجبولاً على طباع ذميمة، كالجشع، والبخل، والكبر، والحقد، أن يجاهد نفسه حتى يتخلص منها. وجهاد نفسه من أجل التخلص منها حينئذ واجب قال -تعالى-: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، وهذا وعد من الله -تعالى- بتوفيق من جاهد نفسه ليقوم طباعه ويهذب أخلاقه.
وقد بُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم ليُتَمِمَ مكارم الأخلاق؛ فما كان عند أهل الجاهلية من أخلاق حميدة، كالكرم والشجاعة؛ فقد أمر به الإسلام، وحض عليه وما كان عندهم من الأخلاق ذميمة، كالظلم، والكبر، والتحاسد؛ فقد نهانا عنه الإسلام وحذرنا منه. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في كل خلق حميد، كان أكرم الناس، وأشجع الناس، وأحلم الناس، وكان أشد حياءً من العذراء في خدرها، وكان يلقب قبل أن يبعث بالصادق الأمين، ووصفته أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- عند أول وحي أوحي إليه بقولها: «والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة».