تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تيار العصرانيين الجدد بين التجديد والتغريب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي تيار العصرانيين الجدد بين التجديد والتغريب

    تيار العصرانيين الجدد بين التجديد والتغريب


    محمود طراد


    حينما أنزل الله -تعالى- القرآن خاتماً للكتب مع آخر الأنبياء والرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - أنزل في القرآن ما جعله: مهيمناً على الرسالات السابقة، وصالحاً لإصلاح الزمان والمكان إلى قيام الساعة، قال -تعالى-: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (المائدة: 48)، وقد جمع الله فيه من الكليات والقواعد ما تعجز العقول عن الوصول إليه بغيره، أمر فيه بالعلم والعدل والعمل وحفظ العهود، حكى فيه قصص السابقين وما تحمله من عبرة، وجعل العبرة في ذلك بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. لكن بعض التغريبيين اليوم وهم يتلونون بمجموعة من الألوان تحت مجموعات من المصطلحات، يحاولون الانسلاخ عن القرآن بدعوى العصرانية ومواكبة العصر والتخلي عن التخلف؛ فمن هم؟ وما أبرز ملامحهم؟




    ما العصرانية؟

    العصرانية حركة فكرية نشأت داخل الأديان الكبرى اليهودية والنصرانية ثم الإسلام، وقد عُرِفت هذه الحركة في الفكر الديني الغربي باسم العصرانية (Modernism)، وهي وجهة نظر في الدين، مبنية على أن التقدم العلمي والثقافة المعاصرة، يستلزمان إعادة تأويل النصوص الدينية والعبادات التقليدية تأويلا جديدا معاصرا حسب المفاهيم الفلسفية المعاصرة، وهذا ابتداء يناقض صريح القرآن، الذي جاء فيه خطاب الله -تعالى- للنبي وأصحابه: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُ مُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(البق رة: 137)؛ فهذه الحركة لا تسعى لتجديد الدين، لكنها تسعى لتطوع مبادئ الدين لقيم الحضارة الغربية باسم العصرانية.

    العصرانيون من قديم الزمن

    كانت العصرانية انقضاضاً على التعاليم الدينية عموماً حتى أن البابا (بيوس العاشر) قد أصدر منشورين عنها عام 1907 م وأطلق عليها هذا الاسم (العصرانية)، ووصفها بالكفر والإلحاد، بل قال: إنها حركة جمعت كل عناصر الهرطقة القديمة، وقد تشابهت هذه الحركة مع الدعوات المنتسبة للإسلام التي تدعو إلى تفسير بعض قضايا الإسلام تفسيراً مادياً عقلياً، حتى تتلاءم مع الأفكار الغربية وقيم حضارتها الثقافية الحديثة التي انبهروا بها، وقد تنبأ النبي - صلى الله عليه وسلم - قديماً بقوم سيقومون بتقليد غير المسلمين في الصغير والكبير؛ فقال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعاً بذراع»!


    العقل مقدم على النقل عند العصرانيين

    يزعم العصرانيون أن البشرية لم تعد في حاجة إلى قيادتها من السماء، وأنها بلغت سن الرشد، ولها الآن أن تباشر شؤونها بنفسها، حتى صرّح أحدهم بذلك قائلاً: «فلقد حرر الإسلام العقل البشري من سلطان النبوة؛ من حيث إعلان إنهائهاً كلية وتخليص البشرية منها»؛ فقد عد صاحب هذه المقولة أن الرسالة انتهت بموت النبي- صلى الله عليه وسلم -، وأن القيادة الآن ليست لما تركه من نصوص، وإنما للعقل البشري، الذي يستطيع بزعمهم الآن معرفة الخير والشر الدنيوي والأخروي دون حاجة إلى هداية الوحي.

    البحث عن أحكام فقهية جديدة

    يقول أحد العصرانيين: «ولم تعد بعض الأحكام التي كانت تمثل الحق في معيار الدين منذ ألف عام تحقق مقتضى الدين اليوم»! ذلك رغم أن الفقه هو (العلم بالأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية)، لكن يسعى كتّاب التيار العصراني التغريبي إلى الوصول لمجموعة من الأحكام الفقهية مع إقصائهم لهذه الأدلة والنصوص، بل يرفضون الإجماع ويستهزؤون به، مع أن مصادر الفقه الإسلامي جاءت صريحة في القرآن لا تحتاج إلى تأويل، في مثل قوله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر} (النساء: 59)، وفي مثل قوله -تعالى-: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَه ُ مِنْهُمْ} (النساء: 83) ومثل قوله -تعالى- عن الإجماع: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} النساء: 115).

    خطأ العصرانية الأكبر

    أكبر الأخطاء التي وقع فيها التيار العصراني التغريبي هو عدم معرفة العلاقة بين العقل والنقل، وزعم التعارض بينهما، والحق ما قاله الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في ذلك «ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارض الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح»، ولو تأملنا ما يروجه العصرانيون اليوم من تعارض بين العقل والشرع؛ فلن نجد سوى شبهات فاسدة يعلم العقل بطلانها، والواجب على المؤمنين شرعاً أن يكون التقديم للشرع لا لغيره؛ لأن وظيفة العقل أن يكون مصدقاً للشرع في كل ما أخبر به.

    مصائب الاعتراض بالعقل على النقل

    يقع معارضو الشرع بالعقل في مجموعة من المزالق، منها:

    1- التشبه بإبليس -لعنه الله- حين اعترض على الأمر بالسجود لأبينا آدم وقال: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (الأعراف: 12)؛ فلما عارض إبليس الأمر بعقله، كانت نتيجة ذلك الإبعاد عن الجنة؛ فقال الله له: {اخرج منها فإنك رجيم}.

    2- التشبه بغير المسلمين في اعتراضهم على الشرع؛ فهم الذين قالوا حين جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (الزخرف: 31)، وكما قال الإمام ابن تيمية: «والداعون إلى تمجيد العقل إنما هم في الحقيقة يدعون إلى تمجيد صنم سموه عقلاً، وما كان العقل وحده كافياً في الهداية والإرشاد، وإلا لما أرسل الله الرسل».

    3- تقدم الهوى على الوحي: يقول الإمام اين القيم: «وكل من له مسكة عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه، إنما ينشأ من تقديم الرأي على الوحي والهوى على العقل».

    العصرانيون يعادون كتب التراث

    بما أن العصراني يبحث عن أحكام فقهية جديدة، وتشريعات جديدة، وتفسيرات جديدة؛ فكان ولابد ألا يكون هناك تصالح بينه وبين الكتب الموروثة وهم يعترفون بذلك، يقول أحدهم: «في ضوء الظروف الجديدة وتوسع المعرفة الإنسانية، لا يمكن الاعتماد في فهم القرآن على التفاسير القديمة»، بل يتهمون كتب التراث بأنها تشتمل على مجموعة من الخرافات، ويرون أنه وبسبب المعرفة الحديثة وتطور العلوم، لا مانع من معارضة أقوال المفسرين الأوائل، وهذا يعني أن مفاهيم القرآن الكريم تتغير بتغير الزمان.


    معاداة كتب التراث إقصاء للسنة

    لا يغيب عنا جميعاً أن كتب التراث تحوي ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - وما فعله وما أقره، والدعوة إلى إقصاء كتب التراث دعوة إلى إقصاء السنة أو إنكارها، وعدم الاعتراف بحجيتها في الأحكام وللعصرانيين مجموعة من المحاولات مع السنة التي تؤدي في النهاية إلى هذه النتيجة، منها:

    1- تقسيمها إلى تشريعية وغير تشريعية.

    2- موقفهم من أحاديث الصحيحين.

    3- موقفهم من الفقه والفقهاء.

    4- تقديم أحكام القرآن وحده وتأخير أحكام السنة، ومع هذا تكون وقفتنا القادمة إن شاء الله.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تيار العصرانيين الجدد بين التجديد والتغريب

    موقف العصرانيين الجدد من مصادر الدين



    محمود طراد




    لكل دين مصادره التي تأسس عليها، التي تكون منها أحكامه وتشريعاته وبيان معتقده، ومنها يستمد المنتسبون إليه أحكامهم، وفي ذلك يقول ربنا -تعالى -: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}(النساء: 83)، وكذلك عند النزاع في هذه المسائل، يكون الرجوع إلى هذه المصادر، قال -تعالى-: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}(النساء: 59)؛ ولما كان حديثنا في المقال السابق عن تيار العصرانيين وكيف نشؤوا، بقي لنا أن نتم الحديث ببيان موقفهم من مصادر الإسلام، ولاسيما ما يتعلق بالسنة وكتب الفقه.

    العلاقة بين القرآن والسنة عند العصرانيين

    تعلم -أيها القارىء الكريم- أن القرآن والسنة قد خرجا من مشكاة واحدة؛ فكلاهما وحي، وما نطق به النبي صلى الله عليه وسلم كالقرآن في وجوب اتباعه وتطبيقه، لكن ليس هذا عند العصرانيين؛ إذ إنهم لا يقبلون الحديث الصحيح إذا كان فيه أحد أمرين:

    1- إذا كان هناك تعارض ظاهر -بزعم عقولهم- بين الآية والحديث.

    2- إذا خالف عقولهم وفهمهم، ومن ذلك رفضهم لحديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء الحديث في صحيح البخاري، وفي هذا إنكار صريح للسنة التي تأتي مفسرة للقرآن، أو مؤكدة لأحكامه، أو قد تأتي بحكم زائد لم يأت في القرآن، وعليهم يرد القرآن الكريم في قول الله -تعالى-: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن شديد العقاب}(الحشر: 7)، وقوله -تعالى-: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (النساء: 80) وإلى هذا يشير حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه»؛ فمن هنا يظهر ألا فارق بين القرآن والسنة.

    موقفهم من التفسير بالمأثور

    كتب التراث لدى العصرانيين لها قيمتها إذا لم تخالف العقل والمذهب الذي ذهبوا إليه سلفاً، وبخلاف ذلك لا يعتمد عليها؛ لأنها من وجهة نظرهم سرى إليها أخبار كثيرة، بل أغلبها من روايات الزنادقة والمندسين! وهذا قول باطل ولا شك، يقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «فإن قال قائل فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب أن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن؛ فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة؛ فإنها شارحة للقرآن وموضحة له»؛ فيردون أحاديث في البخاري ومسلم مفسرة لشيء من القرآن؛ لأنها لا توافق مذهبهم، مثل حديث السحر الذي أشرنا إليها آنفاً، ومثل حديث تفسير أوصاف نهر الكوثر، الذي جاء عند الإمام البخاري من حديث سيدنا أنس رضي الله عنه ، قال: «لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: أتيت على نهر حافتاه قباب الدُّرِّ المجوف؛ فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر»؛ فمنهم من يقول إنه لا يجب الإيمان بهذه الأوصاف لكثرة الخلاف فيها! .

    موقف العصرانيين من أخبار الغيبيات

    أما أخبار يوم القيامة التي جاء فيها تفاصيل الحساب والبعث والنشور وتطاير الصحف؛ فليس عند العصرانيين على حقيقتها، بل يذهبون إلى تأويلها؛ فما جاء في قول الله -تعالى-: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسير}(الانشقاق: 8)، ليس على حقيقته في الأخذ باليمين، وإنما المقصود مجرد الاستبشار، وكذا ما جاء في قول الله -تعالى-: {وأما من أوتي كتابه وراء ظهره}(الانشقاق: 10)، ليس على الحقيقة، بل المراد العبوس، وكذلك النفخ في الصور في مثل قوله -تعالى-: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم}(المؤمنون: 101) مجرد تصوير جميل لما يحدث يوم القيامة من أهوال، وتأويلاتهم في ذلك كثيرة جداً.

    منهج العصرانيين في تناول السنة النبوية

    أجمع المسلمون على أن الحديث الصحيح لا يخالف القرآن أبداً؛ لأنه بيان للقرآن وهو وحي من الله وحجة، ولا يمكن أن يعارضه بحال من الأحوال، قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: إن سنة رسول الله لا تكون مخالفة لكتاب الله بحال، ولكنها مبينة، عامة وخاصة، ولعلك تعلم -أخي القاريء- أن منهج معارضة السنة بالقرآن، منهج قديم، قام به أهل الأهواء والبدع قديما، وانتهجه العصرانيون وقالوا:

    1- في كتب الصحيحين أحاديث لا يمكن تصديقها.

    2- بعض الأحاديث في الصحيحين في متنها نظر؛ فخالفوا بذلك ما أجمعت الأمة عليه من قدم الأزل، قال الإمام النووي -رحمه الله-: «اتفق العلماء -رحمهم الله- على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما، وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة».

    التشكيك في عملية التدوين

    الدعوى الاستشراقية نفسها التي تقول: إن السنة لم تدون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولذا طرأ عليها من التبديل والتغيير والزيادة ما طرأ على الكتب السابقة؛ بسبب عدم تدوينها في كتاب واحد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وعدم حفظ الناس لها جيداً في الصدور كحفظ القرآن، وقد أجاب الشيخ محمد أبو زهو قديماً على هذه الدعوى؛ فقال: «فهذه الدعوى لا أساس لها، بل هي تخالف نصوص القرآن الكريم، وتتعارض مع ما تواتر من سنة الرسول الأمين، ولا تتفق وما أجمع عليه المسلمون في الأزمان كافة من عهد النبي إلى اليوم»؛ فالسنة قد بدأ تدوينها حين أذن رسول الله بذلك؛ لما أومأ إلى فيه وقال: «اكتب؛ فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق».

    انحرافهم في تقسيم السنة إلى عملية وغير عملية

    قام العصرانيون بتقسيم السنة إلى عملية وأخرى غير عملية، والعملية هي المتواترة فقط، وأما غير المتواترة؛ فلا تقوم عليها العقيدة ولا الدين، ومن أمثلة المتواترة: كيفية الصلاة والحج والزكاة، من الأفعال التي كان يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مما واظب عليه هو ولاسيما أصحابه -رضوان الله عليهم- وما عدا هذا من أحاديث الآحاد التي هي غير قطعية الرواية، أو غير قطعية الدلالة؛ فهي محل اجتهاد! ولا يخفى على ذي عينين أنه لو قصرت السنة على العملية منها فقط؛ لضاعت مجموعات من الأحكام والأخبار والمواعظ والأخلاق؛ مما نُقل إلينا في السنة غير المتواترة؛ فالسنة كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته، وتطلق على المتواترة منها وغير المتواترة.

    موقف العصرانيين من الفقه والفقهاء

    من أعجب ما ترى في كتابات العصرانيين، قولهم: بأن الفقهاء شجعوا عملية وضع الأحاديث؛ ذلك أنهم لا يستخرجون الأحكام إلا من النصوص، ويجب عليهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولذا لا يمكن إصدار حكم دون حديث؛ فشجعوا على وضعها! وهذا الذي يقوله العصرانيون من أنكر ما يمكن اعتقاده، وهو اعتقاد منسوخ من معتقدات المستشرقين وتدليساتهم؛ فقد قال (جولد زيهر) في هذا: «وقد استغل هؤلاء الأميون أمثال الإمام الزهري بدهائهم في سبيل وضع الحديث»؛ فقالوا: إنه وضع حديث «لا تشد الرحال»، وحديث: «الصلاة في المسجد الأقصى تعدل ألف صلاة فيما سواه»، من أجل صد الناس عن الكعبة المشرفة؛ فهذه الدعوى الباطلة تصرف الناس عن الفقه، وتحط من قدر الفقهاء والمحدثين، وتحمل على إنكار جملة من التشريعات التي يقوم عليها الدين.

    كيف نواجه انحرافات العصرانيين ؟

    بعد هذه الوقفة السريعة مع فكر العصرانيين ينبغي علينا ممارسة مجموعة من الأنشطة العملية مثل:

    1- إنشاء المراكز المعنية بدراسة كتب التراث ودعمها.


    2- الاعتناء بدراسة مدارس التفسير المتنوعة، ودراسة كل مفسر بمنهجه في التفسير وحياته وجهوده لربط المجتمع بالسلف الصالح من العلماء السابقين.

    3- العناية بتبسيط الفقه الإسلامي للشباب غير المتخصص الذي يعد الجمهور المستهدف في دعوة العصرانيين، ويكون ذلك بتدريس المذاهب الفقهية، وإعداد الكوادر الشبابية المتخصصة في شبهات العصرانين

    حول الأحكام الفقهية خاصة.

    4- العناية بإعداد المختصين في علوم الحديث؛ إذ أكثر ما يثار اليوم، يثار حول السنة ورجالها، ومن ثم؛ فإننا في حاجة إلى دعاة متخصصين، يقومون بالرد والتفنيد للشبهات والأكاذيب، وعلى الجميع تحمل المسؤولية الدينية، والله الهادي إلى سواء السبيل.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •