يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة (1 / 187 - 188 ) ، دار الكتب العلمية بيروت) :
وَنَذْكُر لذَلِك أمثلة مِمَّا ذكرهَا الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه ، يسْتَدلّ بهَا على غَيرهَا ،
فَمن ذَلِك (خلق الإنسان) ، وقد ندب سُبْحَانَهُ إلى التفكر فِيهِ وَالنَّظَر فِي غير مَوضِع من كِتَابه كَقَوْلِه تَعَالَى : {فَلْينْظر الْإِنْسَان مِم خلق} ، وَقَوله تَعَالَى : {وَفِي أَنفسكُم أَفلا تبصرون} ، وَقَالَ تَعَالَى : {يأيها النَّاس إِن كُنْتُم فِي ريب من الْبَعْث فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ من تُرَاب ثمَّ من نُطْفَة ثمَّ من علقَة ثمَّ من مُضْغَة مخلقة وَغير مخلقة لنبين لكم ونقر فِي الارحام مَا نشَاء الى أجل مُسَمّى ثمَّ نخرجكم طفْلا ثمَّ لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل الْعُمر لكيلا يعلم من بعد علم شَيْئا} ، وَقَالَ تَعَالَى : {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى ألم يَك نُطْفَة من مني يمنى ثمَّ كَانَ علقَة فخلق فسوى فَجعل مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذّكر وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} ، وَقَالَ تَعَالَى {ألم نخلقكم من مَاء مهين فجعلناه فِي قَرَار مكين إِلَى قدر مَعْلُوم فقدرنا فَنعم القادرون} ،
وَقَالَ : {أَو لم ير الْإِنْسَان أَنا خلقناه من نُطْفَة فَإِذا هُوَ خصيم مُبين} ، وَقَالَ : {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين ثمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مكين ثمَّ خلقنَا النُّطْفَة علقَة فخلقنا الْعلقَة مُضْغَة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا الْعِظَام لَحْمًا ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} ، وَهَذَا كثير فِي الْقُرْآن يَدْعُو العَبْد إلى النّظر والفكر فِي مبدأ خلقه ، ووسطه وَآخره إِذْ نَفسُه وخلقُه من أعظم الدَّلَائِل على خالقه وفاطره ـ وأقرب شَيْء إلى الانسان نَفسُه ، وَفِيه من الْعَجَائِب الدَّالَّة على عَظمَة الله مَا تَنْقَضِي الأعمار فِي الْوُقُوف على بعضه وَهُوَ غافل عَنهُ معرض عَن التفكر فِيهِ وَلَو فكر فِي نَفسه لزجره مَا يعلم من عجائب خلقهَا عَن كفره قَالَ الله تَعَالَى : {قتل الْإِنْسَان مَا أكفره من أَي شَيْء خلقه من نُطْفَة خلقه فقدره ثمَّ السَّبِيل يسره ثمَّ أَمَاتَهُ فأقبره ثمَّ إِذا شَاءَ أنشره} ، فَلم يُكَرر سُبْحَانَهُ على أسماعنا وعقولنا ذكر هَذَا لنسمع لفظ النُّطْفَة والعلقة والمضغة وَالتُّرَاب وَلَا لنتكلم بهَا فَقَط وَلَا لمُجَرّد تعريفنا بذلك ، بل لأمر وَرَاء ذَلِك كُله هُوَ الْمَقْصُود بِالْخِطَابِ وإليه جرى ذَلِك الحَدِيث).