الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين.
تحدث المتحدثون وكتب العلماء والدعاة والمفكرون كثيرًا عن أثر القدوة الصالحة في سرعة الاستجابة للخير، وسرعة الامتناع عن الشر، وأعظمهم بلا ريب نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21].
وعندما تأخر الصحابة رضوان الله عليهم في الحديبية بتنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحلق رؤوسهم لا عن عصيانٍ، ولكن اجتهاد، فشكا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لأم سلمة رضي الله عنها، فاقترحت أن يكون قدوة عملية بحلق رأسه أولًا، ففعل ذلك، فانظُر كيف كان تأثير ذلك عليهم، وكيف كانت سرعة استجابتهم رضوان الله عليهم، لقد بادروا فورًا.
وطبَّق الصحابة رضوان الله عليهم مقتضى الاقتداء في كل صغير وكبير من الأعمال، حتى إنهم حرَصوا على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم حتى في السنن، فالتزموها كما يلتزمون الواجبات وكما يتركون المنهيات!
ومن المواقف الطريفة المفيدة في سرعة استجابة الناس للقدوة الصالحة - أن أحد الإخوة قام في الحرم بفرش سجادته بالعرض؛ لتسع موضع سجوده وسجود المجاور له، فلمح بعض مَن فرشوا سجاجيدهم بالطول يقومون بتعديل وضع سجاجيدهم بالعرض؛ لتسع مَن بجوارهم، وتكرَّر ذلك عدة مرات! فلو أنه حثَّهم قولًا فقط، فقد يستجيب له البعض رغبةً في الخير والبعض الآخر حياءً منه.
وتذكَّر قصة للإمام الحسن البصري رحمه الله، وهي أن الأرِقَّاء قالوا لبعضهم: لن يفكَّكم من الرق إلا خطبة من الحسن البصري؛ لأنه قدوة مؤثرة، فقالوا له: يا إمام، ضايقنا الرق، فاخطُب في فضل الإعتاق لننعَم بالحرية، فقال: إن شاء الله.
وفي الجمعة الأولى أتى الأرِقاء للجمعة مبكرين مستبشرين بخطبة عَصماء تَعتق رقابَهم، فلم يخطُب البصري عن الرق، وكذلك في الجُمَع التي بعدها، فتضايق الأرقَّاء وتساءَلوا عن السبب، وبعد عدة جُمَع خطَب عن الرق وبعد الصلاة أعتق الناس أرِقاءَهم! فشكره الأرقاء وقالوا: لكن تأخَّرت علينا، فماذا كان جوابه رحمه الله؟! قال: طلبتم خطبة عن الرق، وليس عندي عبدٌ أعتِقه، ولا مال أشتري به عبدًا فأعتِقه، فلما تجمَّعت لي دريهمات اشتَريت بها عبدًا فأعتقتُه، ثم خطبتُ!
ومما سبق تتبيَّن أهمية القدوة الصالحة في سرعة استجابة الناس للخير، فإذا أردتَ أن يسارع أولادُك وزملاءُ العمل وغيرُهم إلى عملٍ طيب، فأسرِع أنت أولًا له، وتمسَّك به، ثم ادعُ له.
رزَقكم الله المسارعة إلى الخيرات، وحُسن الاقتداء بنينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بالصالحين، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومَن والاه.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/132376/#ixzz5dyuOJJ4E