بين العقيدة والأخلاق


د. أحمد محمد لوح


الإيمان عند أهل السنة والجماعة تصديقٌ بالجنان، وقولٌ باللسان، وعملٌ بالأركان، وهو قوةٌ باعثةٌ على المعالي، رادعةٌ عن الدنايا والسفاسف، مُحَرِّضَةٌ على المَكْرُمَات، ناهيةٌ عن الفِعَالِ القبيحات؛ لذلك نجد في كتاب الله -تعالى-، وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترسيخًا لركائز الإيمان عند الحثِّ على فعل الصالحات، وتَذْكِرًا بالإيمان عند النهي عن السيئات؛ هذا الاقتران الذي نجده في الكتاب والسنة يجعلنا نوقن بالعلاقة الوثيقة بين الإيمان والأخلاق.

أيها المؤمنون تتجلى علاقة العقيدة بالأخلاق من زاويتين اثنتين.
الأولى: الأخلاق الحميدة من ثمرات الإيمان.

هناك علاقة طردية بين الإيمان والأخلاق، فكلما كان الإيمان صحيحاً قوياً أثمر أخلاقاً حميدة، لذلك قال -عليه الصلاة والسلام-: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً» (رواه أبوداود والترمذي وصححه الألباني)، وفي آيات وفيرة وأحاديث كثيرة ربط الشارع بين الإيمان وحسن الخلق، ومن أمثلة ذلك:

-اقتضاء الإيمان للعدل: قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة:8).
- اقتضاء الإيمان للصدق: قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة:119).

-اقتضاء الإيمان للحياء: قال -عليه الصلاة والسلام-: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياءُ شعبة من الإيمان» (رواه مسلم وعند البخاري: بضع وستون).
-اقتضـاء الإيمان للكرم والبذل: قال - صلى الله عليه وسلم -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيكرم ضيفه...الحديث» (متفق عليه).
-اقتضـاء الإيمان للحب في الله: قال -عليه الصلاة والسلام-: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» رواه مسلم.
- اقتضـاء الإيمان للصبر والشكر:قال -عليه الصلاة والسلام-: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خيرٌ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له». رواه مسلم.

الثاني: منافاة الأخلاق السيئة للإيمان الكامل: ومن ذلك:

- منافاة السخرية والاستهزاء للإيمان: قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات:11).
- منافاة سوء الظن والتجسس والغيبة للإيمان: قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} (الحجرات:12).
- منافاة الكذب والإخلاف والخيانة للإيمان: قال -عليه الصلاة والسلام-: «آية المنافق ثلاثٌ؛ إذا حدّث كذب، وإذا وعَدَ أخلف، وإذ ائتمن خان» متفق عليه.
- منافاة إيذاء الجار للإيمان: قال - صلى الله عليه وسلم -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره». رواه البخاري، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جارُه بوائقه». رواه البخاري.
الغاية من وراء
أيها المؤمنون من هنا ندرك الغاية من وراء الأمر بالتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل ألا وهي: نزكية نفوسنا وتطهيرها لكي نفوز برضا الرحمن، وننجو بإذن ربنا من النيران، وقد أقسم سبحانه أحد عشر قسما متوالياً على أنه لا يستحق الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا من زكت نفسه وصفت، فقال -سبحانه-: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} الشمس:1- 10.
فضائل الأخلاق
ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار الدين وركناً أساساً من أركان العبادة.
ورد في الحديث «الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان «فالإيمان شعب، ويزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وإذا كان الحياء شعبة من الإيمان فسلب الحياء شعبة من شعب الكفر، وقس على ذلك الكذب والغدر، والسرقة، وغيرها.

مسئولية العلماء
إن مسؤولية العلماء والدعاة والأئمة والمصلحين والمعلمين كبيرة في إصلاح ما فسد من أخلاقيات الناس، ولن يتم ذلك إلا بغرس الاعتقاد الصحيح في قلوبهم حتى يعلموا أن الظلم بأنواعه-ظلم الخالق، وظلم النفس، وظلم الغير- عاقبته وخيمة، قال -تعالى-: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} البقرة124، وقال -تعالى-: {وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}آ عمران57، وقال -تعالى-: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} الأعراف44.