الشيب.. النذير العريان
د. خالد النجار

شعرات بيضاء تتسرب إلى سواد اللحية والرأس.. قليلة لكنها مقلقة، وبيضاء لكن الجميع لا يحبونها.. إنها أمارة الكبر وعلامة الكهولة ونذير لأيام العمر التي تسرب منها الكثير دون أن ندري. خاصة وأن هذه الشعرات لها أخوات سرعان ما يظهرن تباعا، وقرينات ربما غطين سواد الرأس في سرعة خاطفة.

والشيب رسالة لا يقرأها إلا الفطناء، ولا ينتبه لها إلا أهل العقل والرشد، فتراهم يلتفتون لأحوالهم ويصححون مسارهم ليحسن مآلهم، أما الغافلون فهم لا ينتبهون، وإن انتبهوا رأوا في الشيب سنة عابرة وظاهرة ماضية في البشر، ورأى بياض رأسه وما اعتبر.

ومن نام في ليل الشباب ضلالة

سيوقظه صبح المشيب إلى الرشد

قال تعالى: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} (فاطر:37).

أي: أولم نعمركم تعميرا يتذكر فيه المتذكر. وهو متناول لكل عمر يتمكن منه المكلف من إصلاح شأنه، والتدبر في آياته، وإن قصر، إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم. وقيل: هو ثمان عشرة سنة. وقيل: ما بين العشرين إلى الستين، وقيل: أربعون. وروي أن العبد إذا بلغ أربعين سنة ولم يتب، مسح الشيطان على وجهه. وقال: «وجه لا يفلح أبدا»، وقيل: ستون. وعنه " صلى الله عليه وسلم" : «العمر الذي أعذر الله فيه ابن آدم ستون سنة»، وفي البخاري عنه " صلى الله عليه وسلم" : «أعذر الله إلى أمرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة» (البحر المديد: 5/187).

عن عبدالله بن عمرو بن العاص "رضي الله عنه" قال: قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «لا تنتفوا الشيب، فإنه نور المسلم، من شاب شيبة في الإسلام، كتب الله له بها حسنة، وكفر عنه بها خطيئة، ورفعه بها درجة» (رواه أحمد).

فجر المشيب أوضح فجر يعاينه الإنسان، وهو فجر صادق لا يعتريه كذب ولا بهتان، فينبغي أن يكون بداية حياة جديدة عامرة بالتقوى والإيمان، ومجافاة أهل الضلال والخذلان، فالسعيد من قبل النذارة، والرشيد من رأى المنارة، فاهتدى بنورها، وسار على دربها، فبياض شيب المعتبرين، بيض وجههم يوم لقاء رب العالمين {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) } (آل عمران:106-107).