مساحة حب




يسرى الخطيب


هل نستطيع أن نربي أنساناً من جديد ؟ ماذا لو تحوّل الزواج إلى احتلال إنساني واستعمار فكري وعاطفي من أحد الطرفين للآخر؟!
هل يجوز استباحة طريقة تفكير إنسان ؟ هل من حقنا الاستخفاف بعاطفته؟ كيف نستطيع احتلال مشاعر إنسان لنعلّمه من جديد ما يحب وما لا يحب ، ونحدد له طريقة تفكير معينة ومستوى فهم محدد، وردّة فعل لا يحيد عنها؟! هل نظرتنا ورأينا مقياساً صادقاً لتقييم الآخرين ؟! ومن ثمّ محاولة تغييره حسب ما نراه صحيحاً؟ ألا يمكن للآخرين أن يروننا مليئين بالنواقص والأخطاء، ونحتاج إلى تعديل؟
إنه الاختلاف، آية من آيات اله سبحانه وتعالى في خلقه اختلاف اللون، والألسن، والأفكار، والمشاعر، والفهم، والرزق.. الخ. إذن فالاختلاف بين البشر حقيقة، فلماذا نريد أن نجعل الآخر يشبهنا؟
إنها دعوة لتقبّل الآخر، وأخصّ هنا الزوجين، لأن كثيراً من الخلافات الزوجية أساسها عدم استيعاب هذه الحقيقة، حقيقة الاختلاف بين الناس، فضلاً عن الاختلاف بين الذكر والأنثى..
إن ما يحتاجه شريكنا منّا أن نمنحه مساحة حبٍ تحوي وتحضن كل اختلافاتنا، لا أن نفرض عليه أن يكون نسخة عن صورة مرسومة في خيالنا.
إن مساحة الحب هذه هي الركيزة التي نبني عليها تقبّلنا للآخر وهي الفسحة النفسية الرحبة للتفاهم بعيداً عن الشدّ والتوتر و هي كفّة العدل التي تعلمنا أن لا ننسى الحلاوة عندما نذوق مّراً، ولا ننسى الجمال عندما نرى قبيحاً.
وهل يحق لنا أن ننفي عن أنفسنا الأخطاء وندّعي كمال الأدب والخلق الحسن؟
ربما يرانا أحبتنا كما نراهم أحياناً، قاسين، مذنبين ظالمين، مزعجين، ثائرين، فاقدي الأعصاب، متجهمين، وقد لا يروننا –كما ننسى أن نراهم-حنونين، محبين، هادئين، ، ممتلئين دفئاً وحرارة، حالمين، هائمين، كلنا رقة وعذوبة.
هكذا يروننا كما نراهم، فلنفكر قليلاً في مأساتهم معنا، ولنتوقف عن عزف سيمفونية مأساتنا معهم . فإذا كنا حقاً مختلفين في بعض الجوانب، ألا يعانون من ذلك كما نعاني؟
بإمكاننا جعل شريكنا جميلاً ورائعاُ، لا يضره بعض الأشواك المتناثرة في روضه. وذات الشخص يمكن أن نخاله قبيحاً وذميماً، لا يشفع له جمالا !
إن العدل والتوازن والواقعية في النظر إلى شريك الحياة بحيث لا تطغى سلبياته على إيجابياته، كفيلة بخلق مساحة حب كافية أن نتقبّل الآخر ولا نحاول احتلاله وتغييره.

في النهاية نقول: إن لم نمنح شريكنا مساحة حب، بيضاء، فإن النفور سيفرض نفسه مساحة سوداء لا تلوّنها كل محاولاتنا اليائسة.
وإن كان هناك سبب واحد يجعلك تنفر من حبيبك فإن هناك أسباباً تجعلك تذوب فيه حبّاً.
فلوّنوا مشاعركم الجميلة، أنعشوها، أعطوها لوناً وعطراً، امنحوها مساحة حب .