أن رسل الله وأنبياءه -من أولهم إلى آخرهم- بعثوا لدعوة العباد إلى توحيد الله بتوحيد العبادة، وكل رسول أول ما يقرع به أسماع قومه قوله: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ....، أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ .......، أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ . وهذا الذي تضمنه قول: (لا إله إلا الله)، فإنما دعت الرسل أممها إلى قول هذه الكلمة واعتقاد معناها، لا مجرد قولها باللسان. ومعناها: هو إفراد الله بالإلهية والعبادة، والنفي لما يعبد من دونه والبراءة منه، وهذا الأصل لا مرية فيما تضمنه، ولا شك فيه، وفي أنه لا يتم إيمان أحد حتى يعلمه ويحققه ]. قوله: إن الرسل عليهم الصلاة والسلام بعثوا للدعوة إلى توحيد الله بتوحيد العبادة. هذا أصل مجمع عليه والنصوص في هذا واضحة، قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وقال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]. وقد دعت الرسل أممها إلى قول هذه الكلمة واعتقاد معناها، لا مجرد قولها باللسان، فطلبت من أممها إفراد الله بالعبادة، والبراءة من الشرك وأهله، ولا يكفي مجرد قولها باللسان، وقد كان كفار قريش يعرفون معناها؛ ولهذا امتنعوا من قولها، ولذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكفار قريش: أطلب منكم كلمة إذا قلتموها ملكتم بها العرب، ودانت لكم بها العجم، فقال أبو جهل : ما هي هذه الكلمة؟ لنعطينك وعشر أمثالها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله. فرفض ونكص على عقبية، وجعل ينفض يديه ويقول: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ فرفض وامتنع أن يقولها، لأنه يعرف معناها، لكن عباد القبور اليوم يقولونها وهم يطوفون حول القبور، ولا يعرفون لمعناها، فتجده يقول: لا إله إلا الله وهو ينقضها بأفعاله، فيطوف حول القبر ويذبح له وينذر له، وما ذلك إلا لأنه لا يعرف معناها، وحتى قد وجد من بعض الجهال من يطوف حول الكعبة وهو يقول: يا رسول الله! يا رسول الله! فلا يعرف معنى التوحيد ولا معنى لا إله إلا الله، لكن كفار قريش يعرفون معناها، ولهذا قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الإمام المجدد في بعض رسائله: فلا خير في رجل كفار قريش أعرف منه بمعنى لا إله إلا الله، فعباد القبور كثير منهم لا يعرف معنى لا إله إلا الله، فيقولها بلسانه وينقضها بأفعاله، أما كفار قريش فيرفض أحدهم قولها، لأنه يعرف معناها؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: إنما دعت الرسل أممها إلى قول هذه الكلمة واعتقاد معناها، لا مجرد قولها باللسان. ومعنى هذه الكلمة: إفراد الله بالإلهية والعبادة، والنفي لما يعبد من دونه والبراءة منه، أي: تشتمل على شيئين: نفي وإثبات، فلا إله: نفي، وإلا الله: إثبات، فلا إله: هذا هو الكفر بالطاغوت، والبراءة من كل معبود سوى الله، ولذا كانت كلمة التوحيد مشتملة على كفر وإيمان: كفر بالطاغوت، وإيمان بالله، كفر بالطاغوت في قولك: لا إله، إذ هو نفي لجميع أنواع العبادة لغير الله، إلا الله: إثبات العبادة بجميع أنواعها لله، فهذا معناها، ولهذا قال المؤلف: ومعناها: هو إفراد الله بالإلهية والعبادة، والنفي لما يعبد من دونه والبراءة منه، وهذا الأصل لا مرية ولا شك فيما تضمنه، ولا يتم إيمان أحد حتى يعلمه ويحققه، وأنه يجب على كل إنسان أن يفرد الله بالعبادة، وأن يتبرأ من الشرك وأهله. [شرح تطهير الاعتقاد للشيخ عبد العزيز الراجحى]