منهجُ المؤمنين في التعامل مع كتاب ربِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ : (كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ) –آل عمران 7- ، وَيَشْتَمِلُ هَذَا الْـمَنْهَجُ عَلَى أَمْرَيْنِ :
الأول : الدخولِ في تشريعات الله تعالى المنزَّلة كافة دون تفريقٍ بينها ، بالتزامها والأخذِ بها كلِّها ، أصولها وفروعها : (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ ٢٠٨) -البقرة-.
الثاني : عَدَمِ اتِّباع ما تشابهَ مِنْهَا ، وردِّ المتشابه منها إلى الْـمُحْكْمِ : (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ ...وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٧) ، وَحَذَّرَ تَعَالَى فِي الْـمَوْضِعِ الْأَوَّلِ من أهل الضلالة ، الذين يقولونَ نؤمنُ ببعضِ الكتابِ ، ونكفرُ ببعضٍ ، ويريدونَ أن يتخذُوا بين ذلك سبيلًا : (...أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ٨٥ -البقرة- ، وَحَذَّرَ فِي الثَّانِي من الذينَ في قلوبِهِمْ زيغٌ : (فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ...٧) آل عمران- ، فالواجب على المسلم ألا يفرق بين تشريعات ربه المنزلة ، وأن يأخذ بها جميعا ، وإلا عُدَّ عَابِدًا لِـهَوَاه مِنْ حَيْثُ يَظُنَّ أنه يعبد الله ، والواجب عليه إن تعرض للمتشابه من القرآن -وهو الأقل- ، وهو ما قد يوهم ظاهرُه ما جاء المحكم برده وإبطَالِهِ مِنَ الْـمَعَانِي الْفَاسِدَةِ ، أَوْ مَا جاء المحكم ببيان وجهه المراد- ، أن يرده إليه ؛ ليتضحَ له الحق ، فلا يَضل ، ومن ذلك : وصفُ القرآنِ عيسى عَلَيْهِ السَّلَامُ- بأنه روح الله ، وكلمته في غير ما موضع في القرآنِ العظيم ، فَلَمَّا اتَّبعَ النَّصارى الْـمُتَشَابِهَ ، قَالُوا بِأُلُوهية عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ- ، فقالُوا هُوَ الله ، أَوِ ابْنُ اللهِ -حاشَا لله ، وسُبحانه- ، ومَنْ رَدَّ المتشابه إلى المحكم ، قال هو عبد الله ورسُوله ، كما في قوله تعالى : (إِنۡ هُوَ إِلَّا عَبۡدٌ أَنۡعَمۡنَا عَلَيۡهِ وَجَعَلۡنَٰهُ مَثَلٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ٥٩) -الزخرف- ، وقولِه حكاية لقول عيسى عَلَيْهِ السَّلَامُ- نفسه ، عن نفسه : (قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا ٣٠) -مريم- ، أَمَّا وَصْفُهُ بِأَنَّهُ رُوحُ الله وَكَلِمَتُهُ ، فذلك شرفُهُ ، وَوَجَاهَتُه ، ولبيان أنه كان بكلمةِ الله دونَ أَبٍ ؛ لذلك قال تعالى في السورة ردًا لهذا الاعتقادِ البَاطِلِ فيه عَلَيْهِ السَّلَامُ- : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٥٩).