المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بن عبدالله بن محمد
(يا نصر الله اقترب، يا نصر الله اقترب)،
أو أن بينهما فرقًا، بين ما يقصده الشيخ عبدالعزيز رحمه الله تعالى وبين قول هذا الصحابي الجليل؟!!
يبقي السؤال :هل لو قال الإنسان مثلا يا رحمة الله اقتربي أو يا عفو الله اقترب أو نحو ذلك، هل يقتضي ذلك أن الصفة شيء مستقل منفصل عن الله يسمع ويجيب، وقد نقلت كتب السير والتراجم عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال : فقدت الأصوات يوم اليرموك إلا رجل واحد يقول يا نصر الله اقترب والمسلمون يقتتلون هم والروم فذهبت أنظر فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد،
جزاكم الله خيرا وأثابكم وأيدكم ------------الجواب---النداء قد يريد به دعاءً أو أمراً أو التماساً.
وأما الصفة فقد يريد بالنصر الفعل الذي هو صفة الله، وقد يريد به المفعول الذي هو نصر الله المخلوق.
سئل الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه -إن لم يخني الفهم- يسأل عن أثر أبي سفيان هذا فقال ما حاصله:
إن هذا ليس دعاءً للصفة وإنما هو أسلوب من أساليب العرب فيه رجاء وأمل، قول القائل: ياليل طل!
فهو لا يدعو الليل ولا يرجوه ولكن رجاؤه وما يؤمله أن يتطاول الليل.
قال معلقه: وأمثلة هذا في كلام العرب أكثر من أن تحصر فلا أذكرها.
ثم ذكر الشيخ ما معناه:
أو هو من قبيل خطاب نصر الله المخلوق أي الشيء الذي يحصل لهم، فيكون النصر هنا المفعول لا الفعل الذي هو صفة الله، والنصر يطلق على فعل الرب ويطلق على المفعول الذي يخلقه الله لغلبة أحد الفئتين للأخرى.
والغرض منه حض النفس على الاقتراب منه وتحصيله.
قال معلقه عفى الله عنه: وهذا مثل قولك للدابة أو السيارة أسرعي أو خطابك لامر تعالجه مع أنه لايعقل الخطاب حضاً للنفس على الإسراع بقضاء الأمر وتعجيله.-------تقدير الكلام : يا صاحب نصر الله اقترب، كقولهم يا خيل الله اركبي؛ أي: يا أصحاب خيل الله اركبوا، وهذا مثل قول عنترة:
هلا سألت الخيل يابنة مالك = إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
أي هلا سألت أصحاب الخيل.
ونحوه قول عمرو بن لجأ:
وسبحت المدينة لا تلمها = رأت قمراً بسوقهم نهاراً
أي أهل المدينة وأضرب هذا كثيرة في القرآن، وكل ما يسميه بعضهم مجازاً بالنقص يمكن أن يستشهد به هنا.
فإن قيل هذا ضرب من التأويل خلاف للأصل، أجيب بأنه لايسلم بأن الأصل في الشعارات ترك الاختصار والحذف.
وإن سلم فإن الانتقال لمقتض صحيح تجتمع فيه شروط الحمل على المعنى المأول المعتبرة عند أهل العلم، وتنضم إليها أسباب أخرى فمنها:
أولاً:
دلة الأدلة على أنه لا يجوز له شرعاً أن يريد دعوة الصفة أو دعوة النصر المخلوق المضاف إلى الله إضافة خلق أو تشريف.
أما الأدلة على هذا فهي الكتاب والسنة والإجماع والعقل -ويحسن اختصار القول في بيان ذلك للعلم حتى لايطول الجواب- فأما أدلة الكتاب والسنة فهي كثيرة وهي كل دليل فيه الأمر بعبادة الله وحده، أو إفراده بالدعاء وهي معروفة لكل من قرأ القرآن تكاد تكون معلومة بالاضطرار.
وأما الإجماع فقد سبق نقله في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في رد ماض.
وأما العقل فإن الدعاء نداء والنداء لا يخاطب به من لايسمع ويجيب، فالعقل يقضي بترك نداء من لاسمع له ولا إجابة، ولعل من حجج نبي الله إبراهيم العقلية في رده على أبيه آزر ما قاله الله سبحانه عنه: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً)، ونحو هذه الحجة في القرآن في غير موضع.
ومن زعم أن صفات الله تسمع وتجيب فقد قال بغير حجة عقلية، ولا نقلية، بل زعم زعماً لابرهان له عليه، بل قال على الله بغير علم، بل افترى على الله ما لا يحط بعلمه.
ثانياً:
مثل هذا الأسلوب أو التجوز بالنقص معهود في لغة العرب، وله فوائد منها الاختصار ومقام المعركة يقتضيه، ومن فوائده كذلك التعميم ليشمل صاحب الأمر المعني ومحبه وأهله وغيرهم ممن يسمعه ويسعه الجواب، ولعل هذا المعنى ظاهر في قول اخوة يوسف (واسأل القرية التي كنا فيها والعير) الآية، فكأنهم أرادوا المبالغة اسأل كل شيء في القرية؛ الصغير والكبير والذكر والأنثى بل القرية كلها والعير.
وكذلك أبو سفيان أراد أن يعم أهل نصر الله وصاحبه ومحبه وإن لم يكن أهلاً له حال رخائه ونحو ذلك.
ثالثاً:
السياق كما هو ظاهر يحتمله.
وهذه الأمور الثلاثة كافية في تعيين لزوم حمل العبارة على شيء مما ذكر، وإن لم تكن شعاراً للمسلمين، وإذا لم يكن المقام مقام اختصار فكيف وقد قيل هي شعار ومقام المعركة ليس مقام كلام بل صمت واختصار.
ثم يقال رابعاً:
الجملة المنقولة (يا نصر الله! اقترب) ولم تشكل، فاحتمل أن يريد اقترَب، بفتح المهملة، فيكون قوله (يا نصر الله) بهذا الاعتبار من جملة ذكر صفة من صفات الله لتقوية حضور معنى معين يحض على الاجتهاد في القتال والثبات فيه، فهي من قبيل ذكر الرعاية كأن تقول الله معي، الله ناصري، الله ناظر إلي، ونحو ذلك مما يستدعى به حضور معنى مطلوب في النفس.
وقد يقال هذا الشكل للكلمة أولى من من الكسر، لأن نصر الله وصفاته لم تجر العادة بندائها ودعائها اللهم إلاّ إن أريد بالفعل المفعول فهذا مأثور في اللغة ويقصدون به مخلوقا خاصاً كنحو قول بشار:
يا رحمة الله حلي في منازلنا = وجاورينا فدتك النفس من جار
يا رحمة الله حلي غير صاغرة = على حبيب بدار الحب مرار
وقوله:
يا رحمة الله حلي في منازلنا = حسبي برائحة الفردوس من فيك
فجعل محبوبته رحمة الله التي هي مفعوله لأنها من أعظم الرحمة في ناظريه. كخلق الله مخلوقه، ولم يرد الصفة كما هو ظاهر.
وعلى هذا يكون قوله (اقترب) فمن قبيل قولهم أحد أحد، أو أمت أمت. ويمكن أن يكون تقديرها اقترب نولك أو غير ذلك.
خامساً:
العبارة في أقل أحوالها محتملة للأوجه التي أشير إليها، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال لا يقدم على المحكم، بل إن مثل هذا الاحتمال يبطل الاستدلال عندهم وإن كان النص دليلاً شرعياً فكيف إذا لم يكن بدليل؟
سادساً:
من أبى كل ذلك فيقال له: قول الصحابي يكون حجة بشروط عند المحققين الذين قالوا به، منها عدم معارضته لدليل، وهذا ما خالفه الدليل إذا أبيت إلاّ حمله على المعنى الذي تريد.
هذه بعض الأوجه التي خطرت ونشط إلى كتابتها ولعل فيها كفاية.
والله أعلم. [ منقول من كلام الاخ - حارث همام]