تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,841

    افتراضي الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية

    الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية (1)


    محمد أحمد العباد

    هذه مجموعة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث؛ حيث أفردها بعض أهل العلم فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة، ورتبتها على حروف المعجم، فإلى المادة:
    حرف الألف:

    1 - مسألة: (أَخِّرني وأزيدَك):
    وهي مسألة تُذكر في أحكام البيوع وأبواب الربا ونص على هذه التسمية بعض المالكية وصورة المسألة مثل أن يقول الشخص الذي عليه دين بمبلغ (3000د.ك مثلاً) عند حلول أجل الدين: «أَخِّرني، وأنا سأعطيك أكثر مما لك علي، وهذا لا يجوز؛ لأنه سلفً بزيادة وهو نحو ما كانت الجاهلية تفعل من الربا».(1)

    2 - مسألة (أم التشهدات / أم الجناحين):
    وهي مسألةٌ واحدةٌ تحمل لقبين، فسبب تسميتها بـ(أم التشهدات)(2) هو وجود أربعة تشهدات فيها، وسبب تسميتها بـ(أم الجناحين) (3) هو أن المصلي في هذه المسألة يقرأ في أول الصلاة بالفاتحة وسورة أخرى، ويقرأ كذلك في آخر ركعة الفاتحة مع سورة أخرى فلقِّبت بـ(أم الجناحين) لثِقل طرفيها بأم القرآن وسورة، وهذه المسألة، إنما هي وفق مذهب المالكية وتحديداً ابن القاسم تلميذ الإمام مالك -رحمهم الله- وصورة هذه المسألة هي ما إذا أدرك شخصٌ مع الإمام الركعة الثانية، وفاتته الثالثة والرابعة لرعاف، فإن هذا الشخص بعد غسل دم الرعاف عاد وقد وجد الإمام سَلَّمَ من الصلاة؛ وحينئذ فإنه يبني على ما صلاّهُ سابقاً، وذلك على النحو الآتي:
    1 - يأتي ويستأنف الركعة الثالثة - التي رعف فيها - ويقرأ بالفاتحة فقط، ومع ذلك يجلس للتشهد لأنها ركعته الثانية.
    2 - ثم يأتي بالرابعة كذلك ويجلس؛ لأنها آخرة الإمام.
    3 - ثم يقضي الركعة الأولى التي فاتته أولاً، ويقرأ فيها بالفاتحة وسورة، ويجلس فيها للتشهد ويسلِّم.

    فاجتمع في هذه الصلاة أربع تشهدات وكل واحد منها سنة.

    3 - مسألة (إيداع الشهادة):

    وهي أن يقول له الخصم: «لا أقرُّ لك حتى تبرئني من نصف الدين أو ثلثه، وأشهد عليك أنك لا تستحق عليّ بعد ذلك شيئاً».
    فيأتي صاحب الحق إلى رجلين آخرين فيقول: «اشهدا أني على طلبِ حَقِّي كُلِّه من فلان، وأني لم أبرئه من شيء منه وأنِّي فقط أريد أن أظهر مُصالحَتهُ على بعضهِ، وأني إذا أشهدتُ أنِّي لا أستحق عليه سوى ما صالحني عليه فهو إشهادٌ باطلٌ، وأني إنما أشهدتُ على ذلك توصلاً إلى أخذ بعض حقي).(4)

    4 - مسألة (الإيماء):
    إذا رأى الصيادُ صيداً ثم جرحه سهمه أو كلبه ثم غاب الصيد عنه ثم وجده ميتا:
    - فإن انتهى بذلك الجرح إلى حركة المذبوح حَلَّ ولا أثر لغيبته.
    - وإن لم ينتهِ نَظَرَ: إن وجده في ماءٍ أو وجدَ عليه أثر صدمةٍ أو جراحةٍ أخرى ونحو ذلك لم يحل سواء وجد الكلب عليه أم لا؛ لأنه لا يعلم كيف هلك.
    - وإن لم يكن فيه أَثَرٌ آخر ففيه ثلاثة طرق.

    قال النووي في (المجموع) (9/ 118): «قال أصحابنا -يعني الشافعية-: وتسمى هذه المسألة مسألة الإيماء، والله أعلم». اهـ
    الهوامش:
    (1) حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 165) الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ص 508).
    (2) انظر: الشرح الكبير للشيخ الدردير (1/ 275).
    (3) انظر: مجالس ابن القاسم التي سأل عنها مالكا (ص 94)، شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 243).
    (4) التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (6/ 272)، إعلام الموقعين لابن القيم (4/30)، شفاء الغليل في حل مقفل خليل (ص 638)، وللوقوف على أقوال الفقهاء في المسألة يُنظر: ا




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,367

    افتراضي رد: الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية

    موضوع غاية في الجمال.
    بارك الله في كاتبه وناقله.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,841

    افتراضي رد: الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    موضوع غاية في الجمال.
    بارك الله في كاتبه وناقله.
    وفيكم بارك فضيلة شيخنا الحبيب محمد
    نفع الله بكم ورفع قدركم فى الدارين

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,841

    افتراضي رد: الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية

    الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية (2)


    محمد أحمد العباد



    هذه المقالة الثانية ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث؛ حيث أفردها بعض أهل العلم؛ فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى، واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة، ورتبتها على حروف المعجم، فإلى المادة:

    حرف الباء:

    1 - مسألة ( البئر جحط ):

    صورة المسألة: أن يكون هناك بئرٌ فيه ماءٌ قليل، ثم يأتي شخص وينغمس في هذا الماء القليل ولكن ليس بنية رفع الحدث، وإنما بأي نية أخرى – كالتبرد مثلاً – فهل يجوز الوضوء بهذا الماء ؟


    عند الشافعية والحنابلة مثلاً يجوز، ولكن في المذهب الحنفي اختُلِف على ثلاثة أقوال يرمزون لها بـ (جحط):


    1 – فيرمزون بالـ (ج) إلى قول أبي حنيفة وهو أن الرجل نجس – أي لم يتطهر من الحدث -، والماء المستعمل كذلك نجس.

    2 – ويرمزون بالـ (ح) إلى قول أبي يوسف القاضي أن الرجل على حاله قبل الانغماس من حيث الطهارة وعدمها، وكذلك الماء على حاله.

    3 - ويرمزون بالـ (ط) إلى قول محمد بن الحسن الشيباني أن الرجل طاهر لعدم اشتراط الصب، وكذا الماء طاهر.(1)

    2 – مسألة (برذون ابن القاسم):

    وهي مسألة تُذكر في بيع السَّلَم وهو: «تعجيل الثمن وتأجيل استلام السلعة» وصورة المسألة إجمالاً هي أن الـمُسلِم (أي: المشتري) بعد دفعه الثمن وقبل حلول أجل السلم يقوم باسترداد الثمن فضلا عن جزءٍ من المسلَم فيه (أي: السلعة التي اشتراها)، وذكر المازري في «شرح التلقين» (2/ 360) أنه «جرى على الألسنة تسمية هذه المسألة (ببرذون ابن القاسم)، والسبب في ذلك أن ابن القاسم – تلميذ الإمام مالك – سئل عن هذه المسألة وكان المثال المذكور فيها هو (البرذون).


    حيث كانت صورة العقد – كما في (المدوَّنة) (3/ 166) – تتم وفق الخطوات الآتية:


    1 - أنّ رجلاً باع برذونًا بيعاً مؤجلاً، مقابل الحصول على عشرة ثياب.

    2 - ثمّ قبل حلول الأجل طلب صاحب البرذون من الطرف الآخر إنهاء عقد السلم مقابل أن يحصل على فَرَس غير فرسه التي باعها آخر ومع الفرس خمسة ثياب.

    ثم ذكر ابن القاسم عن الإمام مالك عدم جواز هذا النوع من التعاملات ؛ فهذه هي صورة المسألة – التي لسنا بصدد مناقشتها من الناحية الفقهية وإنما عرض معناها بإيجاز، والله أعلم.

    ماهو البرذون

    يطلق لفظ (البرذون) على غير العربي من الخيل و البغال من الفصيلة الخيلية

    3 – مسألة (البردعية):

    وهي مسألةٌ تدور حول تكرار الحلف بالطلاق في مجلس واحد، وتلقب بـ(البردعية) (البردعي نسبةً إلى (بردع) هي منطقة تقع حالياً في أذربيجان)؛ لأن أبا سعيد البردعي بعدما تفقَّهَ، ودرس المذهب الحنفي سُئِلَ عنها فلم يهتدِ إلى جوابها، فارتحل إلى بغداد وتعلم سبع سنين حتى صار من كبار فقهاء المذهب الحنفي، وصورة المسألة باختصار هي فيما لو كرر الرجل لامرأةٍ عقد عليها ولم يدخل بها - أو لامرأتين إحداهما لم يدخل بها - قائلاً: «إن حلفتُ بطلاقِكِ فأنت طالق»، ثم علَّق الطلاق على أمرٍ معيَّن فقال مثلاً: «إذا تزوجتكِ فأنتِ طالق» فإنه وفق مذهب الحنفية يقع الطلاق؛ لأن تعليق الطلاق في مذهبهم يُسمَّى في العرف حَلِفاً فيتعلق الحكم به.

    4 – مسألة (البضاعة):

    مسألة البضاعة هي مسألة تُذكر في (أحكام البيع) وضمن الأحكام المترتبة على (الغصب) ويُنصُّ عليها بهذه التسمية في كتب الشافعية(3)، وهي أنه إذا تعدى رجلٌ على مال غيره فإن المال لن يخلو من حالة مما يأتي:

    - إما أن يهلك المال و يخسر في تجارته؛ فإنَّه يضمن لصاحب المال ماله.

    - وإما أن يتاجر به ويربح فيه.

    فهنا لو تاجَرَ بالمال، فاشترى بضاعةً وتاجَرَ فيها وربح، فهنا هل يُضمَن فقط المبلغُ الذي تعدَّى فيه ؟ أم يضمن المبلغ وأرباح المبلغ ؟ اختلف في ذلك على قولين، قال ابن الرفعة الشافعي في «كفاية النبيه» (10/ 471): «فهذه المسألة تعرف بمسألة البضاعة». اهـ

    5 – مسألة (بيعة أهل المدينة):

    هذه المسألة معروفة في المذهب المالكي، ومعناها هو: شراء مقدار محدد دورياً من بائعٍ دائم العمل كالخباز والجزَّار والبقَّال واللَّبَّان، فأشتري منه كل يومٍ مثلاً مقداراً محدداً من اللبن أو اللحم أو الخبز، ويُؤَجَّل فيها الثمن، فهذه المسألة تُسمَّى (بيعة أهل المدينة)؛ لاشتهارها بينهم، قال ابن رشد في (البيان والتحصيل) (7/ 208): «اشتهر ذلك في فعلهم حتى صار يسمى بيعة أهل المدينة؛ ذكر ذلك مالك عن عبد الرحمن بن المجمر عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه قال: كنا نبتاع اللحم كذا وكذا رطلا بدينار، نأخذ كل يوم كذا وكذا رطلا والثمن إلى العطاء». (فائدة: ويتخرَّج على القول بجواز هذه المعاملة جواز عقود التوريد، كعقود الإعاشة والتغذية للمدارس وشركات الطيران والمستشفيات ونحوها؛ حيث يتم التسليم فيها على دفعات قد تكون يومية، أو شهرية على مدى عام أو أكثر أو أقل، ويتم دفع الثمن في نهاية العقد، أو أثناء التنفيذ على أقساط). (4) اهـ


    الهوامش:


    (1) انظر: تبيين الحقائق للزيلعي (1/ 25)، البناية للعيني (1/ 406)، الموسوعة الفقهية الكويتية (1/ 82).

    (2) البحر الرائق لابن نجيم (3/ 321)

    (3) انظر: فقه المعاملات الحديثة للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص 100)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة للدبيان (8/ 515).
    (4) انظر: الأم للشافعي (4/ 10)، روضة الطالبين للنووي (5/ 133)



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,367

    افتراضي رد: الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو وليد البحيرى مشاهدة المشاركة

    وفيكم بارك فضيلة شيخنا الحبيب محمد
    نفع الله بكم ورفع قدركم فى الدارين


    آمين وإياكم
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    480

    افتراضي رد: الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية

    موضوع طريف ومفيد.زادكم الله علما وتقى،ووفقكم إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,841

    افتراضي رد: الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية

    آمين
    جزاكم الله خيرا واحسن الله إليكم

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,841

    افتراضي رد: الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية

    الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية (3)


    محمد أحمد العباد


    هذه المقالة الثالثة ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث؛ حيث أفردها بعض أهل العلم؛ فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى، واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة، ورتبتها على حروف المعجم، فإلى المادة في حرف التاء:
    1 – مسألة (تطارح الدَّينَين):

    وهي فيما إذا كان لرجلٍ في ذمة آخر دنانير (مثلاً 1 دينار إسلامي ويعادل 4.25 جرام من الذهب)، وللآخر عليه دراهم (مثلاً 10 دراهم وتعادل 30 جرام –تقريباً- من الفضة)؛ بحيث يكون كلٌّ من الطرفين دائناً للآخر ومديناً له في الوقت نفسه، فيتفق كِلا الطرفين على المقاصة: بأن يطرح كل واحد منهما دينه على الآخر، فيسقطُ دَينُ هذا بسقوطِ دين ذاك.
    وهذه المسألة لها تسميات عدة، فقال السبكي مثلاً في (تكملة المجموع) (10/ 107): «وهذه المسألة تسمى بتطارح الدينين». اهـ، وسماها ابن القيم: «بيع الساقط بالساقط». اهـ، وجاء في (الموسوعة الفقهية الكويتية) (26/ 364): «ولُقِّبت هذه المسألة بـ «الصرف في الذمة»، وهي في الحقيقة من المسائل الخلافيّة التي تنبني عليها أنواع وتطبيقات معاصرة.(1)


    2 - مسألة: (تغدَّ معي):
    وهي مسألةٌ تُذكر في باب الحَلِف والأَيْمَان ومفادها أنه في اليمين هل يؤخذ فقط بمنطوق اللفظ ومدلوله دون النظر إلى القرائن والسِّياق والحال التي قيلت فيها تلك اليمين؟ قال ابن نجيم في (الأشباه والنظائر) (ص 40): «لأن الكلام يتقيد بقرينة الحال كما في يمين الفور، وهي مسألة يقال: تَغَدَّ معي». اهـ وذلك لكثرة تردد هذا المثال على ألسنة الفقهاء، وكيفيته: في من دخل عليه صديقه فقال له مثلاً: «تَغَدَّ معي... وإن لم تتغد معي فامرأتي طالقٌ»، أو مثلاً دخل عليه صديقه فقال: «تغدَّ معي» فردَّ عليه صديقه قائلاً: «والله لا أتغدى معك»، فهنا هل تقتصر اليمين على غداء تلك الوجبة المخصوصة في ذلك الوقت المخصوص؟ أم أنها لا تقتصر؟ بحيث لو تغدى معه في يومٍ آخر لانحلَّت اليمين؟ على قولين.(2)


    3 – مسألة (التهاتر):
    يذكر الفقهاء في أبواب القضاء والدعاوى والبيِّنات مسألةً، وهي فيما إذا تخاصم طرفان على أمرٍ ما، وكان لكُلِّ طرفٍ منهما بيِّنةٌ قويةٌ تؤكد صحة قوله وتكذب الطرف الآخر؛ فهنا يقال: «تهاترت البينتان» أي: تعارضتا وتساقطتا، وتهاتر الرجلان إذا ادعى كل واحد على الآخر باطلا، قال االكاساني في (بدائع الصنائع) (6/ 237): «وهي مسألة التهاتر». اهـ


    وهذه المسألة لها ثلاث حالات:
    - الأولى: أن يمكن العمل والأخذ بالبينتين معاً.
    - الثانية: ألا يمكن العمل والأخذ بالبينتين معاً، ولكن يوجد ما يرجّح بينة أحد الطرفين على الآخر.
    - الثالثة: ألا يمكن العمل والأخذ بالبينتين معاً ولا يوجد ما يرجّح بينة أحد الطرفين على الآخر.
    ولِكُلِّ حالةٍ من هذه الحالات الثلاث طرائق وتفصيلات تختلف من مذهبٍ لآخر ليس هذا موضع تفصيلها، والله أعلى وأعلم.(3)


    الهوامش:
    (1) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 472)، إعلام الموقعين لابن القيم (1/ 293)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (3/ 95).
    (2) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 13)، البحر المحيط في أصول الفقه (4/ 289)، كفاية النبيه في شرح التنبيه (14/ 477)، الموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 309)
    (3) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (12)

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,841

    افتراضي رد: الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية

    الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية (5)


    محمد أحمد العباد

    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه المقالة الخامسة ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث؛ حيث أفردها بعض أهل العلم، فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى، واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة، ورتبتها على حروف المعجم، فإلى المادة:



    1 – مسألة (الدجاجة واللؤلؤة):

    هذه المسألة من الفروع الفقهية لقاعدة (الضرر يزال) (1)، ومسألة الدجاجة واللؤلؤة صورتها أن يغصب الغاصب دجاجةً ولؤلؤة، فتبتلع الدجاجة اللؤلؤة، فيقال له: إن لم تذبح الدجاجة، غرّمناك اللؤلؤة، وإن ذبحت الدجاجة غرَّمناك الدجاجة واستخرجنا اللؤلؤة ليأخذها مالكها. (2)

    2 – مسألة (الدهشة):

    لو سرق رجلٌ أو قطع غيره اليدَ اليمنى لشخصٍ آخر ؛ فإن الواجب الشرعي هنا هو قطع يده اليمنى من باب القِصاص أو من باب تطبيق الحد، ولكن صورة مسألة الدهشة تتمثل فيما لو أن الشخص الذي يطبق عقوبة القطع قطع اليد اليسرى بدل اليمنى لسبب من الأسباب كأن يقول السارق مثلاً (ظننت أن اليسرى هي اليمني فأخرجتها) أو يقول: (دهشت فأخرجتها)، أو يقول القاطع: (ظننت أن اليسرى تجزئ عن اليمنى فقطعتها) أو نحو ذلك من الأسباب قال في «مغني المحتاج» (5/ 285): «فهذه المسألة تسمى مسألة الدهشة». اهـ وقد اختلف الفقهاء (3) فيما يترتب على ذلك الخطأ هل يضمنه الإمام؛ بحيث يعوَّض من قُطِعت يده وتُقطع يده اليمنى؟ أم قد أجزأه قطع اليسرى فقط؟ ومعنى (دهش) كما هو معلوم لغةً أي: تحيَّر و ذهب عقله من الذهل ومن الفزع ونحوه. (4)

    3 – مسألة (الدولابية):

    وهذه التسمية تَرِدُ في مذهب المالكية لمسألة تتمثل فيما لو: شكَّ زوجٌ هل طلَّق زوجته طلقةً واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً فماذا يترتب على ذلك؟

    ينص بعض فقهاء المذهب المالكي على:

    1 – أنها لا تحلُّ له إلا بعد أن تتزوج زوجاً غيره ؛ وذلك لوجود الشك والاحتمال في كونه قد طلقها ثلاثا.

    2 - ولكن بعد أن فارقها الزوج الجديد عاد الأول وتزوجها ثم طلَّقها مرةً أخرى!.

    فهنا يربط بعض المالكية بين عدد الطلقات في كلٍّ من زواجيه الحالي مع الطلقات التي شك في عددها من زواجه الأول، فيقولون: (لو طلقها بعد زواجه الثاني مرةً أو اثنتين، فإنها لا تحل إلا بعد زوج)، وذلك لوجود احتمال أن يكون عدد الطلقات التي شك فيها من زواجه الأول طلقتين فقط فتكون هذه هي الثالثة.

    3 - ثم أيضاً تزوجها رجلٌ آخر وطلَّقها، فعاد إليها زوجها الأول للمرة الثالثة ثم طلَّقها مرةً أخرى!

    فهنا كذلك يُربط عند بعض المالكية بين عدد الطلقات في كلٍّ من زواجيه الحالي مع الطلقات التي شك في عددها من زواجه الأول، فيقولون أيضاً: «لو طلقها بعد زواجه الثالث، فإنها لا تحل إلا بعد زوج» وذلك لوجود احتمال أن يكون عدد الطلقات التي شك فيها من زواجه الأول طلقة واحدة فقط؛ بحيث تكون طلقة زواجه الثاني هي الثانية، وطلقته بعد زواجه الثالث هي الثالثة.

    وجاء في (المعيار المعرب للونشريسي) (4/ 282–283 باختصار وتصرف يسير.

    هذه المسألة هي الملقبة في المذهب المالكي بـ(الدُّولابيّة) ، لبقاء الشك ودَوَرانِهِ فيها على قول ابن القاسم.

    وفيها كتب شيخ دولة الموحدين بتونس في زمانه الشيخ الحاجب أبو محمد عبد الله بن تافراجين لما نزلت به هذه المسألة نفسها إلى شيخ فقهاء المالكية في تونس الشيخ أبي عبد الله ابن عرفة رحمه الله، وخاطَبه بأبياتْ فيها محاسن وآياتْ، فقالْ وأجاد في المقالْ:

    يا دوحةَ الأدبِ المُصَوَّرِ في العُلا


    منك استَطَبنا الطَّعمَ والمشموما

    أَوْرَتْ زنادك في العلومِ فأصبَحَت

    تُهدِي إليكَ نفائساً وعُلوما

    ماذا ترى لمُتَيَّمٍ لَعِبَت بهِ

    أيدي الزمانِ فصَبَّحتهُ هَشِيما

    ذِي زوجتينِ كريمتينِ مِن العُلا

    أصلاً وفرعاً زادَتا تكريما

    بيضاوتانِ عليهما نَسَجَ الحَيا

    حُلَلاً فأصبَحَتَا بذاك نظيما

    أبدى اليمينَ بزوجتيهِ ولم يكن

    يدري مراداً قالَ أو تَحرِيما

    ولقد يجولُ بِفكرِهِ في رأسهِ

    ويُمَحِّصُ الأوهام والتقسِيما

    فيعود وهو مُشَكَّكٌ في أمرِهِ

    قد كان يمنعُ جفنَهُ التنوِيما

    أفصِح فديتُكَ ما سألتُ مُحَقِّقاً

    تجلو عُلاه وتمنع التَّعلِيما




    فأجابه الإمام شيخ الإسلام أبو عبد الله ابن عرفة -رحمه الله- قائلاً:

    يا من غَدَا مثلاً لحُسنِ فعالِهِ


    ومقالِهِ المعقولِ والمنقولِ

    يا مَن نتائج فِكرِهِ معلومةٌ

    بالصدقِ مِثلَ دفاعِهِ المأمولِ

    مَن شَكَّ في عددِ الطلاقِ لحنثهِ

    في حلفهِ بمقالهِ المبذولِ

    مشهورُ مذهبِنا يُعَمَّمُ حِنثهُ

    في كلِّ معنى شَكِّهِ المدلولِ

    ومقالةٌ أخرى تُخصِّصُ حِنثَهُ

    بيقِينِهِ لا شَكِّه المحلولِ

    وَجْهاهُما استصحابُ حكمٍ سابق

    مُتَيَقَّنٍ أو لاحقٍ مجهولِ؟

    فانظر بعين كمالِكُم ومجالكم

    في مَنزَعاتِ العقلِ والمنقولِ

    حواشي


    (1) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (28/ 181)


    (2) انظر: عيون المسائل للسمرقندي الحنفي (ص 230)، نهاية المطلب للجويني (14/ 453)، تحفة المحتاج للهيتمي (8/ 175)

    (3) انظر: تبيين الحقائق للزيلعي (3/ 227) الذخيرة للقرافي (12/ 184)، نهاية المطلب للجويني (16/ 273)، الكافي لابن قدامة (3/ 277)، الموسوعة الفقهية الكويتية (19/ 173)
    (4) تاج العروس (17/ 209)



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,841

    افتراضي رد: الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية

    الجمل الندية من ألقاب المسائل الفقهية (6)


    محمد أحمد العباد




    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه المقالة السادسة ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث؛ حيث أفردها بعض أهل العلم؛ فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى، واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة، ورتبتها على حروف المعجم، فإلى المادة:

    1 – مسألة (الرد في الدرهم):
    وهي مسألة ينص على تسميتها بهذا الاسم فقهاء المالكية، وصورتها أن يعطى الإنسان درهماً، ويأخذ أمرين مقابل هذا الدرهم:
    أ – يأخذ بنصفه أو طعاما أو غير ذلك.
    ب – ويأخذ بالباقي فضة.
    قال الحطاب في (مواهب الجليل) (4/ 318): «هذه المسألة تعرف بمسألة الرد في الدرهم». اهـ وقد اختُلِف فيها بين قول بالمنع وبين الجواز بشروط: كأن يكون ذلك في الدرهم الواحد فأقل، وأن يكون ذلك يداً بيد خوفاً من التأخير بين الفضتين، وأن يكون المردود النصف فأقل، وغير ذلك من الشروط، والله أعلم.
    2 - مسألة (الزُّبـيـة):
    وهي مسألةٌ تُذكر في أبواب الحدود والجنايات، والزُّبية – كما قال ابن الأثير في (النهاية) (2/ 295) – هي عبارة عن حفيرة تحفر للأسد والصيد ويغطى رأسها بما يسترها ليقع فيها الصيد، وصورة مسألة (الزبية) أن يتدافع ويتزاحم جماعةٌ عند حفرةٍ أو موضعٍ يؤدي الولوج أو السقوط فيه إلى الهلاك، فتسقط منهم مجموعة بسبب محاولة كلُّ واحدٍ منهم الخروج من خلال جذب غيره والتعلق به، قال أبو إسحاق ابن مفلح في (المبدع شرح المقنع) (7/ 278): «فتسمى هذه المسألة: مسألة (الزُّبْيَة)». اهـ وسبب تسمية المسألة بذلك هو ما روي في (مسند أحمد) (2/ 15) عن علي رضي الله عنه قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فانتهينا إلى قوم قد بنوا زُبيةً للأسد، فبينا هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل، فتعلَّق بآخر، ثم تعلق رجلٌ بآخر، حتى صاروا فيها أربعة، فجرحهم الأسد، فانتدب له رجلٌ بحربةٍ فقتله، وماتوا من جراحتهم كلهم.
    فقام أولياء الأول إلى أولياء الآخر، فأخرجوا السلاح ليقتتلوا، فأتاهم علي رضي الله عنه على تفيئة ذلك، فقال: «تريدون أن تَقاتَلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي؟! إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم فهو القضاء، وإلا حُجِزَ بعضكم عن بعضٍ حتى تأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيكون هو الذي يقضي بينكم، فمَن عَدَا بعد ذلك فلا حق له.
    اجمعوا مِن قبائل الذين حضروا البئر: ربع الدية، وثلث الدية، ونصف الدية، والدية كاملة، فللأول الربع؛ لأنه هلك من فوقه، وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية» فأبوا أن يرضوا.
    فأتوا النبي صلى الله عليه وسلموهو عند مقام إبراهيم، فقصوا عليه القصة، فقال: «أنا أقضي بينكم» واحتبى، فقال رجل من القوم: «إنَّ عليّاً رضي الله عنه قضى فينا»، فقصّوا عليه القصة، فأجازه رسول اللهصلى الله عليه وسلم»، وقال الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) (2/478): «سنده حسن» والأخذ بهذا الحديث هو من مفردات الحنابلة في رواية، وقد أطال ابن القيم في (إعلام الموقعين) (2/ 23) في ترجيحه، والله أعلم.(1)
    3 - مسألة (زِه):
    وهي تلقب بهذا اللقب عند الحنفية، وصورتها: فيمن سها عن التشهد الأخير وقام لركعة أخرى زائدة (كمن يقوم سهواً لركعة ثالثة في صلاة الفجر أو لخامسة في صلاة الظهر)؛ فالواجب عليه حينئذ أن يعود للتشهد الأخير، ولكن وقع عند الحنفية خلافٌ فيما لو استمر ساهياً حتى سجد سجدتين في تلك الركعة الزائدة فهل تبطل الصلاة بوضع الرأس على الأرض للسجدة الثانية كما هو قول أبي يوسف القاضي؟ أم أنها تبطل برفع الرأس من السجدة الثانية كما هو قول محمد بن الحسن الشيباني؟
    وأثر الخلاف يظهر فيمن سبقه الحدث وهو ساجد؛ فعند أبي يوسف تكون صلاته بطلت بمجرد وضع الرأس ولا أثر للحدث، بينما عند محمد يكون قد أتمَّ الصلاة وأخرجه الحدث من صلاته.(2)
    وأما سبب تسميتها بـ (زِه) فهو أن أبا يوسف القاضي لما بلغه قول محمد بن الحسن قال: «زِه ! صلاةٌ فسدَت يُصلِحها الحدث؟!»(3). اهـ
    و(زِه) هي كلمة استعجاب عند أهل العراق وكذا عند العجم (4)، وإنما قالها أبو يوسف هنا من باب التهكم.(5)
    4 - مسألة (السريجية):
    المسألة السريجية نسبةً إلى أبي العباس ابن سريج الشافعي (6)، وهي مسألة حدثت في الإسلام بعد المائة الثالثة، والهدف منها هو منع الرجل من القدرة على الطلاق، بل تسد عليه باب الطلاق بكل وجه، فلا يبقى له سبيل إلى التخلص منها، وصورة هذه الحيلة أن يقول: كلما طلقتك - أو كلما وقع عليك طلاقي - فأنت طالقٌ قبله ثلاثاً، فقال ابن سريج ومن وافقه: «إن الرجل لو قال في وقتٍ لاحقٍ لامرأته: (أنتِ طالق) لم تطلق؛ لأنه قد سبق وأن ربط أيَّ طلاقٍ يطلقها به بـ ثلاث طلقاتٍ قبله»، بمعنى أنه لو أوقعنا الطلاق الجديد فيلزم من ذلك وقوع ثلاث طلقاتٍ قبله، وبما أن هذه الثلاث لا يمكن ولا يُتصَوَّر وقوعها، فبالتالي حتى الطلاق المنجَّز الذي ربطه وعلَّقه عليها لن يقع.
    وقد ردَّ أكثر الفقهاء على ذلك قائلين: إن التعليق هنا باطلٌ أصلاً، بل هو كالعدم لا وجود له ولا أثر؛ لأن مضمونه وقوع طلقةٍ مسبوقةٍ بثلاث طلقات! وهذا باطل في دين المسلمين، ومضمونه أيضاً أنه (إذا وقع عليكِ طلاقي، لم يقع عليكِ طلاقي!!) وهذا جمع بين النقيضين، وقد تناول هذه المسألة وأطال فيها النَّفَس العلاّمة ابنُ القيم -رحمه الله- في (إعلام الموقعين) (3/ 197 وما بعدها)، فليُراجع.

    الحواشي:

    (1) المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد (2/ 709)
    (2) انظر: النهر الفائق لسراج الدين ابن نجيم (1/ 329)
    (3) انظر: البناية شرح الهداية للحافظ العيني (2/ 620)
    (4) انظر: الكليات للكفوي (ص 491)، تاج العروس (36/ 391).

    (5) انظر: فتح القدير للكمال ابن الهمام (1/ 511)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 150).
    (6) انظر: منحة الخالق لابن عابدين (3/ 293)، التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (4/ 413)، مواهب الجليل للحطاب (4/ 64)، شرح مشكل الوسيط لابن الصلاح (3/ 625)، روضة الطالبين للنووي (8/ 165)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (33/ 240)، كشاف القناع للبهوتي (5/ 298)، الموسوعة الفقهية الكويتية (36/ 247)


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •